المسألة أخر كسب المرء.
السؤال: الطلب والسؤل بالضم مهموزا ومخففا: ما تسأله؛ وسألته الشيء وعنه وبه سؤالا ومسأله وتسآلا. وقد يقال سال مخفف الهمز قال الشاعر:
ومرهقٍ سال إمتناعاً بأصدته ... لم يستعن وحوامي الموت تغشاه
الأصدة: قميص صغير يلبس تحت الثوب والكسب معروف.
وهذا من أمثال أكثم بن صيفي في استقباح مسألة الناس. قاله أبو عبيد القاسم بن سلام. وقال البكري: بل هو من كلام قيس بن عاصم قال لبنيه: إياكم ومسألة الناس فإنها أخر كسب الرجلقال: وأخر على وزن فعل ومعناه أبعد من الخير وأرذله.
ومن حديث الزهري عن أبي سلمة وسعيد أنَّ رجلا من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الأخر زنى أي الأبعد. قال: ولا يحسن أن يقال هنا آخر بالمد الذي هو نقيض أول لأنَّ ذلك إباحة للمسألة وإن يكون من آخر ما يكسب به المرء والمسألة مكروهة منهي عنها في الجاهلية والإسلام وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحتطب المرء على ظهره ولا يسأل الناس. انتهى.
والذي في الصحاح: يقال في الشتم أبعد الله الأخر بقصر الهمزة وكسر الخاء وهو قريب مما مر ودليل على صحته.
أ سائر اليوم وقد زال الظهر
السائر: الباقي وقد يستعمل بمعنى الجميع وتقدم ما فيه. والظهر معروف والهمزة للاستفهام الإنكاري.
وسبب هذا قوما أغير عليهم فاستصرخوا ببني عمهم فأبطؤوا عنهم حتى أسروا وذهب بهم. فجاؤوا يسألون عنهم فقال لهم المسؤول: أ سائر القوم وقد زال الظهر أي كيف تطمعون فيما بعد وقد تبين لكم اليأس والفوات وذلك أنَّ من كانت حاجته اليوم جميعه ثم زال الظهر وجب أن ييأس من الحاجة كما ييأس منها بغروب الشمس.
تسألني برامتين سلجماً
السؤال تقدم ورامة اسم موضع. قال زهير:
لمن طلل برامتة لا يريم ... عفا وخلا له حقبٌ قديمُ
و ثنوه في هذا المثل اتساعاً.
ومثله قول الآخر:
لمن الديار برامتين فعاقل ... دست وغير أيّها القطرُ
و هذه الثنية هكذا شائعة في أسماء المواضع عند العرب.
ومثله قول ورقة:
ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا
و إنّما يريد مكة.
وقول الفرزدق: عشية سال المربدان كلاهما وإنّما يريد مربد البصرة.
وجعل السهيل من هذا قول زهير:
ودارٌ لها بالرقمتين كأنها ... مراجع وشم في نواشر معصم
و قول عنترة:
شربت بماء الدحر ضين فأصبحت ... زوراء تنقر عن حياض اليلمِ
في اصح القولين.
وقال أيضاً:
كيف المزار وقد تربع أهلها ... بعنيزتين وأهلنا بالغليم
و قولهم: صدنا بقنوين. ويقال: عنيزة اسم موضع وقنا اسم جبل وقال غيره: عنيزتان اسم موضع وأما الدحرضان فهو على التغليب لمائين: أحدهما يقال له دحرض والآخر: وسيع فثناهما الشاعر وغلب لفظ أحدهما على الآخر كالقمرين.
وحكى الجوهري أول كلامه أنَّ الدحرض اسم موضع وهو يوافق ما قال السهلي وأما الرقمان في قول زهير ففي شرح ديوان الشعراء هما موضعان: أحدهما قرب المدينة والآخر قرب البصرة. فأراد أنَّ الدارين بين الرقمتين كما تقول: فلان بمكة أي بين بيوت مكة.
وفي القاموس: الرقمتان روضتان بناحية الصمان. والرقمة أيضاً الوادي والروضة ومنه قول زهير عند الجوهري. ويحتمل أن يوافق ما قال السهلي أو يخالفه إذ لا مانع من أن يريد روضتين. فتجيء التثنية على بابها. ووجه تثنية الموضع الواحد في كل ما مر الإشارة إلى جانبيه.
قال السهلي وأحسن ما تكون هذه التثنية إذا كانت في ذكر جنة أو بستان فتسميتها جنتين في فصيح الكلام إشعاراً بأن لها وجهين وأنك كلما دخلتها ونظرت يمينا وشمالا رأيت من كلا الطرفين ما يملأ العين قرة والصدر مسرة.
وفي التنزيل: جنتان عن يمينٍ وشمالٍ إلى قوله: وبدلناهم بجنتهم جنتين. وفيه: جعلنا لأحدهما جنتينِ من أعناب وفي آخرها: ودخل جنته فأفر بعد ما ثنى وهي هي. قال: وقد حمل بعض الفقهاء على قوله سبحانه: ولمن خاف مقام ربه جنتان. انتهى.
ومن هذا والله أعلم أيضاً عمايتان في قول الآخر:
لو أنَّ عصم عمايتين ويذبلٍ ... سمعا حديثك أنزلا الأوعالا
و إن وقع في كلام أبن مالك في شرح " التسهيل " وأتباعه أنهما جبلان فإنَّ الذي في متون اللغة المتداولة أنَّ عماية جبل من جبال هذيل وليس فيهما ذكر الجبلين. وكما ثنت العرب البقاع للمعنى السابق كذلك جمعتهما أيضاً إشارة إلى جواب الذي إلا أنَّ الجمع أقل.
ومنه قول مطرود بن كعب الخزاعي:
وهاشمٍ في ضريح عند بلقعةٍ ... تسفي الرياح عليه وسط غزاتِ
يعني غزة وهو بلد بفلسطين مات به هاشم بن عبد الله مناف.
ومثله: بغاذين من بغذان كما وقع في شعر بعض المولدين. ولأبي الطيب معه قصة ذكرها صاحب العمدة. ويرد هنا سؤال هو أنَّ العلم إذا ثني سلب التعيين فجازت تحليته بال. وهذه التثنيات المذكورات في أعلام البقاع ليست على وجهها: فإنها في اللفظ تثنية وفي المعنى إفراد إلا على حال واعتبار. والظاهر أنَّ الوجه الذي به تسوغ التثنية وقد مر شرحه يسوغ به إدخال الألف واللام وبذلك الوجه كان اللفظ مثنى لفظا ومعنى. ويدل لهذا قول السابق المكتين. على أنا لو سلمنا أنه تثنية في اللفظ خاصة دون المعنى منعنا دخول الألف واللام إذ التثنية الملزومة كما تزاد في المفرد العلم نحو:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً ... شديداً بأعباء الخلافة كاهله
و السلجم نبت بوزن جعفر. والسلجم أيضاً: الطويل من الخيل أو الرجال.
والسلجم أيضاً: البئر العادية الكثيرة الماء.
وهذا المثل لم اقف له بعد على تفسير وكأنه شطر رجز. والظاهر أنَّ المراد بالسلجم فيه النبت أو البئر وإنّه استباقاً لسؤال ذلك وطلبه في هذا المكان الذي هو رامة لعدمه فيه. فيكون على معنى المثل الآتي: تسألني أبا الوليد جملا يمشي رويدا ويكون أولا في طلب ما لا يكون. ومثله قول العامة:
في دار البقر تصيب التبن.
أسأل من قرثع.
السؤال تقدم؛ وقرثع بثاء مثلثة على مثل جعفر رجل من تغلب ثم من أوس كان من أشد الناس سؤالا فضرب به المثل.
سبني واصدق.
السب: الشتم. والسب أيضاً: الطعن في السبة أي الاست. قال:
وما كان ذنب بني مالكٍ ... بأن سب منهم غلامٌ فسبَّ
أي شتم فعقر. وتساب الرجلان: تشاتما أو تقاطعا. والسبة بالضم: العار ومن يسبه الناس كثيرا؛ والسببة كهمزة من يسبهم؛ والسب بالكسر الكثرة وسبك من يسابك. قال حسان:
لا تسبنني فلست بسبي ... أنَّ سبي من الرجال الكريم
و الصدق ضد الكذب. والمعنى أنك إذا ساببتني وجانبت الكذب فلا أبالي.
سبَّ من سبكَ يا هبَّارُ
يتمثل به كثيرا وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكان هبار بن الأسود تبع زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجت من مكة مهاجرة فروعها وأسقطت ذا بطنها في قصة مشهورة في السير. ثم أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم فكان المسلمون يسبونه بما فعل حتى شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: سبَّ من سبك يا هبارفكف الناس عن سبه بعد.
سبق السيف العذل
السبق معروف والسيف كذلك والعذل بالذال المعجمة: الملامة؛ والعذل بالتحريك الاسم منه. وهذا المثل يضرب في الأمر يفوت ولا يطمع في تداركه وتلافيه.
