باب الزاي الموحدة

زبيب وأنت حصرم.
هذا مثل مشهور، غير إنّه مولد. وهو من كلام أبي علي الفارسي، قاله لأبي الفتح عثمان بن جني لمّا مر به وهو في حلقته. فلما قال له ذلك قام أبو فتح فترك حلقته وتبعه حتى تمهر. ذكر ذلك شمس الدين بن خلكان، رحمه الله تعالى. ويضرب فيمن يتعاطى رتبة قبل إنَّ يصل إليها.
ومنه قول أبن النقيب:

إذا صرصر البازي فلا ديك يصرخ ... و لا فاخت في أيكة يترنم
وما الموت إلاّ طيب طعمه إذا ... تدايك فروج وزبب حصرم

زاحم بعودٍ أو دع
المزاحمة معروفة. يقال زحمته على كذا، زحمته، وزاحمته، وازدحم القوم على هذا الأمر وتزاحموا عليه، ازدحاما وزحاما ومزاحمة. والعود بفتح العين المهملة وسكون الواو: المسن من الذي جاور البازل والمخلف سنا. قال امرؤ القيس:

على لاحب لا يهتدى بمناره ... إذا سافه العود النباطي جرجرا

و الجمع عودة كزوجة، والأنثى عودة، والجمع عود البعير تعويدا: بلغ ذلك. والعود أيضا: الطريق القديم. قال الراجز:

عود على عود لأقوام أوّل ... يموت بالترك ويحيا بالعمل

أي جمل مسن على طريق قديم. وفي الصحاح: وبما قالوا: سؤدد عود أي قديم وانشد للطرماح:

هل المجد إلاّ العود والندى ... و رأب الثأي والصبر عند المواطن

و المراد من المثل المعنى الأول، وهو التمثيل والتشبيه. والمعنى انك إذا حاولت أمرا أو زاولت حربا، ينبغي لك أنَّ تستعين عليه بأهل السن والمعرفة والتجريب. فإنَّ رأي المشايخ كثيرا ما كان أنفع من مشاهد الشباب، على إنَّ مشهد الشيوخ وأهل البصيرة والصدق أيضاً هو المشهد، كما قال أبو الطيب:

سأطلب حقي بالقنى ومشايخٍ ... كأنهم من طول ما ألتثموا مرد
ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا ... كثير إذا شدوا قليل إذا عدوا
و على أسلوب هذا المثل ما يقال: قائل بسعد أو بجد وإلاّ فلا

زعموا مطية الكذب.
الزعم: الظن، يقال: زعم كذا وكذا واقعا، يزعمه. قال: زعمتني شيخا وليس بشيخ . .
وقال كثير

وقد زعمت إني تغيرت بعدها ... و من ذا الذي يا عز لا يتغير

و لها معان أخرى مراده هنا. والمطية: الناقة التي يركب مطاها أي ظهرها. قال امرؤ القيس:

ويوم عقرب للعذارى مطيتي ... فيا عجبا من رحلها المتحمل

ويحك إنَّ أبن عمر، رضي الله عنهما، قال: رأيت رجلا يطوف بالبيت حاملا أمه على ظهره وهو يقول:

إني لها مطية لا تذعر ... إذا الركاب نفرت لا تنفر
ما حملت وأرضعتني أكثر ... الله ربي ذو الجلال أكبر

و ذكر في الصحاح أنَّ المطية تؤنث وتذكر، وانشد على التذكير لربيعة بن مقروم الضبي جاهلي

ومطية ملث الظلام بعثته ... يشكو الكلال إلي دامي الأظلل

و كان المطية على هذا هو المركوب، جملا كان أو ناقة. وجمع المطية مطي ومطايا. قال امرؤ القيس:

سريت بهم حتى تكل مطيهم ... و حتى الجياد ما يفدن بأرسان

و في الحديث رواية يشكو إنَّ يضرب الناس آباط المطي في طلب العلم فلا يجدون عالما من عالم المدينة.
وقال جرير:

ألستم خير من ركب المطايا ... و أندى العالمبن بطون راح

و منه قول إلي نؤاس:

وإذا المطي بنا بلغن محمّداً ... فظهورهن على الرجال حرام

و منه قول أبي دلامة:
إنَّ المطايا تشكيك إذا أراد إنَّ يتحدث قال: زعموا كذا وكذا، وزعموا إنَّ الأمر كذا وإنَّ كذا واقع. فلما كان هذا اللفظ يقدمه إمام كلامه ويتوصل به إلى حاجته، جعل مطية تشبيها بالمطية المركوبة، بالجمع التواصل بهما إلى الغرض. ثم انهم قالوا: إنّما يقال هكذا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه، وإنّما يجري على الألسن، وأكثر ما يكون ذلك كذب.
وفي الحديث: حسب الرجل من الكذب أنَّ يتحدث بكل ما سمع. فجعل زعموا مطية للكذب، أي للتحديث به من اجل هذا. وقد يعتبر به من يعتمد الكذب لسهولته إذ ذاك وتستره حيث لم يتعين المكذوب عليه ولا المنقول عنه حتى يفتضح الناقل عند سؤاله.
فائدتان. الأولى قال الجلال السيوطي في كتابه الهمع: قولهم زعموا مطية الكذب لم أقف عليه شيء من كتب الأمثال. وذكر بعضهم إنّه روى: مظنة الكذب بالظاء المعجمة والنون. وإخراج أبن أبي حاتم في تفيسره، عن صفوان بن عمرو الكلابي، قال: بئس مطية المسلم زعموا مطية الشيطان. واخرج أبن سعد في الطبقات، من طريق الأعمش عن شريح القاضي قال: زعموا كنية الكذب. انتهى.

وذكر بعضهم: زعموا مطية الكذب حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: لا يوجد زعم فصيح الكلام إلاّ عبارة عن الكذب، أو قول انفرد به قائله، أو تبقى عهدته على الزاعم. ففي ذلك ما ينجوا إلى تضعيف وقول سيبويه: زعم الخليل كذا، وإنّما يجيء فيما تفرد الخليل به. انتهى.
قلت: ولم يكن يأتي به سيبويه على إنَّ ذلك كذب، بل من اجل ذلك التفرد وبقاء العهدة فقط. وقد يأتي زعم مع القطع بصدق الزاعم، كما في السير من قول سعد، رضي الله عنه، للقريشي بمكة إنَّ محمّد يزعم إنّه قاتلك، ولم يكن المخبر يش في صدق محمّد صلى الله عليه وسلم، بل أيقن القريشي مع كفره بذلك فقال: أنا لا نكذب محمّد في خبره. والقصة مشهورة.
الثانية: قول جرير السابق. قالوا: هو امدح بيت قالته العرب. وكان امتدح به عبد الملك بن مروان من قصيدة، وكان أولها أنَّ قال: أتصحو أم فؤادك غير صاح فقال عبد الملك: بل فؤادكثم تمادى في الإنشاد إلى إنَّ قال:

تعزت أم حزرة ثم قالت: ... رأيت الواردين ذوي امتياح
ثقي بالله ليس له شريك ... و من عند الخليفة بالجناح
ألستم خير من ركب المطايا ... و أندى العالمين بطون راح

فطرب الملك وأخذته الأريحية وكان متكئا فجلس وقال: من مدحنا فليمدحنا بمثل هذا أو ليسكتثم قال: يا جرير، أترى أم حزرة ترويها مائة ناقة سود الحدق فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ الإبل إباق ونحن مشايخ ليس بأحدنا فضل على راحلته. فلو أمرت بالرعاة فأمر له بثمانية أعبد وكنت بين يدي عبد الملك صحاف فضة يقرعها بقضيب بيده. فقال جرير: والمحالب، يا أمير المؤمنين وأشار إلى صفحة منها. فنبذها إليه بالقضيب. وفي ذلك قال جرير:

أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ... ما في عطائهم منٌّ ولا سرف

قلت: وما ذكر في بيت جرير هو بحسب ما فيه من شمول بذكر العالمين، وإلاّ فلزهير أبيات هي الغرر في جبهات المديح، كقوله:

بل اذكرن خير قيس كلها حسبا ... و خيرها نائلا وخيرها خلقا

فانه يجمع أوصافا من المديح مع السبك العجيب والاتساق البديع. إلاّ إنّه خصصه بقيس وهو لا يوجب كبير قصور، لأنَّ العناية بتفضيل الممدوح وتعليته إنّما هي بحسب أقرانه ومزاحميه في الشرف، مع إنَّ هذا اقرب إلى الصدق، وليس الكذب البشع بممدوح في الشعر. إلاّ إنَّ يريد جرير رهط الممدوح جميعا حتى يدخل النبي صلى الله عليه وسلم فيكون كلامة صدقا. وقوله:

إنَّ تلق يوما على علاته هرما ... تلق السماحة منه والندى خلقا

فإنَّه ترك إثبات السماحة والندى للممدوح إلى إثبات كونهما من سجايا وخلائقه،إيهاما لكون ثبوتهما ليس متوقف العقول، لاتضاحه كالنهار، واشتهاره غاية الاشتهار. ووقع لزهير غير هذا ولغيره أيضاً مما يطول تتبعه.
قالوا: وأهجى بيت قالته العرب قول الأخطل يهجو جريرا:

قوم إذا أستنبح الضيفان كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار
فتمسك البول بخلا إنَّ تجود به ... فما تبول لهم إلاّ بمقدار

و تقدم هذا: واحكم بيت قالته العرب قول طرفة:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... و يأتيك بالأخبار ما لم تزود

و أحمق بيت قول أبي محجن:

إذا مت فادفني إلى جنب كرمةٍ ... تروي عظامي عند عروقها
ولا تدفنني في الفلاة فإنني ... أخاف إذا مت ألا أذوقها

و أغزل بيت قالته العرب قول جرير:

إنَّ العيون التي في طرفها حورٌ ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... و هن اضعف خلق الله أركانا

قلت: وأصدق بيت قالته العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
عجيبة. أبو العتاهية في شعره السابق امتدح عمر بن علاء فأمر له بسبعين ألف درهم وأمر من حضره من خدمه وغلمانه أن يخلعوا عليه حتى لم يقدر على القيام لمّا عليه من الثياب. ثم إنَّ جماعة من الشعراء كانوا بباب عمر فقال بعضهم: يا عجبا للأميريعطي أبا العتاهية سبعين ألفا. فبلغ ذلك عمر فقال: غليَّ بهمفأدخلوا عليه. فقال:ما أحسد بعضكم لبعض يا معشر الشعراءإنَّ أحدكم يأتينا يريد مدحنا فيشبب بصديقه في قصيدته بخمسين بيتا فما يبلغنا حتى يذهب لذاذة مدحه ورونق شعره. وقد أتانا أبو العتاهية فشبب ببيتين ثم قال:

إني أمنت من الزمان وريبته ... لمّا علقت من الأمير حبالا
لو يستطيع الناس من إجلاله ... لحذوا له حر الوجوه نعلا
ما كان هذا الجود حتى كنت يا ... عمراً ولو يوماً تزول لزالا
إنَّ المطايا تشتكيك لأنها ... قطعت إليك سباسباً ورمالا
فإذا أتيت بنا أتيت مخفة ... و إذا رجعن بنا رجعن ثقالا

ويذكر إنّه لمّا امتدحه قال له: أقم حتى أنظر في أمركفأقام أياما فلم ير شيئا. وكان عمر ينتظر مالا من وجه فأبطأ عليه. فكتب إليه أبو العتاهية:

يا أبن العلاء ويا أبن القرم مرداس ... إني امتدحتك في صحبي وجلاسي
أثنيت عليك ولي حال تكذبني ... فيما أقول فاستحيي من الناس
حتى إذا قيل ما أعطاك من صفدٍ ... طأطأت من سوء حالٍ عندها رأسي

فقال عمر لحاجبه: اكفيه أيامافقال له الحاجب كلاما دفعه به وقال: تنتظرفكتب إليه:

أصابت علينا جودك العين يا عمر ... فنحن لها نبغي التمائم والنشر
أصابتك عين في سخائك صلبةٌ ... و يا رُبَّ عين صلبة تفلق الحجر
سنرقيك بالأشعار حتى تملها ... فإن لم تفق منها رقيناك بالسور

فضحك عمر وقال لصاحب بيت ماله: كم عندك قال: سبعون ألف درهم. فقال: ادفعها إليهويقال إنّه قال له: اعذرني عنده ولا تدخله عليَّ فإني أستحي منه

زندان في وعاءٍ.
الزند بفتح الأول العود الذي يقدح به . والوعاء معروف. يضرب هذا في تساوي الرجلين فيقال: هما زندان في وعاء وكزندين في وعاء.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ولا يكاد يوضع في المدح. إنما هو في موضع الخساسة والدناءة.
فقال البكري: لا أعلم لم جعل في موضع الدناءة إلا أن يتناولوا فيه قولهم اللئيم مزند والتزنيد: التضييق.
قلت: ولا يخفى بعده. والمزند بصيغة اسم المفعول وهو البخل الضيق. قال الحماسي:

ومن الرجال أسنة مثال ذروبة ... و مزندون شهودهم كالغائب

و قد أتى الحريري في مقامته البغدادية بهذا المثل في مطلق الاستواء أو في الاستواء في المدح بالحذق والذكاء. فقال أبن ظفر: المشهور استعماله يعني هذا المثل في الحقارة والخساسة.

