الجزء الثاني - الباب الثاني : من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الباب الثاني : من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

قال رضي الله عنه في أول خطبة خطبها بعد أن حمد الله ، وأثنى عليه ، وصلى على نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : أيها الناس إنه والله ما فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له ، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه ، ثم نزل . وكتب إلى أبي موسى الشعري ، وهي رسالته المشهورة في القضاء : سلام عليك . أما بعد ؛ فإن الفضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلي إليك ، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له . آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك . البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرم حلالاً . لا يمنعك قضاء قضيته اليوم ، فراجعت فيه عقلك ، وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق قديم ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل . الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة ، ثم اعرف الأشباه والأمثال ، فقس الأمور عند ذلك بنظائرها ، واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحقق ، واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهى إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقه ، وإلا استحللت عليه القضية فإنه أنفى للشك ، وأجلى للعمى .

المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد ، أو مجرباً عليه شهادة زور ، أو ظنيناً في ولاد أو نسب ، فإن الله تولى منكم السرائر ، ودرأ بالبينات والأيمان . وإياك والغلق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عند الخصومات ؛ فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ، ويحسن به الذخر . فمن صحت نيته وأقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله . فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته ؟ . واستكتب أبو موسى نصرانياً فكتب إليه عمر : اعزله واستعمل حنيفياً . فكتب إليه أبو موسى : إن من غنائه وخبره كيت وكيت . فكتب إليه عمر رضي الله عنه : ليس لنا أن نأتمنهم وقد خونهم الله ، ولا أن نرفعهم وقد وضعهم الله ، ولا أن نستنصحهم في الأمر وهم يرون الإسلام قد وترهم ، ويعطون الجزية عن يد وهم صاغرون . فكتب إليه أبو موسى : إن البلد لا يصلح إلا به . فكتب إليه عمر رضي الله عنه مات النصراني والسلام . وقال : ما كانت على أحد نعمة إلا وكان لها حاسد ، ولو كان الرجل أقوم من القدح لوجد له غامزاً . وقال: تمعددوا واخشوشنوا ، واقطعوا الركب وانزوا على الخيل نزواً ، واخفوا وانتعلوا فإنكم لا تدرون متى الجفلة . وقال: أملكوا العجين ، فإنه أحد الريعين . وقال : إذا اشتريت بعيراً فاشتره ضخماً ، فإنه إن أخطأك خيره لم يخطئك سوقه.

وقال : لا تسكنوا نساءكم الغرف ، ولا تعلموهن الكتابة ، واستعينوا عليهن بالعري . وسأل رجلاً عن شيء ، فقال : الله أعلم . فقال عمر رضي الله عنه : قد شقينا إن كنا لا نعلم أن الله أعلم . إذا سئل أحدكم عن شيء لا يعلمه فليقل : لا أدري . وقال رضي الله عنه : المرأة البكر تحتاج إلى خدمة كالبرة تطحنها وتعجنها وتخبزها ثم تأكلها ، والثيب عجالة الراكب : تمر وسويق . وخرج يستسقي ، فصعد المنبر ، فلم يزل يستغفر لا يزيد على ذلك ، فلما نزل قيل له: ما رأيناك استسقيت . قال : بلى . قد أخذت بمجاديح السماء . وقال رضي الله عنه : كانت العرب أسداً في جزيرتها يأكل بعضها بعضاً ، فلما جمعهم الله بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) لم يقم لها شيء . وقال : عوّدوا نساءكم " لا " فإن " نعم " تضريهنّ على المسألة . وقال لابنة هرم بن سنان : ما وهب أبوك لزهير ؟ قالت : أعطاه مالاً وثياباً وأثاثاً أفناه الدهر . فقال عمر رضي الله عنه : لكن ما أعطاكموه لا يفنيه الدهر . ومن كلامه : إذا لم أعلم ما لم أر ، فلا علمت ما رأيت . وكتب إلى معاوية : أما بعد ؛ فإني لم آلك في كتابي إليك خيراً . إياك والاحتجاب دون الناس ، وأذن للضعيف ، وأدنه حتى ينبسط لسانه ، ويجترئ قلبه ، وتعهّد الغريب ، فإنه إذا طال حبسه وضاق إذنه ترك حقه ، وضعف قلبه ، وإنما أقوى حقه من حبسه ، واحرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء، وإذا حضرك الخصمان بالبينة العادلة والأيمان القاطعة فأمض الحكم .

وقال : أشيعوا الكنى فإنها منبهة . ومرّ برجل من عماله ، وهو يبني بالآجر والحصى ، فقال : تأبى الدراهم إلا أن تخرج أعناقها . وشاطره ماله . وقال رضي الله عنه لغلام له يبيع الحلل : إذا كان الثوب عاجزاً فانشره وأنت جالس، وإذا كان واسعاً فانشره وأنت قائم . فقال أبو موسى : الله يا عمر قال : إنما هي سوق . وقال رضي الله عنه: إذا تناجى القوم في دينهم دون العامة فهم على تأسيس ضلالة . وقال لابن عباس : يابن عباس ، أنت ابن عم رسول الله ، وأبوك عم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : نعم . قال : بخ بخ . فما منع قومكم منكم ؟ قال : لا أدري ، فوالله ما كنا لهم إلا بالخير . قال : اللهم غفراً على كره قومكم أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة ، فتذهبون في السماء شمخاً . لعلكم تقولون : إن أبا كر أول من فعل ذلك . والله ما فعله ، ولكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم مما فعل، ولولا رأي أبي بكر فيّ لجعل لكم من الأمر نصيباً ، ولو فعل ما هنأكم مع قومكم ، إنهم ينظرون إليكم كما ينظر الثور إلى جازره . وكان يقول : ليت شعري متى اشفي غيظي ؟ أحين أقدر فيقال : لو عفوت ، أم حين أعجل فيقال : لو صبرت . وكان يقول : أكثروا شراء الرقيق فربّ عبد يكون أكثر رزقاً من سيّده . وبلغه اعتراض عمرو بن العاص على سعد ، فكتب إليه : لئن لم تستقم لأميرك لأوجهن إليك رجلاً يضع سيفه في رأسك ، فيخرجه من بين رجليك . فقال عمرو : هددني بعلي والله . ومر على رماة غرض ، فسمع أحدهم يقول لصاحبه : أخطيت وأسيت . فقال عمر رضي الله عنه : مه ، فإن سوء اللحن أشد من سوء الرماية . وقال في خطبة له : إنما الدنيا أمل مخترم ، وأجل منتقص ، وبلاغ إلى دار غيرها ، وسير إلى الموت ليس فيه تعريج ، فرحم الله امرءاً فكر في أمره ، ونصح لنفسه ، وراقب ربه ، واستقال ذنبه .

