الجزء الثاني - الباب السابع : الجوابات المسكتة الحاضرة

الباب السابع : الجوابات المسكتة الحاضرة

قدم حماد بن جميل من فارس ، فنظر إليه يزيد بن المنجاب وعليه جباب وشي ، فقال : " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً " . فقال حماد : " كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم " . جاء رجل إلى عمر فقال : أعطني فقال : والله لا أعطيك . قال : والله لتعطيني . قال : ولم لا أبالك ؟ قال : لأنه مال الله ، وأنا من عيال الله . قال : صدقت . قال الربيع يوماً بين يدي المهدي لشريك " بلغني أنك خنت أمير المؤمنين . فقال له شريك : مه ، لا تقولن ذاك ، لو فعلنا لأتاك نصيبك . خطب رجل إلى عبد الله بن عباس يتيمة كانت في حجره ، فقال له : لا أرضاها لك . قال : ولم ذاك ؟ قال : لأنها تشرف وتنظر ، وهي مع ذلك برية ، فقال : إني لا أكره ذلك ، فقال ابن عباس : أما الآن فإني لا أرضاك لها . قال معاوية لعمرو بن سعيد : إلى من أوصى بك أبوك ؟ فقال : إن أبي أوصى إليّ ولم يوص بي . وقال عمرو بن العاص لعبد الله بن عباس : اسمع يا ابن أخي . فقال : كنت ابن أخيك . وأنا اليوم أخوك . قال رجل من أهل الحجاز لابن شبرمة : من عندنا خرج العلم . قال : ثم لم يعد إليكم .

قال بلال بن أبي بردة للهيثم بن الأسود : أنا ابن أحذ الحكمين . فقال : أما أحدهما ففاسق ، وأما الآخر فمائق فابن أيهما أنت ؟ . وقال رجل من ولد أبي موسى لشريك : هل كان علي رضي الله عنه يقنت في الفجر ؟ فقال : نعم ، ويلعن فيه أباك . دخلت وفود على عمر بن عبد العزيز ، فأراد فتى منهم الكلام ، فقال عمر : ليتكلم أسنكم . فقال الفتى : يا أمير المؤمنين إن قريشاً لترى فيها من هو أسن منك . فقال : تكلم يا فتى . لقي محمد بن أسباط عبد الله بن طاهر في جبة خز ، فقال : يا أبا جعفر ، ما خلفت للشتاء ؟ قال : خلع الأمير . قال ابن الزيات لبعض أولاد البرامكة: من أنت ، ومن أبوك ؟ قال : أبي الذي تعرفه ، ومات وهو لا يعرفك . كان لشيطان الطاق ابن محمق ، فقال أبو حنيفة له : أنت من ابنك هذا في بستان . قال : هذا لو كان إليك . دخل بعضهم على عبد الملك ، فقال : الحمد لله الذي ردك على عقبيك . فقال : ومن رد إليك فقد رد على عقبيه ، فسكت . لما قال مسكين الدارمي : ناري ونار الجار واحدة . . . وإليه قبلي تنزل القدر قالت امرأته : صدق ؛ لأنها نار الجار وقدره . قال الرشيد لإسماعيل بن صبيح : وددت أن لي حسن خطك . فقال : يا أمير المؤمنين ، لو كان حسن الحظ مكرمة ، لكان أولى الناس بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . وقال عمر بن عبد العزيز لرجل : من سيد قومك ؟ قال : أنا . قال : لو كنت سيدهم ما قلت .

وقال معاوية لعقيل ليلة الهرير : أنت معنا يا أبا يزيد ؟ قال : ويوم بدر كنت معكم . دخل شاب من بني هاشم على المنصور ، فسأله عن وفاة أبيه ، فقال : مرض رضي الله عنه يوم كذا ، ومات رحمه الله يوم كذا ، وترك رضي الله عنه من المال كذا ؛ فانتهره الربيع وقال : بين يدي أمير المؤمنين توالى الدعاء لأبيك فقال الشاب له : لا ألومك ؛ لأنك لم تعرف حلاوة الآباء . قال : فما علمنا أن المنصور ضحك في مجلسه قط ضحكاً افترّ عن نواجذه إلا يومئذ . قال بعضهم وقد باع ضيعة من آخر له : أما والله لقد أخذتها ثقيلة المئونة ، قليلة المعونة . فقال : وأنت والله لقد أخذتها بطيئة الاجتماع ، سريعة التفرق . قال رجل لعمرو بن العاص : والله لأتفرّغنّ لك . فقال : هناك والله وقعت في الشغل . قيل لأبي الأسود الدؤلي : أشهد معاوية بدراً ؟ قال : نعم ، من الجانب الآخر . قال الحجاج لصالح بن عبد الرحمن الكاتب : إني فكرت فيك فوجدت مالك ودمك لي حراماً . قال : أشد ما في هذا أيها الأمير واحدة . قال : وما هي ؟ قال : أن هذا بعد الفكرة . يريد : أن هذا مبلغ عقلك . نظر ثابت بن عبد الله بن الزبير إلى أهل الشام فشتمهم ، فقال له سعيد بن خالد بن عثمان بن عفان : إنما تنتقصهم لأنهم قتلوا أباك . قال : صدقت لقد قتلوا أبي ، ولكن المهاجرين والأنصار قتلوا أباك . خطب أبو الهندي - وهو خالد بن عبد القدوس بن شيث بن ربعي - ، إلى رجل من بني تميم ؛ فقال له : لو كنت مثل أبيك لزوجتك ، فقال : أبو الهندي : لكن لو كنت مثل أبيك ما خطبت إليك. ووقف عليه نصر بن سيار وهو سكران ، فسبه ، وقال له : ضيعت شرفك . فقال : لولا أني ضيعت شرفي لم تكن أنت والي خراسان .

جلس محمد بن عبد الملك يوماً للمظالم ، وحضر في جملة الناس رجل زيه زي الكتاب ، فجلس بإزائه ، ومحمد ينفذ الكلام ، وهو لا يتكلم . ومحمد يتأمله ، فلما خف مجلسه قال له : ما حاجتك ؟ قال : الساعة أذكرها . فلما خلا المجلس تقدم وقال : جئتك أصلحك الله متظلماً . قال : ممن ؟ قال : منك . قال : مني ؟ قال : نعم . ضيعة لي في يد وكيلك يحمل إليك غلتها ويحول بيني وبينها . قال : فما تريد ؟ قال : تكتب بتسليمها إليّ . قال : هذا نحتاج فيه إلى شهود وبينة وأشياء كثيرة . قال الرجل : الشهود هم البينة و " أشياء كثيرة " عيّ منك . فخجل محمد وهاب الرجل ، وكتب له بما أرضاه . قال الحجاج ليحيى بن سعيد بن العاص : أخبرني عبد الله بن هلال صديق إبليس أنك تشبه إبليس . قال : وما ينكر الأمير أن يكون سيد الإنس يشبه سيد الجن . لما هرب ابن هبيرة من خالد بن عبد الله القسري قال له : أبقت إباق العبد . فقال له : نعم حين نمت نومة الأمة عن عجينها . دخل رجل من ولد قتيبة بن مسلم الحمام ، وبشار بن برد في الحمام ، فقال : يا أبا معاذ وددت أنك مفتوح العين . قال : ولم ؟ قال : لترى استي فتعرف أنك قد كذت في شعرك حيث تقول : على أستاه سادتهم كتاب . . . " موالي عامر " وسم بنار قال : غلطت يا ابن أخي . إنما قلت : على أستاه سادتهم ، وليست منهم . دخل إياس بن معاوية الشام وهو غلام ، فقدم خصماً له - وكان شيخاً كبيراً - إلى قاضي عبد الملك ، فقال له القاضي : أتقدم شيخاً كبيراً ؟ قال : الحق أكبر منه . قال : اسكت. قال : فمن ينطق بحجتي ؟ قال : لا أظنك تقول حقاً حتى تقوم . قال : لا إله إلا الله . فقام القاضي فدخل على عبد الملك من ساعته فأخبره بالخبر . فقال : اقض حاجنه الساعة ، وأخرجه من الشام ، لئلا يفسد علينا الناس . ودخل عبيد الله بن زياد بن ظبيان - وكان أفتك الناس وأخطب الناس - على عبد الملك ، فأراد أن يقعد معه على السرير ، فقال له عبد الملك : ما بال الناس يزعمون أنك لا تشبه أباك ؟ قال : والله لأنا أشبه بأبي من الليل بالليل ، والغراب بالغراب ، والماء بالماء ، وإن شئت أنبأتك عمن لا يشبه أباه . قال : ومن ذلك ؟ قال : من لم يولد لتمام ، ولم تنضجه الأرحام ، ومن لم يشبه الأخوال والأعمام . قال : ومن ذاك ؟ قال : ابن عمي سويد بن منجوف . قال : أو كذلك أنت يا سويد ؟ قال : نعم . ولما خرجا من عنده أقبل سويد وقال : وريت بك زنادي . والله ما يسرني أنك كنت نقصته حرفاً وأن لي حمر النعم . قال : والله وأنا ما يسرني بحلمك اليوم عني سود النعم . وإنما أراد عبيد الله بذلك عبد الملك ؟ فإنه كان ولد سبعة أشهر . وعبيد الله هو الذي أتى باب مالك بن مسمع ، ومعه نار ليحرق عليه داره ، وقد كان نابه أمر فلم يرسل إليه قبل الناس ، فأشرف عليه مالك ، فقال : مهلاً يا أبا مطر . والله إن في كنانتي سهم أنا أوثق به مني بك . قال : وإنك لعدّني في كنانتك ، فوالله أو لو قمت فيها لطلتها ، ولو قعدت فيها لخرقتها . قال : مهلا ، أكثر الله في العشيرة مثلك . قال : لقد سألت ربك شططاً . قال رجل لرقبة بن مصقلة : ما أكثرك في كل طريق . فقال له : لم تستكثر مني ما تستقله من نفسك ؟ هل لقيتني في طريق إلا وأنت فيه ؟ ولما دخل إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة البصرة قال : هممت أن أؤدب من خالف أبا حنيفة في مسألة . قال له قائل : هل كان أبو حنيفة يؤدب من خالفه ؟ قال : لا . قيل له ، فأدّب نفسك فقد خالفته . حدث بعضهم قال : خرجت في حاجة فلما كنت بالسيالة وقفت على باب ابن هرمة فصحت : يا أبا إسحاق ، فأجابتني ابنته قالت : خرج آنفاً . قال :

فقلت : هل من قرىً ، فإني مقو من الزاد . قالت : لا والله . قلت : فأين قول أبيك : لا أمتع العود بالفصال ، ولا. . . أبتاع إلا قريبة الأجل قالت : فذاك أفناها . قال المهدي يوماً لشريك ، وعيسى بن موسى عنده : لو شهد عندك عيسى كنت تقبله ؟ وأراد أن يغرى بينهما . فقال شريك : من شهد عندي سألت عنه ، ولا يسأل عن عيسى غير أمير المؤمنين ، فإن زكيته قبلته . فقبلها عليه . قيل لسعيد بن المسيب وقد كف : ألا تقدح عينك . قال : حتى أفتحها على من ؟ قال مروان يوم الزاب لحاجبه وقد ولى منهزماً : كر عليهم بالسيف . فقال : لا طاقة لي بهم . فقال : والله لئن لم تفعل بهم لأسوءنك . قال : وددت أنك تقدر على ذلك . ركب الرشيد وجعفر بن يحيى يسايره ، وقد بعث عليّ بن عيسى بهدايا خراسان بعد ولاية الفضل بن يحيى ، فقال الرشيد لجعفر : أين كان هذا في أيام أخيك ؟ قال : في منازل أهله . قال بحيرا الراهب لأبي طالب : احذر على ابن أخيك ، فإنه سيصير إلى كذا وكذا . قال : إن كان الأمر كما وصفت فإنه في حصن من الله . قال رجل مطعون النسب لأبي عبيدة لما عمل كتاب المثالب : سببت العرب جميعاً . قال : وما يضرك ؟ أنت خارج من ذلك . قيل لإياس بن معاوية : إنك لتعجب برأيك . قال : لو لم أعجب به لم أقض به . قال رجل لعامر بن الطفيل : استأسر . قال : بيت أمك لا يسعني .

