الجزء الثالث - الباب الثالث عشر العي ومكاتبات الحمقى

الباب الثالث عشر العي ومكاتبات الحمقى

كتب بعض الرؤساء إلى وكيلٍ له في ضيعةٍ : وقد وصلت النعاج ، وهي : تسع نعاج . وتسع نعاجٍ أربعٌ ونصفٌ نعاج . وكتب فلان ابن فلان في الوقت المؤرخ فيه . قال بعضهم : ما من شرٍّ من دين ؛ فقيل له : ولم ذاك ؟ . قال : من جراء يتعلقون . قال قاسم التمار في كلام له : بينهما كما بين السماء إلى قريبٍ من الأرض . وقال أيضاً : لو رأيت إيوان كسرى كأنما رفعت عنه الأيدي أول من أمس . وقال الجاحظ : قال لي ابن بركة : يا أبا عثمان ، لا تثقن بقحبةٍ ولو كانت أمك . قال : فلم أر تأديباً قط أبعد من جميع الرشد من هذا . قرأت لبعض كتاب الزمان في كتاب سلطان أنشأن : ما سمع قرعي هذا . يريد : ما قرع سمعي . وبعض كتاب الأمراء يوقع في الصكاك والمناشير : اللهم ألبسنا العافية . وكان بعض أكابر كتاب عضد الدولة يوقع في الصكاك : الحمد لله فتاح المغاليق ؛ فكتب بعض البغداديين تحت توقيعه : شربي وشربك مذ جئنا على الريق .

تظلم أهل قم إلى عبد الله القمي وزير ركن الدولة من أخيه - وكان واليهم - ورفعوا إليه رقعة ؛ فوقع في قصتهم : من دفع في أخي درهماً دفعت فيه ديناراً ؛ فإن ودى ودى ، وإن لا ودى خرج من دقه وجلده حتى ودى ؛ والسلام . قال بعضهم : جئت إلى كاتبٍ وسألته كتاب شفاعةٍ إلى بعض أصدقائه ؛ فكتب : يجب أن تصونه وتحوطه ، وترد عليه خطوطه . قال : فقلت : الرجل لم يعرفني قط وليس معه شيءٌ من خطوطي ؛ فقال : إن أردت أن تأخذ الكتاب فخذه ، وإلا فإني لا أضيع سجعي . قال بعضهم : كتب إلى جامع الصيدلاني كتاباً ؛ فكتب جوابه . وجعل عنوانه مني إلى ذاك الذي كتب إلي . كتب ابن المتوكل إلى محمد بن عبيد الله يطلب فهداً ؛ فكتب إليه : نحرت عند مقام لا إله إلا الله ؛ صلى الله على سيدي فديته ، إن كان عندي مما طلبته وزن دنقٍ فلا تظن يا سيدي أني أبخل عليك بالقليل دون الكثير فضلاً عن الكثير ، والسلام . وكتب معاوية بن مراون - وكان محمقاً - إلى الوليد بن عبد الملك : قد بعثت إليك بقطيفةٍ حمراء حمراء حمراء ؛ فكتب في جوابه : قد وصلت ، وأنت أحمق أحمق أحمق . قال أبو العيناء: كتب بعضهم إلى صديقٍ له : بسم الله الرحمن الرحيم . وأمتع بك ، حفظك الله واتقي لك من للنار سوء الحساب . كتبت إليك والدجلة تطفح ، وسفن الموصل هاهنا ، والخبز رطلين ؛ فعليك بتقوى الله ، وإياك والموت ؛ فإنه طعام سوءٍ ، والسلام . وكتب بعض الهاشميين إلى السندي بن شاهك . باسم الله وأمتع بك : إن أخا خادمي أخذ رجلاً من الشرط بسبب كلب يقال له موسى ، وموسى ليس عندنا يداعى ؛ فإن رأيت أن تأمر بسبيل تخليته فعلت إن شاء الله .