وأصله أنَّ الحارث بن ظالم ضرب رجلا بسيفه فقتله فأخبر بعذره فقال: سبق السيف العذلوقيل إنَّ أصله إنَّ سعداً وسعيداً، أبني ضبة بن أد خرجا في طلب لهما، فرجع سعد وفقد سعيد. وكان ضبة إذا رأى شخصا مقبلا قال: أسعد أم سعيد ثم إنّه في بعض مسائره أتى مكانا ومعه الحارث بن كعب في شهر الحرام، فقال: قتلت هنا فتى صفته كيت وكيت، وأخذت منه هذا السيف. فتناوله ضبة فعرفه فقال: إنَّ الحديث ذو شجون، ثم ضربه فقتله، فعذل فقال: سبق السيف العذلوقال جرير:
يكلفني رد الغراب بعد ما ... سبقن كسبق السيف ما قال عاذله
و ذكر البكري أبو عبيد إنَّ أوّل من قال: سبق السبق العذل، خريم بن نوفل الهمداني، وذلك أنَّ النعمان بن ثواب العبدي كان له بنون: سعد وسعيد وساعدة. فأما سعد فكان رجلا شجاعا بطلا؛ وأما سعيد فكان جوادا سمحا ذا إخوان وصنائع؛ وأما ساعدة فكان صاحب شراب وندمان. وكان أبوهم النعمان ذا شرف. وكان يوصيهم ويحملهم على أدبه. فقال لسعد، وكان صاحب حرب: إنَّ الصارم ينبو، والجواد يكبو، والأثر يعفو، والحليم يهفو. فإذا شهدت حربا فرأيت نارها تستعر، وبحرها يزخر، وبطلها يخط، وضعيفها يبصر فإياك أنَّ تكون صدي رماحها ونطيح نطاحهاوأعلم عند ذلك انهم ينصرونثم قال لسعيد، وكان جواداً: يا بني إنّه يبخل الجواد، ويصلد الزناد، ويحمد الثماد، وتحمل البلاد. فلا تدع إنَّ تجرب إخوانك وتبلوا أخدانكثم قال لساعدة: يا بني، إنَّ كثرة الشراب يفسد القلب ويقل الكسب، ويحدث اللغب. فأنظر نديمك واحم حريمك، وأعن غريمك. واعلم أن الظمأ القامح، خير من الري الفاضح. وعليك بالقصد، فإنَّ فيه بلاغا
ثم إنَّ النعمان توفي، فقال سعيد: آخذن بأدب أبي ولابلون أوثق أخوتي في نفسيوعمد إلى كبش فذبحه، ثم أضجعه في قبته وغشاه ثوبا. ثم دعا رجلا كان أوثق إخوانه في نفسه فقال: يا أبا فلان، إنّما أخوك من صديقك بعهده أحاطك برفده، وأقام معك بجهده، وسواك بولده. قال: صدقتقال: فأني قتلت فلانا فما عندك قال: فالسوأة السوأى وقعت فيها وانغمست. قال: فتريد ماذا قال: أريد أنَّ تعينني عليه حتى أغيبه. قال: لست لك في ذلك بصاحبفتركه وانطلق. ثم دعا سعيد رجلا آخر من إخوانه يقال له خريم بن نوفل فقال: يا خريم، ما عندكقال: ما يسرك. قال: فإني قتلت قلانا. قال: فتريد ماذا قال: أريد أنَّ تعينني حتى أغيبه. قال: لهان ما فزعت فيه إلى أخيكثم قال، وعبد لسعيد معهما: هل أطلع على هذا عبدك هذا فقال: لا. فأهوى خريم بالسيف إلى العبد فقتله وقال: ليس عبد بأخ لكففزع لذلك سعيد وقال: ما صنعت إنما أردت تجربتك. فقال خريم: سبق السيف العذلانتهى.
وقال الطغرائي:
إنَّ كان ينجع شيء في ثباتهم ... على العهود فسبق السيف للعذل
سبقك بها عكاشة.
يتمثل بها كثيرا، وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. لمّا ذكر الدين يدخلون الجنة بغير حساب، قام إليه عكاشة بن محصن، رضي الله عنه، فقال: أمنهم أنا، يا رسول الله، أو أدع الله أنَّ يجعلني منهم فقال: نعمفقام رجل آخر فقال مثل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: سبقك عكاشة. والحديث مشهور معروف ما فيه من المعنى.
سحابة صيفٍ عن قليلٍ تقشع.
سد أبن بيضٍ الطريق.
السد ضد الفتح معروف، وإنَّ أبن بيض بكسر الباء، وقيل بالفتح رجل من عاد تاجر عقر ناقته على ثنية فسد بها الطريق ومنع الناس من سلوكها. ويقال إنَّ أبن بيض لمّا حضرته الوفاة قال لابنه: لا تقارب لقمان في أرضهفإذا مت فسر بأهلك ومالك حتى إذا كنت في ثنية كذا فاقطعها بأهلك واترك فيها للقمان حقه، فإنَّ له عندنا في كل عام حلة وجارية وراحلة. فإنَّ هو قبلة فهو حقه عرفناه له لا جارته وخفارته؛ وإنَّ هو لم يقبل وبغى، أخذه الله تعالى ببغيه. فلما مات، فعل الفتى ما أمره به. فأتى لقمان الثنية وأخذ ذلك وقال: سد أبن بيض الطريقوقال عمر بن الابرد في ذلك:
سددنا كما سد أبن بيض سبيلها ... فلم يجدوا عند الثنية مطلعا
سداد في كفافٍ، أفضل من غنى مع إسرافٍ.
هذا مصنوع فيما أظن، وهو ظاهر المعنى. وتقدم ضبط السداد.
يسدي ويلحم.
السداد من الثوب معروف. واسديت الثوب وسديته. واللحمة بضم اللام من الثوب: ما سوى السدا. وألحمت الثوب: نسجته. ثم جعل مثلا في الاشتغال بالشيء وإتمامه، كما قالوا في المثل الآخر: ألحم ما أسديتأي تمم ما ابتدأت وقال أبو تمام في الأول: وقلت أنا من قصيدة تقدم إنشادها:
يسدي ويلحم في مزاولهٍ ... ما ليس يدركه مدى العمر
السراح، من النجاح.
السراح بالفتح اسم من التسريح وهو التطليق سرحت المرأة تسريحا والنجاح معروف. والمعنى انك إذا لم تقدر على قضاء حاجة إنسان فأيسته بمرة، كان ذلك بمنزلة ما لو قضيت مطلوبه.
سرك أسيرك، فإنَّ نطقت به كنت أسيره،
هذا من الأمثال الحكيمة في حفظ السر.
ومثله ما روي أنَّ معاوية رضي الله عنه أسر إلى الوليد بن عقبة حديثا فقال الوليد لأبيه: يا أبت إنَّ أمير المؤمنين أسر إلى حديثا وما أراه يطوي عنك ما بسط إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به فإنَّ من كتم سره كان الخيار له ومن أفشاه كان الخيار عليهقال: قلت: يا أبت وإن هذا لديك بين الجل وبين أبيه قال: لا والله يا بنيولكن أحب أن لا تلل لسانك بأحاديث. قال: فأتيت معاوية فحدثته فقال: يا وليد أعتقك أخي من رق الخطأ.
وحكى الإمام الغزالي رحمه الله تعالى قال: اجتمع أربعة ملوك: ملك الهند والصين وكسرى وقيصر فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل. وقال الآخر: إني إذا تكلمت بكلمة ملكتني ولم أملكها وإذا لم أتكلم ملكتها ولم تملكني. وقال الثالث: عجبت للمتكلم إن رجعت عليه كلمته ضرته وإن لم ترجع لم تنفعه. وقال الرابع: أنا على رد ما لم أقل أقدر على رد ما قلت.
وسيأتي إتمام هذا المعنى في الحكم بأشبع من هذا إن شاء الله تعالى.
أسرع من نكاح أم خارجة.
السرعة بالضم والسرع بفتحتين والسرع بوزن عنب ضد البطء. سرع الرجل بالضم فهو سريع؛ وأسرع أيضاً فهو مسرع. قيل: وأصل الرباعي التعدي بنفسه أي أسرع نفسه أو مشيه كما في الحديث: فليسرع المشي لكنه يحذف لظهوره.
والنكاح بالكسر: الوطء والعقد أيضاً. يقال: نكحها ينكح بالفتح والكسر؛ ونكحت هي أيضاً فهي ناكح أي ذات زوج قال تعالى: حتى تنكح زوجا غيره. وقال الشاعر:
لصلصلة اللجام برأس طرفٍ ... أحب إلي من أن تنكحيني
و استنكحها بمعنى نكحها؛ وأنكحها: زوجها والاسم منه النكح بالكسر والضم وهي كلمة كانت العرب تتزوج بها. يقول الخاطب: خطبٌ بكسر الخاء وضمها ويقول المخطوب: نكح بكسر النون أيضاً وضمها؛ وأم خارجة امرأة من بجيلة ولدت قبائل كثيرة من العرب واسمها عمرة بنت سعد وخارجة ابنها.
قال في الصحاح: ولا يعلم ممن هو ويقال هو خارجو بن بكر بن يشكر بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان. وكانت أم خارجة من الشهوة والشبق إلى الرجال في غاية. فكان يقال لها: خطبٌ فتقول: نكحٌ فقالوا: أسرع من نكاح إم خارجة.
ويحكى أنَّ السيد الحميري خرج يوما سكران، فلقي بنت فجاءة بن عمرو بن قطري الخارجية، وكانت حسناء. فأوقفها وانشد من شعره، فأعجب كل واحد منهما صاحبه ثم خطبها، فقالت: كيف يكون هذا ونحن على ظهر الطريق قال: يكون كنكاح أم خارجة، قيل لها: خطب، قالت: نكح. فاستضحكت وقالت: ننظر في هذا، وعلى ذلك فمن أنت فقال:
إنَّ تسأليني بقومي تسألي رجلاً ... في ذروة العز من أجواد ذي يمن
ثم الولاء الذي أرجو النجاة به ... من كبة النار للهادي أبي حسن
فقالت: لا شيء أعجب من هذا: يماني وتميمية، ورافضي وإباضية، فكيف يجتمعان فقال: بحسن رأيك في تسخو نفسك، ولا يذكر أحدنا سلفا ولا مذهبا. قالت: أفليس التزويج إذا علم انكشف معه المستور قال: إنّما أعرض عليك. قالت وما هي قال: المتعة التي لا يعلم بها أحد. قالت: تلك أخت الزنى. قال: تلك أخت الزنى. قال: أعيذك بالله إنَّ تكفري بعد الإيمانقالت: وكيف قال لها: )فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة(. فقالت: استخير الله وأقلدك إذ كنت صاحب قياس وتفتيش. فانصرفت معه وبات معرسا بها. وبلغ أهلها من الخوارج أمرها، فتوعدوها بالقتل وقالوا: تزوجت بكافر. فجحدت وكانت تخلف إليه مرة وتواصله.
قلت: وأين هاتان المرأتان من أم حكيم الخارجية وكانت اجمل نساء زمانها ومن أشجع الناس وأحسنهم بديهة. خطبها جماعة من أشراف الخوارج، فردتهم. وهي القائلة
ألا إنَّ وجها حسن الله خلقه ... لأجدر أنَّ تلقى به الحسن جامعا
وأكرم هذا الحرم عن أنَّ يناله ... تورك فحل همه أنَّ يجامعا
و كانت مع قطري بن الفجاءة في عسكر الأباضية. فكانت ترتجز في تلك الحروب وتقول:
أحمل رأساً قد سئمت حمله ... و قد مللت دهنه وغسله
ألا فتى يحمل عني ثقله
والخوارج يفدونها بالآباء والأمهات. وكان قطري يشبب بها وفي ذلك يقول في وقعة دولاب:
لعمرك إني في الحياة لزاهدٌ ... و في العيش ما لم ألق أم حكيمِ
من الخفرات البيض لم ير مثلها ... شفاء لذي بث ولا لسقيمِ
لعمرك إني يوم ألطم وجهها ... على نائبات الدهر جد لئيمِ
ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت ... طعان فتى في الحرب غير ذميمِ
غداة طفت علماء بكر بن وائل ... و عجنا صدور الخيل نحو تميمِ
فلم أر يوما كان أكثر مقطعاً ... يمج دماً من فائضٍ وكليمِ
وضاربةٍ خداً كربواً على فتى ... أغر نجيب الأمهات كريمِ
أصيب بدولاب ولم يك موطناً ... له أرض دولاب ودير حميمِ
فلو شهدتني يوم ذاك وخيلنا ... تبيح من الكفار كل حريمِ
رأت فتية باعوا الإله نفوسهم ... بجنات عدنٍ عنده ونعيمِ
سرعان ذا إهالة
السرعة تقدمت. ويقال: سرعان ذا خروجا مثلثة السين أي سرع هذا خروجا. ويقال: لسرعان ما صنعت كذاأي ما أسرعوالإهالة: الشحم أو ما أذيب منه أو الزيت وكل ما ائتدم به وهمزتها أصلية ورجل مستأهل: آخذ الإهالة أو آكل لها. قال:
لا بل كلبي يا أم واستأهلي ... إنَّ الذي أنفقت من ماله
و أصل المثل أنَّ رجلا كانت له نعجة عجفاء يسيل رغامها من أنفها فقيل له: ما هذا قال: ودكها يظن الرغام شحما. فقال السائل: سرعان ذا إهالةونصب إهالة أما على التمييز المحول من الفاعل أي: سرع إهالة هذه أو على الحال أي: سرع هذا الرغام حال كونه إهالة فيضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته.
