باب الشين المعجمة

أشأم من البسوس.
الشؤم ضد اليمن، الشؤم الرجل بالضم على قومه وشئم عليهم بالبناء للمجهول: صار شؤما عليهم، وهو مشؤوم ومشوم والجمع مشائيم. قال الشاعر:

مشائيم ليسوا مصالحين عشيرة ... و لا ناعب إلاّ ببين غرابها

و شأمهم وشأم عليهم بالفتحح فيهما فهو شائم؛ والبسوس بالفتح الناقة لا تدر إلاّ بالابساس أي التلطف بها بأن يقال لها: بس، بسكما مر. والبسوس أيضاً امرأة مشومة، وهي المضروب بها المثل.
وكانت هذه المرأة أعطي زوجها ثلاث دعوات مستجابات، فقالت له: اجعل لي واحدة منهمقال:: نعم فما تريدين قالت: أدع الله أن يجعلني اجمل امرأة في بني إسرائيلففعل فرغبت عنه وهت بسيئ فدعا الله إنَّ يجعلها كلبة نباحة. فجاءه بنوها وقالوا: ما لنا على هذا من قرار يعيرنا بها الناس، فادع الله إنَّ يعدها إلى حالهافدعا لها فهبت الدعوات كلها بشؤمها.

أشأم من بني بسوس.
ويقال أشام من البسوس. والبسوس أيضاً اسم امرأة من العرب، وهي خالة جساس بن مرة. وكان لمرة هذا عشرة من الولد، منهم جساس، ونضلة والحارث وهمام بنو مرة وهم من بني بكر بن وائل. وكان كليب بن ربيعة التغلبي من العزة والشرف في وائل بالمحل الذي لم يدرك وكان تحت كليب جليلة بنت مرة أخت جساس وكان لكليب حمى حماه لا يقربه أحد. ثم إنَّ جساس جاءته خالته البسوس فنزلت عليه، وكان لها أبن، وناقة يقال لها سراب بفصيلها. فدخلت سراب حمى كليب، فوجدها فيه وقد كسرت بيض حمر قد أجارها. فرماها بسهم فأصاب ضرعها. ويقال إنّه سأل عن الناقة فقيل له إنّها لخالة جساس، فقال: أو يبلغ من قدره إنَّ يجير دون إذني وكان لا يجير أحد إلاّ بإذن كليب. فقال: يا غلام، ارم ضرعهافرماه بسهم وقتل فصيلها، ونفى ابل جساس عن المياه وطردها على شبيث والاحص، وهما ماءان، حتى بلغ غدير الذئاب، فجاء جساس فقال: نفيت عن المياه مالي حتى تهلكهفقال كليب: أنا للمياه شاغلون فقال استحللت تلك الإبلفعطف عليه جساس فرسه فطعنه. فلما أحس بالموت قال: يا جساس، اسقني ماءفقال: تجاوزت شبيبا والأحصوآحتز رأسه وجاء مسرعا. فقالت أخته لأبيه: إنَّ جساس جاء خارجة ركبتها. فقال: والله وا خرجتا إلاّ لأمرفلما بلغه قال: ما وراءك قال: طعنت طعنت لتشغلن شيوخ وائل رقصاقال: فتلت كليباً قال: نعمقال: وددت انك وأخوتك متم قبل هذاما بنا إلاّ أنَّ تتشاءمنا وائلثم لقيه أخوه نضلة فقال:

وإني قد جنيت عليك حربا ... تغيض الشيخ بالماء القراح

فأجابه نضلة:

فإنَّ تك قد جنيت علي حربا ... فلا وانٍ ولا رث السلاح

و كان أخوه همام قد آخى مهلهلا، أخا كليب، وعاهده إلاّ يكتمه شيئاً. فجاءته أمه له وعنده مهلهل، فأسرت إليه الخبر. فقال الملهل: ما قالت فلم يخبره، فذكر العهد فقال أخبرت أنَّ جساسا قتل أخاك كليبا. فقال: أست أخيك أضيق من ذلكفقال مهلهل في ثأر أخيه، واجتمعت أشراف تغلي وأتوا مرة فتكلموا في القصاص من جساس وإخوانه. فذهب مرة إلى الدية فغضبت تغلب ووقعت الحرب بينهم أربعين سنه حتى ضربت بها العرب المثل الشؤم والشدة. وهي التي يقال لها حرب البسوس. ومن جملة ما وقع بينهم خمس وقائع عظام، أولاها يوم عنيزة، وهو المذكور في قصيدة مهلهل الرائية المشهورة، حيث قال:

كأنا غدوة وبني أبينا ... ببطن عنيزة رحيا مدير

و آخرها قتل جساس بن مرة. وكان سبب قتله أنَّ نساء تغلب لمّا اجتمعن للمأتم على كليب، قلن لأخت كليب: رحلي جليلة عن مأتمك، فإنَّ قيامها عار علينا وشماتة بنافقالت لها: اخرجي يا هذه عن مأتمنا، فإنك شقيقة قاتلنافرحلت وهي حامل. فولدت غلاما وسمته هرجسا، ورباه جساس، فكان لا يعرف أبا غيره، فزوجه ابنته. فوقع يوما بينه وبين بكري كلام، فقال البكري: ما أنت بمنته حتى الحقك بأبيك فأمسك عنه ودخل إلى أمه فسألها الخبر. فلما أوى إلى فراشه وضع أنفه بين ثديي زوجته وتنفس تنفسة نفط ما بين ثدييها من حرارتها. فقامت الجارية فزعة ودخلت إلى أبيها فأخبرته فقال: ثائر ورب الكعبةفلما أصبح أرسل إلى الهجرس فأتاه فقال: إنما لأنت ولدي ومعي وقد كانت الحرب في أبيك زمنا طويلا حتى تفانيا وقد اصطلحنا الآن. فانطلق معي حتى نأخذ عليك ما أخذ علينافقال: نعم ولكن مثلي لا يأتي قومه إلاّ بسلاحفأتيا جماعة من قومهما فقص عليهم جساس ما كانوا فيه من البلاء وما صاروا إليه من العافية ثم قال: هذا أبن أختي قد جاء ليدخل فيما دخلتم فيه. فلما قربوا الدم أخذ بوسط رمحه وقال: وفرسي وأذنيه ورمحي ونصليه وسيفي وغراريه ودرعي وزريهلا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه. ثم طعن جساسا فقتله ولحق بقومه.فكان آخر قتيل نتهم.
وفي هذه القصة اضطراب كغيرها من الحكايات الجاهلية.

أشأم من خوتعة.
خوتعة بالتاء المثناة على مثل جوهرة هو رجل من بني عقيلة ذل كنيف بن عمر التغلبي وأصحابه على بني الزبان الذهلي لترةً كانت لهم في عمرو بن الزبان فقتلهم. وتقدم شرح القصة وما يعرف به وجه الشؤم في حرف الهمزة.

أشأم من الأخيل.
الأخيل هو الشقراق وقيل طائر آخر وهو مشؤوم وجمعه خيلٌ بكسر الخاء.

أشأم من داحس.
داحس بوزن فاعل فرس لقيس بن زهير وعليه وقعت المسابقة بينه وبين أبني حذيفة حتى هاجت الحرب بذلك بين عبس وذبيان أربعين سنة. ويقال لهذه الحرب حرب داحس. وتقدم تفسير القصة في حرف التاء.

أشأم من الدهيم.
الدهيم بوزن الزبير الداهية؛ والدهيم أيضاً: الأحمق؛ والدهيم أيضاً: ناقة عمرو بن الزبان الذهلي قتل هو واخوته وحملت رؤوسهم عليها وقالوا: أشأم من الدهيم. وتقدم أنَّ خوتعة هو الذي ذل عليهم. والقصة في حرف الهمزة.
وذكر أبو عبيد أنَّ هذا هو الأصل في إطلاق الدهيم على الداهية.
وذكر البكري أيضاً هذه القصة فقال: كان من خبر الدهيم أنَّ مالك بن كرمة الشيباني لقي كنيف بن عمرو وكان مالك نحيفا وكان كنيف ضخما. فلما أراد مالك أسر كنيف اقتحم كنيف عن فرسه لينزل إليه مالك فيبطش به. فأوجره مالك السنان وقال: والله لتستاسرن أو لأقتلنك. فأدركهما عمرو بن الزبان فاختصما فيه هو ومالك فقالا: قد حكمنا كنيفا. فقال: من اسرك يا كنيف فقال: والله لولا مالك لكنت في أهليفلطمه عمرو بن الزبان فغضب مالك وقال: أتلطم أسيري ثم قال: إنَّ فاءك يا كنيف مائة ناقة وقد وهبتها لك بلطمة عمرو وجهكفجز ناصيته وأطلقه. ولم يزل كنيف يطلب عمرو بن الزبان باللطمة حتى دله عليه رجل من عقيلة وقد ند لهم إبل. فخرج عمرو واخوته في طلبها وأدركها وذبحوا حوارا واشتووه وجعلوا يأكلون. فغشيهم كنيف في ضعف عددهم. فلما كشف كنيف عن وجهه قال له عمرو: يا كنيف إنَّ في خدي وفاء من خدك وما في بكر بن وائل أكرم من خدي. فلا تشب الحرب بيننا وبينكفقال: كلاأو أقتلك وأقتل اخوتك. فقتلهم وجعل رؤوسهم في مخال وعلقها على ناقة لهم يقال لها الدهيم فجاءت الناقة إلى الحي على نحو ما ذكرنا في الهمزة. فضرب حمل الدهيم مثلا في البلايا العظام.

أشأم من سراب.
سراب بوزن قطام هي ناقة البسوس خالة جساس بن مرة قاتل كليب وبسببها وقعت حرب البسوس. فتشاءمت العرب بها وتقدم آنفا شرح القصة. وهذا المثل هو المحفوظ في هذه القصة.
وأما قولنا أوّلاً: أشأم من بني بسوس فهو على ما وقع في كلام بعض الأدباء وليس بجيد لأن المتشاءم به هو إما البسوس نفسها لا بنوها وأما ناقتها سراب كما هنا. ولو قيل: أشأم من بني مرة وهم جساس وإخوته لكن أيضاً صحيحا كما قال مرة لجساس حين قتل كليبا: ما بنا إلاّ أن تتشاءم منا أشياخ وائلوقدم هذا كله.

