الجزء الرابع - الباب الأول كلام للنساء الشرائف

الجزء الرابع

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا إلى الجنة بتوفيقه وتوقيفه ، وعدل بنا عن النار بتحذيره وتخويفه ، وأرسل رسله مبشرين برحمته الواسعة ، ومنذرين بنعمته النازعة ، وخص محمدا صلى الله عليه وعلى آله من بينهم في الآخرة بالحوض والشفاعة ، والشرف والكرامة . وبالدرجات العلا ، وبسدرة المنتهى وفي الدنيا بالبرهان الباهر، والسلطان القاهر ، والمعجز الساطع ، والسيف القاطع ، والصراط المستقيم ، والسبع المثاني والقرآن العظيم، وجعل أمته أكثر الأمم عددا ، وأوسطهم سددا ، وأطولهم أمدا ، وأهداهم قصدا ، وأبينها رشدا ، ونسخ بملته الملل ، وبنحلته النحل ، ووصل شريعته باليوم الآخر ، وجعلها خاتمة الشرائع والأوامر . وأيده بسيفه المهند ، وسهمه المسدد ، وشباته المرهفة ، وقناته المثقفة ، خاصف النعل ، وآكل الطير ، وقسيم الجنة والنار ، فقتل غطارفة قريش ، وجبابرة هوازن وثقيف ، وطواغيت قريظة والنضير ، حتى أذعن المعاند ، وأقر الجاحد ، وذل الباذل وتطامن الشماخ ، وظهر دين الله ، وتب أعداء الله ، " وقيل بعداً للقوم الظالمين " . اللهم إنا نشكرك على نعمتك التي نرى توفيقك لشكرها نعمة أخرى ، هي بالحمد لها أولى ، وبالثناء عليها أحرى ، أنعمت علينا بحسب قدرتك المطيفة بالخلق ، وكلفتنا من الشكر بقدر قوتنا الضعيفة على أداء الحق ، ورضيت منا بالميسور من الحمد ، وبالعفو من الشكر دون الجهد ، فأنت المحمود على نعمتك ، والمعبود لعزتك ، والمدعو وحدك لا شريك لك ، أحاط علمك بالخفية ، وانبسطت يدك بالعطية ، وأذل عزك الجبابرة ، وقهر ملكك الملوك القاهرة ، مالك الخلق . الأمر ، ومنشئ السحاب ومنزل القطر .

نعوذ بك من الخضوع والقنوع ، والقلة والذلة ، والمهانة والاستكانة ، والطبع والطمع ، ومن الحسد المضنى ، ومن الحرص المعنى ، ومن الغضاضة في النفس ، والخصاصة في الحال ، ومن سوء المآب وشر المال ، ومن كل ما تطأطأ له الرءوس وتطامن له النفوس . كما نعوذ بك من البصر والأشر ، والبذخ والنخوى ، وسوء احتمال الغنى والثروى ، والاستئثار بالخير والنعمة ، وقساوة القلب وقلة الرحمة ، ومن استضعاف العائل ، وانتهار السائل ، ومن سوء الملكة عند الاقتدار ، ومن التعدي عند الانتصاف ، والاعتداء عند الانتصار ، ومن الاستهانة بذي القربى الضعيف ، والجار المهين ، والاستطالة على ما ملكتنا رقابة من ملك اليمين . اللهم أنت أعلم بمصالح أحوالنا وعواقب أعمالنا ، فسددنا لما فيه خير الدنيا وخير الاخرة ، وصل على محمد النبي وعترته الطاهرة هذا هو الفصل الرابع من كتاب نشر الدر ، وهو أحد عشر بابا : الباب الاول : كلام شرائف النساء الباب الثاني : نكت من كلام سائر نساء العرب وجواباتهن المستحسنة الباب الثالث : الحيل والخدائع الباب الرابع : نكت من كلام الحكماء الباب الخامس : جنس آخر من الحكم والآداب ، وهو ما جاء على لفظ الأمر والنهى الباب السادس : جنس آخر من الحكم والأمثال الباب السابع : نكت في سياسة السلطان وأدب الرعية الباب الثامن : نوادر الجوارى والنساء المواجن الباب التاسع : نوادر القصاص الباب العاشر : نوادر القضاء ومن يتقدم إليهم الباب الحادي عشر : نوادر لأصحاب النساء والزناة والزواني .

الباب الأول كلام للنساء الشرائف

فاطمة ابنة رسول الله عليها السلام خطبتها لما منعها أبو بكر فدكا

قالوا : لما بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر منعها فدكا لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه ، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء، وارتج المجلس ثم أمهلت هنيهة ، حتى إذا سكن نشيج القوم ، وهدأت فورتهم افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه 347 والصلاة على رسوله صلى الله عليه ، ثم قالت : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " . فإن تعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة ، بالغاً بالرسالة ، مائلاً عن سنن المشركين ، ضارباً لشبحهم ، يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، آخذاً بأكظام المشركين ، يهشم الأصنام ويفلق الهام ، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، حتى تفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشيطان ، وتمت كلمة الإخلاص ، " وكنتم على شفا حفرة من النار " ، ثهزة الطامع ، ومذقة الشارب ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد ، أذلة خاسئين ، يخطفكم الناس من حولكم ، حتى أنقذكم الله برسوله صلى الله عليه بعد اللتيا واللتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب " كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله " . أو نجم قرن للشيطان ، أو فغرت فاغرة للمشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويطفئ عادية لهبها بسيفه - ويخمد لهيبها بحده مكدوداً في ذات الله . وأنتم في رفاهة فكهون آمنون وادعون . حتى إذا اختار الله لنبيه صلى الله عليه دار أنبيائه ظهرت حسكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه صارخاً بكم ، فدعاكم فألقاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة ملاحظين ؛ ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً وأحمشكم فألفاكم غضاباً ؛ فوسمتم غير إبلكم ، وأوردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل . أبماذا زعمتم : خوف الفتنة ؟ " ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " ، فهيهات فيكم ، وأنى بكم ، وأنى تؤفكون ، وكتاب الله بين أظهركم ، زواجره بينة ، وشواهده لائحة ، وأوامره واضحة ، أرغبة عنه تريدون ؟ أم بغيره تحكمون ؟ " بئس للظالمين بدلا " " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها تشربون حسوا في ارتغاء ، ونصير منكم على مثل حز المدى وأنتم الآن تزعمون لا إرث لنا " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون " إيها معشر المسلمة المهاجرة ؛ أأبتز إرث أبيه ؟ أبى الله في الكتاب يا بن قحافة ، أن ترث أباك ولا أرث أبيه . لقد جئت شيئاً فرياً ، فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم لله ، والزعيم محمد صلى الله عليه ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون " ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون " ثم انكفأت على قبر أبيها صلى الله عليه فقالت : قد كان بعدك أنباء وهنبشة . . . لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها . . . واختل أهلك فاحضرهم ولا تغب وذكر أنها لما فرغت من كلام أبي بكر والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت : يا معشر الفئة ، وأعضاد 348 الملة ، وحضنة الإسلام ، ما هذه الفترة في حقي ؟ والسنة في ظلامتي ؟ أما كان لرسول الله صلى الله عليه أن يحفظ في ولده ؟ لسرع ما أحدثتم وعجلان ذا إهانة أتقولون : مات محمد صلى الله عليه ؟ فخطب جليل استوسع وهيه ، واستنهر فتقه وفقد راتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، واكتأبت خيرة الله لمصيبته ، وخشعت الحبال ، وأكدت الآمال ، وأضيع الحريم ، وأزيلت الحرمة عند مماته صلى الله عليه ، وتلك نازلة علن بها كتاب الله في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم ، تهتف في أسماعكم ولقبله ما حلت بأنبياء الله ورسله صلى الله عليهم . " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين " . إيها بني قيلة ؛ أأهتضم تراث أبيه وأنتم بمرأى مني ومسمع ؟ تلبسكم الدعوة ، وتشملكم الحيرة ، وفيكم العدد والعدة ، ولكم الدار ، وعندكم الجنن ، وأنتم الألى نخبة الله التي انتخب لدينه ، وأنصار رسوله صلى الله عليه ، وأهل الإسلام والخيرة التي اختار الله لنا أهل البيت فنابذتم العرب ، وناهضتم الأمم ، وكافحتم البهم ، لا نبرح نأمركم فتأتمرون ، حتى دارت لكم بنا رحا الإسلام ، ودر حلب الأيام وخضعت نعرة الشرك ، وباخت نيران الحرب ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدين ، فأنى حرتم بعد البيان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأسررتم بعد التبيان ، لقوم نكثوا " أيمانهم اتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين " . ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة ، فعجتم عن الدين ، ومججتم الذي وعيتم ، ولفظتم الذي سوغتم " إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد " ألا وقد قلت الذي قلته عن معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم ، واستشعرته قلوبكم . ولكن قلته فيضة النفس ، ونفثة الغيظ . وبثة الصدر ، ومعذرة الحجة فدونكموها فاحتقبوها مدبرة الظهر ، ناقبة الخف ، باقية العار مرسومة بشنار الأبد ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة . فبعين الله ما تفعلون " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعلموا إنا عاملون ، وانتظروا إنا منتظرون .

