الجزء الرابع - الباب الثالث الحيل والخدائع

الباب الثالث الحيل والخدائع

قدم بعضهم رجلاً إلى القاضي وادعى عليه مالاً فقال : صدقوا أسألهم أن يؤخروني حتى أبيع مالي أو عقاري أو رقيقي أو إبلي . فقالوا : كذب أيها القاضي . ما له قليل ولا كثير . ولكنه يريد مدافعتنا فقال : أصلحك الله . فقد شهدوا بالعدم . فخلى سبيله . قال بعضهم : خرجت ليلة فإذا أنا بالطائف قد أقبل : فلما رأيته من بعيد صحت : المستغاث بالله وبالطائف . فقال لي الطائف : مالك ؟ قلت : قوم سكارى في بيتي قد عربدوا ، وسلوا السكاكين ، وجئت في طلبك لتخلصني منهم . فقال : ايش بين يدي . فمشيت ودخلت البيت ، وأغلقت الباب ، وصعدت السطح وتطلعت عليه وقلت : انصرف مأجوراً فقد تصالحوا . سئل بعضهم عن رجل أرادوا أن يزوجوه فقال : إن له شرفاً وبيتاً وقدماً فنظروا فإذا هو ساقط سفلة . فقيل له في ذلك ، فقال : ما كذبت شرفه أذناه ، وقدمه التي يمشي عليها ، ولا بد من أن يكون له بيت يأوي إليه . قال معاوية لأبي هوذة الباهلي : لقد هممت أن أحمل جمعاً من باهلة في سفينة ثم 386 أغرقهم . قال أبو هوذة : إذا لا ترضى باهلة بعدتهم من بني أمية . قال : اسكت أيها الغراب الأبقع - وكان به برص . قال أبو هوذة : إن الغراب ربما درج إلى الرخمة حتى ينقر دماغها ، ويقتلع عينيها . فقال يزيد : ألا تقتله يا أمير المؤمنين . قال : مه . ونهض معاوية ثم وجهه في سرية فقتل . فقال معاوية ليزيد : هذه أخفى وأصوب . لما بايع الرشيد ولده تخلف رجل مذكور من الفقهاء ، فأحضره وقال له : لم تخلفت عن البيعة ؟ قال : عاقني يا أمير المؤمنين عائق فأمر بقراءة كتاب البيعة عليه . فلما قرئ قال : يا أمير المؤمنين هذه البيعة في عنقي إلى قيامي الساعة فلم يفهم الرشيد ما أراد ، وقدر أنه يريد إلى قيام الساعة وذهب ما كان في نفسه عليه . قيل لبعض الفقهاء : لم استجزتم استعمال الحيل في الفقه ؟ فقال : الله تعالى علمنا ذلك فإنه قال : وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث " . لما حبس المقفع ، وألح عليه صاحب الاستخراج في العذاب خشي على نفسه فقال لصاحب الاستخراج: عندك مال وأنا أربحك ربحاً ترضاه ؟ وقد عرفت وفائي وسخائي وكتماني ، فعيني مقدار هذا النجم . فلما صار عليه مال ترفق به مخافة أن يموت تحت العذاب فيتوى ماله . جحد رجل مال رجل فاحتكم إلى إياس بن معاوية فقال للطالب : أين دفعت إليه هذا المال ؟ قال : عند شجرة في مكان كذا . قال : فانطلق إلى ذلك الموضع لعلك تتذكر كيف كان أمر هذا المال ، ولعل الله يوضح لك سبباً . فمضى الرجل وجلس خصمه فقال إياس بعد ساعة: أترى خصمك بلغ موضع الشجرة . قال : لا بعد . قال : يا عدو الله أنت خائن . قال : أقلني أقالك الله . فاحتفظ به حتى أقر ورد المال . قال معاوية لعمرو : أنت أدهى أم أنا ؟ قال عمرو : أنا للبديهة وأنت للأناة . قال : كلا . قال عمرو : أدن مني رأسك أسارك ، فأدنى رأسه فقال عمرو : هذا من ذاك . هل ها هنا أحد غيرك . قال المغيرة بن شعبة : ما خدعني غير غلام من بني الحارث بن كعب . فإني ذكرت امرأة منهم فقال : أيها الأمير لا خير لك فيها . قلت : ولم ؟ قال : رأيت رجلاً يقبلها . فأضربت عنها فتزوجها الفتى . فأرسلت إليه : ألم تعلمني كذا وكذا من أمرها . قال : بلى رأيت أباها يقبلها . كان لعبد الله بن مطيع غلام مولد قد أدبه وخرجه وصيره قهرمانه ، وكان أتاهم قوم من العدو في ناحية البحر . فرآه يوما يبكي فقال : مالك ؟ قال : تمنيت أن أكون حراً ، فأخرج مع المسلمين قال : وتحب ذاك ؟ قال : نعم . قال : فأنت حر لوجه الله فاخرج . قال : فإنه قد بدا لي ألا أخرج . قال : خدعتني والله . كان عمر بن هبيرة أمياً لا يقرأ ولا يكتب . وكان إذا أتاه كتاب فتحه ونظر فيه كأنه يقرؤه فإذا نهض من مجلسه حملت الكتب معه . فيدعو جارية كاتبة ويدفع إليها الكتب فتقرأها عليه ويأمرها فتوقع بما يريد ، ويخرج الكتاب . فاستراب به بعض كتابه فكتب كتاباً على لسان بعض العمال وطواه منكساً أعلاه إلى أسفله ، فلما أخذه ونظر فيه ولم ينكره تحقق أنه أمي . 387 قال بعض القضاة لرجل : كيف أقبل شهادتك وقد سمعتك تقول لمغنية : أحسنت ؟ قال : أليس إنما قلت ذلك بعد سكوتها . فأجاز شهادته . أتى معن بن زائدة بثلاثمائة أسير من حضرموت فأمر بضرب أعناقهم ، فقام منهم غلام حين سال عذاره فقال : أنشدك الله أن تقتلنا ونحن عطاش فقال : اسقوهم ماء. فلما شربوا قال : اضربوا أعناقهم . فقال الغلام : أنشدك الله أن تقتل ضيفانك . قال : أحسنت . وأمر بإطلاقهم . كان بالأهواز رجل له زوجة ، وكانت له أرض بالبصرة ، فكان يكثر الإنحدار إليها فارتابت زوجته وتتبعت أثره ، فوقفت على أنه قد تزوج بالبصرة فاحتالت حتى صار إليها خط عم البصرية ، وبعث به إلى رجل يحكي كل خط رآه ، وأجازته ، حتى كتب كتاباً عن لسان عم البصرية إلى زوجها يذكر أن المرأة قد ماتت ، ويسأله التعجيل إليه لأخذ ما تركت وسمى مالها وجاريتها . ودست الكتاب مع ملاح قدم من البصرة ، فلما وصل إليه الكتاب قرأه فلم يشك فيه ، ودخل وقال لامرأته : اعملي لي سفرة . قالت : ولم ؟ قال : أريد البصرة . قالت : كم هذه البصرة ؟ قد رابني أمرك . لعل لك بها امرأة ، فأنكر ، فقالت : احلف . فحلف أن كل امرأة له غيرها طالق ، سكوناً إلى أن تلك قد ماتت ، وما يضره ذلك . فلما حلف قالت : دع السفرة . قد أغناك الله عن البصرة . قال : وما ذاك ؟ قال : قد طلقت الفاسقة . وحدثته بالقصة فندم . مر شبيب بن يزيد الخارجي على غلام قد استنقع في الفرات . فقال : يا غلام. اخرج إلي أسائلك . فنظر الغلام فعرف شبيباً . فقال : إني أخاف . فهل أنا آمن إلى أن أخرج وألبس ثيابي ؟ قال : نعم . قال : فوالله لا ألبسها اليوم ولا أخرج . فقال شبيب : أوه ، خدعني الغلام . وأمر رجلاً بحفظه لئلا يصيبه أحد بمعرة ومضى ، وسلم الغلام . قال الأعمش : أخبرني تميم بن سلمة أن رجلاً شهد عند شريح وعليه جبة ضيقة الكمين . فقال شريح : أنتوضأ وعليك جبتك هذه ؟ قال : احسر عن ذراعك . فحسر ، فلم يبلغ كم جبته إلى نصف الساعد . فرد شهادته . قدمت امرأة زوجها إلى أبي عمر القاضي ، وادعت عليه مالاً ، فاعترف به فقالت : أيها القاضي خذ بحقي ولو بحبسه . فتلطف لها لئلا تحبسه ، فأبت إلا ذلك ، فأمر به ، فلما مشى خطوات صاح أبو عمر بالرجل وقال له : ألست ممن لا يصبر على النساء ؟ ففطن الرجل فقال : بلى أصلح الله القاضي . فقال : خذها معك إلى الحبس . فلما عرفت الحقيقة ندمت على لجاجها وقالت : ما هذا أيها القاضي ؟ قال : لك عليه حق ، وله عليك حق . ومالك عليه لا يبطل ما له عليك . فعادت إلى السلاسة والرضا . أخذ عبد الملك رجلاً كان يرى رأي الخوارج فقال له : ألست القائل : ومنا سويد والبطين وقعنب . . . ومنا أمير المؤمنين شبيب فقال إنما قلت : ومنا أمير المؤمنين . وناديتك ، فخلى سبيله . كان يختلف إلى أبي حنيفة رجل يتحمل بالستر الظاهر ، والسمت البين فقدم رجل غريب وأودعه مالاً خطيراً ، وخرج حاجاً ، فلما عاد طالبه بالوديعة فجحده ، فألح الرجل عليه فتمادى ، فكاد صاحب المال يهيم 388 ، ثم استشار ثقة له فقال له : كف عنه ، وصر إلى أبي حنيفة ، فدواؤك عنده .

