الجزء الثاني - الباب السادس : مزح الأشراف والأفاضل والعلماء

الباب السادس : مزح الأشراف والأفاضل والعلماء

قالوا : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يمزح ولا يقول إلا حقاً . وفي حديثه عليه الصلاة والسلام أن ابناً لأم سليم يقال له عمير ، وكان له نفر وهو طائر صغير أحمر المنقار ، فقالوا : يا رسول الله ، مات نفر . فجعل عليه السلام يقول : " يا أبا عمير . ما فعل النفير ؟ " . وذكر أنه كان يمازح بلالاً ، فرآه يوماً وقد خرج بطنه فقال : أم حبين . ومما يحفظ من مزحه عليه السلام أنه كان يقول لأحد ابني ابنته ، وقد وضع رجليه على رجليه وأخذ بيديه : " ترقّ عبن بقة . وهذا شيء كان النساء يقلنه في ترقيص الصبيان : حزقةً حزقه . . . ترق ، عين بقه ترق : أي ارق من رقيت الدرجة ، والحزقة الذي يقارب خطوه ، وشبهه في صغره بعين البقة . وقال عليه السلام لعجوز : إن الجنة لا يدخلها عجوز يريد : أنهن يعدن شواب ، ثم يدخلن الجنة . واستدبر عليه السلام رجلاً من ورائه وأخذ بعينيه ، وقال : من يشتري مني العبد ؟ يريد أنه كان حراً فهو عبد الله . وقال لامرأة : " زوجك الذي في عينه بياض " فقالت : لا . أراد البياض الذي حول الحدقة ، وظنت المرأة أنه أراد البياض الذي يغشى الحدقة فيذهب البصر . وخرج إلى طعام دعي له فإذا حسين يلعب مع صبوة في السكة ، فاستنتل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمام القوم فبسط يديه ، فطفق الغلام يفر ، هاهنا وهاهنا ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يضاحكه حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه ، والأخرى في فأس رأسه ، ثم أقنعه فقبله . استنتل : يريد : تقدم أمام القوم ، وأقنعه : رفعه . وقالت عائشة : كنت ألعب مع الجواري بالبنات فإذا رأين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) انقمعن . قالت : فيسربهن إليّ . وقالت : قدم وفد الحبشة فجعلوا يزفنون ويلعبون ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) قائم ينظر إليهم ، فقمت ، وأنا مستترة خلفه حتى أعييت ، ثم قعدت ثم قمت ، فنظرت حتى أعييت ، ثم قعدت ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قائم ينظر . فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن المشتهية للنظر . وروي أنه عليه السلام مر على أصحاب الدركلة فقال : خذوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة ، قال : فبينما هم كذلك إذ جاءك عمر ، فلما رأوه ابذعرّوا . وروي أنه عليه السلام سابق عائشة في سفر فسبقته ، وفي سفر آخر فسبقها . وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : " هذه بتلك " . وروي : أنه لما قتل النضر بن الحارث بن كلدة ، وأتته ابنته فأنشدته الأبيات المعروفة ، ترثي أباها . قال عليه الصلاة والسلام : " لولا قتلي أباها لتزوجتها " . قالوا : يا رسول الله ؛ ليست بتلك . قال : فأين الخيلان الثلاثة بخدها كأنهن رأس الجوزاء ؟ " . ومن مزحه عليه السلام قوله لخوّات بن جبير الأنصاري صاحب ذات النحيين : " ما فعل جملك الشرود ؟ " فقال : عقله الإسلام .

