الباب الخامس جنس آخر من الأدب والحكم وهو ما جاء لفظه على لفظ الأمر والنهي
كان يقال : إذا غضب الكريم فألن له الكلام ، وإذا غضب اللئيم فخذ له العصا . وقال بعضهم : غضب العاقل في فعله ، وغضب الجاهل في قوله . قال بعضهم وقد رأى رجلاً يتكلم فيكثر : أنصف أذنيك من فمك ؛ فإنما جعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تقول . قالوا : دع المعاذر فإن أكثرها مفاجر . وقال إبراهيم النخعي : دع الاعتذار فإنه يخالطه الكذب . قالوا : مكتوب في الحكمة : اشكر لمن أنعم عليك ، وأنعم على من شكرك . قال إبراهيم النخعي: سل مسألة الحمقى ، واحفظ حفظ الأكياس يعني العلم . قالوا : مروا الأحداث بالمراء ، والكهول بالفكر ، والشيوخ بالصمت . وقال : عود نفسك الصبر على جليس السوء ؛ فإنه لا يكاد يخطئك . قال حاتم لعدي ابنه : يا بني إني رأيت الشر يتركك إن تركته ، فاتركه . وكان يقال : لا تطلبوا الحاجة إلى ثلاثة : إلى كذوب ، فإنه يقربها وإن كانت بعيدة ويباعدها وهي قريبة ، ولا إلى أحمق ، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ؛ ولا إلى رجل له إلى صاحب الحاجة حاجة ، فإنه يجعل حاجتك وقاية لحاجته وقالوا : لا تصرف 422 حاجتك إلى من معيشته من رؤوس المكاييل وألسنة الموازين . وكان يقال : إياك وصدر المجلس وإن صدرك صاحبه ، فإنه مجلس قلعة . قالوا : احذروا صولة الكريم إذا جاع ، واللئيم إذا شبع . قال بعضهم : سرك دمك ، فلا تجرينه في غير أوداجك . كان يقال: إياك وعزة الغضب ، فإنها تصيرك إلى ذلة الاعتذار . قال بعضهم : إذا أرسلت لتأتي ببعر فلا تأت بثمر ، فيؤكل تمرك ، وتعنف على خلافك . قالوا : إذا وقع في يدك يوم السرور فلا تخله فإنك إذا وقعت في يد يوم الغم لم يخلك . قال آخر : احفظ سيئك ممن لا تنشده . أي ممن تستحي أن تسأله عنه . ومثله لابن المقفع : احذر من تأمن فإنك ممن تخاف على حذر . قالوا : إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فانظر من عدوه . وإذا أردت أن تعادي رجلاً فانظر من وليه . قيل : إذا قلدت أحداً مهماً فعجل له منفعة ، وأجمل له في العدة ، وابسط له في المنية . قال بعضهم : الانقباض من الناس مكسبة للعداوة ، والانبساط مجلبة لقرين السوء ، فكن بين المنقبض والمسترسل ؛ فإن خير الأمور أوساطها . كان يقال : اجعل عمرك كنفقة دفعت إليك ، فأنت لا تحب أن يذهب ما تنفق ضياعاً ، فلا تذهب عمرك ضياعاً .
