الذئب يغبط بذي بطنه.
الذئب معروف، مهموز، ويترك همزه تخفيفا؛ والأنثى ذيبة. والغبطة: المسرة، وتكون للحسد تارة، وهو أن يتمنى إنَّ يعطى ما للغير من النعمة مع زوالها عن الغير وهو مذموم، وتارة لا مع محبة زوالها عن الغير وهو المحمود. والغبطة بهذا المعنى خلاف الحسد. ويقال: غبطة يغبطه كضربة يضربه، وغبطة يغبطه كسمعة يسمعة؛ غبطة. والبطن معروف وذو البطن: صاحب البطن، وهو ما فيه.
ومعنى المثل إنَّ الذئب يضن به أبدا الشبع والبطنة لمّا يروى من عدوه على الناس والمواشي، ولا يظن به الجوع، وإنَّ كان مجهودا من الجوع. فيضرب للرجل يتهم بالمال ولا مال له.
ومثل هذا قول الشاعر:
ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ... و يغبط بما في بطنه وهو جائع
و نحو هذا في أمثال العامة قولهم: من رأى الجمل الأبيض ظنه كله شحما.
ذياب في ثيابٍ.
الثياب جمع ثوب. وهذا المثل مشهور في ذم الناس وانهم كالذياب مكراً وخداعا وإنَّ كانوا في الصورة خلافها.
وروي إنّه لمّا ولد عبد الله بن الزبير، رضي الله عنه نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: هو، هوفلما سمعت بذلك أمه أسماء، رضي الله عنها، أمسكت عن إرضاعه. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه ولو بماء عينيك، كبش بين ذياب، وذياب عليها ثياب، ليمنعن البيت أو ليقتلن دونهانتهى. وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذم علماء السوء إنّه أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: قل للذين يتفقهون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون الكباش وقلوبهم كقلوب الذياب، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، إياي يخدعون، وبي يستهزئون، لأتيحن لهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران. انتهى.
قال الشاعر:
وأنت كجرو الذيب ليس بآلف ... أبى الذيب إلاّ إنَّ يخون ويظلما
الذيب يكنى أبا جعدة.
الذيب مر، والكنية والكنوة بضم الكاف وكسرها فيهما: الاسم. وكنيت الرجل أبا فلان، وكنيته بالتضعيف، وأكنيته، كنيته بالكسر والضم سميته به. وكنيته بابي فلان أيضاً. وأبو جعدة: كنية الذيب. ويقال: أبو جعادة أيضاً. قال الشاعر:
فقالت له: يا أبا جعادة إنَّ تمت ... تمت سيئ الأخلاق لا تتنقل
و كني الذيب أبا جعدة، وإنَّ لم تكن له بنت تسمى بذلك. ومن ثم قال الكميت يصفه:
ومستطعم يكنى بغير بناته ... جعلت له حظا من الزاد أوفرا
و الجعدة يكون وصفا للمؤنث، من الجعودة في الشعر، ضد البسوطة، والمذكر جعد. والجعد أيضاً الثرى الندي. وقول امرئ القيس:
ويأكلن بهمى جعدة حبشية ... و يشربن برد الماء في السبرات
أراد به الندية، أي بهمى ندية حبشية، أي شديدة الخضرة تضرب إلى السواد. ورجل جعد: كريم أو بخيل. وجعد اليدين: بخيل. والجعدة أيضاً نبت ينبت على شاطئ الأنهار، وهو المراد في المثل. ويقال إنّه نبت طيب الريح، ينبت في الربيع ويجف سريعا. والجعدة أيضاً: الشاة. فقيل كني الذئب بها لكثرة افتراسه إياها، وقيل: كني أبا جعدة لأنه بخيل يقال له الجعد كما مر. وانشدوا: أخشى أبا جعد وأم العمر يعني الذيب. وقيل من النبت السابق.
ومعنى المثل أنَّ الذيب كنيته حسنة وفعله خبيث منكر. يضرب للرجل يظهر لك إكراما وهو يريد بك غائلة.
ويروى هذا المثل أيضاً: هي الخمر تكنى الطلاء كما الذيب بكنى أبا جعدة.
ويحكى إنّه لعبيد بن الأبرص لمّا هم المنذر بن ماء السماء بقتله قال له عبيد: وقالوا:
هي الخمر تكنى الطلا ... كما الذيب يكنى أبا جعدة
ويروى:
هي الخمر يكنوها بالطلا ... كما الذيب يكنى أبا جعدة
أي إنّه يظهر لي الإكرام وهو يريد قتلي، كما إنَّ الخمر وإنَّ سموها الطلاء وحسنوا أسمها ففعلها قبيح. وكذا الذئب وإنَّ كان اسمه حسنا فإنَّ فعله قبيح. ويحكى عن أبن الزبير سئل عن المتعة فقال: الذيب يكنى أبا جعدة. والمعنى أنَّ المتعة حسنة الاسم قبيحة المعنى، لأنها طلاق، كما أن الذئب حسن الاسم قبيح المعنى.
