الباب العاشر نوادر القضاة لمن تقدم إليهم
اختصم رجل وامرأة إلى سوار ، فقال الزوج لسوار : أصلح الله القاضي ، لو عرفتها لبصقت في استها . فقال سوار: اغرب ، عليك لعنة الله . قال بعضهم : سمعت رجلاً جيء به إلى التيمي القاضي ، فقال : يا معشر القاضي : كم يجرونك إلي بحال أنهم واحد وأنا ستة ، ، لا يجدون أحداً يظلمونك إلا غيرري . خاصم رجل رجلاً إلى الشعبي فقال : إن هذا باعني غلاماً نصيحاً صبيحاً . قال : هذا محمد بن عمير بن عطارد . قدمت جارية مولى لها إلى بعض القضاة وادعت عليه الحبل ، فأنكر المولى وادعى أنه كان يستعمل العزل وقت إتيانها ، فاستثبته القاضي ، وتعرف منه صورة أمره معها فقال : أصلح الله القاضي ، كنت آتيها في قبلها ؛ فإذا أردت الفراغ عزلت فأنزلت في دبرها . فقال القاضي : اسكت يا فاسق فإنك هو ذا تسمي ولاية العراقين عزلاً .
أحد الخصمين يعرض على القاضي فراريج وحنطة
اختصم رجلان إلى قاض ، فدنا أحدهما منه وقال سراً : قد وجهت للدار فراريج كسكرية ، وحنطة بلدية كذا وكذا . فقال القاضي بصوت عال : إذا كانت لك بينة غائبة انتظرناها ، ليس هذا مما يسار به .
قضية غير مفهومة
قال محمد بن رباح القاضي : تقدم إلى قثم مع ابن أخيه ، فادعى عليه خمسة آلاف دينار فقال قثم : نعم له علي ذلك من أي وجه . فقلت : قد أقررت له بالمال ، فإن شاء فسر الوجه ، وإن شاء لم يفسر . فقال ابن أخيه : أشهد أنه بريء منها إن لم أثبتها . فقلت : وأما أنت فقد أبرأته إلى أن تثبت ذلك ، فما رأيت أضعف منهما في الحكم .
يمين الطنبور
ادعى رجل على آخر طنبوراً وأحضره عند القاضي فأنكر ، فقال : حلفه فقال القاضي : إن كان عندك هذا الطنبور فأيري في حر أمك . فقال الرجل : أي يمين هذا ؟ فقال القاضي : يمين الطنبور . وادعى رجل على امرأة عند القاضي شيئاً فأنكرت فقال لها : إن كنت كاذبة فأير القاضي في حرك . فتوقفت المرأة ، فقال القاضي : قولي وإلا فاخرجي من حقه . قال بعض القضاة الحمقى : قد عزمت على أن أخصي عدلين للشهادة على النساء .
قاضي جبل
لما خرج المأمون إلى فم الصلح لينقل بوران بنت الحسن ، إذا جماعة على الشط وفيهم رجل ينادي بأعلى صوته : يا أمير المؤمنين ؛ نعم القاضي قاضي جبل جزاه الله عنا أفضل ما جزى أحداً من القضاة ؛ فهو العفيف النظيف ، الناصح الجيب المأمون الغيب . وكان يحيى بن أكثم يعرف قاضي جبل وهو ولاه وأشار به . وإذا هو القاضي نفسه، فقال : يا أمير المؤمنين : إن هذا الذي ينادي ويثني على القاضي هو القاضي نفسه . فاستضحك المأمون واستطرفه وأقره على القضاء . وقد كان أهل جبل رفعوا عليه وذكروا أنه سفيه حديد يعض رءوس الخصوم فوقع المأمون : يشنق إن شاء الله . قال بعضهم : رأيت امرأة قدمت زوجها إلى أبي جعفر الأبهري المالكي وكان قضاء المحول فقالت له : أعزك الله ، هذا زوجي ليس يمسكني كما يجب ، حسبك أنه ما أطعمني لحماً منذ أنا معه . قال القاضي : ما تقول ؟ قال : أعز الله القاضي البارحة أكلنا مضيرةً . قالت المرأة : ويلي أليس كان ماست ؟ قال : وتناي . . . نا ستة . قال القاضي : هذه مضيرة بعصبان . جلس أبو ضمضم القاضي للحكم فلمح في مجلسه رجلاً معه ألواح يعلق نوادره فرماه بالدواة وشجه ثم أمر به إلى الحبس . فقال كاتبه : ما أكتب قصته في الديوان . قال : اكتب : استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب .
القاضي يحبس صاحب الحق
اختصم إلى أبي ضمضم رجلان فأقر أحدهما لصاحبه بما ادعاه عليه وقال : أعز الله القاضي . إني كلما طلبته لأوفيه حقه لا أجده فإنه رجل شريب منهمك في الشرب أبداً عند أصحابه وأصدقائه ، وأنا رجل معيل أحتاج أن أكسب قوت عيالي ، ولا يتهيأ لي أن أتعطل عن كسبي وأدور في طلبه . فأمر أبو ضمضم بحبس صاحب الحق . وقال لغريمه : اذهب فاشتغل بطلب معاشك ومكسبك ، فإذا حضرك ما ترده عليه فاحمله إلى الحبس حتى لا تحتاج أن تدور في طلبه . فبقي الرجل في الحبس ثمانين يوماً وصاحبه يحمل إليه الشيء بعد الشيء إلى أن بقي له عشرة دراهم فأرسل إلى القاضي وقال : إن رأيت أن تفرج عني فلم يبق لي على غريمي إلا عشرة دراهم فقال : لا والله لا تبرح حتى تأخذ حقك
قضية غير مفهومة
تقدم رجلان إلى بعض القضاة فقال أحدهما : أصلحك الله أخو ختن غلام أكار هذا سرق كساء أخي ختن أكار خال ولد ختي . فقال القاضي : ما تقول ؟ قال : أعز الله القاضي . غير كساء غيري سرق غير ختن كساء هذا . أنت القاضي . أيش تشير علي ؟ قال القاضي : أشير عليك أن تأخذ أي طريق شئت فمن كلمك فاصفعه .
نوع من القرابة
ارتفع رجلات إلى قاض أحدهما يدعي على الآخر حقاً له من ميراث فقال القاضي للمدعي : ما تكون من هذا الرجل الذي تدعي ميراثه ؟ قال : أعز الله القاضي أنا أحد قراباته : كانت أم أم أمه جدها لأمها أخا خال عم أخي ختني . أعني ابن بنت زينب خالتي فقال القاضي : يا سفله ، هذه صفة أخلاط الخبث . ارفعها إلى الصيادلة حتى يميزوها خلطاً خلطاً ثم ردوها . سمع بعض القضاة امرأة تقول لأخرى 459 في جيرته في كلام بينهما : وإلا فأير القاضي في حرك . فقال القاضي : إن القاضي والله أشقى بختاً من ذاك . تشاجر رجل وامرأته في الأير إذا قام وانتفخ كم رطلاً فيه . فقال الرجل : يكون فيه خمسون رطلاً ، وقالت المرأة : لا يكون . فحلف بطلاقها أنه إذا انتفخ يكون فيه أكثر من ألف رطل . فارتفعا إلى الحاكم ورشوه على الحكم لئلا يفرق بينهما فقال : اذهبوا ، فإنه إذا قام فهو مثل شراع السفينة إذا وقع فيه الريح يكون أكثر من خمسة آلاف رطل . قدم رجل امرأته إلى القاضي فقال : أعز الله القاضي أنا رجل من دورق وهذه امرأة من درب عون ، وفي قلبي حب وهي تغار علي وأريدها صاغرة . فقال القاضي : اذهب عافاك الله إلى دار بانوكة حتى يعمل لك قاض من دن يحكم بينكما . غاب رجل في بعض أسفاره ، وطالت غيبته فأرجف به وبموته ، وأتى على ذلك مدة ، وبلغ قاضي البلد جمال امرأته فخطبها وتزوجها فصار إليه أهل بيت زوجها وبنو أعمامه وقالوا : أعز الله القاضي . لم يصح عندنا موت هذا الرجل ونحن في شك منه ، فكيف تتزوج بامرأته ؟ فغضب القاضي وقال : أنتم تسخرون بالنساء . والله ما يغيب أحدكم إلا تزوجت بامرأته .
يمين أصحاب الرياحين
تقدم رجلان إلى قاض وادعى أحدهما على صاحبه درهماً من ثمن ريحان اشتراه ف أنكر واستحلفه فقال القاضي : قل : والله الذي لا إله إلا هو . فقال الرجل : أصلحك الله ليست هذه يمين أصحاب الرياحين . قال القاضي : وما يمينهم ؟ قال : أن يقول أمه فاعلة إن كان لهذا عليه شيء . قال القاضي : ما أشك في صدقك ، وغرم الدرهم من عنده .