وسمعت قديما من بعض الأشياخ أنَّ أصل هذا أنَّ أعرابية كان لها أبن أحمق فذهب فوجد نعجة عجفاء فاشتراها فقال لأمه: إني اشتريت نعجة سمينة. فلما أخرجها إلى أمه ورغامها يسيل من أنفها قال لها: انظري إلى إهالة ما علفتهافقالت أمه: سرعان ذا إهالة.
أسرع من تلمض ورلٍ.
يقال: لمظ بالظاء المشالة وتلمظ إذا تتبع بقية الطعام في فيه بطرف لسانه أو أخرج لسانه فمسح به شفته؛ واللماظة بالضم: البقية التي يتلمظها. قال الشاعر يصف الدنيا: لماظة أيامٍ كأحلام نائمٍ والورل بفتحتين والراء المهملة حيوان كالضب جمعه أورال وورلان. وهو سريع التلمظ أي الأكل بطرف اللسان.
أسرع السحب في المسير الجهام.
هذا شطر بيت لأبي الطيب وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى
أسرق من زبابةٍ
السرقة معروفة سرق الشيء بالفتح يسرقه سرقا بفتحتين وسرقة كنبقة.
والزباب بالزاي وباءين موجودتين والواحدة زبابة: فارة صماء عظيمة تسرق ويضرب بها المثل في السرقة وشبه بها الجاهل. قال الشاعر:
وقد رأيت معاشراً ... جمعوا لهم مالا وولدا
وهم زباب حائرٌ ... لا تسمع الآذان رعدا
أي لا تسم آذانهم رعدا لصممهم. وحذف الضمير من اللفظ أو استغنى عنه بالألف واللام على ما عرف في المذهبين. ويعني أنَّ من الناس من رزق أموالا وأولادا وهو ما هو في الجهل والحيرة والدناءة. وذلك من الدليل على أنَّ الله تعالى هو مستند الأرزاق لا العقول والحيل وإنّه تعالى لم يجعل الدنيا الدنية مقصورة على العقل الشريف ولا كفأاً له.
أسرى من جندبٍ.
السرى بوزن الهدى: سير الليل. يقال: سرى يسري سرى ومسرى وأسرى إذا مشى فيه؛ والجندب بضمتين ويجوز فتح الدال ضرب من الجراد الجمع جنادب. قال كعب رضي الله عنه:
وفال للقوم حاديهم وقد جعلت ... ورق الجنادب يركض الحصا قيلوا
أسرى من قنفذٍ
السرى تقدم؛ والقنفذ بالذال المعجمة بوزن جندب معروف والأنثى قنفذة ويقال له الأنقذ وتقدم في حرف الباء وأنه يسري الليل ولا يكاد يظهر إلاّ فيه.
أسعدٌ أم سعيدٌ
هذا يقولنه مثلا في السؤال أي هذا الشيء مما يحب أم مما يكره وأصل ذلك أنَّ سعداً وسعيداً أبني ضبة بن أد خرجا في طلب إبل لهما. فرجع سعد وفقد سعيد وتقدمت الحكاية في هذا الباب فصار سعيد يتشاءم به.
وقد روي عن عبد الله بن الحارث قال: بعثني أبي وبعث العباس ابنه الفضل رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يجعل لنا السقاية. فلما أتيناهما منصرفين قالا: ما وراءكما أسع أم سعيد قالا ووقع مثل ذلك لبيهس المعروف بنعامة إذ قتل أخوته. ذكر ذلك كله أبو عبيد القاسم بن أمثاله.
السعيد من وعظ بغيره.
هذا مثل في الأمر بحسن التدبير. وتمامه: والشقي من وعظ بنفسه. ويروى الأول حديثا والله اعلم. وفي معناه ما أنشد الجاحظ:
لا أعرفنك إنَّ أرسلت قافية ... تلقى المعاذير إنَّ لم تنفع العذر
إنَّ السعيد له في غيره عظة ... و في التجارب تحكيم ومعتبر
أسفد من ديكٍ.
يقال: سفد الذكر على الأنثى يسفد كضرب يضرب وسفد يسفد كعلم يعلم، سفاداً، إذا نزل عليها؛ والديك معروف، وهو كثير السفاد.
أسفد من هجرسٍ.
الهجرس بالكسر ولد الثعلب، وقيل هو الثعلب والقرد والدب، وقيل كل ما يعس بالليل مما دون الثعلب وفوق اليربوع.
وفي المثل أيضا: أغلم من هجرس، والغلمة: شهوة النكاح وسيأتي، وأزنى من هجرس وتقدم.
والهجرس أيضاً: أبن كليب بن ربيعة التغلبي، ذكر في حرب البسوس.
سفيه لم يجد مسافها.
السفه والسفاه والسفاهة بالفتح ضد الحلم أو الخفة أو الجهل، وسفهه تسفيها: نسبه إليه، وسافهه مسافهة: شاتمه وسابه، وسافه الشراب: أسرف فيه. والمثل عند الجوهري من المعنى الأول. وكذا أبو عبيد، ذكره في أمثال الملاحة والتشاتم قال البكري: وهذا المثل يروى عن الحسن بن علي إنّه قاله لفلان. وأنشد في نحو ذلك لحاجب بن زرارة:
أغركم إني بأحسن شيمة ... و فيق وإني بالفواحش أخرق
وانك قد فاحشتني فغلبتني ... هنيئا مريئا أنت بالفاحش أرفق
ومثلي إذا لم يجز أفضل سعيه ... تكلم نعماه بفيها فتنطق
سقط العشاء به على سرحانٍ.
السقوط معروف؛ والعشاء بفتح العين المهملة والمد طعام العشي كالعشى بالكسر جمعه أعشية؛ وعشوت الرجل وأغشيته وعشيته تعشية: أطعمته ذلك، وتعشى هوقال: الفرزدق:
تعش فأن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من، يا ذئب، يصطحبان
و هو عيشان؛ والعشى بالقصر سوء البصر بالليل والنهار، كالعشاوة أو العمى، عيشي بالكسر يعشى، وعشا يعشو، فهو عش، وأعشى، هي عشواء؛ والسرحان بالكسر: الذئب. قال امرؤ القيس:
له إبطا ظبي وساقا نعامة ... و إرخاء سرحان وتقريب تنفل
و هو بلغة هذيل الأسد، قال الشاعر يرثي ميتا:
هباط أودية حمال ألوية ... شهاد أندية سرحان فتيان
و هذا المثل يضرب للرجل يطلب حاجة فيقع في الهلكة.
واختلفوا في أصله فقيل دابة خرجت تلتمس العشاء، فوقعت على الأسد أو على الذئب فأكلها.
وقيل رجل خرج كذلك، فوقع عليه.
وقيل إنَّ سرحانا اسم رجل، وهو سرحان بن متعب اليربوعي. وكان فاتكاً، فحمى واديا فجاء عوف الأسدي فقال: لأرعين إبلي بهذا الواديفرعاها فأتاه سرحان فقتله، وقال هداة بن متعب، أخوه، لامرأة الأسدي يقال لها نصيحة:
أبلغ نصيحة أنَّ راعي إبلها ... سقط العشاء به على سرحان
سقط العشاء به على مقتمرٍ ... طلق اليدين معاود لطان
و على هذا كله، فالعشاء بالمد.
وقيل أنَّ أصله أنَّ رجلا أعشى البصر وقع ذئب فأكله. وعليه، فيكون العشى مقصورا.
اسق أخاك النمري يصطبح
السقي معروف، يقال: سقيته وأسقيته، وسقيته تسقيه.
وقيل أسقيته: دللته على الماء، وأسقيت ماشيته أو أرضه: جعلت لها ماء.و سقاها الله غيثا: أنزله عليه، واستسقيته أنا: قلت له: سقاك الله أو سقياقال امرؤ القيس:
فأسقي به أختي ضعيفة إذ نأت ... و إذ بعد المزار غير القريض
أي أدعو لها بالسقيا.
وقال ذو الرمة: فما زلت أسقي ربعها وأخاطبه وقلت أنا في هذا المادة:
سقى الله أطلالا بأكثبة الحمى ... من العارض الهتان صوب عهاد
بلاد بها حلت سليمى وأهلها ... فحل فؤادي عندها وودادي
وإني متى أسقيتها أو بكيتها ... هيما فما أسقيت غير فؤادي
و يجوز أنَّ يقع أحدهما موقع الآخر كما قال لبيد:
سقى قومي بين مجد وأسقى ... نمير والقبائل من هلال
و النمري بفتح الميم نسبة إلى النمر بن قاسط بكسر الميم، وهو أبو قبيلة من جذيلة. وإنّما فتحت الميم في النسبة، كنظائوه، كراهية توالي ما هو في حكم الكسرات. وأصطبح الرجل: شرب الصبوح بالفتح، وهو ما يشرب صباحا؛ وأصبح أيضا: أوقد المصباح.
ولم أقف بعد على تفسير هذا المثل، وأظن أنَّ معناه إنّه لثقله إذا سقيته انتظر للصبوح فيكون كالمثل السابق: أجلسته عندي فاتكاً، والمثل الآتي: أطعم العبد الكراع، فيطمع في الذراع
اسق رقاش إنّها سقاية
السقي مر؛ ورقاش اسم أمرأة، ويقال ساقية وسقاءة بالتشديد فيهما وجاز في الياء القلب وعدمه، نظر إلى اعتبار زيادة هاء التأنيث وإلى لزومها في هذا البناء. ويضرب للمحسن أي: احسنوا إليه لكونه محسنا. قال الحماسي:
سكت ألفا، والنطق خلفا.