قولها عند احتضارها

قالوا : لما مرضت فاطمة عليها السلام دخل النساء عليها وقلن : كيف أصبحت من علتك يا بنة رسول الله ؟ قالت : أصبحت والله عائفة لدنياكم ، قاليةً لرجالكم ؛ لفظتهم بعد أن عجمتهم وشنئتهم بعد أن سبرتهم ، فقبحاً لفلول الحد ، وخطل الرأي " ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون " لا جرم لقد قلدتهم ربقتها ، وشنت عليهم غارتها فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين . ويحهم . أين زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين ، والطبن بأمر الدنيا والدين " ألا ذلك هو الخسران المبين " ما الذي نقموا من أبي الحسن ؟ نقموا والله نكير سيفه ، وشدة وطأته ، ونكال وقعته وتنمرة في ذات الله ، وتالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه لاعتقله ، ولسار بهم سجحاً لا يكلم خشاشه ولا يتعتع 349 راكبه ، ولأوردهم منهلاً روياً فضفاضاً ، تطفح ضفتاه ، ولأصدرهم بطاناً ، وقد تحيز بهم الرأي ، غير مستحل منه بطائل ، إلا بغمر الناهل ، أو دعة سورة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات من السماء ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون . ألا هلم فاستمع . وما عشت أراك الدهر عجباً وإن تعجب فعجب لحادث إلى ملجأ لجئوا واستندوا ، وبأي عروة تمسكوا ، " لبئس المولى ولبئس العشير " . واستبدلوا والله الذنابى بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " ويحهم " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " . أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريث ما تنتج ، ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا ، وذعافاً ممقراً ، فهنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غب ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفساً ، وطامنوا للفتنة جأشاً ، وأبشروا بسيف صارم ، وبهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيداً ، وجمعكم حصيداً فيا حسرة بكم ، وقد عميت عليكم " أنلزمكموها وأنتم لها كارهون " .

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

روى أنه لما كان يوم الجمل قامت عائشة فتكلمت فقالت : أيها الناس ، إن لي عليكم حق الأمومة وحق الموعظة ، لا يتهمني إلا من عصى ربه . قبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين سحري ونحري ، وأنا إحدى نسائه في الجنة ، له ادخرني ربي ، وخصني من كل بضع وبي ميز مؤمنكم من منافقكم ، وفي رخص لكم في صعيد الأبواء وأبي رابع أربعة من المسلمين ، وأول مسمى صديقاً . قبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو عنه راض فوقذ النفاق ، وأغاض نبع الردة ، وأطفأ ما حشت يهود ، وأنتم حينئذ جحظ تنتظرون العدوة ، وتستمعون الصيحة ، فراب الثأي ، وأوذم العطلة ، وامتاح من المهوات ، واجتهر دفن الرواء ؛ فقبضه الله واطئاً على هامة النفاق ، مذكياً نار حرب المشركين ، يقظان في نصرة الإسلام ، صفوحاً عن الجاهلين . وروي أنها قالت : تبرأت إلى الله من خطب جمع شمل الفتنة ، وفرق أعضاء ما جمع القرآن أنا نصب المسألة عن مسيري ؟ هذا ، ألا وإني لم أجرد وإثماً أدرعه ، ولم أدلس فتنة أوطئكموها . أقول قولي هذا صدقاً وعذراً واعتذاراً وتعذيراً ، وأسأل الله أن يصلي على محمد عبده ورسوله ، وأن يخلفه في أمته أفضل خلافة المرسلين . قال : فانطلق رجل بمقالتها هذه إلى الأحنف ، فقال الأحنف أبياتاً كثيرة يقول فيها : فلو كانت الأكنان دونك لم يحد . . . عليك مقالاً ذو أذاةٍ يقولها فبلغ عائشة مقالته فقالت : لقد استفرغ حلم الأحنف هجاؤه إياي إلي كان يستجم مثابة سفهه ؟ إلى الله أشكو عقوق أبنائي .

خطبة أخرى لها حين سألت عن عثمان

قال بعضهم : شهدت عائشة يوم الجمل وقد ثاب إليها الناس فقالوا : يا أم المؤمنين ، أخبرينا عن عثمان ، فقالت : إنا نقمنا على عثمان 350 ثلاثاً : إمرة الفتى ، وضرب السوط ، وموقع الغمامة المتحاماة ، حتى إذا أعتبنا منهن مصتموه موص الثوب بالصابون ، ثم عدوتم به الفواقر ، أو الفقر الثلاث : حرمة الإسلام ، وحرمة الخلافة ، وحرمة الشهر الحرام . والله لعثمان كان أتقاهم للرب ، وأوصلهم للرحم ، وأعفهم للفرج ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

قولها في أبيها أبي بكر

وروي أنه بلغها أن ناساً يتناولون أبا بكر ، فأرسلت إلى أزفلة من الناس ، فلما حضروا أسدلت أستارها ، وأعلت وسادها ، ثم دنت فحمدت الله ، وأثنت عليه ، وصلت على نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ، وعذلت وقرعت وقالت : أبي وما أبيه أبي والله لا تعطوه الأيدي ، طود منيف ، وظل مديد ، هيهات هيهات كذبت الظنون . أنجح والله إذ أكديتم ، وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد فتى قريش ناشئاً ، وكهفها كهلاً ، يريش مملقها ، ويفك عانيها ويلم شعثها ويرأب صدعها حتى حلته قلوبها ، ثم استشرى في دينه فما برحت شكيمته في ذات الله ، حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيى فيه ما أمات المبطلون . وكان رحمة الله عليه غزير الدمعة ، وقيذ الجوانح شجي النشيج ، فانفضت إليه نسوان مكة وولدانها ، يسخرون منه ، ويستهزئون به . " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون " وأكبرت ذلك رجالات قريش ، فحنت إليه قسيها ، وفوقت له سهامها وامتثلوه غرضاً فما حلو له صفاة ، ولا قصفوا له قناة ، ومر على سيسائه حتى إذا ضرب الدين بجرانه ، وألقى بركه ، ورست أوتاده ، ودخل الناس فيه أفواجاً ، ومن كل شرعة أشتاتاً وأرسالاً اختار الله جل اسمه لنبيه صلوات الله عليه وسلامه وتحياته ما عنده ، فلما قبض الله رسوله ضرب الشيطان برواقه ، ومد طنبه ، ونصب حبائله ، وأجلب بخيله ورجله ، واضطرب حبل الإسلام ، ومرج عهده ، وماج أهله وبغى الغوائل ، وظنت رجال أن قد أكثبت نهزها ، ولات حين التي يرجون ، وأنى والصديق بين أظهرهم ؟ فقام حاسراً مشمراً قد جمع حاشيتيه ، ورفع قطريه ، فرد نشز الدين على غره ، ولم شعثه بطبه ، وأقام أوده بثقافه ، فامذقر النفاق بوطئه ، وانتاش الدين فنعشه . فلما أراح الحق على أهله ، وأقر الرءوس على كواهلها ، وحقن الدماء في أهبها حضرته منيته ، نضر الله وجهه ، فسد ثلمته بنظيره في الرحمة ومقتفيه في السيرة والمعدلة ؛ ذلك ابن الخطاب ، لله أم حملت به ، ودرت عليه . لقد أوحدت ، ففنخ الكفرة ودنخها ، وشرد الشرك شذر مذر وبعج الأرض ونجعها ، فقأت أكلها ، ولفظت خبأها ؛ ترأمه ويصدف عنها ، وتصدى له ويأباها ، ثم وزع فيئها فيها ، وودعها كما صحبها . فأروني ماذا ترتأون . وأي يومي أبي تنقمون ؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم أو يوم ظعنه إذ نظر لكم . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم . وقالت : لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها ، قبض رسول الله صلى الله عليه ، فاشرأب النفاق ، وارتدت العرب قاطبة . وعاد أصحاب محمد كأنهم معزى مطيرة في خفش ، فما اختلفوا فيه من أمر إلا طار أبي بغلائه وغنائه . ومن رأى ابن الخطاب علم أنه كان عوناً للإسلام ، كان والله أحوذياً نسيج وحده ، قد أعد للأمور أقرانها . ولما هلك أبو بكر الصديق رحمه الله قامت على قبره فقالت : نضر الله وجهك ، وشكر لك صالح سعيك ؛ فقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها ، وكنت للآخرة معزاً بإقبالك عليها . ولئن كان أعظم المصائب بعد رسول الله صلى الله عليه رزؤك ، وأكبر الأحداث بعد فقدك ، إن كتاب الله ليعد بحسن العزاء عنك حسن العوض منك ، فنحن نتنجز من الله موعوده بالصبر عليك ، ونستعيضه منك بالاستغفار لك ؛ أما لئن كانوا قاموا بأمر الدنيا لقد قمت بأمر الدين حين وهى شعبه وتفاقم صدعه ، ورجفت جوانبه ، فعليك سلام الله سلام توديع غير قاليةٍ لحياتك ، ولا زارية على القضاء فيك .

