الباب الرابع نكت من كلام الحكماء
قيل لبعضهم : أخرج هذا الغم من قلبك . فقال : ليس بإذني دخل . قال رجل لشبيب من شيبة : أنا والله أحبك يا أبا معبد . قال : أشهد على صدقك . قال : وكيف ذاك ، قال : لأنك لست بجار قريب ، ولا ابن عم نسيب ، ولا مشاكل في صناعة . قالوا : صاحب السوء قطعة من النار . ولذلك لما قال القائل : ما رأينا في كل خير وشر خيراً من صاحب . قال الآخر : ولا رأينا في كل خير وشر شراً من صاحب . قال أبو عثمان النهدي : أتت علي مائة وثلاثون سنة ، ما من شيء إلا وأنا أجد فيه النقص إلا أملي فإني أجده كما أو يزيد . قال بعضهم : العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً ، والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً . سئل بعضهم عن الغنى فقال : شر محبوب وعن الفقر فقال: ملك ليس فيه محاسبة . الفرصة ما إذا حاولته فأخطاك نفعه لم يصل إليك ضره . بلوغ أعلى المنازل بغير استحقاق من أكبر أسباب الهلكة . كل شيء يعز إذا قل ، والعقل كلما كان أكثر كان أعز وأغلى . قال عامر بن عبد القيس : الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب ، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان .
قالوا : مقتل الرجل بين لحييه . التثبت نصف العفو . قال أكثم : الكرم حسن الفطنة . واللؤم سوء التغافل . قيل : أسوأ الناس حالاً من اتسعت معرفته ، وبعدت همته ، وضاقت مقدرته . كان عبد الملك بن الحجاج : يقول : لأنا للعاقل المدبر أرجا مني للأحمق المقبل . وقالوا : أمران لا ينفكان من الكذب : كثرة المواعيد وشدة الاعتذار . قال الفضيل بن عياض لسفيان الثوري : دلني على من أجلس إليه . قال : تلك ضالة لا توجد . قيل لعبد الله بن كرز : هلا أجبت أمير المؤمنين حين سألك عن مالك . قال : إنه إن استكثره حسدني ، وإن استقله حقرني . قال بعضهم : عيادة النوكى الجلوس فوق القدر ، والمجيء في غير وقت . قال محمد بن واسع : ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث ؛ بلغة من عيش له ليس لأحد فيها منة ، ولا لله علي فيها تبعة ، وصلاة في جماعة أكفى سهوها ويدخر لي أجرها ، وأخ إذا ما أعوججت قومني . مر عمر بن ذر بابن عياش المنتوف وكان قد سفه عليه ثم أعرض عنه ، فتعلق بثوبه وقال : يا هناه ؛ إنا لم نجد لك إذا عصيت الله فينا خيراً من أن نطيع الله فيك . قال بعضهم : ما نصحت لأحد إلا وجدته يفتش عن عيوبي . قال لبعضهم : أي الناس أحلم ؟ قال : سفهاء لقوا أكفاءهم . قال خليفة بن عبد الله التغلبي : ما خاصمت أحمق ولا كيسا إلا رأيته بصيراً بما يسوءني . سأل ابن أبي بكرة : أي شيء أدوم إمتاعاً ؟ قال : المنى. وقال عباية ما يسرني بنصيبي من المنى حمر النعم .
وقال ابن أبي الزناد : المنى والحلم أخوان . وقال بعضهم : الأماني للنفس مثل الترهات للسان . قال عمرو بن الحارث : 406 كنا نبغض من الرجال ذا الرياء والنفج ونحن اليوم نتمناهما . قال صالح المري : تغدو الطير خماصاً ، وتروح شباعاً ، وائقة بأن لها في كل غدوة رزقاً لا يفوتها . والذي نفسي بيده لو غدوتم إلى أسواقكم على مثل إخلاصه لرجعتكم ودينكم أبطن من بطون الحوامل . قال خالد بن صفوان : السفر عتبات ؛ فأولها : العزم ، والثانية : العدة ، والثالثة : الرحيل ، وأشدهن العزم . قال أكثم بن صيفي : العافية الملك الخفي . وقال الفضل بن سهل ؛ ليست الفرصة إلا ما إذا أخطأك نفعه لم ينلك ضرره . قالوا : سوء حمل الغنى يورث مقتاً ، وسوء حمل الفاقة يضع شرفاً . وقال أكثم : من جزع على ما خرج من يده فليجزع على ما لم يصل إليه قال بعضهم : ظفر الكريم عفو ، وعفو اللئيم عقوبة . كان يقال : لا ينبغي لأحد أن يدع الحزم لظفر ناله عاجز ، ولا يرغب في التضييع لنكبة دخلت على حازم . وكان يقال : ليس من حسن التوكل أن تقال عثرة ثم يركبها ثانية قيل : لولا الإغضاء والنسيان ، ما تعاشر الناس لكثرة الأضغان . قالوا : ثلاث يرغمن العدو : كثرة العبيد ، وأدب الولد ، ومحبة الجيران. يقال : سوء القالة في الإنسان إذا كان كذباً نظير الموت ؛ لفساد دنياه ، وإذا كان صدقاً أشد من الموت لفساد آخرته .
قالوا : يرضى الكرام الكلام ، ويصاد اللئام بالمال : ويسبى النبيل بالإعظام ، ويستصلح السفلة بالهوان . قالوا : أمران أنس بالنهار وحشة بالليل : المال والبستان . قالوا : لا يزال المرء مستمر ما لم يعثر ، فإذا عثر مرة في الخيار لج به العثار ولو كان في جدد قال بعضهم : ما شيبتني السنون ، ولكن شكري من أحتاج أن أشكره . قالوا : المتواضع كالوهدة يجتمع فيها قطرها وقطر غيرها ، والمتكبر كالربوة لا يقر عليها قطرها ولا قطر غيرها . يقال : إنه لا يصبر ويصدق في اللقاء إلا ثلاثة : مستبصر في دين ، أو غيران على حرمة ، أو ممتعض من ذل . قال بعضهم : في مجاوزتك من يكفيك فقر لا منتهى له حتى تنتهي عنه . وكان يقال : العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى . اعتذار من منع خير من وعد ممطول . خير المزاح لا ينال ، وشره لا يقال . وإنما سمي مزاحاً لأنه أزيح عن الحق . اليأس من أعوان الصبر . قيل لبعض الحكماء : أي الأمور أعجل عقوبة وأسرع لصاحبها صرعة ؟ قال: ظلم من لا ناصر له إلا الله عز وجل ، ومجاورة النعم بالتقصير واستطالة الغني على الفقير . يقال : من سعادة المرء أن يضع معروفه عند من يشكره . قالوا : شيئان لا يعرف طعمهما إلا بعد فقدهما : العافية والشباب .
نظر شاب إلى شيخ يقارب خطاه فقال له : من قيدك ؟ قال : الذي تركته يفتل قيدك . قيل لشيخ قد ذهب منه المأكل والمشرب والنكاح : هل تشتهي أن تموت ؟ قال : لا . قيل : ولم ذاك ؟ قال : أحب أن أعيش وأسمع الأعاجيب . قيل لبعضهم : ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشاب ؟ 407 قال : لأنه قد ذاق من طعم الدنيا ما لم يذقه الشاب . قالوا : الدين عقلة الشريف ، ما استرق الكريم أفظ من الدين . اختصم رجلان إلى سعيد بن المسيب في النطق والصمت : أيهما أفضل ؟ فقال : بماذا أبين لكما ؟ فقالا : بالكلام . فقالا : إذاً الفضل له . وقيل لبعضهم : السكوت أفضل أم النطق ؟ فقال : السكوت حتى يحتاج إلى النطق . قيل : العقل يأمرك بالأنفع ، والمروءة تأمرك بالأجمل . قيل لبعضهم : ما جماع العقل ؟ فقال : ما رأيته مجتمعاً في أحد فأصفه ، وما لا يوجد كاملا فلا حد له . قال الزهري: إذا أنكرت عقلك فاقدحه بعاقل . وقيل : عظمت المئونة في عاقل متجاهل ، وجاهل متعاقل . وقيل : إنك تحفظ . الأحمق من كل شيء إلا من نفسه . قيل لبعضهم : العقل أفضل أم الجد ؟ فقال : العقل من الجد . قال بعضهم: ينبغي للعاقل أن يطلب طاعة غيره وطاعة نفسه عليه ممتنعة . قيل لآخر : أتحب أن تهدى إليك عيوبك ؟ فقال : أما من ناصح فنعم ، وأما من شامت فلا . قيل لآخر : هل شيء أضر من التواني ؟ قال : الاجتهاد في غير موضعه . وقيل : العجز عجزان عجز التقصير . وقد أمكن الأمر ، والجد في طلبه وقد فات .
