الجزء الثالث - الباب السادس نوادر أبي العيناء ومخاطباته

الباب السادس نوادر أبي العيناء ومخاطباته

حمله بعض الوزراء على دابةٍ ، فانتظر علفها ، فلما أبطأ عليه قال : أيها الوزير هذه الدابة حملتني عليه أو حملته علي . قال له المتوكل يوماً : إلى كم تمدح الناس وتذمهم ؟ فقال : ما أحسنوا وأساءوا ؛ فقد رضي الله عن عبدٍ فمدحه ؛ فقال : " نعم العبد إنه أوابٌ " وغضب على آخر فزناه . قال : ويلك أيزني الله أحداً ؟ قال : نعم . قال الله تعالى : " عتلٍّ بعد ذلك زنيم " ، والزنيم : الدخيل في القوم وليس منهم . وقال أبو العيناء : قال لي المتوكل يوماً : هل رأيت طالبياً قط . حسن الوجه ؟ قلت : نعم ، رأيت ببغداد منذ ثلاثين سنةً واحداً ، قال : تجده كان يؤاجر وكنت أنت تقود عليه . فقلت : يا أمير المؤمنين ، قد بلغ هذا من فراغي ، أدع الموالي مع كثرتهم وأقود على الغرباء . فقال المتوكل للفتح : أرت أن أشتفي منهم فاشتفى لهم مني . قال : وقال لي يوماً : لا تكثر الوقيعة في الناس . فقلت : إن لي في بصري شغلاً عن ذلك . فقال : ذاك أشد لحقدك على أهل العافية . وقال له يوماً المتوكل : إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك ، فقال : " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون " .

وقال يوماً بحضرته لخراشة : ابن كم أنت ؟ قال : ابن نيفٍ وخمسين . قال أبو العيناء : زانيةً . ودخل يوماً إلى ابن ثوابة ؛ فقال : بلغني ما خاطبت به أمس أبا الصقر ، وما منعه من استقصاء الجواب إلا أنه لم يجد عرضاً فيضعه ، ولا مجداً فيهدمه ، وبعد فإنه عاف لحمك أن يأكله ، وسهك دمك أن يسفكه . فقال : ما أنت والكلام يا مكدي ؟ فقال أبو العيناء : لا تنكر على ابن ثمانين ، وقد ذهب بصره ، وجفاه سلطانه ، أن يعول على إخوانه ، فيأخذ من أموالهم، ولكن أشد من هذا من يستنزل ماء أصلاب الرجال ، يستفرغه في جوفه ؛ فيقطع أرزاقهم ، ويعظم إجرامهم . فقال ابن ثوابة : ما تشاجر اثنان إلا غلب ألأمهما . فقال له : بها غلبت أبا الصقر . وقال ثوابة يوماً : كتبت أنفاس الرجال. قال : حيث كانوا وراء ظهرك . وقال له يوماً نجاح بن سلمة : ما ظهورك وقد خرج توقيع أمير المؤمنين في الزنادقة ؟ فقال : نستدفع الله عنك وعن أصهارك . ودخل على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وهو يلعب بالشطرنج ، فقال : في أي الحيزين أنت ؟ فقال : في حيز الأمير أيده الله . وغلب عبيد الله فقال : يا أبا العيناء ؛ قد غلبنا ، وقد أصابك الندب خمسون رطلاً ثلجاً . فكن أنت في حيلتها . قال : فقام ومضى إلى ابن ثوابة ، وقال : إن الأمير يدعوك ؛ فلما دخلا قال : أيد الله الأمير ، قد جئتك بجبل همذان وما سيذان ، فخذ منه ما شئت . وقال يوماً لولد حجاج بن هارون : في أي باب أنت من النحو ؟ قال : في باب الفاعل والمفعول . فقال : أنت في باب أبويك إذاً. ومر على دار عدو له ؛ فقال : ما خبر أبي محمد ؟ فقالوا : كما تحب . قال : فما بالي لا أسمع الرنة والصراخ ؟ .

ووعده ابن المدبر بدابةٍ ، فلما طالبه قال : أخاف أن أحملك عليه فتقطعني ولا أراك . فقال : عدني أن تضم إليه حماراً لأواظب مقتضياً . ووعده أن يحمله على بغل ، فلقيه في الطريق ؛ فقال : كيف أصبحت يا أبا العيناء ؟ قال : أصبحت بلا بغلٍ ؛ فضحك من قوله ، وبعثه إليه . وحمله بعضهم على دابةٍ ، فاشتراها ابن الرجل منه بثمنٍ أخره ، ولقيه بعد أيامٍ ، فقال : كيف أنت يا أبا العيناء ؟ قال : بخيرٍ يا من أبوه يحمل وهو يرجل . وقالت له قينة : هب لي خاتمك أذكرك به . فقال : اذكريني بالمنع . وقالت له قينة : أنت أيضاً يا أعمى فقال لها : ما أستعين على وجهك بشيءٍ أصلح من العمى . وقال لصاعدٍ : أنت خيرٌ من رسول الله ؛ فقال : ويلك كيف ؟ قال : إن الله تعالى قال له : " ولو كنت فظاً غليظ القلي لانفضوا من حولك " ؛ وأنت فظ ولسنا ننفض . وقال ابن السكيت يوماً : تراك أحطت بما لم أحط به . قال : ما أنكرت ؛ فو الله لقد قال الهدهد ، وهو أخس طائرٍ لسليمان : " أحطت بما لم تحط به " . وقال : - وقدم إلى مائدةٍ - عليها أبو هفان وأبو العيناء - فالوذج ، فقال أبو هفان : لهذه أحر من مكانك في جهنم . فقال أبو العيناء : إن كانت هذه حارةً فبردها بشعرك . وقال له صاعدٌ يوماً : ما الذي أخرك عنا ؟ قال : بنيتي . قال : وكيف؟ قال : قالت : يا أبه ؛ قد كنت تغدو من عندنا فتأتي بالخلعة السرية والجائزة السنية ، ثم أنت الآن تغدو مسدفاً ، وترجع معتماً ، فإلى من ؟ قلت : إلى أبي العلاء ذي الوزارتين . قالت : أيعطيك ؟ قلت : لا . قالت : أيشفعك ؟ قلت: لا . قالت : أفيرفع مجلسك ؟ قلت : لا . فقالت : يا أبه ، " لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً " .

وقال له عبد الله بن سليمان : إن الأخبار المذكورة في السخاء وكثرة العطاء أكثرها تصنيف الوراقين ، وأكاذيبهم قال : ولم لا يكذبون على الوزير أيده الله . وقال له محمد بن مكرم : لهممت أن آمر غلامي بدوس بطنك . فقال : الذي تخلفه على عيالك إذا ركبت ، أو الذي تحمله على ظهرك إذا نزلت ؟ . وقال يوماً لقينةٍ : كم تعدين ؟ قالت : ثلاثين سنة . قال : أنت ابنة ثلاثين سنة منذ ثلاثين سنة . وقيل له : إلى من تختلف اليوم ؟ قال : إلى من يختلف عليه. وأكل عنده سائلٌ فأكثر ؛ فقال : يا هذا أطعمناك رحمةً فصيرتنا رحمةً . وقال له بعض من ناظره : أبلعني ريقي ؛ فقال : قد أبلعتك دجلة والفرات . وقيل له : ما تقول في ابني وهب ؟ قال : " وما يستوي البحران هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابه وهذا ملحٌ أجاجٌ " سليمان أفضل . قيل : وكيف ؟ قال : " أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراطٍ مستقيمٍ " . وقيل له : ما تقول في محمد بن مكرم والعباس بن رستم ؟ قال : هما الخمر والميسر وإثمهما أكبر من نفعهما . وقال يوماً لرجل دخل من النصرانية في الإسلام : أتشرب الخمر ؟ قال : بلى . قال : لقد أصبت عين الرأي ، إذ دخلت في عزة هذه الدعوة ، وثبت على شرائط تلك النحلة . ولما استوزر صاعد بعقب دخوله من النصرانية في الإسلام صار أبو العيناء إلى بابه ، فقيل : يصلي . فعاد فقيل : يصلي . فقال : معذورٌ لكل جديدٍ لذة . وقال يوماً لرجل سلم عليه : من أنت ؟ . قال : رجلٌ من ولد آدم . قال : ادن مني عانقني ، فما ظننت أنه بقي من هذا النسل أحد .

وقال له أحمد بن سعيدٍ الباهلي : إني أصبت لباهلة فضيلةً لا توجد في سائر العرب . قال : وما هي ؟ قال : لا يصاب فيهم دعي ، فقال : لأنه ليس فوقهم من يقبلهم ، ولا دونهم أحدٌ فينزلون إليه . وحضره يوماً ابن مكرم فأخذ يؤذيه ؛ فقال له ابن مكرم : الساعة والله أنصرف . فقال : ما رأيت من يتهدد بالعافية غيرك . وقال له يوماً ما يعرض به : كم عدد المكدين بالبصرة ؟ قال : مثل عدد البغائين ببغداد . وقدم ابن مكرم من سفر ، فقال له أبو العيناء : ما أهديت لي ؟ . قال : قدمت في خف . قال : لو قدمت في خف لخلفت نفسك . وقال له ابن مكرم : مذهبي الجمع بين الصلاتين . قال : صدقت ، ولكن تجمع بينهما بالترك . وقال له ابن بدرٍ يوماً وهو على بابه : أهذا المنزل؟ قال : نعم ، فإن أردت أن ترى سوء أثرك فانزل . قال له أبو الجماز : كيف ترى غنائي ؟ قال : كما قال الله عز وجل : " إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " . ولقى أبا الجماز يوماً على حمار صغير ؛ فقال : لقد ساءني حين اضطرك الدهر إلى ركوب أصغر أولادك . وقال له يوماً : هل تذكر سالف معاشرتنا ؟ قال : إذ تغنينا ونحن نستعفيك . وقال لعلي بن الجهم : إنما تبغض علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لأنه كان يقتل الفاعل والمفعول ، وأنت أحدهما . قال له : يا مخنث . فقال : " وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه " . وقيل له : إن ابن نوحٍ النصراني عاتبٌ عليك ؛ فقال : " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " . وقال له بعضهم : إني لا أرتضي نيتك . فقال : أجل ؛ لأني أعتقد الإسلام .

وقال له عبيد الله بن يحيى بن سليمان : اعذرني ، فإني مشغولٌ . فقال : إذا فرغت لم أحتج إليك . وسلم نجاح بن سلمة إلى موسى بن عبد الملك ليستأديه مالاً ، فتلف في المطالبة ؛ فلقي بعض الرؤساء أبا العيناء ، وقال له : ما عندك من خبر نجاح ؟ قال : " فوكزه موسى فقضى عليه " ؛ فبلغت كلمته موسى ابن عبد الملك ؛ فلقيه فقال : أبي تولع ؟ والله لأقومنك . فقال : " أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس " . وقال يوماً لابن مكرم : ألست عفيفاً ؟ قال : بلى ، ولكنك عفيف الفرج زاني الحرم . فقال : إنما ذاك منذ تزوجت بأمك . وغداه ابن مكرم ؛ فقدم إليه عراقاً ، فلما جسه قال : قدركم هذه طبخت بالشطرنج . وقدم إليه يوماً قدراً فوجدها كثيرة العظام ؛ فقال : هذه قدرٌ أم قبر ؟ . وأخبر أن ابنه أعتق عبده ؛ فقال : إن جاز له هذا فليطلق على أمه الزانية . وقال له رجلٌ من بني هاشم : بلغني أنك بغاء . قال : ولم أنكرت ذاك مع قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " مولى القوم منهم " ؟ . قال : إنك دعي فينا . قال : بغائي صحح نسبي فيكم . وسأل الجاحظ كتاباً إلى محمد بن عبد الملك في شفاعة لصاحبٍ له ؛ فكتب الكتاب ، وناوله الرجل ، فعاد به إلى أبي العيناء ، وقال : قد أسعف . قال : فهل قرأته ؟ قال : لا ؛ لأنه مختوم . قال: ويحك ، فض طينةٍ أولى من حمل ظنةٍ ، لا يكون صحيفة المتلمس ؛ ففض الكتاب ؛ فإذا فيه : موصل كتابي سألني فيه أبو العيناء ، وفد عرفت سفهه وبذاء لسانه ، وما أراه لمعروفك أهلاً ، فإن أحسنت إليه فلا تحسبه علي يداً، وإن لم تحسن لم أعتده عليك ذنباً والسلام . فركب أبو العيناء إلى الجاحظ . وقال له : قد قرأت الكتاب يا أبا عثمان ، فخجل الجاحظ ، وقال : يا أبا العيناء ، هذه علامتي فيمن أعتني به . قال : فإذا بلغك أن صاحبي قد شتمك فاعلم أنه علامته فيمن شكر معروفه .

