من سورة الإسراء إلى سورة فاطر

سُورَة الْإِسْرَاء

272 - قَوْله تَعَالَى {ويبشر الْمُؤمنِينَ الَّذين يعْملُونَ الصَّالِحَات أَن لَهُم أجرا كَبِيرا} وخصت سُورَة الْكَهْف بقوله {أجرا حسنا} لِأَن الْأجر فِي السورتين الْجنَّة وَالْكَبِير وَالْحسن من أوصافها لَكِن خصت هَذِه السُّورَة بالكبير مُوَافقَة لفواصل الْآي قبلهَا وَبعدهَا وَهِي {حَصِيرا} أَلِيمًا 10 عجولا 11 وجلها وَقع قبل آخرهَا مُدَّة وَكَذَلِكَ فِي سُورَة الْكَهْف جَاءَ على مَا تَقْتَضِيه الْآيَات قبلهَا وَبعدهَا وَهِي {عوجا} {أبدا} {ولدا} وجلها قبل آخرهَا متحرك

وَأما رفع {يبشر} فِي سُبْحَانَ ونصبها فِي الْكَهْف فَلَيْسَ من الْمُتَشَابه

273 - قَوْله {لَا تجْعَل مَعَ الله إِلَهًا آخر فتقعد مذموما مخذولا} وَقَوله {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك وَلَا تبسطها كل الْبسط فتقعد ملوما محسورا} وَقَوله {وَلَا تجْعَل مَعَ الله إِلَهًا آخر فَتلقى فِي جَهَنَّم ملوما مَدْحُورًا} فِيهَا بعض الْمُتَشَابه وَيُشبه التّكْرَار وَلَيْسَ بتكرار لِأَن الأولى فِي الدُّنْيَا وَالثَّالِثَة فِي العقبى الثَّانِيَة الْخطاب فِيهَا للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمرَاد بِهِ غَيره وَذَلِكَ أَن امْرَأَة بعثت صَبيا لَهَا إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى تسأله قَمِيصًا وَلم يكن عَلَيْهِ وَلَا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيص غَيره فَنَزَعَهُ وَدفعه إِلَيْهِ فَدخل وَقت الصَّلَاة فَلم يخرج حَيَاء فَدخل عَلَيْهِ أَصْحَابه فوجدوه على تِلْكَ الْحَالة فلاموه على ذَلِك فَأنْزل الله تَعَالَى {فتقعد ملوما}

يلومك النَّاس محسورا مكشوفا هَذَا هُوَ الْأَظْهر من تَفْسِيره

274 - قَوْله {وَلَقَد صرفنَا فِي هَذَا الْقُرْآن لِيذكرُوا} وَفِي آخر السُّورَة {وَلَقَد صرفنَا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن} إِنَّمَا لم يذكر فِي أول سُبْحَانَ {للنَّاس} لتقدم ذكرهم فِي السُّورَة وَذكرهمْ فِي آخر السُّورَة 89 وَذكرهمْ فِي الْكَهْف إِذْ لم يجر ذكرهم لِأَن ذكر الْإِنْس وَالْجِنّ جرى مَعًا فَذكر النَّاس كَرَاهَة الالتباس

وَقدمه على قَوْله {فِي هَذَا الْقُرْآن} كَمَا قدمه فِي قَوْله {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ} ثمَّ قَالَ {وَلَقَد صرفنَا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن}

وَأما فِي الْكَهْف فَقدم {فِي هَذَا الْقُرْآن} لِأَن ذكره جلّ الْغَرَض وَذَلِكَ أَن الْيَهُود سَأَلته عَن قصَّة أَصْحَاب الْكَهْف وقصة ذِي القرنين فَأوحى الله إِلَيْهِ فِي الْقُرْآن فَكَانَ تَقْدِيمه فِي هَذَا الْموضع أَجْدَر والعناية بِذكرِهِ أَحْرَى

275 - قَوْله {وَقَالُوا أئذا كُنَّا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جَدِيدا}

49 - ثمَّ أَعَادَهَا فِي أخر السُّورَة بِعَينهَا من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان 98 لِأَن هَذَا لَيْسَ بتكرار فَإِن الأول من كَلَامهم فِي الدُّنْيَا حِين جادلوا الرَّسُول وأنكروا الْبَعْث وَالثَّانِي من كَلَام الله تَعَالَى حِين جازاهم على كفرهم وَقَوْلهمْ وإنكارهم الْبَعْث فَقَالَ {مأواهم جَهَنَّم كلما خبت زدناهم سعيرا} {ذَلِك جزاؤهم بِأَنَّهُم كفرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أئذا كُنَّا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جَدِيدا}

276 - قَوْله {ذَلِك جزاؤهم بِأَنَّهُم كفرُوا بِآيَاتِنَا} وَفِي الْكَهْف {ذَلِك جزاؤهم جَهَنَّم بِمَا كفرُوا} اقْتصر فِي هَذِه السُّورَة على الْإِشَارَة لتقدم ذكر جَهَنَّم

وَلم يقْتَصر فِي الْكَهْف على الْإِشَارَة دون الْعبارَة لما اقْترن بقوله {جنَّات} فَقَالَ {جزاؤهم جَهَنَّم بِمَا كفرُوا} الْآيَة ثمَّ قَالَ {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كَانَت لَهُم جنَّات الفردوس نزلا} ليَكُون الْوَعْد والوعيد كِلَاهُمَا ظَاهِرين للمستمعين

277 - قَوْله {قل ادعوا الَّذين زعمتم من دونه} وَفِي سبأ {ادعوا الَّذين زعمتم من دون الله} لِأَنَّهُ يعود إِلَى الرب فِي هَذِه السُّورَة وَقد تقدم ذكره فِي الْآيَة الأولى وَهُوَ قَوْله {وَرَبك أعلم} وَفِي سبأ لَو ذكر بِالْكِنَايَةِ لَكَانَ يعود إِلَى الله كَمَا صرح فَعَاد إِلَيْهِ وَبَينه وَبَين ذكره سُبْحَانَهُ صَرِيحًا أَربع عشرَة آيَة فَلَمَّا طَالَتْ الْآيَات صرح وَلم يكن

278 - قَوْله {أرأيتك هَذَا الَّذِي} وَفِي غَيرهَا {أَرَأَيْت} لِأَن ترادف الْخطاب يدل على أَن الْمُخَاطب بِهِ أَمر عَظِيم وخطب فظيع وَهَكَذَا هُوَ فِي هَذِه السُّورَة لِأَنَّهُ لَعنه الله ضمن أخطال ذُرِّيَّة بني آدم عَن آخِرهم لَا قَلِيلا وَمثل هَذَا {أَرَأَيْتكُم} فِي الْأَنْعَام فِي موضِعين وَقد سبق

279 - قَوْله {وَمَا منع النَّاس أَن يُؤمنُوا إِذْ جَاءَهُم الْهدى} وَفِي الْكَهْف بِزِيَادَة {ويستغفروا رَبهم} لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة مَعْنَاهُ مَا مَنعهم عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَوْلهم {أبْعث الله بشرا رَسُولا} هلا بعث ملكا وجهلوا أَن التجانس يُورث التآنس والتغاير يُورث التنافر وَمَا فِي الْكَهْف مَعْنَاهُ مَا مَنعهم عَن الْإِيمَان وَالِاسْتِغْفَار إِلَّا إتْيَان سنة الْأَوَّلين

قَالَ الزّجاج إِلَّا طلب سنة الْأَوَّلين وَهُوَ قَوْله {إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة} فَزَاد {ويستغفروا رَبهم} لاتصاله بقوله {سنة الْأَوَّلين} وهم قوم نوح وَهود وَصَالح وَشُعَيْب كلهم أمروا بالاستغفار فنوح يَقُول {وَيَا قوم اسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} وَصَالح يَقُول {فاستغفروه ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِن رَبِّي قريب} وَشُعَيْب يَقُول {وَاسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِن رَبِّي رَحِيم ودود} فَلَمَّا خوفهم سنة الْأَوَّلين أجْرى المخاطبين مجراهم

280 - قَوْله {قل كفى بِاللَّه شَهِيدا بيني وَبَيْنكُم} وَفِي العنكبوت {قل كفى بِاللَّه بيني وَبَيْنكُم شَهِيدا} كَمَا فِي الْفَتْح {وَكفى بِاللَّه شَهِيدا}

28 - والرعد {قل كفى بِاللَّه شَهِيدا} وَمثله {وَكفى بِاللَّه نَصِيرًا} {وَكفى بِاللَّه حسيبا} فجَاء فِي الرَّعْد وَسُبْحَان على الأَصْل وَفِي العنكبوت أخر {شَهِيدا} لِأَنَّهُ لما وَصفه بقوله {يعلم مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} طَال فَلم يجز الْفَصْل بِهِ

281 - قَوْله {أولم يرَوا أَن الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَادر} وَفِي الْأَحْقَاف {بِقَادِر} وَفِي يس 81 لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة خبر أَن وَمَا فِي يس خبر لَيْسَ فَدخل الْبَاء الْخَبَر وَكَانَ الْقيَاس أَلا يدْخل فِي {حم} الْأَحْقَاف وَلكنه شابه لَيْسَ لما ترادف النَّفْي وَهُوَ قَوْله {أَو لم يرَوا} {وَلم يعي} وَفِي هَذِه السُّورَة نفى وَاحِد وَأكْثر أَحْكَام الْمُتَشَابه فِي الْعَرَبيَّة ثَبت من وَجْهَيْن قِيَاسا على بَاب مَا لَا ينْصَرف وَغَيره

282 - قَوْله {إِنِّي لأظنك يَا مُوسَى مسحورا} قَابل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كل كلمة من فِرْعَوْن بِكَلِمَة من نَفسه فَقَالَ {وَإِنِّي لأظنك يَا فِرْعَوْن مثبورا}

 

سُورَة الْكَهْف

283 - قَوْله تَعَالَى {سيقولون ثَلَاثَة رابعهم كلبهم وَيَقُولُونَ خَمْسَة سادسهم كلبهم} بِغَيْر وَاو {وَيَقُولُونَ سَبْعَة وثامنهم كلبهم} بِزِيَادَة وَاو

فِي هَذِه الْوَاو أَقْوَال إِحْدَاهَا أَن الأول وَالثَّانِي وصفان لما قبلهَا أَي هم ثَلَاثَة وَكَذَلِكَ الثَّانِي أَي هم خَمْسَة سادسهم كلبهم وَالثَّالِث عطف على مَا قبله أَي هم سَبْعَة عطف عَلَيْهِ {وثامنهم كلبهم}

وَقيل كل وَاحِد من الثَّلَاثَة جملَة وَقعت بعْدهَا جملَة وكل جملَة وَقعت بعْدهَا جملَة فِيهَا عَائِد يعود مِنْهَا إِلَيْهَا فَأَنت فِي إِلْحَاق وَاو الْعَطف وحذفها بِالْخِيَارِ وَلَيْسَ فِي هذَيْن الْقَوْلَيْنِ مَا يُوجب تَخْصِيص الثَّالِث بِالْوَاو

وَقَالَ بعض النَّحْوِيين السَّبْعَة نِهَايَة الْعدَد وَلِهَذَا كثر ذكرهَا فِي الْقُرْآن وَالْأَخْبَار وَالثَّمَانِيَة تجْرِي مجْرى اسْتِئْنَاف كَلَام وَمن هُنَا لقبه جمَاعَة من الْمُفَسّرين بواو الثَّمَانِية وَاسْتَدَلُّوا بقوله سُبْحَانَهُ {التائبون العابدون الحامدون} إِلَى {والناهون عَن الْمُنكر}

الْآيَة وَبِقَوْلِهِ {مسلمات مؤمنات قانتات} إِلَى {ثيبات وأبكارا} الْآيَة وَبِقَوْلِهِ {وَفتحت أَبْوَابهَا} وَزَعَمُوا أَن هَذِه الْوَاو تدل على أَن أَبْوَابهَا ثَمَانِيَة وَلكُل وَاحِد من هَذِه الْآيَات وُجُوه ذكرتها فِي موضعهَا

وَقيل إِن الله حكى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين وَلم يرضهما وَحكى القَوْل الثَّالِث فارتضاه وَهُوَ قَوْله {وَيَقُولُونَ سَبْعَة} ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ {وثامنهم كلبهم} وَلِهَذَا عقب الأول وَالثَّانِي بقوله {رجما بِالْغَيْبِ} وَلم يقل فِي الثَّالِث

فَإِن قيل وَقد قَالَ فِي الثَّالِث {قل رَبِّي أعلم بِعدَّتِهِمْ}

فَالْجَوَاب تَقْدِيره قل رَبِّي أعلم بِعدَّتِهِمْ وَقد أخْبركُم أَنهم سَبْعَة وثامنهم كلبهم بِدَلِيل قَوْله {مَا يعلمهُمْ إِلَّا قَلِيل} وَلِهَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس أَنا من ذَلِك الْقَلِيل فعد أَسْمَاءَهُم