قال الرشيد ليزيد بن مزيد في لعب الصوالجة : كن مع عيسى بن جعفر . فأبى ، فغضب الرشيد وقال : أتأنف أن تكون معه ؟ قال : قد حلفت لأمير المؤمنين ألا أكون عليه في جد ولا هزل . دخل الحجاج دار عبد الملك ، فقال له خالد بن يزيد : ما هذا السيف ، وإلى متى هذا القتل ؟ قال : ما دام بالعراق رجل يشهد أن أباك كان يشرب الخمر . قيل لأبي عبيدة : " الأصمعي دعيّ " . قال : ليس في الدنيا أحد يدعي إلى أصمع . وقع في بعض الثغور نفير ؛ فخرج رجل ، ومعه قوس بلا نشاب ، فقيل له : أين الشباب ؟ قال : يجئ الساعة إلينا جزاءً من عند العدو . قالوا : فإن لم يجئ ؟ قال : إن لم يجئ لم تكن بيننا وبينهم حرب . قال رجل لهشام بن الحكم أليس اختصم العباس وعليّ إلى عمر ؟ قال : بلى . قال : فأيهما كان الظالم ؟ قال : ليس فيهما ظالم . قال : يا سبحان الله ، كيف يتخاصم اثنان وليس فيهما ظالم ؟ قال : كما تخاصم الملكان إلى داود عليه السلام وليس فيهما ظالم . قال رجل لشريك : أخبرني عن قول عليّ رضي الله عنه لابنه الحسن : ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين سنة . أقاله وهو شاكّ في أمره ؟ قال : له شريك : أخبرني عن قول مريم : " يا ليتني مت قبل هذا " . أقالته وهي شاكة في عفتها ؟ فسكت الرجل . استأذن أبو سفيان على عثمان رضي الله عنه فحجبه ، فقيل له : حجبك أمير المؤمنين . فقال : لا عدمت من قومي من إذا شاء حجبني . دخل الوليد بن يزيد على هشام ، وعلى الوليد عمامة وشي ، فقال هشام : بكم أخذت عمامتك ؟ قال : بألف درهم . فقال هشام : عمامة بألف ؟ - يستكثر ذلك - فقال الوليد : يا أمير المؤمنين إنها لأكرم أطرافي . وقد اشتريت أنت جارية بعشرة آلاف درهم لأخس أطرافك .

بات المفضل الضبي عند المهدي . فلم يزل يحدثه وينشده حتى جرى ذكر حماد الراوية ، فقال له المهدي : ما فعل عياله ؟ ومن أين يعيشون ؟ قال : من ليلة مثل هذه كانت له مع الوليد بن يزيد . لما قال أبو العتاهية : فاضرب بطرفك حيث شئ . . . ت ، فلن ترى إلا بخيلا قيل له : بخلت الناس كلهم . قال : فأكذبوني بواحد . دعا أبو جعفر المنصور أبا حنيفة إلى القضاء . فأبى ، فحبسه ، ثم دعا به ، فقال له : أترغب عما نحن فيه ؟ فقال : أصلح الله أمير المؤمنين ، لا أصلح للقضاء . فقال : كذبت . فقال أبو حنيفة : قد حكم عليّ أمير المؤمنين أني لا أصلح للقضاء ، لأنه نسبني إلى الكذب ، فإن كنت كاذباً فأنا لا أصلح ، وإن كنت صادقاً ، فإني قد صدقت عن نفسي أني لا أصلح . فرده إلى الحبس . قال الحسن بن سهل : ما نكأ قلبي كقول خاطبني به أعرابي يحج يوماً بالعرب ، فقلت له : رأيت منازلكم وخيامكم تلك الصغار ، فقال لي بالعجلة : فهل رأيت فيها من ينكح أمه أو أخته ؟ قال رجل لآخر : ألا تستحيي من إعطاء القليل ؟ فقال : الحرمان أقل منه . شكا يزيد بن أسيد إلى المنصور ما ناله من العباس بن محمد أخيه ، فقال المنصور : اجمع إحساني إليك وإساءة أخي ، فإنهما يعتدلان . قال : إذا كان إحسانكم إلينا لإساءتكم . كانت الطاعة منا تفضلا .

كتب ملك الروم إلى ملك فارس : كل شيء تقوله كذب . فكتب إليه : صدقت . أي أني في تصديقك كاذب . قال بعضهم : التقى رجلان في بعض بلاد الهند ، فقال أحدهما للآخر - وكان غريباً - : ما أقدمك بلادنا ؟ فقال : قدمت أطلب علم الوهم . قال : فتوهم أنك قد أصبته ، وانصرف . فأفحمه . قال رجل لسليمان الشاذكوني : أرانيك الله يا أبا أيوب على قضاء أصبهان . فقال له سليمان : إن كان ولا بد فعلى خراجها ، فإن أخذ مال الأغنياء أسهل من أخذ أموال اليتامى . قال رجل من ولد عيسى بن موسى لشريك بن عبد الله حين عزل عن القضاء : يا أبا عبد الله ، هل رأيت قاضياً عزل ؟ قال : نعم ، وولى عهد خلع . قال مصعب بن الزبير لسكينة بنت الحسين : أنت مثل البغلة لا تلدين . قالت : لا والله ، ولكن أبي كرمي أن يقبل لؤمك . قال رجل لآخر : إن قلت كلمة سمعت عشراً . فقال له : لو قلت عشراً . ما سمعت كلمة . قال محمد بن مسعر : كنت أنا ويحيى بن أكثم عند سفيان ، فبكى سفيان . فقال له يحيى : ما يبكيك يا أبا محمد ؟ فقال له : بعد مجالستي أصحاب أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، بليت بمجالستكم . فقال يحيى - وكان حدثاً - : فمصيبة أصحاب أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمجالستك إياهم بعد أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعظم من مصيبتك . فقال : يا غلام ، أظن السلطان سيحتاج إليك . دعا الحجاج رجلاً ليوجهه إلى محاربة عدو ، فقال له : أعندك خير ؟ قال : لا ، ولكن عندي شر . قال : هذا هو الذي أريدك له ، امض لوجهك . أكل أعرابي من بني عذرة مع معاوية ، فجرف ما بين يدي معاوية ، ثم مد يده هاهنا وهاهنا ، ورأى بين يدي معاوية ثريدة كثيرة السمن فجرها ، فقال  معاوية : " أخرقتها لتغرق أهلها " . فقال الأعرابي : لا ، ولكن " سقناه إلى بلد ميت " . لما بنى محمد بن عمران قصراً حيال قصر المأمون ، قيل له : يا أمير المؤمنين ، باراك وباهاك . فدعاه وقال : لم بنيت هذا القصر حذائي ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، أحببت أن ترى أثر نعمتك عليّ ، فجعلته نصب عينيك . فاستحسن جوابه ، وأجزل عطيته. قال رجل لأبي عبيدة : أحب أن تخرج لي أيام عشيرتي - وكان دعيّا - فقال أبو عبيدة : مثلك مثل رجل قال لآخر : اقرأ لي من : " قل هو الله أحد " عشرين آية. قال : لا ، ولكنك تبغض العرب . قال : وما عليك من ذاك ؟ . قال رجل لابنه ، وكانت أمه سرية : يا ابن الأمة. قال : هي عندي أحمد منك . قال : ولم ؟ قال : لأنها ولدتني من حر ، وولدتني من أمة . قالت عجوز : اللهم لا تمتني حتى تغفر لي . فقال زوجها : إذاً لا تموتين أبدا . شاتم أعرابي ابنه فنفاه وقال : لست بابني . فقال : والله لأنا أشبه بك منك بأبيك ، ولأنت كنت على أمي أغير من أبيك على أمك . كان بعضهم يتقلد أعمال السلطان ، فجاء أبوه يوماً فسأله في أمر إنسان ، فاشتد ذلك عليه وضجر منه ، فقال لأبيه : أحب أن أسألك ، إذا جاءك إنسان وقال : كلم ابنك . تسبني وتقول : ليس ذلك بابني ؟ فقال له : أنا أقول هذا منذ ثلاثين سنة فلا يقبل مني . بعث معن بن زائدة إلى ابن عياش المنتوف ألف دينار ، وكتب إليه : قد بعثت إليك ألف دينار ، واشتريت بها دينك . فكتب إليه : وصل ما أنفذت وقد بعتك بها ديني ما خلا التوحيد ، لعلمي بقلة رغبتك فيه .

لما قدم معاوية حاجاً في خمس وأربعين تلقته قريش بوادي القرى ، وتلقته الأنصار بأجزاع المدينة ، فقال : يا معشر الأنصار ، ما منعكم أن تتلقوني حيث تلقتني قريش ؟ قالوا : لم يكن لنا دوابّ . قال : فأين النواضح ؟ قالوا : أنضيناها يوم بدر في طلب أبي سفيان . قال بعضهم لشيطان الطاق : أتحل المتعة ؟ قال : نعم . قال : فزوجني أمك متعة . قال : يا أحمق إذا زوجتك لم تكن متعة ، أما المتعة إذا زجتك نفسها . وكان أبو حنيفة وشيطان الطاق يمشيان ذات يوم إذ سمعا رجلاً يقول : من يدلنا على صبي ذال ؟ فقال شيطان الطاق : أما الصبي فلا أدري ، ولكن إن أردت أن أدلك على شيخ ضال فها هو . وأومأ إلى أبي حنيفة . لما أخذ محمد بن سليمان صالح بن عبد القدوس ليوجه به إلى المهدي ، قال : أطلقني حتى أفكر لك فيولد لك ذكر . قال : بل اصنع ما هو أنفع لك من أن يولد لي ، فكر حتى تفلت من يدي . قال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة : أظنك أحمق . فقال : أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنه . قال بعضهم لأبي تمام : لم لا تقول ما يفهم ؟ فقال : لم لا تفهمون ما يقال . قال معاوية : لو ولد أبو سفيان الناس كلهم كانوا حلماء . فقال له أبو جهم بن حذيفة : قد ولدهم من هو خير من أبي سفيان ، آدم عليه السلام، فمنهم : الحليم والسفيه ، والعاقل والأحمق ، والصالح والطالح . قال الأشعث بن قيس الكندي لشريح القاضي : يا أبا أمية ، عهدي بك وإن شأنك لشؤين . فقال : يا أبا محمد أنت تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها في نفسك .