حديثها مع ابن عباس

روي عن ابن عباس قال : بعثني علي عليه السلام بعد دخوله البصرة إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى بلادها ، فأتيتها فدخلت عليها ، فلم يوضع لي شيء أجلس عليه ، فتناولت وسادة كانت في رحلها فقعدت عليها ، فقالت : يا بن عباس : أخطأت السنة ؛ قعدت على وسادتنا في بيتنا بغير إذننا . فقلت : ما هذا بيتك الذي أمرك الله أن تقري فيه، ولو كان بيتك ما قعدت على وسادتك إلا بإذنك . ثم قلت : إن أمير المؤمنين أرسلني إليك يأمرك بالرحيل إلى بلادك . قالت : وأين أمير المؤمنين ؟ ذاك عمر . فقلت : ذاك عمر وعلي . قالت : أبيت أبيت . قلت : أما والله ما كان إباؤك إلا قصير المدة ، عظيم التبعة ، قليل المنفعة ، ظاهر الشؤم : بين النكد . وما عسى أن يكون إباؤك ؟ وما كان أمرك إلا كحلب شاة ، حتى صرت لا تأمرين ولا تنهين ، ولا تأخذين ولا تعطين ، وما كان مثلك إلا كقول أخي بني أسد : مازال إهداء الضغائن بيننا . . . نثو الحديث وكثرة الألقاب حتى تركت كأن صوتك فيهم . . . في كل نائبة طنين ذباب قال : فبكت حتى سمعت نحيبها من وراء الحجاب ثم قالت : إني معجلة الرحيل إلى بلادي إن شاء الله ؛ والله ما من بلد أبغض إلي من بلد أنتم به . قال : قلت : ولم ذاك ؟ فوالله لقد جعلناك للمؤمنين أماً ، وجعلنا أباك صديقاً . قالت : تكلمني يا بن عباس أتمن على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . فقلت : ما لي لا أمن عليك بمن لو كان منك لمننت به علي . قال : فأتيت علياً فأخبرته بقولي وقولها . فقبل بين عيني ثم قال : " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " .

وروي أن عائشة قالت : مكارم الأخلاق عشر : صدق الحديث ، وصدق البأس ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، والمكافأة بالصنيع ، وبذل المعروف ، والتذمم للجار ، والتذمم للصاحب ، وقرى الضيف ، ورأسهن الحياء . روي عن هوذة بن نافع قال : سألت عائشة ما الذي حملك على قتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . قالت : لأنت أجرأ من خاصي الأسد . وكتبت إليها أم سلمة لما همت بالخروج إلى البصرة : يا عائشة ؛ إنك جنة بين رسول الله صلى الله عليه وبين أمته ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك فلا تملخيه ، وسكني عقيراك فلا تصحريها لو ذكرتك قولةً من رسول الله صلى الله عليه لتهششت تهشش الرقشاء المطرقة . ما كنت قائلة لرسول الله صلى الله عليه لو لقيك ناصةً قعوداً من منهل إلى منهل ؟ قد برحت عهيداه ، وهتكت ستره . إن عمود الدين لا يرأب بالنساء ، ولا يقام بهن إذا انصدع . حماداهن خفض الأعراض ، وقصر 352 الوهازة . اجعلي قاعدة البيت قبرك حتى تلقيه وأنت على ذلك . فقالت عائشة : يا أم سلمة ، ما أعرفني بنصحك وأقبلني لوعظك وليس الأمر حيث تذهبين ، ما أنا بمغترة بعد قعود ، فإن أقم ففي غير حرج ، وإن أخرج ففي إصلاح بين فئتين من المسلمين متشاحنتين . وقيل لعائشة إن قوماً يشتمون أصحاب محمد صلى الله عليه فقالت : قطع الله عنهم العمل ما أحب أن يقطع عنهم الأجر . ورأت رجلاً متماوتاً فقالت : قطع الله عنهم العمل ما أحب أن يقطع عنهم الأجرولأت رجلاً متماوتاً . ما هذا ؟ فقالوا : زاهد . فقالت : قد كان عمر رضي الله عنه زاهداً ، فكان إذا قال أسمع وإذا مشى أسرع ، وإذا ضرب في ذات الله أوجع . وذكر أنها لما احتضرت جزعت . فقيل لها : أتجزعين يا أم المؤمنين وأنت زوجة رسول الله صلى الله عليه وأم المؤمنين وابنة أبي بكر الصديق ؟ فقالت : إن يوم الجمل معترض في حلقي . ليتني مت قبله أو كنت نسياً منسياً .

بينها وبين عمران بن حصين

وروي عن أبي الأسود قال : أنفذني عثمان بن حنيف مع عمران بن حصين إلى عائشة فقلنا : يا أم المؤمنين ، أخبرينا عن مسيرك هذا أعهد عهده رسول الله صلى الله عليه أم رأي رأيته ؟ قالت : بل رأي رأيته حين قتل عثمان إنا نقمنا عليه ضربة السوط . وموقع السحابة المحمية ، وإمرة سعيد والوليد فعدوتم عليه فاستحللتم منه الحرم الثلاث، حرمة البلد ، وحرمة الخلافة ، وحرمة الشهر الحرام ، بعد أن مصناه كما يماص الإناء فاستتبناه ، فركبتم منه هذه ظالمين . أغضبنا لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيفكم ؟ قلت : ما أنت وسيفنا وسوط عثمان ؟ وأنت حبيس رسول الله صلى الله عليه . أمرك أن تقري في بيتك ، فجئت تضربين الناس بعضاً ببعض . قالت : وهل أحد يقاتلني أو يقول غير هذا ؟ قلت : نعم . قالت : ومن يفعل ذلك ؟ أزنيم بن عامر ؟ هل أنت مبلغ عني يا عمران ؟ قال : لا لست مبلغاً عنك خيراً ولا شراً ، قلت : لكني مبلغ عنك . هات ما شئت . قالت : اللهم اقتل مذمماً قصاصاً بعثمان ، وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يشوى ، وأدرك عماراً بحفرته في عثمان . وروي أنها كانت تقول : لا تطلبوا ما عند الله من عند غير الله بما يسخط الله . وكانت تقول : لله در التقوى ، ما تركت لذي غيظ شفاء. وقالت يوم الحكمين : رحمك الله يا أبت ، فلئن أقاموا الدنيا فلقد أقمت الدين وهى شعبه ، وتفاقم صدعه ، ورجفت جوانبه ، وانقبضت عما إليه أصغوا ، وشمرت فيما عنه ونوا ، واستصغرت من دنياك ما أعظموا ، ورغبت بدينك عما أغفلوا ؛ أطالوا عنان الأمن واقتعدت مطي الحذر ، فلم تهضم دينك ، ولم تنس غدك ، ففاز عند المساهمة قدحك ، وخف مما استوزروا ظهرك .