أشأم من الشقراء.
الشقراء مؤنث أشقر وهي هنا علم فرس شيطان بن لاطم قتلت وقتل صاحبها فقالوا: أشأم من الشقراء. وفيها كلام تقدم في الهمزة.

أشأم من طويس.
طويس على مثل زبير مخنث كان بالمدينة وكان اسمه طاووسا. فلما تخنث سمي طويسا وهو مصغره بحذف الزوائد ويكنى أبا عبد المنعم. ويقال إنه أول من غنى في الإسلام. وكان يقول: إنَّ أمي كانت تمشي بالنمائم بين النساء الأنصار فولدتني في الليلة التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفطمتني يوم مات أبو بكر وبلغت الحلم يوم مات عمر وتزوجت يوم قتل عثمان وولد لي يوم قتل علي. فمن مثلي ويقال إنه قال: يا أهل المدينة توقوا الدجال ما دمت بين أظهركم فإذا مت فقد أمنتم لأني ولدت في الليلة التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ ما مر. وكان يقول في نفسه: أنا أبو عبد المنعم أنا طاووس الجحيم أنا أشأم من يمشي على ظهر الحطيم إلى غير ذلك مما لا نطول به من أخباره.

أشأم من عطر منشمٍ.
العطر بالكسر معروف وتقدم في حرف الباء؛ ومنشم على مثل مجلس امرأة كانت بمكة عطارة وهي بنت المجية. وكانت خزاعة وجرهم إذا اقتتلوا تطيبوا من عطرها. فكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فقالوا:أشأم من عطر منشم.
وقال زهير بن أبي سلمى:

تداركتما عبساً وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشمِ

والمنشم أيضاً بكسر الشين وفتحها عطر صعب القرآن وقيل هو قرون السنبل سم ساعة وحمل عليه بيت زهير المذكور.

أشأم من غراب البين.
غراب البين قيل هو الحمر النقار والرجلين وقيل الأبقع منها وهو الذي في صدره بياض. قال عنترة:

ضعن الذين فراقهم أتوقع ... وجرى بينهم الغراب الأبقعُ

و إنّما قال ذلك لأنه سمع نعيبه قبل رحيلهم فتشاءم به والعرب تتشاءم به. وسموه غراب بين لأنه بان عن نوح عليه السلام لمّا وجهه لتنظر إلى الماء فذهب ولم يرجع ولذلك تشاءموا به. وقيل لأنّه ينعب في منازلهم إذا بانو عنها وينزل في مواضع إقامتهم إذا ارتحلوا منها. فلما كان يوجد عند بينونتهم اشتقوا له اسما من البينونه وتشاءموا به لإنذاره بالبين وإعلامه بالفراق من كلام عنترة. وعلى هذا كل غراب فهو غراب البين. وقد قيل إنّما اشتقت الغربة والاغتراب والغريب من الغراب وأهل الزجر يلمحون ذلك ويتطيرون به كما قال قائلهم:

وصاح غرابٌ فوق أعواد بانةٍ ... بأخبار أحبابي فقسمني الفكر
فقلت: غراب لاغترابٍ وبانةٌ ... ببين النوى تلك العيافة والزجرُ
وهبت جنوبٌ باجتنابي منهم ... و هاجت صباً قلت: الصبابةُ والهجر

وقال الإمام المقدسي في وصف غراب البين: هو غراب أسود ينوح نوح الحزين المصاب وينعق بين الخلان والأحباب إن رأى شملا مجتمعا أنذر بشتاته ربعاً عامرا أنذر بخرابه ودروس عرصاته يعرف النازل والساكن بخراب الدور والمساكن ويحذر الآكل غصة المأكل ويبشر الراحل بقرب المراحل ينعق بصوت فيه تحزين كما يصيح بالتأذين. وأنشد على لسان حاله:

أنوح على ذهاب العم مني ... و حق أن أنوح وأن أنادي
وأندب كلما عاينت ربعاً ... حدا بهم أوشك البين حادي
و تقدم تمام هذه القصيدة في الدال.

أشأم من قدارٍ.
قدار بالقاف والدال المهملة على مثل غراب هو قدار بن سالف عاقر الناقة والقدار: الجزار. وقد قيل إنَّ قدارا هذا كان جزارا.
وقد يقال في المثل: أشأم من أحمر ثمود وهو قدار المذكور. قال زهير:

فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطمِ

قيل: أراد " أحمر ثمود " فغلط. وقيل ثمود من عاد وكان من خبره في عقر الناقة على اختصار أنَّ ثمودا كانت تبني على طول أعمارها. فاتخذوا من الجبال بيوتا يسكنوها في الشتاء كما قال الله تعالى وبنو قصرا يسكنونها في الصيف. فلما بعث الله إليهم صالحا على نبينا وعليه الصلاة والسلام قال له زعيمهم: إن كنت صادقا فأظفر لنا من هذه الصخرة ناقة على صفة كيت وكيتفأتى الصخرة فتمخضت كالحامل وانشقت عن الناقة ثم تلاها سقبها. فآمن به كثير منهم. فكان شربها يوما وشربهم يوما. فإذا كان يوم شربها حلبوها فملؤوا من لبنها كل إناء ووعاء. فلما امتنعت إياهم من الماء في يوم شربها استثقلوها. وكان فيهم امرأتان: عنزة وصدوق بذلنا أنفسهما لقدار على أن يعقر الناقة. وكان قدار أشقر أزرق قصيرا. وكان له صديق يعينه على الفساد في الأرض وكانا في تسعة من أهل الفساد. فضرب قدار عرقوبها بسيفه وضرب صاحبه العرقوب الآخر والتهموا لحمها. فخرجت ثمود إلى صالح وتزعم أنها لا ذنب لها.
فقال: انظروا هل تدركون فصيلها، فعسى أنَّ يرفع العذابفالتمسوه، فصعد إلى جبل يقال له الغارة، وطال الجبل به السماء حتى ما تناله الطير وبكى، ثم أستقبلهم ورغا ثلاثا صالح: دعوة أجهلها ذاك تمتعوا في داركم ثلاثة أيام. ذلك وعد غير مكذوبوآية ذلك أنَّ تصبح وجوههم في اليوم الأول مصفرة، وفي الثاني محمرة، وفي الثالث مسودة. فلما رأوا صدقه في أوّل يوم أرادوا قتله، فمنع منهم. فلما رأوا صدقه في الثالث تجملوا وتكفنوا وبكوا وضجوا، وجعلوا ينظرون من أين يأتيهم في ديارهم جاثمين. فعقروها يوم الأربعاء وأصيبوا يوم الأحد.
قيل :و إنّما أصيبوا والمذنب بعضهم، لأنهم رضوا فعله، أي فصاروا كلهم مذنبين بذلك. وبلدهم بين الشام والحجاز إلى ساحل البحر الجبشي. وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقريتهم ونهى الناس عن دخولها، ولمّا رأى صالح إنّها دار سخط ارتحل بمن معه إلى مكة. فلم يزالوا بها حتى توفاهم الله تعالى. قيل: قبورهم في غربي البيت بين دار الندوة والحجر. وقال الشاعر:

كانت ثمود ذوي عز ومكرمةٍ ... ما إنَّ يضام لهم في الناس من جار
فأهلكوا ناقة كانت لربهم ... قد أنذروها فكانوا غير أبرار

وقال الآخر في المثل المذكور:

وكان أضر فيهم من سهيل ... إذا أوفى وأشأم من قدار

و مراد هذا الشاعر،، بصدر البيت، ما يزعمون من إنَّ أكثر موت البهائم يكون عند طلوع سهيل. قال أبو الطيب:

وتنكر موتهم وأنا سهيل ... طلعت بموت أولاد الزناء

وقال أبو العلاء:

لا تحسبي إبلي سهلا طالعا ... بالشام فالمرئي شعلة قابس
بل وغير البهائم أيضا، كما قال الأول: بال سهيل في الفضيخ ففسد

أشأم من قاشرٍ.
قاشر بالقاف والشين على وزن صاحب قال الجوهري: وهو فحل كان لبني عوافة بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وكانت لقومه ابل تذكر. فاسطرقوه رجاء أنَّ تؤنث، فماتت الإبل والنسل. وقال الحريري: هو فحل كان في بعض قبائل سعد بن زيد أبن مناة، ما طرق إبلا إلاّ ماتت.
وقيل: المراد به العام المجدب. وسمي قاشر لقشرة وجه الأرض من النبات. انتهى. قلت: والمعروف في اللغة إنَّ العام المجدب يقال له القاشور. قال الراجز:

وابعث عليهم سنة قاشوره ... تحتلق المال أحتلاق النورة

و القاشور أيضاً: المشؤوم. ويقال: قشرتم إذا شأمهم.