وَقَالَ بَعضهم الْوَاو فِي قَوْله {وَيَقُولُونَ سَبْعَة} يعود إِلَى الله تَعَالَى فَذكر بِلَفْظ الْجمع كَقَوْلِه {أما} وَأَمْثَاله هَذَا على الِاخْتِصَار

284 - قَوْله {وَلَئِن رددت إِلَى رَبِّي} وَفِي حم فصلت {وَلَئِن رجعت إِلَى رَبِّي} لِأَن الرَّد عَن الشَّيْء يتَضَمَّن كَرَاهَة الْمَرْدُود وَلما كَانَ فِي الْكَهْف تَقْدِيره وَلَئِن رددت عَن جنتي هَذِه الَّتِي أَظن أَلا تبيد أبدا إِلَى رَبِّي كَانَ لفظ الرَّد الَّذِي يتَضَمَّن الْكَرَاهَة أولى وَلَيْسَ فِي حم مَا يدل على الْكَرَاهَة فَذكر بِلَفْظ الرجع ليَقَع فِي كل سُورَة مَا يَلِيق بهَا

285 - قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن ذكر بآيَات ربه فَأَعْرض عَنْهَا} وَفِي السَّجْدَة {ثمَّ أعرض عَنْهَا} لِأَن الْفَاء للتعقيب وَثمّ للتراخي وَمَا فِي هَذِه السُّورَة فِي الْأَحْيَاء من الْكفَّار إِذْ ذكرُوا فأعرضوا عقيب مَا ذكرُوا ونسوا ذنوبهم وهم بعد متوقع مِنْهُم أَن يُؤمنُوا وَمَا فِي السَّجْدَة فِي الْأَمْوَات من الْكفَّار بِدَلِيل قَوْله {وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسو رؤوسهم عِنْد رَبهم} أَي ذكرُوا مرّة بعد أُخْرَى وزمانا بعد زمَان ثمَّ أَعرضُوا عَنْهَا بِالْمَوْتِ فَلم يُؤمنُوا وَانْقطع رَجَاء إِيمَانهم

286 - قَوْله {نسيا حوتهما فَاتخذ سَبيله} وَفِي الْآيَة الثَّالِثَة {وَاتخذ سَبيله} لِأَن الْفَاء للتعقيب والعطف فَكَانَ اتِّخَاذ الْحُوت للسبيل عقيب النسْيَان فَذكر بِالْفَاءِ وَفِي الْآيَة الْأُخْرَى لما حيل بَينهمَا بقوله {وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ} زَالَ معنى التعقيب وَبَقِي الْعَطف الْمُجَرّد وحرفه الْوَاو

287 - قَوْله {لقد جِئْت شَيْئا إمرا} وَبعده {لقد جِئْت شَيْئا نكرا}

74 - لِأَن الْأَمر الْعجب والمعجب وَالْعجب يسْتَعْمل فِي الْخَيْر وَالشَّر بِخِلَاف النكر لِأَن مَا يُنكره الْعقل فَهُوَ شَرّ وخرق السَّفِينَة لم يكن مَعَه غرق فَكَانَ أسهل من قتل الْغُلَام وإهلاكه فَصَارَ لكل وَاحِد معنى يَخُصُّهُ

288 - قَوْله {ألم أقل إِنَّك} وَبعده {ألم أقل لَك إِنَّك} لِأَن الْإِنْكَار فِي الثَّانِيَة أَكثر وَقيل أكد التَّقْدِير الثَّانِي بقوله لَك كَمَا تَقول لمن توبخه لَك أَقُول وَإِيَّاك أَعنِي وَقيل بَين فِي الثَّانِي الْمَقُول لَهُ لما لم يبين فِي الأول

289 - قَوْله فِي الأول {فَأَرَدْت أَن أعيبها} وَفِي الثَّانِي {فأردنا أَن يبدلهما ربهما} وَفِي الثَّالِث {فَأَرَادَ رَبك أَن يبلغَا أشدهما} لِأَن الأول فِي الظَّاهِر إِفْسَاد فأسنده إِلَى نَفسه وَالثَّالِث إنعام مَحْض فأسنده إِلَى الله عز وَجل وَالثَّانِي إِفْسَاد من حَيْثُ الْقَتْل إنعام من حَيْثُ التَّأْوِيل فأسنده إِلَى نَفسه وَإِلَى الله عز وَجل

وَقيل الْقَتْل كَانَ مِنْهُ وإزهاق الرّوح كَانَ من الله سُبْحَانَهُ

قَوْله {مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا} جَاءَ فِي الأول على الأَصْل وَفِي الثَّانِي {تستطع عَلَيْهِ صبرا} على التَّخْفِيف لِأَنَّهُ الْفَرْع

290 - قَوْله {فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نقبا} اخْتَار التَّخْفِيف فِي الأول لِأَن مَفْعُوله حرف وَفعل وفاعل ومفعول فَاخْتَارَ فِيهِ الْحَذف وَالثَّانِي مَفْعُوله اسْم وَاحِد وَهُوَ قَوْله {نقبا}

وَقَرَأَ حَمْزَة بِالتَّشْدِيدِ وأدعم التَّاء فِي الطَّاء فِي الشواذ فَمَا اسْتَطَاعُوا بِفَتْح الْهمزَة وَزنه استفعلوا وَمثلهَا استخذ فلَان أَرضًا أَي أَخذ أَرضًا وَزنه استفعل وَمن أهراق ووزنه استفعل وَقيل اسْتعْمل من وَجْهَيْن وَقيل السِّين بدل التَّاء ووزنه افتعل

سُورَة مَرْيَم

291 - قَوْله {وَلم يكن جبارا عصيا} وَبعده {وَلم يَجْعَلنِي جبارا شقيا} لِأَن الأول فِي حق يحيى وَجَاء فِي الْخَبَر عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا من أحد من بني آدم إِلَّا أذْنب أَو هم بذنب إِلَّا يحيى ابْن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام فنفى عَنهُ الْعِصْيَان وَالثَّانِي فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فنفى عَنهُ الشقاوة وَأثبت لَهُ السَّعَادَة والأنبياء عندنَا معصومون عَن الْكَبَائِر غير معصومين عَن الصَّغَائِر

292 - قَوْله {وَسَلام عَلَيْهِ يَوْم ولد} فِي قصَّة يحيى {وَالسَّلَام عَليّ} فِي قصَّة عِيسَى فنكر فِي الأول وَعرف فِي الثَّانِي لِأَن الأول من الله تَعَالَى والقليل مِنْهُ كثير كَمَا قَالَ الشَّاعِر

قَلِيل مِنْك يَكْفِينِي وَلَكِن

قَلِيل لَا يُقَال لَهُ قَلِيل

وَلِهَذَا قَرَأَ الْحسن {اهدنا صراطا مُسْتَقِيمًا} أَي نَحن راضون مِنْك بِالْقَلِيلِ وَمثل هَذَا فِي الشّعْر كثير قَالَ

وَأَنِّي لراض مِنْك يَا هِنْد بِالَّذِي

لَو أبصره الواشي لقرت بلابله ... بِلَا وَبِأَن لَا أَسْتَطِيع وبالمى

وبالوعد حَتَّى يسأم الْوَعْد آمله

وَالثَّانِي من عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَالْألف وَاللَّام لاستغراق الْجِنْس وَلَو أَدخل عَلَيْهِ التِّسْعَة وَالْعِشْرين وَالْفُرُوع المستحسنة والمستقبحة لم تبلغ عشر معشار سَلام الله عَلَيْهِ

وَيجوز أَن يكون ذَلِك وَحيا من الله عز وَجل فَيقرب من سَلام يحيى

وَقيل إِنَّمَا دخل الْألف وَاللَّام لِأَن النكرَة إِذا تَكَرَّرت تعرفت

وَقيل نكرَة الْجِنْس ومعرفته سَوَاء تَقول لَا أشْرب مَاء وَلَا أشْرب المَاء فهما سَوَاء

293 - قَوْله {فَاخْتلف الْأَحْزَاب من بَينهم فويل للَّذين كفرُوا} وَفِي حم الزخرف {فويل للَّذين ظلمُوا} لِأَن الْكفْر أبلغ

من الظُّلم وقصة عِيسَى فِي هَذِه السُّورَة مشروحة وفيهَا ذكر نسبتهم إِيَّاه إِلَى الله تَعَالَى حِين قَالَ {مَا كَانَ لله أَن يتَّخذ من ولد} فَذكر بِلَفْظ الْكفْر وقصته فِي الزخرف مجملة فوصفهم بِلَفْظ دونه وَهُوَ الظُّلم

294 - قَوْله {وَعمل صَالحا} وَفِي الْفرْقَان {وَعمل عملا صَالحا} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة أوجز فِي ذكر الْمعاصِي فأوجز فِي التَّوْبَة وَأطَال هُنَاكَ فَأطَال

سُورَة طه

295 - قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وَهل أَتَاك حَدِيث مُوسَى} {إِذْ رأى نَارا فَقَالَ لأَهله امكثوا إِنِّي آنست نَارا لعَلي آتيكم مِنْهَا بقبس أَو أجد على النَّار هدى} وَفِي النَّمْل {إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهله إِنِّي آنست نَارا سآتيكم مِنْهَا بِخَبَر أَو آتيكم بشهاب قبس لَعَلَّكُمْ تصطلون} وَفِي الْقَصَص {فَلَمَّا قضى مُوسَى الْأَجَل وَسَار بأَهْله آنس من جَانب الطّور نَارا قَالَ لأَهله امكثوا إِنِّي آنست نَارا لعَلي آتيكم مِنْهَا بِخَبَر أَو جذوة من النَّار لَعَلَّكُمْ تصطلون} هَذِه الْآيَات تشْتَمل على ذكر رُؤْيَة مُوسَى النَّار وَأمره أَهله بالمكث وإخباره إيَّاهُم أَنه آنس نَارا وإطماعهم أَن يَأْتِيهم بِنَار يصطلون بهَا أَو بِخَبَر يَهْتَدُونَ بِهِ إِلَى الطَّرِيق الَّتِي ضلوا عَنْهَا لكنه

نقص فِي النَّمْل ذكر رُؤْيَته النَّار وَأمر أَهله بالمكث اكْتِفَاء بِمَا تقدم وَزَاد فِي الْقَصَص قَضَاء مُوسَى الْأَجَل الْمَضْرُوب وسيره بأَهْله إِلَى مصر لِأَن الشَّيْء قد يجمل ثمَّ يفصل وَقد يفصل ثمَّ يجمل وَفِي طه فصل وأجمل فِي النَّمْل ثمَّ فصل فِي الْقَصَص وَبَالغ فِيهِ

وَقَوله فِي طه {أَو أجد على النَّار هدى} أَي من يُخْبِرنِي بِالطَّرِيقِ فيهديني إِلَيْهِ وَإِنَّمَا أخر ذكر الْمخبر فيهمَا وَقدمه فيهمَا مَرَّات لفواصل الْآي وَكرر {لعَلي} فِي الْقَصَص لفظا وَفِيهِمَا معنى لِأَن أَو فِي قَوْله {أَو أجد على النَّار هدى} نَائِب عَن {لعَلي} {آتيكم} تَتَضَمَّن معنى لعَلي وَفِي الْقَصَص {أَو جذوة من النَّار} وَفِي النَّمْل {بشهاب قبس} وَفِي طه {بقبس} لِأَن الجذوة من النَّار خشيَة فِي رَأسهَا قبس لَهَا شهَاب فَهِيَ فِي السُّور الثَّلَاث عبارَة عَن معبر وَاحِد

296 - قَوْله {فَلَمَّا أَتَاهَا} هُنَا وَفِي النَّمْل {فَلَمَّا جاءها} وَفِي الْقَصَص {أَتَاهَا} لِأَن أَتَى وَجَاء بِمَعْنى وَاحِد لَكِن كثر دور الْإِتْيَان فِي طه نَحْو {فَأتيَاهُ} {فلنأتينك} {ثمَّ أَتَى} {ثمَّ ائْتُوا} {حَيْثُ أَتَى} وَلَفظ {جَاءَ} فِي النَّمْل أَكثر نَحْو {فَلَمَّا جَاءَتْهُم} {وجئتك} {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَان} وَألْحق الْقَصَص بطه لقرب مَا بَينهمَا

297 - قَوْله {فرجعناك إِلَى أمك} وَفِي الْقَصَص {فرددناه} لِأَن الرجع إِلَى الشَّيْء وَالرَّدّ إِلَيْهِ بِمَعْنى وَالرَّدّ على الشَّيْء يَقْتَضِي كَرَاهَة الْمَرْدُود وَلَفظ الرجع ألطف فَخص بطه وَخص الْقَصَص بقوله {فرددناه} تَصْدِيقًا لقَوْله {إِنَّا رادوه إِلَيْك}