وأكل عند ابن مكرم ، فسقي على المائدة ثلاث شرباتٍ باردة ، ثم استسقى فسقى شربةً حارة ؛ فقال : لعل مزملتكم تعتريها حمى الربع . وممن انتصف من أبي العيناء محمد بن مكرم ، فإنه صادفه ساجداً وهو يقول : يا رب سائلك ببابك . فقال : تمتن على الله بأنك سائله وأنت سائل كل باب . وسمع محمد بن مكرم رجلاً يقول : من ذهب بصره قلت حيلته . فقال له : ما أغفلك عن أبي العيناء . وولد لأبي العيناء ابنٌ ؛ فأهدى إليه حجراً . يريد قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " وللعاهر الحجر " . ومنهم العباس بن رستم ؛ فإنه قال يوماً لأبي العيناء : أنا أكفر منك . فقال : ولم ؟ قال : لأنك تكفر ومعك خفيرٌ مثل عبيد الله بن يحيى وابن أبي دواد ، وأنا أكفر بلا خفارة . صحب رجلٌ مفلسٌ جماعةً فقسموا له قسمة ، فاشترى دابةً وكسوةً ، فكان إذا حلف يقول : وإلا فدابتي حبيسٌ وثيابي صدقة . ثم قسموا له قسمة أخرى ؛ فاشترى داراً وخادماً ، فكان إذا حلف يقول : وإلا فدابتي حبيسٌ وثيابي صدقةٌ وغلامي حرٌّ ، وداري مقبرةٌ . فقال أبو العيناء : طالت أيمانه ابن الزانية . كان لمحمد بن مكرم غلامٌ يتعشقه ، وكان يرمي به ؛ فدخل أبو العيناء يوماً إليه ، ؟ فقال له : يا أبا العيناء ، أما ترى غلامي سديفاً مع إكرامي له ، وفعلي به ومحبتي له، وكثرة ما أصله به من الأمول ، وينتفع بجاهي ، ولا يشكر لي ذلك ، ولا تظهر عليه النعمة ، ولا يرى عنده دينارٌ ولا درهم . قال أبو العيناء : نعم يا سيدي كسب الكناسين لا يكون له بركة . وقال له أبو علي البصير يوماً : ويلك إن لم تغضب لي بالصناعة فاغضب لي وتعصب بالعمى ؛ فقال أبو العيناء : كذبت يا عاض بظر أمه . أنا من عميان الحمير ، وأنت من عميان العصا .

وقال الكافي له : كيف أكتب اللؤم ، بلام أو لامين ؟ فقال صور نفسك . ودخل إلى المتوكل ، فقدم إليه طعام ؛ فغمس أبو العيناء لقمته في خل كان حامضاً ، فأكلها وتأذى بالحموضة ، وفطن المتوكل فجعل يضحك فقال : لا تلمني يا أمير المؤمنين ، فقد محت الإيمان في قلبي . وقال له السدري : أشتهي أن أرى الشيطان . فقال : انظر في المرآة . قال أبو العيناء : رأيت محمد بن مكرم يصلي صلواته كلها ركعتين ركعتين ؛ فقلت : يا محمد ، ما هذا الذي أراك تفعله ؟ قال : عزمت وحياتك على الخروج إلى قم إلى عند أبي . قيل لأبي العيناء : لم اتخذت خادمين أسودين ؟ فقال : أما أسودان فلئلا أتهم بهما ، وأما خادمان فلئلا يتهما بي . ونظر إلى رجل قبيح الوجه ؛ فقال : كأنما خلق هذا الرجل ليعلم الناس نعمة الله عليهم . وقدم صديقٌ له من بعض الأعمال السلطانية ؛ فدعاه إلى منزله وأطعمه وجعل الرجل يكثر الكذب ، فالتفت أبو العيناء إلى من كان معه فقال : نحن كما قال الله تعالى : " سماعون للكذب أكالون للسحت " . وقيل : ابن كم أنت ؟ فقال : قبضة ، يعني : ثلاثاً وتسعين . وقيل له : كيف حمدك لفلان ؟ ؛ فقال : أحمده للؤم الزمان ، فأما عن حسن اختيار فلا . وقال أبو العيناء : قلت لغلام ابن مكرم - ومعه دراهم - : من أين لك هذه الدراهم ؟ فقال : ألي تقول هذا ودار الضرب في سراويلي ؟ . قال ابن مكرم لأبي العيناء : أحسبك لا تصوم شهر رمضان . فقال : ويحك . وتدعني امرأتك أن أصوم . قال أبو العيناء : مررت يوماً في دربٍ بسر من رأى . فقال لي غلامٌ : يا مولاي ؛ في الدرب حملٌ سمين ، والدرب خالٍ ، فأمرته أن يأخذه ، وغطيته بطيلساني ، وصرت به إلى منزلي ؛ فلما كان الغد جاءتني رقعةٌ من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها : جعلت فداك ، ضاع لنا بالأمس في الدرب حمل ؛ فأخبرني صبيان دربنا أنت سرقته ؛ فتأمر برده متفضلاً . قال أبو العيناء : فكتبت إليه : يا سبحان الله ما أعجب هذا الأمر مشايخ دربنا يزعمون أنك بغاءٌ وأكذبهم أنا ، ولا أصدقهم ، وتصدق أنت صبيان دربكم أني أنا سرقت الحمل . قال : فسكت وما عاودني بشيء . قال أبو العيناء : أنا أؤاكل الناس منذ ثلاثين سنة ، ما آثرني إنسانٌ على نفسه بباذنجانةٍ مضيرة قط . وأكل مرة ديكبراكة ، وغسل يده عدة مرات فلم تنق ؛ فقال : كادت هذه القدر أن تكون نسباً وصهراً . قال يوماً لابن ثوابة : إذا شهدت على الناس ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون شهد عليك أنتن عضو فيك . قال بعض الهاشميين لأبي العيناء : بلغني أنك تخبأ العصا . قال : وهو ذا تدعونها تظهر حتى أخبأها أنا . ودق عليه إنسانٌ الباب فقال : من هذا ؟ . قال : أنا . قال : هذا والدق سواء . وقال أبو العيناء: أدخل على المتوكل رجلٌ قد تنبأ ؛ فقال له : ما علامة نبوتك ؟ قال : أن يدفع إلي أحدكم امرأته ؛ فإني أحبلها في الحال . فقال يا أبا العيناء : هل لك أن تعطيه بعض الأهل ؟ فقلت : إنما يعطيه من كفر به ؛ فضحك وخلاه . ولقيه رجلٌ من إخوانه فقال له : أطال الله بقاءك ، وأدام عزك وتأييدك وسعادتك ، فقال أبو العيناء : هذا العنوان ، فكتاب من أنت ؟ . وقال له يوماً عبيد الله بن يحيى الوزير - في أمر شهد عليه فيه بشهادةٍ ؛ فقال أبو العيناء : لو كان هذا في غير دولتك لتمنيت له دولتك . فقال : إن الشهود عليك كثيرٌ . قال : أكثر منهم الذين شهدوا عليك بإغلاء السعر والزيادة فيه ؛ فإن صدقتهم علي فصدقهم عليك .