وذلك أن خوّاتاً أتى امرأة كانت تبيع السمن في الجاهلية ، فقال لها : هل عندك سمن طيب تبيعينه ؟ قالت : نعم . وحلت زقاً فذاقه ، وقال : أريد أطيب من هذا فأمسكيه ، فأمسكيه وحل آخر فذاقه وقال : أمسكيه فقد شرد جملي ، فقالت : ويحك ، حتى أوثق هذا قال : لا . خذيه وإلا تركته . فإن بعيري قد أفلت ، فأخذته بيدها الأخرى ، فوثب عليها وهي مشغولة اليدين لا تقدر على الامتناع ، فقضى وطره منها . فلما فرغ قالت : لا هناك . ومن ذلك ما جاء عنه أنه كان يسير في بعض غزواته فسمع حداءً قدامه ، فقال : " حثوا السير نلحق الحادي " . فلحقه وسار معه يسمع حداءه . وخرج على بلال وهو نائم ، فضرب بيده على فخذه وقال : أنائمة أم عمرو ؟ فأنتبه بلال فضرب بيده على مذاكيره . فقال له : ما لك ؟ قال : ظننت أني تحولت امرأة . وسأل جابر بن عبد الله : ما نكحت ؟ فقال ثيباً . قال : فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك . وقال لرجل استحمله : نحن حاملوك على ولد النوق . قال : لا تحملني . قال : أو ليس الإبل من ولد النوق ؟ وقال لسائقه ، وهو يسوق بأزواجه : رفقاً بالقوارير . وروى عن أبي الدرداء ، أنه كان لا يحدث إلا وهو يتبسم ، فقالت له امرأته أم الدرداء : إني أخاف أن يرى الناس أنك أحمق . فقال : ما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حدث حديثاً إلا وهو يتبسم في حديثه . وأصبح النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوماً ما متغير الوجه ، فقال بعض أصحابه : لأضحكنه . فقال : بأبي أنت وأمي . بلغني أن الدجال يخرج والناس جياع ، فيدعوهم إلى طعام ، أفترى - إن أدركته - أن أضرب في ثريدته ، حتى إذا تضلعت آمنت بالله وكفرت به ؟ . أم أتنزه عن طعامه ؟ فضحك ( صلى الله عليه وسلم ) - وكان ضحكه التبسم - وقال : " بل يغنيك الله يومئذ بما يغني به المؤمنين " . وقال عليه الصلاة والسلام : " بعثت بالحنيفية السهلة " .

وقال : " ينال العبد بحسن الخلق أجر الصائم القائم " . وقال علي كرم الله وجهه : لا بأس بالفكاهة يخرج بها الرجل عن حد العبوس . ولما بلغه قول عمر : إن فيه دعابة . قال : ويحه أما علم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " إن المؤمن دعب لعب ، والكافر خب ضب " . وأتاه رجل برجل فقال : إن هذا زعم أنه احتلم على أمي ، فقال : أقمه في الشمس واضرب ظله " . وقال الشعبي : جاءت امرأة من همدان إليه ، فقالت : إن ابنتي زوجت وهي خمسة أشبار . فقال : خمسة أشبار تكفي شبراً . وقال عقبة الجهني : رأيته يرمي جواريه ويرامينه بقشور البطيخ . ومر بقوم من الأنصار فقالوا : يا أمير المؤمنين ، انزل عندنا للغداء . فقال : إما حلفتم وإما انصرفنا . قال بعضهم : سمعته وهو يرقى المنبر بالكوفة ويقول : حزقة حزقه . . . ترق عين بقه وحدثت زبراء مولاته قالت : كنت أوضئ أمير المؤمنين ، فخرج من المستحم واتكأ علي ، وقال : استمسكي يا زبراء ، واتقي لا تضرطي . وقال عبد الرحمن بن عوف : أتيت عمر بن الخطاب فسمعته ينشد بالركبانية : وكيف ثوائي بالمدينة بعدما . . . قضى وطراً منها جميل بن معمر فلما استأذنت قال : أسمعت ما قلت ؟ قلت : نعم . قال : إنا إذا خلونا قلنا ما يقول الناس في بيوتهم . وقال عمر : كل امرئ في بيته صبي . وذكر عنده النساء فقال : إذا تم البياض مع كبر العجز في حسن القوام فقد كمل .