وقال رضي الله عنه : بئس الجار الغني ، يأخذك بما لا يعطيك من نفسه ، فإن أبيت لم يعذرك . وقال له المغيرة : أنا بخير ما أبقاك الله ، فقال : أنت بخير ما اتقيت الله . وكان إذا كتب إلى أهل الكوفة كتب : رأي العرب ، ورمح الله الأطول . ولما ولى عبد الله من مسعود قال له : يا ابن مسعود ، اجلس للناس طرفي النهار ، واقرأ القرآن وحدث عن السنة وصالح ما سمعت من نبيك محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وإياك والقصص ، والتكلف ، وصلة الحديث ، فإذا انقطعت بك الأمور فاقطعها ، ولا تستنكف إذا سئلت عما لا تعلم أن تقول : لا أعلم ، وقل إذا علمت ، واصمت إذا جهلت ، وأقلل الفتيا ، فإنك لم تحط . بالأمور علماً ، وأجب الدعوة ولا تقبل الهدية ، وليست بحرام ، ولكني أخاف عليك القالة . والسلام . وخطب رضي الله عنه ؛ فقال : إياكم والبطنة ، فإنها مكسلة عن الصلاة ، مفسدة للجسم ، مؤدية إلى السقم ، وعليكم بالقصد في قوتكم فهو أبعد من السرف ، واصح للبدن ، وأقوى على العبادة ، وإن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه . وكتب إلى معاوية : الزم الحق ينزلك الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق . ونظر رضي الله عنه إلى أعرابي يصلي صلاة خفيفة ، فلما قضاها قال : اللهم زوجني الحور العين ، فقال عمر : أسأت النقد ، وأعظمت الخطبة . وقال إبراهيم بن ميسرة ، قال لي طاوس : لتنكحن أو لأقولن لك ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي الزوائد : ما يمنعك من التزوج إلا عجز أو فجور . وجلس رجل إلى عمر رضي الله عنه فأخذ من رأسه شيئاً فسكت عنه . ثم صنع به ذلك يوماً آخر ، فأخذ بيده ، وقال : ما أراك أخذت شيئاً . فإذا هو كذلك . فقال رضي الله عنه : انظروا إلى هذا صنع بي مراراً ، إذا أخذ أحدكم من رأس أخيه شيئاً فليره . قال الحسن : نهاهم والله عن الملق .

وقال عمر رضي الله عنه على المنبر : اقرءوا القرآن تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، إنه لن يبلغ من حق ذي حق أن يطاع في معصية الله ، إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم ، إذا استغنيت عففت ، وإن افتقرت أكلت بالمعروف ، تقرم البهيمة الأعرابية : القضم لا الخضم . وكتب إلى عبد الله رضي الله عنه : أما بعد . فإنه من اتقى الله وقاه ، ومن توكل عليه كفاه ، ومن أقرضه جزاه ، ومن شكره زاده . فعليك بتقوى الله ، فإنه لا ثواب لمن لا نية له ، ولا مال لمن لا رفق له ، ولا جديد لمن لا خلق له . وقال رضي الله عنه : لا تصغرن هممكم، فإني لم أر شيئاً أقعد بالرجل من سقوط همته . سئل الأحنف : أي الطعام أحب إليك ؟ فقال : الزبد والكمأة . فقال عمر : ما هما بأحب الطعام إليه ، ولكنه يحب الخصب للمسلمين . وقال رضي الله عنه : إني لأن أرى في بيتي شيطاناً أحب إليّ من أن أرى فيه عجوزاً لا أعرفها . وأتي بنائحة قد تلتلت ، فقال : أبعدها الله إنه لا حرمة لها ، ولا حق عندها ، ولا نفع معها . إن الله عز وجل أمر بالصبر وهي تنهى عنه ، ونهى عن الجزع وهي تأمر به ، تريق دمعتها وتبكي شجو غيرها ، وتحزن الحي وتؤذي الميت . وفي كتاب له إلى أبي موسى : فإياك - عبد الله - أن تكون بمنزلة البهيمة ، نزلت بوادٍ خصب ، فلم يكن لها هم إلا السمن ، وإنما حتفها في السمن . واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيته ، وأشقى الناس من شقيت به رعيته . وقال يوماً : دلوني على رجل أستعمله على أمر قد دهمني . فقالوا : كيف تريده ؟ قال : إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم ، وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم. فقالوا : ما نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي . فقال : صدقتم . هو لها .

وذكر له غلام حافظ من أهل الحيرة ، وقالوا : لو اتخذته كاتباً . قال : لقد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين . ولما أتي بتاج كسرى وسواره جعل بقلبهما بعود في يده ويقول : والله إن الذي أدى هذا الأمين . فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، أنت أمين الله ، يؤدون إليك ما أديت إلى الله ، فإذا رتعت رتعوا . وقام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس . اقرءوا القرآن تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، فإنه لن يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية الله . ألا وإنه لن يبعد من رزق ، ولن يقرب من أجل أن يقول المرء حقاً ، وأن يذكر بعظيم . ألا وإني ما وجدت صلاح ما ولاّني الله إلا بثلاث : أداء الأمانة ، والأخذ بالقوة ، والحكم بما أنزل الله . ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث : أن يؤخذ من حق ، ويعطى في حق ، ويمنع من باطل . ألا وإنما أنا في مالكم كوالي اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن افتقرت أكلت بالمعروف تقرم البهيمة الأعرابية . وبعث إليه بحلل فقسمها، فأصاب كل رجل ثوب ، فصعد المنبر وعليه حلة - والحلة ثوبان - فقال : ايها الناس ألا تسمعون ؟ فقال سلمان : لا نسمع . قال : ولم يا أبا عبد الله ؟ قال : لأنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك حلة . فقال : لا تعجل يا أبا عبد الله . يا عبد الله ؛ فلم يجبه أحد . فقال : يا عبد الله بن عمر ؛ فقال : لبيك يا أمير المؤمنين . فقال : نشدتك الله . الثوب الذي اتزرت به أهو ثوبك ؟ قال : اللهم نعم . فقال سلمان : أما الآن فقل نسمع . وحضر باب عمر رضي الله عنه جماعة : سهيل بن عمرو ، وعيينة بن حصين ، والأقرع بن حابس ، فخرج الآذن فقال : أين صهيب : أين عمار ؟ أين سلمان ؟ فتمعرت وجوع القوم . فقال سهيل : لم تتسعر وجوهكم ؟ دعوا ودعينا ، فأسرعوا وأبطأنا ، ولئن حسدتموهم على باب عمر ، لما أعد الله لهم في الآخرة أكثر .