ذكرتني الطعن وكنت ناسيا.
الذكر والتذاكر: الحفظ للشيء، وذكره وتذكره إياه بالتضعيف، وأذكرته. وما زال مني على ذكر بالضم والكسر أي تذكر. والطعن: الضرب بالرمح أو نحوه، والوخز به، طعنه بالفتح يطعنه بالفتح والضم طعنا: ضربه، فهو مطعون وطعين، والنسيان ضد الحفظ، نسي الأمر بالكسر ينساه، نسيا ونسيانا ونساوة بكسر الثلاثة ونسوة بالفتح: ضد حفظه وهذا المثل يضرب في ذكر الشيء بغيره، وفي الرجل يسمع كلمة فيتذكر بها شيئاً. وأصله فيما يقال إنَّ رجلا حمل على آخر ليقتله، وكان مع المحمول عليه الرمح، فنسيه دهشا، فقال له الحامل: ألق الرمحفقال عند ذاك: ذكرتني الطعن وكنت ناسيا أي ذكرتني ما اطعن به: أو ذكرتني الطعن بتذكير الرمح الذي أطعن به فذهبت مثلا. ثم كر عليه فهزمه.
ويقال إنَّ الحامل في هذا القصة هو صخر لن عمرو بن الشريد، والمحمول عليه هو يزيد أبن الصعق. وقد ذكر ذلك أبو عبيد، إلاّ إنّه قال: فكر عليه فقتله أو هزمه على الشك فوهمه البكري بما ثبت من أنَّ صخرا إنّما مات بطعنة ربيعة بن ثور الأسدي. وسيأتي لنا ذكر قصته، إن شاء الله تعالى.
ويروى أيضاً إنَّ رهيم بن حزم الهلالي عرج بأهله وماله يريد النقلة في بلاد من أرض إلى أرض. فبينما هو يسير إذ لقيه ثلاثون رجلا من تغلب، فقال لهم: يا بني تغلب، شأنكم بالمال وخلوا الظعينةفقالوا: قد رضينا إنَّ ألقيت الرمحفقال: وإنَّ لرمحي لمعيفقتل رجلا وصرع آخر وقال ذلك.
ذكر ما فات يكدر الأوقات.
وهذا مثل مصنوع فيما أظن، وهو ظاهر المعنى، وقريب من قولهم: ذكر أيام الجفاء في أيام الصفاء جفاء.
مذكية تقاس بالجذاع.
المذكي من الخيل: المسن الذي جاوز القراح بعام، كما مر في الجيم. والجذاع جمع جذعة وهو الصغير السن، والقياس: اعتبار الشيء بالشيء وإلحاقه به في أمر. وهذا المثل يضرب عند الخطأ في التشبيه وقياس الكبير بالصغير. واشتهر في هذا المعنى على ألسنه الناس قولهم:
قياس البيض على الباذنجان.
وزعموا إنَّ أصله رجلا كان ساق إلى آخر باذنجانا أو نحوه، فوجد مسكنه مغلقا ولم يجد صاحبه هناك، فلم يمكنه إنَّ يدخل إلى المسكن ما أتى به. فلما جاء صاحبه قال له: إذا جئت بشيء من ذلك فأرمه من الخوخة إلى البيت قم إنّه يوما اتفق لهذا أنَّ جاء ببيض فرماه من الخوخة، عملا بوصية صاحبه وظن إنَّ البيض والباذنجان سوء. فوقع البيض وانكسر وفسد، وذهب ذلك مثلا.
أذكى من إياس.
الذكاء سرعة الفطنة: يقال ذكي الرجل يذكى كرضي يرضى، وذكى يذكى كسعى يسعى، وذكو يذكو ككرم يكرم ذكاء بالمد فهو ذكي.و إياس بوزن كتاب هو إياس بن معاوية بن قرة، قاضي البصرة. كان أعجوبة الزمان في الذكاء وسرعة الجواب. ومن ثم قال أبو تمام.
