الجزء الثالث - الباب السابع نوادر مزبد

الباب السابع نوادر مزبد

صب مزبدٌ يوماً الماء على نفسه ، فسألته امرأته عن ذلك ؛ فقال : جلدت عميرة ، ثم رآها بعد أيام تصب الماء على نفسها فسألها فقالت : جلدت عميرة فجلدتني . أخذه بعض الولاة وقد اتهمه بالشرب ، فاستنكهه ، فلم يجد منه رائحةً ، فقال : قيؤه . قال : يضمن عشائي أصلحك الله ؟ . قيل له مرة - وقد أفحش في كلامه - : أمل على كاتبيك خيراً . قال : أكره أن أخلط عليهما . وادعى رجل عليه شيئاً ، وقدمه إلى القاضي ، فأنكره ، وسأله إقامة البينة ؛ فقال : ليس لي بينةٌ . قال : فأستحلفه لك ؟ قال : وما يمين مزبد أصلحك الله ؟ فقال مزبد : ابعث ، أصلحك الله ، إلى ابن أبي ذئب فاستحلفه له . وتناول رجلٌ من لحيته شيئاً ، فسكت عنه ، وكان الرجل قبيح الوجه ، فقال : ويحك لم لا تدعو لي ؟ فقال : كرهت أن أقول صرف الله عنك السوء فتبقى بلا وجه . وقيل له : أيسرك أن هذه الجبة لك ؟ قال : نعم، وأضرب عشرين سوطاً . قيل : ولم تقول دلك ؟ قال : لأنه لا يكون شيءٌ إلا بشيءٍ . وأتاه أصحابٌ له يوماً ؛ فقالوا له : يا أبا إسحاق ؛ هل لك في الخروج بنا إلى العقيق ، وإلى قباء ، وإلى أحد ناحية قبور الشهداء ؛ فإن يومنا كما ترى يوم طيب . قال : اليوم يوم الأربعاء ولست أبرح من منزلي . قالوا : وما تكره ؟ . يوم الأربعاء فيه ولد يونس بن متي عليه السلام . قال : بأبي وأمي أنتم فقد التقمه الحوت . قالوا : فهو اليوم الذي نصر فيه النبي عليه السلام يوم الأحزاب . قال : أجل ، ولكن بعد إذ زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، وظنوا بالله الظنون . أردف مزبد رجلاً على بغلةٍ ، فلما استوى الرجل قال : اللهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين فقال مزبد : اللهم قنعه حربةً ، يسأل ربه منزلاً مباركاً وهو بين استي واست البغلة . استأذن مزبد على بعض البخلاء وقد أهدى له تين في أول أوانه ، فلما أحس بدخوله تناول الطبق ، فوضعه تحت السرير ، وبقيت يده معلقة ، ثم قال لمزبد : ما جاء بك في هذا الوقت ؟ قال : يا سيدي ؛ مررت الساعة بباب فلان ، فسمعت جاريته تقرأ لحناً ما سمعت قط أحسن منه ، فلما علمت من شدة محبتك للقرآن ، وسماعك للألحان ، حفظته ، وجئته لأقرأه عليك . قال : فهاته ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم . " والزيتون وطورسنين . " . فقال : ويلك أين التين ؟ قال : تحت السرير . هبت ريحٌ شديدة ، فصاح الناس : القيامة ، القيامة . فقال مزبد : هذه قيامةٌ على الريق بلا دابة الأرض والدجال ولا القائم . ونظر يوماً إلى مغربيٍ أسود وهو ينيك غلاماً رومياً ، فقال : كأن أيره في استه كراع عنز في صحن أرز . مرض مرة ، فعاده رجل وقال له : احتم . فقال : يا هذا ؛ أنا ما أقدر على شيءٍ إلا على الأماني أن أحتمي منها . ورأى مزبداً رجلٌ بالرها ، وعليه جبة خز ، وكان قد خرج إليها فحسنت حاله ، وقال : يا مزبد ؛ هب لي هذه الجبة . فقال : ما أملك غيرها ، فقال الرجل : فإن الله تعالى يقول : " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ " فقال : والله أرحم بعباده أن ينزل هذه الآية بالرها ، في كانون وكانون ، وإنما نزلت بالحجاز في حزيران وتموز .