وخرج أبو بكر إلى بصرى ، ومعه نعيمان وسويبط ، وكلاهما بدري ، وكان سويبط على الزاد ، فجاء نعيمان ، فقال : أطعمني ، فقال : لا ، حتى يأتي أبو بكر . وكان نعيمان رجلاً مضحاكاً ، فقال : والله لأغيظنك . فذهب إلى ناس جلبوا ظهراً ، وقال : ابتاعوا مني غلاماً عربياً فارهاً ، وهو دعاء له لسان ، لعله يقول : أنا حر . فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوني لا تفسدوا عليّ غلامي . قالوا : بل نبتاعه منك بعشر قلائص ، فأقبل بها يسوقها ، وأقبل بالقوم حتى عقلها ، ثم قال للقوم : دونكم هو هذا . فجاء القوم فقالوا : قد اشتريناك . فقال سويبط : هو كاذب . أنا رجل حر. قالوا : قد أخبرنا خبرك . فوضعوا الحبل في عنقه وذهبوا به ، فجاء أبو بكر فأخبره بذلك ، فذهب هو وأصحاب له فردوا القلائص وأخذوه ، فأخبر بذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فضحك منه حولاً . وأهدى نعيمان إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جرة عسل اشتراها من أعرابي بدينار ، وأتى بالأعرابي باب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : خذ الثمن من هاهنا . فلما قسمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، نادى الأعرابي : ألا أعطى ثمن عسلي ؟ فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : إحدى هنات نعيمان . وسأله : لم فعلت هذا ؟ فقال : أردت برك، ولم يكن معي شيء . فتبسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأعطى الأعرابي حقه . ومما روي من مزح علي رضي الله عنه أنه كان يقول : أفلح من كانت له مزخّة . . . يزخها ثم ينام الفخّة وذكر أبو رافع الصائغ أنه كان يقول : كان عمر رضي الله عنه يمازحني ويقول : أكذب الناس الصياغ ، يقولون : اليوم ، وغداً . وروي : أن أبا قتادة الأنصاري كان في عرس وجارية تضرب بالدف ، وهو يقول لها : ارعفي . أي تقدمي . وقيل : مازح معاوية الأحنف فما رئي مازحان أوقر منهما . قال : يا أحنف ما الشيء الملفف في البجاد ؟ قال : هو السخينة يا أمير المؤمنين . أراد معاوية قول الشاعر : إذا ما مات ميت من تميم . . . فسرك أن يعيش فجئ بزاد بخبز ، أو بتمر ، أو بسمن . . . أو الشيء الملفف في البجاد يريد : وطب اللبن ، والبجاد : مساء يلفف فيه ذلك ، وأراد الأحنف بقوله : السخينة ؛ أن قريشاً يأكلونها ويعيرون بها ، وهي أغلظ من الحساء ، وأرق من العصيدة . وإنما تؤكل في كلب الزمان ، وشدة الدهر ، وقد سموا قريشاً سخينة تعييراً بذلك . قال خداش بن زهير : يا شدة ما شددنا غير كاذبة . . . على سخينة لولا الليل والحرم وقال كعب : زعمت سخينة أن ستغلب ربها . . . وليغلبن مغالب الغلاب مازح ابن عباس أبا الأسود فقال : لو كنت بعيراً لكنت ثفالاً . فقال أبو السود : لو كنت راعي ذلك البعير ، ما أشبعته من الكلإ، ولا أرويته من الماء ، ولا أحسنت مهنته . ذكر ابن أبي ليلى : أن رجلاً تزوج امرأة ، وأبركها على أربع ، فلما دفع وقعت على وجهها فاندقت ثنيتها ، فرفع ذلك إلى علي كرم الله وجهه ، فقال : مطيته يركبها كيف شاء .

وذكر أن رجلاً تزوج امرأة شابة ، فوقع عليها ، فضمته إلى نفسها فكسرت صلبه ، فرفعت إلى علي فقال : إنها لشبقة . ثم جعل الدية على العاقلة . روي عن عجوز من الأنصار قالت : زوجنا امرأة على عهد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . فنحن نتغنى : وأهدى لنا أكبشنا . . . تبحبح في المربد وزوجك في النادي . . . ويعلم ما في غد فقال عليه السلام : " لا يعلم ما في غد إلا الله عز وجل " . زوجت عائشة امرأة كانت عندها فهدوها إلى زوجها ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " ألا أرسلتم معها من يقول : أتيناكم أتيناكم . . . فحيانا ، وحياكم فإن الأنصار قوم فيهم غزل " . قال بعضهم : دخلت على ابن مسعود وقرظة وثابت بن زيد ، فإن عندهم جوار يغنين ، فقالوا : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد رخص لنا في اللهو . وروي : أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أتى يوماً أطم حسان بن ثابت ، فكانت سيرين جاريته تضرب بالعود وتغني : هل علي ويحكما . . . إن لهوت من حرج فقال عليه السلام : " لا إن شاء الله " . وسيرين هذه أخت مارية أم إبراهيم رضي الله عنه ، وكان المقوقس أهداهما إلى النبي (صلى الله عليه وسلم ) ، فوهب سيرين لحسان بن ثابت .

