الباب التاسع نوادر الجماز
قال الجماز لأبي شراعة : كيف تجدك ؟ قال : أجدني وقيذاً من دماميل قد ظهرت في أقبح المواضع . قال : ما أرى في وجهك منها شيئاً . قال بعض إخوان الجماز - وقد دخل إليه وهو يطبخ قدراً - : لا إله إلا الله ما أعجب الرزق فقال الجماز : أعجب منه الحرمان . امرأته طالق إن ذقتها . وقال له السهري : ولد لي البارحة ابنٌ كأنه الدينار المنقوش . فقال الجماز : لا عن أمه . صلى رجلٌ صلاةً خفيفة ؛ فقال له الجماز : لو رآك العجاج لسر بك . قال : ولم ؟ قال : لأن صلاتك رجز . وتغدى عند إنسان هاشمي ومر الغلام بصحفةٍ ؛ فقطر منها شيءٌ على ثوب الجماز، فقال الهاشمي : يا غلام ؛ اغسل ثوبه . فقال الجماز : دعه ، فمرقتكم لا تدسم الثوب . وسمع محبوساً يقول : اللهم احفظني ؛ فقال : قل اللهم ضيعني حتى تنفلت . وقالت له امرأته في يوم غائمٍ : ما يطيب في هذا اليوم ؟ فقال : الطلاق . أدخل يوماً غلاقاً إلى منزله ، فلما دخل ادعى أنه هو فعل بالجماز ، فبلغه ذلك ؛ فقال : قد حرم اللواط إلا بولي وشاهدين .
ودخل مع صاحبٍ له إلى قثمٍ بن جعفر ؛ فتغديا عنده وتحدثا ، وأراد قثم أن يقيل ، فدعا غلاماً رومياً وضيئاً فقال : قف هاهنا ، فقال الجماز لصاحبه : قم بنا نعرج . قال : إلى أين ؟ قال : إلى السماء ، فقد نزلت ملائكة الليل . رأى رجلٌ من ولد عبيد الله بن زياد كأن النبي وعلياً وفاطمة - عليهم السلام - في داره ، فصام وتصدق تبركاً برؤياه ، وقصها والجماز حاضر ؛ فقال : أتدري لم جاءوك ؟ قال : لا . قال : جاءوك ليشكروك على فعل أبيك بابنهم ، فانخذل الرجل وود أنه لم يذكر من ذلك شيئاً . وذكر يوماً رجلاً قام من عنده ؛ فقال : كأن قيامه من عندنا سقوط جمرةٍ من الشتاء . وقيل له : ما بقى من شهوتك للنساء ؟ فقال : القيادة عليهن . قال الجماز : رأيت عجوزاً تسأل وتقول : من تصدق علينا بكسرةٍ أطعمه الله من طيبات باب الطاق . وقال : قلت لرجلٍ : قد زاد سعر الدقيق ؛ فقال : أنا لا أبالي لأني أشتري الخبز . قال : قلت لرجلٍ رمد العين : بأي شيءٍ تداوي عينيك ؟ فقال : بالقرآن ودعاء الوالدة . قلت : اجعل معهما شيئاً يقال له : العنزروت . قال : رأيت بالكوفة رجلاً وقف على بقال فأخرج إليه رغيفاً صحيحاً ؛ فقال : أعطني كسراً ، وبصرفه جزرا . وقال : حرم النبيذ على ثلاثة عشر نفساً : على من غنى الخطأ ، واتكأ على اليمنى ، وأكثر أكل النقل ، وكسر الزجاج ، وسرق الريحان ، وبل ما بين يديه ، وطلب العشاء ، وقطع البم ، وحبس أول قدح ، وأكثر الحديث ، وامتخط في منديل الشراب ، وبات في موضع لا يحتمل المبيت . طالب الجماز امرأته بالجماع ، فقالت : أنا حائض ، وتحركت فضرطت ؛ فقال لها : قد حرمتنا خير حرك ، فاكفينا شر استك .