السكوت معروف؛ والألف عدد معروف؛ والنطق خلاف السكوت؛ والخلف نقيض القدام. والخلف أيضاً الرديء من الكلام ومنه المثل. ومعناه: سكت عن ألف كلمة صواب ثم نطق بخطأ. وهكذا فسروه.
وحكوا أنَّ أعرابيا جلس مع قوم، فحبق حبقة فتشور، فأشار بإبهامه إلى أسته وقال: إنّها خلف نطقت خلفاوهذا صحيح في لفظ الخلف في المثل. وأما في لفظ الألف،فالذي يظهر منه لا. وادبيهة أنَّ المراد به ألف سنة أو نحو ذلك من الأزمان، ويكون المراد الأخبار عن إطالة السكوت، لا حقيقة الألف. وكأنه قيل: إنّه أطال السكوت ثم لمّا تكلم لم ينطق إلاّ بالرديء من الكلام. ومن هذا يحكى إنَّ شابا كان يجالس الأحنف وكان صموتا، فأعجب الأحنف ذلك منه. ثم خلت الحلقة يوما فقال له: يا أبن أخي، مالك لا تتكلم فقال: يا عم، أ رأيت لو أنَّ رجلا سقط من شرفة هذا المسجد، أيضره شيء فقال الأحنف: ليتنا تركناك، يا أبن أخيثم انشد متمثلا:
وكائن ترى من صامت معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... و لم يبق إلاّ صورة اللحم والدم
و يحكى أيضاً إنَّ رجلا كان يكثر مجالسه أبي يوسف ويطيل الصمت. فقال له أبو يوسف يوما: إلاّ تسأل فقال: بلىمتى يفطر الصائم فقال: إذا غربت الشمس. قال: فإن لم تغرب إلى نصف الليل فضحك أبو يوسف وتمثل بقول أبي الخطفا:
عجبت لإزراء الغبي بنفسه ... و صمت الذي قد كان بالعلم اعلما
وفي الصمت ستر للغبي وإنّما ... صحيفة لب المرء إنَّ يتكلما
و من معنى هذا الشعر قول الآخر:
المرء يعجبني وما كلمته ... و يقال لي: هذا اللبيب اللهذم
فإذا قدحت زناده وسبرته ... في كف زاف كما يزف الدرهم
و قول الآخر:
ترى الناس أشباها إذا جلسوا معا ... وفي الناس زيف مثل زيف الدراهم
وقال عدي بن الرقاع:
الناس أشباه وبين حلومهم ... بون كذلك تشابه الأشياء
و من معنى الحكايتين المذكورتين، من سؤال المغافلين، ما يحكى عن الإمام الماوردي، رحمه الله، قال: كنت بمجلس درسي بالبصرة، فدخل علي شيخ مسن قد ناهز الثمانين أو جاوزها، قال: قصدتك بمسألة اخترتك لها. فقلت: ما هي وظننت إنّه يسأل عن حادثة نزلت به. فقال عن طالع إبليس وطالع آدم من النجوم ما هو فإنَّ هذين لعظيم شأنهما، لا يسأل عنهما إلاّ علماء الدين. قال، فعجبت وعجب من في المجلس من سؤاله. وبادر إليه قوم منهم بالإنكار والاستخفاف، فكففتهم وقلت: هذا لا يقنع مع ما ظهر من حاله، إلاّ بجواب مثلهفأقبلت عليه وقلت: يا هذا، إنَّ النجمين يزعمون إنَّ نجوم الناس لا تعرف إلاّ بمعرفة مواليدهم. فإنَّ ظفرنا بمن يعرف وقت ميلادهما أخبرك بالطالع. فقال: جزاك الله خيراوانصرف مسرورا. فلما كان بعد أيام عاد وقال: ما وجدت إلى وقتي هذا من يعرف مولدهما.
أسكت من سمكةٍ.
السمكة بفتحتين: واحدة السمك وهو الحوت.
أسلح من حبارى.
السلاح بالضم كغراب: النجو يقال: سلح الرجل وغيره يستلح كمنع يمنع. والحبارى: الطائر المعروف.
وذكروا إنَّ للحباري خزانة في دبرها فيها أبدا سلح رقيق فمتى ألحت عليها الجوارح سلحت عليها فينتف ريشها، وفي ذلك هلاكها. قالوا: فجعل سلحها سلاحا لها.
وقال الشاعر:
وهم تركوك أسلح من حباري ... رأت صقرا وأشرد من نعام
أسلح من دجاجٍ.
الدجاج مثلث الدال المهملة معروف، واحدة دجاجة. ويقال: أسلح من الحباري حال الخوف، وأسلح من دجاج حال الأمن.
السلطان كالنار.
هذا من الأمثال الحكيمة، وتمامه: إنَّ باعدتها بطل نفعها، وإنَّ قاربتها عظم ضررها، وسيأتي في الحكم، إن شاء الله تعالى، استيفاء هذا المعنى.
أسمع من حيةٍ.
السمع حس الأذن، يقال: سمعه بالكسر يسمعه سمعا وسماعا وسماعة وسماعية، وتسمع وأستمع، ورجل سميع: سامع أو مسمع. قال عمرو بن معدي كرب:
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
حية. وهي موصوفة بالسماع القوي.
اسمع من دلدلٍ.
الدلدل بالدالين مهملتين، على مثال جندب: القنفذ، أو أعظم القنافذ. والدلدل أيضاً: الاضطراب. أنشد في الصحاح، لأبي معدان الباهلي:
جاء الحزائم والزبائن دلدلاٍ ... لا سابقين ولا مع القطان
أي: لا إلى هؤلاء ولا الذي هؤلاء.
أسمع من سمعٍ.
ويقال: اسمع من السمع الأزل، والسمع بكسر فسكون: ولد الذئب من الضبع وهو سبع مركب من هذين، فاستفاد قوة الضبع وجرأة الذئب. ويوصف بقوة السمع. قال الأعراب:
تراه حديد الطرف أبلج واضحا ... أغر طويل البياع أسمع من سمع
و يوصف أيضاً بالسرعة. يقال إنّه في عدوه أسرع من الطير، ووثبته تزيد على ثلاثين ذراعا.
وفي بعض المجامع إنَّ ربيعة بن أبي مراد قال: أخبرني خالي قال: لمّا أظهر الله علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشعبنا في كل شعب، لا يلوي حميم على حميم. فبينما أنا في بعض الشعاب قد رأيت ثعلبا قد تحوى عليه أرقم، والثعلب يعدو عدواً شديدا فانحنيت عليه بحجر فما أخطأه. فانتهيت إليه فإذا الثعلب سبقني بنفسه، وإذا الأرقم تقطع وهو يضرب. فقمت أنظر اليه، فهتف بي هاتف ما سمعت أفصح من صوته يقول: تعسا لك وبؤساقد قتلت رمسا ووترت تيساثم قال: يا دامر، يا دامرفأجابه مجيب من العدوة الأخرى: لبيك لبيك بادر إلى بني الغدافر، فاخبرهم بما صنع الكافرفناديت: إني لم أشعر، وأنا عائد بك فأجرنيفقال: كلا، والحرم الأمين، لا أجير من قاتل المسلمين، وعبد عبر رب عالمينقال.فناديت: إني مسلمفقال: إنَّ أسلمت سقط عنك القصاص، وفزت بالخلاص، وإلاّ فلات حين مناصقال. فقلت إنَّ لا اله إلاّ الله، وأشهد إنَّ محمّد رسول الله. قال. فقال: نجوت وهديت، ولولا ذلك لرديت. فأرجع من حيث جئتقال: فرجعت أقفو أدراجي، فإذا هو يقول: امتط السمع الأزل، فقد بدا إليك هنالك أبو عامر يتبع بك ألفان. قال. فالتفت فإذا سمع كالأسد، فركبه فمر ينسل حتى أتى إلى تل عظيم فاسندني إلى تل فأشرفت منه خيل المسلمين، فنزلت عنه وصوب من الحدور نحوهم. فلما دنوت منهم خرج إلي فارس فقال: ألق سلاحك، لا أم لكفألقيت سلاحي فقال: ما أنت قلت مسلم: فقال سلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاتهفقلت: وعليك السلام والرحمة والبركة، من أبو عامر قال: أنا هو. قلت: الحمد للهقال: لا بأس عليكهؤلاء إخوانك من المسلمين. ثم قال: إني رأيت بأعلى التل فارسا، فأين فرسك قال: فقصصت عليه القصة، فأعجبه ما سمع مني، وسرت مع القوم أقفو آثار هوزان حتى بلغوا من الله ما أرادوا.
أسمع من فرخ عقابٍ.
الفرخ ولد الطائر والأنثى فرخة والجمع أفرخ وأفراخ. قال الحطيئة:
ماذا أقول لأفراخ بذي مرخٍ ... حرم الحواصل لا ماء ولا شجر
يعني أولاده، والعقاب: الطائر المعروف، وتقدم الكلام عليها في حرف الباء.
أسمع من قرادٍ.
القراد كالغراب معروف جمعه قردان، وقردت البعير تقريداً: أزلت عنه القراد والتقريد أيضاً: الجذاع وأصله في البعير إذا أراد أنَّ يأخذه وهو صعب قردة أوّلاً ليرتاح إليه فيأخذه.
قال الشاعر: وهم يمنعون جارهم أنَّ يقردا وقال الحطيئة:
لعمرك ما قراد بني كليب ... إذا نزع القراد بمستطاع
و يزعمون إنَّ القراد يسمع وطء أخفاف الإبل، من مسيرة يوم، فيتحرك لها ويزعمون أيضاً انهم ربما رحلوا عن ديارهم بالبادية وتركوها خالية، والقردان منتشرة في أعطان الإبل، ثم لا يخلفهم فيها ولا يعودون إلى تلك الديار إلاّ بعد عشر سنين وعشرين سنة فيجدون القردان حية وقد أحست بروائح الإبل قبل إنَّ توافيها فتتحرك لها. ومن ثم قالوا: اعمر من قراد، أيضاً.
اسمع جعجعة ولا أرى طحنا.
الجعجعة صوت الرحى، وتطلق أيضاً بمعنى الحبس والتضييق، كما في كتاب أبن زياد: جعجع بالحسين رضي الله عنهوالطحن معروف، وتقول طحنت البر بالفتح إذا صيرته دقيقا والطحن بالكسر الدقيق نفسه، ومنه المثل. والمعنى: اسمع صوت الرحى ولا أرى دقيقا. يضرب في سماع جلبة لا يعقبها نفع، وفي الجبان يوعد ولا يوقع، والبخيل يعد ولا يفي.
تسمع بالمعيدي خير من إنَّ تراه.
