النسب

الشيخ أحمد الحملاوي

ولد سنة "1273 هجرية - 1856م و أدركته الوفاة فى شهر ربيع الأول سنة 1351 هـ = 26 من يوليه سنة 1932م

النَّسَب

وسماه سيبويه: الإضافة، وابن الحاجب: النّسبة بكسر النون وضمها، بمعنى الإِضافة؛ أى الإضافة المعكوسة، كالإِضافة الفارسية.

ويحدث به ثلاث تغييرات: لفظىّ، ومعنوىّ، وحُكْمِىّ.

فالأول: زيادة ياء مشددة فى آخر الاسم مكسور ما قبلها، لتدل على نسبته، إلى المجرد منها، منقولاً إعرابه إليها، كمصرىّ، وشامىّ وعراقىّ.

والثانى: صيرورته اسمًا للمنسوب.

والثالث: معاملته معاملة الصفة المشبهة فى رفعه الظاهر والمضمر باطراد، كقولك: زيد قرشىّ أبوه، وأمه مصريّة.

ويحذف لتلك الياء ستة أشياء فى الآخِر:

الأول: الياء المشددة الواقعة بعد ثلاثة أحرف، سواء كانت زائدة ككرسىّ أو للنسب كشافعىّ، كراهية اجتماع أربع ياءات. ويقدرَّ حينئذ أن المنسوب والمنسوب إليه مع الياء المجددة للنسب، غيرُهما بدونها، ولهذا التقدير ثمرة تظهر فى نحو بَخاتِىّ وكراسىّ إذا سُمِّى بهما مذكر، ثم نسب إليه، فإنه قبل النسب ممنوع من الصرف؛ لوجود صيغة منتهى الجموع، نظرًا لما قبل التسمية، فإن الياء من بِنْية الكلمة، وبعد النسب يصير مصروفًا لزوال صيغة الجمع بياء النسب. وإن سُمِّىَ به مؤنث، فيكون ممنوعًا من الصرف، ولكن للعلمية والتأنيث المعنوىّ. والأفصح فى نحو مَرمىّ مما إحدى ياءيه زائدة حذفهما، وبعضهم يحذف الأولى، ويقلب الثانية واوًا، لكن بعد قلبها ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ فتقول على الأول: مرمىّ، وعلى الثانى: مَرْمَوىّ.

ويتعين فى نحو حَىَّ وَطَىّ مما وقعتا فيه بعد حرف واحد فتحُ أولاهما، وردُّها إلى الواو إن كانت الواو أصلها، وقلبُ الثانية واوًا كطَووىّ وَحَيَوىّ.

الثانى: تاء التأنيث، تقول فى النسبة إلى مكة: مكىّ، وقول العامة: خليفتِىّ فى خليفة، وخَلْوَتِىّ فى خَلْوة لَحْن، والصواب خَلَفِىّ وخَلْوِىّ.

الثالث: الألف خامسة فصاعدًا مطلقًا، أو رابعة متحركًا ثانى كلمتها: فالأولى ألف التأنيث كحُبارى: لطائر، أو الإلحاق: كحَبَرْكىَ مُلْحَق بسفرجل: للقُراد، أو المنقلبة عن أصل كمصطفى من الصفوة، تقول فى النسبة إليها: حُبَارِىّ وَحَبَرْكِىّ ومصطفىّ. والثانية: ألف التأنيث خاصةً كجمَزَى: للحمار السريع، تقول فى النسبة إليه جَمَزِىّ.

فإن سكن ثانى كلمتها جاز حذفها وقلبها واوًا سواء كانت للتأنيث كحُبْلى، أو للإلحاق كعَلْقًى، اسم لنبت، فإنه ملحق بجعفر، أو منقلبة عن أصل كَملْهًى من اللهو، تقول فيها: حُبْلِىّ أو حُبْلَوِىّ، وعَلْقِىّ أو عَلْقَوِىّ، ومَلْهِىّ أو مَلْهَوِىّ. والقلب أحسن من الحذف، ويجوز زيادة ألف بين اللام والواو نحو: حُبْلاوِىّ.

الرابع: ياء المنقوص خامسة كالمعتدى، أو سادسة كالمستعْلِى، تقول فيهما: المعتدِىُّ والمستعلِىّ. أما الرابعة كالقاضى فكألف نحو مَلْهًى، تقول: القاضِىّ والقاضَوِى، والحذف أرجح. وأما الثالثة كالشجى والشذِى فيجب قلبها واوًا، كألف نحو فَتى وعَصًى، تقول: شَجَوِىّ وَشّذَوِىّ، كما تقول فَتَوِىّ وعَصَوِىّ، ولا تقلب الياء واوًا إلا بعد قلبها ألفًا، ويُتَوصَل لذلك بفتح ما قبلها، كما سبق فى مَرْمِىّ.

وإذا نسَبْتَ إلى فَعِل، مكسور العين، مثلث الفاء، كنَمِر ودُئِل وَإبِل، فتَحْتَ عينه فى النسب، تقول: نمرىّ، ودُؤَلِىّ وَإبَلىّ، وقال بعضهم: يجوز فى نحو إبل إبقاء الكسرة إتباعاً.

الخامس والسادس: علامتا التثنية وجمع تصحيح المذكر عَلَمَيْن إذا أعربا بالحروف، تقول: زَيْدىّ فى النسب إلى زيدانِ وزيدُونَ. وأما من أجرى المثنى عَلَمًا مجرى سَلْمان فى المنع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، فيقول: زَيْدَانى، ومن أجرى المذكر مجرى غِسْلين، فى لزوم الياء والإعراب على النون منونة، يقول فيه: زَيْدِينِىّ، ومن جعله كهارونَ فى المنع من الصرف للعلمية وشبه العُجمة مع لزوم الواو، أو كعُرَبُون فى لزومها منونًا، أو كالماطرونَ: اسم قرية بالشام فى لزومها وتقدير الإِعراب عليها، وفتح النون للحكاية، يقول فى الجميع: زَيْدُونِىّ.

أما جمع المؤنث السالم، فنحو تَمرات جمعًا، ينسب إلى مفرده ساكن الميم، وعلمَا مفتوحها، سواء حُكى أو مُنع، وذلك للفرق بين النسب إليه مفردًا وجمعًا، وأما نحو ضَخْمات فألفه كألف حُبْلى بجامع الوصفية. ويجب الحذف فى ألف هذا الجمع خامسةً فصاعدًا، سواء كان من الجموع القياسية كمسلمات، أو الشاذة كسُرادقات، تقول: فيها مُسْلمِىّ وَسُرادِقىّ.

ويجب حذف ستة أخرى متصلة بالآخِر:

أحدها: الياء المكسورة المدغم فيها مثلها، فيقال فى نحو طيِّب وَهَيِّن: طَيْبىّ وهينىّ، بخلاف المفتوحة كهبيَّخ للغلام الممتلئ، ما لم يكن بعد المكسورة ياء ساكنة كمُهَيَّيم، تقول: هَبَيَّخِىّ ومُهَيَّيمِىّ، ومُهَيَّيمِىّ تصغيرها مِهْيَام، مِفْعال من هام على وجهه: إذا ذهب من العشق، أو من هام إذا عطِش، أو مُهوِّم، اسم فاعِل من هَوَّمَ الرجلُ: هز رأسه من النُّعاس، تحذف الواو الأولى، ثم توضع ياء التصغير، فيصير مُهْيوم، فَيُعَلّ على مُهيم، إتباعًا لقاعدة اجتماع الواو والياء وسبْقِ إحداهما بالسكون، فيشتبه حينئذ باسم الفاعل المكبر من هَيَّمه الحُبّ، فإِذا نسب إلى المصغَّر زيدت ياء، لمنع الاشتباه، ومثله مصغر مُهيَّم المذكور، وشذّ طائِىّ فى طَيّئ، إلا إذا قيل بحذف الياء الأولى، وقلب الثانية ألفًا.

ثانيها: ياء فَعِيلة بفتحٍ فكسر، صحيح العين غير مضعِّفها، كحنيفة وحنَفِىّ، وصحيفة وصَحَفّى، بحذف التاء ثم الياء، ثم قلب كسرة العين فتحة، وشذ: سَلِيقىّ، منسوبًا إلى سَلِيقة فى قوله:

وَلَسْتُ بِنَحْوِىّ يَلُوكُ لِسانَهُ

***

وَلكِنْ سَلِيقىُّ أقُولُ فَأعْرِبُ

كما شذ: عَمِيرىّ وسَلِيمِىّ، فى عَمِيرة كلْب، وسَلِيمة الأزد، نطقوا بالأول، للتنبيه على الأصل المرفوض، وبالأخيرين له، وللتفرقة بين عَمِيرة غير كلْب، وسَلِيمة غير الأزد.

أما معتل العين كطويلة، أو مضعَّفها كجليلة، فلا تحذف ياؤهما، تقول فيهما: طَوِيلىّ، وجَلِيلىّ.

ثالثها: ياء فُعَيْلة بضم الفاء، وفتح العين، غير مضعفتها، كجُهَيْنة وَقُرَيْظة، تقول فى النسبة إليهما: جُهَنِىّ وَقُرَظَىّ بحذف التاء، ثم الياء، وعُيَنِىّ وَقُوَمِىّ، فى عُيَيْنة وقُوَيمة كذلك، مع بقاء ضم الفاء؛ إذ لا يترتب عليها إعلال العين. وشذَّ: رُدَيْنِى فى رُدَيْنة، ولا يجوز الحذف فى نحو قُلَيلة؛ لأن العين مضعَّفة.

رابعها: واو فَعُولة، بفتح الفاء، صحيحة العين، غيرَ مضعفتها، كشَنُوءَة؛ تقول فيه على مذهب سيبويه والجمهور: شَنَئِىّ، بحذف التاء، ثم الواو، ثم قلب الضمة فتحة. ومَن قال: شَنَوِىّ بالواو، قال فيها: شَنُوَّة، بشد الواو. وذهب الأخفش إلى حذف التاء فقط، وغيرُهُ إلى حذف الواو مع التاء فقط. وأما نحو قَوُولة وَمَلُولة، فلا حذْف فيهما غير التاء؛ للاعتلال فى الأول، والتضعيف فى الثانى.

خامسها: يا فَعِيل، بفتحٍ فكسر، يائىّ اللام أو واويها، كغَنِىّ وعَلِىّ، تحذف الياء الأولى، ثم تقلب الكسرة فتحة، ثم تقلب الياء الثانية ألفًا، ثم تقلب الألف واوًا، فتقول: غَنَوِىُّ وَعَلَوِىّ.

سادسها: ياء فُعَيل، بضم ففتح، المعتلّ اللام كقُصَىّ. تحذف الياء الأولى، ثم تقلب الثانية ألفًا، ثم تقلب الألف واوًا، فتقول: قُصَوِىّ، فإن صحت لام فعِيل وفُعَيل، كعَقيل وعُقَيل، ولم يحذف منهما شئ، وشذَّ فى ثَقيف، وقُرَيش، وهُذَيل: ثَقَفىّ، وقُرَشِىّ، وهُذَلِىّ.

وحكم همزة الممدود هنا كحكمها فى التثنية، فتسلم إن كانت أصلا، كقُرَّائِىّ فى قُرَّاء، ومنهم من يقلبها واوًا، والأجود التصحيح. وتقلب واوًا إن كانت للتأنيث كحَمْرَاوِىّ وصَحْرَاوِىّ، فى حمراء وصحراء، وشذّ قلبها نونا فى صَنْعانىّ وبَهْرانِىُّ، نسبة إلى صَنْعاء اليمن وَبَهْرَاء اسم قَبيلة من قُضاعة، وبعض العرب يقول: صَنْعاوِىّ وَبَهْرَاوىّ على الأصل.

ويُخيّرُ فيها إن كانت للإلحاق كعلباء، أو بدلاً من أصل ككساء، فتقول: عِلْبائى أو عِلْباوىّ، وكسائىّ أو كساوىّ.

وَيُنْسَب إلى صدر العَلمَ المركَّب إسناديًّا، كبَرَقِىّ، وتأبَّطِىّ: فى بَرَقَ نحره، وتأبَّطَ شَرًّا. أو مَزْجِيا كبَعْلِىّ وَمَعْدِىّ فى بعْلَبَكّ وَمَعْدِ يكَرِبَ. وهذا هو القياس فيه مطلقًا، سواء كان صحيح الصدر أو معتله. وبعضهم يعامل المعتلَّ معاملة المنقوص، فيقول فى مَعْدِ يكرب: مَعْدَوِىّ. وقيل يُنْسَبُ إلى عجُزه، فتقول: بَكِّىّ وَكَرَبِىّ. وقيل: إليهما مُزالا تركيبهما، فتقول: بَعْلِىّ بَكِّىّ، وَمَعْدِىّ كَرَبِىّ؛ وعليه قولُه:

تَزَوَّجْتُها رَامِيَّة هُرْمُزيَّةً

***

بِفَضْلَة مَا أَعْطَى الأمِيرُ مِنَ الرِّزْقِ

فى النسبة إلى "رامَ هُرْمُزَ" وقيل إلى المركب غير مزال تكريبه، تقول بعْلَبكِّىّ ومَعْدِيكَربىّ. وقيل: يُنْسَبُ إلى "فَعْلَلٍ" مُنْتَحَتَا منهما، تقول بَعْلَبِىّ ومَعْدكِىّ، كما تقول: حضْرَمِىّ فى حَضْرَمَوْت.

ومثل الإِسنادى أيضًا الإضافىّ كامرئ القيس، تقول فيه امْرِئى أو مَرَئىّ، والثانى أفصح عند سيبويه، وعليه قول ذى الرُّمَّة يهجو امرأ القيس:

إذا المَرَئِىُّ شَبَّ له بَنَاتٌ

***

عقَدْنَ برأسِهِ إِبَةً وَعَارَا

وقول ذى الرُّمة:

يعُدُّ النَّاسِبُون إِلَى تمِيمٍ

***

بُيُوتَ المجدِ أرْبَعَةً كِبَارَا

 

ويخرُجُ منهُمُ المَرَئىُّ لَغْواً

***

كما ألغَيْتَ فى الدِّيَةِ الْحُوَارَا

ويُسْتثنى من المركب الإضافىّ ما كان كُنية، كأبى بكر وأم كلثوم، أو معرّفًا صدرُه بعجزه، كابن عمر وابن الزُّبير، فإنك تَنْسُب إلى عَجُزه، فتقول: بكْرِىّ وكُلْثُومِىّ وَعُمَرِىّ.

وألحق بهما ما خِيف فيه لَبْس، كقولهم فى عبد مَناف: مَنَافِىّ، وعبد الأشهل: أشْهَلِىّ، دفعًا للَّبس.

وشذّ فيه: "فَعْلَلٌ" السابق، كتَيْمَلِىّ وعَبْدَرِىّ، ومَرْقَسِىّ، وعَبْقَسِىّ، وعبْشَمِىّ: فى تيم اللاَّت، وعبد الدار، وامرئ القيس ابن جحْر الكِنْدِىّ، وعبد القيس، وعبد شَمْس. ومن الأخير قول بعد يغُوث الحارثىّ:

وَتَضْحَكُ مِنِّى شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّة

***

كأَن لَمّ تَرَى قَبْلِى أسيراً يَمانِيَا

وَإذا نُسِبَ إلى ما حُذِفَتْ لامه، فإن جُبر فى التثنية وجمعِ التصحيح بردّها، كأبٍ وَأخٍ وَعِضةٍ وَسَنَةٍ، تقول فيها: أبَوَانِ وَأخَوَانِ وعِضَوات وَسَنَوَاتِ، أو عِضَهات وسَنَهات، وجب ردُّ المحذوف فى النسب، فتقول: أبَوِىّ وأخَوِىّ وعِضَوِىّ وسَنَوِىّ، أو عِضَهِىّ وسَنَهِىّ. وإن لم يُجبَر فيهما جاز الأمران فى النسب، نحو غَدٍ وَشَفَةٍ، تقول فيهما: غَدِىّ وشَفِىّ، أو غَدَوِىّ وشَفَوِى إلا إن كانت عينه معتلة فيجب جَبْره، كَذَوَوِىّ فى ذِى وذَات، بمعنى صاحب وصاحبة، وشَاهِىّ أو شَوْهِىِّ، بسكون الواو فى شاة، أصلها: شَوْهة. ويجوز الأمران فى يدٍ ودمٍ عند من لا يَرُدّ لامَهما فى التثنية، ووجب الردُّ عند من يردها، فتقول على الأول: يَدِىٌّ أو يَدَوِىّ، ودَمِىّ أو دمَوِىّ، وعلى الثانى: يَدَوِىّ وَدَمَوِىّ لا غير.