تقدم رجلان إلى الشعبي ، فقال أحدهما : لي عليه - أعز الله القاضي - كذا وكذا من المال . فقال : ما تقول ؟ قال : يسخر بك أعزك الله .
قاضي حمص
تقدم إلى قاضي حمص رجل وامرأته فقال الرجل : أصلح الله القاضي إنها لا تطيعني . قالت : أصلح الله القاضي . إني لا أقوى بما معه قال : يا هذا لا تحملها ما لا تطيق . قال : أصلحك الله إنها كانت عند رجل قبلي فكانت تكرمه وتطيعه . فضرط القاضي من فمه ثم قال : يا جاهل ، الأيور كلها تستوي ؟ هوذا أنا معي مثل أير البغل ومن في البيت أستودعهم الله يستصغرونه .
كيفية القصاص
ارتفعت امرأة مع رجل إلى قاضي حمص . فقالت : أعز الله القاضي . هذا قبلني قال القاضي : قومي إليه فقبليه كما قبلك . قالت : قد عفوت عنه إن كان كذا . قال القاضي : فإيش قعودي ههنا ؟ حيث أردت أن تهبي جرمه لم جئت إلى هذا المجلس ؟ والله لا برحت حتى تقتصي منه حقك وبعد هذا لو نا . . . ك رجل بحذائي لم أتكلم . رفع أبو الجود الشامي امرأته إلى أبي شيبة القاضي وقالت : أصلحك الله اخلعني منه وإلا طرحت نفسي في دجلة . فقال زوجها : أصلحك الله إنها تدل بسباحة . فقال القاضي : ما أدري أيكما أرقع قال الشامي : إن كنت لا بد فاعلاً فارقعني ودعها .
من نوادر قاضي حمص
أرسل المأمون رجلاً معه كتاب إلى قاضي حمص . قال الرجل : فدخلت حمص فمررت على جماعة من المشايخ في مسجد ، فاسترشدتهم فقالوا : أمامك . وحركت البغلة فضرطت فقال شيخ منهم كان أحسنهم هيئة وأسنهم : على أيري .
فتعجبت من قوله ، وصرت إلى القاضي فقرأ كتابي ثم تحدث 460 فانبسطت معه فقلت : ألا أطرفك أيها القاضي بشيء . وقصصت عليه القصة . فقال : يا حبيبي قد فسد الناس وذهبت نصفتهم كانوا فيما مضى إذا سمعوا ضرطة قالوا على أير القاضي فصار الآن كل إنسان يجر النار إلى قرصه .
الأخ والأخ الهجين
ذكر أن أعرابياً من بني العنبر صار إلى سوار القاضي فقال : إن أبي مات وتركني وأخاً لي وخط خطين ثم قال : وهجيناً . وخط خطاً ناحية فكيف يقسم المال ؟ فقال : أههنا وارث غيركم ؟ قال : لا . قال : المال بينكم أثلاثاً . قال : لا أحسبك فهمت . إنه تركني وأخي وهجيناً لنا ، فقال سوار مثل مقالته الأولى . فقال الأعرابي : أيأخذ الهجين كما أخذ أنا وكما يأخذ أخي ؟ قال : أجل . فغضب الأعرابي ثم أقبل على سوار فقال : تعلم والله إنك قليل الخالات بالدهناء ، فقال سوار : إذاً لا يضرني ذلك عند الله شيئاً . تقدم رجل إلى شريك ومعه غريم له فقال : أصلحك الله لي عليه خمسمائة درهم . فقال للغريم : ما تقول ؟ قال : أصلحك الله يسخر بك فقال : قم يا ماص بظر أمه . قال الأصمعي : لقيت قاضي سبدان فقلت : على من تقضي ؟ فقال : على الضعيف . كان أبو السكينة قاضياً للحجاج بن يوسف وكان طويلاً فقال يوماً : بلغني أن الطويل يكون فيه ثلاث خلال لا بد منها قال : قلت : ما هي ؟ قال : يفرق من الكلاب ولا والله ما خلق الله دابة أنالها أشد فرقاً من الكلاب ، أو تكون في رجله قرحة لا والله ما فارقت رجلي قرحة قط أو يكون أحمق وأنتم أعلم بقاضيكم .
قضاء عكابة النميري
ولي عكابة النميري قضاء البحرين فالتاث أهلها عليه فركب فرسه وأخذ رمحه وقال : والله لا أقضي إلا هكذا من خالفني طعنته برمحي .