وروي أن عمر رضي الله عنه كان يأخذ بيده اليمنى من الفرس أذنه اليسرى ثم يجمع جراميزه ويثب فكأنما خلق على ظهر فرسه . وقال عمر رضي الله عنه : السيد الذي هو ؛ الجواد حين يسأل ، والحليم حين يستجهل ، والبارّ بمن يعاشر . وبلغه أن سعداً واصحابه قد بنوا بالمدر ، فكتب إليه : كنت أكره لكم البنيان بالمدر ، أما إذ فعلتم فعرّضوا الحيطان ، وأطيلوا السمك ، وقاربوا بين الخشب . وقال : رحم الله امرءاً أمسك فضل القول ، وقدم فضل العمل . وقال رضي الله عنه : من دخل على الأغنياء ، خرج وهو ساخط على الرزق . وناول رجلاً شيئاُ فقال له : خدمك بنوك . فقال : بل أغناني الله عنهم . أهدى أبو موسى لعمر رضي الله عنه ألواناً من الأخبصة ، فقال : ما هذا؟ قال : الخير قبلنا كثير ، والمئونة تخف علينا . قال : أطرفت أحداُ من أهل المدينة بشيء من هذا ؟ قال : لا . قال : إياك أن تراه أغيلمة قريش ؛ فيضيقوا عليكم بلادكم . وقيل له رضي الله عنه : أخبرنا عن أيام جاهليتك . فقال: ما داعبت أمة ، ولا جالست إلا لمةً وما دابت إلا في حمل جريرة ، أو خيل مغيرة . أما أيام الإسلام فكفى برغائها مناديا . واستعمل ابن علقمة على عمل ، فشيعه ، فقال ابن علقمة : يا أمير المؤمنين إن معنا سفرة . فقال عمر : ابدؤوا بالحلوى ، واجعلوا الدسم يلي النبيذ . ومن كلامه : النساء عورة ، فاستروا عوراتكم بالبيوت ، وداووا ضعفهن بالسكوت ، وأخيفوهن بالضرب ، ولا تسكنوهن الغرف ، ولا تعلموهن الكتابة ، واستعينوا عليهن بالعري ، وأكثروا لهن من قول : لا ، فإن نعم تضريهن على المسألة . وقال رضي الله عنه : رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي. ولما أطلق الحطيئة من محبسه قال : إياك والشعر . قال : مأكلة عيالي . قال : قل وإياك والمدح المجحف . قال : وما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : أن تقول بنو فلان خير من بني فلان . قال : أنت والله أشعر مني . قالوا : أول من خاطب ب " أطال الله بقاءك " عمر ، قاله لعليّ بن أبي طالب عليه السلام . ونظر إلى أبي بن كعب وقد تبعه قوم ، فعلاه بالدرة ، وقال : إنها فتنة للمتبوع مذلة للتابع . وسأله عبد الرحمن أن يلين للناس ، فقال : إن الناس لا يصلح لهم إلا هذا ، ولو علموا ما لهم عندي لأخذوا ثوبي من عاتقي . وقيل له : كان الرجل يظلم في الجاهلية ، فيدعو على ظالمه ، فيجاب عاجلاً ، ولا نرى ذلك في الإسلام . فقال : كان هذا حاجزاً بينهم وبين الظلم ، وإن موعدكم الآن الساعة ، والساعة أدهى وأمر . كان أبو رافع صائغاً ، فنظر إليه عمر وهو يقرأ ويصوغ ، فقال : يا أبا رافع ، أنت خير مني ، تؤدي حق الله وحق مواليك . قال لرجل : ما معيشتك ؟ قال : رزق الله . قال : لكل رزق سبب ، فما سبب رزقك ؟ مر عمر رضي الله عنه بشاب فاستسقاه ، فخاص له عسلاً ، فلم يشربه ، وقال : إني سمعت الله تعالى يقول : " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا " .

فقال الفتى : إنها والله ليست لك . اقرأ ما قبلها " ويوم يعرض الذين كفروا على النار " . أفنحن منهم ؟ فشربها وقال : كل الناس أفقه من عمر . وقال رضي الله عنه : لا يبلغنّي أن امرأة تجاوزت بصداقها صداق النبي عليه السلام إلا ارتجعت منها . فقامت امرأة فقالت : ما جعل الله ذلك لك يا ابن الخطاب ، إن الله تعالى يقول : " وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً " . فقال عمر رضي الله عنه : لا تعجبوا من إمام أخطأ ، وامرأة أصابت ، ناضلت إمامكم فنضلته . وقال رضي الله عنه : أحبكم إلينا أحسنكم اسماً ، فإذا رأيناكم فأجملكم منظراً ، فإذا اختبرناكم فأحسنكم مخبراً . وقال رضي الله عنه : الدين ميسم الكرام . وقال لأهل الشورى : لا تختلفوا؛ فإن معاوية وعمراً بالشام . وقال ثور بن يزيد : كان عمر رضي الله عنه يعس بالمدينة في الليل ، فسمع صوت رجل في بيت ، فارتاب بالحال ، فتسور . فوجد رجلاً عنده امرأة وخمر . فقال : يا عدو الله ، أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصية ؟ فقال الرجل : لا تعجل يا أمير المؤمنين ، إن كنت قد عصيت الله في واحدة ، فقد عصيته في ثلاث : قال الله تعالى : " ولا تجسسوا " . وقد تجسست ، وقال : " وأتوا البيوت من أبوابها " وقد تسورت، وقال : " فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا " وما سلمت . فقال له عمر رضي الله عنه : فهل عندك من خير إن عفوت عنك ؟ قال : بلى يا أمير المؤمنين ، والله لئن عفوت عني لا أعود لمثلها أبداً . فعفا عنه . وقال ابن عباس : لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون : انتصف القوم منا .