وإذا نُسِب إلى ما حُذِفت لامه، وعُوِّض عنها تاء تأنيث لا تنقلب هاء فى الوقف، حذَفت تاؤه، فتقول: بَنَوِىّ وأخَوِىّ فى بِنْت وَأخْت، ويونس يقول: بِنْتِىّ وَأُخْتِىّ، ببقاء التاء، محتجًّا بأن التاء لغير التأنيث؛ لأن ما قبلها ساكن صحيح، ولا يُسَكن ما قبل تاء التأنيث إلا إن كان معتلا كفتاة، وبأن تاءها لا تُبْدل هاء فى الوقف. وكل ذلك مردود بصيغة الجمع، إذ تقول فيهما: بَنَات وأخَوَات، بزيادة ألف وتاء، وحذف التاء الأصلية.

ولا تُرَدُّ الفاء لما صحت لامه، كعِدَة وصِفَة، تقول فيهما: عِدِىّ وصِفّى، وتُردُّ لمعتلها كشِيَة، تقول فيه: وَشَوِىّ، بكسر الواو، وفتح الشين، أو وِشْيِىِّ، بكسرتين بينهما شين ساكنة.

وإذا نُسِب إلى محذوف العين، وهو قليل فى كلامهم، فإن صحت لامه ولم يكن مضعَّفًا، لم يجبَر بردِّ المحذوف، كسَه وَمُذْ، مسمًّى بهما، فتقول منهما: سَهِىّ ومُذِىّ، لا: سَتَهِىّ ومُنْذِىّ. وإن كان مضعفًا كرُبَ بحذف الباء الأولى، مخفف رُبَّ إذا سمى به، فإنه يجبر برد المحذوف، فيقال: رُبَّىّ. ومثل المضعَّف فى وجوب الرد: معتلُّ اللام كالْمُرِى، اسم فاعل أرَى، وكيَرَى مضارع رَأى مسمًّى بهما، فتقول فيهما: الْمُرْئى، واليَرْئىّ، بفتح الياء، وسكون أو فتح الراء، على الخلاف بين سيبويه والأخفش، من إبقاء حركة فاء الكلمة بعد الرد، أو عدم إبقائها.

وإذا نَسَبْت إلى الثَّنائى وضعًا، ضَعَّفت ثانيه إن كان معتلا، فتقول فى لَوْ وكىْ مُسمًّى بهما: لَوُّ وكَىُّ بالتشديد، وتقول فى لا عَلَما: "لاء" بالمدّ، وفى النسب إليها: لَوِّىُّ وكَيْوِىّ، ولائىُّ أو لاوِىّ، كما تقول فى النسب إلى الدوِّ وهو الفلاة، والحىّ، والكساء: دوِّىّ وحَيَوِىّ وكِسائىّ أو كِساوِىّ، وأنت فى الصحيح بالخيار، نحو: كم، فتقول: كَمِىّ بالتخفيف، أو كَمِّى بالتضعيف.

وينسب إلى الكلمة الدالة على جماعة على لفظها إن كانت اسم جمع، كقومىّ ورهطىّ: فى قوم ورهط، أو اسم جنس كشَجَرىّ فى شجر، أو جمع تكسير لا واحد له، كأبابيلىّ فى أبابيل، أو علَمًا كَبَساتينىّ، نِسبة إلى البساتين، عَلَم على قرية من ضواحى مصر، أو جاريا مجرى العلم كأنصارىّ، أو يتغير المعنى إذا نُسب لمفرده كأعرابىّ.

خاتمة

قد يُسْتغنى عن ياء النسب غالبًا بصوغ "فاعِلٍ" مقصودًا به صاحب كذا، كطاعم، وكاسٍ، ولابن، وتامرٍ. ومنه قول الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر:

دعِ المكارِمَ لا تَرْحَل لبُغيتها

***

واقْعُدْ فإنَّكَ أنْتَ الطَّاعِمُ الكاسِى

أى ذُو طعام وكُسْوة.
وقوله:

وَغَررْتَنى وَزَعَمْتَ

***

أنكَ لابنٌ فى الصيف تَامِرْ

أى ذُو لبن وتمر.
أو بصوغ "فعَّال" بفتح الفاء وتشديد العين، مقصودًا به الْحِرَفُ، كنَجَّار وعطَّار وبَزَّاز؛ أى محترف بالنِّجارة والعِطارة والبزارةِ، أو بصوغ "فَعِل" بفتح فكسر، كطَعِم وَلَبِن؛ أى صاحب طعامٍ ولبن. ومنه قوله:

لَسْتُ بِلَيْلِىّ ولكنّى نَهِرْ

***

لا أدْلجُ اللَّيْلَ وَلكِنْ أبْتَكِرْ

وتصاغ نادرًا على وزن "مِفْعال" كمِعطار؛ أى ذى عِطر، "وَمِفْعِيل" كفرس مِحْضير؛ أى ذى حُضْر، بضم فسكون، وهو الجرى.
وما خرج عما تقدَّم فى النسب فشاذّ، كقولهم: رَقَبانِىّ وشَعْرَانِىّ وفَوْقانىّ وتحتانىَ، بزيادة الألف والنون: لعظيم الرَّقبة، والشعْر، ولِفَوق، وتحت، ومَرْوَزِىّ فى مَرْو، بزيادة الزاى، وَأمَوِىّ بفتح الهمزة فى أمَيَّة بضمها، وَدُهْرِىّ بالضم: للشيخ الكبير فى الدهر بالفتح، وبَدَوِىّ، بحذف الألف، فى البادية، وَجَلُولِىّ وحَرورِىّ، بحذف الألف والهمزة، فى جَلُولاء، قرية بفارس، وحَرُوراء قرية بالكوفة.
النصوص الواردة في ( شذا العرف في فن الصرف / أحمد ) ضمن الموضوع ( الباب الثالث - فى أحكام تعم الاسم والفعل ) ضمن العنوان ( فصل: فى حروف الزيادة، ومواضعها، وأدلتها )
اعلم أن الزيادة فى الكلمة عن الفاء والعين واللام: إمَّا أن تكون لإفادة معنى، كفرَّح بالتشديد من فرح، وإمَّا لإلحاق كلمةٍ بأخرى، كإلحاق قُرْدُد (اسم جبل) بجعفر، وجَلْبَبَ بِدَحْرَجَ.
ثم هى نوعان:
أحدهما: ما يكون بتكرير حرف أصلى لإلحاق أو غيره، وذلك إما أن يكوت بتكرير عين مع الاتصال، نحو قَطَّع، أو مع الانفصال بزائد، نحو: عَقَنْقَل، بمهملة وقافين بينهما ساكن مفتوح ما عداه: للكثيب العظيم من الرمل.

أو بتكرير لام كذلك، نحو جلْبَبَ وجِلْباب، أو بتكرير فاء وعين مع مباينة اللام لهما، نحو مَرْمَرِيس، بفتح فسكون ففتح فكسر: للداهية، وهو قليل. أو بتكرير عين ولام مع مباينة الفاء، نحو صَمَحْمَح بوزن سفَرْجَل: للشديد الغليظ. وأما مكرر الفاء وحدها كقَرقَف وسُندس، أو العين المفصولة بأصل، كحَدْرد بزنة جعفر اسم رجل، أو العين والفاء فى رُباعىّ كسِمْسِم فأصلىّ، فلو تكرر فى الكلمة حرفان وقبلهما حرف أصلىٌ كصَمَحْمَحٍ وَسَمَعْمَعٍ: لصغير الرأس، حُكم بزيادة الضعفين الأخرين (لكون الكلمة استوفت بما قبلهما أقلَّ الأصول).
ثانيهما: ما لا يكون بتكرير حرف أصلىّ، وهذا لا يكون إلا من الحروف العشرة، المجموعة فى قولك: "سألتمونيها". وقد جمعها ابن مالك فى بيت واحد أربع مرَّات، فقال:

هَنَاءٌ وَتَسْلِيمٌ، تَلاَ يَوْمَ أنْسِهِ

***

نِهَايَةُ مَسْئُولٍ، أمَانٌ وَتَسْهِيلُ

وقد تكون الزيادة واحدة، وثنْتين، وثلاثا، وأربعا.

ومواضعها أربعة؛ لأنها إما قبل الفاء، أو بين الفاء والعين، أو بين العين واللام، أو بعد اللام، ولا يخلو إذا كانت متعددةً من أن تقع متفرقة أو مجتمعة.

فالواحدة قبل الفاء نحو: أصبع وأكرم.
وبين الفاء والعين، نحو: كاهل، وضارب.
وبين العين واللام نحو: غَزال.
وبعد اللام كحُبْلَى.
والزيادتان المتفرّقتان بينهما الفاء، نحو: أجادل.
وبينهما العين: كعاقول.
وبينهما اللام: نحو قُصَيْرَى؛ أى الضلَع القصيرة.
وبينهما الفاء والعين: نحو إعصار.
وبينهما العين واللام: نحو: خَيْزَلَى، وهى مِشية فيها تثاقل.
وبينهما الفاء والعين واللام، نحو: أجْفَلَى للدعوة العامة.
والمجتمعتان قبل الفاء: نحو: منطلق.
وبين الفاء والعين، نحو: جواهر.
وبين العين واللام، نحو: خُطّاف.
وبعد اللام نحو: عِلباء.
والثلاث المتفرقات، نحو: تماثيل.
والمجتمعة قبل الفاء، نحو: مستخرج.
وبين العين واللام، نحو: سَلاليم.
وبعد اللام نحو: عنفوان.

واجتماع ثنتين وانفراد واحدة، نحو: أفْعُوَان.
والأربع المتفرقات، نحو: احميرار، مصدر احمارَّ، ولا توجد الأربع مجتمعة.
وأدلة الزيادة تسعة:
الأول: سقوط بعض الكلمة من أصلها، كألف ضارب، وألف وتاء تَضَارَبَ من الضرب، فما عدا الضاد والراء والباء: حُكْمه الزيادة.
الثانى: سقوط بعض الكلمة من فرع، كنُونَىْ سُنبْل وحَنْظل، من أسبل الزرع، وَحَظِلت الإبل؛ أى خرج سُنْبُل الزرع، وتأذت الإبِل من أكل الحنظل، فنونهما زائدة؛ لسقوطها من الفرعين.
الثالث: لزوم خروج الكلمة عن أوزان نوعها لو حكمنا بأصالة حروفها، كنونى نَرْجِس، بفتح فسكون فكسر، وهُنْدَلِع بضم فسكون ففتح فكسْر: لبقلة، وتاءى تَنْضُب، بفتح فسكون فضم: اسم شجر، وتَنْفُل بفتح فسكون فضم: لولد الثعلب؛ لانتفاء هذه الأوزان فى الرُّباعىّ المجرَّد.
الرابع: التكلم بالكلمة رباعية مرة وثلاثية أخرى مَثَلا، كأيْطل (بفتحتين بينهما ساكن)، وإطْل (بكسر فسكون أو بكسرتين): للخاصرة.
الخامس: لزوم عدم النظير فى نظير الكلمة التى اعتبرتها أصلاً، كتُتْفُل بضمتين بينهما ساكن، فإنه وإن لم يترتب عليه عدم النظير لوجود فُعْلُل كبُرْثُن، لكن يترتب ذلك فى نظير تلك الكلمة، وهى تَتْفُل المفتوحة التاء فى اللغة الأخرى، إذ لا وجود "لفَعْلُل" بفتح فضم بينهما سكون، فثبوتُ زيادة التاء فى لغة الفتح لعدم النظير، دليلٌ على زيادتها فى لغة الضم، والأصل الاتحاد.
السادس: كون الحرف دالاً على معنى، كأحرف المضارعة وألفِ اسم الفاعل.

السابع: كونه مع عدم الاشتقاق فى موضع يلزم فيه زيادته مع الاشتقاق، كالنون ثالثة ساكنة غير مدغمة، بعدها حرفان، كوَرَنْتَل (بفتحات، بينهما نون ساكنة): للداهية، وشَرَنْبَث (بزنته): للغليظ الكفين والرجلين، وعَصَنْصَر (بفتح المهملات وسكون النون): اسم جبل؛ لأنها فى موضع لا تكون فيه مع المشتق إلا زائدة، كجَحَنفل (بزنته أيضًا) وهو الغليظ الشفة، من الجَحْفَلة، وهى لذى الحافر كالشفة للإنسان.
الثامن: وقوعه منها فى موضع تغلب زيادته فيه مع المشتق، كهمزة أرْنب وأفكَل، بفتحتين بينهما ساكن: للرِّعْدة، لزيادتها فى هذا الموضع مع المشتق، كأَحمر.
التاسع: وجوده فى موضع لا يقع فيه إلا زائدًا، كنونات حِنْطَأوٍ، بكسر فسكون ففتح فسكون: لعظيم البطن، وكنْتأو (بزنته)، لعظيم اللحية، وَسِنْدَأو وَقِنْدَأو بزنة ما تقدم: لخفيفها.
وزاد بعضهم عاشرًا - وهو الدخول فى أوسع البابين، عند لزوم الخروج عن النظير فيهما، نحو كَنَهْبُل، (بفتحتين فسكون فضم): شجر عظيم، (وقد تفتح باؤه)، فزنته بتقدير أصالة النون: "فَعَلُّل"، وبتقدير زيادتها "فَنَعْلُل" وكلاهما مفقود، غير أن أبنية المزيد أكثر، فيصار إليه.
[حروف الزيادة]
[الألف]
ويحكم بزيادة الألف: متى صاحبت أكثر من أصلين، كضارب وعماد، وحبلى.
[الواو]
ويحكم بزيادة الواو: متى صحبت أكثر من أصلين ولم تتصدر، ولم تكن كلمتها من باب سمسم، كمحمود وبويع، بخلاف نحو: سوط، و "وَرَنْتَل" و "وعوعة".
[الياء]
ويحكم بزيادة الياء: متى صحبت أكثر من أصلين، ولم تتصدر سابقةً أكثَر من ثلاثة أصول، ولم تكن كلمتها من باب سمسم، كيضرب فعلا، ويرمع اسمًا، بخلاف نحو: بيت، ويؤيؤ لطائر، ويستعور بزنة فعللول، كعضرفوط: اسم لدويبة.
[الميم]

ويحكم بزيادة الميم: متى سبقت أكثَر من أصلين، ولم تلزم فى الاشتقاق، كمحمود، ومسجد، ومنطلق، ومفتاح بخلاف نحو: مَهْدِ وَمِرْعِز (بكسرتين بينهما سكون): اسم لما لان من الصوف، فَإنّهم قالوا: ثوب ممرعز فأثبتوها فى الاشتقاق، واستدلوا بذلك على أصالتها، خلافًا لسيبويه القائل بزيادتها.
[الهمزة]
ويحكم بزيادة الهمزة: مصدَّرةً متى صحبت أكثر من أصلين، ومتأخرةً بشرط أن تُسبق بألف مسبوقة بأكثر من أصلين كأحفظ فعلاً، وأفضل اسمًا مشتقًا، وإصبع اسمًا جامدًا، وأفلُس جمعًا، وكحمراء وصحراء.
[النون]
ويحكم بزيادة النون: متطرفةَ إن كانت مسبوقة بألف مسبوقة بأكثر من أصلين، كسكران وغضبان، ومتوسطة بين أربعة أحرف إن كانت ساكنة غير مضعفة كغضنفر وقرنفل، أو كانت من باب الانفعال كانطلق ومنطلق، أو بدأتْ المضارعَ.
[التاء والسين]
ويحكم بزيادة التاء: فى باب التفعُّل كالتدحرج، والتفاعل كالتعاون، والافتعال كالاقتراب، والاستفعال كالاستغراب والاستغفار، وهو الموضع الذى يحكم فيه بزيادة السين. أو كانت التاء فى التفعيل أو التفعلل، أو كانت للتأنيث كقائمة، أو بدأت المضارعَ.
وتزاد التاء سَمَاعًا فى نحو ملكوت وجبروت ورَهَبُوت وعنكبوت.
وتزاد السينَ سماعًا فى قُدمُوس بزنة عصفور للإلحاق به.
[الهاء واللام]
وزيادة الهاء واللام قليلة: ومثَّلوا للهاء بقولهم أهراق فى أراق، وبأمهات فى جمع أم. ومَن مثَّل لها بهاء السكت رُدَّ عليه بكونها كلمة مستقلة. ومثَّلوا للأَّم بطيسل وزيدل وعبدل، والأصل طيس وهو الكثير، وزيد وعبد، ومن مثَّل لها بلام ذلك وتلك، رُدَّ عليه بردّ هاء السكت.
النصوص الواردة في ( شذا العرف في فن الصرف / أحمد ) ضمن الموضوع ( الباب الثالث - فى أحكام تعم الاسم والفعل ) ضمن العنوان ( فصل: فى همزة الوصل )
همزة الوصل: هل التى يُتوصل بها إلى النطق بالساكن، وتسقط عند وصل الكلمة بما قبلها.