وقيل لآخر : أسأت الظن . فقال : إن الدنيا لما امتلأت مكاره وجب على العاقل أن يملأها حذراً . تأمل حكيم شيبه فقال : مرحباً بزهرة الحنكة ، وثمرة الهدى ، ومقدمة العفة ، ولباس التقوى . قيل : لا يسود الرجل حتى لا يبالي في أي ثوبيه ظهر . سمع حكيم رجلاً يدعو لآخر ويقول : لا أراك الله مكروهاً . فقال : دعوت له بالموت فإن من عاش لا بد له في الدنيا من مكروه . قالوا : من صفات العاقل ألا يتحدث بما يستطاع تكذيبه . قيل لبعضهم : متى يحمد الكذب ؟ فقال : إذا قرب بين المتقاطعين . قيل : فمتى يذم الصدق . قال : إذا كان غيبة . دنا رجل من آخر فساره فقال : ليس ها هنا أحد ، فقال : من حق السرار التداني . وكان مالك بن مسمع إذا ساره إنسان قال له : أظهر ؛ فلو كان فيه خير لما كان مكتوماً . قيل : السعيد من وعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره . قيل : مما يدل على كرم الرجل سوء أدب غلمانه . أفحش الظلم ظلم الضعيف . العبد من لا عهد له . قيل : إن ذا الهمة وإن حط نفسه يأبي إلا العلو ، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً . قيل : الجد أجدى ، والجد أكدى . وقالوا : الدين غل لله في أرضه فإذا أراد أن يذل عبداً جعله في عنقه وقيل : تعرف مروءة الرجل بكثرة ديونه .
قيل : العاقل إذا تكلم بكلمة أتبعها مثلاً ، والأحمق إذا تكلم بكلمة أتبعها حلفاً . قيل : الحركة نكاح الجد العقيم . قيل : أربعة لا يستحيى من الختم عليها ؛ المال لنفي التهم ، والجوهر لنفاسته ، والطيب للأبدان ، والدواء للاحتياط . قيل : إذا أيسرت فكل رجل رجلك ، وإذا افتقرت أنكرك أهلك . قالوا : لو جعل المال للعقلاء مات الجهال ، فلما صار في أيدي الجهال استنزلهم العقلاء عنه بلطفهم . قيل : نعم الغريم الجوع . 408 كلما أعطي أخذ . قال بعضهم : ما رددت أحداً عن حاجة إلا تبينت العز في قفاه والذل في وجهه . قيل : الابتداء بالصنيعة نافلة ، وربها فريضة . العدو المبطن للعداوة كالنحل يمج الدواء ويحتقب الداء . سئل ابن القرية : ما الدهاء ؟ قال : تجرع الغصة ، وتوقع الفرصة . قيل : الحاسد يرى زوال نعمتك نعمةً عليه . الحسد داء يأكل الجسد . التواضع أحد مصايد الشرف . تواضع الرجل في مرتبته ذب للشماتة عند سقطته . كم من صلف أدى إلى تلف . سوء الخلق يعدي ، وذلك لأنه يدعو غيره إلى أن يقابله بغيره . صحب رجل آخر سيئ الخلق فلما فارقه قال : قد فارقته وخلقه لا يفارقه .
المزاح فحل لا ينتج إلا الشر . المروءة التامة مباينة العامة . أسوأ ما في الكريم أن يمنعك نداه ، وأحسن ما في اللئيم أن يكف عنك أذاه . السفل إذا تعلموا تكبروا ، وإذا تمولوا استطالوا ، والعلية إذا تعلموا تواضعوا ، وإذا افتقروا صالوا . ثلاث لا يستصلح فسادهن بشيء من الحيل : العداوة بين الأقارب ، وتحاسد الأكفاء ، وركاكة الملوك . قيل لحكيم : أي شيء من أفعال العباد يشبه لأفعال الله ؟ قال : الإحسان إلى الناس . يقال : السخي شجاع القلب ، والبخيل شجاع الوجه . البخيل يعيش عيش الفقراء ، ويحاسب محاسبة الأغنياء ، العزلة توفر العرض ، وتستر الفاقة ، وترفع ثقل المكافأة . ما احتنك أحد قط إلا أحب الخلوة . خير الناس من لم تجربه ، كما أن خير الدر ما لم تثقبه . قال بعضهم : خالطت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلاً غفر لي زله ، ولا أقالني عثرة ، ولا ستر لي عورة ، ولا أمنته إذا غضب . الكريم لا يلين على قصر ، ولا يقسو على يسر . المرأة إذا أحبتك آذتك ، وإذا أبغضتك خانتك ، فحبها أذى ، وبغضها داء بلا دواء . المرأة تكتم الحب أربعين سنة ، ولا تكتم البغض ساعة واحدة . والرجل على عكس هذا .
شاور رجل حكيماً في التزوج فقال له : إياك والجمال . وأنشد : ولن تصادف مرعى ممرعاً أبداً . . . إلا وجدت به آثار مأكول قال رجل : ما دخل داري شر قط . فقال حكيم : فمن أين دخلت امرأتك ؟ قيل لبعض الحكماء : ما أحسن أن يصبر الإنسان عما يشتهي . فقال : أحسن منه ألا يشتهي إلا ما ينبغي . قيل : شر أخلاق الرجال الجبن والبخل وهما خير أخلاق النساء . قيل : الممتحن كالمختنق ؛ متى ازداد اضطراباً ازداد اختناقاً . قيل : إذا رأيت الزاهد يستروح إلى طلب الرخص فاعلم أنه قد بدا له في الزهد . قيل : أجل ما ينزل من السماء التوفيق ، وأجل ما يصعد إلى السماء الإخلاص . قيل : كل مال لا ينتقل بانتقالك فهو كفيل . وقيل : ما دار من يشتاق إلى السفر بدار سلامة . قال حكيم : من الذي بلغ جسيماً فلم يبطر ، واتبع الهوى فلم يعطب ، وجاور النساء فلم يفتتن ، وطلب إلى اللئام فلم يهن ، وواصل الأشرار فلم يندم ، وصحب السلطان فدامت سلامته . 409 - اثنان يهون عليهما كل شيء ؛ العالم الذي يعرف العواقب ، والجاهل الذي يجهل ما هو فيه . وقيل : شر من الموت ما إذا نزل تمنيت لنزوله الموت ، وخير من الحياة ما إذا فقدته أبغضت لفقده الحياة . لتكن النوائب منك ببال ؛ فأكثر المكاره فيما لم يحتسب . قال سفيان : ما وضع أحد يده في قصعة غيره إلا ذل له وقال أبو حمزة السكوني : قال لي أبو عبيد الله : من أكل من ثريدنا وطئنا رقبته . قال رجل لمعروف : يا أبا محفوظ ، أتحرك لطلب الرزق أم أجلس ؟ قال : لا بل تحرك ؛ فإنه أصلح لك . فقال : أمثلك يقول هذا يا أبا محفوظ ؟ فقال : ما أنا قلته ولا أمرت به ، ولكن الله تعالى قاله وأمر به حيث قال لمريم : " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا " ولو شاء أن ينزله عليها بلا هز لفعل . قال بعضهم : رأيت عكرمة بباب بلخ فقلت له : ما جاء بك إلى ههنا ؟ فقال : بناتي . قال وهب : الدراهم خواتيم رب العالمين بمعاش بني آدم ؛ لا تؤكل ولا تشرب ، وأين ذهبت بخاتم ربك قضيت حاجتك . قيل لبعضهم : لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا ؟ قال : هي وإن أدنتني من الدنيا فقد صانتني عنها . قيل لسفيان بن عيينة : ما أشد حبك للدرهم فقال : ما أحب أن يكون أحد أشد حباً لما ينفعه مني . قيل لبعضهم : أين بلغت في العلوم ؟ قال : إلى الوقوف على القصور عنها . قالوا : المرأة كالنعل ، يلبسها الرجل إذا شاء هو لا إذا شاءت . قال ابن السماك : الكمال في خمس ؛ ألا يعيب الرجل أحداً بعيب فيه مثله حتى يصلح ذلك العيب من نفسه ، فإنه لا يفرغ من إصلاح عيب واحد حتى يهجم على آخر فتشغله عيوبه عن عيب الناس ، والثانية ألا يطلق لسانه ويده حتى يعلم أفي طاعة ذاك أو في معصية ، والثالثة ألا يلتمس من الناس إلا مثل ما يعطيهم من نفسه ، والرابعة أن يسلم من الناس باستشعار مداراتهم ، وتوفيتهم حقوقهم ، والخامسة أن ينفق الفضل من ماله ويمسك الفضل من قوله . وقال آخر : عجباً لمن عومل فأنصف ، إذا عامل كيف يظلم ، وأعجب منه من عومل فظلم إذا عامل كيف يظلم . قالوا : صديق البخيل من لم يجربه . قالوا : الصبر مر ، لا يتجرعه إلا حر . قرئ من حجر منقور : من الخيط الضعيف يفتل الحبل الحصيف ، ومن مقدحة صغيرة تحرق سوق كبيرة ، ومن لبنة لينة تبنى مدينة حصينة . قيل : أبصر الناس بعوار الناس المعوور . وقال بعضهم : إن الله تعالى تفرد بالكمال ، ولم يعر أحداً من خلقه من النقصان . قيل لبعضهم : متى يحمد الغني ؟ قال : إذا اتصل بكرم . قيل : فمتى تذم الفطنة ؟ قال : إذا اقترنت بلؤم . قال آخر : عجباً لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح . عجباً لمن قيل فيه الشر وهو فيه كيف يغضب . ثلاث موبقات : الكبر ؛ فإنه حط إبليس عن مرتبته ، والحرص ؛ فإنه أخرج آدم من الجنة ، والحسد فإنه دعا ابن آدم إلى قتل أخيه . قال ابن السماك : الفطام عن الحطام شديد . قالوا : إذا أقبلت الدنيا أقبلت على حمار قطوف مديني ، وإذا أدبرت أدبرت على البراق . التؤدة حسنة 410 في كل شيء إلا في المعروف فإنها تنغصه . أصاب متأمل أو كاد ، وأخطأ مستعجل أو كاد . .
قيل لبعضهم : كيف لا يجتمع المال والحكمة ؟ قال : لعزة الكمال . كان يقال : لكل جديد لذة إلا من الإخوان . العجز عجزان : التقصير في طلب الأمر وقد أمكن ، والجد في طلبه وقد فات . قال يزيد بن أسيد : أسر السرور قفلة على غفلة . قيل : ستة لا تخطئهم الكآبة : فقير حديث عهد بالغنى ، ومكثر يخاف على ماله ، وطالب مرتبة فوق قدرته ، والحسود والحقود وخليط . أهل الأدب وهو غير أديب . . قال خالد بن صفوان : من لم تكن له دابة كثرت ألوان دوابه . قال عبد الله بن أبي بكر : لو كنت شاعراً لبكيت على المروءة . وقال بعضهم : طلبت الراحة لنفسي فلم أجد شيئاً أروح لها من ترك ما لا يعنيها ، وتوحشت في البرية فلم أر وحشة أشد من قرين سوء ، وشهدت الزحوف ولقيت الأقران فلم أر قرناً أغلب للرجل من امرأة سوء ، ونظرت إلى كل ما يذل العزيز ويكسره فلم أر شيئاً أذل له ولا أكسر من الفاقة . قالوا : أول أمر العاقل آخر أمر الجاهل . قال رجل لعبد الحميد : أخوك أحب إليك أم صديقك ؟ قال : إنما أحب أخي إذا كان صديقاً . قالوا : أسوأ من في الكريم أن يكف عنك خيره ، وأحسن ما في اللئيم أن يكف عنك شره . كان الكندي يقول : المسترشد موتي والمحترس ملقي . وكان يقول : العبد حر ما قنع والحر عبد ما طمع. قيل لمحمد بن الجهم بعد ما أخذ من ماله : أما تفكر في ذهاب نعمتك ؟ فقال : لا بد من الزوال ؛ فلأن تزول نعمتي وأبقى خير من أن أزول عنها وتبقى .
قال الشافعي : اغتنموا الفرصة فإنها خلس أو غصص . أغلظ سفيه لحليم فقيل له : لم لم تغضب ؟ فقال : إن كان صادقاً فليس ينبغي أن أغضب ، وإن كان كاذباً فبالحري ألا أغضب . قال بعضهم : ما أحسن حسن الظن إلا أن منه العجز ، وما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم . قال قيصر : ما الحيلة فيما أعيا إلا الكف عنه ، ولا الرأي فيما لا ينال إلا اليأس منه . قال سهل بن هارون : ما زلت أدخل فيما يرغب بي عنه متى استغنيت عما يرغب لي فيه . كان يقال : الأحمق إذا حدث ذهل ، وإذا تكلم عجل ، وإذا حمل على القبيح فعل . قيل : ليس الموسر من ينقص على النفقة ماله ، ولكن الموسر من يزكو على الإنفاق ماله . قال أبو يوسف : إثبات الحجة على الجاهل سهل ولكن إقراره بها صعب . قيل لبعضهم : ما الكلفة ؟ قال : طلبك ما لا يواتيك ، ونظرك فيما لا يعنيك قال آخر : كما أن أواني الفخار تمتحن بأصواتها فيعرف الصحيح منها من المنكسر ، كذلك يمتحن الإنسان بمنطقه فيعرف حاله وأمره. قال آخر : احتمال الفقر أحسن من احتمال الذل على أن الرضا بالفقر قناعة والرضا بالذل ضراعة . سمع بعضهم رجلاً يذكره بسوء فقال : ما علم الله منا أكثر مما تقول . ابن المقفع : إن مما سخى بنفس العاقل عن الدنيا علمه بأن الأرزاق لم تقسم على قدر الأخطار . قالوا : الدنيا حمقاء لا تميل إلا إلى أشباهها .
لما قبض ابن عيينة صلة الخليفة قال : يا أصحاب الحديث ؛ قد وجدتم مقالاً فقولوا . متى رأيت أبا عيال أفلح ؟ وقال: كانت لنا هرة ليس لها جراء فكانت لا تكشف القدور ، ولا تعيث في الدور ، فصار لها جراء فكشفت عن القدور ، وأفسدت في الدور . قال بعضهم : إذا أنا فعلت ما أمرت به وكان خطأ لم أذمم عليه ، وإذا فعلت ما لم أومر به وكان صواباً لم أحمد عليه . قال آخر ما استنبط الصواب بمثل المشورة ، ولا حصنت النعم بمثل المواساة ، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر . قيل لروح بن زنباع : ما معنى الصديق ؟ قال : هو لفظ بلا معنى . يعني لعوزه . وقال آخر : السفر ميزان الأخلاق . قال علي بن عبيدة : العقل ملك والخصال رعيته ، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها . قالوا : الكذاب يخيف نفسه وهو آمن . قال بعضهم : لو لم أدع الكذب تأثماً لتركته تكرماً . وقال آخر : لو لم أدع الكذب تعففاً لتركته تظرفاً . وقال آخر : لو لم أدع الكذب تحوباً لتركته تأدباً . وقال آخر : لو لم أدع الكذب تورعاً لتركته تصنعاً . كان الثوري يقول : الناس عدول إلا العدول . كان بعضهم يقول : اللهم احفظني من أصدقائي. فسئل عن ذلك فقال : إني أحفظ نفسي من أعدائي . قيل لبعضهم : ما المروءة ؟ قال : إظهار الزي . قيل : فما الفتوة ؟ قال : طهارة السر . يحكى ذلك عن البوشنجي شيخ خراسان . سئل بعضهم : أي الرسل أحرى بالنجح ؟ قال : الذي له جمال وعقل .