قيل : أهدى رجل إلى عمر رضي الله عنه جزوراً ، ثم خاصم إليه بعد ذلك في خصومة ، فجعل يقول : افصلها يا أمير المؤمنين كفصل رجل الجزور ، فاغتاط عمر رضي الله عنه ، وقال : يا معشر المسلمين ؛ إياكم والهدايا فإن هذا أهدى إليّ منذ أيام رجل جزور ، فوالله ما زال يرددها حتى خفت أن أحكم بخلاف الحكم . ولما حصر أبو عبيدة كتب إليه عمر رضي الله عنه : مهما ينزل بامرئ من شدة يجعل الله بعدها فرجاً ، إنه لن يغلب عسر يسرين ، إنه يقول : " اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " . وقال : ثلاث يثبتن لك الود في صدر أخيك : أن تبدأه بالسلام ، وتوسع له في المجلس ، وتدعوه بأحب الأسماء إليه . وقال رضي الله عنه : من أفضل ما أعطيته العرب الأبيات يقدمها الرجل أمام حاجته ، يستعطف بها الكريم ، ويستنزل بها اللئيم . وقدم معاوية عليه وهو أبضّ الناس ، فضرب عمر رضي الله عنه بيده على عضده ، فاقلع عن مثل الشراب في لونه أو مثل الشراك . فقال : إن هذا والله لتشاغلك بالحمامات ، وذوو الحاجات تقطع أنفسهم حسراتٍ على بابك . وقال لربيع بن زياد الحارثي : يا ربيع ؛ إنا لو نشاء ملأنا هذه الرحاب من صلائق وسبائك وصناب ولكني رأيت الله عز وجل نعى على قوم شهواتهم، فقال : " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا " . وقال : علموا أولادكم العوم والرماية ، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً ، ورووهم ما جمل من الشعر ، وخير خلق المرأة المغزل . وقال : لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما أركب .

وقال رضي الله عنه : لا تزالون أصحاء ما نزعتم ونزوتم . نزعتم في القسي ، ونزوتم على ظهور الخيل . وقال رضي الله عنه : ليس قوم أكيس من أولاد السراري ؛ لأنهم يجمعون عز العرب ودهاء العجم . وقال رضي الله عنه: من يئس من شيء استغنى عنه . ونظر إلى رجل مظهر للنسك متماوت ، فخفقه بالدرة وقال : لا تمت علينا ديننا أماتك الله . وقال رضي الله عنه لأبي مريم السلولي والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم . قال : أفتمنعني حقا ؟ قال: لا . قال : فلا بأس . إنما يأسف على الحب النساء . وروى أن أعرابياً أتاه فقال : إني أصبت ظبياً وأنا محرم ، فالتفت عمر رضي الله عنه إلى عبد الرحمن بن عوف ، وقال : قل . قال عبد الرحمن : يهدي شاة . قال عمر رضي الله عنه : اهد شاة . فقال الأعرابي : والله ما درى أمير المؤمنين مافيها حتى استفتى غيره ، وما أظنني إلا سأنحر ناقتي ، فخفقه عمر بالدرة وقال : أتقتل في الحرم وتغمص في الفتيا ؟ إن الله عز وجل يقول : " يحكم به ذوا عدل منكم " . فأنا عمر بن الخطاب ، وهذا عبد الرحمن بن عوف . ومن كلامه رضي الله عنه : قد إلنا وإيل علينا ، أي سسنا وساسنا غيرنا . وقال له عبد الله ابنه رضي الله عنهما : لم فضلت أسامة عليّ ، وأنا هو سيّان ؟ فقال : كان أبوه أحب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أبيك ، وكان هو أحب إلى رسول الله منك . وأثني عليه وهو جريح ، فقال : المغرور من غررتموه ، لو أن لي ما في الأرض جميعاً لافتديت به من هول المطلع . وقال : تعلّموا اللحن والسنن ، والفرائض كما تعلمون القرآن .

وروي أنه كان يحمل الدقيق على ظهره ، فقال له بعضهم : دعني أحمله عنك . فقال : ومن يحمل عني ذنوبي ؟ وقال : لساني سبع ، فإذا أرسلته أكلني . وقال رضي الله عنه : من المروءة الظاهرة الثياب الطاهرة . وقال : لئن بقيت لأسوين بين الناس ، حتى يأتي الرجل حقه في صفنه لم يعرق فيه جبينه . وقيل له : إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد ، فقال : وما على نساء بني المغيرة أن يسفكن من دموعهن على أبي سليمان ، ما لم يكن نقع ولا لقلقة . وقال : أعضل بي أهل الكوفة ، ما يرضون بأمير ، ولا يرضاهم أمير . وقال رضي الله عنه : فرقوا عن المنية ، واجعلوا الرأس رأسين ولا تلثوا بدار معجزة ، وأصلحوا مثاويكم ، وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم ، واخشوشنوا وتمعددوا . وكتب رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد : إنه بلغني أنك دخلت حماماً بالشام ، وأن من بها من الأعاجم أعدوا لك دلوكاً عجن بخمر ، وإني أظنكم - آل المغيرة - ذرء النار . وقال رضي الله عنه : ورع اللص ولا تراعه . وقال رضي الله عنه : ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسراً وساده عند امرأة مغيبة يتحدث إليها وتتحدث إليه ؟ عليكم بالجنبة فإنها عفاف ، فإنما النساء لحم على وضم إلا ماذبّ عنه . وقال رضي الله عنه : إن العهد إذا تواضع رفع الله حكمته وقال : انتعش نعشك الله ، وإذا تكبر وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض .

وقال رضي الله عنه : لا تشتروا الفضة والذهب إلا يداً بيد ، فإني أخاف عليكم الربا . وقال في متعة الحج : قد علمت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد فعلها وأصحابه ، ولكني كرهت أن يظلوا بهن معرسين تحت الأراك، ثم يلبون بالحج تقطر رؤوسهم . ودخل عدي بن حاتم فسلم وهو مشغول ، فقال : يا أمير المؤمنين أنا عدي بن حاتم . فقال : ما أعرفني بك أنت الذي أقبلت إذ أدبروا ، ووفيت إذ غدروا ، وعرفت إذ أنكروا ، وأقررت إذ نفروا ، وأسلمت إذ كفروا . فقال عدي : حسبي يا أمير المؤمنين . وسأل أصحابه : أي الناس أنعم بدناً ؟ فكل أجاب برأيه . فقال عمر رضي الله عنه : لكني أقول : جسد في التراب ، قد أمن العقاب ، ينتظر الثواب . قال ابن المسيب: وضع عمر للناس كلمات حكماً كلها ، وهي : " ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه " . " ضع أمر أخيك على أحسنه ، حتى يجيئك ما يغلبك منه " لا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً " . " من كتم سره كانت الخيرة بيده " . " من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء الظن به " . " عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم ، فإنهم زينة في الرخاء ، وعدة في البلاء " . " لا تهاونوا بالحلف فيهينكم الله " . " لا تسأل فيما لم يكن ، فإن فيما قد كان شغلاً عما لم يكن " . " عليك بالصدق وإن قتلك الصدق " . " احذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله " . " استشر في أمرك الذين يخشون الله ، فإنما يقول : " إنما يخشى الله من عباده العلماء" . آخ الإخوان على التقوى " . " كفى بك عيباً أن يبدو لك من أخيك ما يخفى عليك من نفسك ، أو تؤذي جليسك فيما لا يعنيك ، أو تعيب شيئاً وتأتي بمثله " . وكتب إلى أبي عبيدة : أما بعد ؛ فإنه لم يقم أمر الله في الناس إلا حصيف العقدة بعيد الغرة . لا يحنق في الحق على جرة ، ولا يطلع منه الناس على عورة . ولا تأخذه في الله لومة لائم .