298 - قَوْله {وسلك لكم فِيهَا سبلا} وَفِي الزخرف {وَجعل} لِأَن لفظ السلوك مَعَ السَّبِيل أَكثر اسْتِعْمَالا بِهِ فَخص بِهِ طه وَخص الزخرف بِجعْل ازدواجا للْكَلَام وموافقة لما قبلهَا وَمَا بعْدهَا

299 - قَوْله {إِلَى فِرْعَوْن} وَفِي الشُّعَرَاء {أَن ائْتِ الْقَوْم الظَّالِمين} {قوم فِرْعَوْن أَلا يَتَّقُونَ} وَفِي الْقَصَص {فذانك برهانان من رَبك إِلَى فِرْعَوْن وملئه} لِأَن طه هِيَ السَّابِقَة وَفرْعَوْن هُوَ الأَصْل الْمَبْعُوث إِلَيْهِ وَقَومه تبع لَهُ وَهُوَ كالمذكورين مَعَه وَفِي الشُّعَرَاء {قوم فِرْعَوْن} أَي قوم فِرْعَوْن وَفرْعَوْن فَاكْتفى بِذكرِهِ فِي الْإِضَافَة عَن ذكره مُفردا وَمثله {وأغرقنا آل فِرْعَوْن} أَي آل فِرْعَوْن وَفرْعَوْن وَفِي الْقَصَص {إِلَى فِرْعَوْن وملئه} فَجمع بَين الْآيَتَيْنِ فَصَارَ كذكر الْجُمْلَة بعد التَّفْصِيل

300 - قَوْله {واحلل عقدَة من لساني} صرح بالعقدة فِي هَذِه السُّورَة لِأَنَّهَا السَّابِقَة وَفِي الشُّعَرَاء {وَلَا ينْطَلق لساني} كِنَايَة عَن الْعقْدَة بِمَا يقرب من التَّصْرِيح وَفِي الْقَصَص {وَأخي هَارُون هُوَ أفْصح مني لِسَانا} فكنى عَن الْعقْدَة كِنَايَة مُبْهمَة لِأَن الأول يدل على ذَلِك

301 - قَوْله فِي الشُّعَرَاء {وَلَهُم عَليّ ذَنْب فَأَخَاف أَن يقتلُون} وَفِي الْقَصَص {إِنِّي قتلت مِنْهُم نفسا فَأَخَاف أَن يقتلُون} وَلَيْسَ لَهُ فِي طه ذكره لِأَن قَوْله {وَيسر لي أَمْرِي} مُشْتَمل على ذَلِك وَغَيره لِأَن الله عز وَجل إِذا يسر لَهُ أمره فَلَنْ يخَاف الْقَتْل

302 - قَوْله {وَاجعَل لي وزيرا من أَهلِي} {هَارُون أخي} صرح بالوزير لِأَنَّهَا الأولى فِي الذّكر وكنى عَنهُ فِي الشُّعَرَاء حَيْثُ قَالَ {فَأرْسل إِلَى هَارُون} ليأتيني فَيكون لي وزيرا وَفِي الْقَصَص {فَأرْسلهُ معي ردْءًا يصدقني} أَي اجْعَلْهُ لي وزيرا فكنى عَنهُ بقوله {ردْءًا} لبَيَان الأول

303 - قَوْله {فقولا إِنَّا رَسُولا رَبك} وَبعده {إِنَّا رَسُول رب الْعَالمين} لِأَن الرَّسُول مصدر يُسمى بِهِ فَحَيْثُ وَحده حمله على الْمصدر وَحَيْثُ ثنى حمل على الِاسْم

وَيجوز أَن يُقَال حَيْثُ وحد حمل على الرسَالَة لِأَنَّهُمَا رسلًا لشَيْء وَاحِد وَحَيْثُ ثنى حمل على الشخصين

وَأكْثر مَا فِيهِ من الْمُتَشَابه سبق

304 - قَوْله {أفلم يهد لَهُم كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون} بِالْفَاءِ من غير {من} وَفِي السَّجْدَة 26 بِالْوَاو وَبعده {من} لِأَن الْفَاء للتعقيب والاتصال بِالْأولِ فطال الْكَلَام فَحسن حذف {من} وَالْوَاو تدل على الِاسْتِئْنَاف وَإِثْبَات {من} مستثقل وَقد سبق الْفرق بَين إثْبَاته وحذفه

سُورَة الْأَنْبِيَاء

305 - قَوْله تَعَالَى {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث} وَفِي الشُّعَرَاء {وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من الرَّحْمَن مُحدث}

خصت هَذِه السُّورَة

بقوله {من رَبهم} بِالْإِضَافَة لِأَن الرَّحْمَن لم يَأْتِ مُضَافا ولموافقته مَا بعد وَهُوَ قَوْله {قَالَ رَبِّي يعلم} وخصت الشُّعَرَاء بقوله {من الرَّحْمَن} لتَكون كل سُورَة مَخْصُوصَة بِوَصْف من أَوْصَافه وَلَيْسَ فِي أَوْصَاف الله اسْم أشبه باسم الله من الرَّحْمَن لِأَنَّهُمَا اسمان ممنوعان أَن يُسمى بهما غير الله عز وَجل ولموافقة مَا بعده وَهُوَ قَوْله {لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم} لِأَن الرَّحْمَن الرَّحِيم مصدر وَاحِد

306 - قَوْله {وَمَا أرسلنَا قبلك إِلَّا رجَالًا} وَبعده {وَمَا أرسلنَا من قبلك} كِلَاهُمَا لاستيعاب الزَّمَان الْمُتَقَدّم إِلَّا أَن {من} إِذا دخل دلّ على الْحصْر بَين الحدين وَضَبطه بِذكر الطَّرفَيْنِ وَلم يَأْتِ {وَمَا أرسلنَا قبلك} إِلَّا هَذِه وخصت بالحذف لِأَن قبلهَا {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة} فبناه عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ وَأخر {من} فِي الْفرْقَان {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا إِنَّهُم} وَزَاد فِي الثَّانِي {من قبلك من رَسُول} على الأَصْل للحصر

307 - قَوْله {كل نفس ذائقة الْمَوْت ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة وإلينا ترجعون} وَفِي العنكبوت {ثمَّ إِلَيْنَا ترجعون} لِأَن ثمَّ للتراخي وَالرُّجُوع هُوَ الرُّجُوع إِلَى الْجنَّة أَو النَّار وَذَلِكَ فِي الْقِيَامَة فخصت سُورَة العنكبوت بِهِ وخصت هَذِه السُّورَة بِالْوَاو لما حيل بَين الْكَلَامَيْنِ بقوله {ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة} وَإِنَّمَا ذكرا لتقدم ذكرهمَا فَقَامَ مقَام التَّرَاخِي وناب بِالْوَاو مَنَابه

208 - قَوْله {وَإِذا رآك الَّذين كفرُوا إِن يتخذونك إِلَّا هزوا} وَفِي الْفرْقَان {وَإِذا رأوك إِن يتخذونك إِلَّا هزوا} لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِه الْآيَة الَّتِي تقدمتها ذكر الْكفَّار هُنَا فَصرحَ باسمهم وَفِي الْفرْقَان قد سبق ذكر الْكفَّار فَخص الْإِظْهَار بِهَذِهِ السُّورَة وَالْكِنَايَة بِتِلْكَ

309 - قَوْله {مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون} {قَالُوا وجدنَا آبَاءَنَا} وَفِي الشُّعَرَاء {قَالُوا بل وجدنَا} بِزِيَادَة {بل} لِأَن قَوْله {وجدنَا آبَاءَنَا} جَوَاب لقَوْله {مَا هَذِه التماثيل} وَفِي الشُّعَرَاء أجابوا عَن قَوْله {مَا تَعْبدُونَ} بقَوْلهمْ {نعْبد أصناما} ثمَّ قَالَ {هَل يسمعونكم إِذْ تدعون} {أَو ينفعونكم أَو يضرون} فَأتى بِصُورَة الِاسْتِفْهَام وَمَعْنَاهُ النَّفْي قَالُوا {بل وجدنَا} أَي قَالُوا لَا بل وجدنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا لِأَن السُّؤَال فِي الْآيَة يَقْتَضِي فِي جوابهم أَن ينفوا مَا نَفَاهُ السَّائِل فَأَضْرَبُوا عَنهُ إضراب من يَنْفِي الأول وَيثبت الثَّانِي فَقَالُوا بل وجدنَا فخصت السُّورَة بِهِ

310 - قَوْله {وَأَرَادُوا بِهِ كيدا فجعلناهم الأخسرين} وَفِي الصافات {الأسفلين} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة كادهم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بقوله {لأكيدن أصنامكم} وكادوا هم إِبْرَاهِيم بقوله {وَأَرَادُوا بِهِ كيدا} فجرت بَينهم مكايده فغلهم إِبْرَاهِيم لِأَنَّهُ كسر أصنامهم وَلم يغلبوه لأَنهم لم يبلغُوا من إحراقه مُرَادهم فَكَانُوا هم الأخسرين

وَفِي الصافات {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بنيانا فألقوه فِي الْجَحِيم}

فأججوا نَارا عَظِيمَة وبنوا بنيانا عَالِيا ورفعوه إِلَيْهِ ورموه مِنْهُ إِلَى أَسْفَل فرفعه الله وجعلهم فِي الدُّنْيَا من الأسفلين وردهم فِي العقبى أَسْفَل سافلين فخصت الصافات بالأسفلين

311 - قَوْله {ونجيناه} بِالْفَاءِ سبق فِي يُونُس وَمثله فِي الشُّعَرَاء {فنجيناه وَأَهله أَجْمَعِينَ} {إِلَّا عجوزا فِي الغابرين}

312 - قَوْله {وَأَيوب إِذْ نَادَى ربه} ختم الْقِصَّة بقوله {رَحْمَة من عندنَا} وَقَالَ فِي ص {رَحْمَة منا} لِأَنَّهُ هُنَا بَالغ فِي التضرع بقوله {وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ} فَبَالغ سُبْحَانَهُ فِي الْإِجَابَة وَقَالَ {رَحْمَة من عندنَا} لِأَن عِنْد حَيْثُ جَاءَ دلّ على أَن الله سُبْحَانَهُ تولى ذَلِك من غير وَاسِطَة

وَفِي ص لما بَدَأَ الْقِصَّة بقوله {وَاذْكُر عَبدنَا} ختم بقوله {منا} ليَكُون آخر الْآيَة لفقا بِالْأولِ الْآيَة

313 - قَوْله {فاعبدون} {وتقطعوا} وَفِي الْمُؤمنِينَ {فاتقون} {فتقطعوا} لِأَن الْخطاب فِي هَذِه السُّورَة للْكفَّار فَأَمرهمْ بِالْعبَادَة الَّتِي هِيَ التَّوْحِيد ثمَّ قَالَ {وتقطعوا} بِالْوَاو لِأَن التقطع قد كَانَ مِنْهُم قبل هَذَا القَوْل لَهُم وَمن جملَة خطاب الْمُؤمنِينَ فَمَعْنَاه داوموا على الطَّاعَة وَفِي الْمُؤمنِينَ الْخطاب للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمنِينَ بِدَلِيل قَوْله {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات} والأنبياء والمؤمنون مأمورون بالتقوى ثمَّ قَالَ {فتقطعوا أَمرهم} أَي ظهر مِنْهُم التقطع بعد هَذَا القَوْل وَالْمرَاد أممهم

314 - قَوْله {وَالَّتِي أحصنت فرجهَا فنفخنا فِيهَا}

وَفِي التَّحْرِيم

{فنفخنا فِيهِ} لِأَن الْمَقْصُود فِي هَذِه السُّورَة ذكرهَا وَمَا آل إِلَيْهِ أمرهَا حَتَّى ظهر فِيهَا ابْنهَا وَصَارَت هِيَ وَابْنهَا آيَة وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا بالنفخ فِي حملهَا وتحملها والاستمرار على ذَلِك إِلَى وِلَادَتهَا فَلهَذَا اخْتصّت بالتأنيث

وَمَا فِي التَّحْرِيم مَقْصُور على ذكر إحصانها وتصديقها بِكَلِمَات رَبهَا وَكَأن النفخ أصَاب فرجهَا وَهُوَ مُذَكّر وَالْمرَاد بِهِ فرج الجيب أَو غَيره فخصت بالتذكير

سُورَة الْحَج

315 - قَوْله تَعَالَى {يَوْم ترونها} وَبعده {وَترى النَّاس سكارى} محول على أَيهَا الْمُخَاطب كَمَا سبق فِي قَوْله {وَترى الْفلك}

316 - قَوْله {وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي لُقْمَان {وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير} لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة وَافق مَا قبلهَا من الْآيَات وَهِي {قدير} {الْقُبُور} وَكَذَلِكَ فِي لُقْمَان وَافق مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا وَهِي {الْحمير} {السعير} {الْأُمُور}

317 - قَوْله {من بعد علم شَيْئا} بِزِيَادَة {من} لقَوْله تَعَالَى {من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة} الْآيَة وَقد سبق فِي النَّحْل