حكى بعضهم أنه سمع أبا سفيان يمازح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ابنته أم حبيبة ، ويقول : والله إن هو إلا أن تركتك فتركتك العرب . فما انتطحت جماء ولا ذات قرن ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يضحك ويقول : أأنت تقول ذاك يا أبا حنظلة . وروي أن رجلاً عدا على امرأة فقبلها ، فأتت النبي عليه السلام فشكت ذلك إليه ، فقال : ما تقول هذه ؟ قال : صدقت ، فأقصها يا رسول الله ، فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال : أو لا تعود ؟ قال : أو لا أعود . وروي أن جارية كانت عند ميمونة زج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فسأل عنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : اشتكت عيناها . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : استرقوا لها فإنه أعجبني عييناها . وقال خوات بن جبير : نزلت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الظهران ، فخرجت من خبائي ، فإذا نسوة جوالس يتحدثن ، فأعجبنني ، فرجعت فاستخرجت حلة لي من عيبة لي . فلبستها ، ثم أتيتهن فجلست إليهن ، وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قبته . فقال : يا أبا عبد الله ، ما أجلسك إليهن ؟ قال : فهبته حين رأيته ، وقلت : يا رسول الله ، جمل لي شرود ، وأنا ابتغي له قيداً . فمضى عليه السلام وتبعته ، ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال : أبا عبد الله ، ما فعل شراد جملك ؟ فتعجلت إلى المدينة فاجتنبت المسجد ومجالسة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما طال ذلك عليّ تحينت ساعة خلوة المسجد ، فدخلت وجعلت اصلي ، وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بعض حجره ، فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم جلس ، وطولت رجاء أن يذهب ويدعني ، فقال : طول أبا عبد الله ما شئت ، فلست قائماً حتى تنصرف ، فقلت في نفسي : لأعتذرن إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلأبرئن صدره ، فانصرفت ، فقال : السلام عليك أبا عبد الله ، ما فعل شراد ذلك الجمل ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت . فقال : رحمك الله . ثم لم يعد لي في شيء مما كان يقول . وروي : أنه ( صلى الله عليه وسلم ) رجع من بعض غزواته ، فاستقبلته جارية ، من جواري المدينة ، فقالت : يا رسول الله ، إني نذرت إن ردك الله صالحاً أن اضرب بين يديك بالدف . فقال (صلى الله عليه وسلم ) : إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا . قال : فضربت ، ثم جاء أبو بكر وهي تضرب ، وجاء عليّ كرم الله وجهه وهي تضرب ، ثم جاء عمر رضي الله عنه فألقته وقعدت عليه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إن الشيطان ليفرق منك يا عمر . شكا عيينة بن حصن إلى نعيمان صعوبة الصيام عليه ، فقال له : صم بالليل فروي أنه دخل عيينة على عثمان رضي الله عنه وهو يفطر في شهر رمضان . فقال : العشاء . فقال : أنا صائم . قال عثمان رضي الله عنه : الصوم بالليل ؟ قال : هو أخف عليّ . فيقال : إن عثمان قال : إحدى هنات نعيمان . وروى بعضهم : أنه رأى عمرو بن العاص في مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) واضعاً إحدى يديه على الأخرى يتغنى بالشعر . كان رجل يهدي للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) العكة من السمن أو العسل ، فإذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء به إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيقول : أعط هذا ثمن متاعه ، فما يزيد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أن يبتسم ، ويأمر فيعطى . دخل صهيب على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوماً ، وعينه تشتكي ، فقال : يا صهيب ، أتأكل التمر على علة عينك ؟ فقال : يا رسول الله ، إنما آكله على الشق الصحيح ، فضحك عليه السلام حتى بدت نواجذه . وقيل لسفيان الثوري : المزح هجنة ؟ قال : بل سنة . حكى عن أسلم مولى عمر أنه قال : كنت أنا وعاصم بن عمر وعبد الله بن عمر في سفر ، فغنينا بين يديه ، فقال ابن عمر : كلاكما غير محسن ، مثلكما مثل حماري العبادي حين قيل له : أي حماريك شر ؟ قال : هذا ، ثم هذا . كان نعيمان من الصحابة وممن شهد بدراً ، وكان كثير العبث ، فمر يوماً بمخرمة بن نوفل الزهري - وهو ضرير - فقال له : قدني حتى أبول. فأخذ بيده حتى إذا كان في مؤخر المسجد قال : اجلس . فجلس يبول ، وصاح به الناس :

يا أبا المسور إنك في المسجد . فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان . قال : لله عليّ أن أضربه ضربة بعصاي إن وجدته . فبلغ ذلك نعيمان . فجاء يوماً فقال : يا أبا المسور ، هل لك في نعيمان ؟ قال : نعم . قال : هو ذا يصلي ، وأخذ بيده فجاء به إلى عثمان رضي الله عنه وهو يصلي ، وقال : هذا نعيمان . فعلاه بعصاه . وصاح الناس : ضربت أمير المؤمنين . فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان . قال : لا جرم . لا عرضت له بشر أبداً . وكان نعيمان يصيب الشراب ، وكان يؤتى به النبي عليه السلام فيضربه بنعليه ، ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم ، ويحقون عليه التراب ، فلما كثر ذلك قال له رجل : لعنك الله . فقال عليه الصلاة والسلام : لا تفعل ؛ فإنه يحب الله ورسوله . نظر أبو حازم المديني - وكان من اعبد الناس وأزهدهم - إلى امرأة تطوف بالبيت مسفرة ، أحسن من خلق الله وجهاً، فقال : أيتها المرأة اتق الله ، فقد شغلت الناس عن الطواف . فقالت : أو ما تعرفني ؟ قال : من أنت ؟ فقالت : من اللاء لم يحججن يبغين حسبة . . . ولكن ليقتلن البريء المغفلا فقال : فإني أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه الحسن بالنار ، فبلغ ذلك سعيد بن المسيب ، فقال رحمه الله : أما والله لو كان بعض بغضاء عباد العراق لقال : أعزبي يا عدوة الله ، ولكنه ظرف أهل الحجاز . حج الأعمش ، فلما أحرم لاحاه الجمال في شيء ، فرفع عكازه فشجه به ، فقيل له : يا أبا محمد ؛ وأنت محرم ؟ فقال : إن من تمام الإحرام شج الجمال .