شب عمرو عن الطوق.
الشباب: الفتاء يقال شب الغلام يشيب شباباً؛ وعمرو هو أبن عدي بن نصر اللخمي، أبن أخت جذيمة، أوّل ملوك لخم بالحيرة، بعد خاله جذيمة، كما تقدم ذلك في قتله للزباء؛ والطوق بالفتح حلي يجعل للعنق، وكل ما أستدار بالشيء. وكان من خبر عمرو في الطوق إنَّ جذيمة بلغه أنَّ غلاما من لخم يقال له عدي بن نصر عند أخواله من أيادٍ غاية في الظرف والأدب. وكان جذيمة قد أغار على أياد، فسرقت أياد صنمين كانا لجذيمة مشهورين. ثم عاهدوا على أنَّ يردوا إليه صنمية وأنَّ لا يغزوهم أبدا في قصة مشهورة. فشرط عليهم أنَّ يبعثوا مع الصنمين بالغلام الموصوف. فلما انتهى إليه ولاه مجلسه وكأسه والقيام على رأسه. فتعشقته رقاش بنت مالك، أخت جذيمة فقالت له: يا عدي، إذا سقيتهم فأمزج لهم وعرق الملكأي امزج له قليلا كالمعروق فإذا أخذت منه الخمر فأخطبني له وأشهد الجماعة ففعل الغلام، وزوجه جذيمة وأشهد عليه. فانطلق إليها وعرفها. فعلمت إنّه سينكر إذا أفاق، فقالت له: أدخل لأهلكفبات عدي معرسا بها، وأصبح في ثياب جدد. ودخل على جذيمة فقال: ما هذه الآثار، يا عدي قال: آثار العرس. قال: أي عرس قال: عرس رقاش. فنخر جذيمة وأكب لوجهه غضبا. فهرب عدي ولحق بقومه، وبقي هناك حتى مات وقيل: بل أدركه جذيمة فقتله وبعث إلى أخته رقاش يقول:

حدثيني وأنت لا تكذبيني ... أبحر زنيت أم بهجين
أم بعبد فأنت أله لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون

فقالت له: زوجتني كفئاً كريما من أبناء الملوكوقالت تجيبه:

أنت زوجتني وما كنت أدري ... و أتاني النساء للتزيين
ذاك من شربك المدامة صرفا ... و تماديك في الصبا والمجون

ثم إنّه جعلها في قصره، فاشتملت على حمل، فولدت وسمته عمرا ورشحته، فلما ترعرع حلته وعطرته وألبسته كسوة وأزارته خاله. فأعجب به وألقيت عليه منه محبة وقيل تبناه، وكان لا يولد له. وخرج جذيمة في عام مخصب وبسط له في روضة، وخرج عمرو بن عدي في غلمة يجنتون الكمأ، فكان منهم من وجد طيبة أكلها، وعمرو إذا أصابها خبأها. ثم أقبلوا يسرعون، وعمرو يقدمهم وهو يقول:

هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه
فالتزمه جذيمة وحباه.
ثم إنَّ الجن استهوت عمراً ففقد فطلبه جذيمة في آفاق الأرض، فلم يسمع له خبرا حتى أقبل رجلان من بلقين وهما مالك وعقيل، ابنا فالح من الشام يريدان الملك بهدية ومعهما قينة يقال لها أم عمرو. فبينما هما على ماء، وقد هيأت لهما القينة طعاما وجعلا يأكلان، إذ أقبل رجل أشعت الرأس قد طالت أظفاره وساءت حاله. فناولته القينة طعاما وسقت صاحبيها. فقال عمرو: اسقنيفقال: لا تطعم العبد الكراع، فيطمع في الذراعوأوكت سقاءها. فقال عمرو:

صددت الكأس عنا أم عمرو ... و كان الكأس مجراها اليمينا
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصحابك الذي لا تصحبينا

فقالا له: من أنت يا فتى قال أنا عمرو بن عدي. فأخذاه وغسلا رأسه وقلما أظفاره وأخذا من شعره وقالا: ما كنا لنهدي إلى الملك هدية هي عنده أنفس ولا هو عليها أكثر صفدا من أبن أختهوحملاه معهما حتى بلغاه جذيمة. فسر به سروراً شديداً وصرفه إلى أمه وقال: تمنيا عليفقلا: منادمتك، ما بقيت وما بقينا. فنادمهما. ويقال انهما أقاما في منادمه أربعين سنة يحدثانه، فما أعادا عليه حديثا. وهما ندما جذيمة المشهوران المضروب بهما المثل في شدة الألفة والمصاحبة، في قول أبي خراش:

تقول: أراه بعد عروة لا هيا ... و ذلك زرء لو علمت جليل
فلا تحسبني أنَّ قد تناسيت عهده ولكن صبري يا أميم جميل
ألم تعلمي أنَّ قد تفرق قبلنا ... نديما صفاء: مالك وعقيل

و في قول متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكا:

وكنا كندماني جذيمة حقبه ... من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا
فلما تفرقا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

و في قول بعض المحدثين:

نحن كنا في التصافي ... مثل ندماني جذيمه
فأتى الصرم بيوم ... دونه يوم حليمه
تقدح الأيام حتى ... في المودات القديمه

وكان قبل ذلك جذيمة لا ينادم أحدا، زهوا وكبرا، ويقول: هو أعظم من أن ينادم إلاّ الفرقدينفكان يشرب كأسا ويريق للفرقدين كأسا. ثم إنَّ رقاش أخذت ابنها عمرا وأدخلته الحمام. فلما خرج ألبسته من فاخر الثياب وجعلت في عنقه طوقا من ذهب كان له، وأمرته بزيارة خاله. فلما رأى جذيمة لحيته، والطوق في عنقه، قال: شب عمرو عن الطوقوقيل إنّها لمّا أرادت أنَّ تعيد الطوق عن عنقه قال لها جذيمة: كبر عمرو عن الطوقفذهبت مثلا يضرب للابس ما دون قدره.

أشبه من الغراب بالغراب.
أشبه بالكسر والشبه بفتحتين، والشبيه: المثل، وجمعه اشباه؛ وشابهه، وأشبهه: ماثله؛ واشتبها وتشابها: تماثلا؛ وشبهته إياه وبه تشبيها مثله؛ والغراب تقدم. ولمّا كانت الغرابان غالبا على صفة واحدة ولون واحد، وحصل بينها تشابه مطرد وتساو متفق، فضربوا بتساويها المثل فقالوا: فلان أشبه بفلان من الغراب بالغراب: ومنه قول الغرابة، من المبتدعة، إنَّ عليا أشبه النبي صلى الله عليه وسلم من الغراب بالغراب. وبدعتهم معروفة تحاشينا عن تلويث الكتاب بها، لعنهم الله وأخلى منهم الأرض

أشبه شرج شرجا لو إنَّ أسميراً.
الشبه مر، والشرج بفتح الشين المعجمة وسكون الراء بعدها جيم واد باليمن والشرج مسيل الماء من الحرة إلى السهل مطلقا، وله معان أخر. وأما الشرج بفتحتين فهو مسيل الوادي، وأسمير تصغير اسمر بضم الميم والأسمر جمع سمرة وهو الشجر المعروف يقال سمرة والجمع سمر وسمرات وأسمر، وتصغيره أسيمر.

وهذا المثل يضرب في الشيئين يتشابهان ويفترقان. وكان أصله أنَّ لقمان بن عدا قال للقيم بن لقمان: أقم هاهنا حتى أنطلق إلى الإبلفنحر لقيم جور فأكلها ولم يخبئ شيئاً للقمان، فخاف لومه فحرق ما حوله من السمر الذي بهذا الوادي، وهو شرج ليخفي ذلك المكان. فلما جاء لقمان: جعلت الإبل تثيل الجمر بأخفافها، فعرف لقمان ذلك المكان وأنكر ذهاب السمر منه، فال حينئذ: أشبه شرج شرجا لو إنّه أسيمرا

شتى تؤوب الحلبة.
الشتى جمع شتيت، وهو المفترق. وقال رؤبه يصف إبلا:

جاءت معا وأطرقت شتيتا ... و هي تثير الساطع السختيتا

و الأوب: الرجوع يقال: آب يؤوب أوبا وإيابا والحلبة جمع حالب وحلب الناقة والشاة معروف.
والمعنى انهم إذا ذهبوا اجتمعوا، وإذا قضوا مآربهم رجعوا متفرقين. ومضربه ظاهر.

أشجع من الديك.
الشجاعة معروفة، شجع الرجل بالضم فهو شجاع كغراب والديك معروف

يشج مرة ويأسو أخرى
الشج معروف، والأسو: المداواة، أساه، يأسوه أسوا: داواه، وآسى بين القوم أصلح، فمعنى المثل إنّه يفسد أحيانا ويصلح أحيانا، ويضرب لمن يصيب مرة ويخطئ أخرى، أو يضر مرة وينفع أخرى، ونحو ذلك ونظمه صالح بن عبد القدوس فقال:

قل للذي لست أدري من تلومه: ... أ ناصح أم على عيش يداجيني
إني لأكثر مما سمتني عجبا ... يد تشج وأخرى منك تأسوني
لو كنت أعلم منك الودهان له ... علي بعض الذي أصبحت توليني
لا أسأل الناس عما في ضمائرهم ... ما في ضميري لهم من ذاك يكفيني
أرضى عن المرء ما أصفى مودته ... و ليس شيء من البغضاء يرضيني
لا أبتغي ود يبغي مقاطعتي ... و لا ألين لمن لا يبتغي ليني

الشجاع موقى والجبان ملقى.
معناه إنَّ الشجاع مع إقدامه وتعطيه المهالك بنفسه، محفوظ غالبا والجبان مع مثرة حذره هالك قال البكري: وهذا كما روي عن أبي بكر وعن علي، رضي الله عنهما: أحرص على الموت توهب لك الحياةوقال الشاعر:

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... انفسي حياة مثل أنَّ أتقدما

انتهى.
قلت: ومثله شاع اليوم في ألسنه العامة، يقولون: متى طلب الرجل إنَّ يموت لم يجد قاتلا؛ غير أنَّ ما ذكره البكري في البيت الحصين بن الحمام المذكور محتمل وأظهر منه إنَّ يريد بالحياة عند التقدم ما يكتسبه من شرف الذكر الباقي بعده. فإنَّ بقاء الاسم والذكر والمآثر والمفاخر حياة انفع عند ذوي الهمم من حياة الجسم مع سبة الفرار واللوم. فكأنه يقول: تأخرت أستبقي حياة جسمي فبدالي الله تعالى الحياة الأخرى افضل لي. ولو كان على ما قاله البكري لم يكن لافتخاره محل لأنّه إنّما يطلب الحياة بإقدامه ولم يقدم شجاعة ولقاء بأس فإقدامه كالفرار ولا فضيلة له وهذا باطل.و قد قال بعد هذا البيت:

وليس على الإدبار تدمى كلومنا ... و كان على أقدامنا تقطر الدما

و قول أبي الطيب:

يرى الجبناء أنَّ الجبن حزمٌ ... و تلك خديعة الطبع اللئيمِ
وحتما.