المعيدي تصغير المعدي مشدد بالدال، ثم خففت عند التصغير كراهية اجتماع السكانين. قال النابغة:
ضلت حلومهم عنهم وغرهم ... سن المعيدي في رعي وتعزيب
و هذا على ما وقع في الصحاح وغيره من المعيدي في هذا المثل إلى معد بالتشديد وقيل: المعيدي نسبة إلى معدٍ بسكون العين وتخفيف الدال، وهي قبيلة. وتصغيرها معيد. والمعيدي المذكور رجل من هذه القبيلة كان فاتكا يغير على مال النعمان بن المنذر، فيأخذه ولا يقدرون. فأعجب به النعمان لشجاعته وإقدامه فأمنه. فلما حضر بين يديه ورآه، استزرى مرآته، لأنه كان دميم الخلقة، فقال: لأن تسمع بالمعيدي خير من أنَّ تراهفقال: أبيت اللعن، إنَّ الرجال بجزر، وإنّما يعيش المرء بأصغريه: قلبه ولسانهفأعجب النعمان كلامه وعفا عنه، وجعل من خواصه إلى أنَّ مات.
وقوله: تسمع، مضارع ينسبك مع أنَّ مقدرة بالمصدر. وربما أظهرت فقيل: أنَّ تسمع بالمعيدي. وهذا المصدر مبتدأ مخبر عنه بما بعده.
والمعنى :إنَّ سماعك بالمعيدي خير من رؤيتك إياه. ويضرب للرجل يكون له صيت وذكر حسن، فإذا رأيته اقتحمته عينك، وكان عند خبره دون خبره. وقيل: معناه أسمع به ولا تره، على الأمر.
وذكر أبو عبيد أنَّ هذا المثل أول ما قيل لجشم بن عمرو بن النهدي المعروف بالصقعب النهدي، قال فيه النعمان بن المنذر. قال: وهذا على من قال إنَّ قضاعة من معد، لأن نهداً من قضاعة. والقصعب المذكور هو الذي ضرب به المثل فقيل: أقتل من صيحة الصقعب. زعموا إنّه صاح في بطن أمه، وإنّه صاح بقوم فهلكوا عن أخرهم.
وقيل:المثل للنعمان بن ماء السماء، قاله لشقة بن جمرة التميمي، وذلك إنّه سمع بذكره، فلما رآه اقتحمته عينه، فقال أن تسمع بالمعيدي خير من أنَّ تراهفقال شقة، أيّها الملك، إنَّ الرجل لا تكال بالقفزان ولا توزن بالميزان، ولست بمسوك يسقى فيها الماء، وإنّما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، إنَّ قال قال، ببيان وإنَّ صال صال، بجنانفاعجب المنذر لمّا سمع منه وقال: أنت ضمرة بن ضمرةوذكر شمس الدين بن خلكان أنَّ أبا محمّد القاسم بن علي الحريري، رحمه الله، جاءه إنسان يزوره ويأخذ عنه شيئاً، وكان الحريري دميم الخلقة جدا. فلما رآه الرجل استزرى خلقته ففهم الحريري ذلك. فلما طلب الرجل إنَّ يملي عليه قال له: اكتب:
ما أنت أوّل سار غرة قمر ... و رائد أعجبته خضرة الدمن
فأختر لنفسك غيري إنني رجل ... مثل المعيدي فأسمع بي ولا تراني
انتهى.
ويزاد في هذه القصة أنَّ الرجل قال:
كانت مسائلة الركبان تخبرنا ... عن قاسم بن علي أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري
و ربما جعل في هذا الشعر، مكان القاسم بن علي، أحمد بن علي، وإنّه قيل في أحمد بن علي، أحد الفقهاء، وإنَّ قائله لقي الزمخشري فأنشده إياه. فذكر له الزمخشري عن النبي صلى الله عليه وسلم إنّه قال: ما بلغني عن رجل ثم لقيته إلاّ وجدته دون ما بلغني عنه، إلاّ ما كان من زيد الخيل، فأني وجدته فوق ما قيل عنه، أو كلاما هذا معناه كال عهدي به.
وحدثني الرئيس الأجل أبو عبد الله محمّد الحاج بن محمّد بن أبي بكر أنَّ رجلا كان يحضر مجلس والده ويطيل الصمت لا يتكلم ولا يعرفه أحد. ومكث ذلك مدة، ثم كتب رقعة بخط رفيع فائق وذهب. فأخذوا الرقعة فإذا فيها مكتوب:
كانت مسائلة الركبان تخبرنا ... عن مجدكم وثناكم أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري
أستسمن ذا ورم.
تقول: استسمنت الشيء إذا عددته سمينا؛ والورم نتوء وانتفاخ في الجسد يقال، ورم الجسد بالكسر ورما، تورم واستسمن ذي ورم هو إنَّ يرى الحجم الناتئ من علة فيحسب ذلك سمنا وشحما.
والمثل مشهور عند المتأخرين يضربونه عند خطأ الرأي في أستجادة القبيح واستحسان الخبيث واستصواب الخطأ لأمارة وهمية كاذبة: قال أبو الطيب:
أعيذها نظرات منك صادقة ... أنَّ تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم
و في المقامات الحريرية: قد استسمنت ذا ورم ونفخت في غير ضرم.
سمن كلبك يجوع أهله.
الكمن ضد الهزل يمن كفرح سمنا وسمانة فهو سامن وسمين وسمنته تسمينا؛ والكلب كل سبع عقور إلا إنّه غلب على النابح المعروف؛ والجوع معروف.
يضرب هذا المثل في الرجل يأكل مال غيره فيسمن وينعم. وأصله أنَّ الكلب إذا وقع الموتان والهلاك سمن هو بالك الجيف وأهله جياع.
وقيل إنَّ رجلا سئل رهنا فرهن أهله ثم تمكن من أموال من رهنهم فاستاقها وترك أهله. وحكى أبو علي البغدادي أنَّ رجلا من أهل الشام كان مع الحجاج يحضر طعامه فكتب إلى امرأته يعلمها بذلك. فكتبت إليه:
أتهدي لي القرطاس والخبز حاجتي ... و أنت على باب الأمير بطينُ
إذا غبت لم تذكر صديقاً وإن تقدم ... فأنت على ما في يديك ضنينُ
فأنت ككلب السوء جوع أهله ... فيهزل أهل البيت وهو سمينُ
سمنكم في أديمكم.
السمن بفتح فسكون معروف؛و الأديم هنا فسره بعضهم بالزق وأنكر ذلك آخرون وقالوا: الأديم هنا الطعام المأدوم فعيل بمعنى مفعول فيقال أديم ومأدوم كما يقال قتيل ومقتول. وعلى كل حال فمعناه أنَّ خيرهم موقوف عليهم وفضلهم راجع إليهم فيضرب للبخيل ومن لا يتعداه خيره ومن ينفق على نفسه دون غيره. وقد يقال: سمنكم هريق في أيديكم وهو معناه.
سمن كلبك يأكلك
التسمين معروف تقدم؛ والكلب مر أيضاً.
وهذا مثل قديم مشهور. وقد تمثل به غب بن أبي ركن المنافقين في غزوة بني المصطلق حيث اختصم المهاجرين والأنصار فقال أبن أبي: ما نحن وهؤلاء يعني المهاجرين إلاّ كما قال الأول: سمن كلبك يأكلكوفيها قال: لا تنفقوا على أصحاب محمدوقال: لئن رجعنا إلى المدينة لتخرجن الأعز منها الأذل كما ذكر الله جل اسمه في سورة المنافقين.
ولفظ المثل إما أن يكون على معنى الإخبار كأنه قيل: إن سمنت كلبك أكلك كما في الآخر: اسق أخاك النمري يصطبحأي إن سقيته اصطبح وقد تقدم وأما أن يكون إنشاء على ظاهره كأنه قيل: سمن كلبك ليأكلككما يقال: اضرب عبدك يستقمأي ليستقيم على معنى قولهم: لدوا للموت وابنوا للخرابوهو أيضاً راجع إلى الخبر بهذا الاعتبار وفي معنى المثل قول الشاعر:
أعلمه الرماية كل حينٍ ... فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافيةً هجاني
ثم رأيت في عماد البلاغة أنَّ الكلب المضروب به المثل لرجل من طسم وذلك إنّه ارتبط كلبا وجعل يشبعه اللبن رجاء أن يصطاد به ثم أبطأ عليه طعامه فوثب على مولاه فافترسه فصار مثلا في كفران النعمة ومجازاة المحين بالإساءة وفيه قيل: سمن كلبك يأكلكوقال مالك بن أسماء:
هم سمنوا كلباً ليأكل بعضهم ... و لو ظفروا بالحزم لم يسمن الكلبُ
استنت الفصال حتى القرعى
يقال: استن الفرس وغيره إذا قمص وهو أن يرفع يديه ويضعها معا ويعجن برجليه؛ والفصل جمع فصيل من الإبل معروف؛ والقرعى جمع أقرع والقرع داء يصيب الفصلان في أعناقها وتقدم تفسيره في حرف الحاء تقول: منه قرع الفصيل بالكسر قرعا فهو أقرع والأنثى قرعاء ودواؤه أن ينضح الفصيل بالماء ويجر في أرض سبخة أو مرشوشة بملح فتقول: قرعت الفصيل تقريعا إذا فعلت به ذلك فهو مقروع قال أوس بن حجر:
لدى كل أخدود يغادرن دارعا ... يجركما جر الفصيل المقروعُ
و القرعى لا يمكنها الاستنان فيضرب هذا المثل في الضعيف يباري القوي وعند تمدح الرجل بالشيء ليس من أهله. وقد قيل إنَّ استنت هنا معناه سمنت من قولهم: سن الراعي إبله إذا أحسن رعيها وأسمنها وكأنه صقلها بذلك وزينها. قال النابغة:
ضلت حلومهم عنهم وغرهم ... سن المعيدي في رعي وتعزيب
و هو على مضربه أيضاً بأن يراعى في الكلام نوع تهكم وسخرية.
سواءٌ عليك هو والقفرُ.
يضرب للبخيل الذي لا خير عنده إذا نعت بمعنى إنّه بمنزلة القفار الممحلة. قال ذو الروه:
تخط إلى القفر امرأ القيس إنّه ... سواءٌ على الضيف امرؤ القيس والقفر
يحب امرؤ القيس القرى أن يناله ... و يأبى مقاريها إذا طلع النسرُ
النسر: أول الليل يطلع عند شدة البرد وكلب الزمان.
سوء الاستمساك خيرٌ من حسن الصرعة.
يقال: ساءه يسوءه إذا فعل به ما يكدره ولاسم منه السوء بالضم ويقال: استمسك يه ومسك وامسك وتمسك احتبس وأتصم به والصرع: الطرح في الأرض؛ صرعه صرعا وصرعة. والصرعة بالكسر: النوع من ذلك ومنه المثل. ويروى فيه بالفتح على معنى المرة.