قيل : من أظهر شكرك فيما لم تأت إليه فاحذر أن يكفرك فيما أسديت إليه . لا تستعن في حاجتك بمن هو للمطلوب أنصح منه لك . لا يؤمننك من شر جاهل قرابة ولا إلف ، فإن أخوف ما تكون لحريق النار أقرب ما تكون منها . لا ترفع نفسك عن شيء قربك إلى رئيسك . كن في الحرص على تفقد عيبك كعدوك . عليك بسوء الظن فإن أصاب فالحزم ، وإن أخطأ فالسلامة . رضا الناس غاية لا تدرك ، فتحر الخير بجهدك ، ولا تكره سخط من يرضيه الباطل. إذا رأيت الرجل على باب القاضي من غير حاجة فاتهمه . رأى رجل ابنه يماكس في ابتياع لحم ، فقال : يا بني ، ساهل فما تضيعه من عرضك أكثر مما تناله من غرضك . وقال بعضهم : الدين رق ، فلا تبذل رقك لمن لا يعرف حقك . وقال بعضهم : احذر كل الحذر أن يخدعك الشيطان فيمثل لك التواني في صورة التوكل ، ويورثك الهوينا بالإحالة على القدر ، فإن الله أمرنا بالتوكل عند انقطاع الحيل ، وبالتسليم للقضاء بعد الإعذار فقال : " خذوا حذركم . ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وقال النبي عليه السلام : " اعقل وتوكل " . قالوا : لتكن عنايتك بحفظ ما اكتسبته كعنايتك باكتسابه ، ولا تصحب غنياً ؛ فإنك إن ساويته في الإنفاق أضر بك ، وإن تفضل عليك استذلك . إذا سألت كريماً حاجة فدعه يتفكر ؛ فإنه لا يفكر إلا في خير . وإذا سألت لئيماً حاجة فغافصه ولا تدعه يتفكر فيتغير . وفي ضد ذلك : إذا سألت لئيماً حاجة فأجله حتى يروض نفسه . العدو عدوان : عدو ظلمته ، وعدو ظلمك . . فإن اضطرك الدهر إلى أحدهما فاستعن بالذي ظلمك ؛ فإن الآخر موتور . لا تستصغرن أمر عدوك إذا حاربته ، لأنك إن ظفرت به لم تحمد ، وإن ظفر بك لم يعذر ، والضعيف المحترس من العدو القوي أقرب إلى السلامة من القوي 423 المغتر بالضعيف . لا تصحب من تحتاج أن ما يعرفه الله منك . صن الاسترسال منك حتى تجد له مستحقاً ، واجعل أنسك آخر ما تبذله من ودك . لا تسل غير الله فإنه إن أعطاك أغناك . الصاحب كالرقعة في الثوب فالتمسه مشاكلاً . إياك وكثرة الإخوان ؛ فإنه لا يؤذيك إلا من يعرفك . قال بعضهم : لا تسبوا الغوغاء ؛ فإنهم يطفئون الحريق ، ويخرجون الغريق ؛ ويسدون البثوق . قال ابن السماك : دع اليمين لله إجلالاً ، وللناس جمالاً ، واعلم أن العادات قاهرات ، فمن اعتاد شيئاً في سره فضحه في علانيته . قال إسحاق بن إبراهيم بن مصعب : إذا كان لك صديق فلم تحمد إخاءه ومودته فلا تظهر ذلك للناس ؛ فإنما هو بمنزلة السيف الكليل في منزل الرجل ، ويرهب به عدوه ، ولا يعلم العدو أقاطع هو أم كليل . قالوا : دع الذنوب قبل أن تدعك . كان معاوية بن الحارث يقول : لا يطمعن الخب في كثرة الصديق ، ولا ذو الكبر في حسن الثناء .
قيل : من مدحك بما ليس فيك فلا تأمن بهته لك ، ومن أظهر لك شكر ما لم تأت فاحذر أن يكفر نعمتك . قال عبد الحميد : لا تركب الحمار ؛ فإنه إن كان فارهاً أتعب يدك ، وإن كان بليداً أتعب رجلك . كان ابن المقفع يقول : إذا نزل بك مكروه فانظر ، فإن كان له حيلة فلا تعجز ، وإن كان مما لا حيلة فيه فلا تجزع . قال آخر : تصفح طلاب حكمك ، كما تتصفح خطاب حرمك . قال آخر : تعلموا العلم فإنه زين للغني ، وعون للفقير . إني لا أقول يطلب به ولكن يدعوه إلى القناعة . لا ترض قول أحد حتى ترضى فعله ، ولا ترض فعل أحد حتى ترضى عقله ، ولا ترض عقل أحد حتى ترضى حياءه ؛ فإن ابن آدم مطبوع على كرم ولؤم ، فإذا قوي الحياء قوي الكرم ، وإذا ضعف الحياء قوي اللؤم . تعلموا العلم وإن لم تنالوا به حظاً ؛ فلأن يذم الزمان لكم أحسن من أن يذم بكم . اجعل سرك إلى واحد ومشورتك إلى ألف . قال بعضهم : إن الله خلق النساء من عي وعورة ؛ فداووا العي بالسكوت واستروا العورة بالبيوت . قال رجل لابنه : تزي بزي الكتاب ، فإن فيهم أدب الملوك ، وتواضع السوقة . قال الزهري : سمعت رجلاً يقول لهشام بن عبد الملك : لا تعدن يا أمير المؤمنين عدة لا تثق من نفسك بإنجازها . ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعراً . واعلم أن للأعمال جزاء ، فاتق العواقب ، وأن للأمور بغتات فكن على حذر .