وقال له يوماً : أعز الله الوزير نحن في عطلتك مرحومون ، وفي وزارتك محرومون . ويوم القيامة كل نفسٍ بما كسبت رهينةٌ . ولما تقطر بعبيد الله فرسه قال أبو العيناء : قتل الجواد الجواد . واستجفى بعض الرؤساء أبا العيناء ؛ فقال له : أنا والله على بابك أوجد من الكذب على أبواب بني خاقان . وصار يوماً إلى باب عبيد الله ؛ فقال له سعدٌ حاجبه : هو مشغول يا أبا عبد الله . فقال : ففي شغله أريد لقاءه . قال : ليس إلى ذلك سبيل . فقال له : رزقكم الله العود إلى البيت الحرام وانصرف . فقال سعد : دعا علينا لعنه الله ، والله إن كنا بمكة إلا حيث نفينا . قال أبو العيناء ، هنأت عبيد الله بن يحيى يوماً بالعيد ، ودعوت له دعاءً طويلاً ؛ فقال لي الحسن بن مخلد : حسبك يا أبا عبد الله ؛ فقلت : يا أبا الحسن ، أعزك الله . إن أبا محمد يستثقل الدعاء لأنه لا يثق بالمدعو . وقال له عبيد الله : ما دعاك إلى الوقيعة في موسى بن عبد الملك بحضرة أمير المؤمنين ؟ فقال : إني والله ما استعذبت الوقيعة فيه حتى ذممت لك سريرته . ودخل عليه يوماً وعنده نجاح بن سلمة ، وأحمد بن إسرائيل وهما يسارانه ؛ فقال : يا أبا الحسن : " تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى " ؛ فقال نجاح : كذبت يا عدو الله ؛ فقال : " لكل نبإٍ مستقرٌ وسوف تعلمون " . ودخل إلى نجاح بن سلمة ؛ فقال : لا تدنس حصير صلاتي قبحك الله . فقال أبو العيناء له : لا . ولكن متمرغ فسقك . وسقط نجاحٌ عن دابته ؛ فوثب إليه إبراهيم بن عتابٍ ، فأخذه من الأرض ؛ فقال أبو العيناء : يا أبا الفضل ، لميتةٌ مجهزة أصلح من عافيةٍ على يد ابن عتاب .

وقيل له : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت والله من المملقين الذين لا يطمع فيهم نجاح بن سلمة . وقال يوماً لابن ثوابة : يحتاج عقلك إلى صمتٍ يستره ، ونطقك إلى عقلٍ يسدده . وقال له ابن مكرم : كان ابن الكلبي صاحب البريد يحب أن يشم الخراء فقال : لو رآك لترشفك . وقال ابن مكرم يوماً : ما في الدنيا أعقل من القحبة ؛ لأنها تطعم أطايب الطعام ، وتسقي ألذ الشراب وتأخذ دراهم وتتلذذ . فقال له أبو العيناء : فكيف عقل والدتك ؟ قال : أحمق من دغة يا عاض كذا . وعرضت له حاجةٌ إلى بغا ، فلقيه ، فقال : ألق الفتح بن خاقان فلقيه فوعده ، ثم لقيه فوعده ؛ فلما كان في المرة الثالثة ألقاه على سبيل ضجرٍ فقال : أما علمت أن من طالب السلطان احتاج إلى ثلاث خلال ؟ فقال : وما هن ؟ أعز الله الأمير . قال : عقلٌ وصبرٌ ومالٌ . فقال أبو العيناء : ولو كان لي عقلٌ لعقلت عن الله أمره ونهيه ، ولو كان لي صبرٌ لصبرت منتظراً لرزقي أن يأتيني ، ولو كان لي مالٌ لاستغنيت به عن تأميل الأمير ، والوقوف ببابه . وسأل أحمد بن صالح حاجةً فوعده ، ثم اقتضاه إياها فقال : حال دونها هذا المطر والوحل ؛ فقال أبو العيناء : فحاجتي إذاً صيفية . ودخل على عبد الرحمن بن خاقان - وكان شاتياً - فقال له عبد الرحمن : كيف ترى هذا البرد يا أبا عبد الله ؟ فقال : تأبى نعماك أن أجده . وكان بحضرة عبيد الله بن سليمان ؛ فأقبل الطائي فعرف مجيئه ، فقال : هذا رجلٌ إذا رضي عشنا في نوافل فضله ، وإذا غضب تقوتنا بقايا بره . وسأل إبراهيم بن ميمون حاجةً فدفعه عنها ، واعتذر إليه وأعلمه أنه قد صدقه ؛ فقال له : قد والله سرني صدقك ؛ لعوز الصدق عنك ، فمن صدقه حرمانٌ فكيف يكون كذبه ؟ .

وقال لبعضهم : أعطيتني برك تفاريق ، وعقوقك جملة . وقال : رأيت حمالاً قد حمل على رأسه شيئاً بنصف درهم ؛ فلما أراد الرجوع اكترى إلى ذلك الموضع حماراً بأربعة دوانيق . وقال له رجلٌ : كان أبوك أكمل منك ؛ فقال : إن أبي كنت أنا به ، ولم يك بي ، فهو أولى بالكمال مني . وقال في رجلين فسد ما بينهما : تنازعا ثوب العقوق ، متى صدعاه صدع الزجاجة ما لها من جابر . قال : قال لي المتوكل : امض إلى موسى بن عبد الملك . واعتذر ، ولا تعرفه أني وجهتك . فقلت له : تستكتمني بحضرة ألفٍ ؟ قال : إنما عليك أن تنفذ كما تؤمر به . قلت : وعلي أن أحترس مما أخاف منه . وقال له المتوكل : أكان أبوك مثلك في البيان ؟ قال : والله يا أمير المؤمنين لو رأيته لرأيت عبداً لك لا ترضاني عبداً له . ووعده أبو الصقر شيئاً وقال له : غداً ؛ فقال أبو العيناء : إن الدهر كله غد ، فهل عندك موعد مخلىً من المعاريض ؟ . قال له رجلٌ قد حضر : قد استعمل المعاريض قومٌ صالحون : حدثنا فلانٌ عن فلانٍ . . ، فقال أبو العيناء : من هذا المتحدث في حرماننا بالأسانيد ؟ . وداس رجلٌ نبتاً له وقال : باسم الله . فقال : لم ترض بذبحها حتى تذكيتها . وداس آخر يده ، وقال : باسم الله . فقال : البقرة تذبح ويقول ذابحها : باسم الله . وشكا إليه رجلٌ ابنه ؛ فقال أبو العيناء : لقد دخل في العدد وخرج من العدد . ولقيه بعض الكتاب في السحر ؛ فقال له متعجباً منه ومن بكوره : يا أبا عبد الله ، أتبكر في مثل هذا الوقت ؟ فقال : أتشاركني في الفعل ، وتفردني في المتعجب ؟ .