318 - قَوْله {ذَلِك بِمَا قدمت يداك} وَفِي غَيرهَا {أَيْدِيكُم} لِأَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث وَقيل فِي أبي جهل فوحده وَفِي غَيرهَا نزلت فِي الْجَمَاعَة الَّتِي تقدم ذكرهم

319 - قَوْله {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى} قدم الصابئين لتقدم زمانهم وَقد تقدم فِي الْبَقَرَة

320 - قَوْله {يسْجد لَهُ من فِي السَّمَاوَات} سبق فِي الرَّعْد

321 - قَوْله {كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم أعيدوا فِيهَا} وَفِي السَّجْدَة {مِنْهَا أعيدوا فِيهَا} لِأَن المُرَاد بالغم الكرب وَالْأَخْذ بِالنَّفسِ حَتَّى لَا يجد صَاحبه متنفسا وَمَا قبله من الْآيَات يَقْتَضِي ذَلِك وَهُوَ {قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار} إِلَى قَوْله {من حَدِيد} فَمن كَانَ فِي ثِيَاب من نَار وَفَوق رَأسه حميم يذوب من حره أحشاء بَطْنه حَتَّى يذوب ظَاهر جلده وَعَلِيهِ موكلون يضربونه بمقامع من حَدِيد كَيفَ يجد سُرُورًا أَو يجد متنفسا من تِلْكَ الكرب الَّتِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي السَّجْدَة من هَذَا ذكر وَإِنَّمَا قبلهَا {فمأواهم النَّار كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا}

322 - قَوْله {وذوقوا} وَفِي السَّجْدَة {وَقيل لَهُم ذوقوا} القَوْل هَهُنَا مُضْمر وَخص بالإضمار لطول الْكَلَام بِوَصْف الْعَذَاب وخصت السَّجْدَة بالإظهار مُوَافقَة لِلْقَوْلِ قبله فِي مَوَاضِع مِنْهَا {أم يَقُولُونَ افتراه} {وَقَالُوا أئذا ضللنا} و {قل يتوفاكم} و {حق القَوْل} وَلَيْسَ فِي الْحَج شَيْء مِنْهُ

323 - قَوْله {إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار} مكررة وَمُوجب هَذَا التّكْرَار قَوْله {هَذَانِ خصمان} لِأَنَّهُ لما ذكر أحد الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ {فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار} لم يكن بُد من ذكر الْخصم الآخر فَقَالَ {إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} الْآيَة

324 - قَوْله {وطهر بَيْتِي للطائفين والقائمين} وَفِي الْبَقَرَة

{للطائفين والعاكفين} وَحقه أَن يذكر هُنَاكَ لِأَن ذكر العاكف هَهُنَا سبق فِي قَوْله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} وَمعنى {والقائمين والركع السُّجُود} المصلون وَقيل القائمون بِمَعْنى المقيمين وهم العاكفون لَكِن لما تقدم ذكرهم عبر عَنْهُم بِعِبَارَة أُخْرَى

325 - قَوْله {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا القانع والمعتر} كرر لِأَن الأول مُتَّصِل بِكَلَام إِبْرَاهِيم وَهُوَ اعْتِرَاض ثمَّ أَعَادَهُ مَعَ قَوْله {وَالْبدن جعلناها لكم}

326 - قَوْله {فكأين من قَرْيَة أهلكناها} وَبعده {وكأين من قَرْيَة أمليت لَهَا} خص الأول بِذكر الإهلاك لاتصاله بقوله {فأمليت للَّذين كفرُوا ثمَّ أخذتهم} أَي أهلكتهم

وَالثَّانِي بالإملاء لِأَن قبله {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ} فَحسن ذكر الْإِمْلَاء

327 - قَوْله {وَأَن مَا يدعونَ من دونه هُوَ الْبَاطِل} وَفِي سُورَة لُقْمَان {من دونه الْبَاطِل} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة وَقع بعد عشر آيَات كل آيَة مُؤَكدَة مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَلِهَذَا أَيْضا زيد فِي السُّورَة اللَّام فِي قَوْله {وَإِن الله لَهو الْغَنِيّ الحميد}

وَفِي لُقْمَان {إِن الله هُوَ الْغَنِيّ الحميد} إِذْ لم تكن سُورَة لُقْمَان بِهَذِهِ الصّفة

وَإِن شِئْت قلت لما تقدم فِي هَذِه السُّورَة ذكر الله سُبْحَانَهُ وَذكر الشَّيْطَان أكدهما فَإِنَّهُ خبر وَقع بَين خبرين وَلم يتَقَدَّم فِي لُقْمَان ذكر الشَّيْطَان فأكد ذكر الله تَعَالَى وأهمل ذكر شَيْطَان وَهَذِه دقيقة

سُورَة الْمُؤمنِينَ

328 - قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {لكم فِيهَا فواكه كَثِيرَة وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} بِالْجمعِ وبالواو وَفِي الزخرف فَاكِهَة 73 على التَّوْحِيد {مِنْهَا تَأْكُلُونَ} بِغَيْر وَاو رَاعى فِي السورتين لفظ الْجنَّة فَكَانَت هَذِه جنَّات بِالْجمعِ فَقَالَ {فواكه} بِالْجمعِ وَفِي الزخرف {وَتلك الْجنَّة} بِلَفْظ التَّوْحِيد وَإِن كَانَت هَذِه جنَّة الْخلد لَكِن رَاعى اللَّفْظ فَقَالَ {فِيهَا فَاكِهَة}

وَقَالَ فِي هَذِه السُّورَة {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} بِزِيَادَة الْوَاو لِأَن تَقْدِير الْآيَة مِنْهَا تدخرون وَمِنْهَا تبيعون وَلَيْسَ كَذَلِك فَاكِهَة الْجنَّة فَإِنَّهَا للْأَكْل فَحسب فَلذَلِك قَالَ فِي الزخرف {مِنْهَا تَأْكُلُونَ} وَوَافَقَ هَذِه السُّورَة مَا بعْدهَا أَيْضا وَهُوَ قَوْله {وَلكم فِيهَا مَنَافِع كَثِيرَة وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} فَهَذَا الْقُرْآن معْجزَة وبرهان

329 - قَوْله {فَقَالَ الْمَلأ الَّذين كفرُوا من قومه} وَبعده {وَقَالَ الْمَلأ من قومه الَّذين كفرُوا وكذبوا بلقاء الْآخِرَة وأترفناهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا}

33 - فَقدم {من قومه} فِي الْآيَة الْأُخْرَى وَفِي الأولى أخر لِأَن صلَة {الَّذين} فِي الأولى اقتصرت على الْفِعْل وَضمير الْفَاعِل ثمَّ ذكر بعده الْجَار وَالْمَجْرُور ثمَّ ذكر الْمَفْعُول وَهُوَ الْمَقُول وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الْأُخْرَى فَإِن صلَة الْمَوْصُول طَالَتْ بِذكر الْفَاعِل وَالْمَفْعُول والعطف عَلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى فَقدم الْجَار وَالْمَجْرُور وَلِأَن تَأْخِيره ملتبس وتوسطه رَكِيك فَخص بالتقديم

330 - قَوْله {وَلَو شَاءَ الله لأنزل مَلَائِكَة} وَفِي حم فصلت {لَو شَاءَ رَبنَا لأنزل مَلَائِكَة} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة تقدم ذكر الله وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الرب

وَفِي فصلت تقدم ذكر رب الْعَالمين سَابِقًا على ذكر الله فَصرحَ فِي هَذِه السُّورَة بِذكر الله وَهُنَاكَ بِذكر الرب لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْعَالمين وهم جُمْلَتهمْ فَقَالُوا إِمَّا اعتقادا وَإِمَّا استهزاء {لَو شَاءَ رَبنَا لأنزل مَلَائِكَة} فأضافوا الرب إِلَيْهِم

331 - قَوْله {وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم} وَفِي سبأ {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} كِلَاهُمَا من وصف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَخص كل سُورَة بِمَا وَافق فواصل الآى

332 - قَوْله {فبعدا للْقَوْم الظَّالِمين} بِالْألف وَاللَّام وَبعده {لقوم لَا يُؤمنُونَ} لِأَن الأول لقوم صَالح فعرفهم بِدَلِيل قَوْله {فَأَخَذتهم الصَّيْحَة} وَالثَّانِي نكرَة وَقَبله {قرونا آخَرين} فَكَانُوا منكرين وَلم يكن مَعَهم قرينَة عرفُوا بهَا فخصهم بالنكرة

333 - قَوْله {لقد وعدنا نَحن وآباؤنا هَذَا من قبل} وَفِي النَّمْل {لقد وعدنا هَذَا نَحن وآباؤنا من قبل} لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة على الْقيَاس فَإِن الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل لَا يجوز الْعَطف عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَكد بالمنفصل فأكد {وعدنا نَحن} ثمَّ عطف عَلَيْهِ {آبَاؤُنَا} ثمَّ ذكر الْمَفْعُول وَهُوَ {هَذَا}

وَقدم فِي النَّمْل الْمَفْعُول مُوَافقَة لقَوْله {تُرَابا} لِأَن الْقيَاس فِيهِ أَيْضا كُنَّا نَحن وآباؤنا تُرَابا فَقدم تُرَابا ليسد مسد نَحن فَكَانَا لفقين

334 - قَوْله {سيقولون لله} وَبعده {سيقولون لله} وَبعده {سيقولون لله} الأول جَوَاب لقَوْله {قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا} جَوَاب مُطَابق لفظا وَمعنى لِأَنَّهُ قَالَ فِي السُّؤَال قل لمن فَقَالَ فِي الْجَواب لله

وَأما الثَّانِي وَالثَّالِث فالمطابقة فيهمَا فِي الْمَعْنى لِأَن الْقَائِل إِذا قَالَ لَك من مَالك هَذَا الْغُلَام فَإِن لَك أَن تَقول زيد فَيكون مطابقا لفظا وَمعنى وَلَك أَن تَقول لزيد فَيكون مطابقا للمعنى وَلِهَذَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو الثَّانِي وَالثَّالِث الله الله مُرَاعَاة للمطابقة

335 - قَوْله {ألم تكن آياتي تتلى عَلَيْكُم} وَقَبله {قد كَانَت آياتي تتلى عَلَيْكُم} لَيْسَ بتكرار لِأَن الأول فِي الدُّنْيَا عِنْد نزُول الْعَذَاب وَهُوَ الجدب عِنْد بَعضهم وَيَوْم بدر عِنْد بَعضهم وَالثَّانِي فِي الْقِيَامَة وهم فِي الْجَحِيم بِدَلِيل قَوْله {رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا}

سُورَة النُّور

336 - قَوْله تَعَالَى على رَأس الْعشْر {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته وَأَن الله تواب حَكِيم} مَحْذُوف الْجَواب تَقْدِيره لفضحكم وَهُوَ مُتَّصِل بِبَيَان حكم الزَّانِيَيْنِ وَحكم الْقَاذِف وَحكم اللّعان وَجَوَاب لَوْلَا محذوفا أحسن مِنْهُ ملفوظا بِهِ وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يكون الْإِنْسَان فِيهِ أفْصح مَا يكون إِذا سكت

337 - وَقَوله على رَأس الْعشْرين {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته وَأَن الله رؤوف رَحِيم} فَحذف الْجَواب أَيْضا تَقْدِيره لعجل لكم الْعَذَاب وَهُوَ مُتَّصِل بِقِصَّتِهَا رَضِي الله عَنْهَا وَعَن أَبِيهَا وَقيل دلّ عَلَيْهِ قَوْله {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لمسكم فِيمَا أَفَضْتُم فِيهِ عَذَاب عَظِيم} وَقيل دلّ عَلَيْهِ قَوْله {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكا مِنْكُم من أحد أبدا}

وَفِي خلال هَذِه الْآيَات {لَوْلَا إِذْ سمعتموه ظن الْمُؤْمِنُونَ} {لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء} {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ} وَلَيْسَ هُوَ الدَّال على امْتنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره بل هُوَ للتحضيض

قَالَ الشَّاعِر

تَعدونَ عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لَوْلَا الكمى المقنعا

وَهُوَ فِي الْبَيْت للتحضيض والتحضيض يخْتَص بِالْفِعْلِ وَالْفِعْل فِي الْبَيْت مُقَدّر تَقْدِيره هلا تَعدونَ الكمى أَو هلا تعقرون الكمى وَيخْتَص الثَّانِي بِالْفِعْلِ وَالْأول يخْتَص بِالِاسْمِ وَيدخل الْمُبْتَدَأ وَيلْزم خَبره الْحَذف

338 - قَوْله {إِن الله خَبِير بِمَا يصنعون} مُتَّصِل بآيَات الغض وَلَيْسَ لَهُ نَظِير