قال آخر : لا تجاهد الطلب جهاد المغالب ، ولا تتكل إتكال المستسلم ؛ فإن ابتغاء الفضل من السنة ، والإجمال في الطلب من العفة . وليست العفة بدافعة رزقا ، ولا الحرص بجالب فضلاً . سمع بعضهم إنساناً يتكلم بما لا يعنيه فقال له : يا هذا إنما تملي على حافظيك ، وتكتب إلى ربك ؛ فانظر على من تملى ، وإلى من تكتب . قال بعضهم : أقم الرغبة إليك مقام الحرمة بك ، وعظم نفسك عن التعظم ، وتطول ولا تتطاول . قال آخر : عاملوا الأحرار بالكرامة المحضة ، والأوساط بالرغبة والرهبة والسفل بالهوان . كن للعدو المكاتم أشد حذراً منك للعدو المبارز . قال سلم بن قتيبة لأهل بيته : لا تمازحوا فيستخف بكم السوقة ، ولا تدخلوا 424 الأسواق فتدق أخلاقكم ولا ترجلوا فيزدريكم أكفاؤكم . قال آخر : احفظ شيئك ممن تستحيي أن تسأله عن شيء إن ضاع لك . إذا كنت في مجلس فلم تكن المحدث ولا المحدث فقم . كان يقال : لا تستصغرن حدثاً من قريش ، ولا صغيراً من الكتاب ، ولا صعلوكاً من الفرسان ، ولا تصادقن ذمياً ولا خصياً ولا مؤنثاً ؛ فإنه لا ثبات لموداتهم . قالوا : لا تدخل في مشورتك بخيلاً فيقصر بعقلك ، ولا جباناً فيخوفك ما لا يخاف . ولا حريصاً فيعدك ما لا يرجى ؛ فإن الجبن والبخل والحرص طبيعة واحدة يجمعها سوء الظن . قال عون بن عبد الله : لا تكن كمن تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن .
قال رجل لابنه : يا بني ؛ اعص هواك والنساء واصنع ما بدا لك . كان مالك بن مسمع إذا ساره إنسان في مجلسه يقول : أظهره فلو كان خيراً أو حسناً ما كتمته . وكان يقال : ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك . قال: كل من الطعام ما تشتهي ، والبس من الثياب ما يشتهي الناس . قالوا في الدار : لتكن أول ما يبتاع وآخر ما يباع . قال الثوري : من كان في يده شيء فليصلحه ، فإنكم في زمان إذا احتاج الرجل فيه إلى الناس كان أول ما يبذله لهم دينه . قال الحر العقيلي لابنه : إذا قدمت المصر فاستكثر من الصديق ، وأما العدو فلا يهمنك . قال ابن المقفع : ابذل لصديقك دمك ومالك ، ولمعرفتك رفدك ومحضرك وللعامة بشرك وتحيتك . ولعدوك عدلك وإنصافك . واضنن بدينك وعرضك عن كل حد . وقالوا : رو بحزم ، فإذا استوضحت فاعزم . قال صعصعة لابن أخيه : إذا لقيت المؤمن فخالطه ، وإذا لقيت الفاجر فخالفه ، ودينك فلا تكلمنه . قالوا : لا تزوجن حرمتك إلا عاقلاً ؛ إن أحبها أكرمها ، وإن أبغضها أنصفها . دخل عبد العزيز بن زرارة الكلابي على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين ؛ جالس الألباء أعداء كانوا أو أصدقاء ؛ فإن العقل يقع على العقل . قال أبو السرايا لأبى الشوك غلامه : كن بحيلتك أوثق منك بشدتك وبحذرك أفرح منك بنجدتك ؛ فإن الحرب حرب المتهور وغيمة المتحدر . قال بعضهم : قرأت على قائم بحمص مكتوباً : إذا عز أخوك فهن . وتحته مكتوباً : قال هامان : - وكان أعلم وأعقل وأحكم : إذا عز أخوك فأهنه . قالوا : النعم وحشية فقيدوها بالمعروف .