شحمتي في قلعي.
الشحمة: القطعة من الشحم وهو معروف؛ والقلع بفتح القاف وسكون اللام وتحرك أيضاً شيء يجعل فيه الراعي زاده وأداته يشبه الكنف بكسر الكاف وهو وعاء أدوات الراعي. قال الراجز:

يا ليت أني وقشاماً نلتقي
و هو على ظهر البعير الأورقِ
وأنا فوق ذات غربٍ خيفق
ثم اتقي وأي عصر اتقي
بعلبةٍ وقلعه المعلقِ

يضرب هذا المثل في الشيء يكون في ملكك وحوزك تتصرف فيه كيف شئت كما أنَّ الشحمة إذا كانت في قلعك كذلك.

شحيمةٌ في حلقي.
الشحيمة تصغير الشحمة وتقدم؛ والحلق بفتح الحاء المهملة الحلقوم. وهذا المثل مما وضع على لسان الذئب. يقولون: قيل للذئب: ما رأيك في غنيمة ترعاها جويرية قال: شحيمةٌ في حلقي يعني إنّها حاصلة بلا تعب وصغرها تقللا واستسهالا. قيل: فغنيمة يرعاها غليم. قال شعراء في إبطي أخشى حظواته. الشعراء ذباب أزرق له لدغ يقع على الإبل والدواب والحظوات سهام صغار من قصب لينة يتعلم بها الغلمان؛ وكذلك الجماح ولا نصل له.
قال الشاعر:

أصابت حبة القلب ... بسهم غير جماحِ

شحمة الرُكى.
شحمة الرُكى على وزن ربى وهو الذي يذوب سريعا. يضرب لمن يعينك في الحاجات.

اشد من الفرس.
الشدة بالكسر اسم من الاشتداد. واشتد الأمر فهو مشتد؛ والفرس معروف وتقدم.

أشد من الفيل.
الفيل بالكسر معروف.

أشد من الدَّلم.
الدَّلم بفتحتين والدال المهملة شيء يشبه الحية يكون بالحجاز. وقيل نوع من القرد.

اشتدي زيم
الاشتداد هنا العدو؛ وزيم بكسر الزاي ز فتح الياء المثناة من تحت بوزن عنب اسم فرس. وهذا في شعر للحطم القيسي يقول: هذا أوان الشد فاشتري زيم وتمثل به الحجاج في خطبته الكوفية.
قال أبو العباس المبرد في الكامل: حدثني الثوري في إسناد ذكره آخره عبد الملك أبن عمر الليثي قال: بينما نحن بالمسجد الجامع بالكوفة وأهل الكوفة إذ ذاك في حال حسنة يخرج الرجل منهم في العشرة والعشرين من مواليه إذ أتانا آت فقال: هذا الحجاج قد قدم أميرا على العراقفإذا به قد دخل المسجد معتماً بعمامة قد غطى بها أكثر وجهه متقلدا سيفاً متنكباً قوساً يؤم المنبر فمكث ساعة لا يتكلم. فقال الناس بعضهم لبعض: قبح الله بني أمية حيث تستعمل مثل هذا على العراقحتى قال عمير بن ضابئ البرجمي: ألا أصبه لكم فقالوا: أمهل حتى تنظرفلما رأى عيون الناس أليه حسر اللثام عن فيه ونهض فقال:

أنا أبن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني

ثم قال: يا أهل الكوفة أني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها كأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحىثم تمثل فقال:

هذا أوان الشد فاشتدي زيم ... قد لفها الليل بسواق حطم
ليس براعي إبلٍ ولا غنم ... و لا بجزارٍ على ظهر وضم

ثم قال:

قد لفا الليل بعصلبي ... أوزع خراجٍ من الدوي
مهاجرٍ ليس بأعرابي
وقال:

قد شمرت عن ساقها فشدوا ... وجدت الحرب بكم فجدوا
والقوس فيها وترعد ... مثل ذراع البكر أو اشد

أي: والله يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنان ولا يغمز جانبي كتغماز التين. ولق فررت عن ذكاء وفتشت عن تجربة. وإنَّ أمير المؤمنين نثر كنانته فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا واصلبها مكسرا فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة واضطجعتم في مراقد الضلال. والله لأحزمنكم حزم السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبلفإنكم كأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف. وإني والله ما أقول إلاّ وفيت ولا أهم إلاّ أمضيت ولا أخلق إلاّ فريتوإنَّ أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وأن أوجهكم إلى محاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة وإني اقسم بالله لا أجد رجلا تخلف بعد أخذه عطاءه بثلاثة أيام إلاّ ضربت عنقهيا غلام اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين1 فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين . . فلم يقل أحدٌ منهم شيئا. فقال الحجاج: اكفف يا غلامثم أقبل على الناس فقال: أسلم عليكم أمير المؤمنين فلم تردوا عليه شيئا هذا أدب أبن لهيعةأما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب أو لتستقيمناقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنينفلما بلغ إلى قوله: سلام عليكملم يبق أحد في المسجد إلاّ وقال: على أمير المؤمنين السلامثم نزل فوضع للناس أعطياتهم. فجعلوا يأخذون حتى أتاه شيخ يرعش كبرا فقال: أيها الأمير إني من الضعف على ما ترى ولي أبن هو أقوى مني على الأسفار أتقبله بدلا مني فقال له الحجاج: نفعل أيّها الشيخفلما ولى قال له قائل: أتدري من هذا أيها الأمير قال: لا. قال: هذا عمير بن ضابئ البرجمي الذي يقول:

هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله

و دخل هذا الشيخ على عثمان مقتولا فوطئ بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه. فقال: ردوهفقال له الحجاج: أيها الشيخ هلا بعثت إلى أمير المؤمنين بدلا يوم الدار إنَّ في قتلك أيّها الشيخ لصلاحاً للمسلمينيا حرس اضربا عنقهفجعل الرجل يضيق عليه أمره فيرتحل ويأمر وليه أن يلحقه بزاده. وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي:

تجهز فإما أن تزور أبن ضابئ ... عميراً وإما أن تزور المهلبا
هما خطتا خسف نجاؤك منهما ... ركوبك حوليا من الثلج أشهبا
فأضحى ولو كانت خرسان دونه ... رآها مكان السوق أو هي اقربا

و في هذه القصة ألفاظ تخفى. فقوله: أنا أبن جلا، أي المنكشف الأمر، وهو لسحيم بن واثلة وفيه كلام يأتي من حرف النون، إن شاء الله تعالى.
وقوله، أرى رؤوسا قد أينعت، أي أدركت، يقال: أينعت الثمرة إيناعا وينعت أيضاً ينعا. قال تعالى: (انظروا إلى ثمرة إذا أثمر وينعه). وقال الشاعر في الفعل:

ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا
خرفه حتى إذا أرتبعت ... ذكرت من جلت بيعا
في قباب حول دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا

و قوله: هذا أوان الشد فاشتدي زيموهي فرس كما مر. وقال المبرد: يعني فرسا أو ناقة.
وقوله: بسواق حطم، الحطم: الذي لا يبقي من السير شيئاً، ويهلك المال بذلك. ومنه قيل النار التي لا تبقي حطمة.
وقوله: على ظهر وضم، والوضم بفتحتين كل ما يقطع عليه اللحم. وتقدم في التاء. قال الشاعر:

وفتيان صدق حسان الوجوه لا يجدون لشي ألم
من آل المغيرة لا يشهدون عند المجازر لحم الوضم

و قوله: بعصلبي، العصلب بالعين والصاد المهملتين، على مثال جحدب، والعصلبي بياء النسبة، والعصلوب: القوي الشديد الخلق، العظيم؛ وأروع أي ذكي.
وقوله: خراج من الدوي الدو بتشديد الواو؛ والدوى والداوية: الفلاة لا علم فيها ولا أمارة. قال الحطيئة:

وأنى اهتدت والدو بيني وبينها ... و ما خلت ساري الليل بالدو يهتدي

يريد: بخروجه من الدو أنَّ يخرج من كل غماء وشدة على طريق التمثيل. وقوله: وتر عرد، أي شديد. ويقال أيضاً عرند بالنون.

وقوله:ما يقعقع لي بالشان، واحدتها شن بالفتح، ويقال أيضاً شنة وهي قربة البالية اليابسة، فيقعقع بها فتنفر الإبل من صوتها. وضرب ذلك مثلا لنفسه في الثبات. قال النابغة:

كأنك من جمال بني أقيشٍ ... يقعقع بين رجليها بشن

و قوله: فررت عن ذكاء هنا تمام السن. ومنه قول أبن زهير: جري المذكيات غلاب.
ويطلق الذكاء أيضاً على حدة القلب. ومنه قول زهير بن أبي سلمى:

يفضله إذا اجتهدا عليها ... تمام السن منه والذكاء

و قوله: عجم عيدانها، أي مضغها ليعرف الأصلب. قال النابغة:

فظل يعجم أعلى الروق منقبضا ... في حالك اللون صدق غير ذي أود

وقال علقمة:

سلاءه كعصل النهدي غل بها ... ذو فيئة من نوى قرآن معجوم

و قوله: طالما أوضعتم الأضياع: ضرب من السير.
وقول الأسدي: فأضحى ولو كانت خرسان دونه أي دون سفره فإنه يراها قريبة لخوفه وطاعته. وأما قول ضابئ بن الحارث: هممت ولم أفعل . . " البيت " ، فكان من قصته إنّه وجب عليه حبس وأدب عند عثمان رضي الله عنه، فعثر عليه، فأحسن أدبه، فقال في ذلك:

وقائلة: إنَّ مات في السجن ضابئ ... لنعم الفتى تخلو به وتواصله
وقائلة: لا يبعدن ذلك الفتى ... و لا تبعدن أخلاقه وشمائله
وقائلة: لا يبعدن الله ضابئا ... إذا الخصم لم يوجد له من يقاوله
فلا تتبعي إنَّ هلكت ملامة ... فليس بعار قتل من لا أقاتله
هممت ولم أفعل . . " البيت "

وما الفتك ما أمرت فيه الذي ... تخبر من لاقيت انك فاعله

و يشبه ما وقع لابن ضابئ ما وقع لأبي شجرة السلمي، وكان من فتاك العرب. فأذى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ليحمله، فقال له عمر: ومن أنت قال: أنا أبو شجرة السلمي. فقال له عمر: ألست القائل، حيث ارتددت:

ورويت رمحي من كتيبة خالدٍ ... و إني لأرجو بعدها أعمرا
وعارضتها شهبا تخطر بالقنا ... ترى البيض في حافاتها والسنورا

ثم أنحى عليه بالدرة. فسعى إلى ناقة وحل عقالها وأقبل بها حرة بني سليم باحث سير هربا من الدرة وهو يقول:

قد ضن عنها أبو حفص بنائله ... و كل مختبط يوما له ورق
فمال يضربني حتى خذيت له ... و جال من دوني بعض الرغبة الشفق
ثم التفت إليها وهي حانية ... مثل الرتاج أنا ما لزه الغلق
في أبيات.
وقوله: وكل متخبط يوما له ورق، أي كل مسؤول فله فضل يسيده، ونوال يوليه وأصل في الشجرة انك تختبطها ببعضها ونحوها، فيسقط ورقها. قال زهير:

وليس مانع ذي قربى ولا رحمٍ ... يوما و معدم من خابط ورقا

قوله: حتى خذيت له، يقال: خذاله، وخذئ له بالفتح والكسر مهموزا واستخذى له، إذا خضع له وانقاد؛ وخذا يخذوا وخذوا إذا استرخى وخذيت أذنه بالكسر تخذى، إذا استرخت من أصلها وانكسرت، مقبلة على الوجه. فيحتمل أنَّ يكون قوله: خذيت له، من المهموز أو غيره.