وقال : من أسرع إلى الهجرة أسرع به العطاء ، ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ عنه العطاء ، فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته . وقال له أبو عبيدة حين نزل عن ناقته ، وخلع خفيه ، وخاض المخاضة : ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك ؛ أي رأوك . فقال له عمر رضي الله عنه : لو غيرك يقول هذا لجعلته نكالاً ، إنا كنا أذل قوم ، فأعزنا الله بالإسلام ، فإن طلبنا العزّ بغير ما أعزنا الله به أذلنا . وخطب رضي الله عنه فقال : إن أخوف ما أخاف عليكم أن يؤخذ الرجل المسلم البريء عند الله ، فيدسر كما يدسر الجزور ، ويشاط لحمه كما يشاط لحم الجزور ، ويقال : عاص وليس بعاص . فقال عليّ عليه السلام : كيف ذاك ؟ ولما تشتد البلية ، وتظهر الحمية وتسب الذرية وتدقهم الفتن دق الرحا ثفالها . وقال عمر 1 : لا تفطروا حتى تروا الليل يغسق على الظراب . وروي أن ابن السوادة أخا بني ليث قال له : أربع خصال عاتبتك عليها رعيتك . فوضع عود الدرة ثم ذقن عليها وقال : هات . قال : ذكروا أنك حرمت العمرة في اشهر الحج . قال عمر رضي الله عنه : أجل . إنكم إذا اعتمرتم في أشهر حجكم ظننتموها مجزية من حجكم فقرع حجكم ؛ فكانت قائبة قوب عامها ، والحج بهاء من بهاء الله . قال : شكوا منك عنف السياق ونهر الرعية . قال : فقرع الدرة ، ثم مسحها حتى أتى على سيورها وقال : أنا زميل محمد في غزوة قرقرة الكدر ثم إني والله لأرتع فأشبع ، وأسقى فأروي ، وأضرب العروض ، وأزجر العجول وأؤدب قدري وأسوق خطوي ، وأرد اللفوت . وأضم العنود . وأكثر الزجر ، وأقل الضرب ، وأشهر العصا ، وأدفع باليد ، ولولا ذلك لأعذرت . وخطب رضي الله عنه فقال : ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ، ولا تجمروهم فتفتنوهم . وفي حديثه ، أنه انكفأ لونه في عام الرمادة حيث قال : لا آكل سمنا ولا سميناً . وأنه اتخذ أيام كان يطعم الناس قدحاً فيه فرض ، فكان يطوف على القصاع ، فيغمر القدح ، فإن لم تبلغ الثريدة الفرض قال : فانظر ما الذي يفعل بالذي ولي الطعام . وقال لرجل : ما مالك ؟ قال : ألفان مضمونان في بيت المال . فقال : اتخذ مالاً سوى هذا ، فيوشك أن يأتي من لا يعطي إلا من يحب . وخرج ليلة في شهر رمضان ، والناس أوزاع ، فقال : إني لأظن لو جمعناهم على قارئ كان أفضل ، فأمر أبيّ بن كعب فأمهم ، ثم خرج ليلة وهم يصلون بصلاته ، فقال : نعم البدعة هذه ، والتي تنامون عنها أفضل ، يريد صلاة آخر الليل . وروي أن رجلاً قرأ عليه حرفاً فأنكره ، فقال : من أقرأك هذا ؟ قال : أبو موسى الأشعري . فقال : إن أبا موسى لم يكن من أهل البهش - والبهش المقل ما كان رطباً ، فإذا يبس فهو الخشل ، وإنما أراد أن أبا موسى ليس من أهل الحجاز ، والمقل ينبت بالحجاز - يريد أن القرآن نزل بلغة قريش . ونحو منه قوله رضي الله عنه لابن مسعود حين بلغه أنه يقرئ الناس " حتى حين " يريد " حتى " : إن القرآن لم ينزل بلغة هذيل ؛ فأقرئ الناس بلغة قريش . وقال : من الناس من يقاتل رياء وسمعة ، ومنهم من يقاتل وهو ينوي الدنيا ، ومنهم من ألحمه القتال فلم يجد بداً ، ومنهم من يقاتل صابراً محتسباً . أولئك هم الشهداء .

وسأله العباس عن الشعراء ، فقال : امرؤ القيس سابقهم ، خسف لهم عين الشعر ، فافتقر عن معان عور أصح بصر. وكتب في الصدقة إلى بعض عماله : ولا تحبس الناس أولهم على آخرهم ، فإن الرجن للماشية عليها شديد ولها مهلك ، وإذا وقف الرجل عليك غنمه فلا تعتم من غنمه ، ولا تأخذ من أدناها ، وخذ الصدقة من أوسطها . وإذا وجب على الرجل سن ، ولم تجده في إبله فلا تأخذ إلا تلك السن من شروى إبله أو قيمة عدل ، وانظر ذوات الدر والماخض فنكب عنها ؛ فإنها ثمال حاضرتهم . وقال رضي الله عنه : من حظ المرء نفاق أيمه وموضع حقه . يريد أن يكون حقه عنه من لا يجحده . وقال في قوله تعالى : " أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " . نعم العدلان ونعم العلاوة . وقال ابن عباس " دعاني عمر وعثمان رضي الله عنهما فإذا صبر من مال فقال : خذا فاقتسما فإن فضل فردا . فأما عثمان فحثا ، وأما أنا فقلت : إن كان نقصان رددت علينا . فقال : شنشنة أعرفها من أخزم . وطلى بعيراً من الصدقة بالقطران ، فقال له رجل : لو أمرت عبداً من عبيد الصدقة كفاكه . فضرب بالثملة على صدره ، وقال : أعبد أعبد مني ؟ .