ودخل على محمد بن عبد الملك ، فجعل لا يكلمه إلا بأطرافه ؛ فقال : إن من حق نعمه أن تجعل البسطة لأهل الحاجة إليك ، فإن من أوحش انقبض عن المسألة ، وبكثرة المسألة مع النجح يدوم السرور . فقال له محمد : أما إني أعرفك فضولياً كثير الكلام وأمر به إلى الحبس ؛ فكتب إليه : قد علمت أن الحبس لم يكن من جرمٍ تقدم إليك ، ولكن أحببت أن تريني مقدار قدرتك علي ؛ لأن كل جديدٍ يستلذ ، ولا بأس أن ترينا من عفوك حسب ما أريتنا من قدرتك . فأمر بإطلاقه ، ثم لقيه بعد أيامٍ ، فقال : يا أبا العيناء ، ما تزورنا حسب نيتنا فيك ؟ . فقال : أما نيتك فمتأكدة ، ولكن أرى أن الذي جدد الاستبطاء فراغ حبسك ، فأحببت أن تشغله بي . واعترضه يوماً أحمد بن سعيد ، فسلم عليه ؛ فقال أبو العيناء : من أنت ؟ قال : أحمد بن سعيد ؛ فقال : إني بك لعارف ، ولكن عهدي بصوتك يرتفع إلي من أسفل، فماله ينحدر علي من علو ؟ قال : لأني راكب . قال : لا إله إلا الله . لعهدي بك وأنت في طمرين لو أقسمت على الله في رغيفٍ لأعضك بما تكره . وقال يوماً لعبيد الله بن سليمان : إلى كم يرفعني الوزير ، ولا يرفع بي رأساً؟ . وقال له يوماً : كيف حالك ؟ فقال : أنت الحال ، فإذا صلحت صلحت . وقربه يوماً ؛ فقال : تقريب الولي وحرومان العدو . وقيل له : أتشرب النبيذ ؟ فقال : " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " . وقال يوماً لعبيد الله بن يحيى : أيها الوزير ، قد برح بي حجابك ؛ فقال له : ارفق . فقال : لو رفق بي فعلك رفق بك قولي . وقال يوماً لعيسى بن فرخانشاه ، وقد بالغ أحمد بن المدبر : أتبالغه ، وشطر اسمك عني ، وما بقي فثلثا مسي ؟ . وقيل : لا تعجل ، فإن العجلة من الشيطان ؛ فقال : لو كان كذلك لما قال موسى عليه السلام : " وعجلت إليك رب لترضى " .

قال ابن وثاب لأبي العيناء يوماً : أنا والله أحبك بكليتي . فقال أبو العيناء : إلا عضوٌ واحدٌ منك أيدك الله ؛ فبلغ ذلك ابن أبي دواد ، فقال : قد وفق في التحديد عليه . وقال : أنا أول من أظهر العقوق بالبصرة . قال لي أبي : يا بني ؛ إن الله قرن طاعته بطاعتي ؛ فقال : " اشكر لي ولوالديك " . فقلت : يا أبت إن الله ائتمنني عليك ، ولم يأتمنك علي ؛ فقال : " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " . وقبل يد سليمان بن وهب ؛ فقال : أنا أرفعك عن هذا . فقال أبو العيناء : أترفعني عما يرتفع الناس إليه ؟ . وقيل له : ما تقول في مالك بن طوق ؟ فقال : لو كان في زمان بني إسرائيل ، ثم نزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره . وقال لبعض الكتاب : والله ما هو إلا أن يزيلك القدر عن القدرة حتى تحصل على المذمة والحسرة . وقال : فلج بعض المجان ، فرأيته وهو يأكل سمكاً ولبناً ، فعاتبته على ذلك ؛ فقال : آمن ما يكون الطريق إذا قطع . وقال : ما لقى إبليس من المبلغين كلما نسوا لعنوه . ودخل على المتوكل وهو يبني الجعفري ؛ فقال له : يا أبا العيناء ؛ كيف ترى دارنا ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، الناس يبنون الدور في الدنيا ، وأنت تبني الدنيا في دارك . وسأله المتوكل عن ميمون بن إبراهيم صاحب البريد ، فقال : يد تسرق ، واستٌ تضرط ، مثله مثل يهوديٍّ سرق نصف جزيته ، فله إقدامٌ بما أدى ، وإحجامٌ بما أبقى ، إساءته عمدٌ ، وإحسانه تكلف . وتكلم ابن ثوابة يوماً فتقعر ثم لحن ؛ فقال له أبو العيناء : تقعرت حتى خفتك ، ثم تكشفت حتى عفتك . وقال له أبو الصقر : ما أخرك عنا ؟ قال : سرق حماري ، وكرهت منه العواري ، وذلة المكاري .

قال يوماً لجارية مغنية : أنا أشتهي أن أييكك . قالت : ذاك يوم عماك . قال : يا ستي ؛ فالساعة بالنقد فقد سبق الشرط - يعني : العمى . قال : قلت لغلامي وقد رأيت في السوق مشجباً : اشتر لنا هذا المشجب . فقال : يا سيدي فما تلبس إذا ألقيت ثيابك على المشجب ؟ . بات أبو العيناء عند ابن مكرم ، فجعل ابن مكرم يفسو عليه ، فقام أبو العيناء وصعد السرير ، فارتفع إليه فساؤه ، فصعد السطح فبلغته رائحته ، فقال : يا بن الفاعلة ، ما فساؤك إلا دعوة مظلوم . وذكر أبو العيناء للعباس بن رستم ، فقال : ليس تهضمه معدتي ، وتأدى ذلك إلى أبي العيناء ؛ فقال : قل له: إن كان من تحب يجب أن تهضمه معدتك فيجب أن تكون قد سحت أباك وأمك منذ ثلاثين سنةً . وكان أبو العيناء في مجلس ، وإلى جنبه مغنٍّ باردٌ ، فأقبل على أبي العيناء وقال : يا سيدي كم بيننا وبين الشتاء ؟ قال : هذه المسورة. دعا أبو العيناء بعض أصدقائه ، فقال : أتوضأ وأجيئك . فقال : أخشى ألا ترجع إن ذهبت تتوضأ . قال : ولم ؟ قال : لأنك كما أنت وضوء . وقال له يوماً ابن مكرم : يا أبا العيناء ، كل شيء لك من الناس حتى أولادك . وقال أبو العيناء في ابن مكرم : هو إذا غزا فمطية جنده ، وإذا قفل فظعينة عبده . أهدى أبو علي البصير إلى أبي العيناء كيرينجات ، وكتب عليها : " ادخلوها بسلامٍ آمنين " فردها وكتب عليها : " فرددناه إلى أمه كي تقر عينها " . وقال لرجل : ما بال الأحمق يرزق والأديب يحرم ؟ فقال : إن هذه الدنيا لدار اختبارٍ ، فأحب الرازق أن يعلمهم أن الأمور ليست إليهم . وقال أبو العيناء : غلات السواد كلها تباع بكف المودح فهلا اكتفى من ذلك بنقر يسير .