اشتدي أزمة تنفرجي
الاشتداد تقدم، والأزمة: الشدة والقحط، يقال: أصابتهم سنة أزمتهم أزما، أي استأصلتهم، وأزم الدهر إي اشتد وقل خيره؛ وأزم الرجل بصاحبه: لزمه، وألزمه: عضه؛ والانفراج: الانفتاح والاتساع. وهذا اللفظ حديث يروى. ولمّا كانت الحكمة الإلهية جرت بتنقلات الحوادث وتحولات الأحوال، وعدم استقرارها على حال، صارت الشدة إذا تناهت لم يعقبها إلاّ الفرج، كما أنَّ الفرج إذا تناهى لم يعقبه إلاّ شدة فصارت الشدة مفتاح الفرج وسببا فيه بهذا الاعتبار. فإذا طلبت الشدة فذاك طلب الفرج، وإقامة للسبب مقام المسبب. قال تعالى: ) فإن مع العسر يسرا(. وفي الحديث الآخر: احفظ الله يحفظكاحفظ الله تجده أمامكتعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدةوأعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطئك لم يكن ليصيبكوأعلم أنَّ النصر مع الصبر، وإنَّ الفرج مع الكرب، وإنَّ مع العسر يسراًوقال الشاعر:

ضاقت ولو لم تضق لمّا انفرجت ... فالعسر مفتاح كل ميسور

غيره:

خفض الجأش واصبرن رويداً ... فالرزايا إذا توالت تولت

و قيل: وكان الإمام سحنون يقول إذا ضاقت عليه أمر ضيقي تفرجي يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين

شراب بأمقعٍ.
الشراب معروف، وتثلث شينه، شرب بالكسر شربا وتشرابا، فهو شارب وشراب للمبالغة وأشربته أنا. وقيل: الشرب بالفتح مصدر وبالكسر والضم اسمان والشرب بالكسر أيضاً الحظ من الماء؛ والمقع بفتح الميم وسكون القاف: أشد الشرب. وفلان شراب بأمقع، أي معاود للأمور، يأتيها حتى يبلغ أقصى مراده

شراب بأنقع.
الانقع جمع نقع بفتح والنون وسكون القاف، وهو الماء المستنقع. وهذا أيضاً يضرب لمن جرب الأمور وعودها، كالذي قبله، أو للداهي المنكر، لأن الدليل إذا عرف الفلوت حذف بسلوك الطرق إلى الماء، وعرف أين يهتدي إلى الأنقع حتى يشرب منها
أشرد من نعامةٍ.
الشرود: الفرار؛ والنعام معروف، ولا أسرع منه عند شروده. قال:

وهم تركوك أسلح من حبارى ... رأت صقراً وأشرد من نعام

غيره:

وولو سراعا كشد النعام ... و لم يكشفوا عن ملك حصيرا

غيره: وكانوا نعاما عند ذلك منفرا والعرب تضرب به المثل في الجبن أيضاً مع ذلك، كما قال عمران بن حطان:

أسد علي في الحروب نعامةٌ ... فتخاء تنفر من صفير الصافر

و كما قال محكم اليمامة: إنَّ خالد لقي أسداً وغطفان، فأشار عليهم بذباب السيف، فكانوا كالنعام الجافل، أو كما قال:
أشرد من ورلٍ.
الشرود مر، والورل بفتحتين حيوان على خلقة الضب وهو أعظم منه وتقدم في حرف السين.
فائدة: ذكر بعضهم، إنّه لا يجتمع الراء واللام في لغة العرب إلاّ في أربعة ألفاظ: الورل المذكور وأرل اسم جبل والغرلة وهي القلفة، وجرل وهو ضرب من الحجارة. انتهى.
قلت: أما الورل فقد ذكرنا ضبطه، وأما أرل فبضمتين، وهو اسم جبل واسم موضع ببلد فزارة أيضا، وأما الغرلة فبضم الغين وسكون الراء. ورجل أرغل والجمع غرل، كما في الحديث: يحشر الناس حفاة عراة غرلا؛ وأما الجرل فبالجيم والراء المفتوحتين وهو الحجارة أو مع الشجر أو مع المكان الصلب الغليظ، جرل المكان بالكسر فر جرل ككتف والجمع أجرال.

شر الرأي الدبري.
شر أسم تفضيل. يقال: هذا أشر من هذا وشر منه بغير همز تخفيفا، كما يقال: هذا خير من هذا، وهو الأكثر استعمالا؛ والرأي: الاعتقاد، جمعه آراء ورئي، والدبري بفتحتين: الرأي الذي يسنح للإنسان أخرا، بعد فوات الحاجة. والدبري أيضاً: الصلاة آخر وقتها. قيل: والضم فيها من لحن المحدثين.

شر الرعاء الحطمة.
الحطمة على مثال همزة من الرعاة: الذي يهلك الماشية ويهشم بعضها ببعض، من الحطم، وهو الكسر ويضرب في سوء السياسة.
قال في الصحاح إنّه مثل، ومثله قول الراجز:

لقد لفها الليل بسواق حطم ... ليس يراعي إبل ولا غنم

و وهمه صاحب القاموس وقال أنه حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وليس فيه كبير وهم، إذا لا منافاة. وكذلك وقع لأبي عبيد في كتابه إنّه مثل من أمثالهم.
وقال البكري في شرحه إنّه كلام يروى في حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحسن: دخل العائد بن عمرو المزني وكان من صالحي أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم، على عبيد الله بن زياد فقال له: إي بني، إني سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شر الرعاء الحطمة. فإياك أنَّ تكون منهمقال عبيد الله: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلمقال: وهل كانت فيهم نخالة وإنّما النخالة بعدهم في غيرهم. فائدة: إذا كان راعي الإبل أو الماشية كلها اخرق يظلمها قيل له حطمة، كما مر؛ وإذا كان رفيقا بها يحسن رعايتها قيل له ترعية وترعاية. وقيل أنَّ هذا لمن كانت صناعته وصناعة آبائه رعاية الإبل.

شر السير القحقحة.
السير معروف، والقحقحة: السير المتعب. ويقال قهقهة بقلب الحاء هاء ومنه قول رؤبة:
يصبحن بعد القرب القهقهة ... بالهيف من ذاك البعيد الأمقه
قال أبو علي البغدادي في نوادره: قال مطرف بن الشخير لأبنه: عليك بالقصد وإياك وسير القحقحةيريد الأتعاب.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: قيما يضرب من الأمثال في التوسط في الأمور: منه قول مطرف بن عبد الله بن الشخير: الحسنة بين السيئين وخير الأمور أوساطها، وشر الأمور سير القحقحة. انتهى.
قال البكري: قال مطرف يوصي ابنه: يا عبد اله، إنَّ هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق ولا تنغص إلى نفسك عبادة ربكفإنَّ الحسنة بين سيئتين، وخير الأمور أوساطها، وشر السير القحقحة، وإنَّ المنبت لا أرض قطع ولا ظهر أبقى انتهى.
قال: ومن قوله: إنَّ هذا الدين متين . . إلى آخر الحديث، مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسير بيت في هذا قول الشاعر:

عليك بأوساط الأمور فأنها ... نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا

الشر ألجأه إلى مخ العراقيب.
ويقال أيضاً:
شر ما أجاءك إلى مخة عرقوبٍ.
الشر نقيض الخير؛ ولجأ الرجل إلى كذا بالفتح والكسر لا ذبه وألجأته إليه: أضطررته وأجأته إليه أيضا بمناه؛ والمخ نقى العظم وعظم ممخ: ذو نقي؛ والعراقيب جمع عرقوب، وهو العصب فوق عقب الإنسان، وعرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يديها، وكل ذات أربع فعرقوباها في رجليها، وركبتاها في يديها. والمعنى أنَّ الشر هو الذي ألجأك إلى سؤال اللئام. فيضرب عند الاضطرار إلى المسألة البخيل. وإنّما خص العرقوب لأنه شر المخاخ، كما إنّه شر العظام، كما قال الاخطل لكعب بن جعيل:

وسميت كعبا بشر العظام ... و كان أبوك يسمى الجعل

شر المال مالا يزكى ولا يذكى.
المال: معروف، والتزكية إخراج الزكاة والتذكية الذبح للأكل. والموصوف بما ذكر الحمار ونحوه، لأنّه لا زكاة فيه وزكاة له.

