الجزء الخامس - الباب الحادي والعشرون نوادر الصبيان

الباب الحادي والعشرون نوادر الصِّبيان

قال رجل لابنه : ما أراك تُفْلح أبداً . فقال الأبن : إلا أنْ يرزقني الله مؤدبا غيرَك . قال بعضهم : أحضِرْتُ لتعليم المعتزّ - وهو صغير - فقلت له : بأي شيء تبدأ اليوم ؟ فقال : بالانصراف . قال بعضهم : رأيتُ أعرابياً يعاتبُ ابناً له صغيراً ، ويذكر حقه عليه . فقال الصبي : يا أبهْ إنَّ عِظمَ حقِّك علي لا يُبطلُ صغيرَ حقي عليك ، والذي تمتُّ به إلى أمتُّ بمثله إليك ، ولست أقولُ : إنا سواءُ ، ولكن لا يجْمُل الاعتداءُ . عرْبدَ غلام على قوم ، فأراد عمُّه أن يعاقبَه، ويؤدِّبَه ، فقال له : يا عمِّ : إني قد أسأْتُ ، وليسَ معي عقْلي ، فلا تُسيء بي ومعَك عقلُك . ونظر دَميمٌ يوماً في المرآة ، وكان ذميماً ، فقال : الحمدُ لله ، خلقّني فأحسن خلقي وصورني فاحسن صورتي ، وابن له صغيرٌ ، يسمع كلامه . فلما خرج سألهُ رجلٌ - كان بالباب - عن أبيه . فقال : هو بالبيتِ يكْذبُ على الله . كان الفتحُ بن خاقان - وهو صبي - بين يديى المعتصم ، فقال له ، وعرضَ عليه خاتَمّهُ : هل رأيتَ - يا فتحُ - أحسنَ من هذا الفصِّ ؟ قال : نعم : يا أميرَ المؤمنين اليدُ التي هو فيها أحسنُ منه . وعاد المعتصمُ أباه - والفتح صغيرٌ - فقال له : داري أحسنُ أم دارُ أبيك ؟ قال : يا أميرَ المؤمنين ، دارُ أبي ما دُمتَ فيه . قال ابنُ أبي ليلى : رأيتُ بالمدينة صبياً قد خرجَ من دار ، وبيدِه عُودٌ مكشوفٌ . فقلتُ له : غطه لا ذُعِرْتَ . قال : أو يْغطى من اللهِ شيءٌ . لا تلفتَ . قال الفرزدقُ لغلام أعجبهُ إنشادُه : أيسرني أني أبوك ؟ قال : لا ، ولكنْ أمي ، لُيصيبَ أبي من أطايبك . قال البلاذُري : أدخِلَ الرّكاضُ وهو ابنُ أربع سنين إلى الرشيد ليعجبَ من فطنته ، فقال له : ما تحبُّ أنْ أهَبَ لك ؟ قال : جميلَ رأيك فإني أفوزُ به في الدُّنيا ، والآخرة ، فأمر له بدنانيرَ ، ودراهمَ فصُبَّتْ بين يديه . فقال : اختر الأحبَّ إليك . قال : الأحبَّ إلى أمير المؤمنين ، وهذا مِنْ هذَين ، وضربَ يدَه إلى الدَّنانير فضحك الرشيدُ ، وأمر أن يضم إلى ولده ، ويجري عليه . اجتازَ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بصبيان يلعبون ، وفيهم عبدُ الله ابن الزُّبير فتهاربُوا إلا عبدَ الله فإنه وقفَ . فقال له عمرُ : لِمَ لمْ تَفِرّ مع أصحابك ؟ قال : لم يكُن لي جُرمٌ فأفرَّ منك ، ولا كان الطريقُ ضيّقاً فأُوسِّعَهُ عليك . قال إياسُ : كان لي أخٌ ، فقال لي وهو غلام صغيرٌ : مِنْ أي شيء خُلقنا قلتُ : مِنْ طين . فتناول مَدَرةً ، وقال : مِنْ هذا ؟ قلتُ : نعم . خلَق الله آدم من طين : قال : فيستطيع الذي خلقنا أن يُعيدنا إلى هذا الذي خلقنا منه ؟ قلتُ : نعمْ . قال : فينبغي لنا أن نخافَه . قيل لغلام : أتحبُّ أن يموتَ أبُوك ؟ قال : لا ، ولكنْ أحِبُّ أنْ يُقتلَ لأرثَ ديتَه فإنَّه فقير . قَعَدَ صبي مع قوم ، فقُدم شيء حارٌّ ، فأخذ الصبي يبكي . فقالوا : ما يُبْكيك ؟ قال : هو حارٌّ . قالوا : فاصبرُ حتى يبرَدَ . قال : أنتم لا تصبرون . خرج صبي من بيتِ أمِّه في صَحو ، وعاد في مطر شديد ، فقالت له أمُّه : فَديتُك ابني هذا المطُر كلهُّ على رأسِك يجيء . قال : لا يامي . كان أكْثُره على الأرض ، ولو كان كلُّه على رأسي لَغرقتُ . وسمع آخر أمَّه تبكي في السَّحرَ ، فقال : لِمَ تبكينَ ؟ قالتْ : ذكرتُ أباك ، فاحترق قلبي . قال الصبيُّ: صدقْتِ . هذا وقتُه . وجهّ رجل ابنه إلى السوق ليشتري حبلاً للبئر ، ويكون عشرين ذراعاً ، فانصرف مِنْ بعض الطريق . وقال : يا أبي . في عرْض كَمْ ؟ قال : في عَرْض مصيبتي فيك . وقال آخر لابنه ، وهو في المكتب. في أي سُورة أنت ؟ فقال : لا أقِسمُ بهذا البلد ، ووالد بلا ولد . فقَال : لعمرْي . مَنْ كنتَ ولدَه فهو بلا ولد . وقال آخر لابنه : أين بلغْتَ عند المعلِّم ؟ فقال : الفرجَ . أراد الفجرَ . فقال الأبُ : أنت بعدُ في حر أمِّك . قيلَ لبعضهم : إن ابنكَ يناك . فقال لأبنه : ما هذا الذي يُقال ؟ قال : كذَبُوا وإنما أنا أنيكهم : فلما كان بعد أيام رآهُ وقد اجتمع عليه عدةٌ من الصبيان ينيكونه ، فقال : مِمَّن تعلمتَ هذا النيك ؟ قال : مِنْ أمي . قال ابنُ أبي زيد الحامِض : قال لي أبي : يا بني ، ليس واللهِ تُفْلحُ أبداً فقال له : يا أبه ليس والله أُحْنِثُك . جاء صبي إلى أبيه ، فقال : يا أبَه . قد وجدتُ فأساً قال : هاته - يا بُني . قال : ليس في رأسه حديدٌ . قال : يا مشئوم فقل : وجدتُ وتدا .