أزكن من إياسٍ.
الزكن: العلم تقول: زكنته بالكسر أزكنته زكنا إذا علمته. قال أبن أم صاحب: ويروى: زنكنت منهم على مثل الذي علموا.
والزكن أيضاً: التفرس وهو علم خاص. وإياس هو أبن معاوية قاضي البصرة. وضرب به المثل في الفراسة والذكاء وله في ذلك أخبار كثيرة تقدمت جملة منها في ذكائه من حرف الذال. وكان يحكى أنه قال: تعلمت الزكن من أمي وكانت خرسانية وأهل بيتها يزكنون أي يتفرسون. قيل: وقد ألف في أخباره كتاب يسمى " زكن إياس " .

أزنى من قرد.
الزنى بالزاي المكسورة والنون معروف يمد ويقصر. قيل: والقصر لغة الحجاز لقوله تعالى: (و لا تقربوا الزنى) والمد لغة نجد كقول الفرزدق:

أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه ... و من يشرب الخرطوم يصبح مسكر

و زنى الرجل بالفتح يزني زنى وزاني مزاناة وزناء. وفي عد الكبائر:و أن تزاني حليلة جارك. والقرد بكسر القاف معروف وتقدم في الحاء وهو يوصف بالزنى. وقد وقع في السيرة إنّه زنى قرد في الجاهلية فرجمته القردة. وزعموا أنَّ القرد أزنى الحيوان.
وقيل إنَّ المعنى في هذا المثل ليس القرد المعروف بل رجلا من هذيل يقال له قرد بن معاوية وبه ضرب المثل والله تعالى أعلم

أزهى من طاووس.
الزهو: الإعجاب والتكبر. يقال: زهي بالبناء للمفعول يزهى فهو مزهو.و يقال أيضاً: زهى بالفتح يزهو زهوا. وهي لغة حكمها أبن دريد. والطاووس: الطائر المعروف وتقدم في الحاء. وإنّما وصف بالزهو لمّا مر من أنَّ طبعه حب الزهو لنفسه والخيلاء والإعجاب بريشه: ثم إنهم بنوا اسم التفضيل هنا من فعل المفعول وعلى الشذوذ كما قالوا: أشغل من ذات النحويين وأجن من دغة وأولع من قرد. وتعجبوا منه أيضاً فقالوا: ما أزهاهوما أشغلهوما أجنهوهو مسموع في هذه الألفاظ ونحوها. ولا يقال في المضروب والمجروح ونحوهما: أضرب من كذا ولا أجرح ولا: ما اضربهوأجرحهومن الشاذ قول سبويه رحمه الله تعالى : واعلم أنَّ العرب يقدمون ما هم به أهم وهم ببيانه أعنى وهو من عناهم وعنوا به فهم معنيين به.

قال الإمام السهيلي رحمه الله تعالى : وسبب جوازه يعني في الأفعال المذكورة دون غيرها أنَّ المفعول فيها فاعل في المعنى: فالمزهو متكبر في المعنى. وكذلك المنحو والمشغول مشتغل وفاعل لشغله والمعني بالأمر كذلك والمجنون كالأحمق فيقال: ما أجنهكما يقال ما أحمقهوليس كذلك وضروب ولا مركوب ولا مشتوم ولا ممدوح فلا يقال في شيء منه: ما أفعله ولا: هو أفعل من كذا.