قيل له : كيف تركت فلاناً مع قومه ؟ قال : " يعدهم ويمنيهم ، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً " . وقال له أبو علي البصير : في أي وقت ولدت ؟ قال : قبل طلوع الشمس ، قال : لذلك خرجت سائلاً ؛ لأنه وقت انتشار السؤال . وقال أبو العيناء لرئيسٍ كان عنده وهو يخفض كلامه : كأنك قد طفل بك في منزلك . وقدم إليه ابن مكرم جنب شواءٍ. قال : ليس هذا جنباً ، هذا شريحة قصب . وذكر ولد عيسى بن موسى ، فقال : كأن آنفهم قبورٌ نصبت على غير القبلة . ودخل على إسماعيل القاضي ، وجعل يرد عليه إذا غلط أعزه الله ؟ ، كأنك أحطت بما لم يحط به ، فقال: نعم ، لم لا أرد على القاضي ؟ ، وقد رد الهدهد على سليمان ؛ فقال : " أحطت بما لم تحط به " وأنا أعلم من الهدهد ، وسليمان أعلم من القاضي . وقال رجل : ما أنتن إبطك قال : نلقاك - أعزك الله - بما يشبهك . وقال له رجلٌ من ولد سعيد بن مسلم : إن أبي يبغضك . فقال : يا بني ؛ إن لي أسوةً بآل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . وقال لرجل : والله ما فيك من العقل شيءٌ إلا مقدار ما تجب به الحجة عليك ، والنار لك . قال أبو العيناء : وصفت الحمامات بحضرة ابن عتابٍ ، فقال : دعوني من هذا . ما قامت النساء عن حمامٍ أطيب من حمام أصحاب الخنا . قال المتوكل : لولا ذهاب بصر أبي العيناء لأردت منادمته ، وبلغه ذلك ، فقال : قولوا له : إني إن أعفيت من قراءة نقوش الخواتم ، ورؤية الأهلة صلحت لغير ذلك . وأنهى ذلك إلى المتوكل فضحك وأمر بمنادمته . قال أبو العيناء : سمعت جاراً لي أحمقٌ وهو يقول لجارٍ له : والله لهممت أن أوكل بك من يصفع رقبتك ، ويخرج هذه الجفون من أقصى حجرٍ بخراسان .

ودخل إلى ابن مكرمٍ ؛ فقال له : كيف أنت ؟ قال : كما تحب ؛ فقال : فلم أنت مطلق ؟ .

من رسائل أبي العيناء وكلامه المستحسن

كتب إلى أبي الوليد بن أبي دواد : جعلت فداك ، مسنا وأهلنا الضر ، وبضاعتنا المودة والشكر ؛ فإن تعطنا أكن كما قال الشاعر : أنا الشهاب الذي يحمي دياركم . . . لا يخمد الدهر إلا ضوءه يقد . وإن لم تفعل فلسنا ممن يلمزك في الصدقات ؛ " فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون " . قال ابن مكرم : من زعم أن عبد الحميد أكتب من أبي العيناء إذا أحس بكرمٍ أو شرع في طمعٍ فقد وهم . كتب إلى عبيد الله بن سليمان وقد نكبه وأباه المعتمد، وهما مطالبان بمالٍ ، يبيعان له ما يملكان من عقار وأثاثٍ ، وعبدٍ وأمةٍ . وأعطى بخادمٍ أسود لعبيد الله خمسون ديناراً ؛ فكتب إليه أبو العيناء : قد علمت - أطال الله بقاءك - أن الكريم المنكوب أجدى على الأحرار من اللئيم الموفور لأن اللئيم يزيد مع النعمة لؤماً ، ولا تزيد محنة الكريم إلا كرماً ، هذا متكلٌ على رازقه ، وهذا يسيء الظن بخالقه . وعبدك إلى ملك كافورٍ فقيرٌ ، وثمنه على ما اتصل به يسير ؛ فإن سمحت فتلك منك عادتي ، وإن أمرت بأخذ ثمنه فمالك منه مادتي . أدام الله لنا دولتك ، واستقبل بالنعمة نكبتك ، وأدام عزك وكرامتك . فوهب الخادم إليه . قال أبو العيناء : قال ملكٌ لبنيه : صفوا لي شهواتكم من النساء . فقال الأكبر : تعجبني القدود والخدود والنهود . وقال الأوسط : تعجبني الأطراف والأعطاف والأرداف . وقال الأصغر : تعجبني الشعور والثغور والنحور . كان بين أبي العيناء وبين إبراهيم بن رباح خلة ومودة وصداقةٌ قديمة ؛ فلما نكب مع الكتاب في أول خلافة الواثق أنشأ أبو العيناء كلاماً حكاه عن بعض الأعراب ؛ فلما وصل إلى الواثق وقرئ عليه . قال : واضع هذا الكلام ما أراد به غير إبراهيم بن رباح ، وكان أحد أسباب الرضا عنه . ونسخة الكلام : قال : لقيت أعرابياً من أهل البادية ، فقلت : ما عندك من خبر البلاد ؟ قال : قتل أرضاً عالمها . قلت : فما عندك من خبر الخليفة ؟ قال : تبحبح في عزةٍ فضرب بجرانه ، وأخذ الدرهم من مصره ، وأرعف كل قلم خيانته . قلت : فما عندك من خبر ابن أبي دواد؟ قال : عضلةٌ لا تطاق ، وجندلةٌ لا ترام ، ينتحى بالمدى لنحره فتحور ، وتنصب له الحبائل حتى يقول : الآن ، ثم يضبر ضبرة الذئب ، ويتملس تملس الضب ، والخليفة يحنو عليه ، والعراق يأخذ بضبعيه . قلت : فما عندك من خبر عمر بن فرج ؟ فقال : ضخامٌ حضجر وغضوبٌ هزبرٌ ، قد أهدفه القوم لبغيهم ، وانتضوا له عن قسيهم ، وأحر له بمثل مصرع من يصرع منهم . قلت : فما عندك من خبر ابن الزيات ؟ قال : ذاك رجلٌ وسع الورى بشره ، وبطن بالأمور خبره ، فله في كل يومٍ صريعٌ لا تظهر فيه آثار مخلبٍ ولا نابٍ ، إلا بتسديد الرأي . قلت : فما عندك من خبر إبراهيم بن رباح ؟ قال : ذاك رجلٌ أوبقه كرمه ، وإن يفز للكرام قدحٌ فأحر بمنجاته ، ومعه دعاءٌ لا يخذله، وفوقه خليفةٌ لا يظلمه . قلت : فما عندك من خبر نجاح بن سلمة ؟ قال : لا دره من خافض أوتادٍ ، يقد كأنه لهب نارٍ، له في الفينة بعد الفينة جلسة عند الخليفة كحسوة طائر ، أو كخلسة سارق ، يقوم عنها ، وقد أفاد نعماً ، وأوقع نقما . قلت : فما عندك من خبر الفضل بن مروان ؟ قال : ذاك رجلٌ حشر بعد ما قبر ، فله نشرة الأحياء ، وفيه خفوت الموتى .

قلت : فما عندك من خبر أبي الوزير فقال : إخاله كبش الزنادقة . ألا ترى أن الخليفة إذا أهمله خضم فرتع ، حتى إذا أمر بنقضه أمطر فأمرع ؟ . قلت : فما عندك من خبر أحمد بن الخصيب ؟ فقال : أحمد أكل أكلة نهم ؛ فأخلف خلفة بشم . قلت : فما عندك من خبر المعلى بن أيوب ؟ قال : ذاك رجلٌ قد من صخرة ، فصبره صبرها ، ومسه مسها . قلت : فما عندك من خبر أحمد بن إسرائيل ؟ قال : كتومٌ غرورٌ ، وجلدٌ صبورٌ ، له جلد نمر ، كلما قدوا له إهاباً أنشأ الله له إهاباً . قلت : فما عندك من خبر عبد الله بن يعقوب ؟ قال : " أمواتٌ غير أحياءٍ وما يشعرون أيان يبعثون " . قلت : فما عندك من خبر سليمان بن وهب ؟ فقال : ذاك رجلٌ اتخذه السلطان أخاً ، فاتخذ نفسه للسلطان عبداً . قلت : فما عندك من خبر أخيه الحسن ؟ : فقال : شد ما استنوقت مسألتك ذاك حرمةٌ حبست بجريرة المجرم ، ليس في القوم في خلٍّ ولا خمرٍ ، هيهات : كتب الحبس والخراج عليهم . . . وعلى المحصنات جر الذيول قال : قلت: أين منزلك فأؤمك ؟ قال : ما لي منزلٌ . إنما أستتر في الليل إذا التبس ، وأظهر في النهار إذا تنفس . وهذا كلامٌ لأبي العيناء ، نسبه إلى جماعةٍ من كتاب الحضرة وغيرهم في ذم أحمد بن الخصيب وزير المستعين ، قال : ذكر عند أبي العباس محمد بن عبد الله بن طاهر أحمد بن الخصيب ؛ فقال : ما زال يخرق ولا يرقع ، وما زلت منذ ارتفع ، أتذكر الذي فيه وقع .

وذكر بغا ؛ فقال : أبطرته النعمة ، فعاجلته النقمة . وذكر جعفر بن عبد الواحد فقال : أحسن حسناته سيئةٌ ، وأصغر سيئاته كبيرة . وذكر هارون بن عيسى فقال : كانت دولته دولة المجانين خرجت من الدنيا والدين . وذكر عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بأترجة ، فقال : بعد من الشرف فتحامل عليه ، وقرب من ضلٍّ فمال إليه . وذكر إسحاق بن إبراهيم المصعبي ؛ فقال : ما كان أتم شرته ، إن دنوت منه غرك ، وإن بعدت منه ضرك . وذكره وصيف فقال ترك العقلاء على يأسٍ من مرتبته ، والجهال على رجاءٍ لدرجته ، وذكره موسى بن بغا ؛ فقال : لولا أن القدر يغشي البصر ما نهى بيننا ولا أمر . وذكره صالح بن وصيف ؛ فقال : تجبر وتكبر وتذمر ودبر فدمر . وذكره سليمان بن يحيى فقال : لم تتم له نعمة ؛ لأنه لم تكن في الخير همة . وذكره الفضل بن عباس فقال : إن لم يكن تاريخ البلاء فما أعظم البلوى . وذكره الفضل بن مروان قال : فما أجهل من يستجهله أولم يخبر بأمر يجهله ؟ . وذكر عيسى بن فرخانشاه ؛ فقال : أعقل منه مجنون ، وأحسن منه معدوم . وذكره إسحاق بن منصورٍ ؛ فقال : لو طلب العافية لوجدها ، ما أدبرت عنه حتى أدبر عنها .

وذكره الحسن بن مخلد ، فقال : لئن كان دخل مدخلا لا يشبهه لقد خرج مخرجاً يشبهه . وذكره أحمد بن إسرائيل ؛ فقال : كنا إذا عصيناه عرضنا بأنفسنا ، وإذا أطعناه فسد تدبيرنا . وذكره داود بن محمد الطوسي . فقال : ما أحسن قط إلا غلطاً ، ولا أساء إلا تعمداً . وذكره المعلى ، فقال : ما أعجب ما نكب ونعمته أعجب من نكبته . وذكره ميمون بن إبراهيم ، فقال : لو تأمل رجل أفعاله فاجتنبها ، لاستغنى عن الآداب أن يطلبها . وذكره ابن أبي الشوارب، فقال : كان يحمد المحسنين ، ويجتنب أفعالهم ، ويذم المسيئين ، ويعمل أعمالهم . وذكره خالد بن صبيح ، فقال : هو كما قال فلانٌ : ملأ يساره سلحا ، وبسط يمينه سطحا ، وقال : انظروا في سطحي ، وإلا لطختكم بسلحي . وذكره شجاع بن القاسم ، فقال : الحزم ما فعلنا ، ولو لم نعاجله لعاجلنا . وذكره داود بن الجراح ، فقال : كان لا يرضى أحداً ولا يرضاه أحد ، فضروه إذ لم يرضوه ، ولم يضرهم إذ لم يرضهم . وذكره أحمد بن صالحٍ ، فقال : كان لا يغتم إلا لما فاته من الشر ولا يسر إلا بما فاته من الخير . وذكره محمد بن نحاح ، فقال : لئن كانت النعمة عظمت على قومٍ خرجت عنهم ، لقد عظمت المصيبة على قومٍ نزلت فيهم . وذكره علي بن يحيى ، فقال : لم يكن له أولٌ يرجع إليه ، ولا آخرٌ يعول عليه ، ولا عقلٌ فيذكر عاقلٌ لديه . وذكره علي بن الحسن الإسكاف ، فقال : كان الجاهل يغبطنا بتكرمته ، والعاقل يرحمنا من سوء عشرته . وذكره ابن محمد بن فيروزٍ ، فقال : حظٌّ في السحاب ، وعقلٌ في التراب .