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس
ولذكاء إياس وفراسته وفطنته أخبار عجيبة وحكايات غريبة. ومن أوّل ما كان يعرف به من ذكائه إنّه دخل الشام وهو صغير ونازع رجلا في أمر وقدمه إلى القاضي عبد الملك بن مروان، وكان القاضي يعرف الرجل فقال لإياس: أما تستحي إنَّ تقود شيخا كبيرا فقال: الحق اكبر منهقال القاضي: اسكتقال إياس: فمن يتكلم بحجتي إذا سكت فقال له القاضي ما أظنك تتكلم بحق حتى تقوم. قال إياس: أشهد أن لا إله إلاّ الله وإنَّ محمّد رسول اللهفوثب القاضي قائما ودخل على عبد الملك فأخبره خبره. فقال له عبد الملك أقض حاجتهوأصرفه عن الشام لا يفسد علينا الناسثم ولي القضاء في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وكان سبب ذلك إنَّ عمر بعث رجلا من أهل الشام فقال له: اجمع بين القاسم وربيعة وإياس، فول القضاء أيهما انفذفجمع بينهما وتمنع كل منهما. فقال إياس للشامي وعن القاسم فقيهي المصر:الحسن وأبن سيرينفعلم القاسم إنّه إنَّ سألهما أشارا به. فقال للشامي: لا تسلفوالله الذي لا إله إلاّ هو إنَّ إياس لأفضل مني وأعلم بالقضاء. فإنَّ كنت ممن يصدق فينبغي لك إنَّ تصدق قولي، وإنَّ كنت كاذبا فما يحل لك أنَّ توليني القضاء وأنا كاذبفقال إياس للشامي: إنك جئت رجل فأقمته على شفير جهنم، فافتدى نفسه من النار بيمين كاذب سيستغفر الله غز وجل منها وينجو من النار. فقال الشامي: أما إذ فطنت لها فأنا أوليك القضاء. فاستقضاه. وكان إياس قيل له: إنَّ فيك عيبين: إعجابا بقولك وعجلة في الجواب. فقال: أما الإعجاب، أليس يعجبكم ما أقول قالوا: بلىقال: فأنا أحق بالإعجاب بقولي، وأما العجلة، فكم هذه وأمد أصابع يده فقالوا: خمس قال: عجلتم الجواب ولم تعدوها إصبعاً، إصبعاً. قالوا: وكيف نعد ما نعلم قال: كذلك أنا في الحكموسيأتي شيء من أخباره وفراسته بعد، إن شاء الله تعالى.
ذليل عاذ بقرملةٍ.
الذل ضد العز، ذل الرجل يذل فهو ذليل، والعياذ: الالتجاء، ويقول: عاذ به يعوذ بذال معجمة عوذا وعياذا ومعاذا ومعاذة. والقرملة شجرة ضعيفة لا شوك لها، تنفتح إذا وطئت، والجمع قرمل. قال الشاعر:
قتيلان لا تبكي المخاض عليهما: ... إذا شبعت من قرمل وأفان
و هذا المثل يضرب في الضعيف يلتجئ إلى أضعف منه أو مثله، والذليل يأوى إلى أذل منه. قال جرير:
كان الفرزدق إذ يعوذ بخاله ... مثل الذليل يعوذ تحت القرمل
و يقال أيضاً في المثل:
ضعيف عاد بقرملةٍ.
ومثله قول العامة:
أستند المريض إلى المريض.
أذل من بيضة البلد.
الذل مر، والبيضة معروفة واحدة البيض؛ والبلد بفتحتين أدحي النعام، وهو حفرة يتخذها في الأرض لبيضه. قال علقمة يصف الظليم:
حتى توافى وقرن الشمس مرتفع ... أدحي عريسين في البيض مركوم
و بيضة البلد يقال بيضته التي يتركها فيه، ضرب بها المثل في الذلة لأنها لا تمتنع من كل من ظفر بها، كما قيل: فقع القرقر، على ما يأتي. قال الشاعر:
لو كنت من أحد يهجى هجوتكم ... يا بن الرقاع ولكن لست من أحد
تأبى قضاعة أنَّ تدري لكم نسبا ... و ابنا نزار فأنتم بيضة البلد
و جوز أبو عبيدة في قولهم: كان فلان بيضة البلد أنَّ يراد به المدح على ما قيل في بيضة القعر، كما سيأتي. وزعم البكري إنّه قد ضرب هذا ثلا للمنفرد عن أهله وأسرته، فلا يكون مدحا ولا ذما، وانشده:
لو كان حوض حمار ما شربت به ... إلاّ بأذن حمار أخر الأبد
لكنه حوض من أودى بأخوته ... ريب الزمان فأضحى بيضة البلد
و فيه نظر: لأنَّ الشاعر يخبر بأنه قد هان وذل بذهاب اخوته وأنصاره، لا بمجرد فقد الأنصار وإنّه منفرد.
أذل من حمارٍ.
الحمار معروف، وهو يوصف بالذلة والهوان، كما يوصف بالجهل والبلادة. قال الشاعر:
ولا يقيم على الضيم يراد به ... إلاّ الأذلان: عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ... و ذا يشج فلا يرثي له أحد
و الخسف: الهوان، كما قيل:
حراجيح ما تنفك إلاّ مناخة ... على النفس أو نرمي بها بلدا قفرا
و الزمة: القطعة من الحبل. وقوله في الوتد، يشج أي يضرب على رأسه، فلا يرثي له أحد، أي لا يرق له أحد ولا يحمه، ومثله قول عبد الرحمان بن حسان بن ثابت الأنصاري يهاجي عبد الرحمن بن الحكم بن العاصي الأموي:
فأما قولك: الخلفاء منا ... فهم منعوا وريدك من وداج
ولولاهم لكنت كركب بحرٍ ... هوى في مظلم الغمرات داج
وكنت أذل من وتد بقاع ... يشج رأسه بالفهر واج
و لمّا وقع هذا بينهم كتب معاوية، رضي الله عنه، إلى مروان بن الحكم إنَّ يؤد بهما، وكانا قد تقاذفا. فضرب عبد الرحمن بن حسان ثمانين، وضرب أخاه عشرين. فقيل لعبد الرحمن بن حسان: قد أمكنك في مروان ما تريد، فشنع أمره وارفعه إلى معاويةفقال: إذا، والله، لا أفعل، وقد حدني كما يحد الرجال الأحرار، وجعل أخاه كنصف عبد، فأوجعه بهذا الكلام.