قال الربيع بن زياد : من أراد النجابة فعليه بالمق الطوال ، ومن أراد التلذذ فعليه بالقصار ؛ فإنهن كنائن الجماع . قال الشافعي : احذر من تأمنه ، فأما من تحذره فقد كفيته . وقال : إذا أخطأتك الصنيعة إلى من يتقي الله فاصنعها إلى من يتقي العار . قال ابن السماك : لا تشتغل بالرزق المضمون عن العمل المفروض . وقال عون بن عبد الله : لا تكن كمن تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن . قال ابن المقفع : إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبنك ذلك ؛ فإن زوال الكرامة بزوالهما ، ولكن ليعجبك إن أكرموك لأدب أو دين . كان مطرف يقول : انظروا قوماً إذا ذكروا بالقراءة لا تكونوا منهم ، وقوماً إذا ذكروا بالفجور لا تكونوا منهم ، ولكن كونوا بين هؤلاء وهؤلاء قال بعضهم : من سألك لم يكرم وجهه عن مسألتك فأكرم وجهك عن رده . قال ميمون بن ميمون : لا تطلبن إلى بخيل حاجة ؛ فإن طلبت إليه فأجله حتى يروض نفسه . قال ابن المقفع : إياك ومشاورة النساء ؛ فإن رأيهن إلى أفن ، وعزمهن إلى وهن ، وأكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن ، فإن شدة الحجاب خير لك من الارتياب وليس خروجهن بأشد من دخول من لاتثق به عليهن ؛ فإن استطعت أن لا يعرفن غيرك افعل . ولا تملكن امرأة من الأمر ما جاوز نفسها ، فإن ذلك أنعم لحالها ، وأرخى لبالها . وإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ؛ فلا تعد بكرامتها نفسها ، ولا تعطها أن تشفع لغيرها . ولا تطل الخلوة مع النساء فيمللنك وتملهن ، واستبق من نفسك بقية ؛ فإن إمساكك عنهن وهن يردنك باقتدار خير من أن يهجمن منك على انكسار . وإياك والتغاير في غير موضع غيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم .
قال ابن المقفع : الختم حتم ؛ فإذا أردت أن تختم على كتاب فأعد النظر فيه فإنما تختم على عقلك . وقال : الدين رق، فانظر عند من تضع نفسك . كان يقال : إذا قال أحدكم : والله . فلينظر ما يضيف إليها . دخل عبد العزيز بن زرارة الكلابي على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين جالس الألباء ؛ أعداء كانوا أو أصدقاء ، فإن العقل يقع على العقل . كان بعضهم يقول : أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه . كان يقال : إذا وجدت الشيء في السوق فلا تطلبه من صديق . قال العباس بن الحسن العلوي : اعلم أن رأيك لا يتسع لكل شيء ، ففرغه للمهم من أمورك ؛ وأن مالك لا يغني الناس كلهم ، فاخصص به أهل الحق ؛ وأن كرامتك لا تطبق العامة ، فتوخ بها أهل الفضل ، وأن ليلك ونهارك لا يستوعبان حوائجك فأحسن قسمتك بين عملك ودعتك . وكان يقال : أحيوا المعروف بإماتته . وقال قيس بن عاصم : يا بني اصحبوا من يذكر إحسانكم إليه : وينسى أياديه لديكم . وكان مالك بن دينار يقول : جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم . إذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم . من كان في وطن فليوطن غيره وطنه ليرتع في وطن غيره في غربته . أراد رجل سفراً فقال له بعضهم : إن لكل رفقة كلباً يشركهم في فضلة الزاد ، ويهر دونهم ؛ فإن قدرت ألا تكون كلب رفقتك فافعل ، وإياك وتأخير الصلاة عن وقتها فإنك مصليها لا محالة ، فصلها وهي تقبل منك . قال ابن السماك : إن من الناس ناساً غرهم الستر ، وفتنهم الثناء . فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك . قيل : لا تثقن كل الثقة بأخيك ؛ فإن صرعة الاسترسال لا تستقال .