قيل له - وقد اشترى حماراً - : ما في هذا الحمار عيبٌ إلا أنه ناقص النفس بليدٌ يحتاج إلى عصاً . قال : إنما كنت أغتم لو كان يحتاج إلى بزماورد . فأما العصا فإنها سهل . احتاج مزبدٌ أن يبيع جبته لسوء حاله ، فنادى عليها المنادي ، فلم يطلب بشيءٍ ؛ فقال : مزبد : ما كنت أعلم أني كنت عرياناً إلى الساعة . وقع بينه وبين رجل كلامٌ فقال له الرجل : تكلمني وقد ن . . . ت أمك فرجع مزبد إلى أمه ، فقال لها : يا أمه ، تعرفين بلبل ؟ قالت : أبو علية ؟ قال : نا . . ك يشهد الله . . أنا أسألك عن اسمه ، فتجيبنني عن كنيته . قيل لمزبد : لم لا تكون كفلانٍ ؟ - يعني رجلاً موسراً - فقال : بأبي أنتم ، كيف أتشبه بمن يضرط ويشمت ، وأعطس فألطم . ونظر إلى رجل كثير شعر الوجه ؛ فقال له : يا هذا ؛ خندق على وجهك لا يتحول رأساً . وقال له رجلٌ : من شجك ها هنا ؟ - وأشار إلى استه - قال : الذي شج أمك في موضعين . ودخل بيته ، وبين رجلي امرأته رجل ين . . ها وباب الدار مفتوح ؛ فقال : سبحان الله أنت على هذه الحال والباب مفتوحٌ ؟ أليس لو دخل غيري كانت الفضيحة . ونظر يوماً إلى امرأته تصعد في درجة ؛ فقال : أنت الطلاق إن صعدت ، وأنت الطلاق إن وقفت ، وأنت الطلاق إن نزلت . فرمت بنفسها من حيث بلغت . فقال لها : فداك أبي وأمي إن مات مالكٌ احتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم . وسكر يوماً ؛ فقالت امرأته : أسأل الله أن يبغض النبيذ إليك . فقال : والفتيت إليك . ورثى مع امرأةٍ يكلمها ؛ فقيل : ما تريد منها ؟ قال : أناظرها في مسألة من النكاح .

وقيل : ما نقول في القبلة ؟ قال : السباب قبل اللطام . ونظروا إليه وبين يديه نبيذ أسود ؛ فقالوا له : ما نبيذك هذا ؟ قال : أما ترون ظلمة الحلال فيه ؟ . واشترى مرةً جاريةً فسئل عنها ، فقال : فيها خلتان من خلال الجنة : بردٌ وسعة . وقال مرة : إن أخي يلقى الله منذ ثلاثين سنة بصحيفته مملوءةً خمراً ، وهو لم يشرب منها جرعة ؛ فقيل له : كيف ذلك ؟ قال : هو منذ ثلاثين سنة يبكر كل يوم في طلب الخمر ، فلا يجد إليها سبيلاً لفاقته ، وعزمه صحيح على شربها لو وجدها . قيل له : ما بال حمارك يتبلد إذا توجه نحو المنزل ، وحمر الناس إلى منازلها أسرع ؟ قال : لأنه يعرف سوء المنقلب . دخل يوماً على قينة وهي تغني : عادا قلبي من الطويلة عادا وإنما هو عيد . فقال مزبد : وثمود ، فإن الله لم يفرق بينهما . وقيل له : أيولد لابن ثمانين ؟ قال : نعم . إذا كان له جارٌ ابن ثلاثين . واتهمه رجل بشيءٍ فاعتذر إليه ، وقال : إن كنت فعلت هذا فمسخني الله كلباً أنهس عراقيب الملائكة في الموقف . وقالت امرأة مزبد - وكانت حبلى ، ونظرت إلى قبح وجهه - : الويل لي إن كان الذي في بطني يشبهك ؛ فقال لها : الويل لي إن كان الذي في بطنك لا يشبهني . لقي مزبد رجلاً ، فقال له : من أنت ؟ قال : قرشي والحمد لله ؛ فقال مزبد : الحمد لله في هذا الموضع ريبة .