فانطلق إليه وخلا به وأعلمه شأنه ، وشرح له قصته فقال له أبو حنيفة : لا تعلم بهذا أحداً ، وامض راشداً ، وعد إلي غداً . فلما أمسى أبو حنيفة جلس كعادته للناس ، وجعل كلما سئل عن شيء تنفس الصعداء . فقيل له في ذلك فقال : إن هؤلاء - يعني السلطان - قد احتاجوا إلى رجل يبعثونه قاضياً إلى مكان . وقالوا لي : اختر من أحببت . ثم أسبل كمه وخلا بصاحب الوديعة ، وقال له : أترغب حتى أسميك . فذهب يتمنع تحلية . فقال له أبو حنيفة : اسكت فإني أبلغ لك ما تحب . فانصرف الرجل مسروراً يظن الظنون بالجاه العريض ، والحال الحسنة . وصار رب المال إلى أبي حنيفة فقال : امض إلى صاحبك ولا تخبره بما بيننا ، ولوح بذكري وكفاك ، فمضى الرجل واقتضاه وقال له : اردد على مالي وإلا شكوتك إلى أبي حنيفة . فلما سمع ذلك وفاه المال . وصار الرجل إلى أبي حنيفة وأعلمه رجوع المال إليه فقال له : استره عليه . ولما غدا الرجل إلى أبي حنيفة طامعاً في القضاء نظر إليه أبو حنيفة وقال له : نظرت في أمرك فرفعت قدرك عن القضاء . قال أبو يوسف : بقيت على باب الرشيد حولاً لا أصل إليه ، حتى حدثت مسألة . وذلك أن بعض أهله كانت له جارية ، فحلف أنه لا يبيعها إياه ولا يهبها له . وأراد الرشيد شراءها فلم يجد أحداً يفتيه في ذلك . فقلت لابن الربيع : أعلم أمير المؤمنين أن بالباب رجلاً من الفقهاء عنده الشفاء من هذه الحادثة . فدخل فأخبره ، فأذن لي ، فلما وصلت مثلت ، فقال : ما تقول ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، أقوله لك وحدك أبو بحضرة الفقهاء ؟ قال : بل بحضرة الفقهاء ، ليك الشك أبعد ، وأمر فحضر الفقهاء ، وأعيد عليهم السؤال . فكل قال : لا حيلة عندنا فيه ، فأقبل أبو يوسف فقال : المخرج منها أن يهب لك نصفها ، ويبيعك نصفها ، فإنه لا يقع الحنث . فقال القوم : صدق . فعظم أمري عند الرشيد ، وعلم أن أتيت بما عجزوا عنه . كان المغيرة من كبار المدمنين للشراب ، فقال لصاحب له يوم خيبر : قد قرمت إلى الشراب . ومعي درهمان زائفان فأعطني زكرتين فأعطاه .

فصب في إحداهما ماء ، وأتى بعغض الخمارين فقال : كل بدرهمين . فكال في زكرته فأعطاه الدرهمين فردهما ، وقال : هما زائفان . فقال : ارتجع ما أعطيتني فكاله وأخذه ، وبقيت في الزكرة بقية فصبها في الفارغة ، ثم فعل ذلك بكل خمار حتى ملا زكرته ورجع ومعه درهماه . قال الأصمعي : حمل يزيد بن مره شيئاً على رأس حمال فعاسره في الكراء فقال له : أثبت أن الذي على رأسي لك . فأرضاه . وقف أحمد بن أبي خالد بين يدي المأمون وخرج يحيى بن أكثم وجلس على طرفه فقال أحمد : يا أمير المؤمنين ؛ إن يحيى صديقي وأخي ، ومن أثق به في أمري كله ويثق بي ، وقد تغير عما كنت أعهده عليه ، فإن رأيت أن تأمره بالعود إلى ما كان عليه . فإني له على مثله . فقال المأمون : 389 يا يحيى ؛ إن فساد أمر الملوك بفساد الحال بين خاصتهم . وما يعد لكما عندي أحد . فما هذا النزاع بينكما ؟ فقال له يحيى : والله يا أمير المؤمنين إنه ليعلم أني له على أكثر مما وصف ، وأني أثق بمثل ذلك منه . ولكنه رأى منزلتي هذه منك فخاف أن أتغير له يوماً ، فأقدح فيه عندك ، فتقبل قولي فيه فأحب أن يقول هذا لتأمرني بأمر لو بلغ نهاية مساءتي ما قدرت أن أذكره بسوء عندك . فقال المأمون : أكذاك هو يا أحمد ؟ قال : نعم . قال : أستعين الله عليكما . ما رأيت أتم دهاء ولا أقرب فطنة منكما . استأذن أخو صفية بنت حيي بن أخطب على سليمان بن عبد الملك وهو خليفة فقال للآذن : خال أمير المؤمنين . فدخل فقال : بالباب رجل يدعي أنه خال أمير المؤمنين . فقال : أدخله . فلما رآه عرفه فقال : أنت لعمري خالي . أي إني مؤمن . أرسل فتى من العرب إلى ابنة عم له ولم يكن له مال ، ومانت كثيرة المال وخطبها ناس كثير ، فقال : يابنة عم ؛ هل لك في فتىً كاسٍ من الحسب ، عار من النشب ، يتقلقل في دارك ، ويقبض غلة غلمانك ، ويقلبك عن يمينك لشمالك ، ويدخل الحمام في كل يوم مرتين ؟ فتزوجته . دخل سلم بن زياد على الحجاج في أموال قبضها عنه فقال له : من أنت ؟

قال : سلم . قال : ابن من ؟ قال : ابن زياد . قال : ابن من ؟ قال : ابن من شاء الأمير . فرد عليه أرضه . أتى وكيع بن أبي سود إياس بن معاوية وهو قاض ليشهد عنده بشهادة ، فقال : مرحباً بك يا أبا مطرف ، ما جاء بك ؟ قال : جئت لأشهد قال : مالك وللشهادة . إنما يشهد الموالي والتجار والسقاط . قال : صدقت وانصرف . فقيل له : خدعك ولم يقبل شهادتك فردك . فقال : لو علمت لعلوته بالقضيب . كان أبو بردة ولي القضاء بعد الشعبي بالكوفة ، فكان يحكم بأن رجلاً لو قال لملوك لا يملكه : أنت حر . أنه يعتق ويؤخذ المعتق بثمنه . قال : فعشق رجل من بني عبس جارية لجار له فجن بها وجنت به ، فكان يشكو ذاك فلقيها يوم فقال لها : إلى الله أشكو قالت : بلى والله إن لك حيلة ، ولكنك عاجز . هذا أبو بردة يقضي في العتق بما قد علمت فقال لها : أشهد إنك لصادقة . ثم قدمها إلى مجلس يتجمع فيه قوم يعدلون فقال : هذه جارية آل فلان أشهدكم إنها حرة فألقت ملحفتها على رأسها . وبلغ ذلك مواليها فجاءوا فقدمتهم إلى أبي برده وقدموا الرجل فأنفذ عتقها ، وألزم الرجل ثمنها ، فلما أمر به إلى السجن خاف إذا ملكت أمرها أن تصير إلى أول من يطلبها ، وأن تخيب فيما صنع في أمرها . فقال : أصلح الله القاضي ، لا بد من حبسي قال : نعم أو تعطيهم ثمنها . قال : فليس مثلي يحبس في شيء يسير . أشهدكم أني قد أعتقت كل مملوك لأبي بردة ، وكل مملوك لآل أبي موسى ، وكل مملوك لمذحج . فخلى سبيله ، ورجع عن ذلك القضاء فلم يحكم به . لما خرج الأحنف مع مصعب أرسل إليه بمائة ألف درهم ولم يرسل إلى زبراء جاريته بشيء ، فجاءت حتى قعدت بين يدي الأحنف ثم أرسلت عينيها . فقال لها : ما يبكيك ؟ قالت : مالي 390 لا أبكي عليك ، إذ لم تبك على نفسك . أبعد نهاوند ومرو الروذ صرت إلى أن تجمع بين غارين من المسلمين ؟ فقال : نصحتني والله في ديني ، إذ لم أنتبه لذلك . ثم أمر بفساطيطه فقوضت .