ولا تكون فى حرف غير ألْ، ومثلها أمْ فى لغة حِمْيَر، ولا فى فعل مُضارع مطلقًا، ولا فى ماضى ثلاثى كأمَر وأخذ، أو رُباعىّ كأكرم وأعطى، بل فى الخماسىّ كانطلق واقتدر، والسُّداسىّ كاستخرج واحرنجم، وأمرهما، وأمر الثلاثىّ الساكنُ ثانى مضارعه لفظًا كاضرب، بخلاف نحو: هَبْ وعِدْ وقُلْ. ولا فى اسمٍ إلا فى مصادر الخماسىّ والسداسىّ، كانطلاق واستخراج.
وفى عشرة أسماء مسموعة، وهى: اسْمٌ واسْتٌ، وابنٌ، وابنُم، وابنة، وامْرُؤٌ، وامرَأة، واثْنان، واثْنتان، وايْمُنُ المختصة بالقسم، وما عدا ذلك فهمزته همزة قطع.
ويجب فتحُ همزة الوصل فى أل، وضمُّها فى نحو انطُلِق واستُخْرِج مبنيين للمجهول، وأمر الثلاثى المضموم العين أصالة، كادخُلْ واكتُب. بخلاف امْشُوا واقْضُوا مما جُعِلت كسرة عينه ضمة لمناسبة الواو، فتكسر الهمزة بخلاف عكسه، مما جعلت ضمة العين فيه كسرة لمناسبة الياء، كاغزِى، فيترجح الضم على الكسر، كما يترجح الفتح على الكسر فى ايْمُن وايم، والكسر على الضم فى اسم، ويجوزان مع الإشمام فى نحو اختار وانقاد مبنيين للمجهول.
ويجب الكسر فيما بقى من الأسماء العشرة، والمصادر، والأفعال.
وتُحذف لفظًا لا خطّاًّ إن سُبقت بكلام، ولفظًا وخطًّا فى "ابن" مسبوق بعلَم وبعده علَم، بشرط كونه صفةً للأول، والثانى أبًا له، ما لم يقع أول السطر، وفى {بسم الله الرحمن الرحيم}، قال بعض الشعراء مشيرًا إلى ذلك.

أفى الحق أن يُعطى ثلاثون شاعرًا

***

ويُحْرَمُ ما دُون الرضا شاعرٌ مِثْلى

كما سامحوا عَمْراً بواو مَزيدة

***

وضُويق "باسم الله" فى ألفِ الوصلِ

وإن وقعت بعد همزة استفهام، فإِن كانت مكسورة حذفت نحو: "أتخذناهم سخريا"، "أستغفرت لهم"، أبنك هذا؟ أسمك على؟ بخلاف ما إذا كانت مفتوحة فإنها تبدل ألفًا.

وقد تُسَهَّل نحو: "آلله أذن لكم؟".

كما تحذف همزة "أل" خطًّا ولفظًا إذا دخلت عليها اللام الحرفية، سواء كانت للجر، أو لام القسم والتوكيد، أو الاستغاثة، أو للتعجب نحو قوله تعالى: "للفقراء والمساكين"، "وإنه للحق من ربك"، "وللآخرة خير لك من الأولى".

وكقول الشاعر: يا للرجال عليكم حملتى حسبت

ونحو: يا للماء والعشب. ولا تحقق مطلقا إلا فى الضرورة، كقوله:

ألا لا أرى إثنين أحسن شيمةً

***

على حدثان الدهر منى ومن جملِ

الإعلال والإبدال

الإعلال: هو تغيير حرف العلة للتخفيف، بقلبه، أو إسكانه، أو حذفه، فأنواعه ثلاثة: القلب، والإسكان، والحذف.

وأما الإبدال: فهو جَعْلُ مطلق حرف مكان آخر. فخرج باإِطلاق الإعلال بالقلب؛ لاختصاصه بحروف العلة؛ فكل إعلال يقال له: إبدال ولا عكس؛ إذ يجتمعان فى نحو: قال ورمى، وينفرد الإبدال فى نحو اصْطَبَر وادَّكر. وخرج بالمكان العوض، فقد يكون فى غير مكان المعوض منه. كتاءَى عِدَة واستقامة، وهمزتى ابن واسم. وقال الأشمونى: قد يُطْلق الإبدال على ما يعُم القلب، إلا أن الإبدال إزالة، والقلب إحالة، والإحالة لا تكون إلا بين الأشياء المتماثلة، ومن ثَمَّ اختص بحروف العلة والهمزة؛ لأنها تقاربها بكثرة التغيير.

واعلم أن الحروف التى تبدل من غيرها ثلاثة أقسام:
1- ما يُبدل إبدالاً شائعًا للإدغام، وهو جميع الحروف إلا الألف.
2- وما يبدل إبدالاً نادراً، وهو ستة أحرف: الحاء، والخاء، والعين المهملة، والقاف، والضاد، والذال المعجمتانِ، كقولهم فى وُكْنة، وهى بيت القَطَا فى الجبل: وُقْنة، وفى أغْنّ: أخَنّ، وفى رُبَع: رُبح، وفى خَطَر: غَطَر، وفى جَلْد: جَضْد، وفى تلعثمَ: تلَعْذَم.
وما يُبدل إبدالاً شائعًا لغير إدغام، وهو اثنان وعشرون حرفًا يجمعها قولك "لجد صرف شكس أمن طى ثوب عزته". والضرورىّ منها فى التصريف تسعة أحرف، يجمعها قولك: "هَدَأْتُ مُوطِيا".

وما عداها فإبداله غير ضرورىّ فيه، كقولهم فى أصَيْلان: تصغير أصْلان بالضم، على ما ذهب إليه الكوفيون، جمع أصيل، أو هو تصغير أصيل، وهو الوقت بعد العصر: أصَيْلال، وفى اضطجع إذا نام: الْطَجع، وفى نحو علىّ (عَلَمًا) فى الوقف أو ما جرى مجراه: علِجّ بإِبدال النون لامًا فى الأول، والضاد لامًا فى الثانى، والياء جيمًا فى الثالث.
قال النابغة:

وَقَفْتُ فِيها أصَيْلاَلاً أسَائِلُهَا

***

أعْيَتْ جَوَابًا وَمَا بالرَّبْع مِنْ أحَدِ

وقال منظور بن حَبَّة الأسدى فى ذئب:

لَمَّا رَأى أن لادَعَهْ وَلا شِبَعْ

***

مَالَ إلىَ أرْطَاةِ حقْفٍ فَالْطَجَعْ

وقال آخر:

خالِى عُوَيْفٌ وَأبو عَلِجّ

***

المُطْعِمانِ اللَّحْمَ بِالعَشِجّ

يريد أبا علىّ والعشىّ، وتسمّى هذه اللغة عَجْعَجَة قُضاعة. واشترط بعضهم فيها أن تكون الجيم مسبوقة بعين، كما فى البيت، وبعضهم يُطْلِق، مستدلاً بقول بعض أهل اليمن:

لا هُمّ إن كنت قبلتَ حِجَّتِجْ
فلا يزالُ شاحِجٌ يأتِيكَ بِجْ
أقْمَرُ نَهَّاتٌ يُنَزَّى وَفْرَتِجْ
(أ) الإعلال فى الهمزة
1- تقلب الياء والواو همزة وجوباً فى أربعة مواضع:
الأول: أن تتطرفا بعد ألف زائدة كسماء وبناء، أصلهما سَماوٌ وبِناىٌ، بخلاف نحو: قال، وباع، وإداوة، وهى المطْهرة، وهداية؛ لعدم التطرف، ونحو دَلْو وَظَبْى؛ لعدم تقدم الألف، ونحو آية ورايةٍ؛ لعدم زيادتها.

وتشاركهما فى ذلك الألف، فإنها إذا تطرفت بعد ألف زائدة أبدلت همزة، كحمراءَ، إذ أصلها حَمْرَى كسَكرَى، زيدت ألف قبل الآخر للمدّ، كألف كتاب، فقلبت الأخيرة همزة.
الثانى: أن تقعا عينًا لاسم فاعلِ فِعْلٍ أعِلَّتا فيه، نحو قائل وبائع، أصلهما قاوِل وبايع، بخلاف نحو عَيِنَ فهو عايِنَ، وعَوِرَ فهو عاوِر؛ لأن العين لما صحَّت فى الفعل، خوف الإلباس بعان وعار، صحت فى اسم الفاعل تبعًا للفعل.

الثالث: أن تقعا بعد ألف "مَفَاعل" وشِبِهه، وقد كانتا مَدتين زائدتين فى المفرد، كعجوز وعجائز، وصحيفة وصحائف، بخلاف نحو قَسْور، وهو الأسد، وقساوِر؛ لأن الواو ليست بمدة، ومَعِيشة ومعايِش؛ لأن المدة فى المفرد أصلية، وشذّ فى مُصيبة مصائب، وفى مَنارة منائر بالقلب، مع أصالة المدة فى المفرد، وسهَّله شَبَه الأصلىِّ بالزائد.
وتشاركهما فى ذلك الحكم الألْفُ، كرِسالَة ورسائل، وقلاَدة وقلائد.
الرابع: أن تقعا ثانيتى لينين بينهما ألف "مفَاعِل"، سواء كان اللِّينان ياءين، كنيائف جمع نيِّف، وهو الزائد على العِقد، أو واوين، كأوائل جمع أوّل، أو مختلفين، كسيائد جمع سيِّد، أصله سيود، وأما قول جَنْدَل بن المُثَنّى الطُّهَوِىّ: وكَحَّل العينين بِالعَوَاوِرِ
من غير قلب؛ فلأن أصله بالعواوير كطواويس، وقد تقدم جواز حذف ياء "مفاعيل"، ولذا صُحِّح.
وتختص الواو بقلبها همزة إذا تصدرت قبل واوٍ متحركة مطلقًا، أو ساكنة متأصلةِ الواوية، نحو أواصل وأواق، جمعَىْ واصلة وواقية.
ومنه قول مُهَلْهِل:

ضَرَبَتْ صَدْرَهَا إِلىَّ وقَالَتْ

***

يَا عَدِيًّا لقَدْ وَقَتْكَ الأوَاقِى

ونحو الأولى أثنى الأوّل، وكذا جمعها: وهو الأَوَلُ.
بخلاف نحو هَوَوِىّ ونَوَوِىّ، فى النسبة إلى هَوىّ وَنَوىّ، لعدم التصدر، وَوُوْفِىَ وَوُوْعِدَ مجهولين؛ لعدم تأصل الثانية.
وتبدل الهمزة من الواو جوازًا فى موضعين:
أحدهما: إذا كانت مضمومة ضمًا لازمًا غير مشددة، كوُجوه وأجوُه، ووُقوت وأقوت: فى جمع وجه ووقت، وأدْوُرْ وأدْؤُر، وأنْوُر وأنْؤُر: جمعى دار ونار، وقَئُول وصئول: مبالغة فى قائل وصائل، فخرجت ضمة الإعراب، نحو هذا دلُو، وضمةُ التقاء الساكنين، نحو {وَلاَ تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُم}، وخرج بـ "غير مشدَّدةٍ". نحو التعوُّذ والتجوُّل.
ثانيهما: إذا كانت مكسورة فى أول الكلمة، كإشاح وإفادة وإسادة، فى وِشاح، ووِفادة ووِسادة.

وتبدل الهمزة من الياء جوازًا إذا كانت الياء بعد ألف، وقبل ياء مشدَّدة، كغائىّ ورائىّ: فى النسبة لغاية وراية.
وجاءت الهمزة بدلاً من الهاء فى ماء، بدليل تصغيره على مويه، وجمعه على أمواه.
(ب) فصل فى عكس ما تقدم
وهو قلب الهمزة ياء أو واوًا، ولا يكون ذلك إلا فى بابين:
أحدهما: باب الجمع الذى على زنة "مفَاعِل"، إذا وقعت الهمزة بعد ألف، وكانت تلك الهمزة عارضة فيه، وكانت لامه همزة أو واوًا أو ياء. فخرج باشتراط عروض الهمزة المرَائِى: فى جمع مِرْآة؛ فإن الهمزة موجودة فى المفرد، وبالأخير سلامةُ اللام، فى نحو صحائف وعجائز ورسائل، فلا تغير الهمزة فيما ذُكِر. والذى استوفى الشروط يجب فيه عملان: قلب كسر الهمزة فتحة، ثم قلب الهمزة ياء فى ثلاثة مواضع، وواوًا فى موضع واحد. فالتى تقلب ياء يشترط فيها أن تكون لام الواحد همزة، أو ياء أصلية، أو واوًا منقلبة ياء، والتى تقلب واوًا يشترط فيها أن تكون لام الواحد واوًا ظاهرة فى اللفظ، سالمة من القلب ياء.
فهذه أربعة مواضع تحتاج إلى أربعة أمثلة:
1- مثال ما لامه همزة: خطايا جمع خطيئة، أصلها خَطَايئ، بياء مكسورة هى ياء المفرد، وهمزة بعدها هى لامه. ثم أبدلت الياء المسكورة همزة، على حد ما تقدم فى صحائف، فصار خَطَائئ بهمزتين، ثم الهمزة الثانية ياء؛ لأن الهمزة المتطرفة إثر همزة تقلب ياء مطلقًا، فبعد المكسورة أولى، ثم قلبت كسرة الهمزة الأولى فتحة للتخفيف، كما فى المدارَى والعذارَى، ثم قلبت الياء ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار خَطاءًا بألفين بينهما همزة، والهمزة تشبه الألف، فاجتمع شبه ثلاث ألفات، وذلك مستكرَه، فأبدلت الهمزة ياء، فصار خطايا، بعد خمسة أعمال.

2- ومثال ما لامه ياء أصلية: قضايا جمع قضية، أصلها قضايى بياءين أبدلت الياء الأولى همزة، على ما تقدم فى نحو صحائف، فصار قضائِىُ، قلبت كسرة الهمزة فتحة، ثم الياء ألفا، فصار قضاءًا، ثم قلبت الهمزة المتوسطة ياء، لما تقدّم، فصار قضايا، بعد أربعة أعمال.
3- ومثال ما لامه واوٌ قلبت ياء فى المفرد: مَطِيَّة، إذ أصلها مَطِيْوَة من المَطا، وهو الظهر، أو من المَطْو وهو المدّ، اجتمعت الواو والياء وسُبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمتا، كما فى سيِّد وميِّت، وجمعها مطايا، وأصلها: مَطايِوُ، قلبت الواو ياء، لتطرُّفها إثر كسرة، فصار مَطايِىُ، ثم قلبت الياء الأولى همزة كما تقدّم، ثم أبدلت الكسرة فتحة، فصار مَطَاءَىُ، ثم الياء ألفا، ثم الهمزة المتوسطة ياء، فصار مطايا بعد خمسة أعمال.
4- ومثال ما لامه واو ظاهرة سلمت فى المفرد: هِرَاوَة، وهى العصا، وجمعها هَرَاوَى، أصلها هَرَائِوُ. وذلك أن ألف المفرد قلبت فى الجمع همزة، كما فى رسالة ورسائل، فصار هرائوُ، ثم أبدلت الواو ياء، لتطرُّفها إثر كسرة، فصار هَرَائىُ ثم فتحت كسرة الهمزة، فصار هَرَاءَىُ، ثم قلبت الياء ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار هراءَا، بهمزة بين ألفين، ثم قلبت الهمزة واوًا، ليتشاكل الجمع مع المفرد، فصار هَرَاوَى بعد خمسة أعمال.
وشذ من هذا الباب قوله: حَتّى أزِيرُوا المَنَائِيا
والقياس المنايا، و "اللهم اغْفِر لى خَطَائئى" والقياس خطاياى، وهَدَاوَى جمع هَدية، والقياس هدايا.
ثانيهما: باب الهمزتين الملتقيين فى كلمة واحدة، والتى تُعَلّ هى الثانية؛ لأن الثقل لا يحصل إلا بها، فلا تخلو الهمزتان: إما أن تكون الأولى متحركة والثانية ساكنة، أو بالعكس، أو تكونا متحركتين.