وقال : لو صليتم حتى تكونوا كالحنى ما نلتم رحمة الله إلا بصدق الورع . وقال : تفقهوا قبل أن تسودوا . وقال : إن الموت فضح الدنيا ، فما ترك لذي لبٍ فرحاً . وقال : احذر من فلتات السباب كلما أورثك النبز واعلقك اللقب ؛ فإنه إن يعظم بعده شأنك يشتد عليه ندمك . وقال رضي الله عنه : بع الحيوان أحسن ما يكون في عينيك . وقال : أجود الناس من جاد على من لا يرجو ثوابه ، وأحلمهم من عفا بعد القدرة ، وأبخلهم من بخل بالسلام ، وأعجزهم الذي يعجز في دعائه . وقال : كل عمل كرهت من أجله الموت فاتركه ، ثم لا يضرك متى مت . وقال رضي الله عنه : إذا توجه أحدكم في الوجه ثلاث مرات ، فلم ير خيراً فليدعه . وخطب رضي الله عنه فقال : أيها الناس ، ما الجزع مما لا بد منه ، وما الطمع فيما لا يرجى ، وما الحيلة فيما سيزول ؟ وإنما الشيء من أصله ، وقد مضت قبلنا أصول، ونحن فروعها ، فما بقاء الفرع بعد اصله ؟ إنما الناس في هذه الدنيا أغراض تنتضل المنايا فيهم وهم نصب المصائب ، مع كل جرعة شرق ، وفي كل أكلة غصص . لا ينالون نعمة إلا بفراق أخرى ، ولا يستقبل معمر من عمر يوماً إلا بهدم آخر من أجله ، وأنتم أعوان الحتوف على أنفسكم ، فأين المهرب مما هو كائن ؟ وإنما يتقلب الهارب في قدره الطالب ، فما أصغر المصيبة اليوم مع عظم الفائدة غداً أو أكثر خيبة الخائب جعلنا الله وإياكم من المتقين . قال الجاحظ : روى الزهري أن عمر رضي الله عنه نظر إلى أهل الشورى جلوساً فقال : أكلكم يطمع في الخلافة بعدي ؟ فوجموا ، فقال لهم ثانية ، فأجابه الزبير فقال : نعم ، وما الذي يبعدنا عنها وقد وليتها فقمت بها . ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ، ولا في القرابة ؟ فقال عمر رضي الله عنه : ألا أخبركم عن أنفسكم ؟ قالوا : بلى ، فإنا لو استعفيناك ما أعفيتنا . فقال عمر رضي الله عنه : أما أنت يا زبير فوعقة لقس ، مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوم إنس ، ويوم شيطان ، ولعلها إن أفضت إليك لظلت يومك تلاطم في البطحاء على مد من شعير . أفرأيت إن أفضت إليك فمن يكون على الناس يوم تكون شيطاناً ، ومن يكون - إذا غضبت - إماماً ؟ . ما كان الله ليجمع لك أمر أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأنت في هذه الصفة . ثم أقبل على طلحة فقال : أقول أم أسكت ؟ قال : قل ، فإنك لا تقول لي من الخير شيئاً . قال : ما أعرفك منذ ذهبت إصبعك يوم أحد من البأو الذي أحدثت . ولقد مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ساخطاً للذي قلت يوم نزلت آية الحجاب أفأقول أم أسكت ؟ قال : بالله اسكت . ثم أقبل على سعد ، فقال : إنما أنت صاحب قنص وقوس واسهم ومقنب من هذه المقانب ، وما أنت وزهرة والخلافة وأمور الناس ؟ . ثم أقبل على علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : لله أنت لولا دعابة فيك . اما والله لو وليتهم لحملتهم على المحجة البيضاء ، والحق الواضح ، ولن يفعلوا . ثم قال : وأنت يا عبد الرحمن لو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجحت ، ولكن فيك ضعفاً ، ولا يصلح هذا الأمر لم ضعف مثل ضعفك . وما زهرة وهذا الأمر ؟ . ثم أقبل على عثمان فقال : هيهاً إليك ، كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك ، فحملت بني أمية وبني معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحاً . والله لئن فعلوا لتفعلن ، ولئن فعلت ليفعلن . ثم أخذ بناصيته فناجاه ، ثم قال : إذا كان ذاك فاذكر قولي هذا ، فإنه كائن . وقال عمر رضي الله عنه للأحنف : من كثر ضحكه قلت هيبته ، ومن أكثر من شيء عرف به ، ومن كثر مزاحه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه قلّ ورعه ، ومن قل ورعه ذهب حياؤه ، ومن ذهب حياؤه مات قلبه . وكتب إلى أبي موسى : أما بعد ؛ فإن للناس نفرة عن سلطانهم ، فأعوذ بالله أن تدركني وإياك عمياء مجهولة ، وضغائن محمولة ، وأهواء متبعة ، ودنيا مؤثرة ؛ فأقم الحدود ولو ساعة من نهار ، فإن عرض لك أمران : أحدهما لله ، والآخر للدنيا ، فآثر نصيبك من الآخرة ، فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى ، وكن من خشية الله على وجل ، وأخف الفساق ، واجعلهم يداً يداً ورجلاً رجلاً . وإذا كانت بين القبائل نائرة ، ودعوا : يا لفلان ، فإنما تلك النجوى من الشيطان ، فاضربهم بالسيف حتى يفيئوا إلى الله ، وتكون دعواهم إلى الله وإلى الإسلام . وقد بلغ أمير المؤمنين أن ضبة تدعو : بالضبة ، وإني والله ما أعلم أن ضبة ساق الله بها خيراً قط ، ولا منع بها شراً قط . فإذا جاءك كتابي هذا فأنهكهم عقوبة ، حتى يفرقوا إن لم يفقهوا . والصق بغيلان بن خرشة من بينهم . وعد مرضى المسلمين ، واشهد جنائزهم ؛ وافتح بابك ، وباشر أمرهم بنفسك ، فإنما أنت رجل منهم ، غير أن الله جعلك أثقلهم حملا . وقد بلغ أمير المؤمنين أنه فشا لك ولأهل بلدك هيئة في لباسك ، ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلها ، فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة التي حلت بواد خصب ، فلم يكن لها هم إلا السمن ، واعلم أن للعامل مرداً إلى الله ، فإذا زاغ العامل زاغت رعيته ، وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته ، والسلام .