وكتب بعض ولد المتوكل إلى أبي أحمد الموفق : أطال الله بقاءك يا عمي ، وأدام عزك وأبقاك : أنا " - وحق النبي (صلى الله عليه وسلم ) - أحبك أشد من المتوكل وأشد من والدي ، ولا أحتشمك أيضاً . وقد جابوا لك مطبوخ من عكبرا ، فأحب أن تبعث إلي منه خمس دنان وإلا ثلاث خماسيات ، ولا تردني فأحرد بحياتي . وكتب بعض الهاشميين إلى علي بن يحيى بن المنجم : بسم الله الرحمن الرحيم . أستوهب الله المكاره كلها فيك يا سيدي برحمته ، وأحب يا سيدي أنت أن تسقيني زبيب نبيذٍ وعسلٍ ، فإني عندي رجلٌ يشرب المطبوخ إن شاء الله . وكتب إلى صديقٍ له : فدتك نفسي . أنا وحدي ، والجواري عندي ، وأنا وأبو إسحاق وأبي العباس في البستان ، موفقاً إن شاء الله . وكتب إلى آخر يستعير منه دابة : أردت الركوب في حاجةٍ إن شاء الله ؛ فكتب إليه الرجل : في حفظ الله . قال أبو العيناء : شكا بعض جيران محمد بن عبيد الله بن المهدي إليه أذى غلمانه للجيران ؛ وسأله أن ينهاهم . فكتب إليه محمد قبل كل شيء ؛ فصحبك الله ، أمالي بخيرٍ حين تشكو الغلمان بسبب الجيران لم هم مملوكين . وكم ثمن دارك؟. لو كانت مثل قصر الخليفة حتى ، لم أكن أمتنع من هبتها لغلامك ولو خرجت عن دخول بغداد . إني والله لو كنت حارس الكلب إذا كنت غائباً عنها . وأعوذ بالله لو كلمتك عشر سنين ؛ فانظر الآن أنت إلي ، علي المشي إلى بيت الله - أعني به الطلاق - وثلاثين حجةً أحرار لوجه الله ، وسبيلي حبسٌ في دواب الله . فعلت موفقاً إن شاء الله . قال : وكتب زنقاح - وهو محمد بن أحمد بن علي بن المهدي - إلى طبيبه : ويلك يا بو حنا ، وأتم نعمته عليك . قد شربت الدواء خمسين مقعداً ، المغص والتقطيع يقتلان بطني ، والرأس فلا تسل له مصدعاً بعصابةٍ مذ بعد أمس ، فلا تؤخر احتباسك عني . فسوف أعلم أني سأموت ، وتبقى أنت بلا أنا . فعلت موفقاً إن شاء الله .

وكتب إلى صديقٍ له يطلب منه بخوراً . شممت منك اليوم - وحق الله عزك الله - رائحةً طيبةً وذلك وحياتك بإطراح الحشمة موفقاً ، إن شاء الله . قال : وكتب آخر إلى أبيه من البصرة : كتابي هذا ولم يحدث علينا إلا خير والحمد لله ، إلا أن حائطنا وقع ، فقتل أمي وأختي وجاريتنا ، ونجوت أنا والسنور والحمار . فعلت إن شاء الله . قال أبو العيناء : شكا بعض الكتاب في نكبته وكان قد وزر فقال : أخذوا مالي ، وقلعوا أسناني إلا أن داري لم تبرح مكاني . قال أبو هفان : سمعت بعض الحمقى يخاصم امرأته ، وفي جيرتهم أحمق آخر ، فاطلع عليهم ؛ فقال : ما هذا ، اعمل مع هذه كما قال الله تعالى : " إما إمساكٌ بإيش اسمه ، وإما تسريحٌ بإيش يقال له " فضحكت من حسن بيانه . وكتب آخرٌ إلى صديقٍ له يعزيه عن دابته : بسم الله الرحمن الرحيم . جعلني الله فداك ، بلغني منيتك بدابتك ، ولولا علةٌ نسيتها إليك حتى أعزيك في نفسي . جاء رجلٌ إلى الرشيد ؛ فقال : يا أمير المؤمنين ، إني قد هجوت الرافضة . فقال : هات . فأنشد : رغيفاً وسمناً وزيتوناً ومظلمة . . . من أن ينالوا من الشيخين طغيانا فقال : ويلك فسره لي . قال : يا أمير المؤمنين ، معك مائة ألف رجل من الجند لا تعرفه ، كيف أعرفه أنا وحدي ؟ . قال أبو عثمان : حدثني مسعدة بن طارق قال : والله إنا لوقوفٌ على حدود دار فلان للقسمة - ونحن في خصومةٍ - إذا أقبل سيد بني تميم وموسرهم، والذي يصلي على جنائزهم ؛ فلما رأيناه مقبلاً أمسكنا عن الكلام ؛ فأقبل علينا ؛ فقال : حدثوني عن هذه الدار هل ضم منها بعضٌ إلى بعضٍ أحداً ؟ . قال مسعدة : فأنا منذ ستين سنة أفكر في كلامه ، ما أدري ما عنى به . كانت علامة أبي الحمار لما تقلد ديوان الخراج في سنة الفتنة ، التي كان يوقعها في الصكاك : لا إله إلا الله . ما أعجب ما نحن فيه . فكان بعض الكتاب بعد ذلك يقول : لا والله ، ما نحن إلا في علامة أبي الحمار . حكى عن حمزة بن نصير - مع جلالته عند سلطانه ، وموضعه من ولائه - : أنه دخل على امرأته ، وعندها ثوب وشى ؛ فقالت له : كيف هذا الثوب ؟ . قال : بكم اشتريته ؟ . قالت : بألف درهم . قال : قد - والله - وضعوا في استك مثل ذا، وأشار بكفه مقبوضة مع ساعده ؛ فقالت : لم أزن الثمن بعد . قال : فخاصهم بعد في يدك . قالت : فأختك قد اشترت شراً منه بألفين . قال : إن أختي تضرط من استٍ واسعة . قالت : ولكن أمك عرض عليها فلم ترده . قال : لأن تلك في استها شعرة . قال أحمد بن الطيب : هذا كلام الخرس أحسن منه . قال أبو هفان : رأيت شيخاً بالكوفة قاعداً على باب دار ، وله زي وهيئة وفي الدار صراخ . فقلت : يا شيخ ، ما هذا الصراخ ؟ ، فقال : هذا رجلٌ افتصد فبلغ المبضع شادروانه فمات . يريد : بلغ المبضع شريانه . وصف بعضهم امرأةً ؛ فقال : عينها الأخرى أكبر من عينها الأخرى . كتب بعض من وزر بالري آنفاً كتاباً في معنى أبيه إلى صديق له ببغداد - وكان قد حج أبوه - : هذا الكتاب يوصله فلانٌ ابن فلان ، وهو والدي ، وقديم الصحبة لي ، واجب الحق علي ، ولي بأمره عناية. ودخل أبو طالب صاحب الطعام على هاشمية جارية حمدونة بنت الرشيد ، على أن يشتري طعاماً من طعامهم في بعض البيادر ؛ فقال لها : إني قد رأيت متاعك . فقال هاشمية : قل طعامك . قال : وقد أدخلت فيه يدي فإذا متاعك قد خم وحمى . وقد صار مثل الجيفة . قالت : يا أبا طالب ، أليس قد قلبت الشعير ، فأعطنا ما شئت ، وإن وجدته فاسداً.