فإن كانت الأولى متحركة والثانية ساكنة، أبدلت الثانية من جنس حركة الأولى، نحو آمنت أومِنُ إيمانًا، والأصل: أأمَنْت أؤْمِن إئمَانا، وشذّ قراءة بعضهم "إئْلافِهِم" بتحقيق الهمزة الثانية.
وإن كانت الأولى ساكنة والثانية متحركة، ولا تكونان إلا فى موضع العين أو اللام، فإِن كانتا فى موضع العين، أدْغمت الأولى فى الثانية، نحو سَآل مبالغة فى السؤال، ولآل ورآس، فى النسب لبائع اللُّؤلؤ والرُّءوس.
وإن كانتا فى موضع اللام، أبْدِلت الثانية ياء مطلقًا، فتقول فى مثال "قِمَطْر" مِن قرأ: قِرَأى، وفى مثال: سَفَرجَل منه: قَرَأيَأ.
وإن كانتا متحركتين، فإن كانتا فى الطّرَف أو كانت الثانية مكسورة أبدلت ياء مطلقًا. وإن لم تكن طَرفًا وكانت مضمومة: أبدلت واوًا مطلقا، وإن كانت مفتوحة، فإن انفتح ما قبلها أو انضم أبدلت واوًا، وإن انكسر أبدلت ياء.
ويجوز فى: نحو رَأس ولُؤْم وبِئْر، إبقاؤها وقلبها من جنس حركة ما قبلها وفى نحو: وضوء ومجئ، يجوز إبقاؤها وقلبها من جنس ما قبلها مغ الإدغام.
2- الإعلال فى حروف العلة
(أ) قلب الألف والواو ياء
تقلب الألف ياء فى مسألتين:
الأولى: أن ينكسِر ما قبلها، كما فى تكسير وتصغير نحو: مصباح ومفتاح، تقول فيهما: مصابيح ومفاتيح، وَمُصَيْبيح ومُفَيتيح.
الثانية: أن تقع تالية لياء التصغير، كقولك فى غلام: غُلَيِّم.
وتقلب الواو ياء فى عشرة مواضع:
أحدها: أن تقع بعد كسرة فى الطرف، كرَضِىَ وَقَوِىَ، وَعُفِىَ مبنيًا للمجهول. والغازِى والداعِى؛ أو قبل تاء التأنيث كشَجِية وَأكْسِيَة وغازِية وعُرَيْقِيَة: تصغير عَرْقُوَة؛ وشذَّ سَوَاسِوَة: جمع سواء. أو قبل الألف والنون الزائدتين، كقولك فى مثال قَطِران، بفتح فكسر، من الغزو: غَزِيان.

ثانيهما: أن تقع عينًا لمصدر فعلٍ أعِلَّت فيه، وقبلها كسرة، وبعدها ألف كصِيام وقيام وانقِياد واعتِياد، فخرج نحو سِوار وسِواك، بكسر أولهما؛ لانتفاء المصدرية، وَلِواذ وجِوار؛ لعدم إعلال عين الفعل فى لاوَذَ وجاوَرَ، وحال حِوَلاً، وعاد المريضَ عِوَدَا، لعدم الألف فيها، وراح رَوَاحاً لعدم الكسر، وقلَّ الإعلال فيما عَدِم الألف، كقراءة بعضهم: "جَعَلَ الله الكَعْبَةَ البيْتَ الحَرَامَ قِيمًا لِلنَّاس ". وشذّ التصحيح مع استيفاء الشروط فى قولهم: نَارَت الظِّبية تَنُور نِوَاراً، بكسر النون، أى نفرت، وشار الدابةَ شِوارًا بالكسر: راضها، ولا ثالث لهما.
ثالثها: أن تكون عينًا لجمع صحيح اللام، وقبلها كسرة، وهى فى مفرده إما معتلَّة، كدار ودِيار، وحِيلة وحِيَل، ودِيمة ودِيَم، وقِيمة وقِيَم، وشذّ حِوَج بالواو فى حاجة.
وإما شبيهة بالمعَلَّة، وهى الساكنة، بشرط أن يليها فى الجمع ألف، كسوط وسِياط، وحَوْض وحِياض، وروض ورِياض. فإن عُدِمَت الألف صحت الواو، نحو كُوز وكِوَزة، وشذ ثِيرة جمع ثَوْر. وكذا إن تحركت فى مفرده، كطَوِيل وطوال، وشذ الإعلال فى قول أنَيْفِ بن زَبَّانَ النَّبْهَانّى الطَّائى:

تَبَيَّنْ لِى أنَّ القُمَاءَةَ ذلَّةٌ

***

وَأنَّ أعِزَّاء الرِّجَال طِيَالُها

وتسْلم الواو أيضا إن أعِلَّت لامُ المفرد، كجمع رَيَّان وجَوّ، فيقال فيهما: رِوَاء وجِوَاء، بكسر الفاء وتصحيح العين، لئلا يتوالى فى الجمع إعلالان: قَلْبُ العين ياء، وقلبُ اللام همزة.
رابعها: أن تقع طَرَفا، ورابعة فصاعدًا بعد فتح، نحو أعْطَيْتُ وزكَّيْتُ، وَمُعْطَيان ومُزكَّيان، بصيغة اسم المَفعول، حملوا الماضى المزيد على مضارعه، واسم المفعول على اسم الفاعل.

خامسها: أن تقع متوسطة إثر كَسْرة، وهى ساكنة مفردة، كميزان، ومِيقات، فخرَج نحو صِوان، وهو وِعاء الشئ، وسِوَار، لتحرك الواو فيها، ونحو اجْلِوَّاذ، وهو إسراع الإبل فى السير، واعْلِوَّاط وهو التعلق بعنق البعير بقصد الركوب؛ لأن الواو فيهما مكررة لا مفردة.
سادسها: أن تكون الواو لامًا لِفُعْلَى "بضم فسكون" وصفا، نحو الدُّنيا والعُلْيا. وقول الحجازيين القُصْوَى شاذ قياسًا، فصيحٌ استعمالاً، نُبِّه به على أن الأصل الواو، كما: اسْتَحْوَذَ والقَوَد، إذ القياس الإعلال، ولكنه نُبِّه به على الأصل، وبنو تميم يقولون: القُصْيَا على القياس. فإن كانت "فُعْلَى" اسمًا لم تُغَيَّر كحُزْوَى: لموضع.
سابعها: أن تجتمع هى [أى: الواو] والياء فى كلمة، والسابق منهما متأصل ذاتا وسكونا، نحو سيِّد ومَيِّت، وطىَّ وَلَىُّ، مَصدَرَى طويت ولويت، فخرج نحو يدعو ياسر، ويرمى واقد، لكون كل منهما فى كلمة، ونحو طويل وغيور، لتحرك السابق، ونحو ديوان، إذ أصله دِوَّان "بشد الواو" وبُويع، إذ أصل الواو ألف فاعَلَ، ونحو قَوْىَ "بفتح فسكون" فخفف قَوِىَ "بالكسر" للتخفيف. وشذّ التصحيح مع استيفاء الشروط كَضَيْونٍ للسِّنَّور الذكر، ويوم أيْوَمُ: حصلت فيه شدَّة، وعَوَى الكلب عَوْية، ورجاء بن حَيْوَة.
ثامنها: أن تكون الواو لام "مَفْعُول" الذى ماضيه على "فَعِل" بكسر العين، نحو مَرْضِىّ ومَقْوِىّ عليه، فإِن كانت عينُ الفعل مفتوحة صحت الواو، كمدعوّ ومغزوّ. وشذ الإعلال فى قول عبدِ يغوثَ الحارثىّ من الجاهليين:

وقد عَلِمَتْ عِرْسِى مُلَيْكَةُ أننى

***

أنَا اللَّيْثُ مَعْدِيًا عَلَىَّ وعادِيا

تاسعها: أن تكون لام "فُعُول" بضم الفاء جمعا، كعِصِىّ وَدِلِىّ وَقِفىّ، ويقل فيه التصحيح؛ نحو أبُوٍّ وأخُوٍّ: جمعى: أب وأخ، ونُجُوّ: جمع نَجو، وهو السحاب الذى هَراق ماءه، وأما المفرد فالأكثر فيه التصحيح، كعُلُوّ وعُتُوّ، ويقلّ فيه الإعلال، نحو عَتَا الشيخ عِتِيًّا: إذا كَبر، وقسا قلبه قِسِيًّا.
عاشرها: أن تكون عينًا "لفُعَّل" بضم الفاء وتشديد العين، جمعًا صحيح اللام، غير مفصولة منها، كصُيَّمَ وزُيَّم، والأكثر تصحيحه، كصُوَّم ونُوَّم. ويجب تصحيحه إن أعلت اللام، لئلا يتوالى إعلالان، كشُوَّى وغُوّى؛ جمعى شاوٍ وغاوٍ، أو فصلت من العين، نحو صُوَّام ونُوَّام، وشذ قول ذى الرُّمّة:

ألاَ طَرقَتْنَا مَيَّةُ ابْنَةُ مُنْذِر

***

فما أرَّقَ النُّيَّامَ إلا كَلامُها

(ب) قلب الألف والياء واوًا
1- وتقلب الألف واوًا: إذا انضم ما قبلها كبُويِع وضُورِب وضُوَيْرِب.
2- وتقلب الياء واوًا: إن كانت الياء ساكنة مفردة مضمومًا ما قبلها فى غير جمع، كمُوقِنٍ وَمُوسِر، ويَوُقِنُ وَيُوسِر. فخرج بساكنة نحو: هُيَام، وبمفردة نحو: حُيّض جمع حائض، وبـ "مضمومًا ما قبلها": ما إذا كان مفتوحًا أو مكسورًا أو ساكنا، وبغير جمع: ما إذا كانت فيه كبيض وهِيم، جمعى أبيض وبيضاء، وأهيم وهيماء. ويجب فى هذه الحالة قلب الضمَّة كسرة.
وكذا تقلب الياء واوًا إذا انضم ما قبلها، وكانت لام "فَعُلَ" بفتح فضم كنَهُوَ الرجل وَقَضُوَ، أو كان ما هى فيه مختومًا بتاء بنيت الكلمة عليها، كأن تَصُوغ من الرمْى مثل مقْدُرة، فإنك تقول: مَرْمُوَة. أو كانت هى لام اسم ختم بألف ونون مزيدتين، كأن تصوغ من الرْمى أيضًا مثل سَبُعَان، بفتح فضم: اسم موضع، فإنك تقول: رَمُوان.

وكذا تقلب واوًا إن كانت لامًا "لفَعْلَى، بفتح الفاء" اسمًا لا صفة، كَتَقْوَى وَشَرْوَى، وهوَ المثل، وَفَتْوى. وشذّ التصحيح فى سَعْيا: لمكان، وَرَيَّا: للرائحة، وكذا إن كانت الياء عينًا "لفُعْلَى، بضم الفاء" اسمًا كطُوبى، أو صفة جارية مجرى الأسماء، وكانت مؤنث أفعل، كطُوبى وكُوسَى وَخُوْرَى، مؤنثات: أطْيَبَ وَأكْيَسَ وَأخيْرَ، فإن كانت "فُعْلَى" صفة محضة، وجب تصحيح الياء، وقلب الضمة كسرة، ولم يسمع منه إلا {قِسْمَة ضِيزَى} أى جائزة، ومِشْيَة حِيْكَى؛ أى يتحرَّك فيها المَنْكِبان. وقال بعضهم: إن كانت "فُعْلَى" وصفا: فإن سلمت الضمة قلبت الياء واوًا، وإن قلبت كسرة بقيت الياء، فتقول: الطُّوبَى وَالطِّيبَى، والضُّوقَى والضِّيقى، والكوسَى والكِيْسَى.
(ج) قلب الواو والياء ألفًا
تقلب الواو والياء ألفا بعشرة شروط:
الأول: أن يتحركا.
الثانى: أن تكون الحركة أصلية.
الثالث: أن يكون ما قبلها مفتوحًا.
الرابع: أن تكون الفتحة متصلة فى كلمتيهما.
الخامس: أن يتحرك ما بعدهما إن كانتا عينين، وألاّ يقع بعدهما ألف ولا ياء مشددة إن كانتا لامين، فخرج بالأول القول والبيع لسكونهما، وبالثانى جَيَل وتَوَم "بفتح أولهما وثانيهما" مخففى جَيْأل وتَوءَم "بفتح فسكون ففتح فيهما" الأول اسم للضَّبُع، والثانى للود يولد معه آخر. وبالثالث العِوَض والحِيَل والسُّوَر، "بالكسر فى الأوَّلَيْن والضم فى الثالث"، وبالرابع ضربَ واقَد، وكتبَ يَاسر، وبالخامس بَيَان وطَوِيل وخَوَرْنَق: اسم قصر بالعراق؛ لسكون ما بعدهما، وَرَمَيَا وغَزَوَا وَفَتَيان وعَصَران؛ لوجود الألف، وعَلَوِىّ وفَتَوِىّ؛ لوجود ياء النسب المشدَّدة.
السادس: "ألاّ تكونا عينًا لِفَعِلَ بكسر العين" الذى الوصف منه على أفعل، كهَيِف فهو أهْيَف، وعَوِر فهو أعْوَر. وأما إذا كان الوصف منه على غير أفعل، فإنه يُعَلّ، كخاف وهاب.

السابع: ألاّ تكونا عينًا لمصدر هذا الفعل، كالهَيف وهو ضُمور البطن، والعَوَر، وهو فقد إحدى العينين.
الثامن: ألاّ تكون الواو عينًا لافتعل الدال على التشارك فى الفعل، كاجْتَورُوا وَاشْتَوَروا، بمعنى تجاوروا وتشاوروا، فإن لم يدل على التشارك وجب إعلاله، كاخْتَان بمعنى خان، واختار بمعنى خار. وأما الياء فلا يشترط فيها عدم الدلالة على ذلك، ولذلك أعِلَّتْ فى استافوا: بمعنى تسايفوا؛ أى تضاربوا بالسيوف، لقربها من الألف فى المخرج.
التاسع: ألاّ تكون إحداهما متلوَّة بحرف يستحق هذا الإِعلان. فإن كانت كذلك صَحَّتِ الأولى وأعلّت الثانية، نحو الحَيَا والهوَى، وربما عكسوا بتصحيح الثانية وإعلال الأولى، كآية أصلها أيَيَة كقَصَبة، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا فصار آية. وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله:

وَإِنْ لَحَرْفَيْنِ ذا الإعلاَلُ اسْتُحِقّْ

***

صُحِّح أوَّلٌ وَعَكْسٌ قد يَحِقّ

العاشر: ألاّ تكونا عينين لما آخره زيادة مختصة بالأسماء، كالألف والنون، وألف التأنيث، نحو الجَوَلان والهَيَمَان مصدرىْ جَالَ وهَامَ، والصَّوَرَى اسم محل، والحَيَدَى: وصف للحمار الحائد عن ظله.
وشذّ الإعلال فى: ماهان وداران، والأصل: مَوَهان وَدَورَان، بفتحات فيهما.
النصوص الواردة في ( شذا العرف في فن الصرف / أحمد ) ضمن الموضوع ( الباب الثالث - فى أحكام تعم الاسم والفعل ) ضمن العنوان ( فصل: فى فاء الافتعال وتائه )
1- إذا كانت فاء الافتعال واوًا أصلية، أبْدِلت تاء، وأدْغمت فى تاء الافتعال، وكذا ما تَصَرَّف منه، نحو اتَّعَد وَاتَّصل واتَّسَر، من الوعد والوصل واليُسر، وإن كانت الياء أو الواو بدلاً من همزة، فلا يجوز إبدالها تاء، وإدغامها فى تاء الافتعال، فى نحو إيتَزَر؛ لأن الياء ليست أصلية، ونحو أوتمن من الأمن؛ لأن الواو ليست أصلية. وشذ فى "افتعل" من الأكل اتَّكَلَ.