قال : فبلغ ذلك مصعباً ، فقال : من دهاني في الأحنف ؟ فقيل : زبراء . فبعث إليها بثلاثين ألف درهم . فجاءت حتى أرخت عينيهل بين يديه فقال : ما لك يا زبراء ؟ قالت : جئت بإخوانك من أهل البصرة تزفهم كما تزف العروس ، حتى إذا صيرتهم في نحور أعدائهم أردت أن تفت في أعضادهم . قال : صدقت والله . يا غلام ؛ دعها . قال : فاضطرب العسكر بمجيء زبراء مرتين فذهبت مثلاً . بلغ قتيبة بن مسلم أن سليمان بن عبد الملك يريد عزله واستعمال يزيد ابن المهلب فكتب إليه ثلاث صحائف وقال للرسول : إن دفع كتابي الأول إلى يزيد بن المهلب فادفع إليه الثاني ، فإن شتمني عند الثاني فادفع إليه الثالث ، فدفع إليه الكتاب الأول ، فإذا فيه : إن بلائي في طاعة أبيك وأخيك كذا ، وأنت تقرأ كتبي يزيد . قال : فرمى بالكتاب إلى يزيد ، فأعطاه الثاني فإذا فيه : كيف تأمن يزيد على أسرارك وكان أبوه لا يأمنه على أمهات أولاده . قال : فشتمه ، فدفع إليه الثالث فإذا فيه : من قتيبة بن مسلم إلى سليمان بن عبد الملك سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فلأوثقن لك أخية لا ينزعها المهر الأرن . قال : فقال سليمان : ما أرانا إلا قد عجلنا على قتيبة . يا غلام ؛ جدد له عهده على خراسان خطب سلمان إلى عمر بن الخطاب ابنته فلم يستجز رده ، فأنعم له وشق ذلك عليه وعلى ابنه عبد الله بن عمر . فشكى عبد الله ذلك إلى عمرو بن العاص فقال له : أفتحب أن أصرف سلمان عنكم ؟ فقال له : هو سلمان ، وحاله في المسلمين حاله . قال : أحتال له حتى يكون هو التارك لهذا الأمر ، والكاره له . قال : وددنا ذلك . فمر عمرو بسلمان في طريق فضرب بيده على منكبه وقال له : هنيئاً لك أبا عبد الله . قال : وما ذاك ؟ قال : هذا عمر يريد أن يتواضع بك فيزوجك . قال : وإنما يزوجني ليتواضع بي ؟ قال : نعم . قال : لا جرم والله لا خطبت إليه أبداً . كتب معاوية إلى عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة أن يقدما عليه ، فقدم عمرو من مصر والمغيرة من الكوفة فقال عمرو للمغيرة : ما جمعنا إلا ليعزلنا ، فإذا دخلت عليه فاشك الضعف واستأذنه أن تأتي الطائف أو المدينة . فإني إذا دخلت عليه سألته ذلك فإنه يظن أنا نريد أن نفسد عليه . فدخل المغيرة فسأله أن يعفيه ويأذن له . ودخل عليه عمرو وسأله مثل ذلك فقال له معاوية : قد تواطأتما على أمر ، وإنكما لتريدان شراً . ارجعا إلى عمليكما . كان الإسكندر لا يدخل مدينة إلا هدمها وقتل أهلها حتى مر بمدينة كان فيها مؤدبه . فخرج إليه وألطفه الإسكندر وأعظمه فقال له مؤدبه : إن أحق من زين رأيك وسدده وأتى كل ما هويت لأنا . وإن أهل هذه المدينة قد طمعوا فيك لمكاني منك فأنا أحب ألا تشفعني فيهم ، وأن تحلف يميناً أعتذر بها عند القوم فاحلف 391 لي عندهم أنك لا تشفعني في شيء أسألك ، وأن تخالفني في كل ما سألتك . فأعطاه من ذلك مالاً يقدر على الرجوع عنه في دينه ، فلما توثق منه قال : فإن حاجتي أن تدخلها وتخربها وتقتل من فيها . قال : ما إلى ذلك سبيل ولا بد من مخالفتك وقد كنت مؤدبي وأنا إليك اليوم أحوج . فلم يدخلها وضمه إليه . أصابت المسلمين جولة بخراسان ، فمر فيهم شعبة بن ظهير على بغلة له فرآه بعض الرجالة فتقدر له على جذم حائط ، فلما حاذ به حال في عجز بغلته . فقال له : اتق الله فإنها لا تحملني وإياك . قال : امض فإني والله ما أقدر أن أمشي . قال : إنك تقتلني وتقتل نفسك . قال : امض فهو ما أقول لك . قال : فصرف شعبة وجه البغلة قبل العدو فقال له : أين تريد ؟ قال : أنا أعلم أني مقتول ، فلأن أقتل مقبلاً خير من أن أقتل مدبراً . فنزل الرجل عن بغلته وقال : اذهب في حرق الله . اشترى شريك بن عبد الله جارية من رجل فأصاب بها عيباً ، فقال للذي اشتراها منه : قد ظهر بها عيب . قال : ما عليك . هي رخيصة ، وإن أحببت بعتها لك بربح . قال : فافعل . فدفع الجارية إليه وأقام أياماً ثم أتاه فقال له : لم أصب منها ثمناً أرضاه . فقال له شريك : فخذها واردد علي الثمن . فقال له الرجل : أبعد ما وكلتني لأبيعها ورضيت تردها علي ؟ فقال : صدقت والله خدعتني . رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه عبد الله جالساً مع رجل فقال له : يا بني ؛ احذر هذا ، لا تشترين منه شيئاً ، فإنه يتبرأ إلى الرجل من العيب . والرجل لا يفطن لذلك . قال : فمر عبد الله بن عمر بذاك الرجل يوماً ومعه غلام وضيء ، فقال له : تبيعه ؟ قال : نعم . قال : بكم ؟ قال : بكذا . قال له : هل به عيب . قال : ما علمت أن به عيباً إلا أنا ربما أرسلناه في الحاجة فيبطئ فلا يأتينا حتى نبعث في طلبه . فقال عبد الله : وما هذا ؟ فاشتراه منه . فلما صار إليه أرسله في حاجة فهرب ، فطلبه أياماً حتى وجده ، فأتى صاحبه ليرده عليه بالإباق ، فقال له : ألم أخبرك أنا ربما أرسلناه في الحاجة فلا يرجع حتى نرسل في طلبه ؟ فعلم أنه قد خدعه . كان مع يوسف بن عمر رجل يقال له عبدان يأنس به ولا يحجبه في دار نسائه . فقال له يوماً : أنا أطول أم أنت ؟ وكان عبدان طويلاً . قال : فقلت في نفسي : وقعت والله في شر . إن قلت : أنا . خفت أن يقول : يصغرني . وإن قلت أنت قال : تهزأ بي . فقلت : أصلحك الله ؛ أنت أطول مني ظهراً وأنا أطول رجلين منك . فقال : أحسنت . كان شعبة بن المخش مع زياد ، وكان أكولاً دميماً ، فقال له زياد : يا شعبة مالك من الولد ؟ قال : تسع بنات . قال : أين جمالهن من جمالك ؟ قال : أنا أجمل منهن وهن آكل مني . قال : ما أحسن ما سألت لهن ، وألحق بناته في العيال . قال الأصمعي : ذكروا أن محمد بن الحنيفية أراد أن يقدم الكوفة أيام المختار . فقال المختار حين بلغه ذلك : إن في المهدي علامة ، يضربه في السوق رجل ضربة بالسيف فلا يضره ، فلما بلغه ذلك أقام .

سأل عبد الله بن الزبير معاوية شيئاً فمنعه فقال : والله ما أجهل أن ألزم 392 هذه البنية فلا أشتم لك عرضاً ولا أقضب لك حسبا . ولكن أسدل عمامتي من بين يدي ذراعاً ومن خلفي ذراعاً أقعد في طريق أهل الشام ، وأذكر سيرة أبي بكر وعمر فيقول الناس : هذا ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وابن الصديق . فقال معاوية : حسبك بهذا شراً ، وقضى حاجته . قال أعرابي لمعاوية : قال أعرابي لمعاوية : استعملني على البصرة . فقال : ما أريد عزل عاملها . قال : فأقطعني البحرين . قال : ما إلى ذلك سبيل . قال : فمر لي بألف درهم . فأمر له بها . فقيل للأعرابي في ذلك فقال : لولا طلبي الكثير ما أعطاني القليل .

حلم الأحنف ودهاؤه

أتى رجل الأحنف فلطمه . فقال له : لم لطمتني ؟ قال : جعل لي جعل على أن ألطم سيد بني تميم . قال : ما صنعت شيئاً . عليك بجارية بن قدامة فإنه سيدهم . فانطلق فلطم جارية ، فأخذه وقطع يده . وإنما أراد الأحنف ذلك به . قال قوم من قريش : ما نظن أن معاوية أغضبه شيء قط . فقال بعضهم : إن ذكرت أمه غضب . فقال نالك بن أسماء المنى القرشي - وهي أمه - وإنما قيل لها أسماء المنى لجمالها : والله لأغضبنه إن جعلتم لي جعلاً . فجعلوا له جعلاً وأتاه وقد حضر الموسم فقال : يا أمير المؤمنين ما أشبه عينيك بعيني أمك . قال : تلك عينان طالما أعجبتا أبي سفيان . يا بن أخي ؛ خذ جعلك ولا تتخذنا متجراً . ثم دعا معاوية مولاه سعداً فقال له : أعدد لأسماء المنى دية ابنها فإني قد قتلته وهو لا يدري . ورجع الغلام فأخذ جعله . فقال له رجل منهم : إن أتيت عمرو بن الزبير فشبهته بأمه فلك ضعفا جعلك . فأتاه فقال له : يا بن الزبير ؛ ما أشبه وجهك بوجه أمك . فأمر به فضرب حتى مات . فبعث معاوية إلى أمه بديته وقال : ألا قل لأسماء المنى أم مالك . . . فإني لعمر الله أقتل مالكا قيل لأعرابي : أنشرب قدحاً من لبن حازر ولا تتنحنح ؟ قال : نعم فأخذه في حلقه مثل الزجاج فقال : كبش أملح . فقيل له : إنك تنحنحت فقال : من تنحنح فلا أفلح . ومد صوته فقضى وطره . قال عبيد الله بن زياد بن ظبيان : إياكم والطمع فإنه يردي . والله لقد هممت أن أفتك بالحجاج ، فإني لواقف على بابه بدير الجماجم ، إذا بالحجاج قد خرج على دابة ، ليس معه غير غلام ، فأجمعت على قتله فكأنه عرف ما في نفسي قال : فقال : ألقيت ابن أبي مسلم ؟ قلت : لا . قال : فالقه فإن عهدك معه على الري . قال : فطمعت وكففت فأتيت يزيد بن أبي مسلم فسألته فقال : ما أمرني بشيء . وقال عمرو بن يزيد الأسيدي : خفنا أيام الحجاج ، وجعلنا نودع متاعنا ، وعلم جار لنا ، فخشيت أن يظهر أمرنا ، فعمدت إلى سفط فجعلت فيه لبناً ودفعته إليه ، فمكث عنده حتى أمنا . فطلبت منه ، فقال لي : أما وجدت أحداً تودعه لبناً غيري. لقي الحجاج أعرابياً خالياً بفلاة فسأله عن نفسه فأخبره بكل ما يكره وهو لا يعرفه . فقال : إن لم أقتلك فقتلني الله . قال الأعرابي : فأين حق الاسترسال ؟ فقال الحجاج : أولى . وأعرض عنه .