دخل رجل على داود الطائي وهو يأكل خبزاً قد بله بالماء مع ملح جريش . فقال له : كيف تشتهي هذا ؟ قال : إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه . قال الرشيد : ما رأيت أزهد من الفضيل ، فقال الفضيل لما بلغه ذلك : هو أزهد مني ؛ لأني أزهد في فان ، وهو يزهد في باق . ومر عبد الله بن عامر بعامر بن عبد قيس وهو يأكل بقلاً بملح ، فقال له : لقد رضيت بالقليل . فقال : أرضى مني بالقليل من رضي بالدنيا . نظر الفرزدق إلى شيخ من اليمن فقال : كأنه عجوز سبأ . فقال له : عجوز سبأ خير من عجوز مضر ، تلك . قالت : " رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين " . وهذه : " حمالة الحطب . في جيدها حبل من مسد " . قال ابن ملجم - لعنه الله - لعلي رضي الله عنه لما ضربه بالسيف : إني اشتريت سيفي هذا بألف وسممته بألف ، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه ، فقال علي كرم الله وجهه : قد أجاب الله دعوتك . يا حسن ، إذا مت فاقتله بسيفه . قدم مرزبان من مرازبة فارس باب السلطان في أيام المهدي يشكو عاملهم ، فقال لأبي عبيد الله الوزير : أصلحك الله . إنك وليت علينا رجلاً ، إن كنت وليته وأنت تعرفه ، فما خلق الله رعية أهون عليك منا ، وإن كنت لم تعرفه ، فما هذا جزاء الملك الذي ولاك أمره ، وأقامك مقامه . فدخل أبو عبيد الله على المهدي وأخبره ، وخرج فقال : إن هذا رجل كان له علينا حق فكافأناه . فقال له : أصلحك الله ، إنه كان على باب كسرى ساجة منقوشة بالذهب مكتوب عليها : العمل للكفاءة ، وقضاء الحقوق على بيوت الأموال ، فأمر المهدي بعزل العامل . وتظلم أهل الكوفة إلى المأمون من عامل ولاه عليهم ، فقال : ما علمت في عمالي أعدل ولا أقوم بأمر الرعية ، وأعود بالرفق عليهم منه . فقام رجل من القوم ، فقال : يا أمير المؤمنين : ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك . فإذا كان عاملنا بهذه الصفة فينبغي أن يعدل بولايته بين أهل البلدان، ويساوي به بين أهل الأمصار ، حتى يلحق كل بلد وأهله من عدله وإنصافه مثل الذي لحقنا . وإذا فعل ذلك أمير المؤمنين فلا يصيبنا منه أكثر من ثلاث سنين . فضحك المأمون ، وعزل العامل عنهم . قال أحمد بن أبي خالد يوماً لثمامة : أنا أعرف لكل واحد ممن في هذه الدار معنى غيرك ، فإني لا أعرف لك معنى ، ولا أدري لماذا تصلح . فقال ثمامة : أنا أصلح أن أشاور في مثلك ، هل تصلح لموضعك . فأفحمه . حمل بعض الصوفية طعاماً إلى طحان ليطحنه ، فقال : أنا مشغول . فقال : اطحنه وإلا دعوت عليك وعلى حمارك ورحاك . قال : وأنت مجاب الدعوة ؟ قال : نعم . قال : فادع الله أن يصير حنطتك دقيقاً ، فهو أنفع لك ، واسلم لدينك . هجا أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى ، ثم أتاه راغباً ، فقال له الفضل : ويحك ، بأي وجه تلقاني ؟ قال : بالوجه الذي ألقى به ربي جل جلاله ، وذنوبي إليه أكثر . فضحك ووصله . قال الحجاج لسعيد بن جبير : اختر لنفسك أي قتلة شئت . قال : بل اختر أنت ؛ فإن القصاص أمامك . جاء شيخ من بني عقيل إلى عمر بن هبيرة فمتّ بقرابته ، وسأله ، فلم يعطه شيئاً. فعاد إليه بعد أيام فقال : أنا العقيلي الذي سألك منذ أيام . قال عمر : وأنا الفزاري الذي منعك منذ أيام . فقال معذرة إلى الله ، إني سألتك وأنا أظنك يزيد بن هبيرة المحاربي ، فقال : ذاك ألأم لك ، وأهون بك علي ، نشأ في قومك مثلي ولم تعلم به ، ومات مثل يزيد ولا تعلم به . يا حرسي اسفع يده . قال عمر بن الوليد للوليد بن يزيد : إنك لتعجب بالإماء . قال : وكيف لا أعجب بهن ، وهن يأتين بمثلك . سئل بعض من كان أبوه متقدماً في العلم عن مسألة، فقال : لا أدري و " لا أدري " نصف العلم . فقال له بعض من حضر : ولكن أباك بالنصف الآخر تقدم . وقال رجل لرجل قال : " لا أدري ، ولا أدري ، نصف العلم " : نعم ، ولكنه أخس النصفين . وقيل لآخر : ما تقول في كذا ؟ فقال : " لا أدري ، ولا أدري ، نصف العلم " . فقيل له : قل ذلك دفعتين وهو العلم كله . بعث الأفشين إلى ابن أبي دؤاد : ما أحب أن تجيئني ، فلا تأتني . فأجابه : ما أتيتك متعززاً بك من ذلة ، ولا متكثراً بك من قلة ، ولكنك رجل رفعتك دولة ، فإن جئتك فلها ، وإن قعدت عنها فلك . أتي معاوية بسارق فأمر بقطعه ، فخرجت إليه أمه وقالت : يا أمير المؤمنين ، واحدي وكاسبي . فقال : يا أمة الله ، هذا حد من حدود الله . قالت : اجعله مع صفين ونظائرها . فعفا عنه . مشت قريش إلى أبي طالب بعمارة بن الوليد ، فقالوا : ادفع إلينا محمداً نقتله ، وأمسك عمارة فاتخذه ولداً مكانه . فقال : ما أنصفتموني يا معشر قريش . أدفع إليكم ابني تقتلونه ، وأمسك ابنكم أغذوه لكم كان ربيعة الرأي لا يكاد يسكت ، وتكلم يوماً وأكثر وأعجب بالذي كان منه ؛ فالتفت إلى أعرابي كان عنده وسأل الأعرابي : ما تعدون العي فيكم ؟ قال : ما كنت فيه منذ اليوم .

دخل عبيد الله بن زياد بن ظبيان على أبيه وهو يجود بنفسه ، فقال له : ألا أوصي بك الأمير زياداً ؟ قال : لا . قال : ولم ذاك ؟ قال : إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت . كتب إبراهيم بن سيابة إلى صديق له ، كثير المال ، يستسلف منه نفقة ، فكتب إليه : العيال كثير ، والدخل قليل ، والدين ثقيل ، والمال مكذوب عليه . فكتب إليه إبراهيم : إن كنت كاذباً فجعلك الله صادقاً ، وإن كنت محجوجاً فجعلك الله معذوراً . أدخل زفر بن الحارث على عبد الملك بعد الصلح ، فقال : ما بقي من حبك للضحاك ؟ . قال : ما لا ينفعني ولا يضرك . قال : شد ما أحببتموه معاشر قيس قال : أحببناه ، ولم نواسه ، ولو كنا واسيناه لقد كنا أدركنا ما فاتنا منه . قال : فما منعك من مواساته يوم المرج ؟ قال : الذي منع اباك من مواساة عثمان يوم الدار . دخل الشعبي الحمام وفيه رجل متكشف ، فغمض عينيه، فقال له الرجل : يا شيخ ، متى ذهبت عينك ؟ فقال : منذ هتك الله سترك . كتب عمرو بن عبد العزيز إلى أبي مجاز، فقدم إليه من خراسان ، ودخل مع الناس فلم يعرفه عمر ، وخرج فسأل عنه بعد ذلك فقيل له : قد كان دخل عليك ، فدعا به وقال له : لم أعرفك . فقال : يا أمير المؤمنين . إذا لم تعرفني ، فهلا أنكرتني . حلف رجل بالطلاق أن الحجاج في النار . فقيل له : سل عن يمينك . فأتى أيوب السختياني فأخبره ، فقال : لست أفتي في هذا بشيء ، يغفر الله لمن يشاء . فأتى عمرو بن عبيد فأخبره ، فقال : تمسك بأهلك ، فإن الحجاج إن لم يكن من أهل النار فليس يضرك أن تزني . كان الوليد بن عبد الملك يلعب بالحمام ؛ فخلا لذلك يوماً ، واستؤذن لنوفل بن مساحق ، فأذن له ، فلما دخل قال : خصصتك بالإذن دون الناس . فقال : ما خصصتني ولكن خسستني ، وكشفت لي عن عورة من عوراتك .