قولها لما قتل عثمان

وروي أنه لما قتل عثمان قالت : أقتل أمير المؤمنين ؟ قالوا : نعم ، قالت : فرحمه الله وغفر له . أما والله لقد كنتم إلى تسديد الحق وتأييده ، وإعزاز الإسلام وتأكيده ، أحوج منكم إلى ما نهضتم إليه ، من طاعة من خالف عليه ، ولكن كلما زادكم الله نعمةً في دينكم ازددتم تثاقلاً في نصرته طمعاً في دنياكم . أما والله لهدم النعمة أيسر من بنائها ، وما الزيادة إليكم بالشكر بأسرع من زوال النعمة عنكم بالكفر ، وأيم الله لئن كان فني أكله ، واخترم أجله ، لقد كان عند رسول الله صلى الله عليه كذراع 353 البكر الأزهر ، ولئن كانت الإبل أكلت أوبارها إنه لصهر رسول الله صلى الله عليه ، ولئن كان برك عليه الدهر بزوره وأناخ عليه بكلكله ، إنها النوائب تترى تلعب بأهلها وهي جادة وتجذبهم وهي لاعبة ، أما والله لقد حاط الإسلام وأكده ، وعضد الدين وأيده ، ولقد هدم الله به صياصي الكفر ، وقطع به دابر المشركين ، ووقم به أركان الضلالة ، فلله المصيبة به ما أفجعها والفجيعة به ما أوجعها صدع الله بمقتله صفاة الدين ، وثلمت مصيبته ذروة الإسلام .

من أقوالها وأخبارها

وقالت : من أرضى الله بإسخاط الناس كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن أرضى الناس بإسخاط الله عز وجل ذكره وكله الله إلى الناس . وقالت : إنما النكاح رق فلينظر امرء من يرق كريمته . وقالت : خرجت أقفو آثار الناس يوم الخندق ، فسمعت وئيد الأرض خلفي ، فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ . وقالت لها امرأة : أأقيد جملي ؟ قالت : نعم ، قالت : أقيد جملي ؟ فلما علمت ما تريد قالت : وجهي من وجهك حرام ؛ تعني بالجمل زوجها أي أوحده عن النساء . وقالت : لا تؤدي المرأة حق زوجها حتى لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لم تمنعه وقالت : كان النبي صلى الله عليه يقبل ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه وسمعت يوم الجمل تكبيراً عالياً فقالت : اسكتوا ؛ فإن التكبير في هذا الموضع فشل .

قولها حين قتل علي

وروي عن زينب بنت أبي سلمة قالت : كنت يوماً عند عائشة ، إذ دخل رجل معتم عليه أثر السفر . فقال : قتل علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت عائشة : إن تك ناعياً فلقد نعاه . . . نعي ليس في فمه التراب ثم قالت : من قتله ؟ قال : رجل من مراد . قالت : رب قتيل لله بيدي رجل مراد . قالت زينب : فقلت : سبحان الله أتقولين مثل هذا لعلي مع سابقته وفضله . فضحكت وقالت : بسم الله ، إذا نسيت فذكريني .

زينب بنت علي عليه السلام

قيل : لما قتل الحسين عليه السلام ، ووجه ابن زياد لعنه الله رأسه والنسوة إلى يزيد لعنه الله ، أمر برأس الحسين عليه السلام فأبرز في طست ، وجعل ينكت ثناياه بقضيب وينشد : ليت أشياخي ببدر شهدوا . . . الأبيات المعروفة . فقالت زينب بنت علي عليها السلام : صدق الله ورسوله يا يزيد " ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون " أظننت يا يزيد أنه حين أخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء ، فأصبحنا نساق كما يساق الأسارى ، أن بنا هواناً على الله ، وبك كرامة ؟ وأن هذا لعظيم خطرك ؟ فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك، جذلان فرحاً حين رأيت الدنيا مستوسقة لك ، والأمور متسقة عليك ، وقد مثلت ونفست . وهو قول الله تبارك وتعالى " ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين " . أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك نساءك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله صلى الله عليه ؟ قد هتكت ستورهن 354 ، وضحكت بحوجهن مكتئبات تخدى بهن الأباعر ، ويحدو بهن الأعادي ، من بلد إلى بلد لا يراقبن ولا يؤوين ، يتشوفهن القريب والبعيد ، ليس معهن ولي من رجالهن ، وكيف يستبطأ في بغضتنا من نظر إلينا بالشنف والشنان ، والإحن والأضغان ؟ أتقول : ليت أشياخي ببدر شهدوا غير متأثم ولا مستعظم ، وأنت تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك ؟ ولم لا تكون كذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة ، بإهراقك دماء ذرية محمد صلى الله عله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ، ولتردن على الله وشيكاً موردهم ، ولتؤدن أنك عميت وبكمت ، وإنك لم تقل : فاستهلوا وأهلوا فرحاً اللهم ، خذ بحقنا ، وانتقم لنا ممن ظلمنا والله ما فريت إلا في جلدك ولا خرزت إلا في لحمك ، وسترد على رسول الله برغمك ، وعترته ولحمته في حظيرة القدس ، يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث ، وهو قول الله تبارك وتعالى : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين " وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المؤمنين ، إذا كان الحكم الله والخصيم محمد ، وجوارحك شاهدة عليك . فبئس للظالمين بدلاً ، وأيكم شر مكاناً وأضعف جنداً ، مع أني - والله - يا عدو الله وابن عدوه أستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، غير أن العيون عبرى ، والصدور حرى وما يجري ذلك أو يغني عنا ، وقد قتل الحسين عليه السلام ، وحزب الشيطان يقربنا إلى حزب السفهاء ، ليعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، وهذه والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات . فلئن اتخذتنا مغنماً لتجدننا مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ، تستصرخ يا بن مرجانة ويستصرخ بك ، وتتعاوى وأتباعك عند الميزان ، وقد وجدت أفضل زاد زودك معاوية قتلك ذرية محمد صلى الله عليه ؛ فوالله ما اتقيت غير الله ، ولا شكواي إلا إلى الله ، فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا يرحض عنك عار ما أتيت إلينا أبداً ، والحمد لله الذي ختم بالسعادة والمغفرة لسادات شبان الجنان ، فأوجب لهم الجنة . أسأل الله أن يرفع لهم الدراجات ، وأن يوجب لهم المزيد من فضله فإنه ولي قدير .

أم كلثوم بنت علي

روي عن بعضهم قال : رأيت أم كلثوم بنت علي بالكوفة ، ولم أر خفرة والله أنطق منها ، كأنما تنطق وتقرع عن لسان أمير المؤمنين رضي الله عنه ، وقد أومأت إلى الناس وهم يبكون على الحسين - رضي الله عنه - أن اسكتوا فلما سكنت فورتهم ، وهدأت الأجراس . قالت : أبدأ بحمد الله والصلاة على أبيه . أما بعد ، يا أهل الكوفة يا أهل الختر والخدل ؛ ألا فلا رقأت العبرة ، ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي " نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم " ألا وهل فيكم إلا الصلف والشنف ، ملق الإماء وغمر الأعداء وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة ، وكفضة على ملحودة . ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون . أتبكون ؟ إي والله ، فابكوا ؛ فإنكم والله أحرياء بالبكاء ، فابكوا كثيراً 355 واضحكوا قليلاً ، فلقد فزتم بعارها ، وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيد شباب الجنة ، ومنار محجتكم ، ومدرة حجتكم ، ومفزع نازلتكم ؟ فتعساً ونكساً لقد خاب السعي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة . " لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا " . ما تدرون أي كبد لرسول الله صلى الله عليه فريتم ، وأي كريم له أبرزتم ، وأي دم له سفكتم . لقد جئتم بها شوهاء خرقاء طلاع الأرض والسماء ، أفعجبتم أن قطرت السماء دماً ، " ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون " فلا يستخفنكم المهل ، فإنه لا تحفزه المبادرة ، ولا يخاف عليه فوت الثأر كلا إن ربك لنا ولهم لبالمرصاد. ثم ولت عنهم . قال : فرأيت الناس حيارى وقد ردوا أيديهم إلى أفواههم ورأيت شيخاً كبيراً من بني جعفي وقد اخضلت لحيته من دموع عينيه ، وهو يقول : كهولهم خير الكهول ونسلهم . . . إذا عد نسل ل يبور ولا يخزي.