حيلة عمرو بن العاص

توجه عمرو بن العاص حيث فتح قيسارية إلى مصر وبعث إلى علجها فأرسل إليه : أن أرسل إلي رجلاً من أصحابك 393 أكلمه . فنظروا فقال عمرو : ما أرى لهذا أحداً غيري . فخرج ودخل على العلج ، فكلمه فسمع كلاماً لم يسمع مثله قط ، فقال : حدثني . هل في أصحابك مثلك ؟ قال : لا تسل عن هواني عليهم ؛ إلا أنهم بعثوني إليك وعرضوني لا يدرون ما تصنع بي . فأمر له بجائزة وكسوة وبعث إلى البواب : إذا مر بك فاضرب عنقه ، وخذ ما معه .

فخرج من عنده ، فمر برجل من نصارى العرب من غسان فعرفه فقال : يا عمرو ، إنك قد أحسنت الدخول فأحسن الخروج . فرجع فقال له الملك : ما ردك ؟ قال : نظرت فيما أعطيتني فلم أجده يسع بني عمي ، فأردت أن أجيئك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطية ، وتكسوهم هذه الكسوة ، فيكون معروفك عند عشرة خيراً من أن يكون عند واحد . قال : صدقت . فاعجل بهم . وبعث إلى البواب أن خل سبيله ، فخرج عمرو وهو يلتفت حتى إذا أمن قال : لا أعود لمثلها أبداً . فما فارقها عمرو حتى صالحه ، فلما أتي بالعلج قال : أنت هو ؟ قال عمرو : نعم على ما كان من غدرك .

أيمن بن خريم ومعاوية

كانت لأيمن بن خزيم الأسدي منزلة عند معاوية ، وكان معاوية قد ضعف عن النساء ، فكان يكره أن يذكر عنده رجل يوصف بالجماع فجلس ذات يوم وفاختة قريبة منه حيث تسمع الكلام فقال : يا أيمن ؛ ما بقي من طعامك وشرابك وجماعك وقوتك ؟ فقال : أنا والله يا أمير المؤمنين آكل الجفنة الكثيرة الدرمك والقدر ، وأشرب الرفد العظيم ولا أنقع بالغمر ، وأركض بالمهر الأرن ما أحضر ، وأجامع من أول الليل إلى السحر . قال : فغم ذلك معاوية ، وكلامه هذا بأذني فاختة ، فجفاه معاوية . فشكا أيمن ذلك إلى امرأته فقالت : أذنبت ذنباً . فوالله ما معاوية بعابث ولا متجن قال : لا والله إلا كذا وكذا . قالت : هذا والله الذي أغضبه عليك قال : فأصلحي ما أفسدت . قالت : كفيتك . فأتت معاوية فوجدته جالساً للناس ، فدخلت على فاختة فقالت : مالك ؟ قالت : جئت أستعدي على أيمن . قالت : وماله ؟ قالت : ما أدري أرجل هو أم امرأة . وما كشف لي ثوباً منذ تزوجني . قالت : فأين قوله لأمير المؤمنين ؟ وحكت لها ما قال . فقالت : ذاك والله الباطل .

وأقبل معاوية فقال : من هذه عندك يا فاختة . قالت : هذه امرأة أيمن جاءت تشكوه . قال : ومالها ؟ قالت : زعمت أنها لا تدري أرجل هو أم امرأة ، وأنه لم يكشف لها ثوباً منذ تزوجها . قال : كذاك هو ؟ قالت : نعم ففرق بيني وبينه فرق الله بينه وبين روحه قال معاوية : أو خيراً من ذلك ، هو ابن عمك ، وقد صبرت عليه دهراً . فأبت فلم يزل بها يطلب إليها حتى سمحت له بذلك فأعطاها وأحسن إليها وعادت منزلة أيمن عند معاوية كما كانت . كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية حين كبر وخاف العزل : أما بعد ؛ فإنه قد كبرت سني ، ورق عظمي واقترب أجلي ، وسفهني سفهاء قريش ، فرأى أمير المؤمنين في عمله موفق . وكتب إليه معاوية : أما ما ذكرت من كبر سنك فإنك أكلت سنك عمرك ، وأما ما ذكرت من اقتراب أجلك فإني لو كنت أستطيع أن أدفع المنية لدفعتها عن آل أبي سفيان ، وأما ما ذكرت من سفهاء قريش فإن حلماء قريش أنزلوك هذا المنزل ، وأما ما ذكرت من العمل فضح رويداً يدرك الهيجا حمل . فاستأذن معاوية 394 في القدوم فأذن له . قال الربيع بن هذيم : فخرج المغيرة وخرجنا إلى معاوية فقال له : يا مغيرة كبرت سنك ، واقترب أجلك ، ولم يبق منك شيء ، ولا أظنني إلا مستبدلاً بك ، قال : فانصرف إلينا ونحن نعرف الكآبة فيه . فقلنا : ما تريد أن تصنع ؟ قال : ستعلمون ذلك . فأتى معاوية فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إن الأنفس يغدى عليها ويراح ، ولست في زمن أبي بكر ولا عمر ، وقد اجترح الناس ، فلو نصبت لنا علماً من بعدك نصير إليه ، مع أني كنت قد دعوت أهل العراق إلى يزيد فركبوا إليه ، حتى جاءني كتابك . قال : يا أبا محمد؛ انصرف إلى عملك فأحكم هذا الأمر لابن أخيك . قال : فأقبلنا على البريد نركض ، فقال : يا ربيع ؛ وضعت والله رجله في ركاب طويل ألغى على أمة محمد . قال : فذاك الذي دعا معاوية إلى البيعة ليزيد . مر حاجب بن حميضة بقاص يقص في النجدية باليمامة ، فذكر عثمان بن عفان فنال منه . فقال حاجب : لعن الله شركما . فأخذوه وقالوا : يا عدو الله تلعن مسلماً وتولي كافراً ؟ فقال : لا تعجلوا . فأتوا نجدة فأخبروه فقال : يا أمير المؤمنين ، عثمان شرهما. قال : خلوا أخاكم .

حلف رجل من الأعراب باليمامة ألا يكشف لامرأته ثوباً ، فسأل القاضي فأمره باعتزالها . فقالت مريم بنت الحريش: لتكشف هي ثوبها صاغرة قميئة . فأمرها القاضي بذلك . اختلف إبراهيم بن هشام وقرشي في حرف ، فحكما أبا عبيدة بن محمد بن عمار ، فقال : أما أفرس الكلامين فما يقول الأمير ، وأما ما يقول النحويون الخبثاء فما يقول هذا .

حيلة رجل

حدث المدائني أن مخارق بن غفار ومعن بن زائدة في فوارس لقيا رجلاً ببلاد الشرك ومعه جارية لم ير مثلها شباباً وجمالاً ، فصاحوا به أن خل عنها ومعه قوس له فرمى بعضهم وجرحه ، فهابوا الإقدام عليه ، ثم عاد ليرمي فانقطع وتره فأسلم الجارية واستند في جبل كان قريباً منه ، فابتدروا الجارية وفي أذنها قرط فيه درة فانتزعه بعضهم من أذنها فقالت : وما قدر هذه ؟ فكيف لو رأيتم درتين قلنسوته ؟ فاتبعوه فقال : مالكم ؟ ألم أدع لكم بغيتكم ؟ قالوا : ألق ما في قلنسوتك . فرفع قلنسوته عن رأسه ، فإذا فيها وتر للقوس قد كان أعده فأنسيه من الدهش . فلما رآه عقده في قوسه فولى القوم ليست لهم همة إلا أن ينجوا بأنفسهم وخلوا عن الجارية .

هدبة بن الخشرم وامرأة عمه

قدم هدبة بن الخشرم ليقاد بابن عمه زيادة ، وأخذ ابن زيادة السيف وقد ضوعفت له الدية حتى بلغت مائة ألف درهم، فخافت أم الغلام أن يقبل ابنها الدية ولا يقتله فقالت : أعطى الله عهدا لئن لم تقتله لأتزوجنه فيكون قد قتل أباك ونكح أمك . فقتله .

حيلة امرأة

وحدث المدائني أن قوماً من المسلمين أسروا قوماً من الروم وكان فيهم فتيان أخوة فضربوا أعناقهم ، وأخذوا أمهم وهم لا يعرفونها ، فأحبت أن تقتل ولا تبقى بعد ولها ، فقالت للذي صارت إليه : إن علمتك شيئاً تتخذه فلا يحيك فيك السلاح ، تخلى سبيلي ؟ قال : نعم . فأخذت أشياء سترتها عنه فطلت بها رقبتها وقالت : دونك أضرب وشد ، فإن السيف لا يعمل 395 في فضرب رقبتها فحز رأسها فعلم أنها خدعته . لما بلغ يزيد ومروان ابنا عبد الملك لعاتكة بنت زيد ين معاوية قال لها عبد الملك : قد صار ابناك رجلين ، فلو جعلت لهما من مالك ما يكون لهما به فضيلة على أخوتهما . قالت : اجمع لي أهل معدلة من موالي ومواليك فجمعهم وبعث معهم روح بن زنباع الجذامي - وكان يدخل على نسائهم - فدخل كهولتهم وجلتهم وقال له : أخبرها برضائي عنها ، وحسن لها ما صنعت . فلما دخلوا عليها أخذ روح في ذلك فقالت : يا روح ، أتراني أخشى على ابني عيلة وهما ابنا أمير المؤمنين ، أشهدكم أني قد تصدقت بمالي وضياعي على فقراء آل أبي سفيان . فقام روح ومن معه . فلما نظر إليه عبد الملك مقبلاً قال : أشهد بالله لقد أقبلت بغير الوجه الذي أدبرت به . قال : أجل . تركت معاوية في الإيوان آنفاً . وخبره بما كان . فغضب فقال : مه يا أمير المؤمنين ، هذا العقل منها في ابنيك خير لهما مما أردت . قال المدائني : أتى عليه السلام برجل ذي مروءة قد وجب عليه حد . فقال لخصمائه : ألكم شهود ؟ قالوا : نعم . قال : فأتوني بهم إذا أمسيتم ولا تأتوني بهم إلا معتمين . فلما أمسوا اجتمعوا فأتوه ، فقال لهم علي عليه السلام : نشدت الله رجلاً لله عنده مثل هذا الحد إلا انصرف قال : فما بقى أحد فدرأ الحد .