وهذا المثل يضرب على في المداراة والتودد. قاله أبو عبيد القاسم بن سلام وقال: معناه لأن يزل الإنسان وهو عامل بوجه العمل وطريق الإحسان والصواب خير من أن تأتيه الإصابة وهو عامل بالإساءة والخرق. وهذا التفسير لا يعطيه المثل ولا يدل عليه ولا يتم وضربه المذكور به وإنّما معناه كما قال غيره: لأن يستمسك ولا يصرع وإن كان سيء الاستمساك خير من أن يصرع ولو صرعة حسنة لا تضره. وهو واضح ومضربه أيضاً على هذا النحو ظاهر.
سوء الاكتساب يمنع الانتساب.
هذا ظاهر.
أساء سمعاً فأساء جابةً.
الإساءة ضد الإحسان؛ والسمع تقدم؛ والجابة اسم من الإجابة يقال: أجابه إجابة والاسم الجابة كالطاعة والطاقة بمعنى الإطاعة والإطاقة. قال الشاعر:
وما من تهتفين به لنصرٍ ... بأقرب جابة لك من هديلِ
يضرب في سوء المسألة والإجابة في المنطق والإجابة على غير فهم. ونظمه أبو العتاهية فقال:
إذا ما لم يكن لك حسن فهمٍ ... أسأت إجابة فأسأت سمعا
ولست الدهر متسعاً لحل ... إذا ما ضقت بالإنصاف ذرعا
أساف حتى ما يشتكي السواف.
يقال: ساف المال يسوف إذا هلك؛ والسواف كسحاب موتانٌ في الإبل وقيل بالضم أو هو بالفتح في الناس والمال وبالضم مرض في الإبل ويجوز فتحه؛ وأساف الرجل: هلك ماله. قال:
فأبل واسترخى به الخطب بعدما ... أساف ولولا سعينا لم يؤبل
غيره: أساف من المال التلاد وأعدما ويضرب فيمن تعود الحوادث.
سال قضيبٌ حديداً.
قضيب اسم واد باليمن وقد تقدم هذا وقصته هذا وقصته في حرف الهمزة.
ومما يلحق بهذا الباب قولهم في الدعاء:
سلط الله عليه الورى وحمى خيبرا
والورى بالتحريك اسم من قولك: ورى القيح جوفه يريه إذا أكله؛ وقولهم:
سله من كذا سل الشعرة من العجين.
يحكى أنه لمّا هم حسان بن ثابت رضي الله عنه أن يهجو أهل مكة قال له النبي صلى الله عليه وسلم : كيف وأنا منهم أو كما قال صلى الله عليه وسلم فقال حسان: لأسلنك سل الشعرة من العجينوأتي بعض الملوك في الصدر الأول برجل وضاع يضع الحديث كذبا فقال اضربوا عنقهفذهبوا به ليقتلوه. فلما خرجوا قال لهم: أنظروني حتى أجرد كلامي وأسقطه من دواوين الحديث لئلا يلبس على الناسفرجعوا إلى الملك وشاوروه فقال لهم: اقتلوهفإنَّ هنا رجالا يسلون كلامه سل الشعرة من العجين. وقولك مثلا:
أسلط من ذئبٍ متنمرٍ.
وقولهم:
السؤدد مع السواد.
أي إنّما يحصل زمان الفتوة وسواد الشعر. ونحوه قول الحماسي:
إذا المرء أعيته السيادة ناشئاً ... فمطلبها كهلاً عليه عسيرُ
و قولك مثلا:
أسير من المثلِ.
ونحو ذلك.
ومن أمثال العمامة قولهم:
اسأل السائل عن طيب اللبن
يضربون في مخالط الشيء المعنى له إنّه اعرف به. وقولهم:
سخر البخيل يدبر عليك
وأما الشعر فقالوا: تحسبها حمقاء وهي باخس وتقدم في الحاء. وقال جرير:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
و تقدم تفسير أبن اللبون والبازل والقرن بفتحتين: الحبل يجمع فيه البعيران. ومنه قول جرير:
وأبلغ خليفتنا إنَّ كنت لاقيه إني لدى الباب كالمشدود في قرن
و لززت البعير وغيره لزا ولزازاً، وألأززته: شددته وألصقته؛ والقناعيس جمع قنعاس بالكسر وهو العظيم من الإبل.
وقال الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوائزه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
و قبله:
لمّا بدا لي منكم عيب أنفسكم ... و لم يكن لجراحي منكم آس
أزمعت يأسا مريحا من نوالكم ... و لن ترى طاردا للحر كالياس
جارا لقوم أطالوا هون منزله ... و غادروه مقيما بين أرماس
ملوا قراه وهرته كلابهم ... و جرحوه بأنياب وأضراس
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... و أقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
من يفعل الخير . . " البيت "
وخاطب بهذا الشعر الزبرقان، وعليه سجنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. وقال زيد الخيل:
أقاتل حتى لا أرى مقاتلا ... و أنجو إذا لم ينج إلاّ المكيس
يروى مقاتلا بكسر التاء، وبفتحها على معنى موضع القتال.
وقال أوس بن حجر:
وليس فرار اليوم عاراً على الفتى ... إذا عرفت منه شجاعة بالأمس
و مثلهما قول عمرو بن معدي كرب:
ولقد اجمع رجلي بها ... حذر الموت وإني لفرور
ولقد أعطفها كارهة ... حين للقوم من الموت هرير
آخر:
رب مغروس يعاش به ... عدمته كف مغترسه
وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه
المأتم بالتاء المثناة من فوق، على وزن مقعد كل مجتمع في حزن أو فرح، وقيل خاس بالنساء، وقيل بالشواب. وأطلق هنا على مجتمع الحزن. وأما المأثم بالثاء المثلثة فهو مفعل ما لا يحل كالاثم؛ والعرس بضمتين: طعام الوليمة. قال الراجز:
أنا وجدنا عرس الحناط ... لئيمة مذمومة الحواط
و يخفف. والعرس بالفتح: الإقامة في الفرح، والعمود في وسط الفسطاط؛ والعرس بفتحتين الدهش؛ والعرس بالكسر: زوج الرجل؛ ولبؤة الأسد، وزوج المرأة أيضاً. وأما العروس فوصف يقع على الذكر والأنثى، ما داما في أعراسهما. والمعنى أنَّ حزن الدهر قريب من فرحه، كما أنَّ فرحه قريب من حزنه، وكذا الصحة والعافية والضيق والسعة ونحو ذلك.
وقال صالح بن عبد القدوس:
وإنَّ من أدنته في الصبا ... كالعود يسقى الماء في غرسه
حتى تراه ناضرا مونقا ... بعد الذي أبصرت من يبسه
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في الثرى رمسه
غيره:
لا تترك الحزم في أمر تحاذره ... فإنَّ أصبت فما الحزم من باس
العجز ضعف وما بالحزم من ضرر ... و أزم الحزم سوء الظن بالناس
غيره:
وما نكد الدنيا على طيب ظلها ... و قرب حماها العذب شيء سوى الإنس
غيره:
يا راكب الفرس السامي يحكى لونه القبس
لا أنت تبقى على سيف ولا فرس
و ليس يبقى عليك السيف والفرس
غيره:
أقول له حين ودعته ... و كل بعبرته ملبس:
لئن رجعت عنك أجسامنا ... لقد سافرت معك الأنفس
و للخنساء:
ترى الأمور سواء وهي مقبلة ... و في عواقبها تبيان ما التبسا
ترى الجليس يقول القول تحبسه ... نصحا وهيهات ما نصحا به التمسا
و يحكى أنَّ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه استنشدها فأنشدته هذا الشعر، فقال لها: أنت أشعر كل ذات هنٍفقالت: وكل ذي خصيينقيل: وكان بشار يقول: ما قالت امرأة شعرا إلاّ ظهر عليه الضعف. فقيل له: حتى الخنساء فقال: لاتلك لها أربع خصى غيره:
تعب يدوم لذي الرجاء مع الهوى ... خير له من راحة في اليأس
و هذا خلاف ما طلب امرؤ القيس في قوله:
أ ماوي هل لي عندكم من معرس ... أم الصرم تختارين بالوصل نيأس
أبيني لنا، إنَّ الصريمة راحة ... من الشك ذي المخلوجة المتلبس
وقال أيضاً:
أرى الآفاتٍ قد كتبن على رأسي ... بأقلام شيب في مهارق انقاسي
فإنَّ تسأليني من يخط حروفها ... فكف الليالي تستمد بأنفاسي
جرت في قلوب الغانيات لشيبتي ... قشعريرة من بعد لين وإيناس
وقد كنت أجرى في حشاهن مرة ... مجاري صافي الماء في قضب الآس
فإنَّ أمس من حظ الكواعب آيسا ... فآخر آمال العباد إلى الياس
وقال الآخر:
الكلب أعلى قيمة ... و هو النهاية في الخساسة
ممن ينازع في الرئاسة ... قبل أوقات الرئاسة
غيره:
استودع العلم قرطاس فضيعه ... و بئس مستودع العلم القراطيس
قال أبو علي العبادي في نوادره: وسمع يونس رجلا ينشد هذا البيت فقال: قاتله اللهما أشد صبابته بالعلم وصيانته للحفظإنَّ علمك من روحك ومالك من بدنك، فصن علمك صيانة روحك، ومالك صيانة بدنك.
وقال محمد بن إبراهيم يخاطب بعض أهله:
أظنك أطغاك الغنى فنيستني ... و نفسك والدنيا الدنية قد تنسي
فإنَّ كنت تعلو عند نفسك بالغنى ... فإني سيعليني عليك غنى نفسي
وقال أعرابي سأل آخر حاجة، فتشاغل عنه:
كدحت بأظفاري وأعلمت معولي ... فصادفت جلمود من الصخر أملسا
وأقبلت أنَّ أنعاه حتى رأيته ... يفوق فواق الموت ثم تنفسا
تشاغل لمّا جئت في وجه حاجتي ... و أطرف حتى قلت: قد مات أو عسا
فقلت له: لا بأس لست براجع ... فأفرخ تعلوه السمادير مبلسا
السمادير: أم يتراءى للإنسان عند السكر.
غيره:
لئن درست أسباب ما كان بيننا ... من الود ما شوقي إليك بدارس
وما أنا من أنَّ يجمع الله بيننا ... على خير ما كنا عليه بآيس
وقال أحد بني شيبان:
وما أنا من ريب المنون بجبا ... و ما أنا من سيب الإله بآيس
يقال: جبأ عن كذا يجبأ عنه، إذا هابه، ورجل جبأ.
