ذكر القاضي محمد بن زياد اللخمي

ومنهم محمد بن زياد اللخمي. سمع من معاوية بن صالح سماعاً كثيراً. ولما احتضر الفقيه يحيى بن يحيى، أسند وصيته في أداء دين وبيع مال إلى ابن زياد؛ وكان هو القاضي يومئذ؛ فكان وصيه في ذلك الوجه خاصة. قال ابن حارث: وكان السبب في عزله عن القضاء ما كان من أمر ابن أخي عجب حظية الأمير الحكم. وذلك أنه شهد عليه بلفظ نطق به عابثاً في يوم غيث. فأمر الأمير عبد الرحمن بحبسه، وطلب الشهادات عليه. وأبرمته عجب عمته في إطلاقه؛ وكانت مدلة عليه لمكانها من أبيه. فقال لها: مهلاً يا أماه، فلا بد، والله! من أن نكشف أهل العلم عما يجب عليه في لفظه ذلك الذي شهد به عليه؛ ثم يكون الفصل بعد في أمره. فإنا، معشر بني مروان، لا تأخذنا في الله لومة لائم! وما نرى أن الله رفع ملكنا، وجمع بهذه الجزيرة فلنا، وأعلى فيها ذكرنا، حتى صرنا شجى في حلق عدونا، إلا بإقامة حدوده، وإعزاز دينه، وجهاد عدوه، مع مجانبة الأهواء المضلة، والبدع المردية. ثم تقدم الأمير عبد الرحمن إلى محمد بن السليم الحاجب أن يحضر القاضي محمد بن زياد، والفقهاء بالبلد. فجمعهم، وفيهم عبد الملك ابن حبيب، وأصبغ بن خليل، وعبد الأعلى بن وهب، وأبو زيد بن إبراهيم، وأبان ابن عيسى بن دينار. فشاورهم في أمر ابن أخي عجب، وأخبرهم بما كان من لفظه. فتوقف القاضي محمد بن زياد على القول بسفك دمه. وتبعه في ذلك من الفقهاء أبو زيد وعبد الأعلى وأبان. وأفتى بقتله عبد الملك بن حبيب، وأصبغ بن خليل معاً. فأمرهم محمد ابن سليم أن ينصوا فتواهم على وجوهها في صك، ليرفعها إلى الأمير، ليرى فيها رأيه. وفعلوا. فلما تصفح الأمير أقوالهم، استحسن قول ابن حبيب وأصبغ، ورأى ما رأيا من قتله. وأمر الفتى حساناً؛ فخرج إليهم؛ فقال لابن السليم: قد قهم الأمير ما أفتى به القوم من أمر هذا الفاسق. وهو يقول لك: أيها القاضي! اذهب؛ فقد عزلناك. وأما أنت، يا عبد الأعلى! فقد كان يحيى يشهد عليك بالزندقة؛ ومن كانت هذه حاله، فحرى ألا تسمع فتواه! وأما أنت، يا أبان بن عيسى! فإنا أردنا أن نوليك قضاء جيان؛ فزعمت أنك لا تحسن القضاء. فإن كنت صادقاً، فعليك أن تتعلم؛ وإن كنت كاذباً، فالكاذب لا يكون أميناً مفتياً! ثم قال حسان لصاحب المدينة: يأمرك الأمير أن تخرج الآن مع هذين الشخصين عبد الملك وأصبغ؛ فتأمر لهما بأربعين من الغلمان ينفذون لهما في هذا الفاسق ما رأياه! ثم أخرج المحبوس، ووقفا معاً حتى رفع فوق خشبة، وهو يقول لعبد الملك: يا أبا مروان! اتقوا الله عز وجل! في دمي! فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وعبد الملك يقول: الآن وقد عصيت! حتى طعن. وانصرفا.