الحجاج وعمارة بن تميم اللخمي

قال المدائني : كان الحجاج حسوداً لا ينشىء صنيعة إلا أفسدها فلما وجه عمارة بن تميم اللخمي إلى ابن الأشعث وعاد بالفتح حسده ، فعرف ذلك عمارة ، وكره منافرته ، وكان عاقلاً رفيقاً فظل يقول : أصلح الله الأمير أنت أشرف العرب ، من شرفته شرف ، ومن صغرته صغر ، وما ابن الأشعث وخلعه حتى استوفد عبد الملك الحجاج وسار عمارة معه يلاطفه ولا يكاشفه ، وقدموا على عبد الملك ، وقامت الخطباء بين يديه في أمر الفتح ، فقام عمارة فقال : يا أمير المؤمنين ؛ سل الحجاج عن طاعتي وبلائي . فقال الحجاج : يا أمير المؤمنين ، لقد أخلص الطاعة ، وأبلى الجميل . وأظهر البأس ، من أيمن الناس نقيبة ، أعفهم سيرة . فلما بلغ آخر التقريظ قال عمارة : أرضيت يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم فرضى الله عنك . قال عمارة : فلا رضي الله عن الحجاج يا أمير المؤمنين ، ولا حفظه ولا عافاه ، وهو الأخرق السيء التدبير ، الذي قد أفسد عليك العراق ، وألب عليك الناس ، وما أتيت إلا من خرقه وقلة عقله ، وفيالة رأيه ، وجهله بالسياسة ، ولك يا أمير المؤمنين منه أمثالها إن لم تعزله . فقال الحجاج : مه يا عمارة ، فقال : لامه ولا كرامه يا أمير المؤمنين كل امرأة لي طالق وكل مملوك لي حر إن سرت تحت راية الحجاج أبداً . فقال عبد الملك : ما عندنا أوسع لك . خطب رجل امرأة فقالت له : إن في تقززا ، وأخاف أن أرى منك بعض ما أتقزز منه فتنصرف نفسي عنك . قال الرجل : أرجو ألا ترى ذلك . فتزوجها فمكثت أياماً ثم قعد معها يتغدى فلما رفع الخوان تناول ما سقط من الطعام تحت الخوان فأكله ، فنظرت إليه وقالت : أما كان يقنعك ما على الخوان حتى تلتقط ما تحته 396 قال : إنه بلغني أنه يزيد في القوة على الني . . ، فكانت بعد ذلك تفعله ، وتفت الخبز كما تفت للفروج . قال الكندي : كان فيما مضى رجل زاهد وقع عليه من السلطان طلب ، فبقي مدلها لا يدري ما يصنع وذاك أنه أذكيت عليه العيون ، وأخذت له المراصد ، فجاء إلى طنبور فأخذه ولبس ثياب البطالين ، وتعرض للخروج من باب البلد ، فجاء إلى الباب وهو يتهادى في مشيته كالسكران ، فقالت العيون له عند الباب : من أنت ؟ قال : من أنا ؟ ومن ترى أكون ؟ أنا فلان الزاهد . وقاله متهزئاً . فقال القوم ضاحكين : ما أحمقه وخلوا سبيله . فخرج ونجا وإنما فعل ذلك لئلا يكذب .

حيلة شريح لبيع ناقة

عرض شريح ناقة للبيع ، فقال له المشتري : كيف غزارتها ؟ قال : احلب في أي إناء شئت . قال : فكيف وثاقها : قال : احمل على الحائط ما شئت . قال : فكيف وطاؤها ؟ قال : افرش ونم . قال : كيف نجاؤها . قال : هل رأيت البرق قط ؟ قال بعضهم : ركض رجل دابة وهو يقول : الطريق ، الطريق . فصدم رجلاً لم ينح ، فاستعدى عليه ، فتخارس الرجل فقال العامل : هذا أخرس . قال : أصلحك الله . يتخارس عمداً ، والله ما زال يقول : الطريق . الطريق . فقال الرجل : فما تريد وقد قلت لك الطريق ؟ قال العامل : صدق . قال : كانت ابنة عبد الله بن معروف عند أبي حرثان فمات ، ولم يصل إليها لقوتها ، فتزوجها أبو دلف ، فكانت تمانعه سنة لا يصل إليها ، فقال له معقل أخوه : ما أنت برجل . وقد عجزت عن امرأة . فقال : أحب أن تبعث جاريتك فلانة تكلمها . فبعث بها وأمر أبو دلف امرأته أن تلوي العمود في عنق الجارية إذا أتتها وتتركه . ففعلت فرجعت إلى معقل فقال : أشهد أن أخي معذور ، فما قدر عليها أبو دلف حتى احتال عليها ، بأن قال لها يوماً : ما أظنك ببكر . فأمكنت من نفسها .

حيلة سلامة الزرقاء

كان بالكوفة لعبد الملك بن رامين مولى بشر بن مروان جارية يقال لها : سلامة الزرقاء . وكان روح بن حاتم المهلبي يهواها ولا تهواه ، ويكثر غشيان منزل مولاها ، وكان محمد بن جميل يهواها وتهواه ، فقال لها : إن روح بن حاتم قد ثقل علينا . فقالت : فما أصنع ؟ قد غمر مولاي ببره . قال : احتالي . فبات عندهم روح ليلة م الليالي فأخذت سراويله . فغسلته ، فلما أصبح سأل عن سراويله . فقالت : غسلناه . فظن أنه قد أحدث فيه فاحتيج إلى غسله، واستحيا من ذلك ، وانقطع عنها ، وخلا وجهها لابن جميل .

حيلة أحد عمال سليمان بن عبد الملك

لما استخلف سليمان بن عبد الملك دفع عمال أخيه الوليد إلى يزيد بن المهلب وأمره ببسط العذاب عليهم ، واستخراج المال منهم ، وكان فيهم رجل من بني مرة فقال ليزيد : أما أنا فلست بذي مال ، ولا تنتفع بتعذيبي ولكن عشيرتي تفكني بأموالهم ، فأذن لي في أن أجول فيهم . فأذن له فقال لهم : إن أمير المؤمنين قد أخذني بمال ، والمال عندي ، ولكن أكره أن أقر بالخيانة ، فاضمنوا له هذا المال عني وأطلقوني من حبسه ، ولا غرم عليكم فإني مضطلع بأداء هذا المال . فنهض وجوه عشيرته في أمره ، وضمنوا المال عنه وأطلقوه ، فلما أخذوا بالمال قالوا للرجل : أد المال كما زعمت . فقال : يا نوكى أتظنون 397 أنني اختنت مالاً تعرضت فيه للمأثم وسخط الخليفة وعقوبته ، وأؤديه اليوم طائعاً ، وقد صيرت ما أطالب به في أعناقكم ، لبئس ما ظننتم اغرموه من أعطياتكم وأنا فيه كأحدكم . ففعلوا ذلك وهو كأحدهم . مر شبيب الخارجي على غلام في الفرات مستنقع في الماء فقال له شبيب : اخرج إلي أسائلك . فقال : فأنا آمن حتى ألبس ثيابي ؟ قال : نعم . قال : فوالله لا ألبسها .

من أعمال المغيرة

خرج المغيرة بن شعبة مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في بعض غزواته ، وكانت له عنزة يتوكأ عليها فربما أثقلته ، فيرمي بها على قارعة الطريق فيمر بها المار فيأخذها . فإذا صاروا إلى المنزل عرفها فأخذها المغيرة . ففطن له علي عليه السلام فقال : لأخبرن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . فقال : لئن أخبرته لا ترد ضالة بعدها . فأمسك . كان عبد الله بن عمرو بن غيلان على البصرة من قبل معاوية ، فخطب يوماً على منبرها ، فحصبه رجل من بني ضبة ، فأمر به فقطعت يده فأتته بنو ضبة فقالوا : إن صاحبنا جنى على نفسه ما جنى ، وقد بلغ الأمير في عقوبته ، ونحن لا نأمن أن يبلغ خبره أمير المؤمنين فتأتي من قبله عقوبة تعم أو تخص . فإن رأى الأمير أن يكتب كتاباً يخرج به أحدنا إلى أمير المؤمنين أنه قطعه على شبهة وأمر لم يصح . فكتب لهم بذلك إلى معاوية فأمسكوا الكتاب حتى توجه إلى معاوية ووافاه الضبيون ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنه قطع صاحبنا ظلماً ، وهذا كتابه إليك. فقرأ الكتاب وقال : أما القود من عمالي فلا سبيل إليه . ولكن إن شئتم وديت صاحبكم . فوداه من بيت المال وعزل عبد الله عن البصرة .

