ذكر القاضي عبد الوهاب

ومن أعلام العلماء، وصدور القضاة الرواة، الشيخ الفقيه المالكي، أبو محمدعبد الوهاب بن نصر بن أحمد بن الحسين بن هارون البغدادي. ولي القضاءبمواضع منها الدينور. فسما قدره، وشاع في الآفاق ذكره. قال الشيرازي فيتعريفه: أدركته وسمعت كلامه في النظر. وكان قد رأى أبا بكر البصري إلا أنهلم يسمع منه شيئاً. وكان فقيهاً متأدباً. وخرج في آخر عمره إلى مصر؛ فحصلله بها حال من الدنيا. قال عياض بن موسى: قوله لم أيسمع من أبي بكر غيرصحيح، بل: قد حدث عنه، وأجازه، وتفقه على كبار أصحابه كأبي الحسن بنالقصار، وأبي القاسم بن الجلاب. ودرس الفقه والكلام والأصول على القاضيأبي بكر الباقلاني المتقدم الذكر وصحبه وألف في المذهب والخلاف والأصولتواليف بديعة مفيدة، منها كتاب التلقين، وكتاب شرحه، وكتاب شرح الرسالةوالنصرة، لمذهب دار الهجرة، وكتاب المعونة وأوائل الأدلة، في مسائل الخلافبين فقهاء الملة، وكتاب الإشراف، على نكت مسائل الخلاف، وكتاب الإفادة فيأصول الفقه، وكتاب التلخيص فيه، وغير ذلك. وعليه تفقه أبو عمر وأبو الفضلالدمشقي؛ وروى عنه هارون الفقيه، والمازري البغدادي، وأبو بكر الخطيب،وجماعة من أهل الأندلس، منهم القاضي ابن شماخ الغافقي، وصاحبه مهدي بنيوسف، وغير من ذكر.

وسبب خروجه عن حضرة بغداد، كلام نقل عنه أنه قاله في الشافعي؛ وطلب لأجله؛ فعجل بالفرار منها، خائفاً على نفسه. قال الشيرازي: وأنشد بعد ارتحاله عنها:  

سلام على بغداد في كل موطـن

 

وحق لها مني السلام المضاعف

لعمرك ما فارقتها عن قلي لهـا

 

وإني بشطي جانبيها لـعـارف

ولاكنها ضاقت علي برحبـهـا

 

ولم تكن الأرزاق فيها تساعـف

فكانت كخل كنت أهـوى دنـوه

 

وأخلاقه تنأى به وتـخـالـف

ونسب له بعضهم:

وقائلةٍ لـو كـان ودك صـادقـاً

 

لبغداد لم ترحل فكان. جـوابـيا

يقيم الرجال الموسرون بأرضهـم

 

وترمي القوى بالمفترين المراميا

وما هجروا أوطانهم عن ملاحظ

 

ولا كن حذاراً من شمات الأعاديا

ولما وصل مصر، وبنيته المغرب، وصفت له بلاده، فزهد فيها، وقد كان خاطب فقهاء القيروان ورام القدوم على الأندلس، وكتب أيضاً في ذلك إلى مجاهد الموفق صاحب دانية؛ فعاجلته منيته. وتوفي بمصر في شعبان سنة 422، وقد جاز المعترك. وحكى أنه لما أحس الموت، وهو بمصر، إثر ما اتسعت حاله، قال: لا إله إلا الله! لما عشنا متنا! غفر الله لنا وله ورحمنا وإياه!