2- وإذا كانت فاؤه صادًا، أو ضادًا، أو طاء، أو ظاء، وتسمى أحرف الإطباق، وجب إبدال تائه طاء فى جميع التصاريف، فتقول فى "افتعل" من الصبر: اصطبر، ولا يجوز فى الفصيح الإدغام، ومن الضرب: اضطرب، بلا إدغام أيضا، وجاء قليلا اصَّلح واضَّرب، بقلب الثانى إلى الأوَّل، ثم الإدغام، وتقول من الطُّهر "بالطاء المهملة": اطَّهَّر، وفى هذه الحالة يجب الإِدغام لاجتماع المثلين، وسكون أوَّلهما. ومن الظلم (بالمعجمة) اظْطُلم، بمعجمة فمُهْمَلة. ويجوز لك فيه ثلاثة أوجه: إظهار كل منهما على الأصل، وإبدال الظاء معجمة طاء مهملة مع الإدغام، فتقول: اطَّلم بالمهملة. وإبدال الطاء المهملة ظاء والإدغام أيضًا، فتقول: اظَّلم. وقد رُوِى قول زُهَيْر يمدح هَرِمَ بن سِنان:

هُوَ الجَوَادُ الَّذِى يُعْطِيكَ نَائِلَهُ

***

عفْوًا، ويُظْلَمُ أحيَانًا فَيَظَّلِمُ

فَيَطَّلِمُ بتشديد المهملة، وَيَظّلِمُ بتشديد المعجمة، ويَظْطَلِم بالإظهار.
3- وإذا كانت فاؤه دالاً، أو ذالاً أو زايًا، أبْدِلت تاؤه دالاً مُهملة، فتقول فى "افْتَعلَ" من دان: ادّان بالإبدال والإدغام، لوجود المثلين وسكون أوَّلهما، ومن زَجَر ازْدَجَر، بلا إدغام، ومن ذكر اذْدكَر.
ولك فى هذا المثال ثلاثة الأوجه المتقدمة فى اظطلم، فتقول اذْدكَر وَادَّكر وَاذَّكر. وَقُرِئ شاذاً {فهل من مُدَّكِر} بالذال المعجمة والإدغام.
وسمع إبدال تاء الافتعال صادًا مع الإدغام، وعليه قراءة {وهُمْ يَخِصِّمُون} أى يَخْتَصِمُون.
النصوص الواردة في ( شذا العرف في فن الصرف / أحمد ) ضمن الموضوع ( الباب الثالث - فى أحكام تعم الاسم والفعل ) ضمن العنوان ( فصل: فى إبدال الميم من الواو، والنون )

1- تُبْدَل الميم من الواو وجوبًا فى "فم"، إذا لم يضف إلى ظاهر أو مضمر؛ ودليل ذلك تكسيره على أفواه، والتكسير يَرُدُّ الأشياء إلى أصولها، وربما بَقِىَ الإبدال مع الإضافة، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لَخُلُوف فم الصائمِ أطيب عندَ اللهِ من ريحِ المسك" وقول رُؤْبة: يُصْبحُ ظمآنَ وفى البَحْرِ فَمُه
2- ومن النون، بشرط سكونها ووقوعها قبل باء من كلمتها أو من غيرها، نحو قوله تعالى: "إذ انْبَعَثَ أشْقَاهَا" وقوله: "مَن بَعثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا"؟.
وأبدلت الميم من النون شذوذًا فى قول رُؤْبة:

يا هَالَ ذات المنطِقِ التَّمْتَامِ

***

وكفك المخضَّبِ البَنَامِ

أصله البنان.
وجاء العكس كقولهم: أسْوَدُ قَاتِنٌ: أى قاتم، بإبدال الميم نونا.
الإعلال بالنقل
تُنْقَلُ حركة المعتل إلى الساكن الصحيح قبله، مع بقاء المعتل إن جانس الحركة، كيقُولُ ويَبيع، أصلها يَقْوُل كَيَنْصُر، ويَبْيِع كيضْرِب، وإلا قَلِبَ حرفاً يجانسها، كيَخاف ويُخيف، أصلهما يَخْوف كيعْلم، ويُخْوِف كيُكْرم.
ويمتنع النقل إن كان الساكن معتلاً، كبايع، وَعَوَّق، وبَيّنَ، بالتشديد فيهما، كما يمتنع أيضًا إن كان فعلَ تعجب، نحو ما أبيَنَه وأقوَمه، أو كان مضعَّفًا، نحو: ابْيَضّ واسْوَدّ، أو معتل اللام نحو: أحْوَى وأهوى.
وينحصر الإعلال بالنقل فى أربعة مواضع:
الأول: الفعل المعتل عينًا كما مُثِّل.

الثانى: الاسم المشبه للفعل المضارع وزنًا فقط، بشرط أن يكون فيه زيادة يمتاز بها عن الفعل، كالميم فى مَفْعَل، أو زيادة لا يمتاز بها، فالأول كمَقام ومَعاش، أصلهما: مَقْوَم وَمَعْيَش على زنة مَذْهب، فنقلوا وقلبوا. وأما مَدْيَنَ وَمَرْيَم فشاذَّان، والقياس: مَدَان وَمَرَام. وعند المبرد لا شذوذ؛ لأبه يَشْترط فى مَفْعَل أن يكون من الأسماء المتصلة بالأفعال. والثانى: كأن تَبْنى من البيع أو القول اسمًا على زنة "تِحْلِئِ"، بكسرتين بينهما ساكن، وآخره همزة: اسم للقشر الذى على الأديم، مما يلى منبِت الشعر، فإنك تقول: تِبيِع وتِقِيل، بكسرتين متواليتين، بعدهما ياء فيهما، فإن أشبهه فى الوزن والزيادة نحو أبيض وأسود، خالفه فيهما نحو مِخْيَط، وجب التصحيح.
الثالث: المصدر الموازن للإفعال والاستفعال، نحو إقوام واستقوام. ويجب حذف إحدى الألفين بعد القلب؛ لالتقاء الساكنين، وهل المحذوف الأولى أو الثانية؟ خِلاف، والصحيح أنها الثانية، لقربها من الآخِر، ويؤتى بالتاء عوضًا عنها، فيقال: إقامة، استقامة، وقد تُحْذَف كأجاب إجابًا، وخصوصًا عند الإضافة، نحو: {وإقامِ الصَّلاة}، ويقتصر فيه على ما سُمِع. وورد تصحيح إفعال واستفعال وفروعهما، نحو أعوَل إعوالا، واستحوذ استِحْواذا، وهو إذن سماعىّ أيضًا.
الرابع: صيغة "مفْعُول" كمقُول ومَبِيع، بحذف أحد المدَّين فيهما، مع قلب الضمة كسرة فى الثانى، لئلا تنقلب الياء واوًا، فيلتبس الواوى باليائىّ وبنو تميم تصحح اليائىّ، فيقولون مَبْيوع ومَدْيون ومَخْيُوط، وعليه قول العبَّاس ابن مِرْداس السُلَمِىّ:

قد كان قَوْمُكَ يَحْسِبُونَكَ سَيِّدًا

***

وَإِخَالُ أنَّك سَيِّدٌ مَغْيُونُ

وعلى ذلك لغة عامة المصريين، فى قولهم: فلان مَدْيُون لفلان.
وربما صَحَّح بعض العرب شيئًا من ذوات الواو، فقد سُمِع: ثوب مَصْوُون، وفرس مَقْوُود، وقول مَقْوُول، ورمِسْك مَدْوُوف؛ أى مبلول.
الإعلال بالحذف

الحذف قسمان: قياسىّ: وهو ما كان لعلة تصريفية سوى التخفيف؛ كالاستثقال والتقاء الساكنين.
غيرُ قياسىّ: وهو ما ليس لها، ويقال له الحذف اعتباطًا.
فالقياسىّ يدخل فى ثلاث مسائل:
الأولى: تتعلق بالحرف الزائد فى الفعل.
والثانية: تتعلق بفاء الفعل المثال ومصدره.
والثالثة: تتعلق بعين الفعل الثلاثى، الذى عينه ولامه من جنس واحد، عند إسناده لضمير الرفع المتحرك.
المسألة الأولى: إذا كان الماضى على وزن "أفْعَلَ" فإِنه يجب حذف الهمزة من مضارعه ووصْفَيْه، ما لم تُبدل، كراهة اجتماع الهمزتين فى المبدوء بهمزة المتكلم، وحُمِل غيره عليه، نحو أكرَمَ ويُكْرِم ونُكْرِم وتُكْرِم ومُكْرِم ومُكْرَم؛ وشذّ قولُه: فإنَّهُ أهْلٌ لأِنْ يُؤكْرَمَا
فلو أبْدلت همزة "أفْعَلَ" هاءً، كَهرَاقَ فى أراق، أو عينًا كعَنْهَلَ الإبلَ: لغة فى أنْهَلَهَا، أى سقاها نَهَلا، لم تحذف، وتفتح الهاء والعين فى جميعِ تصاريفهما.
وأما المسألةُ الثانية: فقد تقدمت فى حكم المثال، فارجع إليها إن شئت.
والمسألة الثالثة: متى كان الفعل الماضى ثلاثيًا مكسور العين، وكانت هى ولامه من جنس واحد، جاز لك فيه عند إسناده للضمير المتحرّك ثلاثة أوجه؛ الإتمام، وحذف العين منقولة حركتها للفاء، وغير منقولة، كظَلِلْت بالإتمام، وظِلْتُ بحذف اللام الأولى، ونقل حركتها لما قبلها، وظَلْت، محذوف اللام بدون نقل، فإن زاد على ثلاثة تعين الإتمام، نحو أقررت، وشذّ أحَسْتُ فى أحْسَسْتُ، كما يتعين الإتمام لو كان ثلاثيًا مفتوح العين، نحو حَلَلْتُ، وشذ: هَمْتُ فى هَمَمْتُ.

وأما إن كان الفعل المكسور العين مضارعًا أو أمرًا اتصل بنون نسوة. فيجوز فيه الوجان الأوّلان فقط، نحو يَقْرِرْنَ وَيَقِرْنَ، واقْرِرْنَ وَقِرْنَ، لأنه لما اجتمع مثلان وأوّلهما مكسور، حسُن الحذف كالماضى، قال تعالى: "وَقِرْنَ في بُيُوتِكُنَّ" فإِن كان أولُ المثلين مفتوحًا كما فى لغة قرِرت أقَرُّ بالكسر فى الماضى، والفتح فى المضارع، قلّ النقل، كقراءة نافع وعاصم "وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ".
وأما القسم الثانى من القياسىّ، وهو الحذف لالتقاء الساكنين، فسيأتى له باب مستقل إن شاء الله.
وأما غير القياسىّ فكحذف الياء من نحو يدٍ ودمٍ، أصلهما يَدَىٌ وَدَمَىٌ، والواو من نحو اسم وابن وشَفَة، أصلها: سِمْوٌ وَبَنَوٌ وشَفَوٌ، والهاء من نحو است، أصله سَتَةٌ، والتاء من نحو اسْطَاع، أصله استطاع فى أحد وجهين.
الإدغام
بسكون الدال وشدّها. والأولى عبارة الكُوفيين، والثانية عبارة البصريين، وبها عَبَّر سيبويه. وهو لغةً: الإدخال.
واصطلاحًا: الإتيان بحرفين ساكن فمتحّرك، من مَخْرج واحد بلا فصل بينهما، بحيث يرتفع اللسان وينحطُّ بهما دفعة واحدة، وهو باب واسع؛ لدخوله فى جميع الحروف، ما عدا الألف اللينة، ولوقوعه فى المتماثلين والمتقاربين، فى كلمة وفى كلمتين.
وينقسم إلى ممتنع، وواجب، وجائز.
1- فمن الممتنع ما إذا تحرك أولُ المثلين وسكن الثانى، نحو ظَلِلْت، أو عُكِس وكان الأول هاء سكت، نحو "مَالِيَهْ  هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ"؛ لأن الوقف مَنْوِىّ، وقد أدغمها ورْش على ضعف، أو كان مَدّة فى الآخر، كيدعو واقد، ويُعْطى ياسر، لفوات الغرض المقصود وهو المد، أو كان همزة مفصولة من فاء الكلمة، كلم يقْرَأ أحد. والحقَّ أن الإدغام هنا ردئ، أو تحركا وفات الإدغام غرض الإلحاق، كقَرْدَدٍ وَجَلْبَبَ، أو خِيْفَ اللبس بزنة أخرى، نحو دُرَر كما سيأتى:

2- ويجب إذا سَكَن أولُ المثلين وتحرَك الثانى، ولم يكن الأول مدًّا ولا همزة مفصولة من الفاء كما تقدم، نحو جدّ وحظّ وَسآل ورَآس، بزنة فَعّال، وكذا إذا تحركا معًا بأحد عشر شرطًا.
أحدها: أن يكونا فى كلمة كمدّ ومَلّ وحَبّ، أصلها مَدَدَ بالفتح، ومَلِلَ بالكسر، وحَبُب بالضم، وأما إذا كانا فى كلمتين، فيكون الإدغام جائزاً، نحو: "جعل لَكم".
ثانيها: ألا يتصدَّر أحدهما كدَدَن وهو اللهو.
ثالثها: ألا يتَّصل بمدغم كَجُسَّسٍ جمع جاسّ.
رابعها: ألاّ يكونا فى وزن مُلْحَق بغيره كقَردَد: لجبل، فإنه ملحق بجعفر، وجَلْبَبَ فإنه ملحق بدحرجَ، واقعنسَسَ فإنه ملحق باحرنجم.
خامسها وسادسها وسابعها وثامنها: ألاّ يكونا فى اسم على وزن "فَعَلٍ" بفتحتين كطَلَل: وهى ما بقى من آثار الديار، أو "فُعُلٍ" بضمتين كذُلُل جمع ذَلول: ضد الصعْب، أو "فِعَلٍ" بكسر ففتح كَلِمَم جمع لِمَّة: وهى الشعر المجاوز شحمة الأذن، أو "فُعَل" بضم ففتح كدُرَر جمع دُرة: وهى اللؤلؤة. فإن تصدر أو اتصل بمدغم، أو كان الوزن ملحقًا، أو كان فى اسم على زنة: فَعَل، أو فِعَل، أو فُعُل، أو فُعَل، امتنع الإدغام.
الشرط التاسع: ألا تكون حركة إحداهما عارِضة، كاخْصُص أبِى واكفْفِ الشر.
العاشر: ألاّ يكونا ياءين لاَزَما تحريك ثانيهما، كحيِىَ وَعَيِىَ.
الحادى عشر: ألاّ يكونا تاءين فى "افتعل" كاستتر، واقتتل.
3- وفى الصور الثلاث الأخيرة يجوز الإدغام والفك.
كما يجوز أيضًا فى ثلاثٍ أخَر:

إحداها: أولَى التاءين الزائدتين فى أول المضارع، نحو تَتَجَلّى وتتعلم. وإذا أدغمتَ جئت بهمزة وصل فى الأول، للتمكن من النطق، خلافًا لابن هشام فى توضيحه، حيثُ رَدّ على ابن مالك وابنه بعدم وجود همزة وصل فى أول المضارع ولكنهما حُجَّة فى اللغة العربية، تقول فى إدغام نحو اسْتَتر واقتتل: سَتّر وقَتَّل ويُسَتِّر سِتّارا، بنقل حركة التاء الأولى للفاء، وإسقاط همزة الوصل، وهو خماسىّ، بخلاف نحو سَتّر بالتضعيف كفعَّل، فمصدره التفعيل، وتقول فى نحو تَتَجَلَّى، وتَتَعَلم: اتَّجَلى، وَاتَّعَلّم.
وإذا أرادت التخفيف فى الابتداء، حذَفْتَ إحدى التاءين وهى الثانية، قال تعالى: "نَاراً تَلَظَّى"، "ولَقَدْ كُنْتُم تَمَنّوْنَ المَوْتَ".
وقد تُحْذَفُ النون الثانية من المضارع أيضًا، وعليه قراءة عاصم "وكَذالِكَ نُجِّى المُؤْمِنِين" أصله نُنَجِّى بفتح الثانى.
ثانيتها وثالثتها: الفعل المضارع المجزوم بالسكون، والأمر المبنىّ عليه، نحو {مَنْ يَرْتَدِد مِنكُمْ عَنْ دِينِه} يُقْرَأ بالفك، وهو لغة الحجازيين، والإدغام، وهو لغة التيميين، ونحو قوله تعالى: "وَاغْضُضْ مِن صَوتِكَ"، وقول جَرير يهجو الراعىَ النُّميرىَّ الشاعر:

فَغُضّ الطرْفَ إنكَ مِنْ نُمَيْرٍ

***

فَلاَ كَعْبًا بَلغْتَ وَلا كِلاَبَا

وقد تقدّم ذلك فى حكم المضعّف. والتزموا فك "أفْعَل" فى التعجب، نحو أحْبِبْ بزيد، وَأشْدِدْ بِبَيَاضِ وَجه المُتقِين، وَإدغامَ هلُمَّ لثقلها بالتركيب، ولذا التزموا فى آخرها الفتحَ، ولم يجيزوا فيها ما أجازوه فى نحو رُدَّ وَشُدّ، من الضم للاتباع، والكسر على أصل التخلص من التقاء الساكنين، فهما مُستثنيان من فعل الأمر، واستثناؤهما منه فى الأول بحسب الصورة؛ لأنه فى الحقيقة ماض، وفى الثانى على لغة تميم؛ لأنه عندهم فعلُ أمْرٍ غيرُ متصرِّف تلحقه الضمائر، بخلاف الحجازيين، فإنه عندهم اسمُ فِعْلِ أمر لا يلحقه شئ، وبلغتهم جاء التنزيل. قال تعالى: "هَلُمَّ إلَيْنَا"، "هَلُمَّ شُهَدَاءَكُم".
تنبيه
إذا ولِىَ المدغَمَ حرف مدّ، وجب تحريكه بما يناسبه، نحو رَدُّوا وَرُدِّى وَرُدَّا؛ وإذا وليه هاء غائبة وجب فتحه، لخفاء الهاء، فكأن الألفَ وَلِيَتْه، ويجب الضم إذا وليه هاء غائب، خلافًا لثعلب. وأما إذا وليه ساكن أو لم يله شئ فيثلث آخره فى المضارع المجزوم والأمر، إذا كان مضمومَىْ الفاء، نحو رُدَّ القوم. ولم يَغُضَّ الطّرف. فإذا كانا مفتوحى الفاء أو مكسوريها نحو عَضَّ وَفَرَّ، ففيه وجهان فقط: الفتح والكسر، على خلاف فى بعض ذلك بين البصريين والكوُفيين.
وإذا اتصل المدغَم بضمير رفع متحرِّك وجب فك الإدغام، نحو {نَحْنُ خَلَقْناهُم وَشَدَدْنَا أسْرَهُمْ}. وقد يُفَكُّ شذوذاً فى غير ذلك، نحو ألِلَ السِّقاء؛ أى تغيَّرت رائحته، وفى الضرورة، نحو قول أبى النجم العِجْلِىّ: الحمدُ لِلَّهِ الْعَلىِّ الأجْلَلِ
النصوص الواردة في ( شذا العرف في فن الصرف / أحمد ) ضمن الموضوع ( الباب الثالث - فى أحكام تعم الاسم والفعل ) ضمن العنوان ( فصل: فى إدغام المتقاربين )

1- حيث إنّ التقاربَ ينقسم إلى تقارب فى المَخْرج، وتقارب فى الصفة، لزم أن نُبين أوّلاً مَخارج الحروف وصفاتها، ليكون الطالب على بصيرة، فنقول: مخارج الحروف أربعة عَشَرَ تقريبًا:
1- أقصى الحلق: للألف، والهمزة، والهاء.
2- ووسَطُه: للحاء، والعين المهملتين.
3- وأدناه: للخاء والغين المعجمتين.
4- وأقصى اللسان مع ما فوقه من الحنك: للقاف والكاف.
5- ووسطه مع ما فوقه من الحَنَك: للجيم والشين.
6- وإحدى حافتيه مع ما يليه من الأضراس: للضاد.
7- وما دون طرَفه إلى منتهاه مع ما فوقه من الحَنَك: للام، فمَخرَج اللام قريب من الضاد، وهى أوسع الحروف مخرجًا.
8- وللراء من اللسان وما فوقه ما يليهما، فهى أخرج من اللام.
9- وللنُّون ما يليه من الخَيْشُوم، وهو أقصى الأنف.
10- وللطاء والدال المهملتين والتاء المثناة طرفُه، مع أصول الثنايا العليا، وهى الأسنان المتقدمة، ثِنْتان من أعلى، وثنتان من أسفل.
11- وطرفه مع الثنايا للصاد، والزاى، والسين.
12- وطرفه مع طرف الثنايا: للظاء، والذال، والثاء المثلثة.
13- وباطن الشفة السُّفْلى مع طرف الثنايا العليا: للفاء.
14- وما بين الشفتين: للباء، والميم، والواو.
وصفاتها: جَهْر، وهَمْس، ورَخاوة، وشدة، وتوسُّط بينهما، وإطباق، وانفتاح، واستعلاء، واستِفال، وذَلاقة، وإصمات، وصَفِيِر، ولين.
1- فالمجهور: ما ينحصر جَرْى النَّفَس مع تحركه لقوَّته، وقوَّة الاعتماد عليه فى مَخْرجه، فلا يخرج إلا بصوت قَوِىّ، يمنع النَّفَس من الجرى معه.
2- والمهموس: بخلافه، وحروفه مجموعة فى قوله: "فَحَثّهُ شخصٌ سكَتَ". وما عداها فهو المجهور.
3- والشديد: ما ينحصر جَرْى الصوت عند إسكانه. وأحرفه: "أجدُكَ قَطَّبْتَ".
ومن هذه الأحرف خمسة تسمى أحرف القَلْقَلة، إذا كانت ساكنة، وهى: "قُطْبُ جُدْ".
4- والرَّخو: ضدّه. الذى بينهما ما لا يتمّ له الانحصار ولا الجرى، وأحرفه: "لم يروِعنا".

5- والمطبَق: ما ينطبق معه اللسان على الحنك، فينحصر الصوت بين اللسان وما يحاذيه من الحَنَك. وأحرفه: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء.
6- والمنفتح: بخلافه.
7- والمستعلِى: ما يرتفع به اللسان إلى الحَنَك. وأحرفه أحرف الإطباق، والخاء والغين المعجمتان، والقاف.
8- والمُسْتَفِلُ: ما عداها.
9- والذَّلاقة: الفصاحة والخِفة فى الكلام. وحروفها: "مُرْ بِنَفل". ولخفة أحرفها لا يخلو رُباعىّ أو خُماسىّ لثقلهما من أحدها إلا نادراً، كالعسجد، وهو الذهب، والزَّهْزَقة، بزايين مفتوحتين، بينهما هاء ساكنة، وهى شدة الضَّحِك.
10- والمُصْمَتة: ما عداها.
11- وأحرف الصَّفِير: الزاى، والسين، والصاد.
12- وأحرف اللين: الألف، والواو، والياء.
والقياس فى إدغام ما يدغم من تلك الحروف: قَلْب الأول إلى الثانى، لا العكس، إلا إذا دعا الحال لذلك، نحو ادَّكَرَ وَاذَّكَر.
2- ولإدغام الحروف المتقاربة فى بعضها ثلاثة أحكام: الوُجوب، والامتناع، والجواز.
فالوجوب فى لام التعريف مع أحد الحروف الشمسية، وهى: التاء، والثاء، والدال، إلى الظاء، واللام، والنون.
وفى اللام الساكنة غيرَها مع الراء، نحو "بَل رَّفَعَهُ اللهُ".
وفى النون الساكنة مع ستة: أربعة فيها بِغنّة، وهى أحرف "ينمو"، واثنان بلا غُنَّة، وهما اللام والراء. وتقلب ميما الباء كما تقدّم، وتظهر مع حروف الحلق، وتختفى مع الباقى، فلها خمس حالات:
والامتناع فى إدغام أحرف "ضَوِىَ مِشْفَر" فيما يقاربها؛ لأن استطالة الضاد، ولين الياء والواو، وغُنّة الميم، وتَفَشِّى الشين والفاء، وتكرار الراء، تزول مع الإدغام، وإدغام نحو سيِّد ومَهْدِىّ لا يَرِد؛ لأن الإعلال جعلهما مثلين.

والجواز فيما عدا ذلك، نحو إدغام النون المتحركة فى حرف من حروف "يرملون". ونحو التاء والثاء والدال والذال والطاء والظاء بعضها فى بعض، أو فى الزاى والسين والصاد، كأن تقول: سكَت ثَّابِت أو دارم أو ذاكر أو طالب أو ظافر أو زيد أو سالم أو صابر، أو تقول: لبث تَّاجر أو دارم... إلخ، أو تقول: حقد تاجر أو دارم.
التقاء الساكنين
1- إذا التقى ساكنان فى كلمة أو كلمتين، وجب التخلص منهما: إما بحذف أولهما، أو تحريكه، ما لم يكن على حَدِّه، كما سيأتى:
فيجب إن كانا فى كلمة حذف الأوّل لفظًا وخطًّا إذا كان مدة، سواء كان الثانى جزءًا من الكلمة أو كالجزء منها، نحو قُلْ وبِع وَخف، ونحو: أنتم تغزُون وتقضُون، ولَتَرْمُنَّ ولتَغْزُنَّ يا رجال. وأنتِ ترمِين وتغْزِينَ، ولتَرْمِنَّ وَلَتَغزِن يا هند، ويُحذف لفظًا لا خطًّا إن كانا فى كلمتين؛ وكان الأوّل مدة أيضًا، نحو يغزو الجيش، ويرمى الرجل، و "ركْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"، و "أطِيعُوا اللَّه وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأولِي الأمْرِ مِنْكُمْ".
ويجب تحريكه إن لم يكن مدة إلا فى موضعين:
أحدهما: نون التوكيد الخفيفة، فإنها تُحذف إذا وليها ساكن كما تقدم.
ثانيهما: تنوين العلَم الموصوفِ بابنٍ مضافٍ إلى علَم، نحو: محمدُ بن عبد الله والتحريك إمّا بالكسر على أصل التخلص من التقاء الساكنين، وهو الأكثر، وإما بالضم وجوبًا عند بعضهم فى موضعين:
الأول: أمر المضَعَّف المتصل به هاء الغائب، ومضارعُه المجزوم، نحو رُدُّهُ ولم يَرُدُّه، والكوفيون يجيزون فيه الفتح والكسر أيضًا، كما تقدم فى الإدغام.
الثانى: ميم جماعة الذكور المتصلة بالضمير المضموم، نحو "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ" و "لَهُمُ الْبُشْرَى" ويترجح الضم على الكسر فى واو الجماعة المفتوح ما قبلها، نحو: اخْشَوُا الله، {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُم} لخفة الضمة على الواو، بخلاف الكسرة.

ويجوز الضم والكسر على السواء: فى ميم الجماعة المتصلة بالضمير المكسور، نحو بِهِمُ اليوم، وفيما ضمُّ التالى لثانيهما أصلىّ، وإن كسر للمناسبة، نحو: قالتُ اخْرُج، وقالتُ اغزِى، و"أنُ اقْتُلُو?اْ أنْفُسَكُم أوُِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُم".
وأما الفتحُ وجوبًا: وذلك فى تاء التأنيث إذا وليها ألف الاثنين، نحو قالتا، وفى نون مِن الجارة إذا دخلت على ما فيه أل، نحو مِنَ الله، ومِنَ الكتاب، بخلافها مع غير أل، فالكسر أكثر، نحو مِنَ ابْنِك، وفى أمر المضعف المضموم العين، ومضارعه المجزوم مع ضمير الغائبة، نحو رُدَّها ولم يرُدّها. وأجاز الكوفيون فيه الضم والكسر أيضًا، كما تقدم فى الإدغام.
ويترجح الفتح على الكسر فى نحو "الم اللَّهُ". ويجوز الفتح والكسر على السواء فى مضموم العين من أمر المضعف ومضارعه سوى ما مر.
2- ويغتفر التقاء الساكنين فى ثلاثة مواضع:
الأول: إذا كان أول الساكنين حرف لين، وثانيهما مدغما فى مثله، وهما فى كلمة واحدة، نحو {وَلاَ الضَّالّين} ومادّة، ودابّة، وخُوَيصَّة. وتُمُوْدَّ الحبل.
الثانى: ما قُصِد سرده من الكلمات، نحو جِيْمْ مِيْمْ، قافْ، وَواوْ، وهكذا.
الثالث: ما وُقف عليه من الكلمات، نحو قالْ، وزيْدْ، وثْوبْ، وبكْرْ، وَعمْرْو، إلا أن ما قبل آخره حرف صحيح، يكون التقاء الساكنين فيه ظاهريا فقط، وفى الحقيقة أن الصحيح محرك بكسرة مختلسة جدًا. وأما ما قبل آخره حرف لين، فالتقاء الساكنين فيه حقيقىّ، لإمكانه وإن ثقُلَ. وأخف اللين فى الوقف: الألف، ثم الواو والياء مدّين، ثم اللَّينان بلا مدّ، كثَوْب وبَيْت.
الإمالة
وتسمى الكسر، والبطح، والإضجاع
هى لغةً: مصدر أمَلْتُ الشئَ إمالة: عَدَلْت به إلى غير الجهة التى هو فيها. واصطلاحًا: أن تذهب بالفتحة إلى جهة الياء، إن كان بعدها ألف كالفتى، وإلى جهة الكسرة إن لم يكن ذلك، كنعمِة وبسحِر.

وأصحابها: بنو تميم، وأسَد، وقَيْس، وعامة نجد، ولا يُميل الحجازيون إلا قليلاً.
ولها أسباب وموانع.
فأسبابها سبعة:
أحدها: كون الألف مبدلة من ياء متطرفة حقيقةً: كالفَتى، واشتَرَى؛ أو تقديرًا: كفتاة؛ لتقدير انفصال تاء التأنيث، لا نحو باب؛ لعدم التطرف.
ثانيها: كون الياء تخلُفها فى بعض التصاريف، كألف مَلْهًى: وَأرْطَى، وَحُبْلَى وَغَزَا وَتَلاَ وَسَجَى، لقولهم فى تثنيتها: ملْهَيان، وَأرْطَيَان، وَحُبْلَيَان، وفى بناء الباقى للمجهول: غُزِىَ، وَتُلِىَ، وَسُجِىَ.
ثالثها: كون الألف مبدلة من عين فِعْل يئول عند إسناده للتاء إلى لفظ فِلْت بالكسر، كباعَ وكالَ وهابَ وكادَ وماتَ، إذ تقول: بِعْتُ، وكِلْتُ، وهِبْتُ، وكِدْتُ، وِمِتُّ، على لغة من كسر الميم، بخلاف نحو: طالَ.
رابعها: وقوع الألف قبل الياء، كبايَعْته وسايَرْته.
خامسها: وقوعها بعد ياء متصلة أو منفصلة بحرف أو حرفين أحدهما الهاء، نحو عِيان وشَيْبان، ودخلْت بيْتها.
سادسها: وقوع الألف قبل كسرة مباشرة كسالِم، أو بعدها منفصلةً منها بحرف ككِتاب، أو بحرفين كلاهما متحرِّك، وثانيهما هاء، وأولهما غير مضموم، كيريد أن يضرِبَها، دون: هو يضربُها، أو أوَّلاهما ساكن: كشِمْلال، أو بهذين وبالهاء: كدرْهَماك.
سابعها: إرادة التناسب بين كلمتين أميلت إحداهما لسبب متقدِّم، كإمالة "وَالضُّحَى"، فى قراءة أبى عمرو، لمناسبة: "سَجَى" و "قَلَىَ"؛ لأن ألف الضُّحَى لا تمال، إذ هى منقلبة عن واو.
ويمنعها شيئان:
أحدهما: الراء بشرط كونها غير مكسورة، وأن تكون متصلة بالألف قبلها كراشد، أو بعدها نحو هذا الجِْدار، وبنيت الجِْدَار، وبعضهم جعل المؤخَّرة المفصولة بحرف ككافر، كالمتصلة. وألا يُجاور الألفَ راءٌ أخرى، فإن جاورتها أخرى لم تمنع الأولى، نحو: "إنَّ الأبْرَارَ".