الإمارة ولو على الحجارة

قدم ابن عم لكاتب الحجاج عليه وسأله أن يشغله ، فكره الكاتب ذلك لسطوة الحجاج ، فلما فرغ من بناء مسجد واسط أمر الكاتب أن يكتب إلى صاحب الموصل في حمل حصى رضراضٍ لفرشه ، فكتب الكتاب ، وأنفذ ابن عمه فتسلم الحصى ، فلما حصل في الزوارق قال للعامل : ليس من الحصى الذي أراده الأمير . قال : وكيف هو ؟ قال : أمرت ألا أقبل حصاة أكبر من الأخرى ، ولا ما فيه عوج . فكبر ذلك عليه ، وكره سطوة الحجاج فعرض عليه عشرة آلاف درهم رشوة ، فأبى ، فلم يزل يزيده إلى أن أعطاه مائة ألف درهم ، فقبلها وانحدر . فلما وافى أخبر ابن عمه بذلك ، فقال : حبذا الإمارة ولو على الحجارة . وبلغ الخبر الحجاج فضحك وأعجبه فعله ، وأمر له بخمسين ألف درهم وولاه عملاً جليلاً . قتل رجل نصرانياً ، فعرض على أخيه الدية فلم يقبلها ، وكان الرجل صديقاً لبشر المريسي ، فقال بشر للنصراني : إن لم تقم شاهدين عدلين يشهدان أن أخاك لم يزل يؤدي الجزية إلى أن مات لم تجب لك الدية . فانقطع وطل دمه . ومن نوادر الأعمش أن أبا جعفر المنصور وجه ببدرة ، وأمر بأن تدفع إلى أفقه أهل الكوفة ، فأتى بها أبو حنيفة وابن أبي ليلى فلم يعرضا لها وأتى الأعمش فقال للرسول : هاتها . فقال : حجتك . قال : تسأل أبا حنيفة وابن أبي ليلى عن أفقه 398 أهل الكوفة بعدهما فإنهما يدلانك علي ، فتجيز شهادتهما لي وتبطلها لأنفسهما فأتى الرجل المنصور فأخبره فقال : صدق . حكى عن الزهري أنه قال : قدم معاوية المدينة ، فدخل المسجد وسعد بن أبي وقاص جالس إلى ركن المنبر فصعد معاوية المنبر فجلس في مجلس النبي عليه السلام فقال له سعد : يا معاوية ؛ أجهلت فنعلمك ، أم جننت فنداويك ؟ فقال : يا أبا إسحاق ؛ إني قدمت على قوم على غير تأهب لهم ، وأنا باعث إليهم بأعطياتهم إن شاء الله . فسمع الناس كلام معاوية ولم يسمعوا كلام سعد وانصرف الناس وهم يقولون : كلمه سعد في العطاء فأجابه إليه . قيل : جاء مازيار لعبد الله بن طاهر فأعلمه أن بازياً له انحط على عقاب فقتلها . فقال : إنه هو قتل العقاب . قال : اقتله فإني لا أحب لشيء أن يجترئ على ما فوقه . أراد أن يبلغ ذلك المأمون فيحظى عنده ويسكن إلى جانبه . لما عزل أحمد بن عثمان عن قضاء أصبهان تعرض له رجل وقت خروجه فقال : الحمد لله الذي أراحنا من بغضك . فأمر بحبسه وقال لشهود كانوا معه : اشهدوا أن هذا في حبسي بحق وجب عليه . فكان كلما ورد قاض وفتش عن المحبسين لم يعرف ذلك الحق الذي حبس به فبقي على ذلك زماناً حتى توصل إلى تنجز كتاب منه بعد حين فأطلقه . شهد رجل عند سوار على آخر فقال سوار : أظن الحكم قد توجه عليك فقال : أتجيز شهادة رجل ممدود ؟ فقال سوار : أتارس أم رامح ؟ فقال : تارس ، فقال : ذلك شر . سأعيد المسألة عنه ونما أراد أنه مأبون . فتعجب من حضر من حيلة الرجل وفطنة سوار . هم الأزارقة بقتل رجل فنزع ثوبه واتزر ولبى وأظهر الإحرام فخلوا سبيله لقول الله جل وعز : " لا تحلوا شعائر الله " غضب المأمون على رجل وقال : لأقتلنك ولآخذن مالك . اقتلوه . فقال أحمد بن دؤاد : إذا قتلته فمن أين تأخذ المال ؟ قال : من ورثته . فقال : إذاً تأخذ مال الورثة ، المال للورثة ، وأمير المؤمنين يأبى ذلك . فقال : يؤخر حتى يستصفى ماله . فانقرض المجلس وسكن غضبه وتوصل إلى خلاصه .

نصيحة أحمد بن أبي خالد

لما حبس المأمون إبراهيم بن المهدي عند أحمد بن أبي خالد أخذ في العبادة والصلاة ، فدخل إليه أحمد وقال : أمجنون أنت ؟ أتريد أن يقول المأمون : هو يتصنع للناس . فيقتلك . قال : فما الرأي ؟ قال : أن تشرب وتطرب وتستحضر القيان . فأخذ في ذلك ودخل أحمد على المأمون فقال له : ما خبر الغادر ؟ فقال : أصون سمع أمير المؤمنين عما هو فيه من الخسارة والشرب . فقال : والله لقد شوقتني إليه . وصار ذلك أحد أسباب الرضا عنه . قيل: إن المعذل مر بقوم وسلم فلم يجيبوه . فقال : لعلكم تظنون ما يقال من الرفض . اعلموا أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً من تنقص واحداً منهم فهو كافر وامرأته طالق . فسر القوم ودعوا له . فقال بعض أصحابه : ويحك ما هذه اليمين ؟ فقال : إني أردت بقولي واحداً منهم علي بن أبي طالب وحده .

انتقام كسرى من قاتله

لما أراد شيرويه قتل أبيه وجه إليه من يقتله فلما دخل عليه قال له كسرى : إني أدلك على شيء لوجوب حقك علي يكون فيه غناك . . قال : ما هو ؟ قال : الصندوق الفلاني . فذهب الرجل إلى شيرويه فأخبره الخبر فأخرج الصندوق 399 فإذا فيه ربعة وفي الربعة حق وعلى الحق مكتوب : فيه حب من أخذ منه واحدة افتض عشرة أبكار، وكان أمره في الباه كذا وكذا . فأخذ شيرويه منه حبة كان هلاكه منها . فكان أول ميت أخذ ثأره من قاتله .

حيلة مولى لسعيد بن العاص

ومرض مولى لسعيد بن العاص . ولم يكن له من يخدمه ويقوم بأمره ، ولا يجد أيضاً ما يحتاج إليه . فبعث إلى سعيد ، فلما أتاه قال له : إنه ليس لي وارث غيرك ، وها هنا ثلاثون ألف درهم مدفونة ، فإذا مت فخذها بارك الله لك فيها . فقال سعيد حين خرج من عنده : ما أرانا إلا وقد أسأنا إلى مولانا وقصرنا في تعاهده وهو من شيوخ موالينا . فبعث إليه وتعاهده ووكل به من يخدمه . فلما مات كفنه وشهد جنازته فلما رجع إلى البيت أمر بأن يحفر الموضع فلم يجد شيئاً . وجاء صاحب الكفن فطالب بالثمن فقال : والله لقد هممت أن أنبش عن ابن الفاعلة . بعث يزيد بن معاوية عبيد الله بن عضاه الأشعري إلى ابن الزبير فقال له : إن أول أمرك كان حسناً فلا تفسده بآخره . فقال ابن الزبير : إنه ليست ليزيد في عنقي بيعة . قال له : ولو كانت أكنت تفي بها ؟ قال : نعم . قال : يا معشر المسلمين قد سمعتم ما قال ، وقد بايعتم ليزيد ، وهو يأمركم بالرجوع عن بيعته . وقال ابن الزبير لامرأة في كلام جرى : أخرجي المال من تحت استك . فقالت لمن حضر : أسألكم بالله هذا من كلام الخلفاء ؟ فقال بعضهم : لا . فقالت لابن الزبير : كيف رأيت هذا الخلع الخفي .

فتوى لأبي حنيفة

جاءت امرأة إلى أبي حنيفة فقالت : إن زوجي حلف بطلاقي إن أطبخ قدراً أطرح فيه مكوكاً من الملح فلا يتبين طعم الملح فيما يؤكل منها . فقال لها : خذي قدراً واجعلي فيها الماء واطرحي فيها مكوك ملح ، واطرحي فيها بيضاً واسلقيه ، فإنه لا يوجد طعم الملح في البيض . افتعل رجل كتاباً عن المأمون إلى محمد بن الجهم في دفع مال إليه ، فارتاب به محمد ، وأدخله على المأمون . فقال المأمون : ما أذكر هذا . فقال الرجل : أكل معروفك تذكر يا أمير المؤمنين ؟ قال : فلعل هذا مما نسيت وقد فعلت . قال : ادفع إليه يا محمد ما في الكتاب . كان حوثة الضمري صديقاً لعبد الملك وخرج مع ابن الزبير فلما قتل ابن الزبير استاء من الناس وأحضر حوثة فقال له عبد الملك : كنت مني بحيث علمت فأعنت ابن الزبير . قال : يا أمير المؤمنين ؛ هل رأيتني قط في حرب أو سباق أو نضال إلا والفئة مغلوبة بحرقي ، وإنما خرجت مع ابن الزبير لتغلبه بي على رسمي . فضحك عبد الملك وقال : قد والله كذبت ولكني قد عفوت عنك .

قالت خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب للمهلب : إذا انصرفت من الجمعة فأحب أن تمر بأهلي . فقال : إن أخاك أحمق . قالت : فأحب أن تمر بنا . فجاء وأخوها جالس فلم يتوسع له فجلس المهلب ناحية ثم أقبل عليه فقال : ما فعل ابن عمك فلان ؟ قال : حاضر . قال : أرسل إليه . ففعل فلما نظر إلى المهلب غير مرفوع المجلس قال : يا بن اللخناء ؛ المهلب جالس ناحية ، وأنت في صدر المجلس وواثبه . فتركه المهلب وانصرف فقالت له خيرة : أمررت بأهلي ؟ قال : نعم وتركت أخاك الأحمق يضرب .