قال بعضهم : شيعت عبد العزيز بن المطلب المخزومي ، وهو قاضي مكة إلى منزله ، وبباب المسجد مجنونة تقول: أرّق عيني ضراط القاضي . فقال أتراها تعني قاضي مكة ؟ . خرج الأعمش يوماً وهو يضحك ، فقال لأصحابه : أتدرون مم أضحك ؟ قالوا : لا . قال : إني كنت قاعداً في بيتي ، فجعلت ابنتي تنظر في وجهي ، فقلت : يا بنية ، ما تنظرين في وجهي ؟ قالت : أتعجّب من رضا أمي بك . قال بعضهم : كنا عند الشعبي جلوساً ، فمر حمال على ظهره دن خل ، فلما رأى الشعبي وضع الدن ، وقال للشعبي : ما كان اسم امرأة إبليس ؟ قال : ذاك نكاح ما شهدناه. وسأله آخر عن أكل الذبان ، فقال : إن اشتهيت فكل . وسئل عن لحم الشيطان ؟ فقال : نحن نرضى عنه بالكفاف . قال ابن عمر لجاريته وأراد مزاحها : خالقي خالق الكرام ، وخالقك خالق اللئام . وسأل رجل الشعبي عن المسح على اللحية ، فقال : خللها بأصابعك . فقال : أخاف ألا تبلها . قال الشعبي : إن خفت فانقعها من أول الليل . وسأله آخر : هل يجوز للمحرم أن يحك جسده ؟ قال : نعم . قال : مقدار كم ؟ قال : حتى يبدو العظم . وروى في مجلسه حديث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " تسحروا ولو أن يضع أحدكم إصبعه على التراب ثم يضعه في فيه " فقال رجل : أي الأصابع ؟ فتناول الشعبي إبهام رجله وقال : هذه . وسأله رجل فقال : هل أسلم على القوم وهم يأكلون ؟ فقال : إن أردت أن تأكل معهم فسلم .

جاء رجل إلى أبي حنيفة فقال له : إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر لأغتسل فإلى القبلة أفضل أن أتوجه أو إلى غير القبلة ؟ فقال له : الأفضل أن يكون وجهك إلى ثيابك التي تنوعها لئلا تسرق . ودخل رجل على الشعبي وهو في المسجد ومعه امرأة فقال : أيكما الشعبي ؟ فقال : هذه . وأشار إلى المرأة . خرج الأعمش يوماً إلى جماعة حضروا مجلسه ليحدثهم وهو يضحك ، فسألوه عن ضحكه فقال : طلبت مني ابنتي قطعة ، فقلت لها : ليس معي . فقالت لأمها : أنت ما وجدت أحداً تتزوجين به غير هذا ؟ . وجاء إليه رجل فقال : يا أبا محمد اكتريت حماراً بنصف درهم، وجئتك لتحدثني . فقال له : اكتر بالنصف الآخر وارجع ، فما أريد أن أحدثك . سئل ابن سيرين عن إنشاد الشعر : هل ينقض الشعر الوضوء أم لا ؟ . وكان قائماً يصلي فقال : ألا أصبحت عرس الفرزدق جامحاً . . . ولو رضيت رشح استه لاستقرت ثم كبر . قال الشعبي : رأيت ابن عمر واضعاً إحدى رجليه على الأخرى وهو ينشد : يحب الشرب من مال الندامى . . . ويكره أن تفارقه الفلوس قال بشر المريسي لعبادة - وقد قال له : كيف أنت يا أبا عبد الرحمن ، وكيف أنفك ؟ وكان أنف بشر كبيراً - : ويحك يا عبادة ، ما تدع ضلالتك . عنايتك موكلة بكل ناتئ في البدن .