شر أهر ذانابٍ.
الشر تقدم؛ وهر الكلب يهر هريرا: صوت ولم ينبح. قال حسان، رضي الله عنه:

يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل

غيره:

ويغشون حتى ترى كلبهم ... يهاب الهرير وينسى النباحا

و ذو الناب: الكلاب؛ وأهررته أنا: حملته على الهرير.
وهذا المثل يضرب عند ظهور أمارات الشر وتبين مخائله.
وأصله أنَّ قائله سمع هريرا الكلب في الليل، فأشفق من طارق بشر، فقال ذلك تعظيما للحال وتهويلا للأمر عند نفسه ومستمعه، أي: ما أهر ذا ناب إلاّ شر عظيم.
ولأحل هذا الوصف المنوي، حسن الابتداء بلفظة " شر " حتى حصل من ذلك الحصر.

شر يوميها وأغواه لها.
هذا يضرب عند إظهار البر باللسان لمن يراد به الغوائل. وهو شطر بيت تمامه:
ركبت غز بحدج جملا
و سيأتي في حرف اللام استيفاء الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

الشرط أملك، عليك أم لك.
الشرط بفتح فسكون إلزام الشيء والتزامه. ويكون أيضاً بمعنى سق الجلود، كفعل الحجام، وأما الشرط بالتحريك فهو العلامة، ومنه أشراط الساعة، أي علامتها؛ والملك مثلث الميم: لاحتواء على الشيء والقدرة عليه.

والمعنى إنَّ ما أشترط فهو لازم وأولى أنَّ يتفع سواء كان ذلك الشرك عليك أم كان لك.
وهذا المثل نطق به القاضي شريح، ولا أدري أهو المخترع له أم قيل قبله.
ذكر السكاكي في المفتح إنّه حكى أنَّ عدي بن أرطة أتى ومعه امرأة له مثال أهل الكوفة يخاصمها. فلما جلس بين يدي شريح قال له عدي: أين أنت قال: بينك وبين الحائط. قال: إني امرؤ من أهل الشام. قال: بعيد وسحيق. قال: وإني قدمت العراق. قال: خير مقدم. قال: وتزوجت هذه. قال: بالرفاء والبنينقال: إنّها ولدت لي غلاما. قال: ليهنك الفارسقال: وأردت أنَّ أنقلها إلى داري. قال: المرء أحق بأهله. قال: كنت شرطت لها وكرها. قال: الشرط أملك منكقال: أقض بينناقال: فعلتقال: فعلى من قضيت قال: على أبن أمكقوله: أين أنت يريد: في أي شغل أنت هذا الوقت هل أنت متفرغ للنظر فيما بيننا ولا يريد السؤال عن المكان حقيقة، ولكن لمّا كان فضولا مع ما فيه من سوء الأدب حمله القاضي على حقيقته وأجاب بنفس المكان، تجهيلا له وتعريضاً إنّه بين جمادين وهما عدي والحائط.
وقوله الرفاء والبنين: متعلق بمحذوف، أي تزوجت وأعرست مصحوبا بالرفاء، أي بالموافقة والألفة وبالبنين، أي الذكور دون البنات.
وقوله: ليهنك الفارسدعاء له وتفاؤل، أي: ليكن ولدك هنيئا لك لائقابه، ويبلغ مبلغ الفروسة
وقوله: الشرط أملك منك أي ملكه وتصرفه أقوى من تصرفك، فلا ينبغي أنَّ يخالف. وقوله: على أبن أمك، أي عليك. وإنّما عدل عن التصريح إلى ما ذكر، كراهية موجهته بالحكم عليه، لمّا جلبت عليه النفوس من كراهية ذلك. ومثل هذا ما يحكى عن شريح أيضاً من إنَّ رجلا أقر عنده بشيء ثم أنكر، فلما قال له: أعط الحققال: من يشهد علي قال: شهد عليك أبن أختك خالتك. فعدل عن التصريح ستر عليه وكراهية أنَّ ينسبه إلى الحمق بالإنكار بعد الإقرار.

شرعك ما بلغك المحل.
يقال: هذا الشيء شرعك، أي حسبك، ومررت برجل شرعك من رجلٍأي حسبك. ومعنى إنّه من النحو الذي يشرع فيه؛ والتبليغ معروف؛ والمحل: الموضع الذي تريده.
والمعنى أنَّ ما بلغك المحل المراد فهو حسبك. فيضرب في التبليغ باليسير.
وقال أبو عبيد: من أمثالهم في جود الرجل بما فضل عن حاجته بماله قولهم:

يكفيك ما بلغك المحل.
قال البكري: المشهور في هذا: شرعك ما بلغك المحل، أي حسبك. وقال: آخر في هذا المعنى:

حسب الفتى من دهره ... زاد يبلغه المحلا
خبر وماء بارد ... و الظل حين يريد ظلا
قال: والمحل هو الدار الباقية.

شرق ما بين القوم بشر.
يقال: شرق بالماء بالكسر إذا غص به. قال عدي بن زيد:

لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري

و يقال في هذا المثل إذا نشب الشر بين الناس.
والمعنى إنّه امتلأ ما بينهم بالشر، فكأنه غص. وهكذا كما تقول: غص المجلس بأهله، أي امتلأ، على طريق التمثيل.

اشتر لنفسك وللسوق
هذا مثل يضرب في الاحتياط. ومثله قولهم: إذا اشتريت فأذكر السوقوقد تقدم في الباب الأول. ومثله ما حكى البكري أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يقول: إذا اشتريت بعيرا فاجعله ضخما، فإنَّ أخطئك خيراً لم يخطئك سوقا.

شغلت شعابي جدواي.
الشغل بالضم وبضمتين، وبالفتح وبفتحتين ضد الفراغ شغله شغلا بالفتح، وأشغله أيضا؛ والشعاب جمع شعب بالكسر من الأرض؛ والجدوى: المطر العام والعطية أيضاً.
ويضرب هذا المثل فيما إذا لم يكن لمالك أو عطائك أو علمك أو نحو ذلك فضل عن نفسك أو عن من يتعلق بك، كالمطر تشغله شعابك، فلا يصل إلى موضع آخر.
ومعنى ذلك إنّه إذا قل المطر الواقع في الشعاب أو النازل إليها من التلاع، شربته وشغلته بذلك عن إنَّ يخلص إلى ما بعدها من الأودية والبقاع.

أشغل من ذات النحيين.
الشغل مر؛ والنحي بكسر النون وسكون الحاء المهملة: الزل. وقيل مخصوص بما كان للسمن؛ وذات النحيين امرأة من تيم الله بن ثعلبة، كانت خرجت في الجاهلية تبيع السمن فأتاها خوات بن جبير الأنصاري رضي الله عنه فسألوها فحلت نحيا مملوءاً فنظر إليه ثم قال: امسكيه حتى أنظر إلى الآخرثم حل نحيا آخر فقال: امسكيه حتى انظر إلى خيرهفلما شغل يدها معا وقع عليها حتى قضى أربه منها فهرب. فضربت العرب بشغلها المثل وقالوا: اشغل من ذات النحيين، وبنو أشغل من شغل بالبناء لمّا لم يسم فاعله، على وجه الشذوذ. وتقدم نظيره وتوجيهه.
وقال خوات في ذلك

وذات عيال واثقين بعقلها ... خلجت لها جار أستها خلجات
وشدت يداها إذ أردت خلاطها ... بنحيين من سمن ذوي عرجات
فكان لها الويلات من ترك سمنها ... و رجعت صفراً بغير بتات
فشدت على النحيين كفا شحيحة ... على سمنها والفتك من فعلاتي

قال في الصحاح: ثم اسلم خوات وشهد بدرا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: يا خوات، كيف شراؤك وتبسم صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله، قد رزق الله خيراً، واعوذ بالله من الحور وهجا رجل تيم الله فقال:

أناس ربه النحيين منهم ... فعدوها إذا عد الصميم

شغلهم الصفق بالأسواق.
يتمثل له وهو كلام عمرو بن أبي هريرة رضي الله عنهما لمّا ذكر لعمر حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يروه. قال: اخفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلني الصفق بالأسواق، أي بالبيع والشراء، لأن المشتري والبائع يضرب أحدهما بيده على يد صاحبه وهو الصفق.
وقال أبو هريرة: إنَّ إخواني من المهاجرين والأنصار شغلهم الصفق بالأسواق، وكانت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على شبع بطني، كما في الصحيح.

شق العصا.
الشق: الصدع والعصا بالقصر العود يضرب به. والعصا أيضاً: اللسان وعظم الساق وجماعة الإسلام. وقولهم: شق فلان العصا أي فارق الجماعة ويقال في الخوارج: شقوا عصا المسلمين، أي فارقوا جماعتهم.
وقال الشاعر
:
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحبسك والضحاك سيف المهند

أشكر من بروقةٍ.
الشكر بالضم أنَّ تعرف الإحسان وتشكره: والشكر من الله تعالى: المجازاة والثناء الجميل؛ والبروقة بكون الراء واحدة البروق، وهو شجر ضعيف، إذا غامت السماء أخضر، فوصف لذلك الشكر.