قال موسى بن سعيد بن سلم : قال أبو الهذيل لأبي يوماً : إني لا أجد في الغناء ما يجد الناس من الطرب فقال له : فما أعرف إذاً في الغناء ذنباً . أتي ضرار المتكلم بمجوسي ليكلمه ، فقال : أبو من ؟ فقال المجوسي : نحن أجل من أن نسب إلى أبنائنا ، إنما ننسب إلى آبائنا ، فأطرق ضرار ثم قال : أبناؤنا أفعالنا ، وآباؤنا أفعال غيرنا ، ولأن ننسب إلى أفعالنا ، أولى من أن ننسب إلى أفعال غيرنا . كان يناظر رجل يحيى بن أكثم ، وكان يقول له في أثناء كلامه : يا أبا زكريا . وكان يحيى يكنى بأبي محمد . فقال يحيى : لست بأبي زكريا . فقال الرجل : كل يحيى كنيته أبو زكريا . فقال : العجب أنك تناظرني في إبطال القياس ، وتكنيني بالقياس . لما عزل عثمان عمرو بن العاص ، وولى عبد الله بن أبي السرح مكانه ، دخل عليه عمرو ، فقال : أشعرت أن اللقاح بعدك درت ألبانها بمصر ؟ فقال : نعم ، ولكنكم أعجفتم أولادها . عرض على رجل ليشتريه ، فقال : ما عندي ثمنه . فقال البائع : أنا أؤخرك . فقال : بل أنا أؤخر نفسي . سار الفضل بن الربيع إلى أبي عباد في نكبته يسأله حاجة ، فأرتج عليه ، فقال له : يا أبا العباس، بهذا البيان خدمت خليفتين ؟ فقال : إنا تعودنا أن نسأل ولا نسأل . دخل أشعري على الرشيد وسأله فقال : احتكم . قال : يحكّم بعد أبي موسى ؟ فضحك وأعطاه . دخل قيس بن عاصم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : إني وأدت اثنتي عشرة بنتاً في الجاهلية ، فما اصنع ؟ قال : اعتق عن كل موءودة نسمة . فقال أبو بكر : ما الذي حملك على ذلك وأنت أكبر العرب ؟ قال : مخافة أن ينكحهن مثلك . فتبسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقال : " هذا سيد أهل الوبر " . سئل الشعبي عن شيء ، فقال : لا أدري . فقيل له : أما تستحي أن تقول : لا أدري وأنت فقيه العراق ؟ قال : لكن الملائكة لم تستح إذ قالت : " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا " . خطب أبو الهندي إلى رجل ، فقال له : لو كنت مثل أبيك زوجتك . فقال أبو الهندي : لو كنت مثل أبي ما خطبت إليك . قال محمد بن عبد الملك لبعض الكتاب : كلمت أمير المؤمنين في عمر بن فرج فعزله من الديوان . فقال له : فرغته لطلب عيوبك . جاور إبراهيم بن سيابة قوماً فأزعجوه من جوارهم ، فقال : لم تخرجونني من جواركم ؟ فقالوا : لأنك مريب . فقال: ويحكم . ومن أذل من مريب ، أو أحسن جواراً ؟ . قيل لبعض الصوفية : أتبيع جبتك الصوف ؟ قال : إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصطاد ؟ . قالوا : لما ضرب سعيد بن المسيب أقيم للناس ، فمرت به أمة لبعض المدينيين، فقالت : لقد أقمت مقام الخزي يا شيخ . فقال سعيد : من مقام الخزي فررت . سمعت الصاحب رحمه الله يقول : إن بعض ولد أبي موسى الأشعري عير بأنه كان حجاماً ، فقال : ما حجم قط غير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . فقيل له : كان ذلك الشيخ أتقى لله من أن يتعلم الحجامة في عنق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . قال الصاحب : وأنا أقول : كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أحزم من أن يمكن من حجامته من لم يحجم قط أحداً . أخذت الخوارج رجلاً فقالت له : ابرأ من عثمان وعلي . فقال : أنا من علي ، ومن عثمان برئ . قال معاوية لرجل: أنت سيد قومك . قال : الدهر ألجأهم إليّ . قال ذو الرياستين لثمامة : ما أدري ما اصنع في كثرة طلاب الحوائج وغاشية الباب . فقال : زل عن مكانك وموضعك من السلطان ، وعلى ألا يلقاك أحد منهم . قال : صدقت . وقعد لهم، ونظر في أمورهم . وقال بعضهم لسعيد بن العاص : عرضت لي إليك حويجة . فقال : اطلب لها رجيلاً . وبضد ذلك ما قاله ابن عباس ، فإنه قال : هاتها ؛ فإن الحر لا يكبر عن صغير حاجة أخيه ، ولا يصغر عن كبيرها. دخل الرقاشي على المعتصم في يوم مطير ، فقرب مجلسه ورحب به . وقال له : أقم عندنا يومك نشرب ونطرب . فقال : يا أمير المؤمنين ، إني وجدت في الكتب السالفة : أن الله جل ذكره لما خلق العقل قال له : أقبل . فأقبل ، ثم قال له : أدبر . فأدبر ، ثم قال له : وعزتي ، ما خلقت خلقاً أكرم منك عليّ ، بك أعطي ، وبك أمنع ، وبك آخذ . فلو وجدت عقلاً يباع لاشتريته ، واضفته إلى عقلي . فكيف أشرب ما يزيل ما معي من العقل ؟ قال المعتصم : عقلك أوردك هذا المكان . قيل لسعيد بن سلم : لم لا تشرب النبيذ ؟ قال : تركت كثيره لله وقليله للناس . وقيل للعباس بن مرداس : لم تركت الشرب وهو يزيد في جرأتك وسماحك ؟ قال : أكره أن أصبح سيد قوم ، وأمسي سفيههم .

خاصم رجل من ولد أبي لهب آخر من ولد عمرو بن العاص ، فعيره وعيره الآخر بسورة : تبّت . فقال اللهبي : لو علمت ما لولد أبي لهب في هذه السورة لم تعبهم ؛ لأن الله صحح نسبهم بقوله : " وامرأته حمالة الحطب " ؛ فبين أنهم من نكاح لا من سفاح ، ونفى بني العاص بقوله : " زنيم " والزنيم : المنتسب إلى غير أبيه . قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة : بمن اقتديت في تحليل المتعة ؟ فقال : بعمر بن الخطاب ، فإنه قال : إن الله ورسوله أحلا لكم متعتين، وأنا أحرمهما عليكم وأعاقب . فقبلنا شهادته ، ولم نقبل تحريمه . أتى رجل أعور في زمان عمر ، فشهد أنه رأى الهلال . فقال عمر : بأي عينيك رأيت ؟ قال : بشرهما ، وهي الباقية ؛ لأن الأخرى ذهبت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في بعض غزواته . فأجاز شهادته . رأى مجوسي في مجلس الصاحب رحمه الله لهيب نار ، فقال : ما أشرفه فقال الصاحب : ما أشرفه وقوداً ، وأخسه معبوداً . صح عند بعض القضاة إعدام رجل فأركبه حماراً ونودي عليه : هذا معدم ، فلا يعاملنه أحد إلا بالنقد ، فلما كان آخر النهار نزل عن الحمار ، فقال له المكاري: هات أجرتي . فقال : فيم كنا نحن منذ الغداة ؟ تقدم سقاء إلى فقيه على باب سلطان ، فسأله عن مسألة ، فقال : أهذا موضع المسألة ؟ فقال له : وهذا موضع الفقهاء ؟ قال الأصمعي : ضرب أبو المخش الأعرابي غلماناً للمهدي . فاستعدوا عليه ، فأحضره وقال : اجترأت على غلماني فضربتهم . فقال : كلنا يا أمير المؤمنين غلمانك ضرب بعضنا بعضاً . فخلى عنه . اعترض رجل المأمون فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا رجل من العرب . فقال : ما ذاك بعجب . قال : إني أريد الحج . قال : الطريق أمامك نهج . قال :

وليست لي نفقة . قال : قد سقط الفرض . قال : إني جئتك مستجدياً لا مستفتياً . فضحك وأمر له بصلة . قال بعضهم: ما قطعني إلا غلام قال لي : ما تقول في معاوية ؟ قلت : إني أقف فيه . قال : فما تقول في يزيد ؟ قلت : ألعنه لعنه الله . قال : فما تقول فيمن يحبه ؟ قلت : ألعنه . قال : أفترى معاوية لا يحب يزيد ابنه ؟ قال الحجاج لرجل: أنا أطول أم أنت ؟ فقال : الأمير أطول عقلاً ، وأنا أبسط قامة . قدم رجل من اليمامة فقيل له : ما أحسن ما رأيت بها ؟ قال : خروجي منها أحسن ما رأيت بها . مدح رجل هشاماً فقال له : يا هذا ، إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه فقال له : ما مدحتك ، وإنما أذكرتك نعمة الله ، لتجدد له شكراً . عاتب الفضل بن سهل الحسين بن مصعب في أمر ابنه طاهر ، والتوائه وتلونه ، فقال له الحسين : أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم ، لا تذمون إخلاصي وتلونه ، فقال له الحسين : أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم ، لا تذمون إخلاصي ولا تنكرون نصيحتي ، فأما طاهر فلي في أمره جواب مختصر وفيه بعض الغلط ، فإن أذنت ذكرته . قال : قل . قال : أيها الأمير ، أخذت رجلاً من عرض الأولياء فشققت صدره ، وأخرجت قلبه ، ثم جعلت فيه قلباً قتل به خليفة ، وأعطيته آلة ذلك من الرجال والأموال والعبيد ، ثم تسومه بعد ذلك أن يذل لك ، ويكون كما كان . لا يتهيأ هذا إلا أن ترده إلى ما كان ، ولا تقدر على ذلك. فسكت الفضل . قال عبد الملك لابن الحارث : بلغني أنكم من كندة . فقال : يا أمير المؤمنين ، وأي خير فيمن لا يدعى رغبة أو ينفى حسداً . احتضر ابن أخ لأبي الأسود الدؤلي فقال : يا عم ، أموت والناس يحيون قال : يابن أخي، كما حييت والناس يموتون . قال عمرو بن مسعدة لابن سماعة المعيطي : صف لي أصحابك . قال : ولا تغضب ؟ قال : لا . قال : كانوا يغارون على الإخوان ، كما تغارون على القيان .

أمر يحيى بن أكثم برجل إلى الحبس ، فقال : إني معسر . فلم يلتفت إليه ، فقال : من لعيالي ؟ قال : الله لهم . فقال الرجل : أراني الله عيالك وليس لهم أحد غير الله . قال بعضهم لمجوسي : ما لك لا تسلم ؟ قال : حتى يشاء الله . قال: قد شاء ، ولكن الشيطان لا يدعك . قال : فأنا مع أقواهما . ساير ابن لشبيب بن شيبة عليّ بن هشام ، وعليّ على برذون له فاره ، فقال له : سر . فقال : وكيف أسير وأنت على برذون إن ضربته طار وإن تركته سار ، وأنا على برذون إن ضربته قطف ، وإن تركته وقف . فدعا له ببرذزن وحمله عليه . قال عبيد الله بن زياد لمسلم بن عقيل : لأقتلنك قتلة تتحدث بها العرب . فقال : أشهد أنك لا تدع سوء القتلة ولؤم المقدرة لأحد أولى بها منك . قال مالك بن طوق للعتابي : سألت فلاناً حاجة ، فرأيتك قليلاً في كلامك . فقال : كيف لا اقل في كلامي ، ومعي حيرة الطلب وذل المسألة ، وخوف الرد . ؟ جلس معن بن زائدة يوماً يقسم سلاحاً في جيشه ، فدفع إلى رجل سيفاً رديئاً ، فقال : اصلح الله الأمير ، أعطني غيره . قال : خذه فإنه مأمور . فقال : فإنه مما أمر به ألا يقطع شيئاً أبداً فضحك معن وأعطاه غيره . قال بنو تميم لسلامة بن جندل : مجدنا بشعرك . قال : افعلوا حتى أقول . أتى هشام برجل رمي بجناية ، فأقبل يحتج عن نفسه ، فقال هشام : أو تتكلم أيضاً ؟ فقال الرجل : إن الله تعالى يقول : " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها " أفتجادل الله جدالاً ولا نكلمك كلاماً ؟ قال : تكلم بما أحببت .