أذل من حمار قبان.
ويقال: عير قبان دويبة صغيرة من دواب الأرض؛ وقبان بفتح القاف والباء المشددة، على وزن فعلان، من قب، وكأنه من القبب وهو ضمور البطن. قال الشاعر:
يمشين مشي قطا البطاح تأود ... قب البطون رواجح الأكفال
و ذلك لضمور بطنه. والدليل على إنّه فعلان منع الصرف فيه. قال الشاعر:
يا عجبا لقد رأيت عجبا: ... حمار قبان يسوق أرنبا
خالطها يمنعها أن تذهبا ... فقال: أردفينيقالت: مرحبا
و لو كان فعلا لصرفه إلاّ أن يلاحظ فيه تركيبا.
أذل من السقبان بين الحلائب.
السقبان بالضم جمع سقب بفتح فسكون، وهو ولد الناقة مطلقا أو ساعة يولد. قال علقمة:
رغا فوقهم سقب السماء فداحص ... بشكته لم يستلب وسليبُ
أراد أبن ناقة ثمود والأنثى سقبة. وقيل: السقب مخصوص بالذكر ولا يقال للأنثى سقبة وإنّما يقال لها حائل وأمها أم حائل كما مر. وجمع السقب: أسقب وسقوب وسقاب وسقبان. وناقة مسقاب إذا كانت عادتها أن تلد السقبان. قال الراجز: غراء مسقاب لفحل أسقب.
والحلائب جمع حلوبة والحلوبة من النوق المحلبة. قال الشاعر يرثي رجلا:
يبيت الندى يا أم عمرو ضجيعه ... إذا لم يكن في المنقيات حلوبُ
و جمع الحلوب والحلوبة الحلائب. وضربوا المثل بالسقبان بين الحلائب أي بين النوق التي تحلب لأنها تقبض وتردد وتدفع وتشدد فينالها الهوان والصغار.
أذل من فراشٍ.
الفراش بفتح الفاء وتقدم في حرف الخاء.
أذل من فقع بقرقرةٍ.
الفقع بفتح فسكون الكمأة البضاء الرخوة وتكسر الفاء. وجمع الكل فقعة كعنبة قاله الجوهري. والقرقرة والقرقر:الأرض المطمئنة اللينة فيقال للذليل أذل من فقع بقرقرة وهو فقع بقرقرلأنه لا يتمنع على من يجتنبه أو لأنه يوطأ بارجل الناس والبهائم ويمتهن. وينسب للنابغة بهجو النعمان بن المنذر:
حدثوني بني الشقيقة ما ... يمنع فقعاً بقرقر أن يزولا
وقال بعض العرب لقوم: ما أنتم إلى ريف فتأكلوه، ولا إلى فلاة فتعصموه ولا إلى وزر فينجيكمفأنتم نهزة لمن رامكم ولعقة لمن قصدكم وغرض لمن رماكم كالفقعة الشرباخ يشدخها الواطئ ويذريها السافي. الشراخ الفاسدة المسترخية.
ذهبوا أيادي سبأ.
الذهاب معروف يقال: ذهب بالفتح يذهب ذهابا والأيادي جمع أيد والأيدي جمع يد وهو بمعنى الجارحة وبمعنى النعمة وبمعنى الطريق. وسبأ قيل أبو قبائل اليمن وهو لقب وأسمه عبد شمس بن يشجب بن يعرب وسمي سبأ قيل لأنه أول من سبى السبي. وقيل سبأ اسم أمهم وتسمى البلدة سبأ باسم سكانها وكانت أخصب بلاد الله كما الله تعالى: (جنتانِ عن يمينٍ وشمال). قيل: وكانت مسافة شهر في شهر للراكب المجد يسير الماشي في الجنان من أولها إلى آخرها لا يفارقه الظل، مع تدفق الماء وصفاء الهواء واتساع الفضاء. فمكثوا مدة في أمن لا يعاني ملك إلاّ قصموه. وكانت في بدء الأمر تركبها السيول فجمع ملك حمير أهل مملكته وشاورهم فاتخذوا سدا في بدء جريان الماء ورصفوه بالحجارة والحديد وجعلوا فيه مخارق للماء. فإذا جاءت السيول انقسمت على وجه يعمهم نفعه في الجنات والمزروعات. ويقال بانيه لقمان بن عاد ووقع في شعر الأعشى أنَّ حميرا هو بناه حيث قال:
رخام بنته لهم حمير ... إذا جاء ماؤها لم يرم
فلما كفرو نعم الله تعالى ورأوا ملكهم لا يبيده شيء وعبدوا الشمس سلط الله على سدهم فأرة فخرقته وأرسل عليهم السيل فمزقهم الله كل ممزق وأباد خضراءهم كما قال في القرآن.