قال: فإنَّ قلت: فعلى هذا القياس كان ينبغي أيضاً أن يؤمر فيه بغير اللام كمأمور الفاعل إذ قلتم إنه فاعل في المعنى يعني وليس الأمر كذلك لأنك إنما تقول في أمر المخاطب من عني وزهي وشغل: لتعن ولتزه ولتشغلكما يؤمر الغائب في سائر الأفعال.
قال: فالجواب أنَّ الأمر إنّما هو بلفظ المستقبل وهو: تضرب وتخرج. فإذا أمرت حذفت حرف المضارعة وبقيت حروف الفعل على بنيتها. وليس كذلك زهيت فأنت تزهى ولا شغلت فأنت تشغل. لأنك لو حذفت منه حرف المضارع لبقي لفظ الفعل على بنية لست للغائب ولا للمخاطب لأنَّ بنية الأمر للمخاطب: أفعل وبنيته للغائب: فليفعل. والبنية التي قدرناها لا تصلح لواحد منها لأنك كنت تقول: أزه من زهت ومنت تقول من شغلت: أشغلت فتخرج من باب شغلت فأنت مشغول إلى باب شغلت غيرك فلم يستقم فيه الأمر بالام. انتهى. وهو حسن وهذا في زهي إنّما هو على أنَّ التفضيل جاء فيه على اللغة المشهورة. وإنّما على أنه على اللغة الثانية التي ذكرها أبن دريد فلا شذوذ فيه.
قال الجوهي بعد ذكره هذه اللغة: ومنه قولهم ما أزهاه وليس هذا من زهي لأنَّ اسم المفعول لا يتعجب منه. انتهى.

أزهى من ديكٍ.
تقدم الزهو. والديك بكسر الدال المهملة معروف جمعه ديكة وديوك. وهو موصوف بالزهو والتبختر والتمايل في مشيته وذلك معروف فيه.

أزهى من غرابٍ.
الزهو مر وكذا الغراب وهو أيضاً موصوف بالزهو. قال الشاعر:

لذا صاحبٌ مولع بالخلاف ... كثير الخطاء قليل الصواب
ألج لجاجاً من الخنفساء ... و أزهى إذا ما مشى من غراب

زوجٌ من عود، خيرٌ من قعود.
الزوج ضد الفرد. والزوج أيضاً بعل المرأة وهي أيضاً زوجة. فالزوج للذكر والأنثى هذا هو الفصيح. قال تعالى: )أسكن أنتَ وزوجكَ الجنة( وقد يقال زوجة. قال الفرزدق:

وإنَّ الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساعٍ إلى أسد الشرا يستبيلها

وتقدم هذا. والعود بضم العين المهملة: معروف جمعه عيدان وأعواد والقعود: الجلوس وقد يفرق بينهما فيقال: القعود ضد القيام. فإذا كان أحد واقفا قيل له: أقعدولا يقال: اجلسوإذا كان مضطجعا ثم استوى جالسا قيل: إنّه قد جلس.

ومعنى المثل أنَّ التزوج ولو بأدنى زوج خير من البقاء بلا زوج. قالته بنت همام بن مرة الوائلي البكري. وكان له فيما زعموا أربع بنات. فكان يخطبن إليه فيستأمرهن فيمنعهن الحياء أن يأذن فلا يزوجن. وكانت أمهن تأمره بتزويجهن فلا يفعل. فخرج ذات ليلة إلى متحدث لهن فجعل يستمع حديثهن وهن لا يعلمن. فقلن: تعالين نتمن ولنصدقفقالت الكبرى:

إلاّ ليت زوجي من أناس ذوي غنى ... حديث الشباب طيب النشر والعطرِ
طبيبٌ بأدواء النساء كأنه ... خليفة جانٍ لا يبيت على وترِ

فقلن لها: انك تحبين رجلا ليس في قومك. وقالت الثانية:

ألا هل أرها مرة وضجيعها ... أشم كماضي الشفرتين مهندِ
لصوقٌ بأكباد النساء واصله ... إذا ما انتهى من أهل سري ومحتدي

وقالت الثالثة:

ألا ليته على الجفان مدلب ... له جفنةٌ تشفى بها النيب والجزرُ
به محكمات الشيب من غير كبرةٍ ... تشين فلا العاني ولا الضرع الغمرُ

فقلن لها: تحبين رجلا شريفا. فقلن للصغرى: تمني أنتفقالت: ما أريد شيئا. فقلن: والله لا تبرحين حتى نعلم ما في نفسكفقالت: زوجٌ من عودٍ خيرٌ من قعودٍ. فلما سمع أبوهن ذلك زوجهن.
وهكذا حكي عن بعضهم هذه القصة. والذي ذكر صاحب القاموس في اللغة أنَّ همام بن مرة له ثلاث بنات وآلا على نفسه ألا يزوجهن. فلما عنسن قالت إحداهن بيتا وأسمعته إياه متجاهلة. فقالت:

أ همام بن مرة إنَّ همي ... لفي الآئي يكون مع الرجالِ

فأعطاها سيفا وقال: هذا يكون مع الرجالفقالت أخرى: ما صنعت شيئا ولكني أقول:

أ همام بن مرة إنَّ همي ... لفي قنفاء مشرفة القذال

و القنفاء تطلق عند العرب على الغليظة من آذان المعزى كأنها نعل مخصوف. وتطلق على الكمرة العظيمة وهو مراد القافية. فقال أبوها: وما قنفاء تريدين معزى. فقالت الصغرى: ما صنعتما شيئا ولكني أقول:

أ همام بن مرة إنَّ همي ... لفي عردٍ أسد به مبالي

فقال: أخزاكن اللهوزوجهن. والعرد بفتح العين وسكون الراء: الذكر.
ويحكى أيضاً في نحو هذه القصة أنَّ رجلا من العرب كان له ثلاث بنات قد عضلهن ومنعهن الأكفاء. فقالت إحداهن: إن أقام أبونا على هذا الرأي فارقنا وقد ذهب حظ الرجال منا فينبغي لنا أن نعرض له بما في نفوسنا وكان يدخل إلى كل واحدة منهن يوما. فلما دخل على الكبرى تحادثا ساعة. فلما أراد الانصراف أنشدت:

أ يزجر لاهينا ويحلى على الصبا ... و ما نحن والفتيان إلاّ شقائقُ
يؤبن حييَّاتٍ مراراً كثيرةً ... و تنباق أحياناً بهن البوائقُ

فلما سمع الشعر ساءه. ثم دخل على الوسطى فتحادثا. فلما أراد الانصراف أنشدت:

ألا أيها افتيان إنَّ فتاتكم ... دهاها سماع العاشقين فخنت
فدونكم أبغوها فتى غير زملٍ ... و إلاّ صبت تلك الفتاة وجنت

فلما سمع الشعر ساءه. ثم دخل على الصغرى في يومها. فلما أراد الانصراف أنشدت:

أما كان في ثنتين ما يزع الفتى ... و يعقل هذا الشيخ إن كان يعقلُ
فما هو إلاّ الحل أو طلب الصبا ... و لابد منه فائتمر كيف تفعلُ
زر غباً، تزدد حباً
الزيارة معروفه والغب في الماء أن ترد الإبل يوما وتدع يوما. فهي إبل غابة وغواب وغب كل شيء : عاقبته.
وأما في الزيارة فقال الجوهري: قال الحسن: الغب في الزيارة كل أسبوع. يقال: زر غبا تزدد حبا. انتهى. وهذا الكلام قد يروى حديثا مرفوعا وهو أمر بأوسط الأمور وأفضلها في الزيارة المحبة للمحبة ودوام الوصل. ووراء ذلك طرفان كلاهما مذموم: أحدهما الإكثار من الزيارة والإفراط فيها وهو يوجب السأم والملل والضجر. والثاني الإقلال منها جدا والإفراط في الغيبة والقطيعة. وهو يوجب الوحشة والتقاطع والتباعد. ونظم بعض الشعراء الكلام المذكور فقال:

إذا شئت أن تلقى فزر متتابعاً ... و إن شئت أن تزدد حباً فزر غبا

وقال الثعالبي:

عليك بإقلال الزيارة إنما ... تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكا
فإني رأيت القطر يسأم دائماً ... و يطلب بالأيدي إذا هو أمسكا

وقال أبو العتاهية:

أقلل زيارتك الصديق ولا تطل ... إتيانه فيلح في هجرانه
إنَّ الصديق يلج في غشيانه ... لصديقه فيمل في غشيانه
حتى تراه بعد طول سروره ... و كأنه متبرم بمكانه
وإذا تولى عن صيانة نفسه ... رجلٌ تنقص واستخف بشانه

وقالوا: قلة الزيارة أمان من الملالة. وقالوا في الطرف الآخر يرك الزيارة سبب القطيعة. وينسب لعلي كرم الله وجهه:

الصبر من كرم الطبيعة ... و المن مفسدة الصنيعة
ترك التعاهد للصديق ... يكون داعية القطيعة