أشكر من كلبٍ.
الشكر مر، والكلب معروف، وشكره رضاه بالموجود وحياطته لصاحبه وقيامة عليه واتباعه له مع ذلك. ومما يحكى في هذا عن بعضهم قال: دخلت على العتابي، فوجدته جالسا على حصير وبين يديه شراب في إناء، وكلب رابض حوله يشرب كأسا ويولغه أخرى. فقلت له: ما أردت بهذا قال: إنّه يكف عني أذاه ويكفيني أذى من سواه، ويشكر قليلي، ويحفظ مبيني ومقيلي، فهو من الحيوان خليلي.
قال الراوي: فتمنين والله أنَّ أكون كلابا لأحوز هذا النعت منهويقال إنَّ الحارث بن صعصعة كان له ندماء لا يفارقهم، وكان شديد المحبة لهم فخرج في بعض متنزهاته ومعه ندماؤه. فتخلف منهم واحد، فدخل على زوجته فأكلا وشربا ثم اضطجعا. فوثب الكلب عليهما فقتلهما. فلما رجع الحارث إلى منزله وجدهما ميتين وعرف الأمر. فأنشأ يقول:

فيا عجبا للخل يهتك حرمتي ... و يا عجبا للكلب كيف يصون
ما زال يرعى ذمتي ويحوطني ... و يحفظ عرسي والخليل يخون

و يوثر في الحديث إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا مقتولا فقال: ما شأنه قالوا: إنّه وثب على غنم بني زهرة فأخذ منها شاة، فوثب عليه كلب الماشية فقتله. فقال صلى الله عليه وسلم؛ قتل نفسه وأضاع دينه وعصى ربه وخان أخاه وكان الكلب خير منه.
ويحكى عن أبن عباس رضي الله عنه: كلب أمين خير من صاحب خؤونٍ وقد ألف بعض العلماء تأليفا في فضل الكلاب على كثير من لبس الثياب.
شاكه أبا فلانٍ.
المشاكهة: المشابهة.
وأصله أنَّ رجلا عرض فرسا له في السوق، فقال له رجل: أهذه فرسك التي كنت تصيد عليها الوحش فقال: رُبَّ الفرس: شاكه، أي قارب في المدح ولا تفرط. فيضرب في الأمر بالقصد في المدح.
ويحكى أيضاً في هذا القصة إنَّ الأعرابي أقام فرسه للبيع فقال صاحبه: إنّها لتصاد عليها الوحش وهي رابضة. فقال له: رُبَّ الفرس، لا أبالك، كذب كذبا مؤاما به الدهرأي موفقا به الدهر في تقلباته وأحواله الجائزة الوقوع.
وقيل إنَّ رجلا أدخل حمارا له في السوق، فجعل يقال له أبو اليسار يمدحه ويقول: إنَّ حافره جلمود، وإنَّ ظهره حديد. فقال صاحب الحمار: شاكه أبا يسار، دون ذا وينفق الحماروتقدم هذا في الدال.

شكا إلى غير مصمتٍ.
الشكوى أنَّ تذكر الغير بسوء فعله بك، تقول: شكوت فلانا أشكوه شكوى وشاكية وشكية، فهو مشكو ومشكي؛ واشتكيه: فعلت به ما يشكوه، أو أعتبته وأزلت شكواه. فهو من الأضداد. قال الراجز:

تمد بالأعناق أو تلويها ... و تشتكي لو أننا نشكيها

و صمت يصمت صموتا وصمتا، وأصمت إصماتا وصمت تصميتا: سكت؛ وأصمته أنا وصمته تصميتا: أسكته، لا زمان متعديان. فيقال: شكا فلان إلى غير مصمت، أي إلى من لا يبالي به، فلا يصمته لأن من شكا إلى من يعنى بحاجته ويهتبل بأمره ويقوم بحقه ويقضي أربه ويزيل شكواه ويشفي ما في صدره فيصمت عن الشكوى حينئذ.
قال الراجز:

انك لا تشكوا إلى مصمت ... فاصبر على الحمل الثقيل أو مت

و نحوه المثل الآتي: هان على الأملس ما لقي الدبر.

الشماتة لؤم.
الشماتة: الفرح بمصيبة العدو، ويقال: شمت به بالكسر يشمت شماتا وشماتة، فهو شامت. قال أبو صخر الهذلي:

وتجلدي للشامتين أريهم ... إني لريب الدهر لا أتضعضع

و اللؤم بضم اللام وسكون الهمزة ضد الكرم، ولؤم بالضم لؤما فهو لئيم وهو لؤماء. وهذا الكلام يعزي لأكثم بن صيفي، حكيم العرب.
والمعنى إنّه لا يتشمت بالغير ولا يفرح ببليته إلاّ من لوم أصله. وقال أبن أبي عيينة

كل المصائب قد تمر على الفتى ... تهون غير شماتة الحساد
وقال الآخر:
إذا ما الدهر جر على أناسٍ ... كلاكله أنام بآخرينا
فقل للشامتين بنا: أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا

أشم من نعامةٍ.
الشم حاسة الأنف، تقول: شممت بالكسر والفتح، أشم مفتوحا ومضموما شما وشميما وشميمي؛ وتشممته؛ والنعام تقدم. يقال إنّه لا سمع له، ومن ثم يقال إنّه أصم. فأعطي قوة الشم بأنفه ما ينوب عن السماع، حتى إنّه يشم رائحة القناص عن بعيد.

شنشنه أعرفها من أخزم
الشنشنة بالكسر: الطبيعة والخلق: وأخزم بالزاي رجل من طيء، وهو أبن أبي أخزم جد حاتم، أو جد جده. مات أخزم هذا وترك بنين، فوثبوا يوما على جدهم فأدموه فقال:

إنَّ نبي زملوني بالدم ... من يلق أساد الرجال يكلم
ومن يكن ذا أود يقوم ... شنشنة أعرفها من أخزم
لأنه كان عاقا كذلك.

ويحكى إنَّ عقيل بن علفة بضم العين المهملة وفتح اللام المشددة بعدها فاء على وزن قبرة بن الحارث المري، خرج هو وأبناه، جثامة وعملس، وأختهما الحوراء حتى أتوه ابنة أخ ناكحا في بني مروان بالشام. ثم قفلوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال عقيل:

قضت وطرا من دير سعد وكالما ... على عرض نطحنه بالجماجم

ثم قال: أجز، يا جثامةفقال:

وأصبحن بالهومات يحملن فتية ... نشاوي من الإدلاج هيل العمائم

ثم قال: أجز يا علمس فقال:

إذا علم غادرنه بنتوفة ... تذارعن بالأيدي لآخر طاسم

ثم قال: يا حوراء، أجيزيف قالت:

كأنَّ الكرى ساقهم صرخ يده ... تدب دبيبا في المطا والقوائم

فقال عقيل: شربتها، وربَّ الكعبةثم شد عليها بالسيف، فقال أخوها: ما ذنبنا إنّما اجازت شعرافشد عليه أحدهم فخدشه بسهم يتمعك في دمه ويقول :

إنَّ بني ضرجوني بالدم ... من يلق أبطال الرجال يكلم

شنشنة أعرفها من أخزم
ثم توجه ولده للطريق. فلما مروا ببني القين قالوا لهم: هل لكم في الجزور انكسرتقالوا: نعمقالوا: الزموا هذه ارواحلفذهب القوم حتى انتهوا إلى عقيل، فحملوه وعالجوه حتى برئ ولحق بهم. فقال أبو عبيد القاسم بن سلام: من أمثالهم في التشبيه الرجل بأبيه: شنشنة اعرفها من أخزم. قال: وهذا المثل يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قاله في أبن عباس، رضي الله عنهما، شبهه في رأيه بابيه. قال البكري: أخزم هذا هو جد حاتم بن عبد الله الطائي، وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن أبي أخزم بن أبي أخزم. وقيل هو جد عقيل بن علفة. الشنشنة: النطفة، من شنشنت إذا أرقت. ويراد ما أراق من النطفة في الرحم.
قال أبو بكر: وقال قوم: شنشنة: الغريزة والطبيعة. فمن جعل أصل المثل لأخزم الطائي قال: كان أخزم جوادا. فلما نشأ حاتم وعرف جوده قال: الناس: شنشنة من أخزم، أي قطرة من نطفة أخزم. قال: وذكر علي بن الحسن إنَّ عقيل بن علفة أبن الحارث المري أتى منزله فإذا بنوه مع بناته وأزواجه مجتمعون. فشد على عملس منهم، فحاد عنه وتغنى ابنه علفة:

قفي يا ابنه المري أسألك ما الذي ... تريدين فيما كنت منيتا قبل
فإنَّ شئت كان الصرم ما هبت الصبا ... و إنَّ شئت لا يفنى التكارم والبذل

فقال عقيل: يا أبن اللخناء متى منتك نفسك هذا وشد عليه بالسيف. فحال علمس بينه وبينه، وكان أخاه لأمه وأبيه. فشد على علمس بالسيف وترك علفة ولم يلتفت إليه فرماه علمس بسهم وأصاب ركبته. فسقط عقيل يتمكع بالدم وهو يقول:

إنَّ بني سربلوني بالدم ... من يلق أبطال الرجال يكلم
ومن يكن ذا أود يقوم ... شنشنة أعرفها من أخزم

قال المدائني: شنشنة أعفها من أخزم مثل ضربه، وأخزم فحل كان لرجل من العرب وكان منجبا، فضرب في ابل رجل آخر ولم يعلم صاحبه فرأى بعد ذلك من نسله جملا فقال شنشنة أعرفها من أخزم. انتهى كلام البكري.
وقال أبن ظفر في شرح المقامات: هذا المثل ضربه جد حاتم حين نشأ حاتم وتقيل أخلاقه جده أخزم في الجود، فقال: شنشنة . . الخ. وتمثل عقيل بن علفة به حين قال: إنَّ بني . . الخ. ومن أدعى إنَّ المثل فقد سها فيه. انتهى.

شاهد البعض اللحظ.
مثله قولهم أيضاً: رب لحظ انم من لفظ كما مر من قول زهير:

فإنَّ تك في عدو أو صديقٍ ... تخبرك العيون عن القلوب

و قول أبن أبي حاتم:
خذ من العيش ما كفى ... و من الدهر ما صفا
عين من لا يحب وص ... لك تبدي لك الجفا

و قول الآخر:

تخفي العداوة وهي غير خفية: ... نظر العدو بما أسر يبوح

وقالوا: يعبر عن الإنسان اللسان، وعن المودة والبغض العيان.

يشوب ويروب.
الشوب: الخلط تقول: شبت اللبن وغيره بالماء، وأشوبه شوبا والروب الرائب وهو اللبن الخاثر قبل أن يحمض. ولا يزال يمسك بذلك حتى يمخض وينزع زبده. ثم يبق ذلك الاسم على بعد. قال الشاعر:

سقاك أبو ماعز رائبا ... و من لك بالرائب الخاثر

يقول: سقاك الممخوض، ومن لك بالذي لم يمخض. وهذا قول أبي عبيد.
ورابت اللبن وروبته وراب هو يروب روبا.و المروب: السقاء الذي يروب فيه.
ويقال: ما له شوبٌ ولا روبٌ أي مرق ولا لبن.
وقيل الشوب العسل والروب اللبن وفلان يشوب ويروب: يخلط ويصفي ويمزج الهزل بالجد.
يضرب من إصابته مرة وأخطائه أخرى. ويقال : يشوب ولا يروب أي يخلط ولا يخلص.
وأصل يروب في المثالين يريب وإنّما قيل يروب للازدواج.