فحكي أنه لمّا انتهى الملك إلى عمرو بن عامر المعروف بمزيقياء وسمي بذلك لأنه كان يلبس حلة حتى إذا أمسى مزقها أنفة من أن تعاد عليه أو يلبسها غيره أو لأنه مزق الأزد في البلاد. وكان أخوه عمران كاهنا فأتته كاهنة وأخبرته بدنو فساد السد وفيض السيل وأنذرته فقال لها: وما آية ذلك: فقالت: إذا رأيت جرذا يكثر بيده الحفر ويقلب برجليه الصخر فاعلم أنه قد اقترب الأمر. قال: وما الأمر قالت: وعد من الله ينزل فيغيرك يا عمروثم إنَّ عمرا يوما نظر في السد فرأى جرذا يقلب صخرة ما يقلبها خمسون رجلا. فرجع وهو يقول:
أبصرت أمرا هاج لي برح السقم ... من جرذ كفحل خنزير أجم
له مخاليب وأنياب قضم
فأجمع على الخروج منها. واحتال في بيع ماله وإنَّ لا ينكر الناس عليه. فقال لابنه: إني صانع طعاما وداع إليه أهل مأرب، فأردد على كلامي إذا تكلمتففعل ورد عليه ابنه أقبح الرد، فتغاضب عمرو وصاح: واذلاهيجيبني صبيوحلف ألا يقيم ببلد فيه ضيم فيه. فجعل يبيع أمواله وقومه يقولون بعضهم لبعض: اغتنموا غضبة عمرو قبل إنَّ يرضىواشتروا منه. فلما باع واجتمعت له أمواله أخبرهم خبر السد والسيل، وأجمعوا على الجلاء، فقال لهم عمران: إني أصف لكم بلدانا، فاختاروا أيّها شئتم، من كان منكم ذا غنم بعيد، وجمل غير شرود، فليلحق بالشرود، فليلحق بالشعب من كؤودفلحق به همدان. ثم قال: ومن كان منكم ذا سياسة وصبر، على أزمات الدهر، فليلحق ببطن مرفلحق به خزاعة. قال: ومن منكم يريد الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخلفنزلها الاوس والخزرج. قال: ومن كان يريد الخمر والخمير، والأمر والتأمير، فليلحق ببصرى وسديروهي أرض الشام. فلحق بها غسان. قال: ومن كان منكم يريد الثياب والرقاق والخيل العتاق، والذهب والأوراق، فليلحق بالعراق فلق بها ملك بن فهم الأزدي. وتخلف مالك اليماني في قومه حتى أخرجهم السيل منها، فنزلوا نجران وانتسبوا في مذحج، ودخلت جماعة منهم على معد، فأخرجتهم معد بعد حروب، ونزلوا بجبل السراة، على تخوم الشام. فلما تفرقت قبائل سبأ هذا التفرق، وتمزقوا هذا التمزق، ضربت العرب بهم المثل فقالوا: ذهب القوم أيدي سبأ وأيادي سبأ، أي تفرقوا في كل طريق ووجهة، إما على أنَّ اليد بمعنى الجارحة، لأنهم كانوا، إذ كانوا مجتمعين، يدا واحدة. فلما تفرقوا صارت اليد أيادي كثيرة؛ أو بمعنى النعمة، أي تفرقوا تفرق نعم سبأ، أو كائنين كنعم أهل سبأ، أو بمعنى الطريق، أي تفرقوا في كل طريق أهل سبا، حيث تمزقوا، وأيدي سبأ جعل اسما مركبا كمعدي كرب وسكنت الياء تخفيفا وإنَّ انتصب.
ذهبوا تحت كوكبٍ.
هذا كالذي قبله في المعنى أيضاً، وهو التفرق، وألفاظه ظاهرة.
ذهب دمه أدراج الرياح.
الذهاب مر، وكذلك الدم، والأدراج جمع درج بفتحتين وهو الطريق تقول رجعت أدراجي أي في الطريق الذي جئت فيه. والرياح جمع ريح، قلبت الواو ياء في المفرد والجمع لانكسار ما قبلها. وهذا المثل يقال في بطلان الشيء. فإذا قيل:ذهب دمه أدراج الرياح، أريد إنّه ذهب هدراً. والمعنى إنّه مسالك الرياح الذاهبة أو كان في مسالكها فنسفته وأذهبته. وكذا في غير الدم.
ذهبت هيف لأديانها.