حفصة أم المؤمنين خطبتها عن عمر

خطبت حفصة بنت عمر فقالت : الحمد لله الذي لا نظير له والفرد الذي لا شريك له .

وأما بعد ، فكل العجب من قوم زين الشيطان أفعالهم ، وارعوى إلى صنيعهم ، ودب في الفتنة لهم ، ونصب حبائله لختلهم ، حتى هم عدو الله بإحياء البدعة ، ونبش الفتنة ، وتجديد الجور بعد دروسه ، وإظهاره بعد دثوره ، وإراقة الدماء ، وإباحة الحمى ، وانتهاك محارم الله عز وجل بعد تحصينها ، فتضرم وهاج وتوغر وثار غضباً لله نصرة لدين الله ، فأخسأ الشيطان ووقم كيده ، وكفف إرادته ، وقدع محبته ، وصعر خده السبقة إلى مشايعة أولى الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه ، الماضي على سنته ، المقتدي بدينه ، المقتص لأثره ؛ فلم يزل سراجه زاهراً ؛ وضوؤه لامعاً ونوره ساطعاً . له من الأفعال الغرر ، ومن الآراء المصاص ، ومن التقدم في طاعة الله عز وجل اللباب ، إلى أن قبضه الله إليه ، قالياً لما خرج منه ، شانئاً لما نزل من أمره ، شنفاً لما كنا فيه ، صباً إلى ما صار إليه ، وائلاً إلى ما دعي إليه ، عاشقاً لما هو فيه . فلما صار إلى التي وصفت ، وعاين ما ذكرت أومأ بها إلى أخيه في المعدلة ونظيرة في السيرة ، وشقيقه في الديانة ، ولو كان غير الله أراد لأمالها إلى ابنه ، ولصيرها في عقبه ، ولم يخرجها من ذريته ، فأخذها بحقها ، وقام فيها بقسطها ، لم يؤده ثقلها ، ولم يبهظه حفظها ، مشرداً للكفر عن موطنه ونافراً له عن وكره ، ومثيراً له من مجثمه ، حتى فتح الله عز وجل على يديه أقطار البلاد ، ونصر الله يقدمه، وملائكته تكنفه ، وهو بالله معتصم ، وعليه متوكل ، حتى تأكدت عرا الحق عليكم عقداً ، واضمحلت عرا الباطل عنكم حلاً ، نوره في الدجنات ساطع ، وضوؤه في الظلمات لامع ، قالياً للدنيا إذ عرفها ، لافظاً لها إذ عجمها، وشانئاً لها إذ سبرها ؛ تخطبه ويقلاها ، وتريده ويأباها ، لا تطلب سواه بعلاً ، ولا نبغي سواه نحلاً 356 أخبرها أن التي يخطب أرغد منها عيشاً ، وأنضر منها حبوراً ، وأدوم منها سروراً ، وأبقى منها خلوداً ، وأطول منها أياماً ، وأغذق منها أرضاً ، وأنعث منها جمالاً ، وأتم منها بلهنية ، وأعذب منها رفنية فبشعت نفسه بذلك لعادتها ، واقشعرت منها لمخالفتها ، فعركها بالعزم الشديد حتى أجابت وبالرأي الجليد حتى انقادت ، فأقام فيها دعائم الإسلام ، وقواعد السنة الجارية ، ورواسي الآثار الماضية وأعلام أخبار النبوة الظاهرة ، وظل خميصاً من بهجتها، قالياً لأثاثها ، لا يرغب في زبرجها ولا تطمح نفسه إلى جدتها حتى دعي فأجاب ، ونودي فأطاع على تلك الحال ؛ فاحتذى في الناس بأخيه فأخرجها من نسله ، وصيرها شوري بين إخوته ، فبأي أفعاله يتعلقون ؟ وبأي مذاهبه يتمسكون ؟ أبطرائقه القويمة في حياته ، أم بعدله فيكم عند وفاته ، ألهمنا الله وإياكم طاعته ، وإذا شئتم ففي حفظ الله وكلاءته .

عائشة بنت عثمان خطبتها بعد مقتل عثمان

قال : كان علي بن أبي طالب عليه السلام في ماله بينبع فلما قتل عثمان بن عفان خرج إليه عنق من الناس يتساعون، تشتد بهم دوابهم فاستطاروا فرحاً ، واستفزهم الجذل ، حتى قدموا به فبايعوه ، فلما بلغ ذلك عائشة ابنة عثمان صاحت بأعلى صوتها : يا ثارات عثمان إنا لله وإنا إليه راجعون أفنيت نفسه ، وطل دمه في حرم رسول الله صلى الله عليه ، ومنع من دفنه ؟ اللهم لو يشاء لامتنع ، ووجد من الله عز وجل حاكماً ، ومن المسلمين ناصرأ ، ومن المهاجرين شاهداً ، حتى يفئ إلى الحق من شذ عنه ، أو تطيح هامات وتفرى غلاصم وتخاض دماء ، ولكن استوحش مما أنستم به ، واستوخم ما استمرأتموه . يا من استحل حرم الله ورسوله ، واستباح حماه ، لقد كره عثمان ما أقدمتم عليه ، ولقد نقمتم عليه أقل مما أتيتم إليه ، فراجع فلم تراجعوه ، واستقال فلم تقيلوه . رحمة الله عليك يا أبتاه . أحتسبت نفسك وصبرت لأمر ربك ، حتى لحقت به . وهؤلاء الآن قد ظهر منهم تراوض الباطل ، وإذ كاء الشنآن ، وكوامن الأحقاد ، وإدراك الإحن والأوتار . وبذلك وشيكاً كان كيدهم وتبغيهم وسعي بعضهم ببعض ، فلما أقالوا عاثراً ، ولا استعتبوا مذنباً ، حتى اتخذوا ذلك سبيلاً إلى سفك الدماء ، وإباحة الحمى ، وجعلوا سبيلاً إلى البأساء والعنت . فهلا علنت كلمتكم ، وظهرت حسدتكم ، إذ ابن الخطاب قائم على رءوسكم ، ماثل في عرصاتكم ؛ يرعد ويبرق بإرغائكم ، يقمعكم غير حذر من تراجعكم إلا في بينكم ؛ وهلا نقمتم عليه عوداً وبدءاً إذ ملك ، وتملك عليكم من ليس منكم بالخلق اللين ، والخصم العضل يسعى عليكم ، وينصب لكم ، لا تنكرون ذلك منه خوفاً من سطوته ، وحذراً من شدته ، أن يهتف بكم متقسوراً ، أو يصرخ بكم متعذوراً . إن قال صدقتم قالته وإن سأل بذلتم سألته ، يحكم في رقابكم وأموالكم كأنكم عجائز صلع ، وإماء قصع ، فبدأ مفلتاً ابن أبي قحافة بإرث نبيكم على بعد رحمه وضيق بلده ، وقلة عدده فرقأ الله شرها ، زعم الله دره ما أعرفه لما صنع ؛ أو لم يخصم الأنصار بقيس ؟ ثم حكم بالطاعة لمولى أبي حذيفة ؟ يتمايل بكم يميناً وشمالاً ، قد خطب عقولكم ، واستمهر وجلكم ، 357 ممتحنا لكم ، ومعترفاً أخطاركم ، وهل تسمو هممكم إلى منازعته ولولا تيك لكان قسمه خسيساً وسعيه تعيساً ؛ لكن بدر بالرأي ، وثنى بالقضاء وثلث بالشوري ثم غدا سامراً مسلطاً درته على عاتقه فتطأطأتم له تطأطؤ الحقة ، ووليتموه أدباركم حتى علا أكتافكم ينعق بكم في كل مرتع ، ويشد منكم على كل مخنق ، لا يبتعث لكم هتاف ولا يأتلق لكم شهاب يهجم عليكم بالسراء ، ويتورط بالحوباء عرفتم أو أنكرتم ، لا تألمون ولا تستنطقون ، حتى إذا عاد الأمر فيكم ولكم، في مونقة من العيش ، عرقها وشيج ، وفرعها عميم ، وظلها ظليل تتناولون من كثب ثمارها أنى شئتم رغداً ، وحلبت عليكم عشار الأرض درراً ، واستمرأتم أكلكم من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، في خصب غدق ، وأوق شرق، تنامون في الخفض وتستلينون الدعة ، ومقتم زبرجة الدنيا وحرجتها ، واستحليتم غضارتها ونضرتها وظننتم أن ذلك سيأتيكم من كثب عفواً ، ويتحلب عليكم رسلاً ، قانتضبتم سيوفكم ، وكسرتم جفونكم ، وقد أبى الله أن تشام سيوف جردت بغياً وظلماً ، ونسيتم قول الله عز وجل " إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً. " فلا يهنينكم الظفر . ولا يستوطنن بكم الحضر ، فإن الله بالمرصاد ، وإليه المعاد ، والله ما يقوم الظليم إلا على رجلين ، ولا ترن القوس إلا على سيتين فأثبتوا في الغرز أرجلكم ، فقد هداكم في المتيهة الخرقاء كما أضل أدحيته الحسل . وسيعلم كيف يكون إذا كان الناس عباديد ، وقد نازعتكم الرجال واعترضت عليكم الأمور ، وساورتكم الحروب بالليوث ، وقارعتكم الأيام بالجيوش ، وحمي عليكم الوطيس ، فيوماً تدعون من لا يجيب ، ويوماً تجيبون من لا يدعو . وقد بسط باسطكم كلتا يديه يرى أنهما في سبيل الله ؛ فيد مقبوضة وأخرى مقصورة ، والرؤوس تندر عن الطلى ، والكواهل كما ينقف التنوم . فما أبعد نصر الله من الظالمين وأستغفر الله مع المستغفرين.