وقال مهلهل:
نبئت إنَّ النار بعد أوقدت ... و استب معدك يا كليب المجلس
وتكلموا في أمر كل عظيمة ... لو كنت حاضر أمرهم لم ينسبوا
و مثله، في مدح الشيب، قول الآخر:
لا يرعك المشيب يا بنت عبد ... الله، فالشيب حلة ووقار
إنّما يحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلاها الأنوار
و سنذكر بعد ما قيل في الشيب، إن شاء الله.
و هذان البيتان من قطعة لها تعارض فيها دريد بن الصمة، وكان دريد خطب الخنساء في حياة أخويها. فأراد أخوها معاوية إنَّ يزوجها، وكان أخوها صخر غائبا في غزاة له، فأبت وقالت: لا حجة لي بهفأراد أنَّ يكرهها، فقالت:
تباكرني حميدة كل يومٍ ... بما يولي معاوية بن عمرو
فلا أعط من نفسي نصيبا ... لقد أودى الزمان إذا بصخر
أتكرهني هبلت على دريدٍ ... و قد أحرمت سيد آل بدر
معاذ الله يرصعني حبركى ... قصير الشبر من جشم بن بكر
يرى مجدا ومكرمة أتاها ... إذا عشى الصديق جريم تمر
الحبركي: القصير الجرلين، الطويل الظهر؛ والقصير الشبر: القليل الخير والعطاء. فقال دريد:
لمن طلل بذات الخمس أمسى ... عفا بين العقيق فبطن طرس
أشبهها غمامة يوم دجن ... تلألأ برقها أو ضوء شمس
فأقسم ما سمعت كوجد عمرو ... بذات الخال من جن وانس
وقاك الله يا ابنة آل عمرو ... من الفتيان أمثالي ونفسي
فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلة طرقت بنحس
وقالت إنّه شيخ كبير ... و هل خبرتها أني أبن أمس
تريد أفيحج الرجلين شثناً ... يقلع بالجديرة كل كرس
إذا عقب القدور عددن مالا ... أحب حلائل الإبرام عرس
وقد علم المراضع في جمادي ... إذا استعجلن عن حز بنهس
بأني لا أبيت بغير لحم ... و أبدأ بالأرامل حين أمسي
وإني لا يهر الضيف كلبي ... و لا جاري يبيت خبيث نفس
واصفر من قداح النبع فرع ... به علمان من عقب وضرس
دفعت إلى المفيض إذا تستقلوا ... على الركبات مطلع كل شمس
فلما مات صخر قالت الخنساء تعارض دريدا في كلمته:
يؤرقني التذكر حين أمسي ... و يردعني مع الأحزان نكسي
على صخر، وأي فتى كصخر ... ليوم كريه وطعان خلس
وعان طارق أو مستضيف ... يروع قلبه من كل جرس
ولم أر مثله رزءاً لجن ... و لم أر مثله رزءاً لإنس
أشد على صروف الدهر منه ... و أفضل في الخطوب لكل لبس
ألا يا صخر لا أنساك حتى ... أفارق مهجتي ويشق رمسي
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
ولكن لا أزال أرى عجولا ... تساعدن نائحا في يوم نحس
تفجع والها تبكي أخاها ... صبيحة رزئه أو غب أمس
يذكرني طلوع الشمس صخراً ... و أبكيه لكل غروب شمس
وقال أبو علي، عن أبن دريد: طلوع الشمس للغارات وغروبها للضيفان.
وقال الآخر:
تقوس بعد مر العمر ظهري ... و داستني الليالي أي دوس
فأمشي والعصا تهوي أمامي ... كأنَّ مواءها وتر لقوسي
و نحوه الآخر:
قوس ظهري المشيب والكبر ... و الدهر يا عمرو كله غير
كأنني والعصا تدب معي ... قوس لها وهي يدي وتر
وقال الصابئ:
وكم من يد بيضاء حازت جمالها ... يد لك لا تسود إلاّ من النقس
إذا رشقت بيض الصحائف خلتها ... تطرز بالظلماء أردية الشمس
أبن المعتز:
إني إذا لم أجد يوما مراسلة ... و ضاقت بي منتهى أمري وملتمسي
لمرسل عبرة في إثرها نفس ... يا ليت شعري هل يأتيكم نفسي
وقال أبو محمّد الحريري، رحمه الله تعالى:
جزيت من أعلق بي وده ... جزاء من يبني على اسه
وكلت للخل كما كال لي ... على وفاء الكيل أو بخسه
ولم أخسره وشر الورى ... من يومه أخسر من أمسه
وكل من يطلب عندي جنى ... فماله إلاّ جنى غرسه
لا ابتغي الغبن ولا أنثني ... بصفقة المغبون في حسه
ولست بالموجب حقا لمن ... لا يوجب الحق على نفسه
ورب مذاق الهوى خالني ... أصدقه الود على لبسه
وما درى من جهله إنني ... أقضي غريمين الدين من جنسه
فأهجر من أستبغاك هجر القلى ... و هبه كالملحود في رمسه
والبس لمن في وصله لبسة ... لباس من يرغب في انسه
ولا ترج الود ممن يرى ... انك محتاج إلى فلسه
و له أيضاً:
حيارى يميد بهم شجونهم ... كأنهم آرتضعوا الخندريسا
أسالوا الغروب وعطوا الجيوب ... و صكوا الخدود وشجوا الرؤوسا
و له أيضاً:
لعمرك ما الإنسان إلاّ أبن يومه ... على ما تجلى يومه لا أبن أمسه
وما الفخر بالعظام الرميم وإنّما ... فخار الذي يبغي الفخار بنفسه
وقال أيضاً:
لبست لكل زمان لبوسا ... و لابست صرفيه نعمى وبوسا
وعاشرت الرواة أدير الكلام ... و بين السقاة أدير الكؤوسا
وطورا بوعظي أسيل الدموع ... و طورا بلهوي أسر النفوسا
وأقري المسامع أما نطقت ... بيانا يقود الحرون الشموسا
وإنَّ شئت أرعف كفي اليراع ... فساقط دراً يحلي الطروسا
وكم مشكلات حكين إليها ... خفاء فبصرن بكشفي شموسا
وكم ملح لي خلبن العقول ... و أسأرن في كل قلب رسيسا
وعذراء فهمت بها فانثنى ... عليها الثناء طليقا حبيسا
على إنني من زماني خصصت ... بكيد ولا كيد فرعون موسى
يسعر لي كل يوم وغى ... أطأ من لظاها وطيسا وطيسا،
ويطرقني بالخطوب التي ... يذبن القوى ويشبن الرؤوسا
ويدني إلى البعيد البغيض ... و يبعد عني القريب الأنيسا
ولولا خساسة أخلاقه ... لمّا كان حظي منه خسيسا
وقال أيضاً:
و ليس كفء البدر غير الشمس
و منها:
.
والفقريلجي الحر حين يمسي ... إلى التجلي في لباس اللباس
و له:
ما لي مقر بأرض ... و لا قرار لعنسي
يوما بنجد ويوما ... بالشام أضحي وأمسي
أزجي الزمان بقوت ... منغص مسخس
فلا أبيت وعندي ... فلس ومن لي بفلس
ومن يعش مثل عيشي ... باع الحياة ببخس
غيره:
لا يصعبن عليك في طلب العلا ... طول التنقل أو فراق المكنس
فالبدر لو لم ينتقل عن برجه ... ما كان يعرف نوره في الحندس
والخمر يحجب نورها في دنها ... و تروق مهما نقلت للأكؤس
وقال أبن المرزبان:
كم ليلةٍ أحييتها ومؤانسي ... طرف الحديث وطيب حث الأكؤس
شبهت بدر سمائها لمّا دنت ... منه الثريا في ملاءة سندس
ملكا مهيبا قاعدا في روضةٍ ... حياه بعض الزائرين بنرجس
غيره:
ولم أدخل الحمام يوم فراقهم ... لأجل نعيم قد رضيت ببوسي
ولكم لتجري عبرة مطمئنة ... فأبكي ولا يدري بذلك جليسي
غيره:
تذكر أخي إنَّ فرق الدهر بيننا ... أخا في هواك الآن أصبح أو أمسى
ولا تنس بعد البعد حق مودتي ... فمثلي لا يَنسى ومثلك لا يُنسى
غيره:
أدرها على أمن ولا تخش من باس ... و إنَّ خددت آذانها ورق الآسي
وما هي إلاّ ضاحكات غمائم ... لواعب من ومض البروق بمقباس
ووفد رياح زعزع النهر مرة ... كما وطئت درعا سنابك أفراس
غيره:
بلد أغارته الحمامة طوقها ... و كساه ريش جناحه الطاووس
فكأنما الأنهار فيه مدامة ... و كأنَّ ساحات الديار كؤوس
غيره:
أكره إنَّ أدنو من داركم ... لأنني أخشى على نفسي
ضرسي طحون وعلى خبزكم ... من أكل مثلي آية الكرسي
هو الذي أقعدني عنكم ... فكيف أمشي ومعي ضرسي
غيره:
أفرط نسياني إلى غاية ... لم يدع النسيان لي حسا
فصؤت مهما عرضت حاجة ... مهمة ضمنتها الطرسا
وصرت أنسى الطرس في راحتي ... و صرت أنسى إنني أنسى
غيره:
علي ثياب دون قيمتها الفلس ... و فيهن نفس دون فيمتها الأنس
فثوبك مثل الشمس من دونها الدجا ... و ثوبي مثل من تحته الشمس
وقال أبو الطيب:
ألذ من المذام الخندريس ... و أحلى من معطاة الكؤوس
معاطاة الصفائح والعوالي ... و أقحامي خميسا في خميس
فموت في الوغى عيشي لأني ... رأيت العيش في أرب النفوس
وقال أيضاً يخاطب محمّد بن زريق الطروسي:
إني نثرت عليك درا فانتقد ... كثر المدلس فأحذر التدليسا
خير الطيور على القصور وشرها ... يأوي الخراب ويسكن الناووسا
لو جادت الدنيا فدتك بنفيسها ... أو جاهدت كتبت عليك حبيسا
وقال أيضاً:
أنوك من عبد ومن عرسه ... من حكم العبد على نفسه
وإنّما يظهر تحكيمه ... تحكم الإفساد في حسه
ما من يرى انك في وعده ... كمن يرى انك في حبسه
العبد لا تفضل أخلاقه ... عن فرجه المنتن أو ضرسه
لا ينجز الميعاد في يومه ... و لا يعي ما قال في أمسه
وإنّما تحتال في جذبه ... كأنك الملاح في قلسه
فلا ترج الخير عند امرئٍ ... جالت يد النخاس في رأسه
وإنَّ عراك الشك في نفسه ... بحال فأنظر إلى جنسه
وقال أبو العلاء المعري:
لا يوهمك أنَّ الشعر لي خلق ... و إنني بالقوافي دائم الأنس
فإنما كان إلمامي بساحتها ... في الدهر إلمام طير الماء بالعلس
العلس: حب معروف وطير الماء لا تأكل الحبوب، وإنّما تصطاد السمك الصغار. وأراد بذلك التبرئة من قول الشعر.