أسماء لمحمد بن خارجة والحجاج

قالوا : إن الحجاج بن يوسف قال ذات يوم لمحمد بن عمير بن عطارد : اطلب 401 لي امرأة حسيبة أتزوجها : قال: طلبتها إن زوجتها . قال : ومن هذا الذي يمتنع من تزويجي ؟ قال : أسماء بن خارجة . يدعي لا أنه كفء لبناته إلا الخليفة . قال : فأضمرها الحجاج إلى أن دخل إليه أسماء فقال : ما هذا الفخر والتطاول ؟ قال : أيها الأمير؛ إن تحت هذا سبباً . قال : بلغني أنك تزعم أن لا كفء بناتك إلا الخليفة . فقال : والله ما الخليفة بأحب أكفائهن إلي ، ولنظرائي من العشيرة أحب إلي منه ، لأن من خالطني منهم حفظني في حرمتي ، وإن لم يحفظني قدرت على أن أنتصف منه . والخليفة لا نصف منه إلا بمثيئته ، وحرمته مضيمة مطرحة يقدم عليها من ليس مثلها ، ولسان ناصرها أقطع . قال : فما تقول في الأمير ؟ فإن الأمير خاطب هندا . قال : قد زوجته إياها بصداق نسائها . وحولها إليه . فلما أتى على الحديث حولان دخل إلى الحجاج فقال : هل أتى الأمير ولد ، نسر ونحمد الله على هبته . قال : أما من هند فلا . قال : ولد الأمير من هند وغير هند عندي بمنزلة . قال : والله إني لأحب ذلك من هند . قال : فما يمنع الأمير من الضر ، فإن الأرحام تتغاير . قال : أو تقول هذا القول وعندي هند ؟ قال : أحب أن يفشو نسل الأمير. قال : فممن ؟ قال : على الأمير بهذا الحي من تميم ، فنساؤهم مناجيب . قال : فأيهن ؟ قال : ابنة محمد بن عمير . قال : إنه يزعم أن لا فارغة له . قال : فما فعلت فلانة ابنته ؟

فلما دخل إليه محمد بن عمير قال : ألا تزوج الأمير ؟ قال : لا فارغة لي : قال : فأين فلانة ؟ قال : زوجتها من ابن أخي البارحة . قال : أحضر ابن أخيك ؛ فإن أقر بها ضربت عنقه . فجيء بابن أخيه ، وقد أبلغ ما قال الحجاج . فلما مثل بين يديه قال : بارك الله لك يا فتى . قال : في ماذا ؟ قال : في مصاهرتك لعمك البارحة . قال : ما صاهرته البارحة ولا قبلها . قال : فانصرف راشداً . ولم ينصرف محمد حتى زوجه ابنته . وحضر بعد ذلك من الأيام جماعة من الأشراف باب الحجاج فحجب الجميع غير أسماء ومحمد . فلما دخلا قال : مرحباً بصهري الأمير سلاني ما تريدان أسعفكما فلم يبقيا عانياً إلا أطلقاه ، ولا مجمراً إلا أقفلاه . فلما خرجا أتبعهما الحجاج بمن يحفظ كلامهما . فلما فارقا الدار ضرب أسماء يده على كتف محمد وأنشأ يقول : جزيتك ما أسديته بابن حاجب . . . وفاء كعرف الديك أوقذة النسر في أبيات كثيرة . فعاد الرجل فأخبر الحجاج فقال : لله در ابن خارجة إذا وزن بالرجال رجح .

حكم معاوية في خصومة

حكي عن عبد الله بن جعفر أنه قال : كان علي عليه السلام لا يحضر الخصومات ويقول : إن لها قحماً وإن الشيطان يحضرها . فكان قد جعل خصومته إلى أخيه عقيل فلما كبر ورق حولها إلي ، فكان إذا دخلت عليه خصومة أو نوزع في شيء قال : عليكم بابن جعفر فما قضي عليه فعلي ، وما قضى له فلي . قال : فوثب طلحة بن عبيد الله على ضفيرة كان علي ضفرها ، وكان له إحدى عدوتي الوادي وكانت الأخرى لطلحة . فقال طلحة : حمل علي السيل وأضر بي . قال : قاختصمنا فيها إلى عثمان فلما كثر الكلام فيها منا قال : إني أركب معكم في موكب من المسلمين غدا ، فإن رأيت ضرراً أخرته . قال : فركب وركبنا ومعه ومعاوية في قدمة عليه من الشام فو الله لكأني أنظر إليه على بغلة له بيضاء يعنق أمام الموكب ونحن نتداول الخصومة وإذ رمي معاوية بكلمة عرفت أنه ردفني بها قال : يا هذان ؛ إنكما قد أكثرتما . أرأيتما هذه الضفيرة أكانت في زمن عمر الخطاب ؟ قال : فلقننيها . فقلت : نعم ، والله إن كانت في زمن عمر . قال : فقال الموكب جميعا : فلا والله لو كان ضرراً ما أقره عمر . فالله يعلم ما انتهينا إليها حتى يرد عليه القضاء إن قيل : إن كانت لفي زمن عمر . فلما انتهى إليها عثمان قال : والله ما أرى ضرراً . وقد كانت في زمن عمر ولو كان ظلماً ما أقره . خرج رجل من بني سليم على المنصور فظفر به فأمر أن يضرب بالسياط . فلما أقيم بين العاقبين . قال : يا أمير المؤمنين إن عقوبتي تجل عن السياط ، وعفوك يجل عن التثريب . فإما عاقبتني عقوبة مثلى وإما عفوت عفو مثلك . قال : قد عفوت . وخلاه . أتى زياد برجل فأمر بضرب عنقه . فقال : أيها الأمير ؛ إن لي بك حرمة قال : وما هي ؟ قال : كان أبي جارك بالبصرة . فقال : ومن أبوك ؟ قال : قد والله نسيت اسم نفسي ، فكيف اسم أبي ؟ قال : فرد زياد كمه إلى فمه وضحك وخلى سبيله .

أبو العريان يغير قوله في زياد

مر زياد بأبي العريان فقال : من هذا ؟ فقالوا : زياد بن أبي سفيان . فقال : رب أمر قد نقضه الله ، وعبد قد رده الله. فسمعها زياد فكره الإقدام عليه وكتب بها إلى معاوية ، فأمره بأن يبعث إليه بألف دينار ، ويمر به ويسمع ما يقول . ففعل زياد ذلك ، ومر به فقال من هذا ؟ قالوا : زياد . فقال : رحم الله أبا سفيان ، لكأنها تسليمته ونغمته . فكتب بها زياد إلى معاوية فكتب إلى أبي العريان : ما لبثتك دنانيراً رشيت بها . . . أن لونتك أبا العريان ألوانا فدعا أبو العريان ابنه وأملى عليه إلى معاوية : من يسد خيراً يجده حيث يطلبه . . . أو يسد شراً يجده حيثما كانا تقدم رجل إلى سوار ، وكان سواراً له مبغضاً فألح عليه فقال له سوار في بعض مخاطبته : يا بن اللخناء . فقال : ذاك خصمي. فقال الخصم : أعدني عليه . فقال له الرجل : خذ له بحقه وخذ لي بحقي . ففهم وسأله أن يغفر له .

قال عبيد الله بن زياد بن ظبيان : إياكم والطمع ؛ فإنه دناءة . والله لقد رأيتني على باب خاصة الحجاج ، فأردت أن أعلوه بالسيف فقال : يا بن ظبيان هل لقيت يزيد بن أبي مسلم قلت : لا . قال : فألقه فإنا قد أمرناه أن يعطيك عهدك على الري . قال : فطمعت فكففت . فإياكم والطمع فإنه دناءة . وكأن الحجاج فطن لما أراد عبيد الله فاحتال بهذا الكلام أن يرده عن نفسه ، ولم يكن تقدم في بابه وفي توليته بشيء .

حيلة الحلاج

قالوا : لما حبس الحلاج عند القشوري مرض ابن له ، واشتهى التفاح الشامي ، وكان لا يصاب لفوت أوانه ، فتلطف الحلاج واحتال حتى سأله القشوري تفاحة شامية . قصد بها ليعرف أمر الحلاج في صدقه وكذبه ، وأراد أيضاً بلوغ مراده في ولده . وكان الحلاج قد أعد تفاحة لذلك فحين سأله أومأ بيده هكذا وأعادها بتفاحة . وتناولها القشوري يقبلها ويتعجب منها والحلاج يقول : الساعة قطعتها من شجر الجنة قال القشوري 402 : إني أرى في موضع منك عيباً . قال الحلاج غير مطرق ولا مكترث : أما علمت أنها إذا خرجت من دار الفناء ، لحقها جزء من البلاء . فكان جوابه أحسن من فعله وحيلته .

عفو مصعب بن الزبير

أتى مصعب بن الزبير برجل من أصحاب المختار ، فأمر بضرب عنقه فقال : أيها الأمير ؛ ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة ، ووجهك هذا الذي يستضاء به ، فأتعلق بأطرافك وأقول : يا رب ؛ سل مصعباً لماذا قتلني ؟ فقال : أطلقوه . فقال : أيها الأمير ، اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض عيش . قال : أعطوه مائة ألف درهم . قال : بأبي وأمي أشهد الله أني قد جعلت منها لابن قيس الرقيات خمسين ألفاً . قال : ولم ؟ قال : لقوله فيك : إنما مصعب شهاب من الل . . . ه تجلت عن وجهه الظلماء فضحك مصعب وقال : فيك موضع للصنيعة وأمره . بملازمته . خاصم رجل رجلاً إلى إياس بن معاوية وهو قاضي البصرة فطلب منه البينة فلم يأته بمقنع فقيل له : استجر بوكيع بن أبي سود حتى يشهد لك . فإن إياساً لا يجترئ على رد شهادته ففعل فقال وكيع : والله لأشهدن لك ، فإن رد شهادتي لأعممنه السيف . فلما طلع وكيع فهم إياس ، فأقعده إلى جانبه ثم سأله عن حاجته فقال : جئت شاهداً . فقال له : يا أبا المطرف ، أتشهد كما تفعل الموالي والعجم ؟ أنت تجل عن هذا . قال : إذاً والله لا أشهد . فقيل لوكيع بعد أيام : إنما خدعك . فقال : أولى لابن اللخناء .

عدي بن حاتم والوليد بن عقبة

قالوا : كان الوليد بن عقبة أشعر بركاً لأنه كان كثير شعر الصدر ، فقال عدي بن حاتم يوماً : ألا تعجبون لهذا ؟ أشعر بركاً يولى مثل هذا المصر ؟ والله ما يحسن أن يقضى في تمرتين . فبلغ ذلك الوليد فقال على المنبر : أنشد الله رجلاً سماني أشعر بركاً إلا قام . فقام عدي بن حاتم فقال : أيها الأمير ، إن الذي يقوم فيقول أنا سميتك أشعر بركاً لجريء فقال له : اجلس أبا طريف فقد برأك الله منها . فجلس وهو يقول : والله ما برأني الله منها .