كان بالبصرة قاض ، فاحتكم إليه حائك في حمامة فأخذها ومسح عينها ثم أرسلها . فقال الحائك : ما فعلت أيها القاضي ؟ قال : يذهب إلى بيت صاحبها .
قضاء أم مزايدة
وتقدم إليه رجلان ومعهما امرأة فقال أحدهما : أصلحك الله . هذه امرأتي تزوجتها على ستين درهماً وهذا يدعي أنه يتزوجها على سبعين فقال القاضي : علي بثمانين . فقالا : أصلحك الله جئناك لتقضي بيننا لم نجئك لتزايدنا . قال القاضي : فإنما في شرىً وبيع ، قوماً في لعنة الله .
قاضي ماهر في الحساب
تقدم إلى قاض اثنان فادعى أحدهما على صاحبه ثلاثة أرباع دينار . فقال القاضي : ما تقول ؟ قال له : علي دينار غير ربع ، ففكر ساعة ثم قال : أما تستحيان في هذا القدر . إنما بينكما ثلث دينار قوما فاصطلحا فالصلح خير . واختصم إليه رجلان في ديك ذبحه أحدهما فقال : ارتفعوا إلى الأمير ، فإنا لا نحكم في الدماء . وعزل يحيى بن أكثم قاضياً كان له على حمص من أهلها فلما قدم إليه رأى شيخاً وسيماً فقال له : من جالست يا شيخ ؟ فقال : أبي . فظن أن أباه من أهل العلم . قال : فمن جالس أبوك : قال : مكحولاً قال : فمن جالس مكحول ؟ قال : سفيان الثوري . قال : ما كان يقول أباك في عذاب القبر ؟ قال : كان يكرهه . تزوج بعض الخصيان في زمن شريح بامرأة فأتت بولد فتبرأ منه وترافعا إلى شريح . فألحق الولد به وألزمه أن يحمله على عاتقه فخرج على تلك الصورة واستقبله خصي آخر . فقال له : انج بنفسك فإن شريحاً يريد أن يفرق الزنى على الخصيان . 461 - سمع العنبري القاضي صبياً يقول لآخر وإلا فأير القاضي في حر أم الكاذب ، فقال القاضي : ولم يا صبي ؟ قال : لأن عليه أيراً مردوداً في حر أمه مثل سارية المسجد . فقال القاضي : الاستقصاء شؤم .
قدم رجل جماعة إلى قاضي حمص يشهدون له على شيء ادعاه فقال لهم القاضي : بم تشهدون ؟ فقالوا : تريد منا أن نكون نمامين ؟ قدمت امرأة زوجها إلى القاضي ومعها طفل ادعت أنه ولده وأنكر الرجل فقال القاضي : الولد للفراش وقد أقررت بالزوجية فقال : أيها القاضي والله ما تناي . . نا إلا في الإست ، فقالت المرأة وأنت أيها القاضي ما رأيت غرفة تكف . قال القاضي : صدقت . خذ بيدها وبيد ولدك . دخل على بعض الولاة قاض وعنده مضحك عيار فوثب فانكشف إسته وتلقى بها القاضي ، فحل القاضي سراويله وأخرج أيره وتلقى به أسته . وقال : إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها .
القضاء على شيء
يقال : إن غلامين من أهل سنجار تقدما إلى قاضيها فقالا له : أيها القاضي قد جئناك في شيء وإن لم يكن شيء . مات أبونا ، وخلف لنا داراً لا تساوي شيء ، فاقتسمناها فما أصابنا منها شيء ، وعرضناها فما أعطونا بها شيء ، ونحن فقراء لا نملك شيء ، وجياع ما في بطوننا شيء ، وحفاة ليس في أرجلنا شيء ، وقد جئنا إلى القاضي حتى يعطينا شيء فنضم شيء إلى شيء ونشتري به شيء . قال القاضي : قد وليت سنجار وما معي شيء وأنزلوني في دار ليس فيها شيء ، فأقمت بينهم شهرين ما أطعموني شيء ، وحلفتهم فما أقروا إلي بشيء ، والقوم جياع ليس عندهم شيء ، ولو كانت داركم تسوى شيء كنا قد بعناها لكم بشيء ، أعطيناكم شيء وأخذنا شيء ، فكان يكون عندكم شيء وعندنا شيء ولكن هو ذا أفطنكم بشيء من ليس معه شيء لا يسوى شيء .