أروى بنت الحارث حديثها مع معاوية

قيل : دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية بن أبي سفيان بالموسم وهي عجوز كبيرة ، فلما رآها قال : مرحباً بك يا عمة . قالت : كيف أنت يا بن أخي ، لقد كفرت بعدي النعمة ، وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك ، وأخذت غير حقك ، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام ؛ ولقد كفرتم بما جاء به محمد صلى الله عليه . فأتعس الله الجدود ، وصغر منكم الخدود ، حتى رد الله الحق إلى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ، ونبينا محمد صلى الله عليه هو المنصور على من ناوأه ولو كره المشركون . فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً ، حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه مغفوراً ذنبه ، مرفوعة درجته ، شريفاً عند الله مرضياً، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى في آل فرعون ، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ؛ وصار سيد المسلمين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى ، حيث يقول : " ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " ولم يجمع بعد رسول الله صلى الله عليه لنا شمل ، ولم يسهل لنا وعر ، وغايتنا الجنة ، وغايتكم النار . فقال عمرو بن العاص : أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك ، وغضي من طرفك . قالت : ومن أنت 358 لا أم لك ؟ قال : عمرو بن العاص . قالت : يا بن اللخناء النابغة ، أتكلمني ؟ اربع على ظلعك ، واعن بشأن نفسك ، فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها ، ولا كريم منصبها . ولقد ادعاك ستة من قريش كلهم يزعم أنه أبوك ، ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر ، فأنت فأتم بهم ، فإنك بهم أشبه . فقال مروان : أيتها العجوز الضالة ؛ ساخ بصرك مع ذهاب عقلك إذ لا تجوز شهادتك . قالت : يا بني ؛ أتتكلم ؟ فوالله لأنت بسفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم ، وإنك لشبهه في زرقة عينيك ، وحمرة شعرك ، مع قصر قامته ، وظاهر دمامته . ولقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهر الهامة سبط الشعر . وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب فاسأل أمك عما ذكرت لك فإنها تخبرك بشأن أبيك إن صدقت .

 

رؤيا رقيقة

قال مخرمة بن نوفل : حدثتني أمي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف ، قالت : تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع وأرقت اللحم ، وأدقت العظم فبينا أنا نائمة ، لاهم أو مهمومة إذا أنا بهاتف يهتف بصوت صحل اقشعر له جلدي : معاشر قريش إن النبي الأمي المبعوث منكم قد أظلتكم أيامه ، وهذا أوان نجومه ألا فحي هلا بالخصب والحيا ؛ ألا فانظروا منكم رجلاً وسيطاً عظاماً جساماً أبيض بضاً أوطف الأهداب ، أشم العرنين سهل الخدين ، له نجر يكظم عليه وسنة تهدى . إليه ألا فليدلف هو وولده ، وليدلف معه من كل بطن رجل ، فليشنوا من الماء ، وليمسوا من الطيب ثم ليستلموا الركن ، وليرقوا أبا قبيس ، وليدع ، وليؤمن القوم على دعائه ، فغثتم ما شئتم. قالت : فأصبحت - علم الله - مذعورة قد وله قلبي ، واقشعر جلدي لما رأيت في منامي فقصصت رؤياي ، ونمت في شعاب مكة ، فوالحرمة والحرم ، ما بقي أبطحي إلا قال : هذا شيبة الحمد ، هذا عبد المطلب . فتنامت إليه رجالات قريش ، وهبط إليه من كل بطن رجل ، فشنوا ومسوا واستلموا ، ثم ارتقوا أبا قبيس ، وطفقوا يزفون حواليه ؛ ما إن يبلغ سعيهم مهله ، حتى إذا استووا بذروة الجبل قام عبد المطلب ، ومعه رسول الله صلى الله عليه ، غلام قد أيفع أو كرب ، فرفع يده إلى السماء وقال : اللهم كاشف الكربة ، وساد الخلة ، أنت عالم غير معلم ، مسئول غير مبخل هذه عبداك وإماؤك بعذرات حرمك ، يشكون إليك سنتهم التي أذهبت الظلف والخف ، فاسمعن اللهم لنا ، وأمطرن غيثاً مغدقاً مريعاً . فما راموا الكعبة حتى تفجرت السماء بمائها ، وكظ الوادي بشجيجه فلسمعت شيخان قريش وجلتها ؛ عبد الله بن جدعان ، وحرب بن أمية ، وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب : هنيئاً لك أبا البطحاء هنيئاً لك .

هند بنت عتبة وصف من خطب هندا ليعرف أبوها رأيها

قالت هند بنت عتبة لأبيها : إني امرأة قد ملكت أمري ، فلا تزوجني رجلاً حتى تعرضه علي فقال : لك ذاك . وقال لها ذات يوم : إنه قد خطبك رجلان من قومك ، ولست مسمياً لك واحداً منهما ، حتى أصفه لك ؛ أما الأول ففي الشرف الصميم ، والحسب الكريم ، تخالين به هوجاً من غفلته ، وذلك إسجاح من شيمته ، حسن 359 الصحابة ، سريع الإجابة ، إن تابعته تابعك ، وإن ملت كان معك ، تقضين عليه في ماله ، وتكتفين برأيك عن مشورته . وأما الآخر ففي الحسب الحسيب ، والرأي الأريب ، بدر أرومته ، وعز عشيرته ، يؤدب أهله ولا يؤدبونه ؛ إن اتبعوه أسهل بهم ، وإن جانبوه توعر عنهم ، شديد الغيرة ، سريع الطيرة ، صعب حجاب القبة إن حاج فغير منزور ، وإن نوزع فغير مقسور ، قد بنيت لك كليهما . قالت : أما الأول فسيد مضياع لكريمته ، موات لها ؛ فما عسى إن لم تعتص أن تلين بعد إبائها ، وتضيع تحت خبائها إن جاءته بولد أحمقت وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت . أطو ذكر هذا عنى لا تسمه لي . وأما الآخر فبعل الحرة الكريمة ، إني لأخلاق هذا لوامقة ، وإني له لموافقة ، وإني لآخذه بأدب البعل ، مع لزومي قبتي وقلة تلفتي ، وإن السليل بيني وبينه لحري أن يكون المدافع عن حريم عشيرته ، الذائد عن كتيبتها المحامي عن حقيقتها ، المثبت لأرومتها ، غير متواكل ولا زميل عند صعصعة الحروب . قال : ذلك أبو سفيان بن حرب . قالت : فزوجه ولا تلقني إليه إلقاء الشكس ولا تسمه سوم الضرس ، ثم استخر الله عز وجل في السماء يخرلك في القضاء . فزوجها أبا سفيان . وكان الآخر سهيل بن عمرو . قيل : إنه لما نخس هبار بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه بلغ هنداً ، فقامت مسندة ظهرها إلى الكعبة وقالت : أبابنة محمد يفعلون هذا أفي السلم أعياراً جفاء وغلظة . . . وفي الحرب أمثال النساء العوارك قولها حين سمعت روي عن أبي هريرة ، أنه قال : لما كان الفتح قال لي خالد بن الوليد : يا أبا هريرة ، اذهب بنا إلى هند بنت عتبة ، لعلك تقرأ عليها بعض القرآن لينفعها الله . قلت : انطلق . فدخلنا عليها كأنها والله فرس عربي ، وكأن وراء عجيزتها رجلآً جالساً . فقال لها خالد بن الوليد : يا أم معاوية ؛ هذا أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه ، جئتك به ليتلو عليك القرآن ويذكرك أمر الإسلام . قالت : هات . قال أبو هريرة : فقلت : " بسم الله الرحمن الرحيم " : " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير " . حتى انتهيت إلى قوله جل وعز : " ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير " . فقالت : لأوسدن الكعبة . ما سمعنا بشاعر قط ينتحل خلق السموات والأرض إلا شاعرهم هذا . قال : فقال خالد : قم يا أبا هريرة ، فوالله لا تسلم هذه أبداً . فقمنا فخرجنا من عندها . وكانت هند تقول : النساء أغلال فليختر الرجل غلاً ليده . وكانوا يشبهون عائشة أم المؤمنين بهند في عقلها .

رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب

كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه ، ساكنة بمكة مع أخيها العباس بن عبد المطلب ، فرأت رؤيا قبل يوم بدر ، وقبل قدوم ضمضم عليهم ، ففزعت منها ، فأرسلت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب من ليلتها، فجاءها فقالت : رأيت الليلة رؤيا قد أشفقت منها ، وخشيت على قومك الهلكة . قال : وماذا رأيت ؟ قالت : لن أحدثك حتى تعاهدني ألا تذكرها لقومك ؛ فإنهم إن سمعوها آذونا وأسمعونا مالا نحب . فعاهدها العباس فقالت : رأيت راكباً أقبل على راحلة من أعلى مكة يصيح بأعلى صوته : يا آل غدر ، اخرجوا في ليلتين أو ثلاث ، ثم أقبل يصيح حتى دخل المسجد على راحلته ، فصاح ثلاث صيحات ، ومال عليه الرجال والنساء والصبيان ، وفزع الناس له أشد الفزع . قالت : ثم أراه مثل ظهر الكعبة على راحلته فصاح ثلاث صيحات فقال : يا آل غدر ، يا آل فجر اخرجوا في ليلتين أو ثلاث . ثم أراه مثل علي أبي قبيس كذلك يقول : يا آل غدر ويا آل فجر حتى أسمع من بين الأخشبين من أهل مكة ، ثم عمد لصخرة عظيمة فنزعها من أصلها ثم أرسلها على أهل مكة ، فأقبلت الصخرة لها حس شديد ، حتى إذا كانت عند أصل الجبل ارفضت ، فلا أعلم بمكة بيتاً ولا داراً إلا وقد دخلتها فلقة من تلك الصخرة . فقد خشيت على قومك . ففزع من رؤياها العباس ثم خرج من عندها ، فلقي الوليد بن عقبة بن أبي ربيعة من آخر تلك الليلة ، وكان خليلاً للعباس ، فقص عليه رؤيا عاتكة وأمره ألا يذكرها لأحد ، فذكرها لأبيه عتبة ، وذكرها عتبة لأخيه شيبة ، فارتفع الحديث حتى بلغ أبا جهل واستفاض في أهل مكة . فلما أصبحوا غدا العباس يطوف ، فوجد في المسجد أبا جهل ، وأبا البخترى في نفر من قريش يتحدثون ، فلما نظروا إلى العباس ناداه أبو جهل : يا أبا الفضل ؛ إذا قضيت طوافك فهلم إلينا . فلما قضى طوافه جاءهم فجلس إليهم ، فقال له أبو جهل : ما رؤيا عاتكة ؟ قال : ما رأت من شيء قال أبو جهل : أما رضيتم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء . إنا كنا وأنتم كفرسي الرهان ، فاستبقنا المجد منذ حينٍ . فلما تحاكت الركب قلتم : منا نبي . فما بقي إلا أن تقولوا : منا نبية . لا أعلم في قريش أهل بيت أكذب رجلاً ولا امرأة منكم . فآذوه أشد الأذى وقال أبو جهل : زعمت عاتكة أن الراكب قال : اخرجوا في ليلتين أو ثلاث ، فلو قد مضت هذه الثلاث تبينت قريش كذبكم ، وكتبنا سجلاً أنكم أكذب بيت في العرب رجلاً وامرأة . أما رضيتم يا بني قصي أن ذهبتم بالحجابة والندوة والسقاية واللواء والرفادة حتى جئتمونا بنبي منكم . فقال له العباس : هل أنت منته ، فإن الكذب فيك وفي أهل البيت . فقال من حضرهما : ما كنت يا أبا الفضل جهولاً ولا خرقاً . ولقى العباس من عاتكة فيما أفشى عليها من رؤياها أذى شديداً . فلما كان مساء الليلة الثالثة من الليالي التي رأت فيها عاتكة الرؤيا جاءهم الراكب الذي بعث به أبو سفيان وهو ضمضم بن عمرو الغفاري فصرخ : يا آل غالب ابن فهر ؛ انفروا فقد خرج محمد صلى الله عليه وأهل يثرب لأبي سفيان فاحذروا عيركم . ففزعت قريش أشد الفزع وأشفقوا من رؤيا عاتكة . وقال العباس : هذا زعمتم كذبي وكذب عاتكة . فنفروا على كل صعب وذلول ، فأظفر الله رسوله صلى الله عليه ببدر .

فاطمة بنت عبد الملك بن مروان

روى عن عطاء قال : قلت لفاطمة بنت عبد الملك : أخبريني عن عمر بن عبد العزيز . قالت : أفعل ، ولو كان حياً ما فعلت . إن عمر رحمه الله كان قد فزع للمسلمين نفسه ، ولأمورهم ذهنه 361 ، فكان إذا أمسى مساء لم يفرغ فيه من حوائج الناس في يومه دعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله ثم صلى ركعتين ، ثم أقعى واضعاً رأسه على يديه ، تسيل دموعه على خديه يشهق الشهقة تكاد ينصدع لها قلبه ، أو تخرج لها نفسه ، حتى يرى الصبح . وأصبح صائماً فدنوت منه فقلت : يا أمير المؤمنين ؛ ألشيء كان منك ما كان ؟ قال : أجل ، فعليك بشأنك ، وخليني وشأني . فقلت : إني أرجو أن أتعظ . قال : إذاً أخبرك ، إني نظرت قد وجدتني وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها ، ثم ذكرت الفقير الجائع ، والغريب الضائع ، والأسير المقهور ، وذا المال القليل والعيال الكثير ، وأشياء من ذلك في أقاصي البلاد ، وأطراف الأرض ، فعلمت أن الله عز وجل سائلي عنهم ، وأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حجيجي ، لا يقبل الله مني فيهم معذرة ، ولا يقوم لي مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حجة ، فرحمت والله يا فاطمة نفسي رحمةً دمعت لها عيني ، ووجع لها قلبي ، فأنا كلما ازددت ذكراً ازددت خوفاً فأيقظي أودعي .