من أمثال الترك : اسكت تربح ما عندك ، وشاور تربح ما عند غيرك . قيل : لا تكن مثل من تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستقين . انتقم من الحرص بالقناعة كما ينتصر من العدو بالقصاص . أوصى أبو الهذيل أصحابه فقال : لا تدخلوا في الشهادة فتصيروا أسراء 426 الحكام ، ولا في القضاء ؛ فإن فرحة الولاية لا تفي بترحة العزل ، ولا في رواية الحديث فيكذبهم الجهال والصبيان ، ولا في وصية فيطعن عليكم بالخيانة ، ولا في إمامة الصلاة فمن شاء صلى وراءكم ومن شاء لم يصل . وقال : لا تجالسوا من لا يوثق بدينه وأمانته ، ولا تبدءوا المخالفين بالسلام فإنهم إن لم يجيبوا تقاصرت إليكم نفوسكم ولحقتكم خجلة . قالوا : إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر . قال بعضهم لمؤدب ولده : فقههم في الحلال والحرام ، فإنه حارس من أن يظلموا ، ومانع من أن يظلموا . كن إلى الاستماع أسرع منك إلى القول ، ومن خطأ القول أشد حذراً من خطأ السكوت . قال بكر بن عبد الله المزني : اجتهدوا بالعمل ، فإن قصر بكم ضعف فكفوا عن المعاصي . وقال بعضهم : من لم ينشط بحديثك فارفع عنه مئونة الاستماع منك . قالوا : من ثقل عليك بنفسه ، وغمك في سؤاله ، فألزمه أذن صماء ، وعيناً عمياء. وقال عبد الله بن شداد : أرى داعي الموت لا يقلع ، وأرى من مضى لا يرجع . ولا تزهدن في معروف ؛ فإن الدهر ذو صروف ، فكم من راغب قد كان مرغوباً إليه . وطالب أصبح مطلوباً إليه ، والزمان ذو ألوان ، ومن يصحب الزمان ير الهوان وإن غلبت يوماً على المال فلا تغلبن على الحيلة على كل حال . وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً أقل ما تكون في الباطن مالاً . وقال آخر : لا يكونن منكم المحدث لا يستمع منه ، ولا الداخل في سر اثنين لم يدخلاه فيه ، ولا الآتي دعوة لم يدع إليها ، ولا جالس في مجلس لا يستحقه ، ولا طالب الفضل من أيدي اللئام ، ولا المتعرض للخير من عند عدوه ، ولا المتحمق في الدالة . قالوا : اطلبوا المعيشة فإن الفقر أول ما يبدأ بدين الإنسان . إذا خالطت فخالط حسن الخلق ؛ فإنه لا يدعو إلا إلى خير ، ولا تخالط سيء الخلق ؛ فإنه لا يدعو إلا إلى شر . اطبع الطين ما دام رطباً ، واغرس العود ما دام لدنا . قال ابن السماك : خف الله حتى كأنك لم تطعه ، وأرجو الله حتى كأنك لم تعصه . قال رجل لآخر : كيف أسلم على الإخوان ؟ فقال : لا تبلغ بهم النفاق ولا تقصر بهم عن الإستحقاق . قال بعض العرب : إذا وضعت طعامك فافتح بابك ، وإذا وضعت شرابك فأغلقه ؛ فإن النبيذ رضاع فانظر من تراضع . انصح لكل مستشر ، ولا تستشر إلا الناصح اللبيب . استشر عدوك تعرف مقدار عداوته . لا تشاور إلا الحازم غير الحسود ، واللبيب غير الحقود . قال زياد بن أبي حسان : لا تطلب من نفسك العام ما عودتك عام أول . عاشروا النساء بأمور ثلاثة : ألزموهن البيوت ، واتهموهن على الأسرار ، واطووا عنهن الأحاديث .
صن عقلك بالحلم ، ومروءتك بالعفاف ، ونجدتك بمجانبة الخيلاء ، وجهدك بالإجمال في الطلب . لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها ، فإن ذلك أنعم بحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها ، ولا تطمعها في الشفاعة لغيرها فيميل من شفعت له عليك معها . - عود نفسك السماح ، وتخير لها من كل خلق أحسنه ؛ فإن الخير عادة ، والشر لجاجة ، والصدود آية المقت ، والعلل آية البخل . كن سمحاً ولا تكن مبذراً ، وكن مقدراً ولا تكن مقتراً . إياك والمرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا . روي ذلك عن محمد بن علي عليه السلام . احترس من ذكر العلم عند من لا يريده ، ومن ذكر القديم عند من لا قديم له ؛ فإن ذلك يحدث التعيير ، وبالحري أن تتخذه سلماً إلى الضغن عليك . إذا زللت فارجع ، وإذا ندمت فأقلع ، وإذا أسأت فاندم ، وإذا مننت فاكتم ، وإذا منعت فأجمل . ومن يسلف المعروف يكن ربحه الحمد . اطلب الرحمة بالرحمة . اتق العثار بحسن الاعتبار . لا تستأنس بمن لم تبل خلائقه . لا تأمن العدو على حال . لا تغتر بفضل قوتك على الضعيف لتشتد وحشتك من اللطيف الموتور . أعدد السيئات للتراث . لا تفرح بالرجاء فإنه غرور ، ولا تتعجل الغم بالخوف فإنه شك . حاسب نفسك تسلم وتسعد . لن يخلوا أحد من ذم ، فاجهد أن تخلوا من ذم الأخيار .
