الجزء الثالث - الباب الرابع كلام جماعة من بني أمية

الباب الرابع كلام جماعة من بني أمية

قال سعيد بن العاص : لا تمازح الشريف ؛ فيحقد عليك ، ولا الدنيء فيجترئ عليك . ودخل عمرو بن سعيد إلى معاوية فقال له : إلى من أوصى بك أبوك ؟ قال : إن أبي أوصى إلي ، ولم يوص بي . قال : فبأي شيءٍ أوصاك ؟ قال : أوصاني ألا يفقد إخوانه منه إلا وجهه . فقال معاوية لأصحابه : إن ابن سعيدٍ هذا لأشدق . قال عنبة بن أبي سفيان لمعلم ولده : ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاح نفسك ؛ فإن عيونهم معقودةٌ بعينك ؛ فالحسن عندهم ما استحسنته ، والقبيح ما استقبحته ؛ علمهم كتاب الله ، وروهم من الحديث أشرفه ، ومن الشعر أعفه ، ولا تكرههم على علمٍ فيملوه ، ولا تدعهم فيهجروه ، ولا تخرجهم من علمٍ إلى علمٍ حتى يتقنوه فإن ازدحام العلم في السمع مضلة للفهم ؛ وعلمهم سير الحكماء ، وهددهم بي ، وأدبهم دوني ولا تتكل على عذرٍ مني ؛ فإني اتكلت على كفايةٍ منك . أطعم أبو سفيان الناس في حجة الوداع ، فقصر طعامه ، فاستعان برسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - فأعانه بألف شاة ؛ فقال أبو سفيان : بأبي أنت وأمي ؛ لقد حاربناك فما أجبناك ، وسألناك فما أبخلناك . قال سعيد بن العاص؛ موطنان لا أعذر من العي فيهما : إذا سألت حاجةً لنفسي ، وإذا أكلمت جاهلاً . وكان سعيد بن العاص والياً على المدينة من قبل معاوية ، وكان معاوية يعاقب بينه وبين مروان في ولايتها ، وكان يغرى بينهما ؛ فكتب إلى سعيد : أن اهدم دار مروان ، فلم يهدمها ، وأعاد إليه الكتاب بهدمها ، فلم يفعل ، فعزله ، وولى مروان ، وكتب إليه: أن اهدم دار سعيد ؛ فأرسل الفعلة ، وركب ليهدمها ؛ فقال له سعيدٌ : يا أبا عبد الملك ؛ أتهدم داري ؟ قال : نعم ، كتب إلي أمير المؤمنين ، ولو كتب إليك في هدم داري لفعلت . فقال : ما كنت لأفعل . قال : بلى ، والله لو كتب إليك لهدمتها ، قال : كلا يا أبا عبد الملك ؛ وقال لغلامه : انطلق فجئني بكتاب معاوية ؛ فجاء به ، فقال مروان : كتب إليك يا أبا عثمان في هدم داري ، فلم تهدمها ولم تعلمني ؟ قال : ما كنت لأهدم دارك ، ولا أمن عليك ، وإنما أراد معاوية أن يحرض بيننا ؛ فقال مروان : فداك أبي وأمي ، أنت والله أكثر مني ريشاً وعقباً ، ورجع فلم يهدم دار سعيد . وقدم سعيد على معاوية ، فقال له : يا أبا عثمان ؛ كيف تركت أبا عبد الملك ؟ قال : تركته ضابطاً لعملك ، منفذاً لأمرك . قال : إنه كصاحب الخبزة كفي نضجها فأكلها . قال : كلا والله يا أمير المؤمنين ، إنه لمع قومٍ يحمل بهم السوط ، ولا يحل لهم السيف ، يتهادون كوقع النبل ، سهماً لك وسهماً عليك . قال : ما باعد بينك وبينه ؟ قال : خافني على شرفه ، وخفته على شرفي . قال : فما ذاله عندك ؟ قال : أسره غائباً ، وأسوءه شاهداً ؟ . قال : تركتنا يا أبا عثمان في هذه الهنات . قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فتحملت الثقل وكفيت الحزم ، وكنت قريباً لو دعوت أجبت، ولو وهيت رفعت . خطب عتبة بن أبي سفيان بمصر ؛ فقال : يا حاملي ألأم آنافٍ ركبت بين أعينٍ ، إني إنما قلمت أظفاري عنكم ؛ ليلين مسي إياكم ، وسألتكم صلاح أمركم إذ كان فساده راجعاً عليكم ؛ فإذا أبيتم إلا الطعن على الولاة ، والتعرض للسلف ؛ فو الله لأقطعن على ظهوركم بطون السياط ، فإن حسمت داءكم ؛ وإلا فالسيف من ورائكم . فكم من موعظةٍ منا لكم مجتها قلوبكم ، وزجرة صمت عنها آذانكم ، ولست أبخل عليكم بالعقوبة إذا جدتم لنا بالمعصية ، ولا أويسكم من مراجعة الحق ، إن صرتم إلى التي هي أبر وأتقى . كتب زيادٌ إلى سعيد بن العاص يخطب إليه أم عثمان ابنته ، وبعث إليه بمالٍ وهدايا كثيرة ، فلما قرأ كتابه أمر حاجبه بقبض المال والهدايا وقسمها بين جلسائه ؛ فقال الحاجب : إنها أكثر من ذلك ، فقال : أنا أكثر منها . ففعل ؛ ثم كتب إلى زيادٍ : بسم الله الرحمن الرحيم . " إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى " . كان أبو سفيان إذا نزل به جارٌ قال له : يا هذا ؛ إنك قد اخترتني جاراً واخترت داري داراً ؛ فجناية يدك علي دونك ، وإن جنت عليك يدٌ فاحتكم حكم الصبي على أهله . ولى أبو بكر - رضي الله عنه - يزيد بن أبي سفيان ربعاً من أرباع الشام ، فرقى المنبر فتكلم ، فأرتج عليه ، فاستأنف ، فأرتج عليه ؛ فقطع الخطبة ثم أقبل على الناس ؛ فقال : " سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً ، وبعد عيٍّ بياناً ، وأنتم إلى أميرٍ فعال أحوج منكم إلى أميرٍ قوالٍ . " فبلغ كلامه عمرو بن العاص ؛ فقال : هن مخرجاتي من الشام . استحساناً لكلامه . ذكر العتبي : أن معاوية بن أبي سفيان أسر إلى عمرو بن عنبسة بن أبي سفيان حديثاً ، قال عمرو : فجئت إلى أبي ، فقلت : إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثاً ، أفأحدثك به ؟ قال : لا ؛ لأنه من كتم حديثه كان الخيار إليه ، ومن أظهره كان الخيار عليه ، فلا تجعل نفسك مملوكاً ، بعد أن كنت مالكاً . فقلت : أو يدخل هذا بين الرجل وابنه ؟ قال : لا ، ولكن أكره أن تذلل لسانك بإفشاء السر . قال : فرجعت إلى معاوية ، فذكرت ذلك له . فقال : أعتقك أخي من رق الخطأ . خطب عتبة بن أبي سفيان الناس بالموسم في سنة إحدى وأربعين ، وعهد الناس حديثٌ بالفتنة ، فاستفتح ، ثم قال : أيها الناس ؛ إنا قد ولينا هذا الموضع الذي يضاعف الله عز وجل للمحسنين فيه الأجر ، وعلى المسيء الوزر، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا ، فإنها تنقطع دوننا ، ورب متمنٍ حتفه في أمنيته . اقبلوا العافية ما قبلناها منكم وفيكم ، وإياكم و لو ، فقد أتعبت من كان قبلكم ، ولن تريح من بعدكم . اسأل الله أن يعين كلاً على كلٍّ .

فنعق أعرابي من مؤخرٍ المسجد ، فقال : أيها الخليفة ؛ فقال : لست به ولم تبعد . قال : فيا أخاه . قال : قد أسمعت فقل . قال : والله لئن تحسنوا وقد أسأنا خيرٌ لكم من أن تسيئوا وقد أحسنا ؛ فإن كان الإحسان لكم ، فما أحقكم باستتمامه وإن كان لنا فما أحقكم بمكافأتنا رجلٌ من بني عامرٍ يمت إليكم بالعمومة ، ويختص إليكم بالخؤولة ، وقد وطئه كيد زمانٍ ، وكثرة عيال ، وفيه أجرٌ ، وعنده شكرٌ . فقال عتبة : أستعيذ بالله منك ، وأستعينه عليك ، قد أمرت لك بغناك ، فليت إسراعنا إليك يقوم بإبطائنا عنك . قال داود بن علي لإسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص ، بعد قتله من قتل من بني أمية : أساءك ما فعلت بأصحابك ؟ قال : كانوا يداً فقطعتها ، وعضداً ففتتها ، ومرةً فنقضتها ، وجناحاً فنتفته . قال : إني لخليقٌ أن ألحقك بهم . قال : إني إذاً لسعيدٌ . قيل لأبي سفيان : بم سدت قومك ؟ قال : لم أخاصم أحداً إلا تركت للصلح موضعاً . خطب عثمان بن عنبسةً بن أبي سفيان إلى عتبة بن أبي سفيان ابنته ، فأقعده على فخذه ، وكان حدثاً ؛ فقال : أقرب قريبٍ خطب أحب حبيب ، لا أستطيع له رداً ، ولا أجد من تشفيعه بداً قد زوجتك ، وأنت أعز علي منها ، وهي ألوط . بقلبي منك ، فأكرمها يعذب على لساني ذكرك ، ولا تهنها فيصغر عندي قدرك ، وقد قربتك مع قرابتك ، فلا تباعدن قلبي منك . رأى أبو سفيان رسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - فقال للعباس : يا أبا الفضل ؛ ما رأيت كاليوم طاعة قومٍ ، ولا فارس الأكارم ، ولا الروم ذات القرون . وقال أبو سفيان : إن محمداً لم يناكر أحداً قط . إلا كان معه الأهوال . يناكر : يحارب ، وقيل : يخادع ، وقوله : الأهوال مثل قول النبي عليه السلام : " نصرت بالرعب " .

وقال أبو سفيان في غزوة السويق : أما أخذت سيفاً ولا نبلاً إلا تعسر علي ، ولقد قمت إلى بكرة قحدةٍ ، أريد أن أعرقبها ، فما استطبعت سيفي لعرقوبها ، فتناولت القوس والنبل ؛ لأرمي ظبية عصماء نرد بها قرمنا ، فانثنت على سيتاها وانمرط قذذ السهم وانتصل فعرفت أن القوم ليست فيهم حيلةٌ . وفد ابن عامر على عثمان فدخل عليه - وعنده أبو سفيان - فقال له أبو سفيان : من استخلفت على أهل البصرة ؟ قال : زياداً . قال : جد ثديا أمك . استخلفت عليهم رجلاً من الفرس . وخطب عمرو بن سعيدٍ في فتنة ابن الزبير ، فقال : يا أهل المدينة ؛ أبنا تضربون سيوفكم ؟ . أما إنكم فعلتم فعلتكم الأولى فأقالكم ، ولو انتقم بالأول لم تعودوا إلى الثانية ، ولكنكم صادفتم مسناً رحيماً ، قد فني غضبه ، وبقي حلمه ؛ فقد وليناكم بالشاب المقتبل الطويل الأمل ، البعيد الأجل ، حين خرج من الصغر ، ودخل في الكبر ؛ رفيقٌ عنيف ، رقيقٌ كثيف ، إن عض نهس ، وإن سطا فرس ، لا يقعقع له بالشنان ، ولا يقرع له بالعصا ، يرى ما غاب عنه كما يرى ما حضر . ورأى عمرو بن عتبة بن أبي سفيان رجلاً يشتم رجلاً ، وآخر يستمع له ؛ فقال للمستمع : نزه استماع عن الخناكما تنزه لسانك عن الكلام به ؛ فإن السامع شريك القائل ، وإنما نظر إلى شر ما في وعائه فأفرغه في وعائك ، ولو ردت كلمة جاهلٍ في فيه لسعد رادها ، كما شقي قائلها . قال أبو سفيان عند ما بلغه تزويج النبي عليه السلام أم حبيبة ابنته . وقيل لأبي سفيان : مثلك تنكح نساؤه بغير إذنه ؛ فقال : ذاك الفحل لا يقدع أنفه . قال أبو سفيان لرسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - : استعملني ، فاستعمله على سوق عكاظ ، فأتاه رجلان يتنازعان ، فقال أحدهما : إن هذا سرق مني مائة دينار ، وقال الآخر : ليس كما قال ، ولكني استسلفته مائة دينار ؛ فأبى أن يسلفنيها ، فلما خرج من البيت ، جئت برجلين ، فأشهدتهما أني آخذٌ من عيبته مائة دينار ، وأنها علي له ؛ فقال أبو سفيان : أول ما أقضي به أنك لئيمٌ ، وأن هذا لا قطع عليه . قال : فأبى المدعي حتى ارتفعوا إلى رسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - فقال : قد قضيت بقضاء أبي سفيان " . استعمل عبد الملك نافع بن علقمة بن صفوان على مكة ؛ فخطب ذات يومٍ وأبان بن عثمان تحت المنبر ، فشتم طلحة والزبير ؛ فلما نزل قال لأبان : أرضيتك في المدهنين في أمير المؤمنين ؟ قال : لا والله ، ولكن سؤتني ، حسبي أن يكونا شركاء في أمره . قال أبو عثمان الجاحظ : فما أدري أيهما أحسن : كلام أبان بن عثمان هذا أم كلام إسحاق بن عيسى ، فإنه قال : أعيذ علياً بالله أن يكون قتل عثمان ، وأعيذ عثمان بالله أن يقتله علي . قال : وذهب إلى معنى الحديث في قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " أشد أهل النار عذاباً من قتل نبياً أو قتله نبيٌ " . قالوا : لما استتب الأمر لمعاوية قدم عبد الله بن عباس ، وهي أول قدمةٍ قدمها عليه ، فدخل وكأنه قرحةٌ يتبجس ، فجعل عتبة بن أبي سفيان يطيل النظر إلى ابن عباسٍ ، ويقل الكلام معه . فقال ابن عباس : يا عتبة ؛ إنك لتطيل النظر إلي ، وتقل الكلام معي . ألموجدةٍ فدامت ، أو لمعتبةٍ فلا زالت ؟ قال له عتبة : ماذا أبقيت لما لا رأيت ؟ أما طول نظري إليك فسروراً بك ، وأما قلة كلامي معك فقلته مع غيرك ، ولو سلطت الحق على نفسك لعلمت أنه لا ينظر إليك عين مبغضٍ . فقال ابن عباس : أمهيت يا أبا الوليد ، أمهيت لو تحقق عندنا أكثر مما ظنناه لمحاه أقل مما قلت . فذهب بعض من حضر أن يتكلم ، فقال معاوية : اسكت . وجعل معاوية يصفق بيديه ويقول : جندلتان اصطكتا اصطكاكا . . . دعوت عركاً إذ دعوا عراكا إن الداخل بين قريش لحائنٌ نفسه . كتب عمرو بن سعيدٍ إلى عبد الملك : استدراج النعم إياك أفادك البغي ، ورائحة القدرة أورثتك الغفلة ، فزجزت عما واقعت مثله ، وندبت إلى ما تركت سبله ، ولو كان ضعف الأسباب يوئس الطالب ما انتقل سلطانٌ ولا ذل عزيزٌ ؛ وعن قريبٍ يتبين من صريع بغى ، وأسير غفلةٍ ، والرحم تعطف على الإبقاء عليك ، مع أخذك ما غيرك أقوم به منك . وقال سعيد بن العاص : قبح الله المعروف إذا لم يكن ابتداءً من غير مسألةٍ ، فأما إذا أتاك ترى دمه في وجهه ، مخاطراً لا يدري أتعطيه أم لا ، وقد بات ليلته يتململ على فراشه ، يعاقب بين شقيه ؛ مرةً هكذا ، ومرةً هكذا ؛ من لحاجته ، فخطرت بباله أنا وغيري ، فميل أرجاهم في نفسه ، وأقربهم من حاجته ، ثم عزم علي وترك غيري ، فلو خرجت له مما أملك لم أكافه ، وهو علي أمن مني عليه . قالوا: لما ولى عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك دمشق ، ولم يكن في بني أمية ألب منه في حداثة سنه ، قال أهل دمشق : هذا غلام شابٌ ، ولا علم له بالأمور ، وسيسمع منا ؛ فقام إليه رجلٌ فقال : أصلح الله الأمير ، عندي نصيحةٌ . قال له : ليت شعري ما هذه النصيحة التي ابتدأتني بها ، من غير يدٍ سبقت مني إليك ؟ قال : جارٌ لي عاص متخلفٌ عن ثغر . فقال له : ما اتقيت الله ، ولا أكرمت أميرك ؛ ولا حفظت جوارك . إن شئت نظرنا فيما تقول ، فإن كنت صادقاً لم ينفعك ذلك عندنا ، وإن كنت كاذباً عاقبناك ، وإن شئت أقلناك . قال : أقلني . قال : اذهب حيث شئت لا صحبك الله . إني أراك شر جيلٍ رجلاً . ثم قال : يا أهل دمشق ؛ أما أعظمتم ما جاء به الفاسق ؟ إن السعاية أحسب منه سجية ، ولولا أنه لا ينبغي للوالي أن يعاقب قبل أن يعاتب كان لي في ذلك رأيٌ ، فلا يأتيني أحدٌ منكم بسعايةٍ على أحدٍ بشيء ، فإن الصادق فيها فاسقٌ ، والكاذب فيها بهاتٌ .