قال المأمون لابن الأكشف - وكان كثير الركوب للبحر - ما أعجب ما رأيت في البحر ؟ قال : سلامتي منه . قيل لسعيد بن المسيب لما نزل الماء في عينيه : اقدحهما حتى تبصر . فقال : إلى من ؟ . قال المنصور لرجل : ما مالك؟ قال : ما يكف وجهي ، ويعجز عن الصديق . قال له : لطفت في المسألة . قال المدائني : ورد على المنصور كتاب من مولى له بالبصرة أن سالماً ضربه بالسياط ، فاستشاط غضباً وقال : أعليّ يجترئ سالم ؟ والله لأجعلنه نكالاً يتعظ به غيره . فأطرق جلساؤه جميعاً ، فرفع ابن عياش رأسه ، وكان أجرأهم عليه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد رأينا من غضبك على سالم ما شغل قلوبنا ، وإن سالماً لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه ، ولكنك فقلدته سيفك ، وأصعدته منبرك ، فأراد مولاك أن يطامن منه ما رفعت ، ويفسد ما صنعت ، فلم يحتمل له ذلك . يا أمير المؤمنين، إن غضب العربي في رأسه ، فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد ، وإن غضب النبطي في استه ، فإذا خري ذهب عنه غضبه . فضحك المنصور ، وكف عن سالم . رأى رجل رجلاً من ولد معاوية على بعير له ، فقال: هذا ما كنتم فيه من الدنيا . فقال : رحمك الله ، ما فقدنا إلا الفضول . دخل أبو بكر الهجري على المنصور ، فقال : يا أمير المؤمنين ، نفض فمي وأنت أهل بيت بركة ، فلو أذنت لي فقبلت رأسك لعل الله يشدد لي منه . فقال أبو جعفر المنصور : اخترمنها ومن الجائزة . فقال : يا أمير المؤمنين ، أهون عليّ من ذهاب درهم من الجائزة ألا يبقى في فمي حاكة . قيل للشعبي : أكان الحجاج مؤمناً ؟ قال : نعم بالطاغوت .

كتب الحسن بن زيد إلى صاحب الزنج بالبصرة : عرفني نسبك . فأجابه : ليغنك من شأني ما عناني من أمرك . كتب صاحب البصرة إلى يعقوب بن الليث الصفار يستدعيه إلى مبايعته ، فقال لكاتبه : أجب عن كتابه . فقال : بماذا؟ قال : اكتب " قل يا أيها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون . . " السورة . قيل لأبي الهذيل : إن قوماً يلعنونك . قال: أرأيت إن أنا تبعتهم هل يلعنني قوم آخرون ؟ قال : نعم . قال : فأراني لا أتخلص من لعن طائفة ، فدعني مع الحق وأهله . قال سعيد بن المسيب لعبد الملك - وقد خطب الناس فأبكاهم - يا أمير المؤمنين ، لئن أبكاهم قولك لما أرضاهم فعلك . وقيل للأعمش : أنت تكثر الشك . قال : تلك محاماة عن اليقين . لما ولى أبو جعفر المنصور سليمان بن راشد الموصل ، ضم إليه ألف رجل من أهل خراسان وقال : قد ضممت إليك ألف شيطان . فلما دخل الموصل عاثوا ، وبلغ الخبر المنصور فكتب إليه : يا سليمان ، كفرت بالنعمة . فكتب في جوابه : " وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا " . قال معاوية لعمرو بن العاص : ما بلغ من دهائك ؟ قال : لم أدخل في أمر قط إلا خرجت منه . قال معاوية : لكنني لم أدخل قط في أمر أردت الخروج منه . قال الواثق لابن أبي دؤاد : كان عندي الساعة الزيات ، فذكرك بكل قبيح . فقال : الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب عليّ ، ونزّهني عن قول الحق فيه . قال المتوكل للفتح بن خاقان ، وقد خرج وصيف الخادم المعروف بالصغير في أحسن زي : أتحبه ؟ قال : إني لأحب من تحب ، وأحب من يحبك ، لا سيما مثل هذا .

قال المأمون لثمامة : ارتفع . قال : يا أمير المؤمنين ، لم يف شكري بموضعي هذا ، وأنا أبعد عنك بالإعظام لك ، وأقرب منك شحاً عليك . خلع الرشيد على يزيد بن مزيد - وكان في مجلسه رجل من أهل اليمن - فقال ليزيد : اجرر ما لم يعرق فيه جبينك . قال : صدقت . عليكم نسجه ، وعلينا سحبه . قال سهل بن هارون : أدخل على الفضل بن سهل ، ملك التبت وهو أسير ، فقال : أما ترى الله قد أمكن منك بغير عهد ولا عقد ، فما شكرك إن صفحت عنك ، ووهبت لك نفسك ؟ قال : أجعل النفس التي أبقيتها بذلة لك متى أردتها . قال الفضل : شكر والله . وكلم المأمون فيه فصفح عنه . لما أخذ عبد الحميد الربعي ، وأتي به إلى المنصور ، ومثل بين يديه قال : لا عذر فأعتذر ، وقد أحاط بي الذنب ، وأنت أولى بما ترى . قال المنصور : إني لست أقتل أحداً من آل قحطبة ، أهب سيئهم لمحسنهم . قال : يا أمير المؤمنين : إن لم يكن فيّ مصطنع فلا حاجة بي إلى الحياة ، ولست أرضى أن أكون طليق شفيع وعتيق ابن عم . قال الرشيد للجهجاه : أزنديق أنت ؟ قال : وكيف أكون زنديقاً وقد قرأت القرآن ، وفرضت الفرائض ، وفرقت بين الحجة والشبهة ؟ قال : تالله لأضربنك حتى تقر . قال : هذا خلاف ما أمر به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، أمرنا أن نضرب الناس حتى يقروا بالإيمان ، وأنت تضربني حتى أقر بالكفر . قال عمر لعمرو بن معد يكرب : أخبرني عن السلاح . فقال : سل عما شئت منه . قال : الرمح . قال : أخوك وربما خانك . قال : النبل . قال : منايا تخطئ وتصيب . قال : الترس . قال : ذاك المجنّ ، وعليه تدور الدوائر . قال : الدرع . قال : مشغلة للراجل متعبة للفارس ، وإنها لحصن حصين . قال : السيف . قال : ثم قارعتك أمك عن الهبل. قال : بل أمك . قال : الحمّى أضرعتني لك .

قال عمر بن عبد العزيز لعبد الله بن مخزوم : إني أخاف الله فيما تقلدت . قال : لست أخاف عليك أن تخاف ، إنما أخاف ألا تخاف . قيل لرجل من بني هاشم : من سيدكم ؟ قال : كلنا سيد غيرنا ، ومكان سيدنا لا يجهل . شاور المنصور سلم بن قتيبة في أمر أبي مسلم ، فقال : إني مطلعك على أمر لم افض به إلى غيرك ، ولا أفضي به ، فصحح رأيك ، واجمع لفظك ، وأظهر نصحك ، واستره حتى أظهره أنا قد عزمت على قتل عبد الرحمن ، فما ترى؟ قال سلم : " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " ونهض . ويروى عنه الأصمعي أنه قال : هجم عليّ شهر رمضان وأنا بمكة ، فخرجت إلى الطائف لأصوم بها هرباً من حر مكة . فلقيني أعرابي فقلت : أين تريد ؟ قال : أريد هذا البلد المبارك ؛ لأصوم فيه هذا الشهر المبارك . قلت : أما تخاف من الحر ؟ قال : من الحر أفر . وقال رجل للربيع بن خثيم وقد صلى ليلة حتى أصبح : أتعبت نفسك . فقال : راحتها أطلب ؛ إن أفره العبيد أكيسهم . نظر رجل إلى روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب واقفاً بباب المنصور في الشمس ، فقال : قد طال وقوفك في الشمس . فقال روح : ليطول وقوفي في الظل . هاجى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، عبد الرحمن بن الحكم بن العاص ، وتقاذفا . فكتب معاوية إلى مروان أن يؤدبهما ، فضرب عبد الرحمن بن حسان ثمانين ، وضرب أخاه عشرين ، فقيل لعبد الرحمن قد أمكنك في مروان ما تريد ، فأشد بذكره وارفعه إلى معاوية . فقال : إذاً والله لا أفعل ، وقد حدني كما يحد الرجل الحر ، وجعل أخاه كنصف عبد فأوجعه بهذا القول .

قال رجل لرجل سبه فلم يلتفت إليه : إياك أعني . فقال : وعنك أعرض . قال عمر لزياد لما عزله : كرهت أن أحمل على العامة فضل عقلك . قال : فاحمل عنها من نفسك ، فأنت أعقل . قال المنصور لإسحاق بن مسلم العقيلي : أفرطت في وفائك لبني أمية . فقال : من وفى لمن لا يرجى ، كان لمن يرجى أوفى . قال : صدقت . مازح عبيد الله بن زياد حارثة بن بدر ، فقال له : أنت شريف لو كانت أمهاتك مثل آبائك . فقال : إن أحق الناس بألا يذكر الأمهات هو الأمير . فقال عبيد الله : استرها عليّ ، ولك عشرة آلاف درهم . يقال : إن المكي دخل على المأمون ، وكان مفرط القبح والدمامة ، فضحك المعتصم ، فقال المكي : مم يضحك هذا ؟ فوالله ما اصطفي يوسف لجماله ، وإنما اصطفي لبيانه . وقد نص الله على ذلك بقوله : " فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين " وبياني أحسن من وجه هذا. قال معاوية لرجل من السمن : ما كان أبين حمق قومك حين ملّكوا امرأة . فقال : كان قومك أشد حماقة إذ قالوا: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء " هلاّ قالوا : فاهدنا له وبه قال زياد لأبي الأسود : لو أدركناك وفيك بقية . قال : أيها الأمير ، إن كنت تريد رأيي وعزمي فذاك عندي ، وإن كنت تريدني للصراع فلا أصلح لذلك . قال الأصمعي : دخل درست بن رباط الفقيمي على بلال بن أبي بردة في الحبس ، فعلم بلال أنه شامت ، فقال : ما يسرني بنصيبي من الكره حمر النعم . فقال درست : فقد أكثر الله لك منه . أدخل مالك بن أسماء سجن الكوفة ، فجلس إلى رجل من بني مرة ، فاتكأ على المرّيّ يحدثه ، وأكثر من ذكر نعمه ، ثم قال : أتدري كم قتلنا منكم في الجاهلية ؟ قال : أما في الجاهلية فلا ، ولكن أعرف من قتلتم منا في الإسلام . قال : من ؟ قال : أنا . قتلتني غمّاً .

دخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك ، فلما رآه - وكان دميماً - قال : على رجل أجرّك رسنه وسلطك على المسلمين لعنه الله . قال : يا أمير المؤمنين ، رأيتني والأمر عني مدبر ، ولو رأيتني والأمر عليّ مقبل لا استعظمت من أمري ما استصغرت . قال له سليمان : أترى الحجاج بلغ قعر جهنم ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، يجئ الحجاج يوم القيامة بين أبيك وأخيك ، قابضاً على يمين أبيك وشمال أخيك ، فضعه من النار حيث شئت . طاف رجل من بني تغلب بالبيت ، وكان وسيماً طويلاً جميلاً ، فبصر به رجل من قريش كان حسوداً ، فسأل عنه ، فأخبر أنه رجل من بني تغلب ، فلما حاذاه ، قال القرشي يسمعه : إنهما لرجلان قلما وطئتا البطحاء ، فالتفت إليه التغلبي فقال : يا هذا البطحاوات ثلاث ؛ فبطحاء الجزيرة إلى التغلبي دونك ، وبطحاء ذي قار أنا أحق بها منك ، وهذه البطحاء ، سواء العاكف فيه والباد . قال : فتحير الرجل ، فما أفاض بكلمة . حدث أن أبا الجهم العدوي وفد على معاوية ، فبينا هو يوماً من الأيام يأكل معه إذ قال له معاوية : اينا أسن يا أبا الجهم ، أنا أو أنت ؟ قال : كيف تسألني في هذا ، وقد أكلت في عرس لأمك قبل تزويجها بأبيك أبي سفيان ؟ قال : أيهم هو ؟ فإنها كانت تستكرم الأزواج . قال : حفص ابن المغيرة . قال : ذاك سلالة قريش ، ولكن احذر السلطان يا أبا الجهم ، يغضب غضب الصبي ، ويثب وثوب الأسد . قال : فقال أبو الجهم : إيهاً أراحنا الله منك يا معاوية . قال : فإلى من إلى زهرة ؟ فوالله ما عندهم فصل ولا فضل ، أم إلى بني هاشم ؟ فوالله ما يرونكم إلا عبيداً لهم . ثم أمر له بمائة ألف درهم . قال : فأخذها متسخطاً ، وقال : رجل يأتي غير بلاده ، ويعمل بغير رأي قومه فماذا يصنع ؟ ثم وفد على يزيد وشكا إليه ديناً كان عليه ، فقال له يزيد : تلزمنا ، مع قرابتك قربة ، ومع حقك حقوق ، فاعذرنا . وأمر له بخمسين ألف درهم. قال : فقال ابن كليبة فماذا ؟ ثم دعاه عبد الله بن الزبير إلى نفسه ، فوفد إليه أبو الجهم وشكا إليه ديناً ، ووصف له كثرة مئونته ، فأمر له بألف درهم . فقال أبو الجهم : أحسن الله إمتاع قريش بك ، وأحسن عنّي جزاءك . ودعا له دعاء كثيراً . فقال له عبد الله : يا أبا الجهم ؛ أعطاك معاوية مائة ألف درهم فسببته ، وأعطاك يزيد خمسين ألفاً فشتمته ، وأعطيتك ألف درهم فدعوت لي وشكرت . قال : نعم فديتك ، إذا كانت قريش تنقص هذا النقصان فليس يجئ بعدك إلا خنزيراً . قال بعضهم : دخلت دار المعتصم فرأيت إبراهيم بن المهدي جالساً في بعض نواحي الدار ، وإلى جانبه العباس بن المأمون . قال : فالتفت العباس إلى إبراهيم وقد رأى في يده خاتماً فصه ياقوت أحمر عجيب . فقال له : يا عن ، خاتمك هذا ؟ قال : نعم ، هذا الخاتم الذي رهنته في خلافة أبيك ، وافتككته في خلافة أمير المؤمنين أعزه الله . فقال العباس : أنت إن لم تشكر أبي على حقنه دمك ، لم تشكر عمي على افتكاك خاتمك . قالت ابنة النعمان بن بشير لزوجها روح بن زنباع : كيف تسود أنت من جذام ، وأنت جبان ، وأنت غيور ؟ قال : أما جذام فإني في أرومتها ، وحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه . وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة وأنا أحوطها ، وأما الغيرة فأمر لا أحب أن أشارك فيه ، وإن الحر لحقيق بالغيرة إذا كانت في بيته ورهاء مثلك . قال الحجاج لرجل من ولد عبد الله بن مسعود : لم قرأ أبوك " تسع وتسعون نعجة . أنثى " ألا يعلم الناس أن النعجة أنثى ؟ قال : فقد قرأت أنت مثله " ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ، تلك عشرة كاملة " . ألا يعلم الناس أن ثلاثة وسبعة عشرة ؟ فما أحار الحجاج جواباً .

قال عبد الله بن الزبير لعدي بن حاتم : يا عدي ، متى ذهبت عينك ؟ قال : يوم قتل أبوك وضربت على قفاك مولّياً ، وأنا يومئذ على الحق ، وأنت على الباطل . وجّه معاوية رجلاً إلى ملك الروم ومعه كتاب ، تصديره : إلى طاغية الروم . فقال ملك الروم للرجل : مالذي الفخر بالرسالة ، والمتسمى بخلافه النبوة والسفه ما أظنكم وليتم هذا الأمر إلا بعد إعذار ، ولو شئت كتبت : من ملك الروم إلى غاصب أهل بيت نبيه ، والعامل بما يكفره عليه كتابه ، ولكني أتجالل عن ذلك . قال معاوية يوماً : الأرض لله ، وأنا خليفته . ما أخذت فلي حلال ، وما تركت للناس فلي عليهم فيه منة . فقال صعصعة : ما أنت وأقصى الأمة فيه إلا سواء ، ولكن من ملك استأثر ، فغضب معاوية وقال : لقد هممت. . . قال صعصعة : ما كل من هم فعل . قال : ومن يحول بيني وبين ذلك ؟ قال : الذي يحول بين المرء وقلبه . طلب الحسن بن سهل رجلاً من أهل الأدب يؤدب ولده . فجاءوه بمعاوية بن القاسم الأعمى ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : أكنى أبا القاسم ، ولضرورة تكنيت ؛ فقيل له : اسمه معاوية ؛ فاستظرفه وأمره بلزوم داره . فرض عبد الله بن عامر لجماعة من بني وائل في شرف العطاء ، وأمر لهم بجوائز ، فقام رجل منهم ، فقال : أيها الأمير ، أرأيت ما أمرت لنا به ، أخصصتنا به أم تعم به أهل مصرنا ؟ قال : لا ، بل خصصتكم به . قال : ولم ؟ قال : لما بلغني من فضلكم . قال : إذاً لا نأخذ ثوابه منك . قال بعضهم : رأيت يحيى بن عبد الله بن الحسن قد أقبل على عمران بن فروة الجعفري ، فقال : يا أبا شهاب ، ما تفعلون بالمولى فيكم ؟ قال : ثلاثاً . قال : ما هن ؟ قال : لا يمسح لحيته ، ولا يكتني بأبي فلان ، ولا يشد حبوته وسط القوم ، فقال له نعيم بن عثمان : هذا لجفائكم وبعدكم من الله . فقال له : لو كنت والله يا أبا معاوية هناك ما ساروا فيك إلا بسيرتهم في أخيك .

خاصم رجل رجلاً إلى سوار ، فجعل أحدهما يدخل في حجة صاحبه ، وينهاه سوّار فلا ينتهي . فقال له : ألا تسكت عن خصمك يا ابن اللخناء . فقال له الرجل : لا والله ، ما لك أن تسبني وتذكر أمي . فقال له : ليس هذا بشيء . اللخن قد يكون في السقاء . قال الرجل : فإن لم يكن فيه شيء فأشهدك أن خصمي ابن اللخناء . أرسل أبو جعفر المنصور إلى أصحابه : لا جزاكم الله خيراً ، أبق غلامي فلم تطلبوه ، ولم تعلموني بهربه . ولا أعلمتموني قبل هربه أنكم تخافون ذلك منه . وأراد أن يستنطقهم ، فقال لهم ابن عياش المنتوف : وكلوني بجوابه . فقالوا له : أنت وذاك . فقال للرسول : أتبلغه كما أبلغتنا ؟ قال : نعم . قال : اقرأ على أمير المؤمنين السلام ، وقل له : إنك اخترتنا من عشائرنا وبلداننا ، فظننا أنك أردتنا لأن نكون جلساءك ، والمجيبين للوفد إذا قدموا عليك ، والخارجين لرتق الفتق إذا انفتق عليك ، فأما إذ أردتنا لمن يأبق من غلمانك فيربع غلامك يريد أن يأبق فاستوثق منه . حج عبد الملك، ثم شخص إلى الطائف فدخلها ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يسايره ، فاعترض له رجل من ولد أم الحكم من ثقيف ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن لنا قرابة وحقاً ، وجواراً وخلقاً ، ونحن من إحدى القريتين اللتين ذكرهما الله في كتابه ، والله لقد جاء الإسلام وإن في ثقيف من قريش تسعين امرأة . قال : فتكاثر 1 لك عبد الملك وقال : أكذلك يا أبا بكر ؟ فقال : صدق يا أمير المؤمنين ، ولكن والله لا تجد فيهم امرأة من ولد المغيرة . فقال الثقفي: صدق يا أمير المؤمنين ، إنا والله نعرف قومنا ، ونعتام في مناكحنا ، ونأتي الأودية من صدورها ولا نأتيها من أذنابها . والله ما أعطيتنا شيئاً إلا أخذنا مثله ، ولا مشينا حزناً إلا أسهلنا الهويني ، فقال عبد الملك : قاتله الله ما أسبه . شكا رجل إلى الشبلي كثرة العيال ، فقال : ارجع إلى بيتك ومن لم يكن منهم رزقه على الله فأخرجه من دارك.

باب آخر من الجوابات المسكتة ما يجري مجرى الهزل

تعرّت الحضرمية يوماُ وزوجها ينظر إليها ، فقالت : ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، فأشار إلى ركبها وقال : أرى هاهنا شيئاً من فطور . ضرط ابن لعبد الملك صغير في حجره فقال له : قم إلى الكنيف . قال له : أنا فيه يا أبانا. قال معاوية لعقيل : إن فيكم شبقاً يا بني هاشم . قال : هو منا في الرجال ومنكم في النساء . قال بعضهم لآخر : يا خائن . فقال : تقول لي ذلك وقد ائتمنك الله على مقدار درهم من جسدك فلم تؤد الأمانة فيه . دخل إبراهيم الحراني الحمام ، فرأى رجلاً عظيم الذكر ، فقال : يا فتى ، متاع البغل قال : لا ، بل نحملك عليه . فلما خرج أرسل إليه بصلة وكسوة وقال لرسوله : قل له اكتم هذا الحديث فإنه كان مزاحاً ، فرده وقال : لو قبلت حملاننا لقبلنا صلتك . قيل لرجل قدم من الحج : كيف خلفت سعر النعال بمكة . تعريضاً له بالهدية ، فقال : الفلعة بحمل ونبيجة فاكهة . شتم عيسى بن فرخانشاه رجلاً نصرانياً ، فقال : يا ابن الزانية . فقال له : أنت مسلم ولا اقدر على شتمك ، ولكن أخوك يحيى بن فرخانشاه هو ابن الزانية . قال الفرزدق لزياد الأعجم : يا أقلف . فقال زياد : يا ابن النمامة أمك أخبرتك بهذا .