المنصور وابن المقفع

لما كتب المنصور أمان عبد الله بن علي واستقصى ابن المقفع وكان كاتب أخيه سليمان بن علي - وأكد سليمان وأخوته الإيمان والعهود على المنصور في أمانه . قال لهم المنصور : هذا لازم لي إذا وقعت عيني عليه . فلما أدخل داره تقدم حتى عدل به ، ولم يره المنصور فحبس . فكتب من الحبس إلى إخوته : هذه حيلة جرت علي بكم ومنكم فاحتالوا لي فيها . ولما كتب المنصور إلى عامله بالبصرة بحبس ابن المقفع وقتله جاء عمومته وأحضروا الشهود بأن ابن المقفع دخل إلى دار الوالي ولم يخرج منها وطالبوه بالقود منه . قال المنصور : إن أنا أقدت من عاملي وقتلته ثم خرج عليكم ابن المقفع من هذا الباب ، من الذي يرضى بأن أقتله بعاملي قوداً منه ؟ فسكت القوم وأهدر دم ابن المقفع .

حيلة أبي حنيفة

ولما دخل الضحاك بن قيس الشيباني الخارجي الكوفة قيل له : لم تقتل أهل الأطراف ومعك بالكوفة أصل الإرجاء أبو حنيفة . فأرسل إليه 403 فأحضره فلما رآه قال : اضربوا عنقه . من قبل أن يكلمه . فقال أبو حنيفة : كفرت . قال : ولم ؟ قال : تقتل رجلاً لم تسمع كلامه . قال : ما تقول في الإيمان ؟ قال : هو قول ، قال : قد صح كفرك . اضربوا عنقه . قال : تضرب عنق رجل لم تستتبه . قال : فما تقول ؟ قال : أنا تائب . فتركه .

حيلة بكر بن وائل

قال الأصمعي : وفد بكر بن وائل وخاله تميم بن مر على ملك من ملوك اليمن ، فكان يقدم بكراً فقال تميم : أيها الملك ؛ إن هذا ابن أختي فلا تعطه شيئاً إلا أعطيتني مثله . قال : فقال بكر : أيها الملك ، خالي هذا أسوأ الناس ظناً فلا تعطني عطية إلا أضعفتها له . فقال : نعم . ففعل فلما رضي تميم قال بكر : أريد أن تقلع إحدى عيني وتقلع عيني تميم . فرجع هذا أعور وذاك أعمى .

حيلة معاوية في بيعة يزيد

قال سعيد بن جبير : لما حج معاوية وقد ذكر بيعة يزيد فقال : قد اجتمع الناس غير أربعة : الحسين بن علي وابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فأرسل إليهم في ذلك ، وقال : من يرد علي في ذلك ؟ فقالوا : يرد ابن الزبير . فقال معاوية لهم : ما تقول ؟ قال : اختر منا ثلاث خصال : سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، أو سنة أبو بكر ، أو سنة عمر . أما النبي عليه السلام فتوفى ولم يستخلف أحداً ، فاجتمع المسلمون على أفضلهم أبي بكر ، واختار هو خيرهم عمر ، ثم جعلها عمر شورى ، وله يومئذ ولد خير من ولدك ممن صحب النبي عليه السلام وهاجر فلم يفعل ذلك . وأنت أخبرتني يا معاوية أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما . فلما رأى معاوية ذلك قال : تسمعون لي وتطيعون ؟ قالوا : نعم . فخطب فقال : إن هؤلاء القوم قد بايعوني على ما أردت . ثم انحدر فركب رواحله وانطلق فحسب الناس أنهم قد بايعوه .

حيلة معاوية في أمر ابن الزبير

كتب ابن الزبير إلى معاوية : قد علمت أني صاحب الدار وأني الخليفة بعد عثمان ولأفعلن ولأفعلن . فقال معاوية ليزيد : ما ترى ؟ قال : أرى : والله أن لو كنت أنت وابن الزبير على سواء ما كان ينبغي أن ترضى بهذا . قال : فما ترى ؟ قال : أرى أن توجه إليه جيشاً . قال : إن أهل الحجاز لا يسلمونه فكم ترى أن أوجه إليه ؟ قال : أربعين ألفاً . قال : لهؤلاء دواب ، وكل دابة تحتاج إلى مخلاة . فكم ثمن المخلاة ؟ قال : درهم . فقال : هذه أربعون ألف درهم . ثم قال : يا غلام ؛ اكتب إلى ابن الزبير : قد وجه إليك أمير المؤمنين ثلاثين ألفاً فاستمتع إلى أن يأتيك رأيه .

فكتب إليه ابن الزبير قد وصل إلينا المال ، فوصل أمير المؤمنين رحماً . فقال معاوية ليزيد : قد ربحنا على ابن الزبير في المخالي عشرة آلاف .

نصح أبي بكرة لأخيه زياد

استأذن زياد معاوية في الحج فأذن له وبلغ ذلك أبا بكرة وكان أخاه من أمةٍ اسمها سمية وكان حلف ألا يكلم زياداً حيث رجع عن الشهادة على المغيرة وألا يظله وإياه سقف بيت أبداً . فدخل أبو بكرة دار الإمارة على زياد ، فأمر زياد بكرسيين فوضعا في صحن القصر ليمينه ، فجلس أبو بكرة على أحدهما وزياد على الآخر ومع زياد بني له حيث مشى . فقال أبو بكرة لابنه : تعال يا بن أخي . فجاء الصبي فجلس في حجره فقال له : كيف أنت ؟ كيف أهلك؟ اسمع مني يا بن أخي - وإنما يريدان أن يسمع 404 زياداً - إن أباك هذا أحمق ، قد فجر في الإسلام ثلاث فجرات ما سمعنا بمثلهن ؛ أما أولاهن فجحوده الشهادة على المغيرة ، والله يعلم أنه قد رأى ما رأينا فكتم ، وقد قال الله : " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " . فحلفت ألا أكلمه أبداً ؛ وأما الأخرى فانتفاوه من عبيد ، وادعاؤه إلى أبي سفيان ، وأقسم لك بالله - يا بن أخي - صدقاً ما رأى أبو سفيان سمية قط في ليل ولا نهار ، ولا في جاهلية ولا إسلام ؛ وأما الثالثة فأعظمهن . إنه يريد أن يوافي العام الموسم ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي عليه السلام تأتي الموسم كل عام ، فإن هو أتاها فأذنت له كما تأذن الأخت لأخيها فأعظم بها مصيبة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإن هي حجبته وتسترت منه فأعظم بها حجة عليه ثم نهض . فقام زياد في إثره وأخذ بقميصه وقال : جزاك الله من أخ خيراً ، فما تركت النصيحة لأخيك على حال . وترك الحج . استعمل عمر المغيرة بن شعبة على البحرين ثم عزله ، فقال دهقان القرية لأهلها - وكان مطاعاً فيهم : اجمعوا لي مائة ألف درهم آتي بها عمر ففعلوا ، فقال عمر : ما هذا ؟ قال : هذا أودعناه المغيرة . فقال عمر للمغيرة : ما هذا ؟ قال : إنها مائتا ألف درهم . فقال للدهقان : قد تسمع . فقال : والله ما أودعنا شيئاً ، إلا أننا خفنا أن ترده إلينا . فقال عمر للمغيرة : ما دعاك إلي ما قلت ؟ قال : أحببت أن أخزيه إذ كذب علي . كان سعد القرظ زنجياً عبداً لعمار بن ياسر ، وكان على نخلة يجتبي منها فسمع الزنج يتكلمون فيما بينهم فأذن ، فاجتمع إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه فقال : ما حملك على الأذان ؟ فقال : خفت عليك فأذنت ليجتمع إليك أصحابك . فأمره بعد ذلك بالأذان فكان مؤذناً . قال عباس بن سهل الساعدي : لما ولي عثمان بن حيان المري المدينة عرض ذات يوم بذكر الفتنة ، فقال له بعض جلسائه : عباس بن سهل كان شيعة لابن الزبير وكان قد وجهه في جيش إلى المدينة . قال : فتغيظ علي ، وآلى ليقتلنني . فبلغني ذلك فتواريت عنه حتى طال علي ذلك ، فلقيت بعض جلسائه ، فشكوت ذلك إليه ، وقلت له : قد آمنني أمير المؤمنين عبد الملك . فقال لي : ما يخطر ذكرك إلا تغيظ عليك وأوعدك ، وهو ينبسط للحوائج على طعامه ، فتنكر وأحضر طعامه ثم كلمه بما تريد . ففعلت ، فأتى بجفنة ضخمة فيها ثردة عليها اللحم . فقلت : لكأني أنظر إلى جفنة حيان بن معبد وتكاوس الناس على بباحته . ووصفت له باحته فجعل يقول : أرأيته ؟ فقلت : لعمري كأني أنظر إليه حين تخرج علينا وعليه مطرف خز يجر هدبه يتعلقه حسك السعدان ما يكفه عنه ، ثم يؤتي بجفنة ، فكأني أنظر إلى الناس يتكاوسون عليها ؛ منهم القائم ومنهم القاعد . قال : ومن أنت رحمك الله قلت : آمني آمنك الله . قال : قد آمنتك ، قلت : أنا عباس بن سهل الأنصاري . قال : فمرحباً بك وأهلاً ، أهل الشرف والحق . قال عباس : فرأيتني وما بالمدينة رجل أوجه عنده مني . قال : فقال بعض القوم بعد ذلك : يا عباس ؛ أأنت رأيت حيان بن معبد يتكاوس الناس على جفنته . فقلت : والله لقد رأيته ونزلنا باحته فأتانا في رحالنا وعليه عباءة قطوانية ، فجعلت أذوده بالسوط عن رحالنا خيفة أن يسرقنا.