الذهاب مر، والهيف بالفتح ريح حارة تهب من نحو اليمن نكباء بين الجنوب والدبورز قال ذو الرمة: هيف اليمانية في مرها نكب وهي تيبس ما مرت به وتعطش الحيوان. الهيف أيضاً شدة العطش، والأول المراد والأديان جمع دين بكسر الدال وله معان كثيرة: منها العادة، وهو المراد هنا. قال امرؤ القيس:
كدينك من أم الحويرث قبلها ... و جارتها أم الرباب بمأسل
أي كعادتك. ويروي كدابك، بمعناه. وقال الآخر:
تقول إذا درأت لها وضيني: ... أهذا دينه أبدا وديني
و معنى ذهبت هيف لأديانها: ذهبت لعدتها، لأنها تجفف كل شيء. فيضرب عند تفرق القوم ليس لشأنه، أو لمن يلزم عادته. وقال أبو عبيد: يضرب في نظر الرجل لنفسه وإقباله على شهوته وهواه. وقيل إنّه يضرب الشيء إذا انقضى.
الذود إلى الذود ابل.
الذود بفتح الذال وسكون الواو بعدها دال مهملة، من الإبل ما بين الثلاث والعشر، مؤنث ولا واحد له، والجمع أذواد. قال النابغة:
لعمرك ما خشيت على يزيدٍ ... من الفخر المضلل ما أتاني
كأنَّ التاج معصوبا عليه ... لأذواد أصبن بذي أبان
وقال امرؤ القيس:
أرى المرء ذا الأذواد محرضا ... كإحراض بكر في الديار مريض
و الإبل معروف، لا واحد له، وقد تسكن الباء. قال:
ألبان إبل تعله بن مسافرٍ ... ما دام يملكها علي حرام
و الجمع آبال.
والمعنى أنَّ الذود وهي القليلة العدد مجموعة إلى ذود أخرى تكون إبلا. أو إلى بمعنى مع، أي الذود مع الذود. يضرب عند اجتماع القليل إلى القليل، وإنّه يكون كثيرا. وتقدم مثله.
ذلك الفحل لا يقدح انفه.
ذلك: إشارة إلى البعيد، شخصا كان أو مكانا. وأصله ذوي، أو ذيي، وعلى الخلاف المعروف في علم النحو؛ والفحل من الإبل معروف، ويكون في غيرها، والجمع فحول وفحال وفحالة. قال: فحالة تطرد عن شوالها والقدع بالدال المهملة: الكف والضرب. تقول: قدعت الفرس إذا كبحته؛ وقدعتالفحل إذا ضربت أنفه بالرمح حتى يرجع وذلك إذا كان غير كريم فيريد أن يطرق الناقة الكريمة فيضرب حتى يرجع. قال الشماخ:
إذا ما استافهن ضربن منه ... مكان الرمح من أنف القدوعِ
يصف حمارا يستاف أتنا أي يشمهن لأنَّ الاستياف والسوف هو الشم كما قال امرؤ القيس:
على لاحبٍ لا يهتدي بمناره ... إذا سافه العود النباطي جرجرا
ومن ذلك سميت المسافة من الأرض لأنَّ الدليل يشم التراب ليعرف أين هو. وقوله: وكان الرمح أي المكان الذي يصيبه الرمح من أنف القدوع. والقدوع: المقدوع وهذا البناء يكون بمعنى مفعول أو بمعنى فاعل أيضاً. فمن الأول قولهم: دابة ركوب وناقة حلوب وحوار رغوث وفحل قدوع أي مركوبة ومحلوبة ومرغث ومقدوع؛ ومن الثاني قولهم: قدوع وركوب للدوابو ناقة رغوث أي قادع وراكب ومرغث. وقال الحجاج في خطبة له: أيها الناس اقدعوا هذه الأنفس فإنّها أسأل شيء إذا أعطيت وأمنع شيء إذا سئلت. فرحم الله امرءاً جعل لنفسه خطاماً وزماما فقادها إلى طاعة الله وعطفها بزمامها عن معصية اللهفإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه.
وهذا المثل قاله ورقة بن نوفل بن خويلد لمّا قيل له إنَّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خطب خديجة بنت خويلد فقال ورقة: ذلك الفحل لا يقدع أنفه أي كريم يروم كريمة فلا سبيل إلى التعرض له دونها وصده عنها وهو أشرف أكفائها. ويقال إنّه تمثل به فقط. ويقال: تمثل به أبو سفيان ن حرب لمّا خطب النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان. فقيل له إنَّ محمدا تزوج ابنتك وأبو سفيان يومئذ مشرك فقال ذلك؛ غير أنَّ اللفظ المروي من كلام أبي سفيان هو: الفحل لا يقدع أنفه والله أعلم.
ومن هذا الباب قولهم:
ذهب دمه خضراً مضراً.
بكسرها وسكون الضاد المعجمة أي هدراً.
وقولهم:
لأذهبن فإما هلك وإما ملكٌ.
ومعناه قول امرئ القيس:
بكى صاحبي لمّا رأى الدرب دونه ... و أيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
و قولك:
أذهل من صبٍّ.
والذهول: الغفلة والنسيان والصب: العاشق ذو الصبابة وهو لمّا به يغلب عليه ذلك.
ومما يجري على ألسنة القراء تمثلا قول الله تعالى إخبارا عن نبيه موسى عليه السلام:
ذلك ما كنا نبغِ.
