ومن القضاة بعد ابن ذكوان، أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس. وقد كان تقلد خطة المظالم بعهد المنصور محمد بن أبي عامر؛ فكانت أحكامه شداداً، وعزائمه نافذة؛ وله على الظالمين سورة مرهوبة. وشارك الوزراء في الرأي؛ إلى أن ارتقى إلى ولاية القضاء بقرطبة، مجمعاً إلى خطة الوزارة والصلاة؛ وقل ما اجتمع ذلك لقاض قبله بالأندلس. ولقد بلغني أن عبد الرحمن بن بشر، قاضي آل حمود، خاطب ابن هشام، قاضي القيروان، في بعض ما يكاتب له القضاة من أمر الحكومة؛ وكان ابن بشر ممن احتمل إلى خطة القضاء خطة الوزارة، وأثبتهما معاً في العقد الذي أدرجه في كتابه إلى ابن هشام، مقدماً ذكر الوزارة على القضاء؛ وذلك كان رسمها عند ملوك بني مروان؛ فلما قرأ العقد، رمى بالكتاب وقال: ما عهدنا وزراء القوم تنفذ أحكامهم! وترك النظر في تلك الحكومة. وتعجل منه قاضي الأندلس مخزاة وهجنة. وكان له بداره مجلس عجيب الصنعة، حسن الآلة، ملبس كله بالخضرة: جدراته وأبوابه. وسقفه وفرشه وستوره ونمارقه، وكل ذلك متشاكل الصفات، قد ملأه بدفاتر العلم ودواوين الكتب التي ينظر فيها ويخرج منها؛ وبهذا المجلس كان أنسه وخلوته رحمه الله!