زيادة الأمل تقتضي نقصان العمل.
هذا مثل مصنوع فيما أظن وهو ظاهر المعنى.
زدهم عنزاً
الزيد والزيادة معروف. يقال: زدته الشيء أزيده زيادة وزيدا وأزددت كذا أزديادا. والعنز بفتح العين وسكون النون الأنثى من المعز ومن الظباء والأوعال. والعنز أيضاً اسم فرس وهي التي في قول الشاعر:
دلفت له بصدر العنز لمّا ... تحامته الفوارس والجالُ
و العنز أيضاً اسم قبيلة من هوازن وهي التي في قول الآخر:

وقاتلت العنز نصف النهار ... ثم تولت مع الصادر

و العنز أيضاً الأكمة السوداء وهي في قول رؤبة: وارم أخرس فوق عنزٍ وأراد بالإرم العلم المبني من حجارة وبكونه أخرس أنه بناء أصم. وقوله: فوق عنز أي أكمة.
وعنز أيضاً امرأة من طسم سبيت فحملوها في هودج وألطفوها بالقول والفعل فقالت: هذا شر يوميأي: حين صرت أكرم للسباء. وقال الشاعر:

شر يوميها وأغواه لها ... ركبت عنز بحدجٍ جملا

و سيأتي. والمراد هنا العنز من المعز وقائله هبنقة القيسي الأحمق ذو الوداعات. وكان أخوه اشترى له بقرة بأربع أعنز فركبها وركضها. فلما أعجبه عدوها التفت إلى أخيه فقال: زدهم عنزاًفصار مثلا يضرب في الإعطاء بعد إمضاء البيع.
ويحكى إنّه سار بها فرأى أرنبا تحت شجرة ففزع منها وركض البقرة وقال:

الله نجاني ونجى البقرة ... من جاحظ العينين تحت الشجرة

و أخباره في الحمق كثيرة تقدم بعضها في الحاء.

زين في عين واله ولده.
يضرب في عجب الرجل برهطه وعترته ونحو ذلك. وهو في قول الشاعر:
نعمَ ضجيع الفتى إذا برد ... الليل سحيراً قرقف الصرد
زينها الله في الفؤاد كما ... زين في عين والدٍ ولد
و مثله في أمثلة العامة قولهم:

كل خنفس عند أمه غزالٌ
ومن قمل العرب:
كل فتاةٍ بأبيها معجبةٌ.
وسيأتي.
ولنذكر بعض الشعر في هذا الباب. قال أبن الرومي:

خير ما استعصمت به الكف عضبٌ ... ذكرٌ حده أنبث المهزِّ
ما تأملته بعينيك إلا ... أرعت صفحاته من غير هزِّ
مثله أفزع الشجاع إلى الدرع ... فغالى بها على كل بزِّ
ما يبالي أ صممت شفرتاه ... في محزٍّ أم حارتاً عن محزِّ

وقال أبو الطيب يمدح علي بن صالح الروذباري:

ليس كل السراة بالروذ باري ... و لا كل من يطير ببازِ

وقال الآخر:

إذا ما اعتز ذو علم بعلمٍ ... فعلم الفقه أشرف في اعتزاز
فكم طيب يفوح ولا كمسكٍ ... و كم طير يطير ولا كباز

وقال بعض السادة:

رجال الله قد سعدوا وفازو ... و نالوا رحمة المولى وحازوا
رجالٌ طلقوا لادنيا بتاتا ... ولو جاز الرجوع لمّا استجازوا
بدا علم النجاة فميزوه ... يحركهم بدار وانحفازُ
فبعضٌ تشرق الأمطار منه ... و بعضٌ تستنير به النفازُ
تميز كل ذي دنيا بدنيا ... و هم لهم بدينهم امتيازُ
وما عزوا بمخلوق ولكن ... لهم بالخالق الأحد اعتزازُ
أردت لحاقهم فعجزت عنهم ... و حدت عن الإجازة إذ أجازوا
أتطمع في اللحاق ولا نهوضٌ ... و تفرح بالرحيل ولا حفازُ
وأنت أخوهم نسباً ولكن ... طرازٌ فوقه ذاك الطرازُ
دع الدنيا فلست لهم بندٍّ ... و هل تخفى الحقيقة والمجازُ

وقال الآخر:

لي صديق هو عندي عوزٌ ... من سداد لا سداد من عوز
وجهه يذكرني دار البلا ... كلما أقبل نحوي وغمز
وإذا جالسني جر عني ... عصص الموت بكربٍ وعلز
يصف الود إذا شاهدني ... فإذا غاب وشى بي وهمز
كحمار السوء يبدي مرحاً ... و إذا سيق إلى الحمل غمز
ليتني أعطيت منه بدلاً ... بنصيبي شر أولاد المعز
قد رضينا بيضةً فاسدةً ... عوضاً منه إذا البيع نجز

العوز بفتحتين: الحاجة. تقول: عوز الشيء بالكسر أي لم يوجد. وسداد الشيء: ما يسد به. تقول: هو سداد من عوز ووجدت سدادا من عيش أي ما تسد به الخلة وهو بكسر السين والفتح ضعيف أو لحن. والسداد بالفتح: الصواب. والعلز بفتحتين: القلق والضيق. تقول: علز بالكسر علزا في مرضه.
وقال الآخر:

أرضنا اللت آوت ذوي الفقر والذل ... فاضوا ذوي غنى واعتزاز

قوله: اللت بسكون التاء لغة في التي الموصول.
وقال أبن الرومي:

وحديثهما السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ود المحدث إنما لم توجز
شرك العقول ونزهةٌ ما مثلها ... للمطمئن وعقلة المستوفز

و نحوه في ذكر الحديث قول الآخر:

وحديثها كالقطر يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا
فأصاخ يرجو أن يكون حياً ... و يقول من فرحٍ هيا ربَّا

و قول الآخر:

فبتنا على رغم الحسود وبيننا ... حديثٌ كمثل المسك شيبت به الخمرُ
حديثٌ لو أنَّ الميت نودي ببعصه ... لأصبح حياً بعدما ضمه القبرُ

و قول الآخر:

منعمةٌ يحار الطرف فيها ... كأنَّ حديثها سكر الشرابِ
من المتصديات لغير سوءٍ ... تسيل إذا مشت سيل الحبابِ

و قول الآخر:

وكنت إذا ما زرت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ود جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثةٌ لو تعيدها

و تقدمت قصة هذا الشعر. وقول بشار:

وكأنَّ رفض حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا
وكأنَّ تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا
وتخال ما جمعت عليه ... ثيابها ذهباً وعطرا
وكأنها برد الشراب ... صفا ووافق منك فطرا

و في استكراه الحديث قول أبي علي البصير:

غنائك عندي يميت الطرب ... و ضربك بالعود يحيي الكرب
ولم أر قبلك من قينةٍ ... تغني فأحسبها تنتحب
ولا شاهد الناس أنسية ... سواك لها بدن من خشب
ووجهٌ رقيبٌ على نفسه ... ينفر عنه عيون الريب
ولو مازج النار في حرها ... حديثك أخمد منه اللهب
فكيف تصدين عن عاشقٍ ... يودك لو كان كلباً كلب

وقال الآخر:

أويت في الدهليز مذ أربعٍ ... و لم أكن آوي الدهاليزا
خبزي من السوق وشعري لكم ... تلك لعمري قسمةٌ ضيزا

وقالت أنا:

إذا كنت مرتاداً أخاً ذا صداقةٍ ... فلا تصحبن إلا البقال أنت رائزُ
فعيب الفتى غيبٌ إذا تركته ... و عند احتكاك الجدل تبدو الغرائزُ
وإنَّ إخلاء الرفاهة جمةٌ ... و لكن إخوان الكروب معاوزُ

و قلت على وجه التلميح والمطايبة لبعضهم:

أتهمز يا أبن الأسود اسمي آفكاً ... فهل حسن لولا الضلالةُ يهمزُ
نعم تهمز الأنذال مثلك كلما ... تعاورها نظم القريض وتلمزُ
فهل أنت عن تلك السفاهة مقصرٌ ... فتنجو من سيل له أنت مركزُ
وإلا فبحري لا تدركه الدلا ... و متن قناتي لا يرى فيه مغمزُ
توافيك مني بكرة وعشية ... قوافي بها طمر الهجاء يطرزُ
على أنَّ هجو النذل مثلك شائنٌ ... و ما الهجو إلاّ الهجو للكفء يبرزُ
وإذ لست بالكفء الكريم فلا يكن ... بقلبك مني أو لحائي معلزُ
و لعل هذا القدر يكفينا من هذا الباب. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.