وكان إذا اشترى رقيقاً يقول : اللهم ارزقني أنصحهم جيباً وأطولهم عمراً . وكان إذا استعمل رجلاً يقول : إن العمل كبر ، فانظر كيف تخرج منه . وقال رضي الله عنه : أقلل من الدين تعش حراً ، واقلل من الذنوب يهن عليك الموت، وانظر في أي نصاب تضع ولدك ، فإن العرق دساس . وقال : إياكم وهذه المجازر ، فإن لها ضراوة كضراوة الخمر . وقال : ما الخمر صرفاً باذهب لعقل الرجل من الطمع . وقال : عجبت لمن يحسن المعاريض ، كيف يكذب ؟ . وقال : الناس طالبان ، فطالب يطلب الدنيا ، فارفضوها في نحره ، فإنه ربما أدرك الذي طلب منها فهلك بما أصاب منها . وربما فاته الذي طلب منها فهلك بما فاته منها ، وطالب يطلب الآخرة ، فإذا رأيتم طالب الآخرة فنافسوه . وقال : أيها الناس إنه أتى عليّ حين وأنا أحسب أنه من قرأ القرآن إنما يريد الله وما عنده . ألا وقد خيل إليّ أخيراً أن أقواماً يقرؤون القرآن يريدون به ما عند الناس . ألا فأريدوا الله بقرآنكم وأريدواه بأعمالكم ، فإنما كنا نعرفكم إذ الوحي ينزل ، وإذ النبي عليه السلام بين أظهرنا ، فقد رفع الوحي ، وذهب النبي عليه السلام ، فإنما أعرفكم بما أقول لكم . ألا فمن أظهر لنا خيراً ظننا به خيراً واثنينا به عليه ، ومن أظهر لنا شراً ظننا به شراً وأبغضنا عليه ، فزعوا هذه النفوس عن شهواتها ، فإنها طلاعة ، تنزع إلى شر غاية ، وإن الحق ثقيل مريء ، وإن الباطل خفيف وبيء ، ترك الخطيئة خير من معالجة التوبة ، ورب شهوة ساعة أورثت حزناً دائماً . وقال : استعبروا العيون بالتذكر . ومر بقوم يتمنون ، فلما رأوه سكتوا ، فقال : فيم كنتم ؟ قالوا : كنا نتمنى . قال : تمنوا وأنا أتمنى معكم . قالوا : فتمن . قال : أتمنى ملء هذا المسجد مثل أبي عبيدة الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ، إن سالماً كان شديد الحي لله ، لو لم يخف الله لعصاه . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة الجراح .

وقال رضي الله عنه : لولا أن أسير في سبيل الله ، واضع جبهتي لله ، وأجالس أقواماً ينتقون أحسن الحديث كما تنتقى أطايب الثمر لم أبال أن أكون قد متّ . وقال سعد له - حين شاطره ماله - : لقد هممت . . . قال عمر : لتدعو الله عليّ ؟ قال : نعم : إذاً لا تجدني بدعاء ربي شقياً . وكان سعد يسمى المستجاب الدعوة . وقال عمر في ولد له صغير : ريحانة أشمها ، وعن قريب ولد بار أو عدو حاضر . وقال رضي الله عنه : لكل شيء شرف ، وشرف المعروف تعجيله . وقال : من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ؛ لقوله تعالى : " ادعوني أستجب لكم " . ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة ؛ لقوله جلّ اسمه : " لئن شكرتم لأزيدنكم " . ومن أعطي الاستغفار لم يحرم القبول ؛ لقول تعالى : " استغفروا ربكم إنه كان غفارا " . وقال رضي الله عنه : كونوا أوعية الكتاب ، وينابيع العلم ، واسألوا الله رزق يوم بيوم . وقال رضي الله عنه : الرجال ثلاثة : رجل ينظر في الأمور قبل أن تقع فيصدرها مصدرها ، ورجل متوكل لا ينظر ، فإذا نزلت به نازلة شاور أهل الرأي وقبل قبولهم ، ورجل حائر بائر لا يأتمر رشداً ، ولا يطيع مرشداً . كان شرحبيل بن السمط على جيش لعمر رضي الله عنه فقال : إنكم قد نزلتم أرضاً فيها نساء وشراب، فمن أصاب منكم حداً فليأتنا حتى نطهره ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال : لا أم لك ، تأمر قوماً ستر الله عليهم أن يهتكوا ستر الله عليهم .

وقال : من قال لا ادري عندما لا يدري ، فقد أحرز نصف العلم ؛ لأن الذي له على نفسه هذه القوة ؛ فقد دلنا على جودة التثبت ، وكثرة الطلب ، وقوة المنة . وأوصى الخليفة بعده فقال : أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له ، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً أن تعرف لهم سابقتهم . وأوصيك بالأنصار خيراً ، فاقبل من محسنهم ، وتجاوز عن مسيئهم ، وأوصيك بأهل الأمصار خيراً ، فإنهم ردء العدو ، وجباة الفيء ، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم . وأوصيك بأهل البادية خيراً ، فأنهم أصل العرب ، ومادة الإسلام ، أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم . وأوصيك بأهل الذمة خيراً أن تقاتل من ورائهم ، ولا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعاً ، أو عن يد وهم صاغرون . وأوصيك بتقوى الله ، والحذر منه ، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة ، وأوصيك أن تخشى الله في الناس ، ولا تخش الناس في الله . وأوصيك بالعدل في الرعية ، والتفرغ لحوائجهم وثغورهم ، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم ، فإن في ذلك بإذن الله سلامة لقلبك ، وحطاً لوزرك ، وخيراً في عاقبة أمرك ، حتى تفضى في ذلك إلى من يعرف سريرتك ، ويحول بينك وبين قلبك . وآمرك أن تشتد في أمر الله ، وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم ، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة ، حتى تنتهك منه مثل جرمه . واجعل الناس عندك سواءً ، لا تبالي على من وجب الحق ، ولا تأخذك في الله لومة لائم ، وإياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين ، فتجور وتظلم ، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك .

وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة ، فإن اقترفت لدنياك عدلاً وعفة عما بسط لك اقترفت به إيماناً ورضواناً ، وإن غلبك فيه الهوى اقترفت به غضب الله . وأوصيك ألا ترخّص لنفسك ولا لغيرها في ظلم أهل الذمة. وقد أوصيتك ، وخصصتك ونصحتك ، فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة ، واخترت من دلالتك ما كنت دالاً عليه نفسي وولدي ، فإن عملت بالذي وعظتك ، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيباً وافراً وحظاً وافياً ؛ وإن لم تقبل ذلك ، ولم يهمك ، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك يكن ذلك بك انتقاصاً ، ورأيك فيه مدخولاً ؛ لأن الأهواء مشتركة ، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة ، وقد أضل القرون السالفة قبلك ، فأوردهم النار وبئس الورد المورود ، ولبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله ، الداعي إلى معاصيه . ثم اركب الحق ، وخض إليه الغمرات ، وكن واعظاً لنفسك ، وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين ، وأجللت كبيرهم ، ورحمت صغيرهم ، ووقرت عالمهم ، ولا تضربهم فيذلوا ، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم . ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفرقهم ، ولا تجمرهم في البعوث فينقطع نسلهم ، ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم ، ولا تغلق بابك دونهم ، فيأكل قويهم ضعيفهم . هذه وصيتي إليك ، وأشهد الله عليك ، وأقرأ عليك السلام . وروي عن ابن عباس : دخلت على عمر رضي الله عنه حين طعن . قال : فتنفس تنفساً عالياً ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما أخرج هذا منك إلا هم . قال : هم شديد لهذا الأمر الذي لا أدري لمن يكون بعدي . قال : ثم قال : لعلك ترى صاحبك لها . يعني علياً . قلت : وما يمنعه في قرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وسوابقه في الخير ، ومناقبه في الإسلام ؟ قال : ولكن فيه فكاهة . قلت له : فأين أنت وطلحة ؟ قال : الأكنع ؟ ما زلت أعرف فيه بأواً منذ أصيبت يده مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) قلت : فأين أنت من الزبير ؟ قال فوعقة لقس . قلت : فأين أنت من سعد ؟ قال : صاحب قوس وفرس . قلت : فأين أنت من عبد الرحمن ؟ قال : نعم المرء ذكرت ، ولكنه ضعيف ولا يقوم بهذا الأمر إلا القوي في غير عنف ، واللين في غير ضعف ، والجواد من غير سرف ، والممسك في غير بخل . قلت : فأين أنت من عثمان ؟ قال : أوه - ووضع يده اليمنى على مقدم رأسه - إذاً والله ليحملن بني معيط على رقاب الناس ، فكأني قد نظرت إلى العرب حتى تأتيه فتقتله ، والله لئن فعل ليفعلن ، والله لئن فعل ليفعلن، ثم قال : أما إن أحراهم - إن وليهم - أن يحملهم على كتاب الله وسنة نبيهم صاحبك - يعني علياً - عليه السلام . وقال رضي الله عنه : اعتبروا عزمه بحميته وحزمه بمتاع بيته . وسمع رجلاً يقول : اللهم إني أعوذ بك من الفتن . فقال: لقد استعذت مما تسأله ، المال والولد فتنة . ولكن قل يا لكع : اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن . وكان عيينة بن حصن كثيراً ما ينظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إزار ورداء ، فيقول : يا أمير المؤمنين إني أراك تلبس إزاراً ورداءً ، كأني أنظر إلى سبنتي من العجم قد وجأك في خاصرتك ، ففجع بك المسلمين ، فيا لها ثلمة لا تسد ، ووهياً لا يرقع فأخرجهم من عيرك إلى عيرهم . فما مكث إلا أياما ، حتى وجأه أبو لؤلؤة - أخزاه الله - فقال عمر رضي الله عنه : لله در رأي بين الرقم والحاجر لو أخذنا به أما إنه قد خبرني بهذا . وكان يقول : اللهم اصلح بين نسائنا ، وعاد بين إمائنا . وقال : الطمع فقر ، واليأس غنى ، وفي العزلة راحة من خليط السوء . وكتب إلى أبي موسى وهو على البصرة : إنك ببلد جل أهله تميم وهم بخل ، وربيعة وهم كدر ، وفي الأزد موق . فتأدب بأدبك .

افتقد من بيت المال أيام عمر أربعة آلاف درهم ، وكان بيت المال في يد وهب بن منبه . فكتب إليه عمر : أما بعد ، فإنا لا نتهم دينك وأمانتك ، ولكن نخاف تفريطك وتضييعك ، وهذا المال للمسلمين ، وليس لأشحهم عليك إلا يمينك ، فإذا صليت العصر من يوم الجمعة ، فاستقبل القبلة واحلف بالله أنك ما أخذتها ، ولا علمت لها آخذاً ، والسلام . وقيل له : جزاك الله عن الإسلام خيراً . فقال : بل جزى الله الإسلام عني خيراً . وقال : لا يطبق أمر الله في عباده إلا رجل لا يصانع ، ولا يضارع ، ولا يتبع المطامع ، ولا يطبق أمر الله إلا رجل يتكلم بلسانه كله ، ولا يحنق في الحق على جرته . وقال رضي الله عنه : أكره لبستين : لبسة مشهورة ، ولبسة محقورة . وقال رضي الله عنه : ثلاث خصال من لم تكن فيه لم ينفعه الإيمان : حلم يرد به جهل الجاهل ، وورع يحجزه عن المحارم ، وخلق يداري به الناس . وقال : من ملأ عينه من قاعه بيت قل أن يؤذن له فقد فسق ، ومن اطلع على قوم في منازلهم بغير إذنهم فليفقئوا عينه . وقال : لأن أموت بين شعبتي رحلي أبتغي فضل الله ، أحب إلي من أن أموت على فراشي . وقال لبعضهم : احذر النعمة كحذرك المعصية ، وهي أخوفهما عليك عندي . وقال رضي الله عنه : أحذركم عاقبة الفراغ، فإنه أجمع لأبواب المكروه من السكر .

وقال : أفلح من حفظ من الطمع والغضب والهوى نفسه ، ولا خير فيما دون الصدق من الحديث ، ومن كذب فجر ، ومن فجر هلك . وقال رضي الله عنه : قلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، ما بالنا نرق على أولادنا ولا يرقون علينا ؟ قال : لأنا ولدناهم ، ولم يلدونا . وقال لرجل أراد طلاق امرأته : لم تطلقها ؟ قال : لأني لا أحبها . فقال له : أكل البيوت بنيت على الحب ؟ فأين الرعاية والتذمم والوفاء ؟ وقال : تضيق أنصارنا ، وتقسو ثقيفنا ، ومن ولى من العرب قرا في حوضه ، وملأ وعاءه ، ولم أر لهذا الأمر مثل رجل من قريش أكل على ناجذه . وقال رضي الله عنه في خطبة له حين بويع : غني قد علمت أن قد كرهتم قيامي عليكم ، ومن كرهه منكم ممن ساءه أخذ بحق ، ودفع عن باطل ، وضرب عنق من خالف الحق ، وتمنى الباطل ، ودعا إليه ، فليس لأولئك هوادة ، ولا مناظرة ، ولا مصانعة ، فليمت أولئك بغيظهم ، ولا يلومن إلا أنفسهم ولا يبقين إلا عليها . والله ما لمن خالف إلى الباطل من عقوبة دون ضرب عنقه ، فإن السيف نعم الوزير هو للحق وأهله ، وقد أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالقتال على الحق ، وقاتل عليه ، فخذوا مني ما أعطيكم وأعطوني ما أسألكم ، إني آخذكم بالحق غير معتد به ، وأعطيكم الحق غير قاصر عنه ، كتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بيني وبينكم ، لا يسألن أحد غير ذلك، ولا يطمعن فيه عندي . وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى معاوية قال : هذا كسرى العرب . وخطب فقال : يا أيها الناس ، لا تأكلوا البيض فإن أحدكم يأكل البيضة أكلة واحدة ، فإن حضنها خرجت منها دجاجة فباعها بدرهم .