339 - قَوْله {وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْكُم آيَات} وَبعده {لقد أنزلنَا آيَات} لِأَن اتِّصَال الأول بِمَا قبله أَشد فَإِن قَوْله {وموعظة لِلْمُتقين} مَحْمُول ومصروف إِلَى قَوْله {وليستعفف} وَإِلَى قَوْله {فكاتبوهم} {وَلَا تكْرهُوا} فَاقْتضى الْوَاو ليعلم أَنه عطف على الأول وَاقْتضى بَيَانه بقوله {إِلَيْكُم} ليعلم أَن المخاطبين بِالْآيَةِ الثَّانِيَة

هم المخاطبون بِالْآيَةِ الأولى وَأما الثَّانِيَة فاستئناف كَلَام فَخص بالحذف

340 - قَوْله {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم} إِنَّمَا زَاد {مِنْكُم} لأَنهم الْمُهَاجِرُونَ وَقبل عَام و {من} للتبيين

341 - قَوْله {وَإِذا بلغ الْأَطْفَال مِنْكُم الْحلم} ختم الْآيَة بقوله {كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته} وَقبلهَا وَبعدهَا الْآيَات 58 61 لِأَن الَّذِي قبلهَا وَالَّذِي بعْدهَا يشْتَمل على عَلَامَات يُمكن الْوُقُوف عَلَيْهَا وَهِي فِي الأولى {ثَلَاث مَرَّات من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} وَفِي الْأُخْرَى {من بُيُوتكُمْ أَو بيُوت آبائكم أَو بيُوت أُمَّهَاتكُم} الْآيَة فعد فِيهَا آيَات كلهَا مَعْلُومَة فختم الْآيَتَيْنِ بقوله {لكم الْآيَات} وَمثلهَا {يعظكم الله أَن تعودوا لمثله أبدا إِن كُنْتُم مُؤمنين وَيبين الله لكم الْآيَات} يَعْنِي حد الزَّانِيَيْنِ وحد الْقَاذِف فختم بِالْآيَاتِ

وَأما بُلُوغ الْأَطْفَال فَلم يذكر لَهُ عَلَامَات يُمكن الْوُقُوف عَلَيْهَا بل تفرد سُبْحَانَهُ بِعلم ذَلِك فخصها بِالْإِضَافَة إِلَى نَفسه وَختم كل آيَة بِمَا اقْتضى أَولهَا

سُورَة الْفرْقَان

342 - قَوْله تَعَالَى {تبَارك} هَذِه لَفْظَة لَا تسْتَعْمل إِلَّا لله وَلَا تسْتَعْمل إِلَّا بِلَفْظ الْمَاضِي وَجَاءَت فِي هَذِه السُّورَة فِي ثَلَاث مَوَاضِع {تبَارك الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده} و {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل} و {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجا} تَعْظِيمًا لذكر الله وخصت هَذِه الْمَوَاضِع بِالذكر لِأَن مَا بعْدهَا عظائم الأول ذكر الْفرْقَان وَهُوَ الْقُرْآن الْمُشْتَمل على مَعَاني جَمِيع كتب الله وَالثَّانِي ذكر النَّبِي وَالله

خاطبه بقوله لولاك يَا مُحَمَّد مَا خلقت للكائنات وَالثَّالِث ذكر للبروج والسيارات وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار ولولاها مَا وجد فِي الأَرْض حَيَوَان وَلَا نَبَات وَمثلهَا {فَتَبَارَكَ الله رب الْعَالمين} و {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} و {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}

343 - قَوْله {من دونه} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي مَرْيَم 48 وَيس 74 {من دون الله} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة وَافق مَا قبله وَفِي السورتين لَو جَاءَ {من دونه} لخالف مَا قبله لِأَن مَا قبله فِي السورتين بِلَفْظ الْجمع تَعْظِيمًا فَصرحَ

344 - قَوْله {ضرا وَلَا نفعا} قدم الضّر مُوَافقَة لما قبله وَمَا بعده فَمَا قبله نفي وَإِثْبَات وَمَا بعده موت وحياة وَقد سبق

345 - قَوْله {مَا لَا يَنْفَعهُمْ وَلَا يضرهم} قدم النَّفْع مُوَافقَة لقَوْله {هَذَا عذب فرات وَهَذَا ملح أجاج} وَقد سبق

346 - قَوْله {وَعمل عملا} بِزِيَادَة {عملا} قد سبق

347 - قَوْله {الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش الرَّحْمَن} وَمثلهَا فِي السَّجْدَة

يجوز أَن يكون الَّذِي فِي السورتين مُبْتَدأ والرحمن خَبره فِي الْفرْقَان و {مَا لكم من دونه} خَبره فِي السَّجْدَة وَجَاز غير ذَلِك

سُورَة الشُّعَرَاء

348 - قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من الرَّحْمَن مُحدث} سبق فِي الْأَنْبِيَاء

349 - قَوْله {فسيأتيهم} سبق فِي الْأَنْعَام وَكَذَا {أَو لم يرَوا} وَمَا يتَعَلَّق بِقصَّة مُوسَى وَفرْعَوْن سبق الْأَعْرَاف {فِي}

350 - قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَة} إِلَى آخر الْآيَة مَذْكُور فِي ثَمَانِيَة مَوَاضِع أَولهَا فِي مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِن لم يتَقَدَّم ذكره صَرِيحًا فقد تقدم كِنَايَة ووضوحا وَالثَّانيَِة فِي قصَّة مُوسَى 67 ثمَّ إِبْرَاهِيم 103 ثمَّ نوح 121 ثمَّ هود ثمَّ 139 ثمَّ صَالح 158 ثمَّ لوط 174 ثمَّ شُعَيْب 190 عَلَيْهِم السَّلَام

351 - قَوْله {أَلا تَتَّقُون} إِلَى قَوْله {الْعَالمين} مَذْكُور فِي خَمْسَة مَوَاضِع فِي قصَّة نوح 106 109 وَهود 124 127 وَصَالح 142 45 وَلُوط 161 164 وَشُعَيْب 177 180 عَلَيْهِم السَّلَام ثمَّ كرر {فَاتَّقُوا الله وأطيعون} فِي قصَّة نوح 110 وَهود 131 وَصَالح 50 فَصَارَ ثَمَانِيَة مَوَاضِع وَلَيْسَ فِي قصَّة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ رباه فِرْعَوْن حَيْثُ قَالَ {ألم نربك فِينَا وليدا} وَلَا فِي قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَن أَبَاهُ فِي المخاطبين حَيْثُ يَقُول {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَومه} وَهُوَ رباه واستحيا مُوسَى وَإِبْرَاهِيم أَن يَقُولَا {مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر} وَإِن كَانَا منزهين من طلب الْأُجْرَة

352 - قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة إِبْرَاهِيم {مَا تَعْبدُونَ} وَفِي الصافات {مَاذَا تَعْبدُونَ} لِأَن {مَا} لمُجَرّد الِاسْتِفْهَام فَأَجَابُوا فَقَالُوا {نعْبد أصناما} {وماذا} فِيهِ مُبَالغَة وَقد تضمن فِي الصافات معنى التوبيخ فَلَمَّا وبخهم قَالَ {أئفكا آلِهَة دون الله تُرِيدُونَ} {فَمَا ظنكم بِرَبّ الْعَالمين} فجَاء فِي كل سُورَة مَا اقْتَضَاهُ مَا قبله وَمَا بعده

353 - قَوْله {الَّذِي خلقني فَهُوَ يهدين} {وَالَّذِي هُوَ يطعمني ويسقين} {وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين} زَاد هُوَ فِي الْإِطْعَام والشفاء لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَدعِي الْإِنْسَان أَن يَفْعَله فَيُقَال زيد يطعم وَعَمْرو يداوي فأكد إعلاما أَن ذَلِك مِنْهُ سُبْحَانَهُ لَا من غَيره وَأما الْخلق وَالْمَوْت والحياة فَلَا يدعيهما مُدع فَأطلق

354 - قَوْله فِي قصَّة صَالح {مَا أَنْت} بِغَيْر وَاو وَفِي قصَّة شُعَيْب {وَمَا أَنْت} لِأَنَّهُ فِي قصَّة صَالح بدل من الأولى وَفِي الثَّانِيَة عطف وخصت أولى بِالْبَدَلِ فِي الْخطاب فَأَكْثرُوا

سُورَة النَّمْل

355 - قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {فَلَمَّا جاءها نُودي} وَفِي الْقَصَص 30 وطه 11 {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي} لِأَنَّهُ قَالَ فِي هَذِه السُّورَة {سآتيكم مِنْهَا بِخَبَر أَو آتيكم بشهاب قبس} فكرر {آتيكم} فاستثقل الْجمع بَينهمَا وَبَين {فَلَمَّا أَتَاهَا} فَعدل إِلَى قَوْله {فَلَمَّا جاءها} بعد أَن كَانَا بِمَعْنى وَاحِد

وَأما فِي السورتين فَلم يكن إِلَّا {لعَلي آتيكم} {فَلَمَّا أَتَاهَا}

356 - قَوْله {وألق عصاك} وَفِي الْقَصَص {وَأَن ألق عصاك} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة {نُودي أَن بورك من فِي النَّار وَمن حولهَا وَسُبْحَان الله رب الْعَالمين} {يَا مُوسَى إِنَّه أَنا الله الْعَزِيز الْحَكِيم} {وألق عصاك} فحيل بَينهمَا بِهَذِهِ الْجُمْلَة فاستغنى عَن إِعَادَة أَن

وَفِي الْقَصَص {أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنا الله رب الْعَالمين وَأَن ألق عصاك} فَلم يكن بَينهمَا جملَة أُخْرَى عطف بهَا على الأول فَحسن إِدْخَال {إِن}

357 - قَوْله {لَا تخف} وَفِي الْقَصَص {أقبل وَلَا تخف} خصت هَذِه السُّورَة بقوله {لَا تخف} لِأَنَّهُ بنى على ذكر الْخَوْف كَلَام يَلِيق بِهِ وَهُوَ قَوْله {إِنِّي لَا يخَاف لدي المُرْسَلُونَ}

وَفِي الْقَصَص اقْتصر على قَوْله {لَا تخف} وَلم يبن عَلَيْهِ كَلَام فزيد قبله {أقبل} ليَكُون فِي مُقَابلَة {مُدبرا} أَي أقبل آمنا غير مُدبر وَلَا تخف فخصت هَذِه السُّورَة بِهِ

358 - قَوْله {وَأدْخل يدك فِي جيبك تخرج بَيْضَاء من غير سوء} وَفِي الْقَصَص {اسلك يدك} خصت هَذِه السُّورَة بأدخل لِأَنَّهُ أبلغ من قَوْله {اسلك} لِأَن {اسلك} يَأْتِي لَازِما ومتعديا {وَأدْخل} مُتَعَدٍّ لَا غير وَلِأَن فِي هَذِه السُّورَة {فِي تسع آيَات} أَي مَعَ تسع آيَات مُرْسلا إِلَى فِرْعَوْن

وخصت الْقَصَص بقوله {اسلك} مُوَافقَة لقَوْله {اضمم} ثمَّ قَالَ {فذانك برهانان من رَبك} فَكَانَ دون الأول فَخص بالأدنى وَالْأَقْرَب من اللَّفْظَيْنِ

359 - قَوْله {إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه إِنَّهُم كَانُوا قوما فاسقين} وَفِي الْقَصَص {إِلَى فِرْعَوْن وملئه} لِأَن الْمَلأ أَشْرَاف الْقَوْم وَكَانُوا فِي هَذِه السُّورَة موصوفين بِمَا وَصفهم الله بِهِ من قَوْله {فَلَمَّا جَاءَتْهُم آيَاتنَا مبصرة قَالُوا هَذَا سحر مُبين} {وجحدوا بهَا} الْآيَة فَلم يسمهم مَلأ بل سماهم قوما وَفِي الْقَصَص لم يَكُونُوا موصوفين بِتِلْكَ الصِّفَات فسماهم مَلأ وعقبه {وَقَالَ فِرْعَوْن يَا أَيهَا الْمَلأ مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي} وَمَا يتَعَلَّق بِقصَّة مُوسَى سوى هَذِه الْكَلِمَات قد سبق

360 - قَوْله {وأنجينا الَّذين آمنُوا} وَفِي حم فصلت {ونجينا الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} نجينا وأنجينا بِمَعْنى وَاحِد وخصت هَذِه السُّورَة بأنجينا لموافقته لما بعده وَهُوَ {فأنجيناه وَأَهله} وَبعده {وأمطرنا} {وَأنزل} {فَأَنْبَتْنَا} كُله على لفظ أفعل

وَخص حم فصلت بنجينا لموافقته مَا قبله {وزينا} وَبعده {قيضنا لَهُم} وَكله على لفظ فعلنَا