قال رجل لأبي الأسود : كأن وجهك فقاح مجتمعة . قال : فهل ترى فقحة أمك فيها ؟ . قال العطوي : قلت لجارية : اشتهي أن أقبلك . قالت : ولم ؟ قلت : لأنك زانية . قالت : وكل زانية تقبلها ؟ قلت : نعم . قالت : فابدأ بمن تعول . قال غلام ثمامة لثمامة : قم صل واسترح . قال : أنا مستريح إن تركتني . اشترى علي بن الجعد جارية بثلاثمائة دينار ، فقال له ابن قادم النحوي : أي شيء تصنع بهذه الجارية ؟ فقال : لو كان هذا شيئاً يجرب على الإخوان لجربناه عليك . أشرف رجل على أبي الأسود وهو مختضب عريان بين رجليه خرقة ، فقال : يا أبا السود ، ليت أيري في سرتك . قال : أفتدري أين تكون فقحتك ؟ فخجل الرجل وانصرف . قال بعض الرؤساء لبعض الخلفاء : أنا اشتهي أن أرى النساء كيف يتساحقن . قال : ادخل دارك قليلاً قليلاً . وقال آخر لبعض المجان : ما الدنيا إلا المجوس ، يدخل الأب ف . . . ك ، ويدخل الإبن ف . . . ك ، فقال له : اسكت ، لا يسمع ذاك أهل دارك فيرتدوا . سمع بعضهم رجلاً يقول : أبي كان لا يدخل سكة إلا قام الناس له . فقال : نعم ، صدقت ، لأنه كان يتقدمه حمل شوك . نظر أبو الشمقمق إلى رجل يمازح غلاماً قد التحى ، فقال : ما هذا ؟ قال : نأكل التمر لأنه كان رطباً . قال : فكل الخرى لأنه كان جوذاباً . كان حماد الراوية يتهم بالزندقة وكان يصحب ابن بيض ، فدخلا يوماً على والي الكوفة ، فقال لابن بيض : قد صالحت حماداً ؟ قال : نعم أيها الأمير ، على ألا آمره بالصلاة ، ولا ينهاني عنها .

وكان من حمقاء قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك ، وكان وضيئاً . قال يوماً لعن الله الوليد أخي ، فإنه كان فاجراً، والله لقد راودني عن نفسي . فقال له قائل : اسكت . فوالله إن كان همّ لقد فعل . أنشد حضري أعرابياً شعراً لنفسه ، وقال : تراني مطبوعا ؟ قال : نعم على قلبك . قال أبو عثمان : رأيت رجلاً من المنافقين كان أراد أن يكون على جبهته سجادة فوضع عليها ثوماً وشده ، فلما نام انقلبت السجادة ، وصارت على الجانب الأيمن ، فسألته عن ذلك ، فقال : ومن الناس من يعبد الله على حرف . اعترض عمرو بن الليث فارساً من جيشه ، فكانت دابته بغاية الهزال . فقال له : يا هذا ، تأخذ مالي تنفقه على امرأتك وتسمنها ، وتهزل دابتك التي عليها تحارب ، وبها تأخذ الرزق ، امض لشأنك فليس لك عندي شيء . فقال الجندي : أيها الأمير ، لو استعرضت امرأتي لاستسمنت دابتي . فضحك عمرو ، وأمر بإعطائه رزقه . قيل للنتيف الأصبهاني : لم تنتف لحيتك ؟ فقال : وأنت فلم لا تنتفها ؟ رأى ابن مكرم منجماً عند أبي العيناء ، فقال : ما يصنع هذا ؟ قال : يعمل مولد ابني . قال فسله أولاً هل هو ابنك أم لا؟ . سأل رجل آخر عن درب الحمير ، قال : ادخل أي درب شئت . قال أبو بكر المقرئ : رأيت امرأة منكشفة بباب المسجد ، فقلت لها : أما تستحيين ؟ قالت : ممن ؟ استعار رجل من آخر حماراً فأخرج إليه إكافاً وقال : اجعله على من شئت . تزوج رجل بامرأة قد مات عنها خمسة أزواج ، فمرض السادس ، فقالت : إلى من تكلني ؟ فقال : إلى السابع الشقي .

ومات زوج امرأة فراسلها في ذلك اليوم رجل يخطبها ، فقالت : لو لم يسبقك غيرك لفعلت . فقال الرجل : قد قلت لك إذا مات الثاني فلا تفوتيني . كان ليهودي غلام فبعثه يوماً ليحمل ناراً يطبخ بها قدراً ، فأبطأ عليه ثم عاد بعد مدة وليس معه نار ، فقال : أين النار ؟ قال : يا سيدي . قد جئتك بأحر من النار ، هذا صاحب الجوالي بالباب يطالب بالجزية . غنّت قينة عند بعض الرؤساء فطرب وشق ثوبه ، وقال لغلامه : شق ثوبك . فقال : كيف أعمل وليس لي غيره ؟ قال : أنا أكسوك غداً . فقال : وأنا أشقه غداً . أدخل رجل بغلة إلى سوق الدواب يبيعها فلقيه رجل فقال : بكم البغلة ؟ . قال بخمسمائة درهم . قال : لا بأربعمائة . قال صاحبها : زدني شيئاً آخر . قال : أزيدك أ . . ر حمار ، فقال : اقعد أنت على سومك ، فإن زادنا غيرك وإلا أنت أحق به . كان عفان بن مسلم يروي الحديث ، فقال بعض من حضره : إن رأيت أن تزيد في صوتك فإن في سمعي ثقلاً . قال : الثقل في كل شيء منك . قال زيادي لرجل : يا ابن الزانية . قال : أتسبني بشيء شرفت به ؟ . قال أبو موسى ابن المتوكل لرجل : لم انقطعت عنا ؟ . فقال : بيتك حر ، ما خرج منه أحد فعاد إليه . قال النخعي : ما رأيت أسرع جواباً من نصراني رأيته بالرقة . فإني دخلت عليه في الحمام ، وهو يصب عليه ماء فأطال ومنعني الدنو من الحوض ، فقلت وقد دخلني الغيظ : تنح ويلك فإنك بغيض. فترك ما كان فيه وقال لي : قد فعلت ، ولكن لا تفارقني حتى تقول لي من أين حكمت عليّ بأني بغيض قال فقلت : لأنك جعلت مع الله عز وجل شريكاً . فقال لي : أسرع من اللحظ : لا والله ما جعلت معه شريكاً ، فإن كنت فعلت ، فخذ كتابي إليه بالانصراف الساعة . فأخجلني . قيل لبعضهم : زوجت أمك ؟ فقال : نعم ، حلالاً طيباً . فقال: أما حلال فنعم ، وأما طيب فلا . قالت امرأة لرائض دواب : بئس الكسب كسبك ، إنما كسبك باستك . فقال : ليس بين ما أكتسب به وبين ما تكتسبين به إلا إصبعان . قالت امرأة لزوجها : يا مفلس يا قرنان . قال : إن كنت صادقة فواحدة منك وواحدة من الله . قيل لبعض الظرفاء من أهل العلم : أتكره السماع ؟ قال : نعم ، إذا لم يكن معه شرب . كتب العباس بن المأمون ، في رقعة : أي دواة لم يلقها قلمه ؟ وألقاها بين يدي يحيى بن أكثم ، فقرأها ووقع فيها : دواتك ودواة أبيك . فأقرأها العباس أباه المأمون ، فقال : صدق يا بني ، ولو قال غير هذا لكانت الفضيحة . كان ليعضهم ابن دميم فخطب له إلى قوم ، فقال الابن لأبيه يوماً : بلغني أن العروس عوراء ، فقال الأب : يا بني ، بودي أنها عمياء حتى لا ترى سماجة وجهك . سمع رجل به وجع الضرس آخر ينشد : قضاها لغيري وابتلاني بحبها فقال : والله لو ابتلاك بوجع الضرس لم تفزع لهذا . اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي ، فجعلت تقول له : ويلك، كيف تعمل أنت إن مت أنا ؟ وابن مضاء الرازي يقول : ويلك ، أنا إن لم تموتي كيف أعمل ؟ .

قال عبادة يوماً لأبي حرملة المزين : خذ ذقني . قال : يا مخنث ، أضع يدي على وجهك وأنا أضعها على وجه أمير المؤمنين فقال له : يا حجام أنت تضعها على باب أستك كل يوم خمس مرات لا يجوز أن تضعها على وجهي ؟ . قيل لبعضهم : غلامك ساحر . قال : قولوا له يسحر لنفسه قباء وسراويل . قال ابن مكرم لأبي العيناء : بلغني أنك مأبون . قال : مكذوب عليّ وعليك . نظر رئيس إلى أبي هفان وهو يسارّ آخر ، فقال : فيم تكذبان ؟ قال : في مدحك. وقيل لبعض ولد أبي لهب : العن معاوية . فقال : ما أشغلني : " تبت " . كان لخازم بن خزيمة كاتب ظريف أديب وكان يتنادر عليه ، فقام يوماً من بين يديه ، فقال له ابن خزيمة : إلى أين يا هامان ؟ فقال : أبني لك صرحاً . قيل لرجل كانت امرأته تشارّه : أما أحد يصلح بينكما ؟ قال : لا ، قد مات الذي كان يصلح بيننا . يعني ذكره . قال بعضهم لصاحب له : متى عهدك بالن . . ك ؟ قال : سل أمك فقد نسيت . كان رجل يكثر الحلف بالطلاق ، فعوتي في ذلك ، فقال : أحضروها فإن كانت تصلح لغير الطلاق فاقتلوني . قيل لبعضهم وهو مقنع : إن لقمان قال : إن القناع مذلة بالنهار معجزة بالليل . فقال : إن لقمان لم يكن عليه دين . حمل إلى معاوية مال من العراق ، وعلى رأسه خصيّ يذب عنه ، فقال : يا سيدي ، من لي بكف منه ؟ فقال : ويحك ، وما تصنع به ؟ إنك إن مت وتركته كويت به يوم القيامة . فقال : يا مولاي إن كان هذا حقاً فإن جلدك لا يشترى يوم القيامة بفلس .