قالوا : الحيلة اعطف المتجني أعسر من نيل التمني . قال ابن السماك : لولا ثلاث لم يسل سيف ولم يقع حيف : سلك أدق من سلك ، ووجه أصبح من وجه ، ولقمة أسوغ من لقمة . قال بكر بن عبد الله : ما رأيت أحداً إلا رأيت له الفضل علي ؛ لأني من نفسي على يقين وأنا من الناس في شك . قيل لابن هبيرة : ما حد الأحمق ؟ قال : لا حد له . أتي ابن عون بماء يصب على يده قبل الطعام فقال : ما أحسب غسل اليد قبل الطعام إلا من توقير النعمة . قال بعضهم : تعريف الجاهل أيسر من تقرير المنكر . كان بعضهم يقول : ما بقي أحد يأنف أن يؤنف منه . كل شيء إذا كثر رخص ؛ غير العقل فإنه إذا كثر غلا . قال آخر : يحسن الامتنان إذا وقع الكفران ، ولولا أن بني إسرائيل كفروا النعمة ما قال الله تعالى لهم : " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " قيل لرجل مستهتر بجمع المال : ما هذا كله؟ قال : إنما أجمعه لروعة الزمان ، وجفوة السلطان ، وبخل الإخوان ، ودفع الأحزان . قال خالد بن صفوان : أنا لا أصادق إلا من يغفر لي زللي ، ويسد خللي ، ويقبل عللي . قال بعضهم : أول صناعة الكاتب كتمان السر . قالوا : الخوف على ثلاثة أنحاء : دين يخاف معادا ، وحر يخاف عارا ، وسفلة يخاف ردعا . قال علي بن عبيدة : إن أخذت عفو القلوب زكا ريعك ، وإن استقصيت أكديت . قيل : الحسن الخلق قريب عند البعيد ، والسيئ الخلق بعيد عند أهله .
قال الثوري : إذا رأيت الرجل محموداً في جيرانه فاعلم أنه يداهنهم . قيل لحكيم : كيف للإنسان بألا يغضب ؟ قال : ليكن ذاكراً في كل وقت أنه ليس يجب أن يطاع قط ، بل أن يطيع ؛ وأنه ليس يجب أن يحتمل خطؤه فقط ، بل أن يحتمل الخطأ عليه ؛ وأنه ليس يجب أن يصبر عليه فقط ، بل أن يصبر هو 412 أيضاً ؛ وأنه بعين الله دائماً ، فإنه إذا فعل ذلك لم يغضب ، وإن غضب كان غضبه أقل . قال بعضهم : الإفراط في الزيارة ممل كما أن التفريط فيها مخل . قال العتبي : إذا تناهى الغم انقطع الدمع . وقال إبراهيم بن أدهم : أنا منذ عشرين سنة في طلب أخ إذا غضب لم يقل إلا الحق فما أجد . وقال غيره : إذا ولى صديق لك ولاية فأصبته على العشر من صداقته فليس بأخ سوء . قصد ابن السماك رجلاً في حاجة لرجل فتعسر ، فقال له : اعلم أني أتيتك في حاجة ، وإن الطالب والمطلوب إليه عزيزان إن قضيت ، وذليلان إن لم تقض ، فاختر لنفسك عز البذل على ذل المنع ، واختر لي عز النجح على ذل الرد . فقضاها له . وقصد آخر مرة في حاجة فتلوى ، فكاد ينكل عن الكلام ، ثم سبق إلى معنى فخبره وقال للمسئول : أخبرني حين غدوت إليك في حاجتي ، أحسن بك الظن ، وأصوغ فيك الثناء ، وأتخير لك الشكر ، وأمشي إليك بقدم الإجلال ، وأكلمك بلسان التواضع ، أصبت أم أخطأت ؟ قال : فاقتحم الرجل وقال : بل أصبت . وقضى حاجته وسأله المعاودة . قال أبو العتاهية : قلت لعلي بن الهيثم : ما يجب للصديق ؟ قال : ثلاث خلال : كتمان حديث الخلوة ، والمواساة عند الشدة ، وإقالة العثرة . قيل : سوء حمل الغنى يورث المدح ، وسوء حمل الفاقة قد بضع الشرف . قيل : الهوى شريك العمى .
قيل لصوفي : ما صناعتك ؟ قال : حسن الظن بالله وسوء الظن بالناس . ثلاثة لم يمن بها أحد فسلم : صحبة السلطان، وإفشاء السر إلى النساء وشرب السم للتجربة . لكل شيء محل ، ومحل العقل مجالسة الناس . أعجب الأشياء بديهة أمن وردت في مقام خوف . قال ابن المقفع : الحرص محرمة ، والجبن مقتلة . فانظر فيمن رأيت أو سمعت : من قتل في الحرب مقبلاً أكثر أم من قتل مدبراً وانظر من يطلب بالإجمال والتكرم أحق أن تسخو نفسك له أم من يطلب بالشره والحرص . قال أبو بكر بن المعتمر : إذا كان العقل تسعة أجزاء أحتاج إلى جزء من جهل ليقدم على الأمور ؛ فإن العاقل أبداً متوان متوقف مترقب متخوف . قيل : ستة لا يخطئهم الكآبة : فقير قريب عهد بغنى ، ومكثر يخاف على ماله ، وطالب مرتبة فوق قدره ، والحسود والحقود وخليط أهل الأدب وهو غير أديب . قال ابن المقفع : عمل الرجل . بما يعلم أنه خطأ هوى ، والهوى آفة العفاف ، وتركه للعمل بما يعلم أنه صواب تهاون ، والتهاون آفة الدين . وإقدامه على ما لا يدري أصواب هو أم خطأ لجاج ، واللجاج آفة العقل . قالوا : ما من مصيبة إلا ومعها أعظم منها ؛ إن جزع فالوزر ، وإن صبر فالثواب . قيل : ضعف العقل أمان من الغم . لا ينبغي للعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت ، ولا يمدح طعاماً حتى يستمرئه ، ولا يثق بخليل حتى يستقرضه . ليس من حسن الجوار ترك الأذى ، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى . لا يتأدب العبد بالكلام إذا وثق بأنه لا يضرب . ما السيف الصارم في كف شجاع بأعز له من الصدق .
إذا كثرت خزان الأسرار 413 ضياعاً . ثمرة القناعة الراحة ، وثمرة التواضع المحبة . الكريم يلين إذا استعطف ، واللئيم يقسو إذا ألطف . أنكأ لعدوك ألا تريه أنك تتخذه عدوا . عذابان لا يكترث لهما : السفر البعيد ؛ والبناء الكبير. قالوا : " سوف " جند من جنود إبليس أهلك بها بشراً كثيراً . وقيل لبعض الزهاد : أوصنا . فقال : إياكم " وسوف " . سئل بعضهم : أي الصدق السكوت عنه أمثل ؟ قال : تزكية المرء نفسه . وكان يقال : ثلاثة يؤثرون المال على أنفسهم : تاجر البحر ، والعامل بالأجر ، والمرتشي على الحكم . قالوا : قبح الله الدنيا ، فإنها إذا أقبلت على الإنسان أعطته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه . أعجز الناس من قصر في طلب صديقه ، وأعجز منه من وجده فضيعه . قال رجل لأبي عبيد الله : لئن أصبحت الدنيا بك مشغولة لتمسين منك فارغة . فقال : أنفق ما يكون التعب إذا وعد كذاب حريصاً . اجتمع علماء العرب والعجم على أنه لا يدرك نعم إلا ببؤس ، ولا راحة إلا بتعب . العادات قاهرات ، فمن اعتاد شيئاً في سره وخلواته فضحه في علانيته وعند الملأ . قيل : المنى تخلق العقل، وتفسد الدين ، وتزرى بالقناعة . قال قتيبة لحصين : ما السرور ؟ قال : عقل يقيمك ، وعلم يزينك وولد يسرك ، ومال يسعك ، وأمن يريحك ، وعافية تجمع لك المسرات .