361 - قَوْله {وَأنزل لكم} قد سبق

362 - قَوْله {أإله مَعَ الله} فِي خمس آيَات وَختم الأولى بقوله

{بل هم قوم يعدلُونَ} ثمَّ {بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} ثمَّ قَالَ {قَلِيلا مَا تذكرُونَ} ثمَّ {تَعَالَى الله عَمَّا يشركُونَ} ثمَّ {إِن كُنْتُم صَادِقين} أَي عدلوا إِلَى الذُّنُوب وَأول الذُّنُوب الْعدْل عَن الْحق ثمَّ لم يعلمُوا وَلَو علمُوا مَا عدلوا ثمَّ لم يذكرُوا فيعلموا بِالنّظرِ وَالِاسْتِدْلَال فأشركوا عَن غير حجَّة وبرهان قل لَهُم يَا مُحَمَّد {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

363 - قَوْله {وَيَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات} وَفِي الزمر {فَصعِقَ} خصت هَذِه السُّورَة بقوله {فَفَزعَ} مُوَافقَة لقَوْله {وهم من فزع يَوْمئِذٍ آمنون} وخصت الزمر بقوله {فَصعِقَ} مُوَافقَة لقَوْله {وَإِنَّهُم ميتون} لِأَن مَعْنَاهُ مَاتَ

سُورَة الْقَصَص

364 - قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وَلما بلغ أشده واستوى} أَي كمل أَرْبَعِينَ سنة وَقيل كمل قَوْله وَقيل خرجت لحيته وَفِي يُوسُف {وَلما بلغ أشده آتيناه} لِأَنَّهُ أوحى إِلَيْهِ فِي صباه

365 - قَوْله {وَجَاء رجل من أقْصَى الْمَدِينَة يسْعَى} وَفِي يس {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل يسْعَى} اسْمه حزبيل من

آل فِرْعَوْن وَهُوَ النجار وَقيل شَمْعُون وَقيل حبيب وَفِي يس هُوَ هُوَ وَقَوله {من أقْصَى الْمَدِينَة} يحْتَمل ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن يكون من أقْصَى الْمَدِينَة صفة لرجل وَالثَّانِي أَن يكون صلَة لجاء وَالثَّالِث أَن يكون صلَة ليسعى وَالْأَظْهَر فِي هَذِه السُّورَة أَن يكون وَصفا وَفِي يس أَن يكون صلَة

وخصت هَذِه السُّورَة بالتقديم لقَوْله قبله {فَوجدَ فِيهَا رجلَيْنِ يقتتلان} ثمَّ قَالَ {وَجَاء رجل}

وخصت سُورَة يس بقوله {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة} لما جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه كَانَ يعبد الله فِي جبل فَلَمَّا سمع خبر الرُّسُل سعى مستعجلا

366 - قَوْله {ستجدني إِن شَاءَ الله من الصَّالِحين} وَفِي الصافات {من الصابرين} لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة من كَلَام شُعَيْب أَي من الصَّالِحين فِي حسن المعاشرة وَالْوَفَاء بالعهد وَفِي الصافات من كَلَام إِسْمَاعِيل حِين قَالَ لَهُ أَبوهُ {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك فَانْظُر مَاذَا ترى} فَأجَاب {يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين}

367 - قَوْله {رَبِّي أعلم بِمن جَاءَ} وَبعده {من جَاءَ} بِغَيْر

بَاء الأول هُوَ أم الأجه لِأَن أفعل هَذَا فِيهِ معنى الْفِعْل وَمعنى الْفِعْل لَا يعْمل فِي الْمَفْعُول بِهِ فزيد بعده بَاء تَقْوِيَة للْعَمَل

وَخص الأول بِالْأَصْلِ ثمَّ حذف من الآخر الْبَاء اكْتِفَاء بِدلَالَة الأول عَلَيْهِ وَمحله نصب بِفعل آخر أَي يعلم من جَاءَ بِالْهدى وَلم يقتض تغييرا كَمَا قُلْنَا فِي الْأَنْعَام لِأَن دلَالَة الأول قَامَ مقَام التَّغْيِير

وَخص الثَّانِي بِهِ لِأَنَّهُ فرع

368 - قَوْله {لعَلي أطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} وَفِي الْمُؤمن {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب} {أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} لِأَن قَوْله {أطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} فِي هَذِه السُّورَة خبر لعَلي وَجعل قَوْله {أبلغ الْأَسْبَاب} فِي الْمُؤمن خبر لعَلي ثمَّ أبدلت مِنْهُ {أَسبَاب السَّمَاوَات}

وَإِنَّمَا زَادهَا ليَقَع فِي مُقَابلَة قَوْله {أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد} لِأَنَّهُ {زعم} أَنه إِلَه الأَرْض فَقَالَ {مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي} أَي فِي الأَرْض أَلا ترى أَنه قَالَ {فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} فجَاء على كل سُورَة مَا اقْتَضَاهُ مَا قبله

369 - قَوْله {وَإِنِّي لأظنه من الْكَاذِبين} وَفِي الْمُؤمن {كَاذِبًا} لِأَن التَّقْدِير فِي هَذِه السُّورَة وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا من الْكَاذِبين فزيد {من} لرءوس الْآيَات ثمَّ أضمر كَاذِبًا لدلَالَة الْكَاذِبين عَلَيْهِ وَفِي الْمُؤمن جَاءَ على الأَصْل وَلم يكن فِيهِ مُوجب تَغْيِير

370 - قَوْله {وَمَا أُوتِيتُمْ من شَيْء} بِالْوَاو وَفِي الشورى {فَمَا أُوتِيتُمْ} بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ لم يتَعَلَّق فِي هَذِه السُّورَة بِمَا قبله كَبِير تعلق فاقتصر على الْوَاو لعطف جملَة على جملَة وَتعلق فِي الشورى بِمَا قبلهَا أَشد تعلق لِأَنَّهُ عقب مَا لَهُم من المخافة بِمَا أُوتُوا من الأمنة وَالْفَاء حرف للتعقيب

371 - قَوْله {فمتاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} وَفِي الشورى {فمتاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} فَحسب لِأَن فِي هَذِه السُّورَة ذكر جَمِيع مَا بسط من الرزق وأعراض الدُّنْيَا كلهَا مستوعبة بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ فالمتاع مَا لَا غنى عَنهُ فِي الْحَيَاة من الْمَأْكُول والمشروب والملبوس والمسكن والمنكوح والزينة مَا يتجمل بِهِ الْإِنْسَان وَقد يسْتَغْنى عَنهُ كالثياب الفاخرة والمراكب الرائقة والدور المجصصة والأطعمة الملبقة

وَأما فِي الشورى فَلم يقْصد الِاسْتِيعَاب بل مَا هُوَ مطلوبهم فِي تِلْكَ الْحَالة من النجَاة والأمن فِي الْحَيَاة فَلم يحْتَج إِلَى ذكر الزِّينَة

372 - قَوْله {إِن جعل الله عَلَيْكُم اللَّيْل سرمدا} وَبعده {إِن جعل الله عَلَيْكُم النَّهَار سرمدا} قدم اللَّيْل على النَّهَار لِأَن ذهَاب اللَّيْل بِطُلُوع الشَّمْس أَكثر فَائِدَة من ذهَاب النَّهَار بِدُخُول اللَّيْل ثمَّ ختم الْآيَة الأولى بقوله {أَفلا تَسْمَعُونَ} بِنَاء على اللَّيْل وَختم

الْأُخْرَى بقوله {أَفلا تبصرون} بِنَاء على النَّهَار وَالنَّهَار مبصر وَآيَة النَّهَار مبصرة

373 - قَوْله {ويكأن} {ويكأنه} لَيْسَ بتكرار لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُتَّصِل بِغَيْر مَا اتَّصل بِهِ الآخر قَالَ ابْن عَبَّاس وى صلَة وَإِلَيْهِ ذهب سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ وى كلمة يستعملها النادم بِإِظْهَار ندامته وَهِي مفصولة من كَأَنَّهُ وَقَالَ الْأَخْفَش أَصله ويك وَأَن الله بعده مَنْصُوب بإضمار الْعلم أَي أعلم أَن الله وَقَالَ بَعضهم أَصله وَيلك وَفِيه ضعف وَقَالَ الضَّحَّاك الْيَاء وَالْكَاف صلَة وَتَقْدِيره وَإِن الله وَهَذَا كَلَام مزيف

سُورَة العنكبوت

374 - قَوْله تَعَالَى {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا} وَفِي لُقْمَان {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حَملته} وَفِي الْأَحْقَاف {بِوَالِديهِ إحسانا} الْجُمْهُور على أَن الْآيَات الثَّلَاث نزلت فِي سعد بن مَالك وَهُوَ سعد ابْن أبي وَقاص وَأَنَّهَا فِي سُورَة لُقْمَان اعْتِرَاض بَين كَلَام لُقْمَان لأبنه وَلم يذكر فِي لُقْمَان {حسنا} لِأَن قَوْله بعده {أَن اشكر لي ولوالديك}

14 – قَامَ مقَامه وَلم يذكر فِي هَذِه السُّورَة حملنه {وَلَا} {وَضعته} مُوَافقَة لما قبله من الِاخْتِصَار وَهُوَ قَوْله {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنكفرن عَنْهُم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الَّذِي كَانُوا يعْملُونَ} فَإِنَّهُ ذكر فِيهَا جَمِيع مَا يَقع بِالْمُؤْمِنِينَ بأوجز كَلَام وَأحسن نظام ثمَّ قَالَ {وَوَصينَا الْإِنْسَان} أَي ألزمناه {حسنا} فِي حَقّهمَا وقياما بأمرهما وإعراضا عَنْهُمَا وَخِلَافًا لقولهما إِن امراه بالشرك بِاللَّه

وَذكر فِي لُقْمَان والأحقاف حَالَة حملهما وَوَضعهمَا

375 - قَوْله {وَإِن جَاهَدَاك لتشرك بِي} وَفِي لُقْمَان {على أَن تشرك} لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة وَافق مَا قبله لفظا وَهُوَ قَوْله {وَمن جَاهد فَإِنَّمَا يُجَاهد لنَفسِهِ} وَفِي لُقْمَان مَحْمُول على الْمَعْنى لِأَن التَّقْدِير وَإِن حملاك على أَن تشرك

376 - قَوْله {يعذب من يَشَاء وَيرْحَم من يَشَاء} بِتَقْدِيم الْعَذَاب على الرَّحْمَة فِي هَذِه السُّورَة فَحسب لِأَن إِبْرَاهِيم خَاطب بِهِ نمروذ وَأَصْحَابه وَأَن الْعَذَاب وَقع بهم فِي الدُّنْيَا

377 - قَوْله {وَمَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} وَفِي الشورى {وَمَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض} لِأَنَّهُ فِي هَذِه السُّورَة خطاب لنمروذ حِين صعد الجو موهما أَنه يحاول السَّمَاء فَقَالَ إِبْرَاهِيم لَهُ ولقومه {وَمَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض} أَي من فِي الأَرْض من الْجِنّ وَالْإِنْس وَلَا من فِي السَّمَاء من الْمَلَائِكَة فَكيف تعجزون الله

وَقيل مَا أَنْتُم بفائتين عَلَيْهِ وَلَو هربتم فِي الأَرْض أَو صعدتم فِي السَّمَاء فَقَالَ {وَمَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} لَو كُنْتُم فِيهَا

وَمَا فِي الشورى خطاب للْمُؤْمِنين وَقَوله {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} يدل عَلَيْهِ وَقد جَاءَ {وَمَا هم بمعجزين} فِي قَوْله {وَالَّذين ظلمُوا من هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سيئات مَا كسبوا} من غير ذكر الأَرْض وَلَا السَّمَاء

378 - قَوْله {فأنجاه الله من النَّار إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يُؤمنُونَ} وَقَالَ بعده {خلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ إِن فِي ذَلِك لآيَة للْمُؤْمِنين} فَجمع الأولى ووحد الثَّانِيَة لِأَن الأولى إِشَارَة إِلَى إِثْبَات النُّبُوَّة وَفِي النَّبِيين صلوَات الله عَلَيْهِم كَثْرَة وَالثَّانِي إِشَارَة إِلَى التَّوْحِيد وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَاحِد لَا شريك لَهُ

379 - قَوْله {أئنكم} جمع بَين استفهامين قد سبق فِي الْأَعْرَاف

380 - قَوْله {وَلما أَن جَاءَت رسلنَا لوطا} وَفِي هود {وَلما جَاءَت} بِغَيْر {إِن} لِأَن {لما} يَقْتَضِي جَوَابا وَإِذا اتَّصل بِهِ {إِن} دلّ على أَن الْجَواب وَقع فِي الْحَال من غير تراخ كَمَا فِي هَذِه السُّورَة وَهُوَ قَوْله {سيء بهم وضاق بهم ذرعا} وَمثله فِي يُوسُف {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير أَلْقَاهُ على وَجهه فَارْتَد بَصيرًا}

وَفِي هود اتَّصل بِهِ كَلَام بعد كَلَام إِلَى قَوْله {قَالُوا يَا لوط إِنَّا رسل رَبك لن يصلوا إِلَيْك} فَلَمَّا طَال لم يحسن دُخُول أَن