قال : وقع ميراثٌ بين ناسٍ من آل أبي سفيان ، فتشاحوا فيه ، وتضايقوا فلما قاموا أقبل عمرو بن عتبة على ولده ، فقال : إن لقريشٍ درجا تزل عنها أقدام الرجال ، وتخشع لها رقاب الأموال ، وألسناً تكل عنها الشفار المشحوذة ، وغاياتٍ تقصر عنها الجياد المنسوبة فلو كانت الدنيا لهم لضاقت عن سعة أخلاقهم ، ولو احتفلت الدنيا ما تزينت إلا بهم . ثم إن أناساً منهم تخلقوا بأخلاق العوام ، فصار لهم رفقٌ باللؤم ، وخرق في الحرص ، فلو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها ، إن خافوا مكروهاً تعجلوا له الغم ، وإن عجلت لهم نعمة أخروا عليها الشكر ، أولئك أنضاء فكر العجز ، وعجزة حمل الشكر . قال : وقطع عبد الملك أشياء كان يجريها عليهم لتباعدٍ كان بينه وبين خالد بن يزيد بن معاوية ؛ فدخل عليه عمرو بن عتبة ؛ فقال : يا أمير المؤمنين ؛ أداء حقك متعب ، ونقصيه فادح ، ولنا مع حقك حقٌ عليك ؛ لقرابتنا منك ، وإكرام سلفنا لك ، فانظر لنا بالعين التي نظروا بها إليك ، وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك ، وزدنا بقدر ما زادك الله . فقال عبد الملك : أفعل . وإنما يستحق عطيتي من استعطاها ، فأما من ظن أنه يستغني بنفسه فسنكله إلى ذلك . فبلغ ذلك خالد بن يزيد ، فقال : أبالحرمان يتهددني ؟ ويد الله فوقه مانعةٌ ، وعطاؤه دونه مبذول . فأما عمرو بن عتبة فقد أعطى من نفسه أكثر مما أخذ . وكان عبد الملك قد أقطع عمرا نهراً بالبصرة يقال له : هوادر . خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي - عليه السلام - وبعث مائة ألف درهم ، فشاورت الحسن في ذلك ، فقال : أنا أزوجك . واتعدوا ، ولم يحضر الحسين . فقال سعيد : أين أبو عبد الله ؟ فقال الحسن : لم يحضر ، وأنا أكفيك . فقال : ولعله كره شيئاً مما نحن فيه . قالوا : نعم . فقال سعيد : لم أكن لأدخل في شيء كرهه أبو عبد الله ؛ فتفرقوا عن غير تزويج ، وردت المال ، فلم يقبله سعيد .

كان أبو سفيان يبني بيتاً ، فمر به عمر ، فقال : يا أبا سفيان ؛ احذر أن تأخذ من الطريق شيئاً ، فلما ولى عمر قال أبو سفيان : في است أم دينٍ أذلني لك . قال سعيد بن العاص لابنه عمرو : إن الولاية تظهر المحاسن والمساوى . وسئل أبو سفيان : بم سدت قومك ؟ قال : لم يقع بيني وبين رجلٍ منازعةٌ إلا تركت للصلح بيني وبينه موضعاً . وقال سعيد بن العاص : ماشا نمت رجلاً مذ كنت رجلاً ؛ لأني لا أشاتم إلا أحد رجلين : إما كريم ؛ فأنا أحق من احتمله ، وإما لئيمٌ ؛ فأنا أولى من رفع نفسه عنه . قال عبد العزيز بن مروان : ما تأملني رجلٌ قط . إلا سألته عن حاجته ، ثم كنت من ورائها . ؟ ؟