أسر رجل إلى صديق له حديثاً فلما استقصاه قال له : أفهمت ؟ قال : بل نسيت . وقيل لآخر : كيف كتمانك للسر ؟ فقال : أجحد للخبر وأحلف للمستخبر . والعرب تقول : من ارتاد لسره فقد أذاعه . ويقال : للقائل على السامع جمع البال ، والكتمان ، وبسط العذر . قالوا : كثرة السرار من أسوأ الآداب . وقالوا : الأخ البار مغيض الأسرار . قيل لبعضهم : إن فلاناً لا يكتب ، وقال : تلك الزمانة الخفية . قال بعضهم : قديم لبحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة . قالوا : ركوب الخيل عز ، وركوب البراذين ذلة ، وركوب البغل مهرمة ، وركوب الحمير ذل . قالوا: أربع يسودن العبد : الصدق والأدب والفقه والأمانة . قال الزهري : الكريم لا تحكمه التجارب . قالوا : العقل يظهر بالمعاملة ، وشيم الرجال تعرف بالولاية . قال رجل من قريش لشيخ : علمني الحلم . فقال : هو الذل أفتصبر عليه؟. ويقال : ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا . قال محمد بن عمران التيمي : ما شيء أشد على الإنسان حملاً من المروءة ؟ قيل له : وما المروءة ؟ فقال : ألا تعمل في السر شيئاً تستحي منه في العلانية . قال أكثم : الانقباض من الناس مكسبة للعداوة ، وإفراط الأنس مكسبة لقرناء السوء . قيل لابن أبي الزناد : لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا ؟ فقال : إنها وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها . قيل لبعضهم : إن فلاناً أفاد مالاً عظيماً . قال : فهل أفاد معه أياماً ينفقه فيها؟ قيل لرجل : ما لك تنزل في الأطراف ؟ فقال : منازل الأشراف في الأطراف ؛ يتناولهم من يريدهم بالحاجة . قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل . قال الشعبي : عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه 414 . وقال أبو بكر بن عبد الله لقوم عادوه فأطالوا عنده القعود : المريض يعاد والصحيح يزار . عزى رجل رجلاً فقال : لا أراك الله بعد هذه المصيبة ما ينسيكها . وعزى رجل الرشيد فقال : يا أمير المؤمنين ، كان لك الأجر لا بك وكان العزاء لك لا عنك . كان يقال : لك ابنك ريحانك سبعاً ، وخادمك سبعاً ، ثم عدو أو صديق قال المعتمر بن سليمان : أفضل العصمة ألا تجد . قيل لبعض الحكماء : ما الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقاً ؟ فقال : مدح الإنسان نفسه . جلس بعض الزهاد إلى تاجر ليشتري منه شيئاً ، فمر به رجل يعرفه ، فقال للتاجر : هذا فلان الزاهد فأرخص ما تبيعه منه . فغضب الزاهد وقام وقال : إنما جئنا لنشتري بدراهمنا لا بمذاهبنا . قيل لبعضهم : ما الشيء الذي لا يستغني عنه في حال من الأحوال ؟ فقال : التوفيق . قيل لبعض من يطلب الأعمال : ما تصنع ؟ قال : أخدم الرجاء، حتى ينزل القضاء . قال بعضهم : أوسع ما يكون الكريم مغفرة ، إذا ضاقت بالمذنب المعذرة . قال آخر : أمتع الجلساء الذي إذا عجبته عجب ، وإذا فكهته طرب ، وإذا أمسكت تحدث ، وإذا فكرت لم يلمك . قيل لبعضهم : متى يحمد الغنى ؟ قال : إذا اتصل بكرم . قيل : فمتى تذم الفطنة ؟ قال : إذا اقترنت بلؤم .
قال بعضهم : ستر ما عاينته أحسن من إشاعة ما ظننته . قيل لجميل بن مرة : مذ كم هجرت الناس قال : مذ خمسين سنة . قيل له : لم ذاك ؟ قال : صحبتهم أربعين سنة ، فلم أر فيهم غافراً لزلة ولا راحماً لعبرة ، ولا مقيلاً لعثرة ، ولا ساتراً لعورة ، ولا حافظاً لخلة ، ولا صادقاً في مودة ، ولا راعياً لزمام حرمة ، ولا صادقاً في خبره ، ولا عادلاً في حكومة ؛ فرأيت الشغل بهم حمقاً ، والانقطاع عنهم رشداً . كان بعضهم يقول : اللهم احفظني من أصدقائي. فقيل له في ذلك فقال : إني حافظ نفسي من أعدائي . قال آخر : إساءة المحسن أن يمنعك جدواه ، وإحسان المسيء أن يكف عنك أذاه . قيل لعبد الله بن المبارك : ما التواضع ؟ قال : التكبر على المتكبرين . قيل : من لا ينفذ تدبيرك عليه في إذلاله ، فتوفر على توخي إجلاله . قال الشافعي : ما رفعت أحداً فوق منزلته إلا حط مني بقدر ما رفعت منه . قال المسيب بن واضح : صحبت ابن المبارك مقدمه من الحج فقال لي : يا مسيب ، ما أتى فساد العامة إلا من قبل الخاصة . قلت : وكيف ذاك رحمك الله ؟ قال : لأن أمة محمد عليه السلام على طبقات خمس : فالطبقة الأولى هم الزهاد ، والثانية العلماء ، والثالثة الغزاة ، والرابعة التجار والخامسة الولاة . فأما الزهاد فهم ملوك هذه الأمة ، وأما العلماء فهم ورثة الأنبياء ، وأما الغزاة فهم أسياف الله عز وجل ، وأما التجار فهم الأمناء ، وأما الولاة فهم الرعاة . فإذا كان الزاهد طامعاً فالتائب بمن يقتدي ؟ وإذا كان العالم راغباً فالجاهل بمن يهتدي ؟ وإذا كان الغازي مرائياً فمتى يظفر بالعدو ؟ وإذا كان التاجر خائناً فعلام يؤتمن الخونة وإذا كان الراعي ذئباً فالشاة من يحفظها ؟ قال الحكماء : خمسة لا تتم إلا لقرنائها 415 : الجمال لا يتم إلا بالحلى ، والحسب لا يتم إلا بالأدب ، والغنى لا يتم إلا بالجود ، والبطش لا يتم إلا بالجرأة ، والاجتهاد لا يتم إلا بالتوفيق .
قيل لبعضهم : متى تطيعك الدنيا ؟ قال : إذا عصيتها . قال آخر : رب مغبوط بنعمة هي داؤه ، ورب محسود على حال هي بلاؤه ، ورب مرحوم من سقم هو شفاؤه . قالوا : إذا أراد الله أن يسلط على عبده عدواً لا يرحمه سلط عليه حاسداً . وكان يقال في الدعاء على الرجل : طلبك من لا يقصر دون الظفر ، وحسدك من لا ينام دون الشقاء . قال محمد بن كعب : إذا أراد الله بعبد خيراً زهده في الدنيا وفقهه في الدين ، وبصره عيوبه . قال مالك بن دينار : من طلب العلم لنفسه فالقليل يكفي ، ومن طلبه للناس فحوائج الناس كثيرة . قال رجل لآخر : إني أتيتك في حاجة فإن شئت قضيتها وكنا جميعاً كريمين ، وإن شئت منعتها وكنا جميعاً لئيمين . قال بعض النساك : قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لا آكل من رزقه شيئاً . قيل : مثل شرب الدواء مثل الصابون للثوب ينقيه ولكن يخلقه . كان يقال : النظر يحتاج إلى القبول ، والحسب إلى الأدب ، والسرور إلى الأمن ، والقربى إلى المودة ، والمعرفة إلى التجارب ، والشرف إلى التواضع والنجدة إلى الجد . قال بعضهم : أعناق الأمور تشابه في الغيوب ؛ قرب محبوب في مكروه ومكروه في محبوب . وكم من مغبوط بنعمة هي داؤه ، ومرحوم من داء فيه شفاؤه . وقيل : رب خير في شر ، ونفع في ضر .