حارب عدوك ما حاربك بشخصه ، فإذا أخفى شخصه فاحرس نفسك منه ؛ لأن من يعلم أنه لا ينجيه منك إلا الموت لا ينجيك منه إلى مثل ذلك ، والمستسلم للموت لا يبالي على ما أقدم . احذر فلتات المزاحي وصرعات البغى . لا تجاهد الطلب جهاد المغالب ، ولا تتكل على القدر إتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل سنة ، وإجمال الطلب عفة ، وليست العفة بدافعة رزقاً ، ولا الحرص بجالب فضلاً ، والرزق مقدور والأجل موقوف ، وفي استعجال الحريص اكتساب المآثم . لا تشبهن رضاك بغضبك ؛ فتكون ممن لا يضر غضبه ولا ينفع رضاه . اغتنم العمل ما دامت نفسك سليمةً ، وأجعل كل ساعة بشغلها لآخرتك غنيمة . لا تكونن لغير الله عبداً ما وجدت من العبودية بداً . احم نفسك القنوط ، وأتهم الرجاء . لا تغير أخاك وأحمد الذي عافاك . أنظر ما عندك فلا تضعه إلا في حقه ، وما ليس عندك فلا تأخذه إلا بحقه . احتمل ممن أدل عليك وأقبل ممن أعتذر إليك . ليكن عملك فيما بينك وبين أعدائك العدل ، وفيما بينك وبين أصدقائك الرضا ؛ فإن العدو خصم تصرفه بالحجة ، وتغلبه بالحكم . والصديق ليس بينك وبينه قاض ، وإنما هو رضاه وحكمه . إذا أردت أن تخدع الناس فتغاب عليهم . إذا صافاك عدوك رياء منه فتقلق مصافاته إياك بأوكد مودة ؛ فإنه إذا ألف ذلك واعتاده خلصت لك مودته . فكر قبل أن تعزم ، وأعرض قبل إن تصرم ، وتدبر قبل أن تهجم ، وشاور قبل أن تقدم . اسع في طلب رضا الأحرار فإن رضا اللئام غير موجود . اقتصد وداوم وأنت الجواد السابق . لا تألف المسألة فيألفك المنع .
لا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك ؛ فإن أقواماً غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء . قال ابن ضبارة : ليس للأحرار ثمن إلا الكرامة ، فأكرموا الأحرار تملكوهم . اطلب الحاجة إلى إخوانك ، قبل تأكد مودتهم لك ؛ فإنك 428 إذا طلبتها ممن قد وثق بك اتكل على الدالة ، وردك عن حاجتك بالثقة . لا تسأل الحوائج غير أهلها ، ولا تسألها في غير حينها ، ولا تسأل ما لست له مستحقاً ؛ فتكون للحرمان مستوجباً . إذا غشك صديقك فاجعله مع عدوك . إذا غلبك عدوك على صديقك فخل عنه . لا تعدن من إخوانك من آخاك في أيام مقدرتك للمقدرة . واعلم أنه يتثقل عليك في أحوال ثلاث : فيكون صديقاً يوم حاجته إليك ، ومعرفة يوم استغنائه عنك ، ومتجنياً عدواً يوم حاجتك إليه . لا تسرن بكثرة الإخوان ما لم يكونوا خياراً ؛ فإن الإخوان عند المتخيرين بمنزلة النار ، التي قليلها متاع وكثيرها بوار . ارع حق الإخوان وحق الأخ على الأخ أن يحوطه غائباً ، ويعضده شاهداً ويخلف عليه محروباً ، ويعوده مريضاً ، ويواسيه محتاجاً ، ويضحك في وجهه مقبلاً ، ويدعو له مدبراً . ليشتد عطفك على سقطات إخوانك. ارض بالعفو من إخوانك ، وأبذل لهم مجهودك ، واستزد من الجميع . إذا دفعتم عن حقكم فاطلبوا أكثر منه، وإذا بخع لكم به فصيروا إليه . جالسوا الألباء أصدقاء كانوا أو أعداء ، فإن العقول تلقح العقول . لا يغلبهن عليكم سوء الظن فيدعكم ومالكم من صديق .