ثانيهما: حروف الاستعلاء السبعة، وهى: الخاء، والغين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والقاف متقدمة أو متأخرة. ويشترط فى المتقدم منها ألاَّ يكون مكسورًا. فخرج نحو طِلاَب وغِلاَب وَخِيام. وأن يكون متصلاً بالألف، أو منفصلاً عنها بحرف واحد، كصالح، وضامن، وطالب، وظالم، وغالب، وخالد، وقاسم، وكغنائم. وألاَّ يكون ساكنًا بعد كسرة، فخرج نحو مِصباح وإصلاح ومِطواع. وألا يكون هناك راء مكسورة مجاورة، فخرج نحو "وَعَلَى أبْصَارِهِمْ" و "إذْ هُما فِي الْغَارِ".
ويشترط فى المتأخر الاتصال أو الانفصال بحرف أو حرفين كساخِر وخاطِب، وكنافِخ وناعِق، وكمواثيق ومناشيط.
تنبيهات
الأول: شرط الامالة التى يكفّها المانع ألاّ يكون سببها كسرة مقدَّرة كخاف، فإن ألفه منقلبة عن واو مكسورة، ولا ألفًا منقلبةً عن ياء كطاب، فسبب إمالة الأول الكسرة المقدرة. والثانى الياء التى انقلبت ألفًا، لأن السبب المقَّدر هنا أقوى من السبب الظاهر؛ لأن الظاهر إما متقدِّم على الألف، كالكسرة فى كتاب، والياء فى بيان، أو متأخر عنها نحو: غانم وبايع، والذى فى نفس الألف أقوى من الاثنين، ولذلك أُمِيلَ نحو طابَ وخافَ، مع تقدُّم حرف الاستعلاء، وحاق وزاغ مع تأخره.
الثانى: سبب الإمالة لا يؤثر إلا إذا كان مع الممال فى كلمة؛ لأن عدم الإمالة هو الأَصل، فيصار إليه بأدنى شئ، فلا يمال نحو "لزيد مال"؛ لوجود الألف فى كلمة، والكسرة فى كلمة.
وأما المانع فيؤثر مطلقًا؛ لأنه لا يصار إلى الإمالة التى هى غير الأصل إلا بسبب قوىّ، فلا تُمال ألف كتاب، من نحو "كتاب قاسم"؛ لوجود حرف الاستعلاء، وإن كان منفصلاً.
الثالث: تمال الفتحة قبل حرف من ثلاثة:

أحدها: الألف وقد تقدَّمت. وشرطها ألا تكون الفتحة فى حرف، ولا فى اسم يشبه، إذ فى الإمالة نوع تصرف، والحرف وشبهه برئ منه، فلا تمال فتحة إلاَّ، ولا علَى، ولا إلى، مع السبب المقتضى فى كلّ، وهو الكسرة فى الأول، والرجوع إلى الياء فى الثانى، وكلاهما فى الثالث. واستثْنَوْا من ذلك ضميرى "ها" و "تا" فقد أمالوهما عند سبق الكسرة أو الياء؛ لكثرة استعمالها.
ثانيها: الراء، بشرط كونها مكسورة، وكون الفتحة فى غير ياء، وكونهما متصلتين، نحو "من الكبر"، أو منفصلتين بساكن غير ياء، نحو "مِنْ عمرو"، بخلاف نحو: أعوذ بالله مِنَ الغِيَر، ومن قبح السِّيَر، ومن غيرك.
ثالثها: هاء التأنيث فى الوقف خاصة، كرحمة ونعمة، شبهوا هاء التأنيث بألفها؛ لاتفاقهما فى المخرج والمعنى والزيادة والتطرف والاختصاص بالأسماء، وأمال الكسائى قبل هاء السكت نحو "كتابيَه"، ومنعها بعضهم، وهو الأصحّ.
مسائل للتمرين
التمرين: مصدر مرَّنه على كذا، مأخوذ من قولهم: مَرَنَ على الشئ مُرونًا وَمَرَانة: إذا اعتاده واستمر عليه، وهو هنا بمعنى تعويد الطالب تطبيق المسائل على القواعد الصرفية التى علمها.
وكثيرًا ما يقولون: المطلوب أن تَبْنِىَ من كذا لفظًا بزنة كذا، فيجب أن نبحث أوّلاً عن معنى هذه العبارة، حتى يعملَ سامعها بمقتضاها، فنقول:
إنهم قد اختلفوا فى ذلك على أقوال: أصحها هو أن المعنى: صُغ من لفظ ضرب مثلاً ما هو بزنة جعفر، بمعنى أن تعمل فى هذه الزنة الفرعية ما يقتضيه القياس، من القلب أو الحذف أو الإدغام مثلاً، إن كان فى هذه الزنة الفرعية أسباب تقتضيها.

فإذا كان فى الأصل حرف زائد مثلاً، فلا خلاف فى أن يُزاد مثله فى الفرع إلا إذا كان الحرف الزائد عوضًا عن حرف فى الأَصل، كما فى نحو اسم، فإن همزة الوصل فيه عِوَض عن أصل، هو لام الكلمة أو فاؤها، ففيه خلاف، وإذا حصل قلب فى الأصل، فلا خلاف فى حصوله فى الفرع، فإِذا أردنا أن نبنى من الضرب مثالاً بزنة أيِسَ قلنا رَضِبَ.
وإن وُجِدَ فى الفرع ما يقتضى عدم الإدغام مثلا، عُمِل به، كما إذا لزم عليه لبس أو ثقَل، لرفض العرب ذلك فى كلامهم، وإن كلامهم، وإن وُجد فى الأَصل سبب إعلال لحرف لم يوجد فى الفرع، فلا خلاف فى أنه لا يقلَب فى الفرع، فيقال على وزن أوائل من القتل: أقَاتِل.
تنبيه
يجوز عند سيبويه أن يصاغ على وزن ثبت فى كلام العرب وإن لم ينطقوا به الفرع المطلوب، فيصح أن يصاغ من ضرب على زنة شَرَنْبَث، فيقال: ضرنبب مع أنهم لم ينطقوا به. ولا محذور فيما قاله سيبويه؛ إذ الغرض التمرين فقط، ولا يقال: إنه يلزم إثبات صيغ لم تنطق بها العرب فى كلامهم. وأما نحو جالينوس وميكائيل فلا يصاغ على زنتهما؛ لعدم ثوبتهما فى كلامهم.
تطبيق
1- إذا أردت أن تصوغ من باع وقال على وزن عنسل بمهملتين مفتوحتين، بينهما نون ساكنة: للناقة السريعة، قلتَ فيه "بَنْيَع وَقَنْوَل" بلا إدغام، مع أن هنا حرفين متقاربين؛ لأنه يشترط فى إدغام المتقاربين ألاّ يحصل لبس، ووجه اللبس هنا أنك لو أدغمت لقلت: قَوَّل وَبَيَّع، فيلتبسان بمضعَّفى. قال وباع.

2- وإذا أردت أن تصوغ من قال وباع بوزن "قِنْفَخْر بكسر فسكون ففتح فسكون: للرجل العظيم الجثة" قلت: قِنْوَلّ وبِنْيَعّ بلا إدغام، مع أن هنا حرفين متقاربين، هما النون والواو، والنون والياء، حذرًا من أن يلتبس بنحو عِلْكَدّ، ومعناه البعير الغليظ، فلا يُدْرَى: أهو مثله، أو مثل قِنْفَخْرٍ وأدغم؟ ولا يجوز أن تصوغ من نحو كَسَرَ وَجَعَل على وزن جَحَنْفَل، فلا تقول كسَنْرَر ولاَ جَعَنْلَل، فإنك إن لم تدغم حصل الثقل، وإن أدغمتَ التبس بنحو سفَرجَل، فيظن أنه خماسىّ الأصول.
3- وإذا قيل كيف تَبنى من نحو ضرَّب مضعَّف العين على زنة مُحَوِىّ، بضم ففتح فكسر فياء مشددة، قلت: مُضَرِّبِىّ لا مُضَرَبِىّ. وذلك أن لفظ مُحَوِىّ اسم فاعل منسوب إليه، من قولهم حَيِّى بثلاث ياءات، أدغمت الأولى فى الثانية، فأصل مُحَوِىّ قبل النسب مُحيِّى بثلاث ياءات، على وزن مُطرِّز، فللنسب إليه يلزم حذف الياء الأخيرة، كما تحذف من نحو المشترى، ثم حذف إحدى الياءين الباقيتين، وقلب الأخرى واوًا، وفتح ما قبلها، فيصير بعد النسب مُحَوِيّاً، وحيث أن هذه الأسباب الموجبة للتغيير فى الأصل لم توجد فى الفرع، الذى هو مُضَرِّبِىّ نُطقَ به على حاله؛ أى على زنة مُحَوِىّ لو لم يحصل فيه تغيير.
4- وإذا قيل: صُغ من "آءة" اسم شجرة أو ثمرة، على زنُة مُسْطار: اسم للخمر، قلت: مُسْتآة لا مُسْآة؛ لأنه لا يحذف من الفرع إلا ما اقتضاه فى نفسه، لا بالنظر إلى أصله، إذ أصلهُ مُسْتَطَار، من "ط ى ر"، ولو قدّر أنه من "س ط ر" لقيل مُؤْواء.

5- وإذا قيل كيف نَبْنِى من "وَأيْت" بزنة كوكب، حال كون المصوغ مخففًا مجموعًا جمع سلامة، مضافًا إلى ياء المتكلم؟ قلت فيه "أوِىَّ" بفتح فكسر، فياء مشددة مفتوحة. وذلك أنك أوَّلا تبنى من وأى بزنة كوكب فتقول: "وَوْأى" ثم يعلّ إعلال فتًى، فيقال وَوْأىً. فإذا خففتَ همزته بنقل حركتها إلى ما قبلها، قلت فيه: "ووًى" بزنة فتًى، ثم تقلب الواو الأولى همزة، فيصير أوًى، وجوَّز بعضهم عدم القلب. فإذا جمعته جمع سلامة، قلت فيه: أوَوْنَ كفَتَوْنَ. فإِذا أضفته إلى ياء المتكلم قلت: أوَوْىَ، ثم تقلب الواو الثانية ياء، وتدغم فى الياء، وتكسِر الواو الأولى لمناسبة الياء، فيصير أوِىَّ.
6- وإذا قيل: كيف تبنى من "وأيت" بزنة أبْلُم، وهو خوص المُقْل؟ قلت فيه: "أوْءٍ" بضم أوله، وذلك لأن أصله أوْؤىٌ، ثم أعِلّ إعلال قاض، فصار أوْءٍ.
7- وإذا قيل صُغ من "أوَيْتَ" بزنة أبْلُم؟ قلت فيه: "أوٍّ" أصله: "أؤوُىٌ" قلبت الهمزة الثانية واوًا، وأدغم المثلان. ثم أعِلّ إعلال قاض فصار أوٍّ.
8- وإذا قيل كيف تبنى من "وأيْتُ" بزنة إِوَزَّة؟ قلت: "إيئاة" بهمزة فياء فهمزة. وذلك لأن أصل إوزة: إوْزَزَة، فحينئذ يكون أصل إيئَاة: إوْ أيَة، بهمزة مكسورة، فواو ساكنة، فهمزة مفتوحة، فياء مفتوحة. قلبت واوه ياء؛ لوقوعها إثر كسرة، فصار إيْأيَة، ثم قلبت الياء الثانية ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار إيئَاة كسِعلاة.
9- وإذا بنيت من "أوَيت" مثل إوزّة قلت: "إيّاة" بهمزة مكسورة فياء مشددة. وذلك لأن أصله إثْوَيَة. أما الهمزة الأولى فهى زائدة، وأما الثانية فهى فاء الكلمة، وأما الواو فهى عينها، ولوقوع الهمزة الثانية إثر كسرة تقلب ياء، ثم يقال: اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداها بالسكون، قلبت الواو ياء وأدغمتا. وحينئذ اجتمعت ثلاث ياءات، قلبت الأخيرة ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار إيَّاة.

10- وإذا قيل: كيف تَبْنى من قال وباع بزنة "عَنْكبوت"؟ قلت: بَيْعَعُوت وقَوْلَلوت، لا بنْيَعُوت وقَنْوَلُوت؛ لأن الصحيح أن النون لا تزاد ثانية ساكنة إلا بضَعْف.
11- وإذا قيل كيف تبنى من "بِعْتُ" على زنة اطمأن؟ قلت: "ابْيَعَعّ" بإدغام العين الثانية فى الثالثة، بعد نقل حركتها إلى العين الأولى.
12- وإذا قيل كيف تبنى من قال على زنة "اغْدوْدَن" مبنيا للمعلوم؟ قلت: "اقُوْوَّلَ" بإدغام الواو الثانية فى الثالثة وجوبًا.
13- وإذا قيل: كيف تبنى من قال وباع بزنة "اغْدوْدَن" مبنيا للمجهول؟ قلت: "اقْوُووِل وابْيُويِع" بلا إدغام وجوبًا؛ لأن الواو الثانية فى اقْوُوْوِل، والواو فى ابيويِع حرفا مدّ زائدان، فلا إدغام فيهما.
14- وإذا قيل: كيف تبنى من "قَوِىَ" بزنة "بيقور"، وهو اسم جمع البقرة؟ قلت فيه: "قَيُّوُّ" بياء مشدَّدة مضمومة، فواو مشددة. والأصل: "قَيْوُوْرٌ" قلبت الواو الأولى ياء لاجتماعها مع الياء، وسبق إحداهما بالسكون، وأدغمتا، ثم أدغمت الواو الثانية فى الثالثة، ولم تقلبا ياءين مع وقوعهما طرَفا؛ لأن لذلك مواضع قد تقدم ذكرها، وليس هذا منها. ولم تنقل حركة العين التى هى الواو الأولى إلى ما قبلها، كما فى مَبْيوع، لأن العين لا تعلُّ إذاكانت هى واللام حَرفَىْ علة، سواء أعِلَّت اللام كما فى "قَوِىَ" أو لم تعلّ كما فى هَوِىَ.
وعلى هذا القياس يكون التمرين.
الوقف
1- هو قطع النطق عند آخر الكلمة، ويقابله الابتداء الذى هو عمل. فالوقف استراحة عن ذلك العمل. ويتفرّع عن قصد الاستراحة فى الوقف ثلاثة مقاصد: فيكون، لتمام الغرض من الكلام، ولتمام النظم فى الشعر، ولتمام السجع فى النثر.

وهو إما اختيارىّ (بالياء المثناة من تحت): أى قُصِد لذاته، أو اضطرارىّ عند قطع النَّفَس. أو اختبارىّ (بالموحدة)، أى قُصِد لاختبار شخص هل يحسن الوقف على نحو بِمَ و "ألا يا سجدوا" و {أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} أولا؟ والأول: إما استثباتى، وهو ما وقع فى الاستثبات، والسؤال المقصود به تعيين مبهم، نحو مَنُو، وأيُّونْ؟ لمن قال: جاءنى رجل أو قوم. وإما إنكارىّ لزيادة مدة الإنكار فيه، وهو الواقع فى سؤال مقصود به إنكار خبر، أو كون الأمر على خلاف ما ذُكِر. وحينئذ فإِن كانت الكلمة منونة كسر التنوين، وتعينت الياء مدة، نحو أزَيدُنِيه بضم الدال، وأزيدَنِيه بفتحها، وأزيدِنِيه بكسرها، وكسر النون فى الجميع، لمن قال: جاء زيدٌ، أو رأيتُ زيدًا، أو مررت بزيد. وإن لم تكن منونة أتى بالمدّ من جنس حركة آخر الكلمة، نحو أعُمَرُوه وأعَمرُوه وأعمرَاه، وأحَذَامِيه، لمن قال جاء عُمَرُ، ورأيتُ عُمَر، ومررت بحَذَامِ.
وإما تذكُّرِىّ، وهو المقصود به تذكر باقى اللفظ، فيؤتى فى آخر الكلمة بَمّدة مجانسة لحركة آخرها، كقالا، ويقولوُا، وفى الدَّارِى.
وإما ترنمىُّ كالوقف فى قول جرير: أقّلى اللّوْمَ عاذِلَ والعتابَنْ
وإما غير ذلك وهو المقصود هنا.
2- والتغييرات الشائعة فى الوقف سبعة أنواع، نظمها بعضهم فقال:

نَقْل وَحَذْفٌ وَإسْكانٌ وَيَتْبَعُهَا التـ

***

ـضعيف وَالرَّوْمُ وَالإشْمَامُ وَالْبَدَلُ

فيُبدّل تنوين الاسم بعد فتحه ألفا، كرأيتُ زيدًا، وفَتى، ونحو ويْهَا وَإيْهَا بكسر الهمزة، وكذلك تبدل نون التوكيد الخفيفة ألفًا، وَيُّرَدُّ ما حُذِفَ لأجلها فى الوقف كما تقدّم، وشبَّهُوا "إذنْ" بالمنوَّن، فأبدلوا نونها ألفا فى الوقف مطلقًا، وبعضهم يقف عليها بالنون مطلقًا، لشبهها بأنْ ولنْ، وبعضهم يقف عليها بالألف إن ألْغِيت، وبالنون إن أعْمِلت.