وقف رجل مفرط الطول على بعض العيارين وهو يبيه الرمان ، فقال : هذا رمان صغير . فقال له صاحب الرمان : لو نظرت أنا إليه حيث تنظر إليه أنت ما كان في عيني إلا عفصاً . قالت امرأة عقيل له : والله لا يجمع رأسي ورأسك وساد أبداً . فقال عقيل : لكن أستاهنا تجتمع . قال بعضهم : كنت نائماً على سطح لي ، فسمعت في بعض الليل كلام امرأة من وراء الحائط تقول لزوجها : أنا عريانة بجنبك ، وأنت تجلد عميرة فقال لها : يا ويلك ، إذا كان عميرة أفره منك كيف أعمل ؟ قال الوليد بن يزيد لبديح : خذ بنا في التمني فوالله لأغلبنك . قال : والله لا تغلبني أبدا قال : بلى والله ما تتمنى شيئاً إلا تمنيت ضعفيه . قال بديح : فإني أتمنى كفلين من العذاب ، وأن الله يلعنني لعناً كبيراً، فخذ ضعفي ذلك . قال : غلبتني لعنك الله . كانت رقية بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وأمها فاطمة بنت الحسين عند هشام ، وكان يحبها وتبغضه ، فاعتلت فجلس عند رأسها ، فقال : ما تشتكين ؟ قالت : بغضك . فسكت عنها ساعة ، ثم قال لها : ما تشتهين ؟ قالت : فقدك . كان بالبصرة رجل طبيب يقال له : حوصلة ، وكان له جار يعشق ابناً له ، فوجّه حوصلة بابنه إلى بغداد في حاجة له ، ولم يعلم جاره بذلك ، فجاء ليلة يطلبه ، فصاح بالباب : أعطونا ناراً . فقال حوصلة : المقدحة ببغداد . شكا رجل جاريته إلى إبراهيم الحراني - وكان قبيحاً دميماً - فقال له إبراهيم : هل رأيت وجهك في المرآة ؟ قال : نعم . قال : أفرضيته لنفسك ؟ قال : لا . قال : فكيف تلومها على كراهية ما تكرهه لنفسك .

كان رجل دميم قبيح الخلقة قد رزق ابنين مليحين ، فدخل يوماً إلى بعض الأمراء وهما معه ، فقال له : يا أبا فلان والدتهما حرة أم أمة ؟ فقال : أيها الأمير أفي الدنيا حرة تمكن نفسها من مثلي ؟ . سمع رجل بعض الحمقى يقول : اللهم لا تأخذنا على غفلة ، فقال : إذاً لا يأخذك أبدا . قال غلام لأبيه : يا أبه . أخبرني مستملي أبي خيثمة : أن أبا خيثمة يستثقلني ، فقال : يا بني ، فأنت ثقيل بإسناد . كتب رجل إلى صديق له : وجه غليّ بدستيجة نبيذ ، وغط رأسك من الحر ، وسر إلينا ، فقال في الجواب : ولم لا أكشف رأسي في بيتي ، واشرب الدستيجة وحدي ؟ . قال بعض البصريين : كنا عند رجل ومعنا رجل من آل أبي معيط ، وأبو صفوان حاضر ، فأتيا بفالوذجة حارة ، فكاع القوم عنها لحرارتها ، وأهوى إليها المعيطي ، وجعل يأكل ، فقال أبو صفوان : انظروا إلى صبر آل أبي معيط على النار . اتخذ ابن أخ لإبراهيم بن العباس منجماً وطبيباً ، فقال له إبراهيم : والله ما أعرف لك في السماء نجماً ولا في الأرض طبعاً ، فما تصنع بالطبيب والمنجم . دخل بعض الولاة والمتغلبين إلى بلد واستتر منه الوالي قبله ، فطلبه ، وأخذ أصحابه وطالبهم بالدلالة عليه إلى أن أخذ وكيلاً له ، فألح عليه إلحاحاً شديداً ، فلما علم ذلك ووقف عليه لم يلبث أن خرج الأول من الاستتار ، ووجد أعواناً فقبض على الآخر وحبسه ، وانتقل هو إلى دار الإمارة ، فجاء هذا الوكيل إلى الحبس ، ودخل على المحبوس ، وقال : كنت قد حلفتني أن أدلك على موضع الأمير إذا عرفته ، وقد عرفت ذلك ، وهو في دار الإمارة في الإيوان ، فخذه إن أردت أخذه . مدح رجل رجلاً عند الفضل بن الربيع ، فقال له الفضل : يا عدو الله ؛ ألم تذكره عندي بكل قبيح ؟ قال : ذاك في السر . جعلت فداك . تزوج أعمى امرأة قبيحة ، فقالت : رزقت أحسن الناس وأنت لا تدري فقال : يا بظراء ، فأين كان البصراء عنك ؟ . قال رجل لآخر أصلع : إن صلعتك هذه لمن نتن دماغك ، فقال : لو كان كذلك ما كان على حرأمك طاقة شعر . دخل أبو العيناء إلى ابن مكرم ، فقال له : كيف أنت ؟ قال أبو العيناء : كما تحب ؟ قال : فلم أنت مطلق ؟ . أهدى رجل إلى إسماعيل الأعرج فالوذجة زنخة ، وكتب معها : إني اخترت لعملها جيّد السكر السوسي ، والعسل الماذي ، والزعفران الأصبهاني ، فأجابه : برئت من الله إن لم تكن عملت هذه الفالوذجة قبل أن تمصر أصبهان ، وقبل أن تفتح سوس ، وقبل أن أوحى الله إلى النحل . قيل للنتيف الأصبهاني : ما بقي معك من آلة الجماع ؟ قال : البزاق . قيل للجاحظ : لم هربت في نكبة ابن الزيات ؟ قال : خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور . رمى المتوكل عصفوراً بالبندق فلم يصبه ، فقال ابن حمدون : أحسنت يا سيدي ، فقال : هو ذا تهزأ بي ، كيف أحسنت ؟ قال : إلى العصفور . كان بعض الكتاب يكتب كتاباً وإلى جنبه رجل يتطلع في كتابه ، فلما شق عليه ذلك كتب في كتابه : ولولا ابن زانية أخو قحبة كان يتطلع في كتابي لأطلته وشرحت فيه جميع ما في نفسي ، فقال الرجل : يا سيدي والله ما كنت أتطلع في كتابك ، فقال : يا بغيض ، فمن أين قرأت هذا الذي كتبته ؟ قيل لأبي عروة الزبيري : أيسرك أنك قائد ؟ فقال : إي والله ، ولو قائد عميان .

تجارى قوم في مجلس لهم حديث الكمال في الرجال ، ودخول النقصان عليهم للآفات ، فقال بعضهم : من كان أعور فهو نصف رجل ، ومن لن يحسن السباحة فهو نصف رجل ، ومن لم يكن متزوجاً فهو نصف رجل . وكان فيهم أعور ، ولم يكن يحسن السباحة ولا متزوجاً ، فالتفت إلى ذلك الإنسان وقال له : إن كان عليّ ما تقول فأنا أحتاج إلى نصف رجل حتى أكون لا شيء . قال بعضهم : مررت بمنجم قد صلب ، فقلت له : هل رأيت في نجمك وحكمك هذا؟ قال : كنت رأيت رفعة ، ولكن لم اعلم أنها فوق خشبة . قال بعضهم : نزلت بعض القرى ، وخرجت في الليل لحاجة فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرة وفي يده سراج ، فلم يزل يمشي حتى أتى النهر ، وملأ الجرة وانصرف راجعاً، فقلت له : يا هذا ، أنت أعمى ، والليل والنهار عليك سواء ، فما معنى هذا السراج ؟ قال : يا فضولي ، حملته معي لأعمى القلب مثلك يستضئ به ، فلا يعثر بي في الظلمة فيقع عليّ ويكسر جرتي . صدم اعور في بعض الأسواق امرأة ، فالتفتت إليه وقالت : أعمى الله بصرك ، فقال : يا ستي ، قد استجاب الله نصف دعائك . دخل إلى بعض العور رجل من جيرانه - ومعه حمار - فقال : أيها الأستاذ اشتريت هذا الحمار فأحببت أن أتبرك بنظرك إليه فكم يساوي عندك ؟ فتأمله ، ثم قال : يساوي خمسين درهماً . وكان الرجل قد اشتراه بمائة درهم ، فقال : لا إله إلا الله ما أخطأت بفلس ، فإني اشتريته بمائة ، وأنت رأيت نصفه . غنت مغنية بصوت فيه " الله يعلم . . " فكررته مراراً ، فقال ابن مكرم : أنك بغيضة . سئل رجل عن سن امرأته - وكانت قديمة الصحبة له - فقال : خذوا عيار رأسها من لحيتي . قال أبو حنيفة لشيطان الطاق : مات إمامك - يعني جعفر الصادق عليه السلام - فقال له : لكن إمامك لا يموت إلى يوم الدين . يعني ، إبليس .

وناظره مرة في الطلاق ، فقال له أبو حنيفة : أنتم معاشر الشيعة لا تقدرون على أن تطلقوا نساءكم ، فقال شيطان الطاق : نحن نقدر على أن نطلق على جميع من خالفنا نساءهم . فكيف لا نقدر على ذلك في نسائنا ؟ وإن شئت طلقت عليك امرأتك . قال أبو حنيفة : افعل . قال : قد طلقتها بأمرك ، فقد قلت لي : افعل . قال بعض العلوية لأبي العيناء : أتبغضني ولا تصح صلاتك إلا بالصلاة عليّ ، إذا قلت : اللهم صل على محمد وآله ؟ فقال أبو العيناء : إذا قلت " الطيبين " خرجت منهم . أتى قوم بعضهم وقالوا : نحب أن تسلف فلاناً ألف درهم ، وتؤخره سنة . فقال : هذه حاجتان ولكني سأقضي لكم إحداهما ، أما الألف فلا يسهل عليّ ، ولكني أؤخره ما شاء الله . وسأل بعض الخلفاء من لا يستحق الولاية ، فقال : ولني يا أمير المؤمنين أرمينية ، فقال : يبطئ على أمير المؤمنين خبرك . كان لبعضهم ابن متحنف ، فقال له يوماً : ما أطيب الثكل فقال الابن : أطيب منه والله يا أبي اليتم . قال بعض القصاص - وهو يعظ : آه . . آه فقال بعض المجان : من تحتي ؟ فقال القاص : ومعي ثلاثة . يريد : لحمل نعشه . قال رجل لحميد الطوسي - وكان عاتياً - رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت ، وكأن الله قد دعا بك ، وغفر لك ، وأدخلك الجنة . فقال : إن كانت رؤياك حقاً فالجور ثم أكثر من هاهنا . مر الفرزدق وهو راكب بغلة فضربها فضرطت ، فضحكت منه امرأة فالتفت إليها وقال : ما يضحكك ؟ فوالله ما حملتني أنثى قط إلا ضرطت ، فقالت له المرأة : فقد حملتك أمك تسعة أشهر يا ابن الضراطة . قيل لمفلس : يا مربي . قال : فأل حسن .