381 - قَوْله {وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيبا فَقَالَ} هُوَ عطف على قَوْله {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَلبث}

382 - قَوْله {قل كفى بِاللَّه بيني وَبَيْنكُم شَهِيدا} أَخّرهُ فِي هَذِه السُّورَة لما وصف وَقد سبق

383 - قَوْله {الله يبسط الرزق لمن يَشَاء من عباده وَيقدر لَهُ} وَفِي الْقَصَص {يبسط الرزق لمن يَشَاء من عباده وَيقدر} وَفِي الرَّعْد 26 والشورى 12 {لمن يَشَاء وَيقدر} لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة اتَّصل بقوله {وكأين من دَابَّة لَا تحمل رزقها} الْآيَة وفيهَا عُمُوم فَصَارَ تَقْدِير الْآيَة يبسط الرزق لمن يَشَاء من عباده أَحْيَانًا وَيقدر لَهُ أَحْيَانًا لِأَن الضَّمِير يعود إِلَى من وَقيل يقدر لَهُ الْبسط من التَّقْدِير

وَفِي الْقَصَص تَقْدِيره يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر لمن يَشَاء وكل وَاحِد مِنْهُمَا غير الآخر بِخِلَاف الأولى

وَفِي السورتين يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ فَأطلق

384 - قَوْله {من بعد مَوتهَا} وَفِي الْبَقَرَة والجاثية وَالروم {بعد مَوتهَا} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة وَافق مَا قبله وَهُوَ {من قبله} فَإِنَّهُمَا يتوافقان وَفِيه شَيْء آخر وَهُوَ أَن مَا فِي هَذِه السُّورَة سُؤال

وَتَقْرِير والتقرير يحْتَاج إِلَى التَّحْقِيق فَوق غَيره فقيد الظّرْف بِمن فَجمع بَين طَرفَيْهِ كَمَا سبق

385 - قَوْله {نعم أجر العاملين} بِغَيْر وَاو لاتصاله بِالْأولِ أَشد اتِّصَال وَتَقْدِيره ذَلِك نعم أجر العاملين

سُورَة الرّوم

386 - قَوْله تَعَالَى {أَو لم يَسِيرُوا فِي الأَرْض} هُنَا وَفِي فاطر 44 وَأول الْمُؤمن 21 بِالْوَاو وَفِي غَيْرهنَّ بِالْفَاءِ لِأَن مَا قبلهَا فِي هَذِه السُّورَة {أَو لم يتفكروا} وَكَذَلِكَ بعْدهَا {وأثاروا الأَرْض} بِالْوَاو فَوَافَقَ مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا وَفِي فاطر أَيْضا وَافق مَا قبله وَمَا بعده فَإِن قبله {وَلنْ تَجِد لسنة الله تحويلا} وَبعدهَا {وَمَا كَانَ الله ليعجزه من شَيْء} وَكَذَلِكَ أول الْمُؤمن قبله {وَالَّذين يدعونَ من دونه}

وَأما فِي آخر الْمُؤمن فَوَافَقَ مَا قبله وَمَا بعده وَكَانَا بِالْفَاءِ وَهُوَ قَوْله {فَأَي آيَات الله تنكرون} وَبعده {فَمَا أغْنى عَنْهُم}

387 - قَوْله {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم كَانُوا أَشد مِنْهُم قُوَّة} {من قبلهم} مُتَّصِل بِكَوْن آخر مُضْمر وَقَوله {كَانُوا أَشد مِنْهُم قُوَّة} إِخْبَار عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ قبل الإهلاك

وخصت هَذِه السُّورَة بِهَذَا النسق لما يتَّصل من الْآيَات بعده وَكله إِخْبَار

عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَهُوَ {وأثاروا الأَرْض وعمروها} وَفِي فاطر {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم وَكَانُوا} بِزِيَادَة الْوَاو لِأَن التَّقْدِير فينظروا كَيفَ أهلكوا وَكَانُوا أَشد مِنْهُم قُوَّة

وخصت هَذِه السُّورَة بِهِ لقَوْله {وَمَا كَانَ الله ليعجزه من شَيْء} الْآيَة

وَفِي الْمُؤمن {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين كَانُوا من قبلهم كَانُوا هم أَشد مِنْهُم قُوَّة} فأظهر {كَانَ} الْعَامِل {فِي} {من قبلهم} وَزَاد {هم} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة وَقعت فِي أَوَائِل قصَّة نوح وَهِي تتمّ فِي ثَلَاثِينَ آيَة فَكَانَ اللَّائِق الْبسط وَفِي آخر الْمُؤمن {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم كَانُوا أَكثر مِنْهُم وَأَشد قُوَّة} فَلم يبسط القَوْل لِأَن أول السُّورَة يدل عَلَيْهِ

388 - قَوْله {وَمن آيَاته أَن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} وَختم الْآيَة بقوله {يتفكرون} لِأَن الْفِكر يُؤَدِّي إِلَى الْوُقُوف على الْمعَانِي الَّتِي خُلِقْنَ لَهَا من التآنس والتجانس وَسُكُون كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى الآخر

389 - قَوْله {وَمن آيَاته خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَختم بقوله {للْعَالمين} لِأَن الْكل تظلهم السَّمَاء وتقلهم الأَرْض وكل وَاحِد مُنْفَرد بلطيفة فِي صَوته يمتاز بهَا عَن غَيرهَا حَتَّى لَا ترى اثْنَيْنِ فِي ألف يتشابه صوتاهما ويلتبس كَلَامهمَا وَكَذَلِكَ ينْفَرد كل وَاحِد بدقيقة فِي صورته يتَمَيَّز بهَا من بَين الْأَنَام فَلَا ترى اثْنَيْنِ يتشابهان وَهَذَا

يشْتَرك فِي مَعْرفَته النَّاس جَمِيعًا فَلهَذَا قَالَ {لآيَات للْعَالمين}

وَمن حمل اخْتِلَاف الألسن على اللُّغَات وَاخْتِلَاف الألوان على السوَاد وَالْبَيَاض والشقرة والسمرة فالاشتراك فِي مَعْرفَتهَا أَيْضا ظَاهر

وَمن قَرَأَ {للْعَالمين} بِكَسْر اللَّام فقد أحسن لِأَن بِالْعلمِ يُمكن الْوُصُول إِلَى معرفَة مَا سبق ذكره

390 - قَوْله {وَمن آيَاته منامكم بِاللَّيْلِ} وَختم بقوله {يسمعُونَ} فَإِن من سمع أَن النّوم من صنع الله الْحَكِيم وَلَا يقدر أحد على إجتلابه إِذا امْتنع وَلَا على دَفعه إِذا ورد تَيَقّن أَن لَهُ صانعا مُدبرا

قَالَ الْخَطِيب معنى {يسمعُونَ} هَهُنَا يستجيبون إِلَى مَا يَدعُوهُم إِلَيْهِ الْكتاب

وَختم الْآيَة الرَّابِعَة بقوله {يعْقلُونَ} لِأَن الْعقل ملاك أَمر فِي هَذِه الْأَبْوَاب وَهُوَ الْمُؤَدِّي إِلَى الْعلم فختم بِذكرِهِ

391 - قَوْله {وَمن آيَاته يريكم} أَي انه يريكم وَقيل تَقْدِيره ويريكم من آيَاته الْبَرْق وَقيل أَن يريكم فَلَمَّا حذف {إِن} سكن الْيَاء وَقيل من آيَاته كَلَام كَاف كَمَا تَقول مِنْهَا كَذَا وَمِنْهَا كَذَا وَمِنْهَا وتسكت تُرِيدُ الْكَثْرَة

392 - قَوْله {أَو لم يرَوا أَن الله يبسط الرزق} وَفِي الزمر {أولم يعلمُوا} لِأَن بسط الرزق مِمَّا يُشَاهد وَيرى فجَاء فِي هَذِه السُّورَة على مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَفِي الزمر اتَّصل بقوله {أُوتِيتهُ على علم} وَبعده {وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} فَحسن {أولم يعلمُوا}

393 - قَوْله {ولتجري الْفلك بأَمْره} وَفِي الجاثية {فِيهِ بأَمْره} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة تقدم ذكر الرِّيَاح وَهُوَ قَوْله {أَن يُرْسل الرِّيَاح مُبَشِّرَات} بالمطر وإذاقة الرَّحْمَة {ولتجري الْفلك} بالرياح بِأَمْر الله تَعَالَى وَلم يتَقَدَّم ذكر الْبَحْر

وَفِي الجاثية تقدم ذكر الْبَحْر وَهُوَ قَوْله {الله الَّذِي سخر لكم الْبَحْر} فكنى عَنهُ فَقَالَ {لتجري الْفلك فِيهِ بأَمْره}

سُورَة لُقْمَان

394 - قَوْله تَعَالَى {كَأَن لم يسْمعهَا كَأَن فِي أُذُنَيْهِ وقرا} وَفِي الجاثية {كَأَن لم يسْمعهَا فبشره} زَاد فِي هَذِه السُّورَة {كَأَن فِي أُذُنَيْهِ وقرا} جلّ الْمُفَسّرين على أَن الْآيَتَيْنِ نزلتا فِي النَّضر بن الْحَارِث وَذَلِكَ أَنه ذهب إِلَى فَارس فَاشْترى كتاب كليلة ودمنة وأخبار رستم واسفنديار وَأَحَادِيث الأكاسرة فَجعل يَرْوِيهَا وَيحدث بهَا قُريْشًا وَيَقُول إِن مُحَمَّدًا يُحَدثكُمْ بِحَدِيث عَاد وَثَمُود وَأَنا أحدثكُم بِحَدِيث رستم واسفنديار

ويستملحون حَدِيثه ويتركون اسْتِمَاع الْقُرْآن فَأنْزل الله هَذِه الْآيَات وَبَالغ فِي ذمه لتَركه اسْتِمَاع الْقُرْآن فَقَالَ {كَأَن فِي أُذُنَيْهِ وقرا} أَي صمما لَا يقرع مسامعه صَوت

وَلم يُبَالغ فِي الجاثية هَذِه الْمُبَالغَة لما ذكر بعده {وَإِذا علم من آيَاتنَا شَيْئا اتخذها هزوا} لِأَن الْعلم لَا يحصل إِلَّا بِالسَّمَاعِ أَو مَا يقوم مقَامه من خطّ أَو غَيره

395 - قَوْله {كل يجْرِي إِلَى أجل مُسَمّى} وَفِي الزمر {لأجل} قد سبق شطر من هَذَا ونزيده بَيَانا أَن {إِلَى} مُتَّصِل بآخر الْكَلَام ودال على الِانْتِهَاء وَاللَّام مُتَّصِل بِأول الْكَلَام ودال على الصِّلَة وَالسَّلَام

سُورَة السَّجْدَة

396 - قَوْله {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة} وَفِي المعارج {خمسين ألف سنة} مَوضِع بَيَانه التَّفْسِير والغريب فِيهِ مَا رُوِيَ عَن عِكْرِمَة فِي جمَاعَة أَن الْيَوْم فِي المعارج عبارَة عَن أول أَيَّام الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا وَأَنَّهَا خَمْسُونَ ألف سنة لَا يدْرِي أحد كم مضى وَكم بَقِي إِلَّا الله عز وَجل

وَمن الْغَرِيب أَن هَذِه عبارَة عَن الشدَّة واستطالة أَهلهَا إِيَّاهَا كالعادة فِي استطالة أَيَّام الشدَّة والحزن واستقصار أَيَّام الرَّاحَة وَالسُّرُور حَتَّى قَالَ الْقَائِل سنة الْوَصْل سنة بِكَسْر السِّين وَسنة الهجر سنة بِفَتْح السِّين

وخصت هَذِه السُّورَة بقوله {ألف سنة} لما قبله وَهُوَ قَوْله {فِي سِتَّة أَيَّام}

4 - وَتلك الْأَيَّام من جنس ذَلِك الْيَوْم

وخصت المعارج بقوله {خمسين ألف سنة} لِأَن فِيهَا ذكر الْقِيَامَة وأهوالها فَكَانَ اللَّائِق بهَا

397 - قَوْله {ثمَّ أعرض عَنْهَا} {ثمَّ} هَهُنَا تدل على الْإِعْرَاض عقب التَّذْكِير

398 - قَوْله {عَذَاب النَّار الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون} وَفِي سبأ {الَّتِي كُنْتُم} لِأَن النَّار فِي هَذِه السُّورَة وَقعت موقع الْكِنَايَة لتقدم ذكرهَا والكنايات لَا تُوصَف فوصف الْعَذَاب

وَفِي سبأ لم يتَقَدَّم ذكر النَّار قبل 6 فَحسن وصف النَّار

399 - قَوْله {أولم يهد لَهُم} بِالْوَاو {من قبلهم} بِزِيَادَة {من} سبق فِي طه

400 - قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَات أَفلا يسمعُونَ} لَيْسَ غَيره لِأَنَّهُ لما ذكر الْقُرُون والمساكن بِالْجمعِ حسن جمع الْآيَات وَلما تقدم ذكر الْكتاب وَهُوَ مسموع حسن ذكر لفظ السماع فختم الْآيَة بِهِ