ويُوقَف بعد غير الفتحة بحذف التنوين، وإسكان الآخر، كهذا زيدْ، ومررت بزيدْ، ومطلقا عند ربيعة. وأما الأزد فتقلبه واوًا بعد الضم، وياء بعد الكسر، فيقولون: جاء زيدُو، ومررت بزيدِى. وإن وقف على هاء الضمير حذفت صلته، أى مَدَّته، بعد غير الفتح، نحو به وله، إلا فى الضرورة كقول رُؤبة:

وَمَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أرْجَاوُهُ

***

كأنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ

بخلاف نحو: بِهَا ومنْها، فتبقى الصلة، وقد تحذف على قلة، كقوله: "وبالكرامة ذات أكرمكم الله يَهْ".
أراد: بِها، فحذف الألف، وسكَّن الهاءَ، بعد نقل حركتها إلى ما قبلها.
وَإِذا وُقف على المنقوص ثبتت ياؤه إذا كان محذوف الفاء، كما إذا سَميت بمضارع نحو: وَفَى: تقول: هذا يَفى، أو كان محذوف العين، كما إذا سميت باسم الفاعل مِن: رأى، فإنك تقول هذا مُرِى؛ إذ لو حذفت اللام منهما لكان إِجحافًا، وكان إذا كان منصوبًا منوَّنا نحو: "رَبَّنَا إنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً"، أو غير منوّن مقرونًا بأل، نحو "كَلاَّ إذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِىَ" فإن كان غير منصوب جاز الإثبات والحذف، ولكن يترجح فى المنوّن الحذف، نحو هذا قاض، ومررت بقاض، وقرأ ابن كثير: "وَمَا لَهُمْ مِنْ دونِهِ مِن وَالِى" وفى غير المنوّن يترجَّح الإثبات، كهذا القاضِى، ومررت بالمنادِى، وقرأ الجمهور: "الكَبِيرُ المُتَعَالُ".
ويوقف على هاء التأنيث بالسكون، نحو فاطمة، وعلى غيرها من المتحرك بالسكون فقط، أو مع الرَّوم، وهو إخفاء الصوت بالحركة، والإشارة إليها ولو فتحة، بصوت خفىّ، ومنعه الفَرَّاءُ فيها، أو الإشمام، وهو ضَمُّ الشَفَتين، والإشارة بهما إلى الحركة بدون صوت، ويختص بالمضموم، ولا يُدركه إلا البصير؛ أو التضعيف، نحو هذا خالدّ، وهو يضربّ، بتشديد الحرف الأخير، وهى لغة سَعْدية.

وشرط الوقف بالتضعيف ألاّ يكون الموقوف عليه همزة كرِشاء، ولا ياء كالراعى, ولا واواً كيغزو، ولا ألفًا كيخشى، ولا واقعًا إثر سكون كزيد وبكر، أو مع نقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله، كقراءة بعضهم: "وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"، بكسر الباء، وسكون الراء، بشرط أن يكون ما قبل الآخر ساكنا غير متعذر، ولا مستثقل تحريكه، وألاّ تكون الحركة فتحة، وألا يؤدَّىَ النقل إلى عدم النظير. فخرج نحو جعفر، لتحرك ما قبله، ونحو إنسان ويشدّ، لأن الألف والمدغم لا يقبلان الحركة، ويقولٌ ويبيعُ، لاستثقال الضمة إثر كسرة أو ضمة، ونحو هذا عِلْم؛ لأنه لا يوجد فِعُل بكسر فضم فى العربية. والشرطان الأخيران مختصان بغير المهموز، فيجوز النقل فى نحو {يُخْرجُ الخَبَء} وإِن كانت الحركة فتحة، وفى نحو: هذه رِدُءْ، وإن أدى إلى عدم النظير؛ لأنهم يغتفرون فى الهمزة مالا يغتفرون فى غيرها.
ويوقف على ياء التأنيث بدون تغيير إن كانت فى حرف: كَثُمَّتْ وَرُبَّتْ، أو فى فعل: كقامت، أو اسم وقبلها ساكان صحيح: كأخْتْ وبِنْتْ. وجاز إبقاؤها على حالها وقلبها هاء، إن كان قبلها حركة كَثَمَرَةْ وَشَجَرَةْ، أو ساكن معتلّ، كصلاةْ ومسلماتْ، ويترجح إبقاؤها فى الجمع وما سمى به منه، تحقيقًا أو تقديرًا، وفى اسمه كمسلمات وَأذْرِعاتْ وهيْهَآتْ، فإنها فى التقدير جمع هَيْهَيَةٍ كقَلْقَلَة، سمَّى بها الفعل، ونحو أولاتْ. ومن الوقف بالإبدال قولهم: كيف الإخوةُ والأخواهْ، وقولهم: "دَفْنُ البناهْ، من المكْرُماهْ" وقُرِئَ {هَيْهَاهْ} هَيْهَاهْ. ومن الوقف بتركه وقف بعضهم بالتاء فى قوله تعالى: "إِنَّ شَجَرَتْ" وقولِه:

كانَت نُفوس القومِ عنْدَ الغَلْصَمَتْ

***

وكادتِ الْحُرَّةُ أنْ تُدْعى أمَت

وَيُوقف بهاء السكت جَوازًا على الفعل المعلّ لاماً بحذف آخره، نحو لم يَغْزُهْ ولم تَرْمِهْ، ولم يَخْشَهْ. وتجب الهاء إن بقى على حرف واحد، نحو قِهْ، وعِهْ، وقال بعضهم: وكذا إذا بقى على حرفين أحدهما زائد، نحو لم يَقِهْ، ولم يعِهْ. ورُدَّ بلَمْ أكْ، ومَنْ تَقْ، بدون هاء عند إرادة الوقف. ويترجح الوقف بها على ما الاستفهامية المجرورة بالحرف، نحو لِمَهْ، وَعَمَّهْ. ويجب إن جرَّتْ باسم، نحو: مَجِئَ مَه. وعلى كلٍّ فيجب حذف ألفها فى الجر مطلقًا. وأما قولُ حسان رضى الله عنه:

عَلَى ما قامَ يَشْتُمُنِى لَئِيمٌ

***

كخِنْزِيرٍ تمَرّغَ فى تُرَابِ

بإثبات الألف، فضرورة.
وقال الشاطبىّ: حذف الألف ليس بلازم، فيما جرت باسم، فيجوز مَجِئ: بِمَا جِئْتَ؟ ولكن الأجود الحذف.
وكذا يُوقَفُ بها على كلّ كلمة مبنية على حركة بناء لازمًا، وليست فعلاً ماضياً، نحو هُوَ وهِىَ وياء المتكلم عند من فتحهن فى الوصل، وكيفَ، وثَمّ، ولحاقها لهذا النوع جائز مستحسن. فلا تلحَق اسم "لا" ولا المنادىِ المضموم، ولا ما قُطِع لفظه عن الإضافة، كقبلُ وبعدُ؛ ولا العددَ المركَّبَ كخمسةَ عشر، لشبه حركاتها بحركات الإعراب، لعُروضها عند المقتضى، وزوالها عند عدمه، فيقال فى الوقف على هُوَ: هُوَهْ، قال حسان:

إذَا مَا تَرَعْرَعَ فِينَا الْغُلامُ

***

فَما إنْ يُقَالُ لَهُ مَنْ هُوَهْ

وفى هِىَ: هِيَهْ؛ ومنه قوله تعالى: "وَمَا أدْرَاكَ مَاهِيَهْ" وفى كيفَ وثُمَّ: كيفَه، وثمَّهْ. وفى غلامىَ وكتابىَ: غلاميَهْ، وكتابيَهْ. قال تعالى: "فَأمَّا مَنْ أوتىَ كِتَابهُ بِيَمِيِنِه فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ". والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد النبىَّ الأمىّ وعلى آله وصحبه وسلم.
قال المؤلف حفظه الله:
وكان الفراغ من تبييضه يوم الاثنين، لعشر خلت من شوّال عامَ أحَدَ عشَرَ بعد ثلثمائة وألفٍ هجرية (1311 هـ)، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.

النصوص الواردة في ( شذا العرف في فن الصرف / أحمد ) ضمن الموضوع ( تفاريظ الكتاب )
قرَّظ هذا الكتاب الاطلاع عليه بعض العلماء الأفاضل، فأحببنا إثبات تقاريظهم، اعترافا بفضلهم، وشكرا لعملهم.
قال حضرة الأستاذ الجليل، والشاعر النائر النبيل، رئيس التصحيح بالمطبعة الأميرية سابقا، المرحوم الشيخ طه قَطَرِيّة، مقرّظا ومؤرّخا عام طبعه الأول:

العِلْمُ أَحسَنُ ما بهِ ظَفِرتْ يَدُ

***

عظُمَتْ عَلَىَّ به لأُستاذى يَدُ

رُوحِى فِداً لمعلِّمٍ تحيا به رُوحِى

***

وَيَحْسُنُ مَصْدَرِىَ وَالمَوْرِدُ

وَيَطُبُّنى من داءِ جهلِى بالَّذِى

***

يَعْيَا بصنعتِهِ الطبيبُ الأَوْحَدُ

العلمُ بيْتٌ والمعلمٌ سُلَّمٌ

***

من أَيْنَ تَرْقَى البيْتَ لوْلاَ المِصْعَدُ

فاعْرِفْ له حَقّاً فأَنت به عَرَفْـ

***

تَ الحَقَّ إِذْ غُصْنُ الشَّبِيبَةِ أَمْلَد

والعلم إن أَنصفْتَ لا تعْدِلْ به

***

عَرَضاً من الدنيا يَزُولَ وَيَنْفَدُ

وَاعْمذِرْ بَنِى الدُّنْيَا فإِنَّ زُيُوفَهَا

***

جادتْ بِأَعْيُنِهِمْ وَزَافَ الجَيِّدُ

لا تَطْلُبِ الشَّهَوَاتِ تَقْلِيداً لَهُمْ

***

فَمِنَ البَهَائِمِ ما تَرَاهُ يُقَلِّدُ

يا جامِعاً لِلْمَالِ يُدْنَى سَيِّداً

***

من غير بَذْلٍ أَيْنَ مِنْكَ السُّودَدُ

المجدُ مَوْقوفٌ عَلَى كَفٍ نَدٍ

***

مَنْ كَانَ يَجْمُدُ كَفُّهُ لا بَمْجُدُ

فانهَضْ إِلَى كَسْبِ العلومِ مُنَزِّها

***

للنَّفْس عَنْ خُلُقٍ يَشِينُ وَيَفْسُدُ

فإِذَا فَعَلْتَ فأَنْتَ شَهْمٌ. سيِّدٌ

***

تسعَى لخدمته المُلُوكُ وَتَجْفِدُ

نمَّتْ بهِ أَوْصَافُهُ الغُرَّا كما

***

نَمَّ "الشَّذَا فينا بفضلك "أَحْمَدُ

هذا لكتاب غنيمة الصَّرْقِىّ من

***

زَمَن به "دار العلوم" تُشَيَّدُ

لم أَلْقَ أطْيَبَ من "شَذَا العَرف" الذى

***

أهْدَى إلينا ذا الهمامُ الأمجدُ

يا قومُ دونَكُمُ الشَّذَا فَتَمَسَّكُوا

***

بمدادهِ وبهِ إلى الصَّرْف اهْتَدُوا

وبه افْرِقُوا بين الصَّحيح وما بدا

***

فيه اعتلال وهو منه مُجَرَّدُ

وبه ثقوا، وله اسمعوا قولا، وعُوا

***

وإذا قضى أمْراً فلا تتَرَدَّدُوا

فمباحِث التصريف قد أضْحَت به

***

كالشَّمْس ضاحيةً عليها فاشْهَدُوا

لا تَعْجَبُوا للصَّرْفِ مُجتمعا به

***

شَمْلاً فأصل الجمع هذا المفردُ

فارغَبْ إِليه وقف عَلَى أبوابِهِ

***

تَصْدُرْ أخى عنها وأنت مُزَوّدُ

وكأننى بفتًى تعرَّضَ سائلاً

***

من ذا الذى تُثْنى عليه وتحْمَدُ

بالله خبّرْنى، فقلت مؤرخا:

***

مَنْ فاحَ طيبُ شَذَاهُ أحمَدُ أحمَدُ

سنة 1312هـ 90 89 21 100 53 53
2
وقال التقىّ النفىّ، الورع الذكىّ، مَحْتِد الكمال الأستاذ الفاضل الشيخ على غَزَال، المدرس بالأزهر المعمور، رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحْدَه، والصلاة والسلام على من لا نبىَّ بعده، وعلى آله وأصحابه، وجميع أحبابه.
وبعدُ: فقد اطلعت على الكتاب الموسوم "بشذا العرف، فى فن الصرف"، الذى ألفه العالم الفاضل، والهمام الكامل، الشيخ أحمد الحملاوىّ، فوجدته كتابا بديعا، لكثرة فوائده، وتحرير مقاصده، مع سهولة عباراته، ولطف إشاراته، وقد احتوى على مهمات هذا الفن، مع تحرير حَسَن مُتْقَن، فجزَى الله مؤلفه أحسن الجزاء، ونفع بالمؤلّف والتأليف، إنه سميع للدعاء آمين.
وصلى الله على سيدنا محمد النبىِّ الأمىّ، وعلى آله وصحبه وسلم.
3
وقال العلامة الفاضل، العالم العامل، مَظْهَر المجد، الأستاذ الشيخ سليمان العبْد، المدرس بالأزهر المعمور، ومدرسة دار العلوم الخديوية سابقا، رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.

نحمدُك يا مصدَر الأسماء والأفعال، سبُحانك صَحَّحْتَ إيماننا، وخلّصته من شوائب الاعتلال، ونُثْنِى عليك، صَرَفْتَ قلوبنا إلى التحلِّى بحِلية المعارف، وأسبغت علينا ظِلَّ إنعامك الوارف، ونُصَلِّى ونسلِّم على سيد العرب والعجم، أفصحِ من نطق بالضاد من حروف المُعْجَم، سيدنا ومولانا محمد، المشهور فى المصحف الأولى بأحمد، والداعى إلى الصراط المستقيم والمنهج الأَحمد، وعلى آله وصحبه ما تحلى جيد الزمان العاطل، بوجود العلماء الأَفاضل.
وبعد، فإِنه لما زالت عن قلبى الغُصَص، ونالت بُغْيتى أجلَّ الفُرَص، بمطالعة الكتابة المسمى "شذا العرف، فى فن الصرف"، فوجدته سِفرا كالعَروس تشتاق إليه جميع النفوس، ويُخْجِل قُسَّ الفصاحة بفصاحته، ويرينا نهج البلاغة ببلاغته، فصرت أستخرج من بحاره الدُّرَرَ، وأشكر فضل جامعه، حيث انتقى فيه أحسن الغُرَر، فما زال يُبْدى من بُرْج سعود قِرطاسه بدورا وشموسا، ويدير علينا من خمر لذة معانيه كُئوسا، فاز من كان جليسا له، فإنه لم يُرَ فى فنه مجموعا عادلَه، فلذلك أرَّخته، ولحسنه قَرَّظْته، فقلت:

كتابٌ كبدر التِّمّ حُسنا فإنه

***

يضئ بأنوارٍ عُجَابٍ غَرَائِبِ

فَفَاقَ سِوَاهُ فى المحاسِنِ والبَهَا

***

وسُرَّت به الطلاَّبُ من كلِّ جانِبِ

وَقَلّدَ جيدَ الدهرِ جامعُه به

***

قلائِدَ فَخْرٍ من أجلِّ المنَاقِبِ

ومن طِيبِ مَبْنَاهُ أقولُ مؤرِّخا

***

شذا العرفِ نبراسٌ بديعُ المطالِبِ

سنة 1894 1382 313 86 133
فلله درّ مؤلفه الذى رُفِعَتْ له بين العلماء الأعْلام، وسجَدت له طوعا الأقلام، العالم العامل، واللوذعىّ الكامل، الذى هو فى الشعر والنثر، وأعمال القلم، أشهر من نار على عَلَم، من هو لكل فضل وكمالٍ راوِى، حضرة الشيح أحمد الحملاوِى، حفظه الله.