ودخل أبو طالب هذا على المأمون ؛ فقال : كان أبوك يا با خيراً لنا منك ، وأنت يا با ليس تعدنا ، وليس تبعث إلينا ، ونحن يا با تجارك وجيرانك . والمأمون في كل ذلك يتبسم . قال الجاحظ : كتب رجلٌ إلى صديقٍ له : بلغني أن في بستانك آساً بهمنياً فهب أي أمراً من أمر الله العظيم . قال : وهو الذي قال : كان عياشٌ وثمامة حتى يعظمني تعظيماً ليس في الدنيا مثله . فلما مات ثمامة صار ليس يعظمني تعظيماً ليس في الدنيا مثله . وكان ابنٌ لسعيدٍ الجوهري يقول : صلى الله تبارك وتعالى على محمدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) . وكان بالري وراقٌ حسن الخط ، وكان إذا كتب اسم الله تعالى أو اسم النبي في القرآن أو الشعر بعدهما ما يكتبه الانسان في سائر المواضع فكان يكتب في القرآن : " إن الله - عز وجل - يأمر بالعدل والإحسان " . " وما محمدٌ - ( صلى الله عليه وسلم ) - إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل " . وكان يكتب في الشعر : إن تقوى ربنا عز وجل خير نفلوبإذن الله تبارك وتعالى ريثي وعجل ويكتب : هجوت محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) فأجبت عنه : وعند الله تعالى في ذاك الجزاء وقال الجاحظ قلت لنفيس غلامي : بعثتك إلى السوق في حاجةٍ فلم تقضها ؛ فقال : يا مولاي ، أنا ناقةٌ من مرضي ، وليس في ركبتي دماغ . وقال الجاحظ : قال الحجاج لأبي الجهير الخراساني النخاس : أتبيع الدواب المعيبة من جند السلطان ؟ ؛ فقال : شريكاتنا في هوازها وشريكاتنا في مدائنها ، وكما يجيء يكون . قال الحجاج : ما تقول ؟ . قال بعض من كان قد اعتاد الخطأ وكلام العلوج بالعربية : يقول : شركاؤنا بالأهواز وبالمدائن يبعثون إلينا هذه الدواب ؛ فنحن نبيعها على وجوهها . قال ابن أبي فنن : طلبت من عبد الله بن أحمد بن الخصيب بخوراً ؛ فكتب إليه : فدتك نفسي من السوء برحمته ، كتابي إليك وأنا وحدي ، والجواري عندي ؛ فأما البخور فإن أبا العباس في الحمام إن شاء الله . وكتب بعض الشيوخ الفضلاء إلى شيخ من العدول بالري نفقت بغلته : نبئت أن الشيخ قد مات بغلته ، هيهات هيهات . وحسبنا الله ونعم الوكيل ، والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله الطاهرين وسلم تسليماً .