جاء رجل إلى ابن سيرين ، فقال : إذا خلوت بأهلي تكلمت بكلام أستحي منه ، فقال : أفحشه ألذه . قال ابن عياش : رأيت على الأعمش فروة مقلوبة ، صوفها خارج ، فأصابنا مطر ، فمررنا بكلب ، فتنحى الأعمش وقال : لا يحسبنا شاة . وكان يلبس قميصه مقلوباً قد جعل دروزه خارجه ويقول : الناس مجانين ، يجعلون الخشن إلى داخل ، مما يلي جلودهم . وكان يقول : إذا رأيتم الشيخ لا يحسن شيئاً فاصفعوه . قال عيسى بن موسى ، وهو يلي الكوفة ، لابن أبي ليلى : اجمع الفقهاء واحضروني . فجاء الأعمش في جبة فرو وقد ربط وسطه بشريط . فابطئوا ، فقام الأعمش فقال : إن أردتم أن تعطونا شيئاً ، وإلا فخلوا سبيلنا ، فقال عيسى لابن أبي ليلى : قلت لك تأتيني بالفقهاء فجئتني بهذا قال : هذا سيدنا الأعمش . قال عثمان الصيدلاني : شهدت إبراهيم الحربي ، وقد أتاه حائك في يوم عيد ، فقال : يا أبا إسحاق ، ما تقول في رجل صلى صلاة العيد ، ولم يشتر ناطقاً ، ما الذي يجب عليه ؟ فتبسم إبراهيم ، ثم قال : يتصدق بدرهمين خبزاً . فلما مضى قال : ما علينا أن يفرح المساكين من مال هذا الأحمق . قال داود الحائك للأعمش : ما تقول في الصلاة خلف الحائك ؟ قال : لا بأس بها على غير وضوء . قال : فما تقول في شهادة الحائك؟ قال : تقبل شهادته مع شاهدين عدلين ، فالتفت الحائك وقال : هذا ولا شيء واحد . قال بعضهم : صرنا إلى باب الأعمش ، فرأيناه واقفاً ببابه ، فلما رآنا أسرع الدخول ، ثم أسرع الخروج ، فقلنا له في ذلك ، فقال : رأيتكم فأبغضتكم ، فدخلت إلى من هو ابغض منكم فخرجت إليكم .

كان المتوكل يلعب بالنرد مع الفتح بن خاقان ، فقيل له : يحيى بن أكثم يستأذن . فأمر برفع النرد ، ودخل يحيى ، فلما جلس قال له : يا يحيى ، إن فتحاً احتشمك وأمر برفع النرد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لم يكن به احتشامي ، ولكنه خاف أن أعلم عليه . كان للأعمش ابن يتنسك ، فكان أبوه يتوقر بحضرته ، وكان فيه دعابة ، فقال يوماً : اشهدوا على ابني هذا أنه ابني لا يدعى غداً أنه أبى . دخل أبو حنيفة - رحمة الله عليه - على الأعمش يعوده فقال : يا أبا محمد ، لولا أنه يثقل عليك لعدتك في كل يوم . قال : أنت تثقل عليّ وأنت في بيتك ، فكيف في بيتي ؟ . كان أبو يوسف يكتب كتاباً ، وعن يمينه رجل يلاحظ ما يكتب ، وفطن به أبو يوسف ، فلما فرغ من الكتاب التفت إلى الرجل ، فقال : هل رأيت سقطاً ؟ قال : لا . قال أبو يوسف : جزيت عن الغباوة خيراً .

قال المنصور يوماً لعبد الله بن عياش المنتوف : قد بغضت إليّ صورتك عشرتك ، وحلفت بالله لئن نتفت شعرة من لحيتك لأقطعن يدك . فأعفاها حتى اتصلت ، فكان عنده يوماً وحدثه بأحاديث استحسنها ، فقال له : سل حاجتك . فقال : نعم يا أمير المؤمنين ، تقطعني لحيتي أعمل بها ما أريد . فضحك المنصور وقال له : قد فعلت . خطب باقلاني إلى قوم وذكر أن الشعبي يعرفه ؛ فسألوه عنه فقال : إنه لعظيم الرماد كثير الغاشية . حكى أن أبا عمر القاضي كان يسير مع بعض العدول في صحراء ، فسمعا صوت الرباب من يد حاذق ، فقال العدل : ما أحسن هذا الضرب فقال أبو عمر : الضرب ، الضرب ، - كأنه ينكر - هذا هو السحر ، فقال العدل : القاضي أعزه الله أحذق مني بالصناعة . قيل : إنه لم يعرف لعلي بن عيسى الوزير مزح قط ، ولا سقطة في اللفظ إلا اليسير ، فمن ذلك أنه قطع أرزاق الصفاعنة ، فاجتمعوا ووقفوا على طريقه ، فلما قرب منهم وضعوا عمائمهم ، وصفع بعضهم بعضاً صفعاً عظيماً . فقال : نطلق لهم أرزاقهم ؛ فإن عملهم صعب . ومن ذلك أن غلاماً من أولاد الحجرية توفي أبوه ، فأسقط رزقه ، فاستعان على الوزير بأبي بكر بن مجاهد ، وكان قريباً من قلبه وسأله مسألة الوزير فيه ، فكتب له أبو بكر رقعة ، فيها أنه من أولاد الحجرية ، وأن من حاله كيت وكيت وأنه يصلح ، فلما قرأها علي بن عيسى كتب بعد " يصلح " : لحمل السلاح ، ثم وقع فيها برد أرزاق أبيه عليه . جاز الأعمش يوماً بابن له صغير وهو عريان ، يلعب في الطين مع الصبيان فلم يثبته ، فقال لبعض من كانوا معه : انظر إلى هذا ، ما أقذره من صبي وأطفسه ويجوز أن يكون أبوه أقذر منه . فقال له صاحبه : هذا ابنك محمد . ففتح عينيه ومسحهما ، ونظر إليه وتأمله ، ثم قال : انظروا إليه بحق الله عليكم ، كيف يتقلب في الطين كأنه شبل ؟ عين الله عليه .

