ذكر القاضي أبي الأصبغ عيسى بن سهل

ومن القضاة بغرناطة، أيام دولة الصناهجة، الشيخ الفقيه أبو الأصبغ عيسى بن سهل بن عبد الله الأسدي. ذكره ابن بشكوال؛ فقال فيه: سكن قرطبة. وأهله من جيان، من وادي عبد الله من عملها. روى عن أبي محمد مكي بن أبي طالب، وأبي عبد الله بن عتاب الفقيه وتفقه معه، وانتفع بصحبته وعن أبي عمر بن القطان، وأبي مروان بن مالك، وأبي القاسم بن محمد بن حاتم، وابن شماخ، وأبي زكرياء القليعي وغيرهم. وكان من جلة الفقهاء، وكبار العلماء، حافظاً للرأي، ذاكراً للمسائل، عارفاً بالنوازل، بصيراً بالأحكام، متقدماً في معرفتها. وجمع فيها كتاباً حسناً مفيداً، يعول الحاكم عليه. وكتب للقاضي أبي زيد الحشاء بطليطلة؛ ثم للقاضي أبي بكر بن منظور بقرطبة. وتولى الشورى بها مدة. ثم ولي القضاء بالعدوة. ثم استقصى بغرناطة. وتوفي مصروفاً عن ذلك يوم الجمعة، ودفن في يوم السبت الخامس من المحرم سنة 486. ومن الكتاب المسمى بالتبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بني زيري في غرناطة، تصنيف أميرها عبد الله بن بلقين بن باديس بن حبوس، وقد تكلم في أمر المرابطين؛ فقال ما معناه: إن أمير المسلمين يوسف بن تأشفين، لما استقر بسبته، يروم عبور البحر برسم الجهاد في الأندلس، وجه إليه الأمير عبد الله المتقدم الذكر قاضيه ابن سهل رسولاً، في معرض الهناء له، والتلقي بالرحب، والإعلام عن الأمير الذي أرسله بالمسارعة إلى ما يذهب إليه في جهاده؛ فقابله بالمبرة والكرامة، وقال له: لست من يكلف أحداً فوق طاقته! دهاء منه وحذقاً. وحين ظهر لابن سهل، على ما حكاه الأمير في الكتاب، ما تحققه من خلاف جند مرسله، واختلال أنفس أهل بلدته، قدم بنفسه عند يوسف بن ناشفين، وتفرب إليه، وأعلمه أن القطر ليس عليه فيه مختلف. ولما كان من ظهور المسلمين على الروم ما كان، وانقلب الأجناد بعد ذلك، ودانوا المرابط بالطاعة، فتملك عز ونعمة، ورجوا أن يكونوا عنده في أعلى مرتبة، أهملهم، وقطع، وقال: ما نصحوا مولاهم رب الإحسان عليهم! فكيف يكون حالهم مع غيره؟ وعلى إثر ذلك أخر ابن سهل عن القضاء، فالتزم داره إلى وفاته تجاوز الله عنا وعنه، وغفر لنا وله!