شب شوباً لك روبته
الشوب تقدم؛ والروبة بضم الراء روبة اللبن وهي خميرة تلقى فيه من الحامض يروب.
وهذا كما يقال : أحلب حلبا لك تنظرهكذا في الصباح. وهو يناسب أن تكون الأم في لك للملك والاستحقاق فيما يستقبل؛ ويحتمل أن يكون الملحوظ فيها المضي فيقال لمن شب نار فتنة أو تسبب في أمر من الأمور كأنه قيل له: اجر في فتنة أنت مثيرها أو منك كان أقوى أسبابها والإعانة فيها.

شاورهن وخالفوهن
أي النساء. يتمثل به وهو حديث.

شالت نعامته.
يقال: شالت الناقة بذنبها تشول شولاً وشولانا وأشالته: رفعته وشال الذنب نفسه: ارتفع لازمٌ متعد: وشال بالحجر أيضاً وأشاله: رفعه؛ والنعامة الحيوان المعروف.و النعامة اسضا: جماعة القوم وباطن القدم يقال للقوم: شالت نعامتهم إذا خفت منازلهم أو تفرقت كلمتهم أو ذهب عزهم. وشالت نعامة فلان إذا خف وغضب ثم سكن. هكذا قال بعض العلماء. وقال آخرون: يقال شالت نعامة فلان إذا هلك. ومن هذا قول الشاعر:

يا ليتنا أمنا شالت نعامتها ... أيما أبى جنةٍ أيما إلى نارِ

قيل وذلك لأنَّ النعامة باطن القدم وشالت: ارتفعت ومن شأن من هلك أن ترتفع رجلاه وينكسر رأسه فتظهر نعامة قدمه. ومن ثم يقال : تنعم فلان إذا مشى حافياً على نعامته كقوله:

تنعمن لمّا جاءني سوء فعلهم ... إلاّ إنّما البأساء للمتنعم

و اختلف في قول عنترة:

فيكون مركبك القعود ورحله ... و أبن النعامة عند ذلك مركبي

فقيل: أبن النعامة: الطريق وقيل:باطن القدم. وسمي الطريق بذلك لأنّه مركب لها.

شوى حتى إذا نضج رمد.
شيُّ اللحم معروف؛ والنضج كما الطبخ؛ والترميد: جعله في الرماد وتعفينه به. فيقال لكل من أفسد الشيء بعدما صلح.
شيئاً ما يطلب السوط إلى الشقراء
السوط معروف؛ والشقراء فرس لبعض العرب ركبها فجعل كلما ضربها زادته جرياً.
يضرب لمن طلب حاجة وجعل يدنو من قضائها والفراغ منها. كذا في القاموس. ومما يلتحق بهذا الباب قولهم:

أشربتني ما لم أشرب.
أي ادعيت علي ما لم افعل. وقولهم:

الشعر أحد الوجهين.
أي النظر إليه كالنظر إلى الوجه.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم.

شاهت الوجوهُ.
فانه كثيرا ما يتمثل به. وقول الحريري:
شوى في الحريق سمكته.
والحريق اسم من الاحتراق؛ والسمكة: الحوتة وهي إنّما تشوى في النار القوية وفي اللهب ما دام؛ فإذا سكن تعب في شيها.
فيضرب ذلك مثلا لقضاء الحاجة من القاضي ما دام غضبه للكرام بتحريكه للنوال بالشعر وانتهاز الفرصة منه قبل سكون غضبه فقد لا يوجد إذ ذاك.
وإذ فرغنا من الأمثال المنثورة فلنذكر ما تسمى من الشعرية.
قال الشاعر:

لقد كثر الظباء على خداشٍ
فما يدري خداشٌ ما يصيدُ

غير أنه إذا تمم خروج عن هذا الباب.

وقال بعض الوعاظ مضمنا لهذا المثل في ذم الدنيا:

يا راكضاً في طلاب دنيا ... ليس لمن تصرعُ انتعاشُ
تنح يا عرضة لرامٍ ... أسهمه بالردي تراشُ
لا تغش ناراً " " لظاها ... بمن له نحوها انحياشُ
أعذر منك الفراش حالاً ... علمت ما يجهل الفراشُ
تطلبها لا تنام عينٌ ... عنها ولا يستقر جاشُ
من كل بالري من شرابٍ ... يشتد من شربه العطاشُ
دعها فطلابها رعاعٌ ... طاشت بألبابهم فطاشوا
وأظمأ لتروى وكن كقومٍ ... ماتوا بها عفةً فعاشوا
لم يردوها فهم رواءٌ ... و واردوها هم العطاشُ
كأنَّ المنايا ظباءٌ ... و أنت من حيرةٍ خداشُ
إنَّ لأيامنا انبساطاً ... به لأعمارنا انكماشُ
كأنَّ آجالنا صقورٌ ... و نحن من تحتها خشاشُ

وقال الآخر:

ما لقوي عن ضعيفٍ غنى ... لا بد للسهم من الريش

وقال أبو الطيب:

ونهب نفوس أهل النهب أولى ... بأهل المجد من نهب القماش

وقال القائم بأمر الله أحد ملوك بني العباس:

القلب من خمر التصابي منتشٍ ... هل لي غديرٌ من شرابٍ معطشِ
والنفس من برح الهوى مقتلةٌ ... و لكم قتيلٍ في الهوى لم ينعشِ
جمعت عليَّ من الغرام عجائبٌ ... خلفن قلبي في إسارٍ موحشِ
خلٌ يصد وعاذلٌ متنصحٌ ... و منازعٌ يغري ونمامٌ يشي

غيره:

إذا الواشي بغى يوماً صديقاً ... فلا تدع الصديق لقول واشِ

و قلت أنا:

ولائمةٍ هبت بليلٍ تلومني ... وثوب الدجى ما للصبح به نقشُ
وليس لديباجِ السماء الذي سما ... علينا سوى ترقيش أنعمه رقشُ
وقد جبت آفاقها فكأنها ... من السندس الخضر السرادق والعرشُ
كأنَّ النجوم الزهر في جنباتها ... وجوهٌ زهتهن الملاحة والبشُ
تلوم على أن لم تر الدهر مسعداً ... مناي وصرف الدهر ليس له حفشُ
وأشجى حشاها أن تبدى بعاتقي ... لأنيابه عضٌ وفي عضدي نهشُ
وأن تفضي من رزاياه طارفي ... و أن قد جرى منه على أعضمي محشُ
فباتت يناجيها الأسى ويجيشها ... إليَّ تناجيني ويغلبها الجهشُ
وتمحضني منها تخالُ نصيحةً ... ولم تدر أنَّ النصح آونةً غشُ
تقول: التجئ للمترفين فإنه ... إلى نارهم من نابه دهره يعشو
فقالت لها إذ كان زوراً مقالها ... مقالة شهمٍ ليس في قيله رفشُ
هو الدهر ما يبقى على متخشعٍ ... جزوعٍ ولا يرثي لشاكٍ إذا يشطو
وأحداثه تجري فمن ذي هوادةٍ ... أليفٍ وذي شحناء أخذته بطشُ
وما الدهر إلاّ واديان فمعشٌ ... أنيس لمرادٍ وذو جردٍ وحشُ
وداران دارٌ ذات نعمى هنيئةٍ ... و فرشٍ وأخرى لا نعيمٌ ولا فرشُ
ويومان يومٌ أنت فيه متوجٌ ... على العرش أو يومٌ به حسبك الفرشُ
وما المال إلاّ مزن صيفٍ وقلما ... يدوم ويجدي للصدى ذلك الطشُ
وليلة سارٍ بينما هو مقمرٌ ... بصحراء غاب البدر فاستوسق الغبشُ
وليس الفتى من ليس يبرح ضارعاً ... هلوعاً إذا يرمه من دهره خدشُ
كئيبٌ بئيسٌ إن عرته ملمةٌ ... و تغشاه إن أثرى الشراسة والفحشُ
سؤولٌ لما وافى منوعٌ لمّا حوى ... ودودٌ لمن أثرى بغيضٌ لمن يغشو
عزيزٌ على المولى ذليلٌ على العدا ... عبوسٌ إذا يسمو طليقٌ إذا يلشو
ولكن من إن ناله لا شباته ... تفل ولا في حزمه يدرك النفشُ
ضنينٌ بماء الوجه لا يستثيره ... إلى مطمعٍ في غير خالقه حرشُ
صبورٌ على علاته متجرعٌ ... دوين الهوان ما تهرعه الرقشُ
عليمٌ بأن النائبات إذا عرت ... فملجؤها السامي بسلطانه العرشُ
هو المرتجى في فتح ما كان مرتجا ... و تنوير ما أمسى به أظلم الغطشُ
وثيقٌ بهذا لا تلين صفاته ... إذا قرعت أحشاءه النوب المحشُ
قريبٌ من المولى صفيٌ إذا اعتنى ... و مبتعدٌ عنه إذا مسه خيشُ
فلا عرضه يبلى ولا حزمه يهي ... و لا وهنه يبدو ولا سره يفشو
فذلك ما عاش السميُّ مكانه ... و أخلق بأن يسمو إذا حفه النعشُ

قوله: السرادق والعرش، السرادق: البيت من الكرسف والذي يمد فوق صحن الدار؛ والعرش: الخيمة وسقف البيت وما يستظل به.
والبش والبشاشة: طلاقة الوجه.
والنقربات: الخيل تقرب مرابطها.
والبرش في شعر الفرس نكت صغار تخالف سائر لونه.
والخفش: الطرد والمحش: قشر الجلد من اللحم وشدة الأكل.
والجهش: الفزع يقال: جهش إليه جهشاً إذا فزع. وهو يريد البكاء كالصبي.
والرفش: الضعف والوهن أو الخلط من قوله: رفشت الشيء إذا دققته وهرسته مجازاً.
والكشو: العض.
والغبش: ظلمة آخر الليل وأثرى الرجل: كثر ماله وغشاه يغشوه وغشيه يغشاه: أتاه.
ولشا الرجل: خس بعد رفعة.
والحرش: التحرك والاصطياد.
ولنكتف بهذا القدر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.