قيل للأعمش : ما تصنع عند مظهر أخي يقطين ؟ قال : آتيه كما آتي الحش إذا كانت بي إليه حاجة . ومرض فعاده رجل ، وأطال الجلوس ثم قال له : يا أبا محمد ، ما أشد ما مر بك في علتك هذه ؟ قال : دخولك إليّ . وعاده آخر فقال : كيف تجدك ؟ قال : في جهد من رؤيتك ، قال : ألبسك الله العافية . قال : نعم ، منك . حضر يحيى بن أكثم مجلس المتوكل ، وتغدى ، ثم حضر الشراب والغناء ، فقال له المتوكل : يا يحيى ، قد كثر التخليط ، وليس هذا وقتك . فقال يحيى بن أكثم : ما كنتم إلى قاض قط أحوج منكم إليه إذا كثر التخليط . فضحك وأمر له بمال . أقر رجل عند شريح بشيء ، ثم ذهب لينكر ، فقال شريح : قد شهد عليك ابن أخت خالتك . يعني : أنك أقررت على نفسك . اشترى رجل من رجل شاة فإذا هي تأكل الذبان ، فخاصمه إلى شريح فقال : لبن طيب وعلف مجان . مر شريح بمجلس لهمدان فسلم ، فردوا عليه وقاموا له فرحبوا . فقال : يا معشر همدان ، إني لأعرف أهل بيت منكم لا يحل لهم الكذب . قالوا : من هم يا أبا أمية ؟ قال : ما أنا بالذي أخبركم بهم . قال : فجعلوا يسألونه وتبعوه ميلاً أو قرابة ميل ، ويقولون : يا أبا أمية من هم ؟ وهو يقول : لا أخبركم ، فانصرفوا عنه وهم يتلهفون ويقولون : ليته أخبرنا بهم . قال ابن أبي ليلى : انصرفت مرة مع الشعبي من مجلس القضاء أنا وجرير بن يزيد - وهو يمشي بيننا - فمررنا بخادمة سوداء تغسل ثوباً في إجّان على باب دار ، وهي تقول : فتن الشعبي لما . . . فتن الشعبي لما وتكرره ، فلما رأته سكتت فقال الشعبي : رفع الطرف إليها وقال : أردت أن يخرج اسمي من فمها .

دخل الشعبي وليمة فقال : ما بالكم كأنكم اجتمعتم على جنازة ؟ أين الغناء والدف ؟ قال الأعمش لجليس له : تشتهي سمكاً زرق العيون بيض البطون ، سود الظهور ، وأرغفة باردة لينة ، وخلاً حاذقاً ؟ قال : نعم . قال : فانهض بنا . قال الرجل : فنهضت معه ودخل ودخلت معه . فقال : جر تلك السلة . قال : فكشفتها فإذا فيها رغيفان يابسان وسكرجة وكامخ وشبث ، فجعل يأكل وقال : تعال وكل . قلت : فأين السمك ؟ قال : ما قلت لك إن عندي سمكاً ، إنما قلت لك : أتشتهيه ؟ . واشترى جارية فقال له أصحابه : كيف رأيتها ؟ قال : فيها من صفة الجنة خصلتان : برد وسعة . وحدّث سليمان مولى الشعبي ، أن الشعبي كان إذا اختضب فغرض لاعب ابنته بالنرد حتى يعلق الخضاب . قال حفص بن غياث : أتيت باب الأعمش فسألته عن حديث ، فألجأني إلى الحائط ، وعصر حلقي وأفلتني ، فعدوت وقلت : والله لأشكونك إلى أبي . فقال : ردوه ، لا يقعد لنا في طريق الخير . وكان غياث أبوه يجرى على الأعمش ذكر أن ميسرة المكي قال : لما نفى المتوكل يحيى بن أكثم إلى مكة كنا ندخل إليه ، فذكرت له فأراد مداعبتي ليتسقطني فقال : كم سنك ؟ قلت : أعزك الله ، أنا أذكر موت الرشيد ، وأنا قابض على لحيتي . وقبض على لحيته . قال : فاشتغل يحيى بالحساب ، وبقي الناس ينظرون ، ثم فطن فتبسم وقال : نعم أنا أذكر موت آدم وأنا قابض على لحيتي . قال : ولم يعد إلى شيء من مداعبتي . وسأل يحيى عن أخبار الناس فقيل له : ولّي بغا الكبير حرب دمشق ، وجعل له أنه أمير كل موضع دخله . فقال يحيى : وإن دخل من حيث خرج ؟