سمع مزبدٌ رجلاً يقول عن ابن عباسٍ : " من نوى حجةً وعاقه عائق كتبت له " . فقال مزبد : ما خرج العام كله كراءٌ أرخص من هذا . وقيل له : ما ورثت أختك عن زوجها ؟ فقال : أربعة أشهرٍ وعشرا . أسلم نصراني ، وفعل في الإسلام فعلاً قبيحاً ؛ فقال مزبد : انظروا إلى هذا الذي أسخط المسيح ، ولم يرض محمداً . دفع مرةً إلى والي مكة ، وقد أفطر في شهر رمضان ؛ فقال له الوالي : يا عدو الله ؛ تفطر في شهر رمضان قال : أنت أمرتني بذلك . قال : هذا شرٌّ ، كيف أمرتك ؟ ويلك . قال : حدثت عن ابن عباسٍ : أنه من صام يوم عرفة عدل صومه سنة ، وقد صمته. فضحك الوالي وخلاه . واعتل علةً ، وأشرف منها إلى الهلاك ، وأراد أن يوصي ، فدعا بعض أوليائه ، وأوصى إليه ، وكتب كتاب وصيته ، وأمر للوصي بشيءٍ ؛ فلما فرغ من الكتابة رآه مزبدٌ وهو يترب الكتاب ؛ فقال وهو على تلك الحال : نعم يا سيدي ، فهو أقضى للحاجة . ونظر إلى قومٍ مكتفين يذهب بهم إلى السجن ؛ فقال : ما قصة هؤلاء ؟ قالوا : خيرٌ . قال : إن كان خيراً فاكتفوني معهم . وطلب من داره بعض جيرانه ملعقةً ، فقال : ليت لنا ما نأكله بالأصابع . وجلس يوماً يأكل السمك والجبن وقال : ومن أين يعلم السمك وهو ميتٌ أني أكلت الجبن ؟ وخاصم مرة امرأته ، وأراد أن يطلقها ؛ فقالت له : اذكر طول الصحبة . قال : والله ما لك عندي ذنبٌ غيره . وقال يوماً لامرأته : اتخذي لي قريصاً فقد اشتهيته . قالت : فأين حوائجه ؟ قال : فلا حصر البرد لفقده حتى ننظر في باقي الحوائج . وحضر مع محبوبٍ مجلساً فعربدوا عليهما ، فقام محبوبٌ يقاتلهم ، ويفتري عليهم ؛ فقال مزبد : اسكت يا أخي ، فإن القوم سكارى ، يذهب شتمنا ضياعاً . ومرت به امرأةٌ قبيحة ؛ فقال : لعنها الله ، كأن وجهها وجه إنسانٍ رأى شيئاً فزع منه .

وهبت بالمدينة ريحٌ صرصر ، أنكرها الناس وفزعوا ؛ فجعل مزبدٌ يدق أبواب جيرانه ويقول : لا تعجلوا بالتوبة ؛ فإنما هي - وحياتكم - زوبعة ، وسوف تنكشف الساعة . ونام مرةً بالمسجد ، فدخل رجلٌ فصلى ، فلما فرغ قال : يا رب ؛ أنا أصلي وهذا نائم . فقال مزبد : يا ابن أم ؛ سل ربك حاجتك . ولا تحرشه علينا . وقالت له امرأته مرةً : قد تمزق خفي ، ولا يتهيأ لي أن أخرج . قال لها : أيما أحب إليك ؟ أن تشتري خفاً أو أني . . ك الليلة أربعة . قالت : هذا الخلق يتهيأ أن يدافع به الوقت . وكانت ليلة الفطر مرةً ، فعلا مزبد منارة مسجد رسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - ثم نادى : ألا سمع سامعٌ ، إنا قد شردنا رمضان ، فمن آواه فقد برئت منه الذمة . فسمعه الوالي ؛ فضربه مائة سوطٍ ؛ فقال : ما أبالي ما كنت لأدع لذتها . وكانت بالمدينة جاريةٌ ، يقال لها : بصبص ، مغنية ، يجتمع الأشراف عند مولاها لسماع غنائها ، فاجتمع عندها يوماً محمد بن عيسى الجعفري ، وعبد الله بن مصعب الزبيري، في جماعة من أشراف المدينة ، فتذاكروا أمر مزبد وبخله ، فقالت بصبص : أنا آخذ لكم منه ردهماً . فقال لها مولاها : أنت حرةٌ إن لم أشتر لك مخنقةً بمائة دينار إن فعلت هذا ، وأشتري له مع ذلك ثوب وشيٍ بمائة دينار ، وأجعل لك مجلساً بالعقيق أنحر فيه بدنة لم تركب ، ولم تقتب . فقالت : جيء به ، وأرفع الغيرة عني . قال : أنت حرةٌ إن منعتك منه ولو رأيته قد رفع رجليك ، ولا عاديته على ذلك ن حصلت منه الدرهم ؛ فقال عبد الله بن مصعب : أنا لكم به زعيم . قال عبد الله : فصليت الغداة في مسجد المدينة ، فإذا أنا به قد أقبل ؛ فقلت : أبا إسحاق ؛ أما تحب أن ترى بصبص ؟ فقال : بلى والله . امرأته طالق إن لم يكن الله ساخطاً على في أمرها فقد جفتني ، وإلا فأنا أسأله منذ سنةٍ أن ألقاها فلا تجيبني .