وينبغي أن يكون المتمثل بشيء نحو هذا أن يلاحظ فيه ما يلاحظ عند الاقتباس ليكون أحفظ للأدب وأبعد عن الإسفاف والتبذل وترك كله أحوط وأسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم :
ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً.
ويحكى أنه لمّا نصب معاوية رضي الله عنه ابنه يزيد لولاية العهد أقعده في قبة حمراء. فجعل الناس يسلمون على معاوية ويميلون إلى يزيد حتى جاء رجل ففعل ذلك. ثم رجع إلى معاوية فقال له: يا أمير المؤمنين اعلم أنك لو لم تول هذا أمر المسلمين لأضعتها. وكان الأحنف بن قيس جالسا فقال له معاوية: مالك لا تقول يا أبا بحر وهي كنية الأحنف. فقال الأحنف: أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت. فقال معاوية: جزاك الله عن الطاعة خيراوأمر له بألوف. فلما خرج الأحنف لقيه ذلك الرجل بالباب فقال له: يا أبا بحر إني لأعلم إنَّ شر من خلق الله هذا وابنه ولكنهم استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال. فلسنا نطمع في استرجاعها إلاّ بما سمعتفقال له الأحنف: يا هذا أمسكفإنَّ المجهين خليق أن لا يكون عند الله وجسها.
وقول عمر رضي الله عنه:
ذلك الظن بك يا أبا إسحاق
وهو سعد بن أبي وقاص أحد العشرة رضي الله عنه لمّا شكاه أهل الكوفة فقال له عمر رضي الله عنه: إنهم شكوك في كل شيء حتى الصلاةفقال: إني أفعل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل أركد في الأولين وأحذف في الأخيرين. فقال عمر: ذلك الظن بكوأما الشعر، فقال ضابئ:
لكل جديد لذة غير إنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ
وقال الآخر:
طلبت الجميع ففات الجميع ... فمن طول حرصك لا ذا وذا
غيره:
ما زال جيش الحب يغزو قلبه ... حتى وهى وتقطعت أفلاذه
وقال الصابئ:
والعمر مثل الكأس ير ... سب في أواخره القذا
و منه قول أبن النبيه:
خذ من زمانك ما أعطاك مغتبطا ... و أنت ناه لهذا الدهر آمره
فالعمر كالكأس تستحلى أوائله ... لكنه ربما مجت أواخره
و يقال إنّه لمّا سمع أبن التعاويذي قول الصابئ، قال:
من شبه العمر كأسا يقر ... قذاه ويرسب في أسفله
فإني رأيت القذى طافيا ... على صفحة الكأس من أوله
و من ذلك قول الفاضل:
إليك بعد انقضاء اللهو واللعب ... عني فلم أربي ما يقتضي أربي
فالعمر كالكأس والأيام تمزجه ... و الشيب فيه موضع الحبب
أقول إذ فاض فيض فضته: ... يا وحشة لشباب ذاهب الذهبِ
و قول الخالدي:
لقد فرحت بما عاينت من عدم ... خوف القبيحين من كبر ومن بطر
وربما الأعمى بحالته ... لأنه قد نجا من طيرة العور
ولست أبكي على شيء منيت به ... يبكي على الشيب من يأسى على العمر
وما بكيت زماني وهو يصعدني ... فكيف أشكره في حال منحدر
وقال الشيخ أبن فارض، رحمه الله:
أهوى رشا هواه للروح غذا ... ما أحسن فعله ولو كان أذى
لم أنس وقد قلت له الوصل متى ... مولاي إذا مت أسى قال إذا
وقال أبو نواس في مجونه، عفا الله عنا وعنه
وقائل: هل تريد الحج قلت له: ... نعم إذا فنيت لذات بغداد
وكيف بالحج لي ما دمت منغمسا ... في بيت قوادةٍ أو بيت نباذ
و مثله قول الآخر:
ألم ترني وبشار حججنا ... و كان الحج من خير التجارة
خرجنا طالبي سفر بعيد ... فمال بنا الطريق إلى زرارة
فآب الناس قد حجوا وبروا ... و أبنا موقرين من الخسارة
و نحوه ما يحكى أنَّ موسى بن داود الهاشمي عزم على الحج، فقال لأبي دلامة:
احجج معي ولك عشرة آلاف درهمفقال له: هاتهافدفعها إليه فقبضها وهرب إلى السواد، فجعل ينفقها هنالك في شرب الخمر. فطلبه موسى فلم يجده وخشي فوت الحج فخرج. فلما شارف القادسية إذا هو بأبي دلامة خارجا من قرية إلى أخرى سكران. فأمر به فأخذوه وقيد وطرح في محمل بين يديه. فلما سار غير بعيد اقبل على موسى وقال:
يا أيها الناس قولوا أجمعون معا: ... صلى الإله على موسى بن داود
كأنَّ ديباجتي خديه من ذهبٍ ... إذا بذلك في أثوابه السود
إني أعوذ بداود وأعظمه ... من أنَّ أكلف حجا يا أبن داود
خبرت أنَّ طريق الحج معطشة ... من الشراب وما بتصريد
والله ما في من أجر فتطلبه ... و لا الثناء على ديني بمحمود
فقال موسى: ألقوه على المحمل، لعنه اللهفألقي به إلى قصفة بالسواد حتى أنفق المال. وقد قلت أنا قصيدة أكثرها يتعلق بالباب، فأثبت هنا، وهي:
هام الفؤاد بسعدي بعدما نزحت ... و أصبح الصبر عنها وهو مجذوذ
والعين منها سوابق الدموع على ... ميدان خد رديات مهابيذ
وأصبحت في الحشى من بينها حرق ... يصلى بها لن جراحات مغاذيذ
كأنما القلب إذ بانت ركائبها ... من الجوى صلب في النار محنوذ
وكنت قدما بها في روضة أنف ... من الوداد ثراها الدهر مرذوذ
أيام ورد المنى عذب مشاربه ... و غصن الود مهصور ومجبوذ
وإذ غفت مقل الأحداث وابتسمت ... سن المنى ولنا في الدهر تلميد
فلم يدم والغواني عهد وصلتها ... آل: من أغتر منه فهو موقوذ
لو إنّها أحكمت حبل الوصال مسا ... لم يأته الصبح إلاّ وهو مهذوذ
وما يمنين من جدوى ومن صلةٍ ... خضراء في الحزن مرعاها معاويذ
إنَّ الهوى لجة سهل مشارعها ... لكن يعز بها ناجٍ ومنقوذ
وما الفتى غير خلو عن عمايته ... ذو همة ذيله للجد مشموذ
عاط كؤوس رشاد لا كؤوس الهوى ... فالغي مطرح والرشاد مأخوذ
سام إلى كل ما يعلى مزاوله ... كما سما عن حضيض الأرض خنذيذ
فالعون مورده مر مذاقته ... و إنَّ حلا وأجاج العز ملذوذ
وما المنى بالهوى يجرين بل بمنى ... ما أحد كل ما يرجوه مفلوذ
والدهر مخلوجة أحداثه تركت ... فكر اللبيب لديها وهو مبذوذ
دجى حوالك لا يجلو مغالقها ... إلاّ فطين ذكي القلب خنذيذ
وللمفكر آيات تبصره ... لا يقطع السيف إلاّ وهو مشحوذ
والناس في الحب أخياف وأكثرهم ... و إنَّ بدا منهم ود ملاويذ
بور مناكيس لا يزكوا معاشرهم ... جريب يعادون عرا كلما حوذوا
فلا منوح نوالا إنَّ هم سئلوا ... في الجهل عندهم التحقيق منبوذ
سبحان إنَّ ليس يحز وفر الغنى حصير ... و باقل عندهم إنَّ جد خنذيذ
فلا تثق إنَّ هم ذموا وإنَّ مدحوا: ... فهم عن الرشد عمي أو مماليذ
والصدق أشرف خيم أنت لابسه ... و خير ما يحتلي الصيد المشاويذ
وخير ذخر الفتى دهر قناعته ... فذاك أوثق ما عض النواجيذ
وعفة وندى يحمي مسارحه ... إنَّ تتحاماه ألسن ملاجيذ
والمرء يمضي ويبقي بعده نبأ ... مدح يخلد أو نيل منافيذ
والموت حتم لديه الكل مرتهن ... إذا أتى الحتم لم تجد التعاويذ
و قلت أيضاً:
تحل بسبط الخلق واحتمل الأذى ... من الناس إنَّ عاشرتهم ودع البذا
وكن مغضيا عما يريبك باذلاً ... نداك ولا تغلل يديك فتنبذا
فإنَّ بني الدنيا بنو الحاج ما أجتنوا ... من العود إلاّ مثمرا غصنه غذا
وإني رأيت الحوض يغشى إذا صفا ... و يلقى إذا كان المشوب أو الوذا
وللنحل فضلا دون كل ذبابةٍ ... و للمسك والكافور عم كل ذي شذا
على أنَّ هذا الجيل آساد بيشة ... ملاذك منهم للحسام مشحذا
متى تعتلق أظفارهم كاهل أمرئ ... أصاروه رهنا للبلايا وللأذا
وإنَّ يعلقوا قلبا أعاروه حيرة ... و إنَّ يركبوا ظهرا تفتا أو ارتذا
فمن يستطع عنهم نوى فليجافهم ... بعاد ومن ألفى معاذاً تعوذا
فإنَّ البحار الخضر تحمى ظهورها ... زخورا وتعلوها مع الركدة الشذا
وتعدوا على الشاء الذياب بلا حمى ... و أكبادها من مربض الليث تهتذا
وما ذل إلاّ الفقع يوطأ بقرقر ... و إلاّ حمار الحي إنَّ رمته خذا
وذو الهمة العلياء من ليس جاعلا ... مقادته للجاهل النذل مأخذا
ولا تارك الأقذار تعلوا ذيولته ... إليه ولا في عرضه الناس لجذا
و لنكتف بهذا المقدار. من هذا المضمار، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل