الجزء الأول - الباب الرابع فيه من كلام الأئمة عليهم السلام ، وكلام جماعة من أشراف أهل البيت

الباب الرابع فيه من كلام الأئمة عليهم السلام ، وكلام جماعة من أشراف أهل البيت

الحسن بن علي عليه السلام

روى أن أباه عليه السلام قال له : قم واخطب لأسمع كلامك ، فقام فقال : " الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه ، ومن سكت علم ما في نفسه ، ومن عاش فعليه رزقه ، ومن مات فإليه معاده . أما بعد ، فإن القبور محلتنا ، والقيامة موعدنا ، والله عارضنا ، إن علياً باب من دخله كان مؤمنا ، ومن خرج منه كان كافراً . فقام إليه علي رضي الله عنه فالتزمه ، وقال : بأبي أنت وأمي ، " ذريةً بعضها من بعضٍ والله سميعٌ عليمٌ " . ومن كلامه عليه السلام : إن هذا القرآن فيه مصابيح النور ، وشفاء الصدور ، فليجل جالٍ بصره ، وليلجم النصفة قلبه ؛ فإن التكفير حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور .

واعتل علي عليه السلام بالبصرة ، فخرج الحسن عليه السلام يوم الجمعة ، فصلى الغداة بالناس ، وحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال : إن الله لم يبعث نبياً إلا اختاره نفساً ورهطاً وبيتاً . والذي بعث محمدا صلى الله عليه بالحق لا ينتقص أحدٌ من حقنا إلا نقصه الله من عمله ، ولا تكون علينا دولةٌ إلا كانت لنا عاقبة . " ولتعلمن نبأه بعد حين " . وقال له معاوية بعد الصلح : قم فاعتذر من الفتنة ، فقام عليه السلام وقال : إن أكيس الكيس التقى ، وأحمق الحمق الفجور ، وإن هذا الأمر الذي تناوعنا فيه أنا ومعاوية إما حق رجلٍ هو أحق به مني ، وإما حقي تركته لصلاح أمة محمد صلى الله عليه . " وإن أدرى لعله فتنةٌ لكم ومتسع إلى حين " . ولما خرج حوثرة الأسدي وجه معاوية إلى الحسن عليه السلام يسأله أن يكون المتولى لمحاربة الخوارج ، فقال : والله لقد كففت عنك لحقن الدماء ؛ وما أحسب ذلك يسعني . أفأقاتل عنك قوماً أنت والله بقتالي أولى منهم . ولما قدم معاوية المدينة صعد المنبر ، ونال من علي عليه السلام ، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله لم يبعث نبياً إلا جعل له عدواً من المجرمين ، فأنا ابن علي ، وأنت ابن صخر ، وأمك هند وأمي فاطمة ، وجدتك قتيلة ، وجدتي خديجة . فلعن الله ألأمنا حسباً وأخملنا ذكراً ، وأعظمنا كفرا ، وأشدنا نفاقاً . فصاح أهل المسجد : آمين ، آمين ، وقطع معاوية خطبته ونزل ودخل منزله . ودخل إلى معاوية وهو مضطجع ، فقعد عند رجله ، فقال معاوية : ألا أطرفك ؟ بلغني أن أم المؤمنين عائشة تقول : إن معاوية لا يصلح للخلافة . فقال الحسن رضي الله عنه : وأعجب من ذلك قعودي عند رجلك ، فقام معاوية واعتذر إليه .

وقيل له عليه السلام : فيك عظمة ، قال : لا ، بل في عزةٌ ، قال الله تعالى : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " . وقال لأبيه عليهما الرحمة : إن للعرب جولة . ولو قد رجعت إليها غوارب أحلامها ، لقد ضربوا إليك أكباد الإبل حتى يستخرجوك ولو كنت في مثل وجار الضبع . وخطب مرةً فقال : ما بين جابلق وجابلص رجلٌ جده نبي غيري . وقام إليه رجل ، فقال : سودت وجوه المؤمنين . فقال : لا تؤنبني رحمك الله ؛ فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد رأى بني أمية يصعدون على منبره رجلاً رجلاً . وروى عن رجل من أهل الشام قال : دخلت المدينة ، فرأيت راكبا على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتا ولا ثوباً ولا دابة منه ، فمال قلبي إليه ، فسألت عنه ، فقيل : هذا الحسن بن علي بن أبي طالب . فامتلأ قلبي له بغضا ، وحسدت عليا أن يكون له ابنٌ مثله ، فصرت إليه فقلت : أنت ابن أبي طالب ؟ فقال : أنا ابن ابنه . قلت فبك وبأبيك . أسبهما . فلما انقضى كلامي قال : أحسبك غريبا ، قلت : أجل . قال : فمل بنا ، فإن احتجت إلى منزل أنزلناك ، أو إلى مالٍ آسيناك ، أو إلى حاجةٍ عاونك . قال : فانصرفت عنه وما على الأأرض أحب إلي منه . وقال معاوية : إذا لم يكن الهاشمي جواداً لم يشبه قومه ، وإذا لم يكن المخزومي تياهاً لم يشبه قومه ، وإذا لم يكن الزبيري شجاعاً لم يشبه قومه ، وإذا لم يكن الأموي حليماً لم يشبه قومه . فبلغ ذلك الحسن عليه السلام ، فقال : ما أحسن ما نظر لقومه أراد أن يجود بنو هاشم بأموالهم فيفتقروا ، وتزهى بنو مخزوم فتبغض وتشنأ ، ويحارب بنو الزبير فيتفانوا ، وتحلم بنو أمية فتحب . وقال عليه السلام لحبيب بن مسلمة : رب مسيرٍ لك في غير طاعة الله . فقال : أما مسيري إلى أبيك فلا . قال : بلى . ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة . ولعمري لئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك . ولو أنك إذ فعلت شراً قلت خيراً كما قال الله تعالى : " خلطوا عملاً صالحاً وءاخر سيئاً " ؛ ولكنك فعلت شراً وقلت شراً فأنت كما قال الله تعالى : " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " . قال الشعبي : كان معاوية كالجمل الطب ، قال يوما والحسن عليه السلام عنده : أنا ابن بحرها جوداً ، وأكرمها جدودا ، وأنضرها عودا . فقال الحسن : أفعلي تفخر ؟ أنا ابن عروق الثرى ، أنا ابن سيد أهل الدنيا ، وأنا ابن من رضاه رضا الرحمن ، وسخطه سخط الرحمن . قل لك يا معاوية من قديم تباهى به ، أو أب تفاخرني به ؟ قل لا أو نعم ، أي ذلك شئت ، فإن قلت لا أثبت ، وإن قلت نعم عرفت . قال معاوية : فإني أقول لا تصديقا لك . فقال عليه السلام : الحق أبلج ما يخيل سبيله . . . والحق يعرفه ذوو الألباب وأتاه رجل فقال : إن فلانا يقع فيك . قال : ألقيتني في تعب . أريد الآن أن أستغفر الله لي وله . وجاء عليه السلام إلى أبي بكر وهو يخطب فقال : انزل عن منبر أبي . قال أبو بكر : صدقت . إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي ، ثم أخذه فأجلسه في حجره وبكى ، فقال علي عليه السلام : والله ما كان هذا عن أمري . فقال أبو بكر رضي الله عنه : صدقت والله ما اتهمتك . وقال الحسن عليه السلام : من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه . وسئل عن البخل فقال : هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفاً ، وما أمسكه شرفاً . وقال : حسن السؤال نصف العلم . وقال : التبرع بالمعروف ، والإعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد .

الحسين بن علي عليهما السلام

لما عزوم علي الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال : الحمد لله ، وما شاء الله ، ولا قوة إلا بالله ، وصلى الله على رسوله وسلم . خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة . وما أولهني إلى أسلافي اشتياقي كاشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخيرٌ لي مصرعٌ أنا لاقيه . كأني بأوصالي تتقطعها عسلا الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملالأن مني أكراشاً جوفاً وأجريةً سغباً . لا محيص عن يومٍ خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت . نصبر على بلائه ، ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لحمته ؛ هي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقر بهم عينه ، وينجز لهم وعده . من كان باذلاً فينا مهجته ، وموطناً على لقائنا نفسه فليرحل ، فإني راحلٌ مصبحاً إن شاء الله . ةخطب عليه السلام فقال : أيها الناس . نافسوا في المكارم ، وسارعوا في المغانم ، ولا تحتسبوا بمروف لم تعجلوه ، واكتسبوا الحمد بالنجح ، ولا تكتسبوا بالمطل ماً ، فمهما يكن لأحدٍ عند أحدٍ صنيعةٌ له رأى أنه لا يقوم بشكرا فالله له بمكافأته ، فإنه أجزل عطاءً ، وأعظم أجراً ، واعلموا أن حوائج الناس إلكم من نعم الله عليكم ، فلا تملوا النعم ، فتحور نقما ، واعلموا أن المعروف يكسب حمدا ويكسب أجراً ، فلو رأيتم المعروف رجلاً رأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ، ويفوق العالمين ، ولو رأيتم اللؤم رجلا رأيتموه سمجاً مشوهاً تنفر منه القلوب ، وتغش دونه الأبصار . أيها الناس . من جاد ساد ، ومن بخل رذل . وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه ، وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة ، وإن أفضل الناس من وصل من قطعه ، والأصول على مغارسها ففروعها تسمو . فمن تعجل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غداً ، ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها وقت حاجته ، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه ، ومن نفس كربة مؤمنٍ فرج الله عن كرب الدنيا والآخرة ، ومن أحسن أحسن الله إليه ، والله يحب المحسنين . وخطب فقال : إن الحلم زينةٌ ، والوفاء مروءةٌ ، والصلة رحمةً ، والاستكبار صلفٌ ، والعجلة صفهٌ ، والسفه ضعفٌ ، والغلو ورطةٌ ، ومجالسة الدناة شر ، ومجالسة أهل الفسق ريبةٌ . ولما قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه ، لقى في ذلك العام الحسين عليه السلام فقال : أبا عبد الله هل بلغك ما صنعت بحجرٍ وأصحابه من شيعة أبيك ؟ فقال : لا . قال : إنا قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم ، فضحك الحسين عليه السلام ، ثم قال : خصمك القوم يوم القيامة يا معاوية . أما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم . وقد بلغني وقوعك بأبي حسن ، وقيامك واعتراضك بني هاشم بالعيوب ، وايم الله لقد أوترت غير قوسك ، ورميت غير غرضك ، وتناولتها بالعداوة م مكانٍ قريبٍ ، ولقد أطعت امرءاً ما قدم إيمانه ، ولا حدث نفاقه ، وما نظر لك ، فانظر لنفسك أودع . يريد : عمرو بن العاس . قال أنس : كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جاريةٌ بيدها طاقة ريحان فحيته بها ، فقال لها : أنت حرةٌ لوجه الله تعالى ، فقلت : تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها قال : كذا أدبنا الله جل جلاله . قال : " وإذا حييتم بتحيةٍ فحيوا بأحسن منها أو ردوها " ؛ فكان أحسن منها عنقها . وقال يوما لأخيه الحسن عليهما السلام : يا حسن . وددت أن لسانك لي ، وأن قلبي لك . وكتب إليه الحسن عليه السلام يلومه على إعطاء الشعراء ، فكتب إليه : أنت أعلم مني أن خير المال ما وقى العرض . ومن دعائه : اللهم لا تستدرجني بالإحسان ، ولا تؤدبني بالبلاء . ودعاه عبد الله بن الزبير وأصحابه فأكلوا ولم يأكل الحسين عليه السلام . فقيل له : ألا تأكل ؟ قال : إني صائم ، ولكن تحفة الصائم قيل : وما هي ؟ قال : الدهن والمجمر . وجنى غلامٌ له جنايةً توجب العقاب عليه ، فأمر به أن يضرب ، فقال : يا مولاي " والكاظمين الغيظ " قال: خلوا عنه ، قال : يا مولاي " والعافين عن الناس " قال : قد عفوت عنك . قال : يا مولاي " والله يحب المحسنين " قال : أنت حر لوجه الله ، ولك ضعف ما كنت أعطيك . وقال الفرزدق : لقيني الحسين عليه السلام في منصرفي من الكوفة فقال : ما وراءك يا أبا فراس ؟ قلت : أصدقك . قال : الصدق أريد . قلت : أما القلوب فمعك ، وأما السيوف فمع بني أمية عليك . والنصر من عند الله . قال : ما أراك إلا صدقت . إن الناس عبيد المال ، والدين لغوٌ على ألسنتهم ، يحوطونه ما درت به معايشهم ، فإذا محصوا للابتلاء قل الديانون . وقال الحسين عليه السلام : من أتانا لم يعدم خصلة من أربعٍ ؛ آيةً محكمةً ، وقضيةً عادلةً ، وأخاً مستفاداً ، ومجالسة العلماء .

وكان يرتجز يوم قتل السلام ويقول : الموت خير من ركوب العار . . . والعار خير من ركوب النار واللّه من هذا وهذا جارى وقال عليه السلام : صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك ، فأكرم وجهه عن ردّك إياه . وكان يقول: حوائج الناس إليكم . فلا تملّوا النّعم فتحور نقماً . ولما نزل به عمرو بن سعد لعنه اللّه وأيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطييباً ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : إنّه قد نزل من الأمر ما ترون ، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها واستمرّت ، حتّى لم يبق منها إلا صبابةٌ كصبابة الإناء ، وإلا خسيس عيش كالكلإ الوبيل . ألا ترون الحق لا يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه . فإنى لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظّالمين إلا برماً . وقال عليه السلام : علّمنا عبد اللّه بن جعفر السّخاء . وقيل : كان بينه وبين أخيه الحسن عليهما السلام كلام ، فقيل للحسين : ادخل على أخيك فهو أكبر منك ؛ فقال : إنى سمعت جدّى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : أيما اثنين جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر كان سابقه إلى الجنة ، وأنا أكره أن أسبق أخى الأكبر ؛ فبلغ قوله الحسن رضى اللّه عنه ؛ فأتاه عاجلا .

على بن الحسين زين العابدين رضى اللّه عنه

نظر إلى سائل يبكى ، فقال : لو أنّ الدنيا في يد هذا ، ثم سقطت منه ما كان ينبغى أن يبكى عليها .

وسئل رضى اللّه عنه : لم أوتم النبى - صلى اللّه عليه وسلم - من أبويه ؟ قال : لئلا يوجب عليه حقّ لمخلوقٍ . وقال: ليس في القرآن : يأيّها الذين آمنوا ، إلا وهي في التوراة : يأيّها المساكين . وقال لابنه : يا بنى . إياك ومعاداة الرجال ، فإنه لن يعدمك مكر حليم ، أو مفاجأة لئيمٍ . وكان رضى اللّه عنه إذا توضأ للصلاة احمرّ واصفرّ وتلوّن ألواناً ، فإذا قام إلى الصلاة رجفت أضلاعه ؛ فقيل له في ذلك ؛ فقال : أتدرون بين يدي من أنا قائم ؟ . وسقط ابن له في بئر ، ففزع أهل المدينة لذلك حتى أخرجوه - وكان قائماً يصلّى ، فما زال عن محرابه - فقيل له في ذلك ، فقال : ما شعرت ، إنى كنت أناجى ربّا عظيماً . وكان له ابن عم يأتيه بالليل متنكرا ، فيناوله شيئا " من الدنانير ، فيقول : لكن علي بن الحسين مايصلني ، لا جزاه الله عني خيرا ، فيسمع ذلك فيحتمله ، ويصبر عليه وليعررفه نفسه ، فلما ماتى علي رضيى الله عنه فقدها ، فحينئذِِ علما أنه هو كان ، فجاء إلى قبره وبكى عليه . وكان يقال له ابن الخيرتين ، لقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن لله من عباده خيرنين ؛ فخيرته من العرب قريش ومن العجم فارس " ، وكانت امه ابنة كسرى . وبلغه عليه الرحمة - قول نافع بن جبير في معاوية حيث قال : كان يسكته الحلم ، وينطقه العلم ، فقال : كذب ، بل كان يسكته الحصر ، وينطقه البطر .

وقيل له : من أعظم الناس خطراِ؟ قال : من لم ير الدنيا خطراً لنفسه . وتزوجة امة له اعتقها ، فلامه عبد الملك بن مروان على ذلك وكتب اليه : اما بعد فانه قد بلغني عنكا انكا اعتقتا امتك وتزوجتها وقد كان لك في اكفائك من قريش ماتستكرم به في الصهر وتستنجد به في الولد ، فلم تنظر لنفسك ولالولدك ونكحت في اللؤم . فكتب اليه . اما بعد فني اعتقتها بكتاب الله ، وارتجعتها بسنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وانه والله مافوق رسول الله مرتقى لأحد في مجد ان الله قد رفع بالإسلام الخسيسة ، وأتم النقيصة وأكرم به من اللؤم فلا عار على مسلم . هذا رسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - قد تزوج امته وامرأة عبده . فقال عبد الملك : إن على بن الحسين يشرف من حيث يتضع الناس وروى لنا الصاحب - رحمة الله - عن أبى محمدالجعفرى عن أبيه عن عمه عن جعفر قال : رجل لعلى بن الحسين : ما أشد بغض قريش لأبيك قال لأنه اورد اولهم النار وألزم اخرهم العار . قال : ثم جرى ذكر المعاصى فقال : أعجب لمن يحتمى من الطعام لمضرته وليحتمى من الذنب لمعرته . وقيل له : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحنا خائفين برسول الله ، وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به . قال ابن الأعرابي : لما وجه يزيد بن معاوية عسكره لاستجابة أهل المدينة ضم على بن الحسين - رضي الله عنه - أربعمائة منا فيمن يعلونه إلى أن يعلوهن إلى أن انقرض جيش مسلم بنة عقبة ، فقالت امرأة منهن : ما عشت والله بين أبوى بمثل ذلك التتريف . وقد حكى عنه مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير ابن أمية من الحجاز . كتب الوليد بن عبد الملك إلى صالح بن عبد الله المرى عامله على المدينة : أبرز الحسن بن الحسن بن علي - وكان محبوسا - فاضربه في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - خمسمائة سوط . فأخرجه إلى المسجد ، واجتمع الناس وصعد صالحٌ ليقرأ عليهم الكتاب ثم ينزل فيأمر بضربه ، فبنا هو يقرأ الكتاب إذ جاء علي بن الحسين - رضي الله عنه - فأفرج له الناس حتى انتهى إلى الحسن ، فقال : يا بن عم، مالك ؟ ادع الله بدعاء الكرب يفرج الله عنك ، فقال : ما هو يا بن عم ؟ قال : قل لا إنه إلا الله العلي العظيم ، سبحان رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين . قال : وانصرف علي بن الحسين ، وأقبل الحسن يكررها ، فلما فرغ صالحٌ من قراءة الكتاب ونزل ، قال : أرى سجنه . رجلٌ مظلومٌ ، أخروا أمره وأنا أراجع أمير المؤمنين في أمره ؛ فأخروه ثم أطلق بعد أيام . قال علي - رضي الله عنه - وقد قيل له : ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة ؟ قال : أكره أن آخذ برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - ملا أعطى مثله . قال رجل لرجل من آل الزبير كلاماً أقذع فيه ، فأعرض الزبيري عنه ولم يجبه ، ثم دار كلامٌ ، فسب الزبيري على بن الحسن - رضي الله عنه - فأعرض عنه ولم يجبه ، فقال له الزبيري : ما يمنعك من جوابي ؟ قال علي : ما يمنعك من جواب الرجل . ومات له ابنٌ فلم ير منه جزعٌ ، فسئل عن ذلك ، فقال : أمرٌ كنا نتوقعه ، فلما وقع لم ننكره . قال طاوس : رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب ويدعو ويبكي في دعئه ، فتبعته حين فرغ من صلاته، فإذا هو على بن الحسين رضي الله عنهما ، فقلت له : يا بن رسول الله ، رأيتك على حالة كذا ، ولك ثلاثةٌ أرجو أن تؤمنك من الخوف أحدهما : أنك ابن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، والثانية شفاعة جدك ، والثالثة رحمة الله . فقال : يا طاوس ؛ أما أني ابن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - فلا تؤمنني ، وقد سمعت الله يقول : " فلا أنساب بينهم يومئذٍ " وأما شفاعة جدي فلا تؤمنني ؛ لأن الله يقول : " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " . وأما رحمة الله ، فإن الله تعالى يقول : إنها " قريبٌ من المحسنين " ولا أعلم أني محسنٌ . وسمع رضي الله عنه رجلا كان يغشاه يذكر رجلاً بسوءٍ ، فقال : إياك والغيبة ؛ فإنها إدام كلاب الناس . وقال : الكريم يبتهج بفضله ، واللئيم يفتخر بملكه . وقال: كل عينٍ ساهرة يوم القيامة إلا ثلاثاً : عين سهرت في سبيل الله وعين غضت عن محارم الله ، وعينٌ فاضت من خشية الله .

محمد بن علي الباقر رضي الله عنه

قال يوما لأحابه : أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه ؛ فيأخذ حاجته من الدنانير والدراهم ؟ قالوا : لا . قال : فلستم إذاً بإخوانٍ . وقال لابنه جعفر رضي الله عنه : يا بني ، إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء : خبأ رضاه في طاعته ، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً ، فلعل رضاه فيه . وخبأ سخطه ف يمعصيته ، فلا تحقرن من المعاصي شيئاً ، فلعل سخطه فيه . وخبأ أولياءه في خلقه ، فلا تحقرن أحداً ، فلعل ذلك الولي . واجتمع عنده قومٌ من بين هاشم وغيرهم ، فقال لهم : اتقوا البله ، شيعة آل محمدٍ ، وكونوا النمرقة الوسطى ، يرجع إليكم الغالي ، ويلحق بكم التالي قالوا له : وما الغالي ؟ قال : الذي يقول فينا ما لا نقوله في أنفسنا . قالوا : فما التالي ؟ قال : الذي يطلب الخير فتزيدونه خيراً، إنه والله ما بيننا وبين الله قرابة ، ولا لنا على الله من حجة ، ولا نتقرب إليه إلا بالطاعة ؛ فمن كان منكم مطيعاً لله يعمل بطاعته نفعته ولا يتنا أهل البيت ، ومن كان منكم عاصياً لله يعمل لمعاصيه لم تنفعه ولايتناً . ويحكم لا تغتروا، ويحكم لا تغتروا . وروى أنعبد الله بن معمر الليثي قال لأبي جعفر : بلغني أنك تفتى في المتعة ، فقال : أحلها الله في كتابه ، وسنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - وعمل بها أصحابه . فقال عبد الله : فقد نهى عمر عنها ، قال : فأنت على قول صاحبك ، وأنا على قول صاحبي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - قال عبد الله : فيسرك أن نساءك فعلن ذلك ؟ قال أبو جعفر : وما ذكر النساء ها هنا يا أنوك ؟ إن الذي أحلها في كتابه وأباحها لعباده أغير منك وممن نهى عنها تكلفاً ، بل يسرك أن بعض حرمك تحت حاكة يثرب نكاحاً ؟ قال : لا . قال : فلم تحرم ما أحل الله لك ؟ قال : لا أحرم ، ولكن الحائك ما هو لي بكفءٍ ، قال : فإن الله ارتضى عمله ورغب فيه وزوجه حوراً ، أفترغب عمن يرغب الله فيه ، وتستنكف ممن هو كفءٌ لحور الجنان كبراً وعتواً ؟ قال : فضحك عبد الله وقال : ما أحسب صدوركم إلا منابت أشجار العلم ، فصار لكم ثمره ، وللناس ورقه . وسئل لم فرض الله تعالى الصوم على عباده ؟ فقال : ليحد الغني مس الجوع فيحنو على الضعيف . وقال : إن قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة العبد ، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار . وقال أبو عثمان الجاحظ : جمع محمدٌ - عليه السلام - صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين ، فقال : صلاح شأن التعايش والتعاشر مثل مكيالٍ ، ثلثاه فطنةٌ وثلثٌ تغافلٌ . هنأ رجلاً بمولود ؛ فقال : أسأل الله أن يجعله خلفاً معك وخلفاً بعدك ؛ فإن الرجل يخلف أباه ف يحياته وموته .

قال الحكم بن عيينة : مررنا بامرأة محرمةٍ وقد أٍبلت ثوبها ، فقلت : أسفري عن وجهك . قالت : أفتاني بذلك زوجي محمد بن علي بن الحسن رضي الله عنهم . وكان رضي الله عنه إذا رأى مبتلي أخفى الاستعاذة . وكان لا يسمع من داره : يا سائل بورك فيك ، ولا يا سائل خذ هذا ، وكان يقول : سموهم باحسن أسمائهم . وكان يقول : اللهم أعني على الدنيا بالغنى وعلى الآخرة بالعفو . وقال لابنه : يا بني ، إذا أنعم الله عليك نعمة فقل : الحمد لله ، وإذا حزبك أمرٌ فقل : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وإذا أبطأ عليك رزقٌ فقل : استغفر الله . وقال : أدب الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) - أحسن الأدب فقال : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " . فلما وعى قال : " وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " .

زيد بن علي رضي الله عنه

وكان يسمى في آل محمد - ( صلى الله عليه وسلم ) - الراهب . ومن كلامه : إن الذين كرمت عليهم أنفسهم حفظوها بطاعة الله من العمل بمعصيته ، وأدبوها بالقرآن ، وأقاموها على حدود الرحمن ، فلم يهتكوا حجاب ما حرم الله عليهم ، ولم يسأموا من الصبر ومرارته في الله ابتغاءً مرضاته ، فراقبوه في الخلوات ، وبذلوا له من أنفسهم الكثير من الطاعات ، حتى إذا عرضت لقلوبهن الدنيا أعرضوا عنها بيقينٍ لا يشوبه ريبٌ ؛ فهؤلاء هم المؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ . وقال رحمه الله : لا يسأل العبد عن ثلاث يوم الحساب ؛ عما أنفق في مرضه ، وعما أنفق في إفطاره ، وعما أنفق في قرى ضيفه . ةقال رضي الله عنه : اطلب ما يعنيك ودع ما لايعنيك ؛ فإن في ترك مالا يعنيك دركاً لما يعنيك ، وإنما تقدم على ما قدمت ، ولست قادماً على ما أخرت ، فآثر ما تلقاه غداً على مالا تراه أبداً . ووقع بينه وبين عبد الله بن الحسن بن الحسن كلامٌ برصافة هشامٍ في صدقات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - فقال له عبد الله : يا بن السوداء ، فقال : ذلك لونها ، فقال : يابن النوبية . فقال : ذلك جنسها . فقال : يا بن الخبازة . فقال : تلك حرفتها . قال : يا بن الفاجرة . فقال : إن كنت صادقاً فغفر الله لها ، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك . فقال : عبد الله : بل أنا كاذبٌ ، يقولها ثلاث مرات . وقال زيد رضي الله عنه : كان علي من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - بمنزلة هارون من موسى إذ قال له : " وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " . فألصق عيٌ - عليه السلام - كلكله بالأرض ، لما رأى صلاحاً ، فلما رأى الفساد بسط يده وشهر سيفه ودعا إلى سبيل ربه . ودخل على هشام ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقال : لا سلم الله عليك . فقال زيد : اتق الله . فقال : أمثلك يأمرني بتقوى الله ؟ قال : إنه ليس أحدٌ فوق أن يؤمر بتقوى الله ، ولا أحدٌ دون أن يأمر بتقوى الله . قال : أنت المحدث نفسك بالخلافة وأمك أمك قال : يا أمي رالمؤمنين إن الأمهات لا يعن من الأولاد ، ولو وضعت أم من ولدها لوضعت أم إسماعيل من إسماعيل ، فقدج جعله الله نبياً ودرأ سيد الأولين والآخرين محمداً - ( صلى الله عليه وسلم ) - منه . قال : لقد أعطيت على رغمى جدلاً . أخرجوه عني . فلما خرج اتبع فسمع يقول : ما أحب الحياة أحدٌ إلا ذل .

قارف الزهرى ذنبا فاستوحش من الناس ، وهام على وجهه ، فقال زيد رحمه الله : يا زهرى ، لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيءٍ أشد عليك من ذنبك . فقال الزهري : الله أعلم حيث يجعل رسالاته ، ورجع إلى أهله وماله وأصحابه . من خطبه لزيد رضي الله عنه . أوصيكم - عباد الله - بتقوى الله ، التي من اكتفى بها كفته ، ومن اجتن بها وقته . هي الزاد ولها المعاد ؛ زادٌ مبلغٌ ، ومعادٌ منجٍ . دعا إليها أسمع داع ، ووعاها خير واعٍ ، فأعذر داعيها ، وفاز واعيها . عباد الله : إن تقوى الله حمت أولياء الله محارمه ، وألزمت قلوبهم مخافته حتى أسهرت ليلهم ، وأظمأت هواجرهم ، فأحذوا الراحة بالنصب ، والر بالظمإ ، وقربوا الأجل فبادروا العمل ، وكذبوا الأمل ، ولاحظوا الأجل . " طوبى لهم وحسن مآب " . ثم إن الدنيا دار فناءٍ وعناء ، وغيرٍ وعبر ، فمن العناء أن المرء يجمع ما لايأكل ، ويبني مالا يسكن ، ثم يخرج إلى الله عز وجل لا مالاً حمل ولا بناءً نقل . ومن الفناء أن الدهر موترٌ قوسه ثم لا تخطئ سهامه ، ولا تشوى جراحه ، يرمى الحي بالموت ، والحيح بالعطب ، آكل لا يشبع ، وشاربٌ لا يروى. ومن غيرها أنك تلقى المحروم مغبوطاً ، والمغبوط محروماً ، ليس ذلك إلا نعيماً زال وبؤسا نزل . ومن عبرها أن المشرف على أمله يقطعه أجله ، فلا أمل يدرك ، ولا مومل يترك ، فسبحان الله ، ما أغر سرورها ، وأظمأ ريها ، وأضحى فيئها فكأن الذي كان من الدنيا لم يكن ، وكأن الذي هو كائنٌ فيها قد كان ، صار أولياء الله فيها إلى الأجر بالصبر ، وإلى الأمل بالعمل ، جاوروا الله في داره ملوكاً خالدين .

إن الله خلق موتاً بين حياتين ؛ موتاً بعده حياة ، وحياةً ليس بعدها موتٌ . وإن أعداء الله نظروا فلم يجدوا شيئاً بعد الموت إلا والموت أهون منه ، فسألوا الله عز وجل الموت ، فقالوا : " بمالك ليقض علينا ربك قال إنكم مكثون " . وإن أولياء الله نظروا فلم يجدوا شيئاً بعد الموت إلا والموت أشد منه ، فسألوا الله الحياة جزعاً من الموت ، ولكل مما هو فيه مزيد . فسبحان الله ، ما أقرب الحي من الميت باللحاق به ، وما أبعد الميت من الحي لانقطاعه منه . إنه ليس شيءٌ بخيرٍ من الخير إلا ثوابه ، وليس شيءٌ بشر من الشر إلا عقابه ، وكل شيءٍ من الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، وكل شيءٍ من الاخرة عيانه أعظم من سماعه ، فلكفكم من السماع العيان ، ومن الغيب الخبر . إن الذي أمرتم به أوسع مما نهيتم عنه ، وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم ، فذروا ما قل لما كثر ، وما ضاق لما اتسع ، قد تكفل لكم بالرزق ، وأمرتم بالعمل ، فلا يكونن المضمون لكم طلبة أولى بكم من المفروض عليكم ، مع أنه والله ، قد اعترض الشك ، ووحل اليقين ، حتى كأن الذي ضمن لكم قد فرض عليكم ، وكأن الذي فرض عليكم قد وضع عنكم ؛ فبادروا العمل ، وخافوا بغتة الأجل ؛ فإنه لا يرجى من رحمة الحياة ما يرجى من رحمة الرزق ؛ فإن ما فات اليوم من الرزق يرجى غداً زيادته ، وما فات أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته ، الرجاء مع الجائي ، واليأس مع الماضي و " اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " . ومن خطبة له : أوصيكم بتقوى الله ؛ فإن الموصى بها لم يدخر نصيحةً ، ولم يقصر في الإبلاغ ؛ فاتقوا الله في الأمر الذي لا يصل إليه منه شيء إن أصبتموه ، ولا ينقص منه شيءٌ إن جهلتموه ، وأحملوا في طلب أموركم ، ولا تستعينوا بنعمة الله - عز وجل - على معصيته . وقال زيد لابنه رضي الله عنهما : يا بني ان الله - عز وجل - لم يرضك لى فأوصاك بى ورضينى لك فحذرنيك واعلم أن خير الآباء للأ بناء من لم تدعه المودة إلى التفريط ، وخير الأبناء للآباء من لم يدعه التقصير إلى العقوق فاحفظ وصيتتى قال ابن كناسة : لما صلب زيد بن على ما أمسى حتى نسج العنكبوت على عورته . قال أبو بكر بن عياش : بقى زيد أربع سنين مصلوبا " فلم تر عورته . وقيل له : الصمت أفضل أم الكلام ؟ فقال : أخزى الله المسا كتة فما أفسدها للسان وأجلبها للحصر والله للمماراة أسرع فى هدم العى من النار فى يبس العرفج . وقال : المروءة انصاف من دونك والسمو إلى من فوقك والجزاء بما أتى من خير أو شر اليك . قال : أقبل زيد داخلأ إلى المسجد وفيه نفر من قريش قد لحقتهم الشمس فى مجلسهم فقاموا يريدون التحويل فلما توسط المسجد خاف أن يفوتوه فحصبهم فوقفوه فحصبهم فوقفوا فقال لهم : أقتل يزيد بن معاوية حسين بن على ؟ قالوا : نعم قال : ثم مات يزيد ؟ قالوا : نعم قال : فكأن حياة بينهما لم تكن قال : فعلم القوم أنه يريد أمرا " .

جعفر بن محمد الصادق رضى الله عنه

سئل : لم صار الناس يكلبون أيام الغلاء على الطعام ، ويزيد جوعهم على العادة في الرخص ؟ قال : لأنهم بنو الأرض ، فإذا قحطت قحطوا وإذا أخصبت أخصبوا .

وشكا إليه رجل جاره ، فقال : اصبر عليه ، فقال : ينسبنى الناس إلى الذلّ فقال : إنما الذليل من ظلم ، إنما الذليل من ظلم . وقال رحمه الله : أربعة أشياء القليل منها كثير : النار ، والعداوة ، والفقر ، والمرض . وسئل : لم سميت الكعبة البيت العتيق ؟ قال : لأن الله أعتقها من الطوفان يوم الغرق . وقال أبو جعفر المنصور : إنّى قد عزمت على أن أخرب المدينة ، ولا أدع بها نافخ ضرمة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لا أجد بدّاً من النّصاحة لك ، فأقبلها إن شئت أولا . قال : إنه قد مضى لك ثلاثة أسلاف ؛ أيوب ابتلى فصبر ، وسلمان أعطى فشكر ، ويوسف قدر فغفر ، فاقتد بأيهم شئت ، قال : قد غفرت . وروى أنه قال - وقد قيل بحضرته : جاور ملكاً أو بحراً - : هذا كلامٌ محال ، والصواب : لاتجاور ملكا أو بحرا ؛ لأن الملك بؤذيك والبحر لايرويك . وسئل عن فضيلة لأمير المؤمنين علىٍّ - رضى الله عنه - لم يشركه فيها غيره ، فقال : فضل الأقربين بالسبق ، وفضل الأبعدين بالقرابة . وعنه رضى الله عنه : " بسم الله الرحمن الرحيم " تيجان السّور . وقال رضى الله عنه : صحبة عشرين يوماً قرابة . وقف أهل المدينة وأهل مكة بباب أبى جعفر ؛ فأذن الربيع لأهل مكة قبل أهل المدينة ، فقال جعفر : عشّ والله طار خياره ، وبقى شرارة . وقيل له : لم حرّم الله الربا ؟ قال : لئلا يتمانع الناس المعروف وقيل له : إن أبا جعفر المنصور لا يلبس منذ صارت إليه الخلافة إلا الخشن ، ولا يأكل إلا الجشب ، فقال : لم يا ويحه ؟ مع ما قد مكن الله له من السلطان وجبى إليه من الأموال ، فقيل له : إنما يفعل ذلك بخلاً وجمعاً ، فقال : الحمد لله الذي حرمه من دنياه ؛ ما له ترك دينه ؟ . لما قال الحكيم بن عياش الكلبى : صلبنا لكم زيداً على جذع نخلةٍ . . . ولم أر مهدياًّ على الجذع يصلب وقستم بعثمان علياًّ سفاهةً . . . وعثمان خيرٌ من علىٍّ وأطيب بلغ قوله أبا عبد الله - رضى الله عنه - فرفع يديه إلى السماء وهما ترعشان ، فقال : اللهم إن كان عندك كاذباً فسلط عليه كلبك ، فيعثه بنو أمية إلى الكوفة فافترسه الأسد ، واتصل خبره بالصادق - رضي الله عنه - فخر لله ساجداً ثم قال : الحمد لله الذي أنجزنا ما وعدنا . وقال لأبي ولاد الكاهلي : أرأيت عمي زيداً ؟ قال : نعم ، رأيته مصلوباً ورأيت الناس فيه بين شامتٍ حنق ، وبين محزونٍ محترقٍ ؛ فقال : أما الباكي فمعه في الجنة ، وأما الشامت فشريكٌ في دمه . وقال : إذا أقبلت الدنيا على المرء أعطته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه . ومر به رجل وهو يتغذى فلم يسلم ، فدعاه إلى الطعام ، فقيل له : السنة أن يسلم ثم يدعى ، وقد ترك السلام على عمدٍ ، فقال : هذا فقهٌ عراقيٌ فيه بخل . وقال : القرآن ظاهره أنيقٌ وباطنه عميقٌ . وقال : من أنصف من نفسه رضي حكماً لغيره . وقال : أكرموا الخبز ؛ فإن الله تعالى أنزل له كرامةً . قيل : وما كرامته .

قال : ألا يقطع ولا يوطأ ، وإذا حضر لم ينتظر به غيره . وقال : حفظ الرجل أخاه بعد وفاته في تركته كرم . وقال: ما من شيءٍ أسر إلى من يدٍ أتبعتها الأخرى ؛ لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل . وقال : إني لأملق فأتاجر الله بالصدقة . وقال : لا يزال العز قلقاً حتى يأتي داراً قد استشعر أهلها اليأس مما في أيدي الناس فيوطنها . وقال : إذا دخلت إلى منزل أخيك فاقبل الكرامة كلها ما خلا الجلوس في الصدر . وقال : كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان . واشتكى مرةً فقال : اللهم اجعله أدباً لا غضباً . وقال : البنات حسنات والبنون نعمٌ . والحسنات يثابٌ عليها، والنعم مسئولٌ عنها ، وقال : إياك وسقطة الاسترسال فإنها لا تستقال . وسئل : ما طعم الماء ؟ فقال : طعم الحياة . وقال : إني لأسارع في حاجة عدوي خوفاً أن أرده فيستغني عني . وكان يقول : اللهم إنك بما أنت أهلٌ له من العفو أولى مني بما أنا أهلٌ له من العقوبة . وقال : من أكرمك فأكرمه ، ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه . وأتاه أعرابي - وقيل بل أتى أباه الباقر رضي الله عنهما - فقال : أرأيت الله حين عبدته ؟ فقال : ما كنت لأعبد شيئاً لم أره . قال : كيف رأيته ؟ قال : لم تره الأبصار مشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، معروف بالآيات منعوتٌ بالعلامات . هو الله الذي لا إله إلا هو . فقال الأعرابي : الله أعلم حيث يجعل رسالاته .

وقال : لا يكون المعروف معروفاً إلا باستصغاره وتعجيله وكتمانه . وقال : يهلك الله ستا بست ؛ الأمراء بالجور ، والعرب بالعصبية ، والدهاقين بالكبر ، والتجار بالخيانة ، وأهل الرستاق بالجهلن والفهاء بالحسد . وقال : المسترسل موقى والمحترس ملقى . وقال : منع الموجود سوء ظن بالمعبود . وقال : صلة الأرحام منسأة في الأعمار ، وحسن الجوار عمارةٌ للديار ، وصدقة السر مثراةٌ للمال . وقال له أبو جعفر : ألا تعذرني من عبد الله بن حسن وولده ، سبثون الدعاة ، ويثيرون الفتنة . قال : قد عرفت الأمر بيني وبينهم ، وإن أقنعك مني آية من كتاب الله تلوتها عليك ، قال : هات . قال : " لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون " . قال : كفاني بين عينيه . وقال لرجل : أحدث سفراً يحدث الله لك منه رزقا ، والزم ما عودت منه الخير . وقال : دعا الله الناس في الدنيا بآبائهم ليتعارفوا وفي الآخرة باعمالهم ليجازوا ، فقال : " يا أيها الذين ءامنوا " " ياأيها الذين كفروا " . وقال : من أيقظ فتنةً فهو أكلها . وقال : إن عيال الرجل أسراؤه ، فمن أنعم الله عليه نعمةً فليوسع على أسرائه ، فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة . وكان يقول : السريرة إذا أصلحت قويت العلانية . وقال : ما يصنع العبد أن يظهر حسناً ويسر سيئاً . أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ليس كذلك ، والله عز وجل يقول : " بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ " .

وقال له أبو حنيفة : يا أبا عبد الله ، ما أصبرك علىالصلاة فقال : يا نعما ، أما علمت أن الصلاة قربان كل تقي ، وأن الحج جهاد كل ضعيفٍ ، ولكل شيءٍ زكاةٌ ، وزكاة البدن الصيان ، وأفضل الأعمال انتظار الفرج من الله ، والداعي بلا عملٍ كالرامي بلا وترٍ ، فاحفظ هذه الكلمات : يا نعمان ، استنزلوا الرزق بالصدقة ، وحصنوا الأموال بالزكاة ، وما عال امرؤ اقتصد ، والتقدير نصف العيس ، والتؤدة نصف العقل ، والهم نصف الهرم ، وقلة العيال أحد اليسارين ، ومن أحزن والديه فقد عقهما ، ومن ضرب بيديه على فخذيه عند المصيبة أحبط أجره ، والصنيعة لا تكون صنيعةً إلا عند ذى حسبٍ ودينٍ ، والله ينزل الرزق على قدر المئونة ، وينزل الصبر على قدر المصيبة ، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية ، ولو أراد الله بالنملة خيراً ما أنبت لها جناحين . وقيل له : ما بلغ من حبك لموسى ؟ قال : وددت أن ليس لي ولدٌ غيره كيلا يشركه في حبي أحد . وقال : ثلاثة أقسام بالله إنها لحق ، ما نقص مالٌ من صدقةٍ ولا زكاة ، ولا ظلم أحدٌ بظلامةٍ فقدر أن يكافئ بها وكظمها إلا أبدله الله مكانها عزاً ، ولا فتح عبدٌ على نفسه باب مسألةٍ إلا فتح الله عليه باب فقرٍ . وقال : ثلاثةٌ لا يزيد الله المرء المسلم بها إلا عزاً : الصفح عمن ظلمه ، والإعطاء لمن حرمه ، والصلة لمن قطعه .

وقال : الطبائع أربع : البلغم وهو خصمٌ جدلٌ ، إن سددته من جانبٍ انفجر من جانب ؛ والريح وهو ملكٌ يدارى ، والدم وهو عبدٌ ، وربما قتل العبد سيده ، والمرة - وهيهات - تلكم الرض إذا رجفت رجف ماعليها . وقال : من اليقين ألا ترضى الناس بما يسخط الله ، ولا تذمهم على ما لم يؤتك الله ، ولا تحمدهم على رزق الله ، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريصٍن ولا يصرفه كره كارهٍ ؛ ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه الرزق كما يدركه الموت . وقال : مروءة الرجل في نفسه نسبٌ لعقبه وقبيلته . وقال : من صدق لسانه زكا عمله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ، ومن حسن بره بأهل بيته زيد في عمره . وقال : خذ من حسن الظن بطرفٍ تروح به قلبك وتروج به أمرك . وقال : المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق ، وإذا رضى لم يدخله رضاه في باطلٍ، ولاذي إذا قدر لم يأخذ أكثر مما له .

موسى بن جعفر رضي الله عنه

ذكر أن موسى الهادي قد هم به ، فقال لأهل بيته : بن تشيرون ؟ قالوا : نرى أن تتباعد عنه ، وأن اغيب سخطك ، فإنه لا يؤمن شره ، فقال : زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب ثم رفع يديه إلى السماء ، فقال : إلهي ، كم من عدو لي قد شحذ لي ظبة مدسته ، وأرهف لي شبا حده ، وذاف لي قواتل سمومه ، ولم تنم عني عين حراسته ، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن ملمات الجوائح صرفت ذلك عني بحولك وقوتك ، لا بحولي وقوتي ؛ فألقيته في الحفير احتفره لي ، خائباً مما أمله في دنياه ، متباعداً مما رجاه في آخرته ، فلك الحمد على ذلك تدر استحقاقك . سيدي ؛ اللهم فخذه بعزتك ، وافلل حده عني بقدرتك ، واجعل له شغلا فيما يليه ، وعجزاً عمن يناديه ، اللهم واعدني عليه عدوي حاضرةٌ تكون من غيظي شفاءً ، ومن حنقي عليه وفاء ، وصل اللهم دعائي بالإجابة ، وانظم شكايتي بالعبير ، وعرفه عما قليلٍ ما وعدت به الظالمين ، وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين ؛ إنك ذو الفضل العظيم ، والمن الكريم . قال : ثم تفرق القوم ، فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى الهادي ، ففي ذلك يقول بعضهم في وصف دعائه : وساريةٍ لم تسر في الأرض تبتغي . . . محلاً ، ولم يقطع بها السفر قاطع وهي أبيات مليحةٌ ما قيل في وصف الدعاء المستجاب أحسن منها . وسأله الرشيد ، فقال : لم زعمتم أنكم أقرب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - منا ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، لو أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - أنشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ فقال : سبحان الله ، وكنت أفتخر بذلك على العرب والعجم ، فقال : لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه ، لأنه ولدنا ولم يلدكم . وقد روى أنه قال : هل كان يجوز أن يدخل على حرمك وهن فقال : لا ، فقال : لكنه كان يدخل على حرمي كذلك وكان يجوز له . وقيل : إنه سأله أيضا : لم قلتم إنا ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجوزتهم للناس أن ينسبوكم إليه ، فيقولون : يا بني رسول الله ، وأنتم بنو علي ؛ وإنما ينسب الرجل إلى أبيه دون جده ؛ فقال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم . " ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس " . وليس لعيسى أب ، وإنما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه ، وكذلك ألحقنا بذرية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأزيدك يا أمير المؤمنين - قال الله تعالى : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من اعلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " . ولم يدع عليه السلام عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والخسين وهم الأبناء . ومات رضي الله عنه في حبس الرشيد . وقيل : سعى عليه جماعة من أهل بيته ، ومنهم محمد بن جعفر بن محمد أخوه ، ومحمد بن إسماعيل بن جعفر ابن أخيه والله أعلم . وسمع موسى رضي الله عنه رجلا يتمنى الموت ، فقال : هل بينك وبين الله قرابةٌ يحابيك بها ؟ قال : لا . قال : فهل لك حسناتٌ قدمتها تزيد على سيئاتك ؟ قال : لا . قال : فأنت إذاً تتمنى هلاك الأبد . وقال رحمه الله : من استوى يوماه فهو مغبونٌ ، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في النقصان ، ومن كان في النقصان فالموت خير له من الحياة . وروى عنه أنه قال : اتخذوا القيان ؛ فإن لهن فطناً وعقولا ليست لكثير من النساء ؛ فكأنه أراد النجابة من أولادهن .

علي بن موسى الرضا رضي الله عنه

سأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون ، فقال : يا أبا الحسن ؛ الخلق مجبرون ؟ فقال : الله أعدل أن يجبر ثم يعذب قال : فمطلقون ؟ قال : الله أحكم ، أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه . أتى المأمون بنصراني قد فجر بها شمية ، فلما رآه أسلم ؛ فغاظه ذلك ؛ وسال الفهاء فقالوا : أهدر الإسلام ما قبل ذلك . فسأل المأمون الرضا رضي الله عنه ، فقال: اقتله ؛ لأنه أسلم حين رأى البأس ؛ قال الله عز وجل : " فلما رأوا بأسنا قالوا ءامنا بالله وحده " إلى آخر السورة . قال عمرو بن مسعدة : بعثني المأمون إلى علي رضي الله عنه لأعلمه ما أمرني به من كتابٍ في تقريظه ، فأعلمته ذلك، فأطرق مليا ثم قال : يا عمرو إن من أخذ برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لحقيقٌ أن يعطى به . وسئل رضي الله عنه عن صفة الزاهد ، فقال : متبلغٌ بدون قوته ، مستعد ليوم موته متبرمٌ بحياته . وسئل عن القناعة ، فقال : القناعة تجمع إلى صيانة النفس ، وعز القدر طرح مؤن الاستكثار والتعبد لأهل الدنيا ، ولا يسلك طريق القناعة إلا رجلان: إما متقللٌ يريد أجر الآخرة ، أو كريمٌ متنزه عن لئام الناس . امتنع رجلٌ عن غسل اليد قبل الطعام ؛ فقال رضي الله عنه : اغسلها ، فالغسلة الأولى لنا ، وأما الثانية فلك . إن شئت فاتركها . أدخل إلى المأمون رجلٌ أراد ضرب عنقه والرضا حاضر ؛ فقال له المأمون : ما تقول فيه يا أبا الحسن ؟ فقال : أقول إن الله لا يزيدك بحسن العفو إلا عزاً ، فعفا عنه . حدث أبو الصلت قال : كنت مع علي بن موسى رضي الله عنه وقد دخل نيسابور ، وهو راكبٌ بغلة شهباء ، فغدا في طلبه علماء البلد : أحمد ابن حنبل ، ويسن بن النضر ، ويحيى ، وعدةٌ من أهل العمل ؛ فتعلقوا بلجامه في المربعة ، فقالوا له : بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك ؛ فقال : حدثني أبي العدل الصالح موسى بن جعفر ، قال : حدثني أب يباقر - علم الأنبياء - محمد بن علي ، قال : حدثني أبي سيد العابدين علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي ، قال : سمعت أبي سيد العرب علي بن أب يطالب قال : سمعت رسول الله سلى الله عليه وسلم يقول : الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرارٌ باللسان ، وعملٌ بالأركان . قال : فقال أحمد بن حنبل : لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنونه . وروى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم مثلب ذلك يحكيه عن أبيه ، وأنه قرأه على مصروعٍ فأفاق . ولما عقد المأمون اليعة له بعده قال : يا أمي رالمؤمنين ؛ إن النصح واجب لك ، والغش لا ينبغي لمؤمنٍ ، إن العامة تكره ما فعلت بي ، وإن الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل ، فالرأي لك أن تنجينا عنك حتى يصلح أمرك . فكان إبراهيم الصولي يقول : كان هذا والله السبب فيما آل الأمر إليه . حدث بعضهم قال : خطب المأمون المدينة ، فقال : أيها الناس ؛ أتدرون من ولى عهدكم ؟ هذا على بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين ين علي : ستة أباء هم ما هم . . . هم خير من يشرب صوب الغمام روى عن الرضا - رحمه الله - أنه قال : من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عن فهو كافر . وروى عن بعض أصحابه أنه قال : دخلت عليه بمرو فقلت له : يا بن رسول الله ، روى لنا عن الصادق - رضي الله عنه - أنه قال : لا جبر ولا تفويض ، أمر بين أمرين فما معناه ؟ قال : من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا فقد قال بالجبر ، ومن زعم أ نالله فوض أمر الخلق والرزق إلى خلقه ، فقد قال بالتفويض والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك . فقلت : يا بن رسول الله ؛ فما أمر بين أمرين ؟ قال : وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه . وقال في قول الله تعالى : " فاصفح الصفح الجميل " - قال : عفوٌ بغير عتاب . وفي قوله : " خوفاً وطمعاً " خوفا للمسافر وطمعا للمقيم . وقال له المأمون : يا أبا الحسن ؛ أخبرني عن جدك علي بن أب يطالب بأي وجهٍ هو قسيم الجنة والنار ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنه قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : " حب علي إيمانٌ وبغضه كفرٌ " . فقال : بلى . قال الرضا : فقسمه الجنة والنار إذا كانت على حبه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار . فقال المأمون : لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن ، أشهد أنك وارث علم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . قال أبو الصلت الهروي : فلما رجع الرضا إلى منزله أتيته فقلت : يا بن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمي رالمؤمنين فقال : يا أبا الصلت ، إنما كلمته من حيث هو ، لقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي رضي الله عنه ، قال : قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : يا علي ، أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة ، تقول للنار هذا لي وهذا لك " . ودخل عليه بخراسان قومٌ من الصوفية ، فقالوا له : إن أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاه الله من الأمر فرآكم - أهل البيت - أولى اناس بأن تؤموا الناس ، ونظر فيكم - أهل البيت - فرآكم أولى الناس بالناس ، فرأى أن يرد هذا الأمر إليك ، والأمة تحتاج إلى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ، ويركب الحمار ، ويعود المريض . قال : وكان الرضا - رضي الله عنه - متكئاً فاستوى جالساً ، ثم قال : كان يوسف نبياً يلبس أقبية الديباج المزررة بالذهب ، ويجلس على متكآت آل فرعون ويحكم ؛ إنما يراد من الإمام قسطه وعدله ؛ إذا قال صدق ، وإذا حكم عدل ، وإذا وعد أنجز ؛ إن الله تالى لم يحرم لبوساً ولا مطعماً ، وتلا : " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والكيبات من الرزق " .

محمد بن علي بن موسى رضي الله عنه

تذكر المتوكل في علة إن وهب الله له العافية أن يتصدق بمال كثير ، فعوفى ، فاحضر الفقهاء واستفتاهم ، فكل منهم قال شيئاً إلى أن قال محمد رضي الله عنه : إن كنت نويت الدنانير فتصدق بثمانين ديناراً ، وإن كنت نويت الدراهم فتصدق بثمانين درهماً . فقال الفقهاء : ما نعرف هذا في كتابٍٍ ولا سنة ، فقال : بلى . قال الله عز وجل : " لقد نصركم الله في مواطن كثيرةٍ " . فعدوا وقائع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ففعلوا فإذا هي ثمانون . هذه القصة إن كانت وقعت للمتوكل فالجواب لعلي بن محمدٍ . فإن محمداً لم يلحق أيام المتوكل ، ويجوز أن تكون له مع غيره من الخلفاء . وأتاه رجل فقال : أعطني على قدر مروءتك ، قال : لا يسعني ، قال : فقال على قدري ، قال : أما ذا فنعم ، يا غلام ؛ أعطه مائتي دينار . 

عبد الله بن الحسن بن الحسن رضي الله عنه

نظر إليه رجل وهو مغموم ، فقال ما غمك يا بن رسول الله ؟ فقال : كيف لا أغتم وقد امتحنت بأغلظ من محنة إبراهيم خليل الله ، ذاك أمر بذبح ابنه ليدخل الجنة ، وأنا مأخوذٌ بأن أحضر ابني ليقتلا فأدخل النار . ولما أمعن داود بن علي في قتل بني أمية بالحجاز ، قال له عبد الله : يابن عم ؛ إذا أفرطت في قتل أكفائك فمن تباهى بسلطانك ؟ أوما يكفيك منهم أن يروك غادياً رائحاً فيما يسرك ويسوءهم ؟ وكتب إلى صديقٍ له : اتق الله ؛ فإنه جعل لمن اتقاه من عباده المخرج مما يكره والرزق من حيث لا يحتسب . قالوا : كان عثمان بن خالد المرى على المدينة منن قبل الوليد بن عبد الملك ؛ فأساء بعبد الله والحسن ابني الحسن إساءةً عظيمةً وقصدهما ، فلما عزل أتياه ، فقالا : لا تنظر إلى ما كان بيننا ؛ فإن العزل قد محاه ، وكلفنا أمرك كله . فلجأ إليهما ، فبلغا له كل ما أراد ؛ فجعل عثمان يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالاته . وكان عبد الله يقول : يا بنى اصبر ؛ فإنما هي غدوةٌ أو روحةٌ حتى يأتي الله بالفرج . وروى أنه قال لابنه محمد حين أراد الاستخفاء : يا بني ، إني مؤد إليك حق الله في تأديبك ونصيحتك ، فأد إلى حقه عليك في الاستماع والقبول ، يا بني كف الأذى ، واقض الندى ، واستعن على السلامة بطول الصمت في الموطن التي تدعوك فيها نفسك إلى الكلام ؛ فإن الصمت حسن ، وللمرء ساعاتٌ يضره فيها خطؤه ، ولا ينفعه فيها صوابه . واعلم أن من أعظم الخطإ العجلة قبل الإمكان ، والأناة بعد الفرصة . يا بني : احذر الجاهل وإن كان لك ناصحاً كما تحذر عداوة العاقل إذا كان لك عدوا ؛ فيوشك الجاهل أن يورطك بمشورته في بعض اغترارك ، فيسبق إليك مكر العاقل ومورط الجاهل ، وإياك ومعاداة الرجال ؛ فإنه لا يعدمك منها مكر حليمٍ ومفاجأة جاهل . قال بعضهم : إني لعند عبد الله بن حسن - رضي الله عنه - وهو واقفٌ على نهاية ما يكون من الخوف والجزع من مروان بن محمد إذ استأذن أبو عدي الأموي الشاعر فأدخل ، فبشره بأن البيعة قد وقعت بالكوفة لعبد الله ابن محمد أبي العباس السفاح ، فوهب له عبد الله أربعمائة دينار ، ودفع إليه ابناه إبراهيم ومحمد مثلها ، ودفعت إليه أمهما مائتي دينار فانصرف بألف دينار . وقال السفاح يوما لعبد الله : أما وعدتني أن تحضر ابنيك محمد وإبراهيم ؟ قال : والله ما أعلم علمهما . وأعلم مني بأمرهما عمهما حسن بن حسن . وكان حسن قد قال لعبد الله : إذا سألك عنهما فارم بأمرهما إلي ، فوجه أبو العباس إلى حسن : إن أخاك زعم أن علم ابنيه عندك ، وما أريدهما إلا لما هو خير لهما ، فوجه إليه حسن : يا أمير المؤمنين ، لم تنقص معروفك عند هذا الشيخ ؟ وقد علمت أنه إن كان في قدر الله أن يلي ابناه أو أحدهما شيئاً من هذا الأمر لم ينفعك ظهورهما ، وإن كان لم يقدر ذلك لم يضرك استتارهما . فقال أبو العباس : صدق والله حسنٌ، لا ذكرتهما بعد هذا وأمسك عن طلبهما ولما أخرج المنصور عبد الله بن حسن وأهل بيته من المدينة مقيدين على جمالٍ في محامل أعرى كل واحد منهم يعادله جندي ، وقعت عين عبد الله على أبي جعفر في الطريق فناداه : يا أبا جعفر ؛ ما هكذا فعلنا بأسارئكم يوم بدرٍ . وكان عبد الله يقول في الحبس : اللهم إن كان هذا من سخطك فاشدد على حتى ترضى ؛ فبلغ ذلك جعفر الصادق - رضي الله عنه - فقال : رحم الله أبا محمدٍ ؛ أما إنه لو سأل ربه العافية كان خيرا له . ومن كلام عبد الله : المراء يفسد الصداقة القديمة ، ويحل العقدة الوثيقة ، وأقل ما فيه أن تكون المغالبة أشد أسباب القطيعة .

وكان يقال في ذلك الزمان : من أكرم الناس ؟ فيقال : عبد الله بن الحسن ، فيقال : من أحسن الناس ؟ فيقال : عبد الله بن الحسن ، فيقال : من أفضل الناس ؟ فيقال : عبد الله بن الحسن . وكان أولاده يسمون حلي البلاد . محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكية وأخويه رضى الله عنهم لما ظهر بالمدينة كتب إليه المنصور : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله . أما بعد ف " إنما جزؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الأخرة عذابٌ عظيمٌ إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورٌ رحيمٌ " . ولك ذمة الله عز وجل وعهده وميثاقه ، وحق نبيه محمد - ( صلى الله عليه وسلم ) - إن تبت من قبل أن أقدر عليك أن أومنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن تابعك وبايعك وجميع شيعتك ، وأن أعطيك ألف ألف درهم ، وأنزلك من البلاد شئت ، وأقضي لك ما شئت من الحاجات ، وأن أطلق من في سجني من أهل بيتك وشيعتك وأنصارك ، ثم لا أتبع أحداً منهم بمكروه ؛ فإن شئت أن تتوثق لنفسك ؛ فوجه إلى من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت والسلام . فكتب إليه محمد رضي الله عنه : من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن محمد . أما بعد .

" طسم تلك ءايت الكتاب المبين نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقومٍ يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طايفةً منهم يذبح أبناءهم ويستحي نسآءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أيمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " . وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي أعطيتني ؛ فقد تعلم أن الحق حقنا ، وأنكم إنما طلبتمون بنا ، ونهضتم فيه بشيعتنا ، وخطبتموه بفضلنا ، وأن أبانا علياً عليه السلام كان الوصي والإمام ، فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء ؟ وقد علمت أنه ليس أحد من بني هاشم يمت بمثل فضلنا ، ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ، ونسبنا وسيينا ، وأنا بنو أم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة بنت عمرو في الجاهلية دونكم ، وبنو بنته فاطمة في الإسلام من بينكم . وأنا أوسط بني هاشم نسبا ، وخيرهم أما وأبا ، لم تلدني العجم ، ولم تعرق في أمهات الأولاد . وإن الله تبارك وتعالى لم يزل يختار لنا ؛ فولدني من النبيين أفضلهم محمد - ( صلى الله عليه وسلم ) - ومن أصحابه أقدمهم إسلاما ، وأوسعهم علما ، وأكثرهم جهاداً عليٌ ابن أبي طالب ، ومن نسائه أفضلهن خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله وصلى القبلة ، ومن بناته أفضلهن سيدة نساء أهل الجنة ، ومن المولودين في الإسلام الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة . ثم قد علمت أن هاشما ولد عليا مرتين ، وأن عبد المطلب ولد الحسن مرتين وأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولدني مرتين من قبل جدي الحسن والحسين ، فما زال الله عز وجل يختار لي حتى اختار لي في النار ؛ فولدني أرفع الناس درجةً في الجنة وأهون أهل النار عذاباً ، وأنا ابن خير الأخيار ، وابن خير أهل الجنة ، وابن خير أهل النار . ولك عهد الله ، إن دخلت في بيعتي ، أن أومنك على نفسك وولدك وكل ما أصبته إلا حدا من حدود الله أو حقاً لمسلم أو معاهد . وقد علمت ما يلزمك في ذلك ، وأنا أوفى بالعهد منك ، وأنت أحرى بقبول الأمان مني ؛ فأما أمانك الذي عرضته فأي الأمانات هو ؟ أمان ابن هبيرة ، أم عبد الله عمك ، أم أمان أبي مسلم ؟ والسلام .

وللمنصور جوابٌ - عن هذه الرسالة - طويل فيه احتجاج كثير ، وطعن وقدح أمسكنا عن ذكره . روى الصولى بإسنادٍ له عن عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن مسور ابن مخرمة قال : اجتمع رجال من بني هاشم في منزلي منهم : إبراهيم بن محمد ابن علي بن عبد الله بن العباس ، وعبد الله بن علي وغيرهم من بني العباس . ومن ولد أبي طالب عبد الله والحسن ابنا الحسن ، وابنا عبد الله محمد وإبراهيم ، وجعفر بن محمد رضي الله عنهم وغيرهم من أهلهم ، وكان اجتماعهم للحج ، فخفي بذلك إبراهيم ، فابتدأ محمد بن عبد الله ؛ فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، يا بني هاشم ، فإنكم خيرة الله ، وعترة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبنو عمه وذريته ، فضلكم الله بالوحي ، وخصكم بالنبوة ، وإن أولى الناس بحفظ دين الله ، والذب عن حرمه من وضعه الله بموضعكم من نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقد أصبحت الأمة مغصورةً ، والسنة مبدلةً ، والأحكام معطلة ، فالباطل حي ، والحق ميتٌ فأبلوا أنفسكم في طاعة الله ، واطلبوا باجتهادكم رضاه ، واعتصموا بحبله من قبل أن تهونوا بعد كرامةٍ ، وتذلوا بعد عز ، كما ذلت بنو إسرائيل من قبلكم ، وكانت أحب الخلق في وقتها إلى ربكم ، فقال فيهم جل وعز : " كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه " . فمن رأى منكم نفسه أهلا لهذا الأمر فإنا نراه له أهلاً ، وهذي يدي له بالسمع والطاعة ، ومن أحس من نفسه ضعفاً ، أو خاف منها وهناً وعجزاً فلا يحل له التولي على المسلمين ، وليس بأفقههم في الدين ، ولا أعلمهم بالتأويل . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم . قال : فوالله ما رد أحدٌ كلمةً غير أبي جعفر عبد الله بن محمد ، فإنه قال : أمتع الله قومك بك ، وكثر فيهم مثلك ، فوالله لا يزال فينا من يسمو إلى الخير ، ويرجى لدفع الضيم ، ما أبقاك الله لنا وشد بك أزرنا . فقالوا لعبد الله : أنت شيخ بني هاشم وأقعدهم ، فأمدد يدك حتى نبايعك؛ فقال : ما أفعل ذلك ، ولكن هذا ابني محمدٌ فبايعوه ، فقالوا له : إنما قيل لك هذا لأنه لم يشك فيك ، وها هنا من هو أحق بالأمر من ابنك ، واختلطت الأصوات ، وقاموا لوقت صلاة . قال عبد الله بن جعفر ؛ فتوكأ جعفر بن محمد على يدي وقال : والله لا يملكها إلا هذان الفتيان - وأومأ إلى السفاح والمنصور - ثم تبقى فيهم حتى يتلعب بها خدمهم ونساءهم ، وإن الراد على محمد بن عبد الله كلامه من العباسيين هو قاتله وقاتل أبيه وأخيه . ثم افترقوا ، فقال لي ممد بن عبد الله المنصور - وكان بيني وبينه خاصة ود : ما الذي قال لك جعفر ؟ فعرفته ذلك ، فقال : إنه خيرنا آل محمد ، وما قال شيئا قط إلا وجدناه كما قال . قال عبد العزيز بن عمران : وبلغني أن المنصور قال : رتبت عمالي بعد جعفر ثقة بقوله . قالوا : ولد محمد - رضى الله عنه - في سنة مائةٍ في شهر رمضان ، فصار عبد الله أبوه إلى عمر بن عبد العزيز فعرفه ذلك ، فأثبته في شرف العطاء ، وقال لعبد الله : أقسم بالله لئن عدت إلى في حاجةٍ لاقينها، اكتب إلى فيما تريد حتى أفعله . كان محمد يقول : إن كنت أطلب العلم في دور الأنصار ، حتى إنه لأتوسد عند أحدهم ، فيوقظني الإنسان فيقول : إن سيدك قد خرج إلى الصلاة ، ما يحسبني إلا عبده . قال إبراهيم بن عبد الله بن حسن : وجدت جميع ما يطلب العباد من جسيم الخير عند الله في ثلاث : في المنطق والنظر والسكوت ؛ فكل منطقٍ ليس فيه ذكرٌ فهو لغو ، وكل سكوتٍ ليس فيه تفكرٌ فهو سهوٌ ، وكل نظر ليس فيه عبرة فهو غفلةٌ . فطوبى لمن كان منطقه ذكرا ، ونظره عبرا ، وسكوته تفكرا ، ووسعه بيته ، وبكى على خطيئته ، وسلم المسلمون منه . وقال في خطبته يوم الفطر : اللهم إنك ذاكرٌ اليوم آباءنا بأبنائهم وأبناءنا بآبائهم ؛ فاذكرنا عندك بمحمد - صلى الله عليه - يا حافظ الآباء في الأبناء احفظ ذرية نبيك . قال : فبكى الناس بكاء شديداً .

قالوا : نازع رجلٌ من بني عدي بن كعب ، يقال له : محمد بن إسماعيل ، موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن - رضي الله عنهم - في بئر احتفرها ، فقال : يا أبا الحسن ، ما وفقت فيما صنعت ، فقال له موسى : ومن أنت حتى تقول هذا ؟ قال : أنا من تعرف ، قال : أعرفك دنيا في قريش تحملك القوادم . فلم يجبه العدوى ، ثم التقيا ، فأحد موسى النظر إليه ، فقال له العدوى : أتحد النظر إلى وتستطيل بالخيلاء علي ؟ أغرك حلمي وعفوي عما كان منك ؟ الخير لك أن تربع على ظلعك ، وتقيس شبرك بفترك ، وتعرف حالك من حال غيرك . فقال موسى : ما أعدك ولا أعتد بك ، وإنك للغوى العيي ، القريب من كل شرٍ ، البعيد من كل خيرٍ . وأما ذكرك شبرى وفتري فإن فتري من شبري ، وشبري من فتري ، من كف رحبة الذراع طويلة الباع ، بقيمتها ما يقعدك ويرفعها ما يخفضك ، ومهما جهلت مني فإني عالم بأني خير منك أما وأبا ونفساً وإن رغم أنفك ، وتصاغرت إليك نفسك . وروى أن موسى بن عبد الله دخل على الرشيد فعثر بالبساط ، فضحك الخدم ؛ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه ضعف صوم لا ضعف سكرٍ. وكان المنصور قد حبس موسى مع أبيه وعمومته ، ثم أفرج عنه على أن يظهر أخويه ، فاستتر عنه إلى أن خرج مع أخويه ، ثم استتر أيضاً ، فظفر به المنصور ، وضربه ألف سوطٍ ، فما نطق بحرف ؛ فقال الربيع : ما عجبي لصبر هؤلاء الشطار ، ولكن عجبي من هذا الفتى الذي لم تره الشمس . وسمع موسى قوله فقال : الصبر وأنت على الحق أولى منه وأنت على الباطل ، وأنشد : إني من القوم الذين يزيدهم . . . جلداً وصبراً قسوة السلطان

محمد بن إبراهيم بن إسماعيل

ابن إبراهيم طباطبا بن حسن بن حسن بن علي - رضي الله عنهم - صاحب أبي السرايا . خطب حين انتهت أبو السرايا قصر العباس بن موسى ابن عيسى ، فقال : أما بعد ، فإنه لا يزال يبلغني أن القبائل منكم تقول : إن بني العباس فيء لنا ، نخوض في دمائهم ، ونرتع في أموالهم ، ويقبل قولنا فيهم ، وتصدق دعوانا عليهم ، حكم بلا علم ، وعزمٌ بلا روية . عجباً لمن أطلق بذلك لسانه ، أو حدث به نفسه أبكتاب الله حكم أم سنة نبيه صلى الله عليه اتبع ؟ أو بسط يدي له بالجور أمل ؟ هيهات هيهات ، فاز ذو الحق بما نوى ، وأخطأ طالب ما تمنى ، حق كل ذي حق في يده، وكل مدعٍ على حجته ، ويل لمن اغتصب حقا ، وادعى باطلاً ، فلح من رضى بحكم الله ، وخاب من أرغم الحق أنفه . العدل أولى بالأثرة وإن رغم الجاهلون ، حق لمن أمر بالمعروف أن يجتنب المنكر ، ولمن سلك سبيل العدل أن يصبر على مرارة الجورن كل نفس تسمو إلى همتها . ونعم الصاحب القناعة . أيها الناس ؛ إن أكرم العبادة الورع ، وأفضل الزاد التقوى ؛ فاعملوا في دنياكم ، وتزودوا آخرتكم . " اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " . وإياكم والعصبية وحمية الجاهلية ؛ فإنهما تمحقان الدين ، وتورثان النفاق ، خلتان ليستا من ديني ولا دين آبائي رحمة الله عليهم . تعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، يصلح لكم دينكم وتحسن المقالة فيكم . الحق أبلج ، والسبيل منهج ، والناس مختلفون ، ولكل في الحق سعةٌ ، من حاربنا حاربناه ، ومن سالمنا سالمناه ، والناس جميعاً آمنون قال فينا يتناول من أعراضنا قلت ؛ ولكن حسب امرءٍ ما اكتسب ، وسيكفي الله .

ولما اشتدت به علته ؛ قال له أبو السرايا : أوصني يابن رسول الله ؛ فقال : الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله والطيبين ، أوصيط بتقوى الله فإنها أحصن جنة ، وأمنع عصمة ، والصبر فإنه أفضل منزلٍ وأحمد معولٍ، وأن تستتم الغضب لربك ، وتدوم على منع دينك ، وتحسن صحبة من استجاب لك ، وتعدل بهم عن المزالق، ولا تقدم إذدام متهورن ولا تضجع تضجيع متهاونٍ ، واكفف عن الإسراف في الدماء ، مالم يوهن لك دينا ويصدك عن صواب ، وارفق بالضعفاء وإياك والعجلة ، فإن معها الهلكة واعلم أن نفسك موصولةٌ بنفوس آل محمد عليه السلام ، ودمك مختلط بدمائهم ؛ فإن سلموا سلمت ، وإن هلكوا هلكت ؛ فكن على أن يسلموا أحرص منك على أن يعطبوا ؛ وقر كبيرهم ، وبر صغيرهم ، واقبل رأي عالمهم . واحتمل هفوةً إن كانت من جاهلهم يرع الله حقك ، واحفظ قرابتهم يحسن الله نصرك ، وول الناس الخيرة لأنفسهم فيمن يقوم مقامى لهم من آل علي ؛ فإن اختلفوا فالأمر إلى علي بن عبد الله ؛ رضيت دينه ورضيت طريقته فارضوا به ، وأحسنوا طاعته تحمدوا رأيه وبأسه . وخطب الناس يوما ، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه : عباد الله ، إن عين الشتات تلاحظ الشمل بالبتات ، وإن يد الفناء تقطع مدة البقاء ، فلا يكبحنكم الركون إلى زهرتها عن التزود لمقركم منها ؛ فإن ما فيها من عيمٍ بائد ، والراحل عنها غير عائد . وما بعدها إلا جنةٌ تزلف للمتقين ، أو نارٌ تبرز للغاوين . " من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظالمٍ للعبيد " .

جماعة من الأشراف العلوية

كان يحيى بن الحسين يسمى ذا الدمعة ، وكانت عينه لا تكاد تجف من الدموع ، فقيل له في ذلك ، فقال : وهل ترك السهمان في مضحكا ، يعني : السهم الذي رمى به زيد - رحمه الله - والسهم الذي رمى به يحيى بن زيد . كان عيسى بو زيد - رحمه الله - خرج مع النفس الزكية محمد بن عبد الله ، وأشار عليه لما كثر عليه الجيش أن يلحق باليمن ، فإن له هناك شيعة ، وطلبه يبعد ، فلم يقبل منه ؛ فلما أحس بالقتل ندم على ترك القبول منه ، وقال لمن حوله من شيعته : الأمر من بعدي لأخي إبراهيم ؛ فإن أصيب فلعيسى بن زيد . فلما قتل محمد استتر عيسى مدة أيام المنصور وفي أيام المهدي ، فطلب طلبا شديدا إلى أن مات في الاستتار في آخر أيام المهدي . وحدث شبيب بن شيبة ، قال : كنت أجالس المهدي في كل خميس ، خامس خمسة ، فخرج إلينا عشيةً وهو غضبان لخبر بلغه عن عيسى بن زيد ، فقال : لعن الله كتابي وعمالي وأصحاب بردى وأخباري ، هذا ابن زيد قد غمض على أمره فما ينجم لي منه خبر ، فقلت : لا تشكون منه يا أمير المؤمنين ، وما يكربك من خبر ابن زيد ؟ فوالله ما هو بحقيقٍ أن يتبع وأن يجتمع عليه اثنان . قال : فنظر إلى نظرة منكرٍ لقولي ، ثم قال : كذبت ، والله هو والله الحقيق بأن يتبع ، وأن يجتمع عليه المسلمون . وما يبعده عن ذلك ؟ لقد حطبت في حبلى ، وطلبت هواي بفساد أمري . يا فضل - للفضل بن الربيع - احجبه عن هذا المجلس . قال : فحجبت عنه مدة . ولعيس بن زيدٍ شعرٌ حسن ، ومات وله ستون سنة ، كان ثلث عمره عشرين سنة في الاستتار . وكان ابنه أحمد بن عيسى من أفاضل أهل البيت علما وفقها وزهدا، وكان الرشيد حبسه ثم أطلقه ، ثم طلبه لما بلغه كثرة شيعته من الزيدية ، فاستتر ، فلم يزل في الاستتار ستين سنة ، فلما قتل المتوكل وقام بعده المنتصر ، وبلغه عطفه على العلوية وإحسانه إليهم ، أراد أحمد بن عيسى أن يظهر نفسه ، فاعتل وتوفى بالبصرة . قيل ماتت ابنة لأحمد بن عيسى فوجد بها وجدا شديدا ، فقيل له في ذلك ، فقال: إني أعلم الناس الصبر وآمرهم به ، وما أنسيته ولا أغفلته ، وليس جزعي لموتها ، ولكني لا أخبر الذكر من أولادنا بنسبه حتى يبلغ خمس عشرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لئلا تبدر منه بادرة يظهر علينا ، ولا الأنثى حتى تبلغ عشرين سنة ، وإن هذه الصبية توفيت ولها ست عشرة سنة ، ولم تعلم النسب بينها وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ولم يقع بأس منها فأخبرها ، حتى ماتت وهي لا تعلم بذلك ؛ فلهذا غمى وأسفى . وأنشد : أليس من العظائم أن يورى . . . حذار الناس عن نسبٍ كريم يعمر ذو الفخار وليس يدري . . . أيعزى للأغر أو البهيم يذل بنو النبي حذار ظلمٍ . . . ويحوي العز ذو النسب اللئيم قال الصولي : كنت يوما مع الغلابي ، ونحن نقصد المربد ، فمررنا بدربٍ يعرف بدرب الحريق ، فقال لي : أتدري لم سمي هذا بدرب الحري ؟ قلت : لا . قال : كان هذا الدرب يسمى المعترض ، فجلس اثنان على دكان بين يدي الدرب مما يلي المربد ، فطالب أحدهما صاحبه بمائة دينار ديناً له عليه ، والرجل المطالب معترف ، وهو يقول : يا هذا : لا تمض بي إلى الحاكم ؛ فإني قد تركت في منزلي أطفالاً قد ماتت أمهم ، لا يهتدون لشرب الماء إن عطشوا ، وإن تأخرت عنهم ساعة ماتوا ، وإن أقررت عند الحاكم حبسني فتلفوا ؛ فلا تحملني على يمينٍ فاجرةٍ ، فإني والله أحلف لك ثم أعطيك مالك ، وصاحبه يقول له : لا بد من تقديمك وحبسك أو تحلف . فلما كثر هذا منهما إذا صرة قد سقطت بينهما ، ومعها رقعة : يا هذا ، خذ هذه المائة الدينار التي لك قبل الرجل ، ولا تحمله على الحلف كاذبا ، وليكن جزاء هذا أن تكتماه فلا يعلم به غيركما ، ولا تسألا عن فاعله ، فسرا بذلك جميعا وافترقا ، فند الحديث من أحدهما فشاع ، فقيل : ما يفعل هذا الفعل إلا أحمد بن عيسى ، فقصدوا الدار لطلبه فوجدوا آثاراً تدل على أنه كان فيها وتنحى ، وهرب صاحب الدار ، فأحرق السلطان الدار ، فسمي منذ ذاك درب الحريق . كان أبو السرايا لما مات محمد بن إبراهيم بن طباطبا أقام مقامه محمد ابن محمد بن زيد فلما ظفر به حمل إلى مرو إلى المأمون ، فأظهر إكرامه وعجب من صغر سنه ، وحبسه حبساً جميلا، فقيل له : كيف رأيت صنيع ابن عمك أمير المؤمنين في ظفره وقدرته . فقال : والله لقد أغضى عن العورة ، ونفس الكربة ، ووصل الرحم ، وعفا عن الجرم وحفظ النبي - ( صلى الله عليه وسلم ) - في ولده ، واستوجب الشكر من جميع أهل بيته ، ومات بمرو من شيء سقيه ، فلما أحس بالموت كان يقول : يا جدي ، يا أبي يا أمي : اشفعوا لي إلى ربي ؛ فكان ذلك هجيراه إلى أن مات ، وكانت سنة يوم توفى عشرين سنة . كان يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين شريفاً جليلاً زاهدا أيدا شديدا ، جواداً حسن الوجه محبيا إلى الناس ، خرج إلى سر من رأى ، وكان قد أضاق بالكوفة يستميح المستعين ، فرد عليه وصيفٌ رداً غليظاً ، وكان يلي الأمر إذ ذاك ، فخرج في سنة خمسين ومائتين ، واجتمع عليه الناس ، وظفر بالكوفة بأصحاب السلطان ، وأنفذ إليه محمد بن عبد الله بن طاهر من بغداد جيشاً ، فقتل ، وحمل رأسه إلى بغداد ، وحمله محمد إلى سر من رأى إلى المستعين ، فنصب ساعة ، ثم كره المستعين ذلك ، فأمر برده إلى بغداد ، فنصبه محمد ساعة فكثر الناس ، وأثنوا على يحيى ، وقالوا : رجل صالح منع القوت فخرج ، فما آذى أحداً ولا ظلم ، وقتل فما معنى صلب رأسه ؟ ولعنوا محمد بن عبد الله فأنزل ، وقال أبو هاشم الجعفري لمحمد بن عبد الله - وقد هنأه الناس بالظفر - إنك لتهنأ بقتل رجلٍ لو كان رسول الله حياً لعزى عليه ، فأخذ ذلك ابن الرومي في قصيدة رثاه بها : أكلكم أمسى اطمأن فؤاده . . . بأن رسول الله في القبر مزعج وقال : ليهنكم يا بني المجهول نسبته . . . فتحٌ تخرم أولاد النبلينا فتحٌ لو أن رسول الله حاضره . . . كان الأنام له طرا معزينا وقال : بني طاهرٍ غضوا الجفون وطأطئوا . . . رءوسكم مما جنت أم عامر سمى محمد بن عبد الله أم عامر - وهي كنية الضبع - لأنه كان أعرج ، والضبع عرجاء . وانقضت دولة آل طاهر بعد قتله ، فما انتعشوا بعد ذلك . لعنة الله على جميع من ظلم آل محمد عليه السلام .

قال الصولى : كان يحيى بن عمر كثير المقام ببغداد ، وما شرب شراباً يسكر قط ، ولكنه كان مستهتراً بالسماع يحبه ويوثره ، وكان أسمح الناس أخلاقاً . فحكى من سمعه يقول يوما لجاريةٍ غنت فأحسنت : غفر الله لك ما قلت ، ولنا ما سمعنا . قال الصولى : أعرق الناس في الشعر أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب . وهو شاعرٌ ، وآباؤه إلى قصي بن كلاب من مرة ، وهو المعروف بالحماني وكان ينزل في بني حمان ابن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تيم ؛ فعرف بذلك . وله شعرٌ كثير مليح . قال بعضهم : لقيت علي بن محمد بالكوفة بعد خلاصه من حبس الموفق . وكان حبس مرتين ، مرة لكفالته بعض أهله ، ومرة لسعاية لحقته ، فهنأته بالسلامة ، وقلت له : قد عدت إلى وطنك الذي تلذه ، وإخوانك الذين تحبهم ، فقال لي : يا أبا علي ؛ ذهب الأتراب والشباب والأصحاب . وأنشد : هبني بقيت على الأيام والأبد . . . ونلت ما نلت من امالٍ ومن ولد من لي برؤية من قد كنت آلفه ؟ . . . وبالشباب الذي ولى ولم يعد ؟ كان العباس بن الحسين بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم - شاعرا عالما محسنا فصيحا ، وكان يقال : من أراد لذةً لا تبعة فيها فليسمع كلام العباس بن الحسين . وقال له العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس : أنت والله يا أبا الفضل أشعر بني هاشم ، فقال : لا أحب أن أكون بالشعر موصوفاً ؛ لأنه أرفع ما في الوضيع ، وأوضع ما في الرفيع . وهذا يشبه ما قاله الرشيد للمأمون فإنه قال - وقد كتب إليه بشعر - يا بني ما أنت والشعر ؟ أما علمت أن الشعر أرفع حالات الدنى ، وأقل حالات السنى ؟ وصف العباس بن الحسين العلوي رجلا بفصاحته ، فقال : ما شبهته يتكلم إلا بثعبانٍ ينهال بين رمال ، أو ماءٍ يتغلغل بين جبالٍ .

كان المعتصم قد قرر عند المأمون أن العباس يبغضه ، فحطه ذلك عنده ، فلما ركب المأمون في الليل لقتل ابن عائشة رأى العباس بن الحسين قد ركب مع أهله ومواليه في السلاح ، فقال له المأمون : سررت بالمخاض طمعاً في الولاد ، فقال : معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أكون عليك مع عدو ، وما أعلم في بني أبي أحداً لو ملك كان لي مثلك . قال : فما هذه العدة والعدة ؟ ، قال : اتباعٌ لأمر الله وقوله : " ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه " . قال : أنت المصدق . فلما قتل ابن عائشة وانصرف ، قال له العباس : الله الله يا أمير المؤمنين في الدماء التي لا بقية معها ، ولا عقوبة بعدها ، والبس رداءً العفو الذي ألبسك الله إياه وجملك به ، وأسعدك باستعماله ، فإن الملك إذا قتل أغرى بالقتل حتى يصير عادةً من عاداته ، ولذة من لذاته ، فقال : والله يا أبا الفضل لو سمعت هذا منك قبل قتلي لابن عائشة ما قتلته . ولطفت حاله عند المأمون بعد ذلك . وعزى العباس رجلا ، فقال : إني لم أقل شاكاً في عزمك ، ولا زائداً في علمك ، ولا متهماً لفهمك ، ولكنه حق الصديق ، وقول الشفيق ؛ فاسبق السلوة بالصبر ، وتلق الحادثة بالشكر يحسن لك الله الذخر ، ويكمل لك الأجر . قال إسحاق : أتيت العباس مرة فسلمت عليه ، ثم تأخرت عنه ، فقال لي : أذقتنا ، فلما اشتقناك لفظتنا . وقال له رجل : كم سنك ؟ فقال : خلفت الخمسين ، وإن التقاتي لطويل إليها . وسأله المأمون عن رجل ، فقال : رأيت له حلماً وأناةً ولم أر سفها ولا عجلة ، ووجدت له بياناً وإصابةً ، ولم أر لحنا ولا إحالة ، يجيء بالحديث على مطاويه . وينشد الشعر على معانيه ، ويروي الأخبار المتقنة ، ويرمي بالأمثال المحكمة .

قال أبو محمد اليزيدي : كنت أنا والكسائي عند العباس بن الحسين ، فجاءه غلامه ، فقال : كنت عند فلان وهو يريد أن يموت ، فضحكت أنا والكسائي ، فقال : مم ضحكتما ؟ قلنا : من قول الغلام . وهل يريد الإنسان الموت ؟ فقال العباس : قد قال الله عز وجل : " فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض " فهل للجدار إرادةٌ ؟ وإنما هذا مكان " يكاد " فنبهنا والله عليها . دخل أبو دلف العجلى على الرشيد ، وهو في طارمة على طنفسة ، وعند باب الطارمة شيخٌ على طنفسة مثلها ، فقال الرشيد : يا قاسم ما خبر الجبل ؟ قال : خراب يبابٌ ، اعتوره الأكراد والأعراب . قال : أنت سبب خرابه وفساده ، فإن وليتك إياه ؟ قال : أعمره وأصلحه . قال بعض من حضر : أو غير ذلك ، فقال أبو دلف : وكيف يكون غير ذلك ؟ وأمير المؤمنين يزعم أني ملكته فأفسدته وهو علي ، أفتراني لا أقدر على إصلاحه وهو معي ؟ فقال الشيخ : إن همته لترمي به وراء سنه مرمى بعيداً ، وأخلق به أن يزيد فعله على قوله ؛ فقبل الرشيد وولاه ، وأمر أن يخلع عليه ، فلما خرج أبو دلف سأل عن الشيخ : فقيل له : هو العباس بن الحسين العلوي ، فحمل إليه عشرة آلاف دينارٍ ، وشكر فعله فقال له العباس ما أخذت على معروفٍ أجراً قط واضطرب أبو دلف وقال : إن رأيت أن تكمل النعمة عندي ، وتتمها على بقبولها ، فقال : هل لي عندك ، فإذا لزمتني حقوقً لقوم يقصر عنها مالي صككت عليك بما تدفعه عليهم إلى أن أستنفذها ، فقنع أبو دلف بذلك ، فما زال يصك عليه للناس ، حتى أفناها من غير أن يصل إلى العباس درهم منها . وسأل العباس الفضل بن الربيع حاجة ، فقضاها له سريعا كما أراد ، فقال له: جزاك الله خيراً ، فما في دون ما أتيت به تقصير ولا نقصانٌ ، ولا فوقه إحسانٌ ولا رجحانٌ . ووصف رجلا ثقيلاً ، فقال : ما الحمام على الأحرار ، وحلول الدين مع الإقتار ، وشدة السقم في الأسفار بآلم من لقائه . وذم أبا عباد - وهو وزير - فقال : الذليل من اعتز بك ، والحائن من اعتزى إليك ، والخائب من أملك ، والسقيم من استشفاك . وكان ابنه عبد الله شاعراً فصيحاً يشبه بأبيه ، ووقف على باب المأمون يوما فنظر إليه الحاجب ثم أطرق ، فقال عبد الله لقومٍ معه : إنه لو أذن لنا لدخلنا ، ولو صرفنا لانصرفنا ، ولو اعتذرنا لقبلنا . فأما الفترة بعد النظرة ، والتوقف بعد التعرف فلا أفهمه . ثم تمثل : وما عن ضاً كان الحمار مطيتي . . . ولكن من يمشي سيرضى بما ركب وانصرف ؛ فبلغ المأمون كلامه فصرف الحاجب ، وأمر لعبد الله بصلة جزيلة وعشر دواب . وكتب إلى المأمون : الناس ثلاثةٌ : رجلٌ ورث خلافةً أو احتقب بقرابة ، فهو من قليلها في كثيرٍ ، ومن صغيرها في كبيرٍ ، أو رجلٌ ولي ولايةً فأطلق له من عمالته وأرزاقه ما لو سأل الجزء منه من أجزاء كثيرة علىغيرها لما أجيب إليه . أو رجلٌ خف عياله وقل ماله ، فصغر قدره عن إساءة وإحسان . فهو كالخردلة تقع بين طبقي الرحا ، فلا الطحن ينالها ، ولا سلامتها يعتد بها . فأما من كان عياله ثلثمائة إنسان ، لا يرجع إلى أثاثٍ ولا متجرٍ ولا صناعةٍ ولا ضيعةٍ ، تقتضيه الأيام لأهله مئونة جارية فما أسوأ حاله إن لم يتداركه أمير المؤمنين بفضلٍ منه فأمر له المأمون بخمسمائة ألف درهم ؛ فأتاه عبد الله بن الأمين والقاسم ابن الرشيد ، فقالا : يا أمير المؤمنين ؛ أتأمر لعبد الله بن العباس بمثل هذا المال ؟ فما قصتنا ونحن أمس بك رحما منه ؟ فقال : غلتكما فوق غلته ، وخلتك مادون خلته ، وعيالكما دون عياله ، وقد أجلتكما شهرا ؛ فإن تكلمتما بمثل كلامه أضعفت لكما ما أمرت به له . وكتب عبد الله إلى إبراهيم بن المهدي : ما أدري كيف أحتال ؟ أغيب فأشتاق ، ثم نلتقي فلا نشتفي ، ويجدد لي اللقاء الذي طلبت به الشفاء صنفاً من تجديد الحرقة بلوعة الفرقة . فكتب إليه إبراهيم : أنا علمتك الشوق لأني شكوته إليك فهيجته منك . كان الجمخي - القاضي ببغداد بعد شريك للمنصور - متحاملا على الحسن بن زيد بن الحسن بن علي - رضي الله عنهم - فقال له الحسن يوماً في خصرمةٍ له : ما أعرفني بتحاملك على يا بن البدنة يريد أبي ابن خلف جد الجمحي ؛ لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أشعره بالحربة كما تشعر البدنة ؛ فبلغ ذلك المنصور فأضحكه . وكان عبد الرحمن بن صفوان قاضياً لهشام ، فلما قتل زيد - رحمه الله - صعد المنبر ونال منه ، ولعن حسنا رضي الله عنه . وكان فصيحاً - لعنه الله - فما نزل عن المنبر حتى عمى وفلج . وأتى الحسن بن زيد - في ولايته المدينة - برجل في رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأمر به فضرب ، فقال له : أسألك بحق الثلاثة لما عفوت عني : يريد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) - وصاحبيه ؛ فقال الحسن : بحق الواحد علي ، وحقي على الإثنين لأحسنن أدبك . لما ولي الحسن بن زيد المدينة ، منع ابن جندب أن يؤم بالناس ، فقال له : أيها الأمير . لم تمنعني من مقامي ومقام آبائي ؟ قال الحسن : منعك منه يوم الأربعاء : يريد قول ابن جندب : يا للرجال ليوم الأربعاء أما . . . ينفك يحدث لي بعد النهى طرباً ما إن يزال غزالٌ فيه يفتنني . . . يهوى إلى منزل الأحزاب منتقباً ودخل ابن جندب هذا على المهدي في القراء وفي القصاص وفي الشعراء وفي المغنين ؛ فأجازه فيهم كلهم . وقال الحسن لابن هرمه : إني لست كمن باع لك دينه رجاء مدحك وخوف ذمك . فقد رزقني الله بولادة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) الممادح وجنبني المقابح ، وإن من حقه على ألا أغضى على تقصير في حق ربه ، وأنا أقسم لئن أتيت بك سكران لأضربنك حداً للخمر ، وحداً للسكر ، ولأزيدن لموضع حرمتك بي ؛ فليكن تركك لها لله تعن عليه ، ولا تدعها للناس فتوكل إليهم . وأخذ بعض الحرس زيد بن الأفطس - والأفطس : حسن بن علي بن حسين ابن علي بن أب يطالب - في شراب ؛ فجاء به إلى الحسن بن زيد ، فقال : قبحك الله ؛ أيأخذك مثل هذه ؟ ألم تستطع أن تحمله فتطرحه في بئر ؟ - وكان جلداً من الرجال - فقال : الطاعة للسلطان أصلحك الله . قال : أما لأضربنك ، ولا أضربك للشراب ، ولكني أضربك للحمق ، ثم أمر به فضرب . ولما قتل إبراهيم بن عبد الله بن حسن ، وأتى برأسه إلى أبي جعفر . وعنده حسن بن زيد ، وقال : يا أبا محمد ، هذا رأس إبراهيم ، قال : أجل يا أمير المؤمنين كان والله كما قال الشاعر : فتى كان يحميه من الضيم سيفه... وينجيه من دار الهوان اجتنابها .