فقلت : إذا صليت العصر فأتني هاهنا . فقال : امرأته طالق إن برح يومه من هاهنا إلى العصر . قال : فتصرفت في حوائجي حتى فاتت العصر ، فدخلت المسجد فوجدته ؛ فأخذت بيده فأتيتهم به ، وأكل القوم ، وشربوا حتى صليت العتمة ، ثم تساكروا وتناوموا . فأقبلت بصبص على مزبد ؛ فقالت له : يا أبا إسحاق ؛ كأني - والله - في نفسك تشتهي أن أغنيك الساعة : لقد رحلوا الجمال ليه . . . ربوا منا فلم يئلوا . قال لها : امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في اللوح المحفوظ . فغنته إياه فقالت له : أي أبا إسحاق كأني بك تشتهي أن أقوم من مجلسي فأجلس إلى جنبك ، فتدخل يدك في جلبابي ، فتقرص عكني قرصاتٍ وأغنيك : قالت وأبثثتها وجدي فبحت به فقال لها : امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في الأرحام . وما تكسبه الأنفس غداً ، وبأي أرضٍ تموت . قالت : نعم ؛ فقام فجلس إلى جنبها وأدخل يده في جلبابها ، وقرصها وغنت له . ثم قالت : برح الخفاء . أنا أعلم أنك تشتهي أن تقبلني شوق التين ، وأغنيك هزجاً : أنا أبصرت بالليل . . . غلاماً حسن الدل كغصن البان قد أصب . . . ح مسقياً من الطل فقال : امرأته طالقٌ إن لك تكوني نبيةً مرسلةً فقبلها ، وغنته . ثم قالت : يا أبا إسحاق رأيت قط أنذل من هؤلاء ؟ يدعونك ، ويخرجوني إليك ، ولا يشترون لنا ريحانا بدرهم ، هلم درهماً نشتري به ريحاناً . فوثب وصاح : واحرباه أي زانية أخطأت استك الحفرة ، انقطع والله عنك الوحي الذي كان يوحي إليك ، ووثب من عندها وجلس ناحية . فعطعط بها القوم ، وعلموا أن حيلتها لم تنفذ عليه ، وعادوا لمجلسهم ، وخرج مزبد من عندهم فلم يعد إليهم . وقيل لمزبد : أيسرك أن يكون عندك قنينة شراب ؟ فقال : يا بن أم ؛ ومن يسره دخول النار بالمجان . وضعت امرأته المنخل على فراشه ، فجاء ، فلما رآه تعلق بوتد كان في داره ، فقالت امرأته : ما هذا ؟ قال : وجدت المنخل في موضعي ، فصرت في موضعه . قالت امرأة مزبدٍ لجارةٍ لها : يا أختي ؛ كيف صار الرجل يتزوج بأربعةٍ ، ويملك من الإماء ما يشاء ، والمرأة لا تتزوج إلا واحداً ولا تستبد بمملوكٍ ؟ . قالت لها : يا حبيبتي ؛ قومٌ الأنبياء منهم ، والخلفاء منهم، والقضاة منهم ، والشرط منهم ، تحكموا فينا كما شاءوا ، وحكموا لأنفسهم بما أرادوا . قال مزبد : جاءني صديقٌ لي فقال : ألا تسأل فلاناً التاجر أن يقرضني مائة درهم ؟ على رهن وثيق ، فإني بضيق ، منقطع بي ، فقلت: إنه يفعل ، فما الرهن ؟ قال : اكتب له على نفسي بالقذف ، وأشهد العدول ، فإن وفيته حقه وقت المحل ، وإلا استعدى علي ، وأقام البينة بأني قذفته ، حتى أحد حد القاذف . فقلت له : يا أخي ؛ هذا رهنٌ تقل رغبة التجار فيه . كان لمزبد غلام ، وكان إذا بعثه في حاجةٍ جعل بينه وبينه علامة ، أن يكون إذا رجع سأله فقال : حنطة أو شعير ، فإذا كان عاد بالنحج قال : حنطة ، وإن لم يقض الحاجة قال : شعير . فبعثه يوماً في حاجةٍ ، فلما انصرف قال : حنطةٌ أم شعير ؟ قال : خرا . قال : ويلك وكيف ذلك ؟ قال : لأنهم لم يقضوا الحاجة ، وضربوني وشتموك . صلى مزبد ذات يوم في منزله ، وجعل يدعو في دبر صلاته ، وسمعته امرأته . فقال : اللهم أصليني . فقالت : أما هذا يا رب فلا تشركني فيه . فقال : يا فاعلة ، " تلك إذاً قسمةٌ ضيزى " . وسمع رجلاً يقول لآخر : إذا استقبلك الكلب في الليل فاقرأ :

" يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطانٍ " فقال مزبد : الوجه عندي أن يكون معك عصاً أو حجر ، فليس كل كلبٍ يحفظ القرآن . ووقع بينه وبين امرأته خصومةٌ ، فحلف : لا يجتمع رأسي ورأسك على مخدة سنةً ؛ فلما طال ذلك عليه قال : نقتنع باجتماع الأرجل إلى وقت حلول الأجل . وغضب عليه بعض الولاة وأمر بحلق لحيته ؛ فقال له الحجام : انفخ فمك حتى أحلق . قال : يا بن الفاعلة ؛ أمرك أن تحلق لحيتي أو تعلمني الزمر ؟ . واشتهت امرأته فالو ذجاً ، فقال : ما أيسر ما طلبت عندنا من آلته أربعة أشياء ، وبقي شيئان تحتالين فيهما أنت . قال : وما الذي عندنا ؟ قال : الطنجير والإسطام والنار والماء . وبقي : الدهن والعسل ؛ وهما عليك . وسئل يوماً عن عدد أولاده ، فقال : عهد الله في رقبته إن لم تكن امرأته تلد أكثر مما يني . . ها . قال يوماً : قد عزمت في هذه السنة على الحج ، وأصلحت أكثر ما أحتاج إليه ، قالوا : وما الذي أصلحت ؟ قال : تحفظت التلبية . وقيل له : كيف حبك لأبي بكر وعمر ؟ قال : ما ترك الطعام في قلبي حباً لأحد . ودخل على بعض العلوية ؛ فجعل يعبث به ويؤذيه ، فتنفس مزبد الصعداء وقال : صلوات الله على المسيح ، أصحابه منه في راحة . لم يخلف عليهم ولداً يؤذيهم . وجاء غريمٌ له يوماً يطالبه بحقٍ له ؛ فقال له : ليس لك اليوم عندي شيء ، وحشره الله كلباً عقوراً ينهش عراقيب الناس في الموقف ، ولو علقنه من الشريا بزغبة قثاءةٍ ما أعطيتك اليوم شيئاً . باع جاريةً على أنها طباخةٌ ، ولم تحس شيئاً فردت ، فلم يقبلها ، وقدم إلى القاضي ، وطولب بأن يحلف أنه ملكها وكانت تطبخ وتحسن فاندفع وحلف بيمينٍ غليظةٍ أنه دفع إليها جرادةً فطبخت منها خمسة ألوانٍ وفصلت منها شريحتين بالقديد سوى الجنب ، فإنها شوته . فضحك من حضر ، وأيس خصومه من الوصول منه إلى شيءٍ فخلوه . وقالت له امرأته في خصومة بينهما : يا مفلس ، يا قرنان . قال : إن صدقت فواحدةٌ من الله والأخرى منك . وقيل له : كم كانت سنك أيام قتل عثمان ؟ فقال : كنت أول ما قاذفت . جمع مزبد بين رجل وعشيقته في منزله ، فعابثها ساعة ، ثم أراد أن يمد يده إليها ، فقالت : ليس هذا موضعه ، وسمع مزبدٌ قولها فقال : يا زانية ، فأين موضعه ؟ بين الركن والمقام ؟ أم بين القبر والمنبر ؟ والله ما بنيت هذه الدار إلا للقحاب والقوادات ، ولأدفع ثمن خشبها إلا من القمار ، فأي موضع للزنى أحق منها ؟ . وشكا إليه رجل سوء خلق امرأته ؛ فقال له مزبد : بخرها بمثلثة . يريد : الطلاق . وقيل له : صوم يوم عرفة يعدل صوم سنة . فصام إلى الظهر ثم أفطر فقال : يكفيني صوم نصف سنةٍ فيه شهر رمضان . قيل لمزبد وقد عضه كلب : إن أردت أن يسكن فأطعم الكلب الشريد ، فقال : إذاً لا يبقى في الدنيا كلبٌ إلا جاءني وعضني . وقيل له : إن النبي عليه السلام قال : " إذا رأيت شخصاً بالليل فكن بالإقدام عليه أولى منه عليك " قال : أخاف أن يكون قد سمع هذا الحديث فأقع فيما أكره . كان مزبدٌ الغاضري في حبس محمد بن عبد الله - رضي الله عنه - حين ظهر بالمدينة ؛ فلما أمسى في الليلة التي قتل محمدٌ في صبيحتها وجعل يقول : معنا علم الغيب . قيل : وكيف ذاك ؟ قال : ما في الدنيا قومٌ يعرفون آجالهم غيرنا ، إذا أصبحنا جاءت.

وقيل له : قد بيض الناس جميعاً في سائر الآفاق . فقال : وما ينفعنا من ذلك ؟ وهذا عيسى بن موسى بعقوبنا ، اعملوا على أن الدنيا كلها زبدة . قال : فبهذا سمي مزبداً . كان لامرأة مزبد صديقٌ فضربها وشجها ، ودخل مزبد فرآها على تلك الحال ؛ فقال لها : مالك ويلك ؟ قالت : سقطت من الدرجة ، فقال لها مزبد : أنت طالقٌ ، إنك لو سقطت من بنات نعش ما أصابك هذا كله . زفت إلى مزبد امرأةٌ قبيحة ، فجاءت إليه الماشطة ، فقالت : بأي شيءٍ تصبحها ؟ قال : بالطلاق . دفع مزبد إلى والي المدينة ومعه زق ، فأمر بضربه ، فقال : لم تضربني ؟ قال : لأن معك آلة الخمر . قال : وأنت - أعزك الله - معك آلة الزنى . وجلس مرة على الطريق يبول وهو سكران ، وعليه طيلسان خلق ، فمر به رجلٌ فأخذ طيلسانه ؛ فالتفت إليه مزبد وقال : يا بني ، صرف عنك السوء . قال مزبد لرجل: كم تعلف حمارك ؟ قال : نخرةً بالغداة ، ونخرة بالعشى ؛ فقال : اتق الله لا تحمر عليك . دفع مزبد في ذنبٍ إلى الوالي ؛ فضربه خمسةً وسبعين سوطاً ، ثم ظهر له براءة ساحته ، فأحضره واستحله ، فقال مزبد : لا ، ولكن تقاصني بها كلما أذنبت ذنباً ، فكان يسحب له كل مرة إذا أذنب بعشرةٍ ومثلها إلى أن نفدت وفضل عليه شيء . وقال مزبدٌ يوماً : مجالسة العضاة الحمر التي لا ورق لها خيرٌ من مجالسة الناس اليوم . لم يبق إلا ظروفٌ قد عصرت أرواحهم فأخرجت ، وليس في أجسادهم أرواح ، أطوف نهاري أجمع ما أرى إلا ظرفا . فقال له إنسان : قد بقيت في الناس بقيةٌ . فقال مزبد : تلك البقية مثلث البلح ثلاثة في ثفروقٍ .