قال ابن المقفع : الحسد خلق دني ، ومن دناءته أنه يوكل بالأقرب فالأقرب . قال قتادة : لو كان أحد مكتفياً من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام إذ قال : " هل أتبعك على أن تعلمن ومما علمت رشداً " . قال دغفل بن حنظلة : إن للعلم أربعاً : آفة ونكداً وإضاعة واستجاعة فآفته النسيان ، ونكده الكذب ، وإضاعته وضعه في غير موضعه ، واستجاعته أنك لا تشبع منه . قال أبو عثمان الجاحظ : وإنما عاب الاستجاعة لأن الرواة شغلوا عقولهما بالازدياد والجمع عن تحفظ ما قد حصلوه ، وتدبر ما قد دونوه . قال بعضهم : عيادة النوكى الجلوس فوق القدر ، والمجيء في غير وقت . قال أكثم بن صيفي : ما أحب أن أكفى كل أمر الدنيا . قالوا : وإن أسمنت وألبنت ؟ قال : نعم . أكره عادة العجز . قال أبو عثمان : كتب شيخ من أهل الري على باب داره : جزى الله من لا يعرفنا ولا نعرفه خيراً ، فأما أصدقاؤنا الخاصة فلا جزاهم الله خيراً ؛ فإنا لم نؤت قط إلا منهم . قيل لرجل من أهل البصرة : مالك لا ينمى مالك ؟ قال : لأني اتخذت العيال قبل المال ، واتخذ الناس المال قبل العيال . كان خالد بن صفوان يكره المزاح ويقول : يصيب أحدهم أخاه ويصكه بأشد من الحديد ، وأصلب من الجندل ، ويفرغ عليه أحر من المرجل ثم يقول إنما مازحته . قال إبراهيم المحلمي : فيك حدة . فقال : أستغفر الله مما أملك وأستصلحه ما لا أملك . قيل لرجل : إن فلاناً يشتمك . قال : هو في حل . قيل له : تحله وقد شتمك ؟ فقال : ما أحب أن أثقل ميزاني بأوزار إخواني . قال الغاضري : أعطانا الملوك الآخرة طائعين ، وأعطيناهم الدنيا كارهين . قال بعضهم : الصبر عن النساء أيسر من الصبر عليهن . ذكرت العامة للأوزاعي فقال : هي كالبحر ، إذا هاج لم يسكنه إلا الله . قال بعضهم لصاحب له : إذا كنت لا ترضى مني بالإساءة فلم رضيت من نفسك بالمكافأة ؟ . قال بعضهم : كل شيء يحتاج إلى العقل ، والعقل يحتاج إلى التجربة . قيل لبعضهم : ما الصدق ؟ قال : اسم لا يوجد معناه . كان يقال : طول اللحية أمان من العقل . قالوا : إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب ، قعدت وأنت كبير حيث تكره . قال بعضهم : شر المال ما لزمك إثم مكسبه ، وحرمت لذة إنفاقه . قيل للعتابي : ما المروءة ؟ فقال : ترك اللذة . قيل : فما اللذة ؟ قال : ترك المروءة . قيل لصوفي : كيف أنت ؟ قال : طلبت فلم أرزق ، وحرمت فلم أصبر . قال أحمد بن المعذل لأخيه عبد الصمد : أنت كالإصبع الزائدة إن تركت شانت ، وإن قطعت آلمت . قال بعضهم : إن الغنى والعز خرجا يجولان فلقيا القناعة فاستقرا . قال بعضهم : أنا بالصديق آنس مني بالأخ . فقال له ابن المقفع : صدقت : الصديق نسيب الروح ، والأخ نسيب الجسم . قال أبو العالية الرياحي : إذا دخلت الهدية صر الباب وضحكت الأسكفة . قالوا : جزية المؤمن كراء منزله ، وعذابه سوء خلق امرأته . سمع رجل رجلاً يقول لصاحبه : لا أراك الله مكروهاً . فقال : كأنك دعوت على صاحبك بالموت . أما ما صاحب صاحبك الدنيا فلا بد له من أن يرى مكروهاً . قال معن بن زائدة : ما أتاني رجل قط في حاجة فرددته عنها إلا تبين لي غناه عني إذا أدبر . قال بعض الصوفية : بالخلق يستفاد الكون ، وبالخلق يستفاد الخلد . أراد ملك سفراً فقال : لا يصحبني ضخم جبان ، ولا حسن الوجه لئيم ، ولا صغير رغيب . نظر أعرابي إلى خالد بن صفوان وهو يتكلم فقال : كيف لم يسد هذا مع بيانه ؟ فقال خالد : منعتم مالي ، وكرهت السيف. يقال : الوعد وجه والإنجاز محاسنه . قالوا : الهالك على الدنيا رجلان : رجل نافس في عزها ، ورجل أنف من ذلها. قال ميمون : الطالب في حيلة ، والمطلوب في غفلة ، والناس منهما في شغل . كان ابن السماك يقول : دلا أدري أأوجر على ترك الكذب أم لا لأني أتركه أنفة . قيل : إن الرمد لا يعاد ، والسبب فيه ألا يراه العواد وما في منزله وهو لا يراهم .
قال ابن شهاب : ليس بكذاب من درأ عن نفسه . قال الحجاج لابن قرية : ما الأرب ؟ قال : الصبر على كظم الغيظ حتى تمكن الفرصة . قالوا : ثلاث لا غربة معهن : مجانبة الريب ، وحسن الأدب ، وكف الأذى . وكان يقال : عليكم بالأدب ، فإنه صاحب في السفر ، ومؤنس في الوحدة ، وجمال في المحفل ، وسبب إلى طلب الحاجة . قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : ما أحسن الحسنات في آثار السيئات ، وأقبح السيئات في آثار الحسنات ، وأقبح من هذا وأحسن من ذاك السيئات في آثار السيئات ، والحسنات في آثار الحسنات . قال أبو إدريس الخولاني : المساجد مجالس الكرام . قيل : المنة 417 تهدم الصنيعة . وكان يقال : كتمان المعروف من المنعم عليه كفر له ، وذكره من المنعم تكدير له . كان مالك بن دينار يقول : ما أشد فطام الكبير كان يقال : أنعم الناس عيشاً من عاش في عيشة غيره . قال رجل لرجل من قريش : والله ما أمل الحديث . فقال : إنما يمل العتيق . يروى عن أسماء بن خارجة أنه قال : لا أشاتم رجلا ولا أرد سائلاً ، فإنما هو كريم أسد خلته ، أو لئيم أشترى عرضي منه . كان ابن شبرمة إذا نزلت بن نازلة قال : سحابة ثم تتقشع . كان يقال : أربع من كنوز الجنة : كتمان المصيبة ، وكتمان الصدقة ، وكتمان الفاقة : وكتمان الوجع . قيل : ليس للجوج تدبير ، ولا لسيىء الخلق عيش ، ولا لمتكبر صديق والمنة تفسد الصنيعة . كان يقال : لا ينبغي لعاقل أن يشاور واحداً من خمسة : القطان والغزال والمعلم وراعي الضأن ولا الرجل الكثير المحادثة للنساء . وقيل في مثل هذا : لا تدع أم صبيك تضربه ؛ فإنه أعقل منها وإن كان طفلاً . قال رجل لابن عبد الرحمن بن عوف : ما ترك لك أبوك ؟ قال : ترك لي مالاً كثيراً . فقال : لا أعلمك شيئاً هو خير لك مما ترك أبوك ؟ إنه لا مال لعاجز ، ولا ضياع على حازم ، والرقيق جمال وليس بمال ، فعليك من المال بما يعولك ولا تعوله . وقيل الخريم الناعم : ما النعمة ؟ فقال : الأمن ؛ فإنه ليس لخائف عيش ؛ والغنى ؛ فإنه ليس لفقير عيش. والصحة ؛ فإنه لسقيم عيش قيل : ثم ماذا ؟ قال : لا مزيد بعدها . قيل : خير الكلام ما أغنى اختصاره عن إكثاره . قيل : النمام سهم قاتل . أراد رجل الحج ، فأتى شعبة بن الحجاج فودعه فقال له شعبة : أما إنك إن لم ترى الحلم ذلاً، والسفه أنفاً سلم حجك . روى عن بعض الأئمة أنه قال : الإنصاف راحة ، والإلحاح قحة ، والشح شناعة ، والتواني إضاعة ، والصحة بضاعة ، والخيانة وضاعة ، والحرص مفقرة ، والدناءة محقرة ، والبخل غل ، والفقر ذل ، والسخاء قربة ، واللؤم غربة ، والذلة استكانة ، والعجز مهانة ، والأدب رياسة ، والحزم كياسة ، والعجب هلاك ، والصبر ملاك ، والعجلة زلل ، والإبطاء ملل . ثلاثة أشياء لا ثبات لها : المال في يد من يبذر ، وسحابة الصيف ، وغضب العاشق . قيل للشبلي : ما الفرق بين رق العبودية ورق المحبة ؟ فقال : كم بين عبد إذا أعتق صار حراً ، وبين عبد كل ما أعتق ازداد رقاً . قالوا : الزاهد في الدينار والدرهم أعز من الدينار والدرهم . وقيل لمحمد بن واسع: كيف أنت ؟ قال : كيف أكون ، وأنا إذا كنت في الصلاة فدخل إنسان غني أوسع له بخلاف ما أوسع للفقير . سئل بعضهم : أيما أحمد في الصبي الحياء أم الخوف ؟ فقال : الحياء لأن الحياء يدل على عقل والخوف يدل على جبن . قالوا : رب حرب جنيت بلفظه ، ورب ود غرس بلحظة . شكا رجل إلى بشر بن الحارث كثرة العيال فقال له: فرغك فلم تشكره ، فعاقبك بالشغل . كان يقال : إذا تزوج الرجل فقد ركب البحر ، فإن ولد له فقد كسر به . قال يونس بن عبيد : ما سمعت بكلمات أحسن من كلمات ثلاث قالهن ابن سيرين ومورق العجلي وحسان بن أبي سنان أما ابن سيرين فقال : ما حسدت على شيء قط ، وأما مورق فقال : 418 ما قلت في الغضب شيئاً فندمت عليه في الرضا . وأما حسان فقال : ما شيء أهون من الورع ؛ إذا رابك شيء فدعه . قال ابن مسعر : كنت أمشي مع سفيان بن عيينة فسأله سائل ؛ فلم يكن معه ما يعطيه ، فبكى فقلت له : يا أبا محمد ؛ ما يبكيك ؟ قال : وأي مصيبة أعظم من أن يؤمل فيك رجل خيراً فلا يصيبه منك . قال : كفى نصراً لمؤمن أن يرى عدوه يعمل بمعاصي الله .
قيل : ثلاثة تعرض في الأحمق : سرعة الجواب ، وكثرة الالتفات ، والثقة بكل أحد . قيل : صلاح كل ذي نعمة في خلاف ما فسد عليه . قيل لبعضهم : كم آكل ؟ قال : فوق الشبع . قال : فكم أضحك قال : حتى يسفر وجهك ولا يسمع صوتك . قال : فكم أبكي قال : لا تمل أن تبكي من خشية الله . قال : فكم أخفي من عملي ؟ قال : حتى يرى الناس أنك لا تعمل حسنة . قال : فكم أظهر من عملي ؟ قال : حتى يقتدي بك البر ويؤمن عليك قول الناس . العزلة عن الناس توفر العرض ، وتبقي الجلالة ، وتستر الفاقة وترفع مؤنة المكافأة . ونعم صومعة الرجل بيته ، يكف فيه سمعه وبصره ولسانه ويقل فكره . أنعم الناس عيشاً من تحلى بالعفاف ، ورضى بالكفاف وتجاوز ما يخاف إلى مالا يخاف . قيل لرجل : ما السيد فيكم ؟ قال : الباذل لنداه ، الكاف لأذاه ، الناصر لمولاه . قيل : التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد . قال خالد بن صفوان : ينبغي للعاقل أن يمنع معروفه الجاهل واللئيم والسفيه ؛ أم الجاهل فلا يعرف المعروف والشكر ، وأما اللئيم فأرض سبخة لا تنبت ولا تصلح ، وأما السفيه فإنه يقول : أعطاني فرقاً من لساني . خير العيش مالا يطغيك ولا يلهيك . قال سعيد بن عبد العزيز : ما ضرب العباد بسوط أوجع من الفقر . قال فيروز بن حصين : إذا أراد الله تعالى أن يزيل عن عبد نعمة كان أول ما يغير منه عقله . قيل لمحمد بن كعب القرظي : ما علامة الخذلان ؟ قال : أن يستقبح المرء من الأمر ما كان عنده حسناً ويستحسن ما كان عنده قبيحاً .
قال شيخ من أهل المدينة : المعرض بالناس أتقي صاحبه ولم يتق ربه . قيل لشيخ هم أي شيء تشتهي ؟ قال : أسمع الأعاجيب . قالوا : عشر خصال في عشرة أصناف أقبح منها في غيرهم : الضيق في الملوك والغدر في الأشراف ، والكذب في القضاء ، والخديعة في العلماء ، والغضب في الأبرار ، والحرص في الأغنياء ، السفه في الشيوخ والمرض في الأطباء والتهزي في الفقراء ، والفخر في القراء . قال ابن أبي ليلى : لا أماري أخي فأما أن أكذبه أو أغضبه . قال حضين بن المنذر : لوددت أن لي أساطين مسجد الجامع ذهباً وفضة لا أنتفع منه بشيء . قيل له : لما يا أبا ساسان ؟ قال : يخدمني والله عليه موقان الرجال . قال بعضهم : خير الدنيا والآخرة في خصلتين : التقي والغني . وشر الدنيا والآخرة خصلتين : الفجور والفقر . سئل بعض الحكماء : أي الناس أحق أن يتقى ؟ قال : العدو والقوي ، والصديق المخادع ، والسلطان والغشوم . قيل لرجل : ما أذهب مالك ؟ فقال : شرائي ما لا أحتاج إليه ، وبيعي على الضرورة . عاد قوم أعرابياً 416 وقد بلغ مائة وخمسين سنة . فسألوه عن سنه فأخبرهم فقال بعضهم : عمر والله . فقال الشيخ : لا نقل ذاك ، فوالله لو استكملتها لاستقللتها . قالوا : أصبر الناس الذي لا يفشي سره إلى صديقه مخافة أن يقع بينهما شيء فيفشيه . قالوا : ثمانية إذا أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم : الآتي طعاماً لم يدع إليه والمتآمر على رب البيت في بيته ، وطالب المعروف من غير أهله ، وراجي الفضل من اللئام ، والداخل بين اثنين لم يدخلاه ، والمستخف بالسلطان ، والجالس مجلساً ليس له بأهل ، والمقبل بحديثه على من لا يسمعه . قالوا : ثمرة القناعة الراحة ، وثمرة التواضع المحبة ، وثمرة الصبر الظفر . قال بعضهم : نحن في دهر الإحسان فيه من الإنسان زلة ، والجميل غريب ، والخير بدعة ، والشفقة ملق ، والدعاء صلة ، والثناء خداع ، والأدب مسألة ، والعلم شبكة ، والدين تلبيس ، والإخلاص رياء ، والحكمة سفه ، والقول هذر ، والإطراق ترهب ، والسكوت نفاق ، والبذل مكافأة ، والمنع حزم ، والإنفاق تبذير . جلس رجل إلى سهل بن هارون فجعل يسمعه كلاماً سخيفاً من صنوف الهزل ، فقال له : تنح عني ؛ فإنه لا شيء أميل إلى ضده من العقل . قيل لبعض العلماء : أي علق أنفس ؟ فقال : عقل صرف إليه حظ . قالوا : الاعتبار يفيدك الرشاد ؛ وكفاك أدباً لنفسك ما كرهت من غيرك . الجزع من أعوان الزمان . الجود حارس الأعراض . والعفو زكاة القلب . اللطافة في الحاجة أجدى من الوسيلة . من أشرف أفعال الكريم غفلته عما يعلم . احتمال نخوة الشرف أشد من احتمال بطر الغنى وذلة الفقر مانعة من الصبر ، كما أن عز الغنى مانع من كرم الإنصاف إلا لمن كان في غريزته فضل قوة أو أعراق تنازعه إلى بعد الهمة . قيل لبعضهم: من أبعد الناس سفراً ؟ قال : من كان في طلب صديق يرضاه . قال يونس بن عبيد : أعياني شيئان : درهم حلال وأخ في الله . قال الأصمعي : كل امرئ كان ضره خاصاً فهو نعمة عامة ، وكل امرئ كان نفعه خاصاً فهو بلاء عام . استشارة الأعداء من باب الخذلان .