وذكره محمد بن موسى بن شاكر المنجم ، فقال : قبحه الله إن ذكرت له ذا فضلٍ تنقصه لما فيه من ضده ، أو ذكرت ذا نقص تولاه لما فيه من شكله . وذكره يزيد المهلبي ، فقال : كانت يده تمنع ، ونفسه لا تشبع ، ويرتع ولا يرتع . وذكره ابن طالوتٍ ، فقال : كان العقل مأسوراً في سلطانه ، فلما سيره أطلق من لسانه . وذكره محمد بن علي بن عصمة ، فقال : ما كان أقرب وليه مما يكره ، وعدوه مما يحب . وذكره ابن جبل ؛ فقال : ما زال ينقص ولا يزيد ، ويتوعد حتى حل به الوعيد . وذكره عبد الله بن محمدٍ ، فقال : لو أقام لسرنا ؛ فأما إذ سار فقد أقمنا . وذكره ابن حمدون ؛ فقال : لئن فضحته القدرة لقد جملته النكبة . وذكره ابن أبي الأصبع ، فقال : ما علمت خدمة الشياطين ، إلا أيسر من خدمة المجانين ؛ كان غضبه علينا إذا أطعناه أشد من غضبه إذا خالفناه . وذكره إبراهيم بن رباح ؛ فقال : كان لا يفهم ولا يفهم ، وينقض ما يبرم . وذكره سعيد بن حميدٍ فقال : كان إذا أصاب أحجم ، وإذا أخطأ صمم. وذكره سعيد بن عبد الملك ، فقال : كان يخافه الناصح ، ولا يأمنه الغاش ، ولا يبالي أن يراه الله مسيئاً . وقال المتوكل يوماً لأبي العيناء : كيف شربك النبيذ ؟ قال : أعجز عن قليله ، وأفتضح عند كثيره . فقال : دع هذا عنك ونادمنا . فقال : يا أمير المؤمنين إن أجهل الناس من جهل نفسه ، ومهما جهلت من الأمر فلن أجهل نفسي ، أنا امرؤ محجوب ، والمحجوب مخطوفٌ ؟ إشارته ، ملحودٌ بصره ، وينظر إلى من لا ينظر إليه ؛ وكل من في مجلسك يخدمك ، وأنا أحتاج أن أخدم ، وأخرى ، فلست آمن أن تنظر إلي بعين غضبان وقلبك راضٍ ، أو بعينٍ راضٍ وقلبك غضبان ، ومتى لم أميز بين هاتين هلكت . ولم أقل هذا جهلاً بمالي في المجلس من الفائدة ؛ فأختار العافية على التعرض للبلية . قال أبو العيناء ، قال لي المتوكل يوماً : بلغني أنك رافضي . فقلت : ألدينٍ أم لدنيا ؟ فإن أك للدين ترفضت فأبوك مستنزل الغيث ، وإن أك للدنيا ففي يديك خزائن الأرض . وكيف أكون رافضياً ، وأنا مولاك ، ومولدي البصرة ، وأستاذي الأصمعي ، وجيراني باهلة ؟ فقال : إن ابن سعدان زعم ذلك . قلت : ومن ابن سعدان ؟ والله ما يفرق بين الإمام والمأموم ، والتابع والمتبوع ؛ إنما ذاك حامل درة ، ومعلم صبية ، وآخذٌ على كتاب الله أجرة . قال : لا تقل ؛ فإنه مؤدب المؤيد . قال : قلت : يا أمير المؤمنين : لم يؤدبه حسبةً ، إنما أدبه بأجرة ، فإذا أعطيته حقه فقد قضيت ذمامه . عزى أبو العيناء ابن الرضا رضي الله عنهما عن ابنه ؛ فقال له : أنت تجل عن وصيتنا ، ونحن نقل عن عظتك . وفي علم الله ما كفاك ، وفي ثواب الله ما عزاك . وكتب إلى عبيد الله بن سليمان : أنا وولدي وعيالي زرعٌ من زرعك ؛ إن سقيته راع وزكا ، وإن جفوته ذبل وذوى . وقد مسني منك جفاءٌ بعد بر ، وإغفالٌ بعد تعهد ، حتى شمت عدوٌّ ، وتكلم حاسد ، ولعبت بي ظنون رجال وشديدٌ عادةٌ منتزعة وعزاه عن أبيه ، فقال : عقم والله البيان ، وخرست الأقلام ، ووهى النظام . وكتب إلى عيسى بن فرخانشاه : أنا أحمد الله على ما تأتت إليه أحوالك ، ولئن كانت أخطأت فيك النعمة ، لقد أصابت فيك النقمة ، ولئن أبدت الأيام مقابحها بالإقبال عليك، لقد أظهرت محاسنها بالانصراف عنك .

وكتب إلى صديق له تولى ناحية : أما بعد ؛ فإني لا أعظك بموعظة الله ؛ لأنك غنيٌّ عنها ، ولا أرغبك في الآخرة ؛ لمعرفتي بزهدك فيها . ولكني أقول كما قال الشاعر : أحاربن عمرٍ قد وليت ولايةً . . . فكن جرذاً فيها تخون وتسرق وكاثر تميماً بالغنى ، إن للغنى . . . لساناً به المرء الهيوبة ينطق واعلم أن الخيانة فطنة ، والأمانة خرق ، والجمع كيسٌ ، والمنع صرامة ، وليست كل يوم ولايةٌ ، فاذكر أيام العطلة ، ولا تحقرن صغيراً ، فمن الذود إلى الذود إبل ، والولاية رقدةٌ ، فتنبه ، قبل أن تنبه وأخو السلطان أعمى ، عن قليل سوف يبصر . وما هذه الوصية التي أوصى بها يعقوب بنيه ، ولكني رأيت الحزم أخذ العاجل ، وترك الآجل . وكتب إلى عيسى بن فرخانشاه : أصبحت منك بين أمرين عجيبين ؛ إن غبت عنا - ولا يغيبنك الله - لزمنا الخوف ، واستخف بنا الناس ، ولاحظونا بالوعيد ، وسدوا علينا أبواب المنافع ؛ فإذا ظهرت ففقرٌ حاضر ، وأمل كاذبٌ ، وحرمانٌ شامل ، كنت أسألك كذا فاستكثرته ، وما ظننتك تستكثر . هذا الولي مؤمل بي إليك ، فكيف لولدك الذي غذى بعمتك وتخرج في دواوينك ، فوالله ما كان أملٌ سواك ، ولا خطر من مكاره الدنيا شيءٌ فأخطرتك بقلبي إلا هان وخف عندي . وكتب إلى بعضهم : نحن أعز الله الأمير إذا سألنا الناس كف الأذى سألناك بذل الندى ، وإذا سألناهم العدل ، سألناك الفضل ، وإذا سررناهم بسط العذر سررناك باستدعاءٍ البر .

وكتب في فصل : قد آمن الله خائفك من ظلمك ، وسائلك من بخلك ، والعائذ بك من مالك ، والمستزيد لك من علمك، وإن الله لم يزل يعطيك إذا أعطيت ، ويزيدك إذا زدت . أخبرنا الصاحب - رحمه الله تعالى - أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل قال : أخبرنا أبو العيناء ، وقال مرة أخرى أحمد بن خلف قال أبو العيناء : أتيت عبد الله بن داود الخريبي ؛ فقال : ما جاء بك ؟ فقلت : طلب الحديث ، قال : اذهب فتحفظ القرآن ، قلت : قد حفظت القرآن . قال : فاقرأ : " واتل عليهم نبأ نوحٍ إذ قال لقومه " . قال : فقرأت العشر ، قال : فاذهب الآن وتعلم الفرائض . قال : قلت : قد تعلمت الجد والصلب والكبد ، قال : فأيما أقرب إليك : ابن أخيك أو ابن عمك ؟ قال : قلت : ابن أخي ، قال : ولم؟ قلت : لأن أخي من أبي ، وعمي من جدي . قال : اذهب الآن وتعلم العربية . قلت : علمت ذاك قبل هذين . قال : فلم ؟ قال عمر بن الخطاب : يا لله ، يا للمسلمين . قال : قلت : فتح تلك للاستغاثة ، وكسر هذه للاستنصار . قال : لو حدثت أحداً حدثتك . سب رجلٌ من العلوية أبا العيناء ، فقال له أبو العيناء : ما أحوج شرفك إلى من تصونه حتى تكون فوق من أنت دونه . وكتب إلى بعضهم : ثقتي بك تمنعني من استبطائك ، وعلمي بشغلك يدعوني إلى إذكارك. ولست آمن مع استحكام ثقتي بطولك ، والمعرفة بعلو همتك اخترام الأجل ؛ فإن الآجال آفات الآمال ، فسح الله في أجلك ، وبلغك منتهى أملك . ؟ ؟