وذكر عنده البراق يوماً ، فقال : قد رووا أنه دون البغل وفوق الحمار ، وأن خطوه منتهى بصره . فإن كان على ذلك فهو شبكور . فكان الناس يطعنون في دينه لهذا الكلام وأمثاله ؟ وقال لرجل من أمنائه يكنى أبا عوف : نصف كنيتك يطفئ السراج . وكان يغشاه رجل يدعى الحارث ، ويكنى أبا الأسد ، فقال له : أنت الأسد أبو الحارث ؟ فقال: أصلحك الله أنا الحارث أبو الأسد . قال : أنت في الرجال أم أنتها في النساء ؟ . وكان إسماعيل بن إسحاق يصحب يحيى بن أكثم ، فركب يحيى يوماً يريد العبور على الجسر على حمار ، وإسماعيل معه على حمار له مع أصحابه ، فامتنع حمار يحيى من العبور ، فتقدم إسماعيل وعبر حماره ، وتبعه حمار يحيى وحمير من كانوا معه من أصحابه. فقال إسماعيل : حماري يتقدم حميركم ، كذا صاحبه يتقدمكم . فقال يحيى بالحمارية وروى عن أبي رشدين قال : رأيت أبا هريرة يلعب بالسدر . وقال أنس : قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللأنصار يومان يلعبون فيهما ، فقال : " قد أبدلكما الله خيراً منهما : الفطر والنحر " . وأمر عليه السلام علياً في أيام التشريق أن ينادي : إنها أيام أكل وشرب وبعال . وكان أبو حازم من المشهورين في الزهد والنسك ، وكان يجلس في المسجد الحرام ، وكان النساء يمررن على النوق في الهوادج ، فكان إذا مرت الحسناء البارعة قال من حضر من القرشيين : بارقة وإذا مرت قبيحة سكتوا ، فمرت بهم يوماً قبيحة وسكتوا ، فقال أبو حازم : صاعقة فتعجبوا من ذلك مع زهده . ويقال : إنه لم يمزح عمر بن عبد العزيز بعد الخلافة إلا مرتين : إحداهما أن عديّ بن أرطأة كتب إليه يستأذنه في أن يتزوج ابنة أسماء بن خارجة ، فكتب إليه :

أما بعد ، فقد أتاني كتابك تستأذن في هند ، فإن يكن بك قوة فأهلك الأولون أحق بك وبها . وإن يكن بك ضعف فأهلك الأولون أعذر لك ، ولكن الفزاريّ ، والسلام . يريد بذلك قول الشاعر : إن الفزاري لا ينفك مغتلماً . . . من النواكه دهداراً بدهدار وأما الثانية ، فإن رجلاً من أهل أمج يقال له : حميد ، هجاه ابن عم له فقال : حميد الذي أمج داره . . . أخو الخمر والشيبة الأصلع فقد مر حميد بعد ذلك على عمر ، ولم يعرفه فقال له : من أنت ؟ قال : أنا حميد . فقال عمر : الذي أمج داره ؟ فقال : والله يا أمير المؤمنين ما شربتها منذ عشرين سنة . فقال : صدقت ، وإنما أردت أن أبسطك . وجعل يعتذر إليه . كان الشعبي كاتباً لبشر بن مروان ، فدخل عليه يوماً وعنده جارية تغنيه، فاحتشم منه بشر ، فقال الشعبي : إن الرجل لا يستحي من كاتبه وخادمه ، فأمرها بشر فغنت ، وقال له : كيف تسمع ؟ فقال : الصغير أكيسها . يعني الزير .