قال ابن عمار : تذاكرنا ضيق المنازل ، فقال الجماز : كنا على نبيذٍ لنا ، فكان أحدنا إذا دخل الكنيف ، وجاء القدح ، مديده إلى الساقي فناوله إياه . . قال الجماز : مررت بنجادٍ - في قنطرة البردان طويل اللحية - وامرأته تطالبه بشيء لها عنده وهو يقول : رحمك الله . متاعك جافٌ ويحتاج إلى حشوٍ كثير ، وأنت من العجلة تمشين على أربع . أملى خالد بن الحارث أحاديث حميد عن أنس ، فكانت نسخته فيها سقط . وكان الجماز يستملي عليه ، فقال خالد : حدثنا حميدٌ عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى اله عليه وسلم . هكذا في نسختي ، وهو رسول الله إن شاء الله . فقال الجماز : حدثكم حميد بن أنس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . وشك أبو عثمان في الله ، فقال خالد : كذبت يا عدو الله ، ما شككت في الله ، وتضاحك أهل المجلس ، وأصلحت النسخة . وكان يأكل عند سعيد بن سلم على مائدةٍ دون مائدته ، فإذا رفع من مائدة سعيدٍ شيء وضع على المائدة التي عليها الجماز ؛ فالتفت الجماز ؛ فقال: يا أبا عمرو ، وهذه عصبةٌ لتلك ، كما يقال : وما بقى فللعصبة . وقال له المتوكل : أي شيء أهديت لي يوم العيد ؟ قال : حلقة رأسي . وأدخل يوماً غلاماً ، فلما بطحه فسا فسوةً منكرة ، فقال الجماز : ويلك هوذا ، تذري من قبل أن ندرس . ودخل عليه ثقيلٌ يعوده من مرضه ؛ فلما نهض قال للجماز : تأمر بشيءٍ . قال : نعم بترك العودة . وقال لرجل : ما أخرك عنا ؟ ؛ فقال : أصابتني خلفة ؛ فقال الجماز : ما أبين الخلفة في وجهك . شهى جعفر بن سليمان أصحابه ؛ فتشهى كل إنسان منهم جنساً من الطعام ؛ فقال للجماز : فأنت ما تشتهي ؟ قال : أن يصح ما اشتهوا . وسأل يوماً غلاماً ، وأدخله مسجداً ؛ فلما فرغ منه أقبل المؤذن ، فقام الجماز ، وخرى في المحراب ؛ فقال المؤذن : يا عدو الله ، أعلم على أنك فجرت بالغلام في المسجد ؛ لأنه ليس لك بيت . ما حجتك في أن قذرت بالمحراب ؟ قال: علمت أنه يشهد علي يوم القيامة ، فأحببت أن أجعله خصمي لئلا تقبل شهادته علي . ودفع إلى القصار قميصاً ليغسله ، فضيقه ، ورد عليه قميصاً صغيراً ؛ فقال : ليس هذا قميصي ، قال : بلى هو قميصك ولكنه توزى وفي كل غسلةٍ يتقلص ويقصر ؛ فقال الجماز : فأحب أن تعرفني في كم غسلةٍ يصير القميص زراً ؟ . وقيل له : لم تقصر شعرك ؟ قال : أليس قليل ما أجئ به كثيراً في جنب ما يعطونني . وحضر دعوة بعض الناس فجعل رب البيت يدخل ويخرج ويقول : عندنا سكباجةٌ تطير طيراناً ، عندنا قليةٌ تطير في السماء ، فلما طال ذلك على الجماز وجاع قال : يا سيدي ، أحب أن تخرج لي رغيفاً مقصوص الجناح إلى أن تقع ألوانك الطيارات . ونظر إلى غلام ؛ فقال : هذا كان من المطففين . قيل : وكيف ذاك ؟ . قال : كان إذا ناكه الواحد ، وكان وقت الفراغ ، فرج بين فخذيه . ووجد مع غلام في موضع خالٍ ، وقد حلا سراويلهما ، فقيل له : ما تصنع ؟ ، قال : نتخاير بالتكك . قال الجماز : اجتزت ببابٍ وصاحب الدار يقاتل امرأته ويقول : لأحملن عليك اليوم مائة رجل ، فجلس شيخ كان خلفي على الباب ينتظر ؛ فلما طال دق الباب وقال : تريد أن تحمل على هذه القحبة أو انصرف . رأى رجلٌ الهلال فاستحسنه ؛ فقال له الجماز : وما تستحسن منه ؟ فو الله إن فيه لخصالاً لو كانت إحداهن في الحمار لرد بها ؛ قال : وما هي ؟ قال : إنه يدخل الروازن ، ويمنع من الدبيب ، ويدل على اللصوص ، ويسخن من الماء ، ويخرق الكتان ، ويورث الزكام، ويحل الدين ، ويزهم اللحم .
كان المتوكل يحدث عن الجماز ؛ فكتب في حمله ، فلما دخل عليه لم يقع الموقع الذي ظنه ؛ فقال المتوكل : تكلم فإني أريد أن أستبرئك . فقال الجماز : بحيضةٍ أو بحيضتين ؛ فضحكت الجماعة . وقال له الفتح : قد كلت أمير المؤمنين فيك حتى ولاك جزيرة القرود ، فقال له الجماز : أفلست في السمع والطاعة أصلحك الله ؟ ، فحصر الفتح وسكت . فقال له بعض من حضر : إن أمير المؤمنين يريد أن يهب لك جاريةً . فقال : ليس مثلي من غرم نفسه ، ولا كذب عند أمير المؤمنين . إن أرادتني أن أقود عليها ، وإلا فمالها عندي شيء ؛ فأمر له المتوكل بعشرة آلاف درهم ، وأخذها وانحدر ؛ فمات فرحاً . و قال له بعض ولد المتوكل في هذا المجلس : يا شيخ ، ألا تستحي مما تقول؟ . قال : لا . قال ولم ؟ . قال : حتى أرى من يستحيا منه . رئي الجماز ين . . ك غلاماً خلف الدرب من قيامٍ ؛ فقيل له : إيش تعمل ؟ . قال : هو ذا أبصر أنا أطول أم هو .