أم سلمة أم المؤمنين

في حديث أم سلمة أنها أتت عائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة فقالت لها : إنك سدة بين رسول الله صلى الله عليه وأمته ، وحجابك مضروب على حرمته ، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن عقيراك فلا تصحريها . الله من وراء هذه الأمة ، لو أراد رسول الله صلى الله عليه أن يعهد إليك عهداً . علت علت بل قد نهاك رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) عن الفرطة في البلاد ؛ إن عمود الإسلام لا يثاب بالنساء إن مال ، ولا يرأب بهن أن صدع، حماديات النساء غض الأطراف وخفر الأعراض ، وقصر الوهازة . ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه عارضك بعض الفلوات ناصة قلوصاً من منهل إلى آخر أن يعين الله مهواك ، وعلى رسوله تردين قد وجهت سدافته. - ويروى سجافته - وتركت عهيداه . لو سرت مسيرك هذا ثم قيل : ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمداً ، هاتكة حجاباً قد ضربه علي . اجعلي حصنك بيتك ، ووقاعة الستر قبرك ، حتى تلقيه وأنت على تلك أطوع ما تكونين لله ما لزمته ، وأنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه ، لو ذكرتك قولاً تعرفينه نهسته نهش الرقشاء المطرقة . فقالت عائشة : ما أقبلني لوعظك وليس الأمر كما تظنين ، ولنعم المسير مسير فزعت فيه إلي فئتان متناجزتان - أو متناحرتان - إن أقعد ففي غير حرج ، وإن أخرج فإلى ما لا بد من الازدياد منه . قولها : قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه أي لا توسعيه بالحركة والخروج يقال : ندحت الشيء : إذا وسعته . ومنه يقال : أنا في مندوحة عن كذا . أي في سعة . ومن رواه فلا تبدحيه فإنه من البداح وهو المتسع من الأرض وعقيراك : من عقر الدار .

وعلت من العول ، وهو الميل . ومن رواه : علت بالكسر فهو من عال في البلاد يعيل . والفرطة : من الفرط . وهو السبق والتقدم . لا يثاب : لا يرد يقال ثبت إلى كذا أي عدت إليه . حماديات : جمع حمادي مثل قولك قصاراك . الوهازة : قيل هو الخطو . السدافة : الحجاب والستر ، من أسداف الليل : إذا ستر بظلمته .

ملتقطات من كلامهن

قالت هند بنت عتبة وقد عزيت عن يزيد بن أبي سفيان لما مات فقيل لها : إنا لنرجو أن يكون في معاوية خلفاً منه . قالت : أومثل معاوية يكون خلفاً من أحد ؟ والله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي به فيها لخرج من أيها شاء . قالت خالدة بنت هاشم بن عبد مناف لأخ لها - وقد سمعته تجهم صديقاً له : أي أخي ، لا تطلع من الكلام إلا ما قد روأت فيه قبل ذلك ، ومزجته بالحلم ، وداويته بالرفق ؛ فإن ذلك أشبه بك . فسمعها أبوها هاشم فقام إليها فاعتنقها وقبلها وقال : واهاً لك يا قبة الديباج . فلقبت بذلك . قالت عائشة للنبي عليه السلام وقد دخل عليها : أين كنت يا رسول الله ؟ قال : كنت عند أم سلمة . قالت : أما تشبع . فتبسم . وقالت : يا رسول الله ؛ لو مررت بعدوتين إحداهما عافية لم يرعها أحد ، وأخرى قد رعاها الناس ، أيهما كنت تنزل ؟ قال : بالعافية التي لم يرعها الناس . قالت : فلست كأحد من نسائك .

عمر وأبو سفيان

روي أن عمر نهى أبا سفيان عن رش باب منزله لئلا يمر به الحاج فيزلقون فيه ، فلم ينته . ومر عمر فزلق ببابه فعلاه بالدرة وقال : ألم آمرك ألا تفعل هذا .

فوضع أبو سفيان سبابته على فيه . فقال عمر : الحمد لله الذي أراني أبا سفيان ببطحاء مكة أضربه فلا ينتصر ، وآمره فيأتمر . فسمعته هند بنت عتبة فقالت : احمده يا عمر فإنك إن تحمده فقد أراك عظيماً . كانت زينب بنت سليمان بن علي تقول : من أراد أن يكون الخلق شفعاءه إلى الله فليحمده . ألم تسمع إلى قولهم : سمع الله لمن حمده . فخف الله لقدرته عليك واستحي منه لقربه منك . وقالت زينب : لو أدرك المنصور ما ساس به المأمون بني أبي طالب لخرج له عما يملك . لما تزوجت خديجة رضوان الله عليها برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كست أباها حلة وخلقته ونحرت جزوراً ، فلما أفاق الشيخ قال : ما هذا الحبير وهذا العبير وهذا العقير ؟ فقالت خديجة : زوجتني محمداً وهو كساك هذا .

حال ابنة عبد الله بن جعفر بعد زواجها من الحجاج

قيل : ما رئيت ابنة عبد الله بن جعفر ضاحكة بعد أن تزوجها الحجاج فقيل لها : لو تسليت ، فإنه أمر قد وقع . فقالت: كيف وبم ؟ فوالله لقد ألبست قومي عاراً لا يغسل درنه بغسل . ولما مات أبوها لم تبك عليه . فقيل لها : ألا تبكين على أبيك ؟ قالت : والله إن الحزن ليبعثني وإن الغيظ ليصمتني . مات ابن لزينب بنت سليمان بن علي فوجه المأمون بصالح بن الرشيد للصلاة عليه ، فقال لها صالح : إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك : قد كنت على الركوب ، فعرضت لي علة ، وقد وجهت صالحاً ليقوم مقامي ، عظم الله أجرك ، فإنما فقدت شخصه ، وثوابه مذخور لك . قال : فظهر غضبها ، ورفعت ابناً لابنها الميت فقالت : صل على أبيك وقالت : سبكناه ونحسبه لجيناً... فأبدى الكير عن خبث الحديد أما إنه لو كان يحيى بن الحسين بن زيد لوضعت ذيلك في فيك ، وعدوت خلف جنازته.

المأمون وأم جعفر

لما دخل المأمون بغداد دخلت عليه أم جعفر فقالت : يا أمير المؤمنين 363 أهنئك بخلافة قد هنأت بها نفسي عنك قبل أن أراك . ولئن فقدت ابناً خليفةً لقد عوضت ابناً خليفة لم ألده . وما خسر من اعتاض مثلك ، ولا ثكلت أم ملأت يدها منك ، فأسأل الله أجراً على ما أخذ ، ومتاعاً بما وهب . دخلت فاطمة بنت الحسين على هشام بن عبد الملك ، فقال لبعض جلسائه : حركها بشيء تغضب منه . فقال يا أمير المؤمنين : إنها لا تعرف الشر . فقالت له : أيهاً عنك. علمي به جنبنيه .

من أعمال وأقوال فاطمة بنت الحسين

روى عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال : جمعتنا أمنا فاطمة بنت الحسين عليه السلام فقالت : يا بني ؛ إنه والله ما نال أحد من أهل السفه بسفههم شيئاً ولا أدركوه من لذاتهم إلا وقد ناله أهل المروءات ، فاستتروا بستر الله . وذكر أن فاطمة أعطت ولدها من حسن بن حسن ما ورثته منه ، وأعطت ولدها من عبد الله بن عمرو بن عثمان مورثها منه ، فوجد ولد حسن بن حسن في أنفسهم لأن ما ورثت من عبد الله بن عمرو كان أكثر فقالت لهم : يا بني ، إني كرهت أن يرى أحدكم شيئاً من مال أبيه بيد أخيه ، فيجد من ذلك في نفسه فلذلك فعلت ما فعلت . ودخلت مع أختها سكينة على هشام بن عبد الملك ، فقال هشام لفاطمة : صفي لنا يا بنة حسين ولدك من ابن عمك ، وصفي لنا ولدك من ابن عمنا قال : فبدأت بولد الحسن قالت : أما عبد الله فسيدنا وشريفنا والمطاع فينا ، وأما الحسن فلساننا ومدرهنا وأشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شمائل وتقلعاً ولوناً – وكان رسول الله عليه السلام إذا مشى تقلع فلا تكاد عقباه تقعان بالأرض - وأما الذان من ابن عمكم فإن محمداً جمالنا الذي نباهي به ، والقاسم عارضتنا التي نمتنع بها ، وأشبه الناس بأبي العاص بن أمية عارضة ونفساً . فقال : والله لقد أحسنت صفاتهم يا بنة حسين . ثم وثب فجبذت سكينة بردائه فقالت : والله يا أحول لقد أصبحت تهكم بنا . أما والله ما أبرزنا لك إلا يوم الطف ، قال : أنت امرأة كثيرة الشر .