وقال أسقف نجران:
منع البقاء تقلب الشمس ... و طلوعها من حيث لا تمسي
وطلوعها حمراء صافيه ... و غروبها صفراء كالورس
تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت في النفس
لطيفة: حدث بعض الأدباء عن الأصمعي قال: حضرت مجلس الرشيد، وعند مسلم بن الوليد إذ دخل أبو نواس فقال له: ما أحدثت بعدنا يا أبا نواسفقال: يا أمير المؤمنين، ولو في الخمر فقال: قاتلك الله، ولو في الخمرفأنشده:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلى ولم أنم
و فيها قوله:
فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم
حتى أتى على أخرها. فقال: أحسنت يا غلام، أعطه عشرة آلاف وعشر خلعفأخذها وخرج. فلما خرجنا من عنده قال مسلم بن الوليد: ألم تريا أبا سعيد إلى الحسن بن هانئ كيف سرق من شعري وأخذ به مالا وخلعا فقالت: وأي معنى سرق قال: قوله: فتمشت في مفاصلهم . . " البيت " . فقلت: وأي شيء قلت قال: قلت:
غراء في فرعها ليل على قمرٍ ... على قضيب على غصن النقا الدهس
أذكى من المسك أنفاساً وبهجتها ... أرق ديباجة ًمن رقة النفسِ
كأنَّ قلبي وشاحها إذا خطرت ... و قلبها قلبها في الصمت والخرسِ
تجري محبتها في قلبِ وامقها ... جري السلافة في أعضاء منتكسِ
فقلت: ممن سرقت أنت هذا المعنى فقال: لا أعلم أنني أخذته من أحد. فقالت: بلىمن عمر بن أبي ربيعة حيث يقول:
أما والراقصات بذات عرقٍ ... و ربَّ البيت والركن العتيقِ
وزمزم والطواف ومشعريها ... و مشتاقٍ يحن إلى مشوقِ
لقد دب الهوى لك في فؤادي ... دبيب دم الحياة إلى العروقِ
قال: ممن سرق عمر بن أبي ربيعة قلت: من بعض العذريين حيث يقول:
واشرب قلبي حبها ومشى به ... كمشي حميم الكأس في عقل شاربِ
ودب هواها في عظامي وحبها ... كما دب في الملسوع سم العقاربِ
فقال لي: من أخذ هذا العذاري قلت: من أسقف نجران يعني السابق.
وقال أبو الفتح البستي:
يا أكثر الناس إحسانا إلى الناس ... و أكرم الناس إغضاء عن الناس
نسيت عهدك والنسيان مغتفر ... فاغفر فأول ناس أوّل الناس
وقال مسلم بن الوليد في تفضيل الورد:
كم من يد للورد مشهورة ... عندي وليس كيد النرجس
الورد يأتي ووجوه الربى ... تضحك عن ذي برد أملس
وقد تحلق بعقود الندى ... ثابتة في الأرض لم تغرس
ولن ترى النرجس حتى ترى ... روض الخزامى رثة الملبس
وتخلف النكباء ما جددت ... أيدي الغوادي في سنا السندس
وهناك يأتيك غريبا على ... شوقٍ من الأعين والأنفس
غيره:
من أحسن الظن بأعدائه ... تجرع الهم بلا كاس
قال الصفدي: ولو كنت ناظم هذا البيت لقلت: من احسن الظن بأحبابه، ولم اقل: بأعدائه.
ولله در القائل:
جزى الله خيرا كل من ليس بيننا ... و لا بينه ود ولا متعرف
فلا نالني ضيم ولا مسني أذى ... من الناس إلاّ من فتى كنت أعرف
وقال: يقال إنَّ رجلا كان على عهد كسرى يقول: من يشري ثلاث كلمات بألف ولا يجد، إلى أن اتصل بكسرى، فأحضره وسأله عنها فقال: ليس في الناس كلهم خير. قال: صدقتثم ماذا فقال: ولا بد منهمقال: صدقتثم ماذا قال: فألبسهم على حذرفقال قد استوجبت المال، فخذهقال: لا حاجة لي به، وإنّما أردت أن أرى من يشتري الحكمةوقال أبو فراس:
مالي أعاتب دهري أين يذهب بي ... قد صرح الدهر لي بالمنع والياس
أبغي الوفاء بدهر لا وفاء به ... كأنني جاهل بالدهر والناس
غيره:
لم يكفني في الرأي خيبة منظري ... حتى حرمت لذاذة الإيناس
كالأعور المسكين أعدم عينه ... و أعتاض منها بغضة في الناس
و وقال الآخر: محي الدين محمّد بن تميم في مليح ينسى كثيرا:
بروحي الذي نسيانه صار عادة ... و أفرط حتى كاد يعدمه الحشا
فلو إنّه بالهجر أضحى مهددي ... لمّا ساءني علما به إنّه ينسى
وقال الآخر:
والله ما طلعت شمس ولا غربت ... إلاّ وأنت مني وقلبي ووسواسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم ... إلاّ وأنت حديثي بين جلاسي
ولا هممت بشرب الماء من ظمأ ... إلاّ رأيتن خيالاً منك في الكأس
وقال الآخر:
إنَّ صحبنا الملوك تاهوا علينا ... و استخفوا جهلا بحق الجليس
أو صحبنا التجار عدنا إلى البؤس ... و صرنا إلى عديد الفلوس
فلزمنا البيوت نستعمل الحبر ... و نملا به وجوه الطروس
وقعنا بما رزقنا فصرنا ... أمراء على الملوك الرؤوس
فقال آخر، مذيلاً لهذا الشعر:
لو تركنا وذاك كنا ظفرنا ... من أمانينا بعلق نفيس
غير أنَّ الزمان أعني بنيه ... حسودا على حياة النفوس
و قلت أنا:
إني امرؤ لا أنثني غبنا ... يوم المصاع بصفقة الوكس
وإذا استطان البون من فرق ... لا ينزوي خلدي على رجس
وإذا الزمان أحال نائبه ... حالي عففته فلم يحل نفسي
وإذا تطاول لم
وإذا استطاب الهون محتسبا ... نذل فلست تراه في كأسي
أرعى الهبيد على القنان ولا ... أرعى بوهد أطيب الخلس
وألذ آنية المياه إذا ... كان الفرات يشاب بالكرس
وإذا استينت الخسف في بلدٍ ... يوما ومت لغيره عنسي
إنَّ البلاد لذي الحجى وطن ... و الناس كلهم بنو جنس
ويحكى إنَّ أبن سكرة في آخر أمره، لمّا مات الوزير المهلبي، سأل: ما أعددت للشتوة فقال:
قيل: ما أعددت للبرد ... فقد جاء بشده
قلت: دراعة عري ... تحتها جبة رعده
و قلت أنا فيها، وجعلتها ثمانيا:
إذا أومض البرق اليماني وأظنبت ... على الأرض من جنون الولي قباب
فلد بثمان هن في الدهر للفتى ... و قاء إذا ما نالها وحجاب:
كباب وكانون وكن وكاعب ... و كأس وكيس وكسوة وكتاب
و جمع بعضهم للصيق راآت ثمانية قابل بها كافات الشتاء، فقال:
عندي فديتك راآت ثمانية ... ألقى بها الحر إنَّ وافى وردا:
رب وروح وريحان وريق رشا ... و رفرف ورياض ناعم وردا
و قد فتن الأدباء في هذا الغرض، فجمعوا هذا النمط أعداد، كقول بعضهم:
رمتنا يد الأيام عن قوس خطبها ... بسبع وهل ناج من السبع سالم:
غلاء وغارات وغزوة وغربة ... و غم وغدر ثم غبن ملازم
و كقول أبن التعاويذي:
إذا اجتمعت في مجلس الشرب سبعة ... فبادر فما التأخير عنه صواب:
شواء وشمام وشهد وشادن ... و شمع وشاد مطرب وشراب
و قول الآخر:
عجل إلي فعندي سبعة كملت ... و ليس فيها اللذات أعوان:
طار وطبل وطنبور وطاس طلا ... و طفلة وطباهيج وطنان
و قوله:
جاء الخريف وعندي من حوائجه ... سبع بهن قوام السمع والبصر:
موز ومن ومحبوب ومائدة ... ة مسمع ومدام طيب ومري
و قول الصفدي:
إذا تبين لي في مصر واجتمعت ... سبع فإني في اللذات سلطان:
خدر وخمر وخاتون وخادمها ... و خلسة وخلاعات وخلان
و قوله:
ثمانية إنَّ يسمح الدهر لي بها ... فليس عليها بعد ذلك مطلوب:
مقام ومشروب ومزح ومأكل ... و مله ومشموم ومال ومحبوب
وقوله:
إلى متى أنا لا انفك في بلدٍ ... و رهن جيمات جورٍ كلها عطب:
الجوع والجري والجريان والجدري ... و الجهل والجبن والجرذان والجرب
و قول الآخر:
إذا كان في اسم المرء شين هوت به ... إلى الشر فليحذر أذاه المحاذر:
شريف وشيعي وشيخ وشاهد ... و شمر وشريب وشرح وشاعر
سوى الشافعي أو شاهد راق حسنه ... كذا الشهداء المتقون وشاكر
و هذه الأشعار، كما ترى، الكثير من أصحابها يقصد إلى إحراز غرض يفوته أغراض، فتجده إذا وفى بذلك الغرض تعلل به ولم يتحرز عن اللفظ الخسيس، ولا عن المقصد السقيم، ولا عن التركيب المختل، والسبك الركيك والحشو، وغير ذلك مما ينبئ إنَّ قائله متكلف رازم العارضة لين الجلدة، غير مطبوع.
وقال أعرابي يهجو قوما من طيء:
ولمّا أن رأيت بني خريقٍ ... جلوسا ليس بينهم جليس
يئست من التي أقبلت أبغي ... لديهم إنني رجل يؤوس
إذا ما قلت: أيهم لأي ... تشابهت المناكب والرؤوس
قوله: ليس بينهم جليس، أي لا ينتجع الناس معروفهم فليس فيهم غيرهم وهذا من أقبح الهجو.
وقال أبو بكر الخوارزمي:
يا من يحاول صرف الراح يشربها ... و لا يفك لمّا يلقاه قرطاس
الكأس والكيس لم يقض امتلاؤهما ... ففرغ الكيس حتى تملأ الكاسا
وقال عمرو بن معدي كرب:
أ توعدني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس
فلا تفخر بملكك، كل ملك ... يصير لذلةٍ بعد الشماس
و لنكتف بهذا القدر من هذا البابوالله يقول الحق وهو يهدي السبيل.