سُورَة الْأَحْزَاب

ذهب بعض الْقُرَّاء إِلَى أَنه لَيْسَ فِي هَذِه السُّورَة مَا يذكر فِي الْمُتَشَابه وَبَعْضهمْ أورد فِيهَا كَلِمَات وَلَيْسَ فِي ذَلِك كثير تشابه بل قد يلتبس على الْحَافِظ الْقَلِيل البضاعة وعَلى الصَّبِي الْقَلِيل التجارب فأوردتها إِذْ لم تخل من

فَائِدَة وَذكرت مَعَ بَعْضهَا عَلامَة يَسْتَعِين بهَا الْمُبْتَدِئ فِي تِلَاوَته

401 - مِنْهَا قَوْله {ليسأل الصَّادِقين عَن صدقهم} وَبعده {ليجزي الله الصَّادِقين بصدقهم} لَيْسَ فِيهَا تشابه لِأَن الأول من لفظ السُّؤَال وصلته {عَن صدقهم} وَبعده {وَأعد للْكَافِرِينَ} وَالثَّانِي من لفظ الْجَزَاء وفاعله {الله} وصلته {بصدقهم} بِالْبَاء وَبعده {ويعذب الْمُنَافِقين}

402 - وَمِنْهَا قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم} وَبعده {اذْكروا الله ذكرا كثيرا} فَيُقَال للمبتدئ إِن الَّذِي يَأْتِي بعد الْعَذَاب الْأَلِيم نعْمَة من الله على الْمُؤمنِينَ وَمَا يَأْتِي قبل قَوْله {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم} {اذْكروا الله ذكرا كثيرا} شكرا على أَن أنزلكم منزلَة نبيه فِي صلَاته وَصَلَاة مَلَائكَته عَلَيْهِ حَيْثُ يَقُول {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي}

403 - وَمِنْهَا قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن} {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك} لَيْسَ من الْمُتَشَابه لِأَن الأول فِي التَّخْيِير وَالثَّانِي فِي الْحجاب

404 - وَمِنْهَا قَوْله {سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل} فِي موضِعين وَفِي الْفَتْح {سنة الله الَّتِي قد خلت} التَّقْدِير فِي الْآيَات سنة الله الَّتِي قد خلت فِي الَّذين خلوا فَذكر فِي كل سُورَة الطّرف الَّذِي هُوَ أَعم وَاكْتفى بِهِ عَن الطّرف الآخر وَالْمرَاد بِمَا فِي أول هَذِه السُّورَة النِّكَاح

نزلت حِين عيروا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنكاحه زَيْنَب فَأنْزل الله {سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل} أَي النِّكَاح سنة فِي النَّبِيين على الْعُمُوم وَكَانَت لداود تسع وَتسْعُونَ فضم إِلَيْهِم الْمَرْأَة الَّتِي خطبهَا أوريا وَولدت سُلَيْمَان وَالْمرَاد بِمَا فِي آخِره هَذِه السُّورَة الْقَتْل نزلت فِي الْمُنَافِقين والشاكين الَّذين فِي قُلُوبهم مرض والمرجفين فِي الْمَدِينَة على الْعُمُوم

وَمَا فِي سُورَة الْفَتْح يُرِيد بِهِ نصْرَة الله لأنبيائه والعموم فِي النُّصْرَة أبلغ مِنْهُ فِي النِّكَاح وَالْقَتْل

وَمثله فِي حم {غَافِر} {سنة الله الَّتِي قد خلت فِي عباده} فَإِن المُرَاد بهَا عدم الِانْتِفَاع بِالْإِيمَان عِنْد الْبَأْس فَلهَذَا قَالَ {قد خلت}

405 - وَمِنْهَا قَوْله {إِن الله كَانَ لطيفا خَبِيرا} {وَكَانَ الله على كل شَيْء رقيبا} {وَكَانَ الله قَوِيا عَزِيزًا} {وَكَانَ الله عليما حَلِيمًا} وَهَذَا من بَاب الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا نصب لدُخُول كَانَ على الْجُمْلَة فتفردت السُّورَة بِهِ وَحسن دُخُول كَانَ عَلَيْهَا مُرَاعَاة لفواصل الْآي وَالله أعلم

سُورَة سبأ

406 - قَوْله تَعَالَى {مِثْقَال ذرة فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض} مرَّتَيْنِ بِتَقْدِيم السَّمَوَات خلاف يُونُس فَإِن فِيهَا {مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة تقدم ذكر السَّمَوَات فِي أول السُّورَة {الْحَمد لله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} وَقد سبق فِي يُونُس

407 - قَوْله {أفلم يرَوا} بِالْفَاءِ لَيْسَ غَيره زيد الْحَرْف لِأَن الِاعْتِبَار فِيهَا بِالْمُشَاهَدَةِ على مَا ذَكرْنَاهُ وخصت بِالْفَاءِ لشدَّة اتصالها بِالْأولِ لِأَن الضَّمِير يعود إِلَى الَّذين قسموا الْكَلَام فِي النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا مُحَمَّد إِمَّا غافل أَو كَاذِب وَإِمَّا مَجْنُون هاذ وَهُوَ قَوْلهم {أفترى على الله كذبا أم بِهِ جنَّة} فَقَالَ الله تَعَالَى بل تركْتُم الْقِسْمَة الثَّالِثَة وَهِي وَإِمَّا صَحِيح الْعقل صَادِق

408 - قَوْله {قل ادعوا الَّذين زعمتم من دون الله} وَفِي سُبْحَانَ {من دونه} لِأَنَّهُ فِي هَذِه السُّورَة اتَّصَلت الْآيَة بِآيَة لَيْسَ فِيهَا لفظ الله فَكَانَ الصَّرِيح أحسن وَفِي سُبْحَانَ اتَّصل بآيتين فيهمَا بضعَة عشر مرّة ذكر الله صَرِيحًا وكناية فَكَانَت الْكِنَايَة أولى وَقد سبق

409 - قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَة لكل عبد منيب} وَبعده {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} بِالْجمعِ لِأَن المُرَاد الأول لآيَة على إحْيَاء الْمَوْتَى فخصت بِالتَّوْحِيدِ وَفِي قصَّة سبأ جمع لأَنهم صَارُوا اعْتِبَارا يضْرب بهم الْمثل تفَرقُوا أيادي سبأ وَفرقُوا كل مفرق ومزقوا كل ممزق فَرفع بَعضهم إِلَى الشَّام وَبَعْضهمْ {ذهب} إِلَى يثرب وَبَعْضهمْ إِلَى عمان فختم بِالْجمعِ وخصت بِهِ لكثرتهم وَكَثْرَة من يعْتَبر بهم فَقَالَ {لآيَات لكل صبار} على الْجنَّة {شكور} على النِّعْمَة أَي الْمُؤمنِينَ

410 - قَوْله {قل إِن رَبِّي يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر} وَبعده {لمن يَشَاء من عباده وَيقدر لَهُ} سبق

وَخص هَذِه السُّورَة بِذكر الرب لِأَنَّهُ تكَرر فِيهَا مَرَّات كَثِيرَة مِنْهَا {بلَى وربي} {بَلْدَة طيبَة وَرب غَفُور} {رَبنَا باعد بَين} {يجمع بَيْننَا رَبنَا} {موقوفون عِنْد رَبهم} وَلم يذكر مَعَ الأول {من عباده} لِأَن المُرَاد بهم الْكفَّار وَذكره مَعَ الثَّانِي لأَنهم الْمُؤْمِنُونَ وَزَاد {لَهُ} وَقد سبق بَيَانه

411 - قَوْله {وَمَا أرسلنَا فِي قَرْيَة من نَذِير} وَلم يقل {من قبلك} وَلَا {قبلك} خصت السُّورَة بِهِ لِأَنَّهُ فِي هَذِه السُّورَة إِخْبَار مُجَرّد وَفِي غَيرهَا إِخْبَار للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتسلية لَهُ فَقَالَ {قبلك} و {من قبلك}

412 – قَوْله {وَلَا نسْأَل عَمَّا تَعْمَلُونَ} وَفِي غَيرهَا {عَمَّا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} لِأَن قَوْله {أجرمنا} بِلَفْظ الْمَاضِي أَي قبل هَذَا وَلم يقل نجرم فَيَقَع فِي مُقَابلَة تَعْمَلُونَ لِأَن من شَرط الْإِيمَان وَوصف الْمُؤمن أَن يعزم أَلا يجرم وَقَوله {تَعْمَلُونَ} خطاب للْكفَّار وَكَانُوا مصرين على الْكفْر فِي الْمَاضِي من الزَّمَان والمستقبل فاستغنت بِهِ الْآيَة عَن قَوْله {كُنْتُم}

413 - قَوْله {عَذَاب النَّار} قد سبق

سُورَة فاطر

414 - قَوْله جلّ وَعلا {وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح} بِلَفْظ الْمَاضِي مُوَافقَة لأوّل السُّورَة {الْحَمد لله فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض جَاعل الْمَلَائِكَة رسلًا} لِأَنَّهُمَا للماضي لَا غير وَقد سبق

415 - قَوْله {وَترى الْفلك فِيهِ مواخر} بِتَقْدِيم {فِيهِ} مُوَافقَة لتقدم {وَمن كل تَأْكُلُونَ} وَقد سبق

416 - قَوْله {جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ وبالزبر وبالكتاب} بِزِيَادَة الباءات قد سبق

417 - قَوْله {مُخْتَلفا ألوانها} وَبعده {ألوانها} ثمَّ {ألوانه} لِأَن الأول يعود إِلَى {ثَمَرَات} وَالثَّانِي يعود إِلَى {الْجبَال} وَقيل يعود إِلَى الْحمر وَالثَّالِث يعود إِلَى بعض الدَّال عَلَيْهِ {من} لِأَنَّهُ ذكر {من} وَلم يفسره كَمَا فسره فِي قَوْله {وَمن الْجبَال جدد بيض وحمر} فاختص الثَّالِث بالتذكير

418 - قَوْله {إِن الله بعباده لخبير بَصِير} بِالصَّرِيحِ وَبِزِيَادَة اللَّام وَفِي الشورى {إِنَّه بعباده خَبِير بَصِير} لِأَن الْآيَة الْمُتَقَدّمَة فِي هَذِه السُّورَة لم يكن فِيهَا ذكر الله فَصرحَ باسمه سُبْحَانَهُ وَفِي الشورى مُتَّصِل بقوله {وَلَو بسط الله الرزق} فَخص بِالْكِنَايَةِ

وَدخل اللَّام فِي الْخَبَر وموافقة لقَوْله {إِن رَبنَا لغَفُور شكور}

419 - قَوْله {جعلكُمْ خلائف فِي الأَرْض} على الأَصْل قد سبق و {أَو لم يَسِيرُوا} سبق و {على ظهرهَا} سبق بَيَانه

420 - قَوْله {فَلَنْ تَجِد لسنة الله تبديلا وَلنْ تَجِد لسنة الله تحويلا} كرر وَقَالَ فِي الْفَتْح {وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلا} وَقَالَ فِي سُبْحَانَ {وَلَا تَجِد لسنتنا تحويلا} التبديل تَغْيِير الشَّيْء عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قيل مَعَ بَقَاء مَادَّة الأَصْل كَقَوْلِه تَعَالَى {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا} وَكَذَلِكَ {تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} والتحويل نقل الشَّيْء من مَكَان إِلَى مَكَان آخر وَسنة الله سُبْحَانَهُ لَا تبدل وَلَا تحول فَخص هَذَا الْموضع بِالْجمعِ بَين الوصفين لما وصف الْكفَّار بوصفين وَذكر لَهُم غرضين وَهُوَ قَوْله {وَلَا يزِيد الْكَافرين كفرهم عِنْد رَبهم إِلَّا مقتا} {وَلَا يزِيد الْكَافرين كفرهم إِلَّا خسارا} وَقَوله {استكبارا فِي الأَرْض ومكر السيء}

وَقيل هما بدلان من {نفورا} فَكَمَا ثنى الأول وَالثَّانِي ثنى الثَّالِث ليَكُون الْكَلَام كُله على غرار وَاحِد

وَقَالَ فِي الْفَتْح {وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلا} فاقتصر على مرّة وَاحِدَة لما لم يكن للتكرار مُوجب

وَخص {سُبْحَانَ} بقوله تحويلا 77 لِأَن قُريْشًا قَالُوا لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَو كنت نَبيا لذهبت إِلَى الشَّام فَإِنَّهَا أَرض المبعث والمحشر فهم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بالذهاب إِلَيْهَا فَهَيَّأَ أَسبَاب الرحيل والتحويل فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِهَذِهِ الْآيَات {وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض ليخرجوك مِنْهَا} وَختم الْآيَات بقوله {تحويلا} تطبيقا للمعنى