قالوا : إذا أراد الله بعبد هلاكاً أهلكه برأيه ، وما استغنى أحد عن المشورة إلا هلك . قال أكثم بن صيفي : الحر لا يكون صريع بطنه ولا فرجه . قيل : ست خصال تعرف في الجاهل : الغضب من غير شيء ، والكلام من غير نفع، والعطية في غير موضع ، ولا يعرف صديقه من عدوه ، وإفشاء السر ، والثقة بكل أحد . قال محمد بن واسع : إني لأغبط الرجل ليس له شيء وهو راض عن الله . قالوا : سوء العادة كمين لا يؤمن . العادة طبيعة ثانية . التجني وافد القطيعة . منك من نهاك ، وليس منك من أغراك . ياعجبا من غفلة الحساد عن سلامة الأجساد . من سعادة المرء أن يطول عمره ويرى في عدوه ما يسره . تورث الضغائن كما تورث الأموال . كم من عزيز أذله خرقه ، وعزيز أذله خلقه . لا يصلح اللئيم لأحد ولا يستقيم إلا من فرق أو حاج ؛ فإذا استغنى أو ذهبت الهيئة عاد إلى جوهره . ثلاثة في المجلس ليسوا فيه : المسيء الظن بأهله 420 والضيق الخف ، والحافر . قيل لبعضهم : ما أبقى الأشياء في أنفس الناس ؟ قال : أما في أنفس العلماء فالندامة على الذنوب ، وأما في أنفس السفهاء فالحقد . إذا انقضى ملك القوم جبنوا في آرائهم . الضعيف المحترس من العدو القوي أقرب إلى السلامة من القوي المغتر بالعدو الضعيف .
الحزن سوء استكانة والغضب لؤم قدرة . كل ما يؤكل ينتن ، وكل ما يوهب يأرج . لا يصعب على القوى حمل ، ولا على اللبيب عمل ، ولا على المتواضع أحد . الطرش في الكرام ، والهوج والشجاعة في الطوال ، والكيس في القصار والملاحة في الحول ، والنبل في الربعة ، والذكاء في الخرس ، والكبر في العور ، والبهت في العميان . بالكلفة يكتسب الأصدقاء وبكل شيء يمكن اكتساب الأعداء . أفقر الناس أكثرهم كسباً من حرام ؛ لأنه استدان بالظلم ما لا بد له من رده ، وأنفد في اكتسابه أيام عمره ، ومنعه في حياته من حقه ، وكان خازناً لغيره ، واحتمل الدين على ظهره ، وطولب به في حين فقره . الأم الناس من سعى بإنسان ضعيف إلى سلطان جائر أعسر الحيل تصوير الباطل في صورة الحق عند العاقل المميز . الريبة ذل حاضر ، والغيبة لؤم باطن . القلب الفارغ يبحث عن السوء ، واليد الفارغة تنازع إلى الإثم . لا يصرف القضاء إلا خالق القضاء . لا كثير مع إسراف ، ولا قليل مع احتراف ، ولا ذنب مع اعتراف . من كل شيء يقدر أن يحفظ الجاهل إلا من نفسه . المتعبد على غير فقه كحمار الرحى يدور ولا يبرح . المحرم من طال نصبه ، وكان لغيره مكسبه . كيف يحب الدنيا من تغره ، وتسوئه أكثر مما تسره . مع العجلة الخطار ، وربما خطئ المخاطر بالقضاء . شر أخلاق الرجال البخل والجبن وهما خير أخلاق النساء . إذا جاء زمان الخذلان انعكست العقول . سعة السمحاء أحد الخصبين ، وكثرة المال عند البخلاء أصعب الجدبين . من سوء الأدب مؤانسة من احتشمك ، وكشف خلة من سترها عندك ، والنزوع إلى مشورة لم تدع إليها . قال إبراهيم التيمي : نعم القوم السؤال ؛ يدقون أبوابكم ويقولون : هل توجهون إلى الآخرة شيئاً بشيء ؟ في الاعتبار غنى عن الاختبار . غيظ البخيل على الجواد أعجب من بخله . أذل الناس معتذر إلى لئيم . أشجع الناس أثبتهم عقلاً في بداهة الخوف . قال مطرف : المعاذر ، والمعاتب مغاضب . قال بعضهم : المروءة يهدمها اليسير ، لا يبنيها إلا الكثير . قال ابن المقفع : المروءة بلا مال كالأسد الذي يهاب ولم يفرس ، وكالسيف الذي يخاف وهو مغمد ، والمال بلا مروءة كالكلب الذي يجتنب عقراً ولم يعقر . وقال : اطلبوا الأدب ؛ فإن كنتم ملوكاً برزتم ، وإن كنتم وسطاً فقتم وإن أعوزتم المعيشة عشتم بأدبكم . وقال أبو الأسود : ليس شيء أعز من العلم ، والملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك .
وقال بعضهم : لا ينبغي للعاقل أن يكون إلا في إحدى منزلتين : إما في الغاية القصوى من مطالب الدنيا ، وإما في غاية القصوى من الترك لها . من أفضل أعمال البر الجود 421 في العسرة ، والصدق في الغضب ، والعفو عند القدرة . البخل خير من الفقر ، والموت خير من البخل . قال سليمان التيمي : إن الله أنعم على العباد بقدر قدرته ، وكلفهم من الشكر بقدر طاقتهم . قال محمد بن حرب الهلالي : وجدت العيش في ثلاث : في صديق لا يتعلم في صداقتك ما يرصد به عداوتك ، وفي امرأة تسرك إذا دخلت عليها وتحفظ غيبك إذا غبت عنها ، وفي مملوك يأتي على ما في نفسك كأنه قد علم ما تريد . قالوا : تحتاج القرابة إلى مودة ولا تحتاج المودة إلى قرابة . مخالطة الأشرار خطر ، والصابر على صحبتهم كراكب البحر الذي إن سلم ببدنه من التلف ، لم يسلم بقلبه من الحذر . لا يلعب الهموم إلا مرور الأيام ولقاء الإخوان . شر الناس من ضايق جليسه وصديقه فيما لا يضره ولا ينفعه . لأخيك عليك إذا حزبه أمر أن تشير عليه بالرأي ما أطاعك ، وتبذل له النصرة إذا عصاك . سئل خالد بن صفوان عن ابن له فقال : كفاني أمر دنياي ، وفرغني لأمر آخرتي . قالوا الغيبة ربيع اللئام . أطول الناس نصباً الحريص إذا طمع ، والحقود إذا منع . ثلاثة أشياء ينبغي للمرء أن يدفع شينها بما قدر عليه : فورة الغضب وكلب الحرص ، وعلل البخل.
الشريف يقبل دون حقه ، ويعطى فوق الحق الذي عليه . من العجيب أن يفشي الإنسان سره ويستكتم غيره . ينبغي للرجل أن يكون ضنيناً بالكذب ، فإن احتاج إليه نفعه . الحسود غضبان على القدر والقدر لا يعتبه .