الجزء الخامس - الباب الثاني والعشرون نوادر للعبيد والمماليك

الباب الثاني والعشرون نوادر للعبيد والمماليك

ولي بعض الأمراء مولى بعد غيبة طويلة فقال : أنت في الأحياء بعد فقال : وأنا أستخير أن أموت قبل مولاي الأمير. قال بعضهم : رأيت في السوق غلاما يُنادي عليه ، فقدمتُ واستعرضته فقال : إن أردت أن تشتريني فاعلم أني قد حلفت أن لا أنيك مولاي أبداً حتى ألقى الله ، فإذا إنّه المسكين كان مُبلى بصاحب يؤذيه ويستنيكه . استباع غلام فقيل : لم تستبيع ؟ قال : لأن مولاي يُصَلي من قعود وينيكني من قيام ويلحَن إذا قرأ القرآن ويُعرب إذا زنا بي. قال الدّارمي لغلامه : بأبي أنت وأمي لو كان العِتق مثل الطّلاق لسَررتُك بواحدة . اعترض بعضهم غلاماً أراد شراءه فقال يا غلام : إن أشتريتك تُفلح ؟ فقال : فإن لم تشتر . قال أبو العيناء : أشتُرى للواثق عبدٌ فصيحٌ من البادية، فأتيناه وجعلنا نكتب عنه كلّ ما يقول ، فلما رأى ذلك مِنّا قلّب طرفه وقال : إنّ تراب قعرها لملتْهب . يقال ذلك للرجُل يُسَر الناس برؤيته لانتفاعهم به وأصل ذلك : أنّ الحافر يحفر فإن خرج التّراب مُرّا علم أنّ الماء مِلح وإن كان طيّباً علم أنّ الماء عذب فأنبط وإذا خرج طيّباً انتبه الصبيان .

اشترى بعضُ الهاشميّين غلاماً فصيحاً فبلغ الرشيد خبره ، فأرسل إليه يطلبه . فقال يا أمير المؤمنين : لم أشتره إلا لك ، فلمّا وقف الغلام بين يدي الرّشيد قال له : إنّ مولاك قد وهبك لي . فقال الغلام : يا أمير المؤمنين ما زِلْتُ ولا زُلْتُ . قال : فَسِّر . فقال : ما زِلتُ لك وأنا في مِلكه ولا زُلتُ عن مِلكه ، فأُعجب الرّشيد به وقدّمه . قال أبو العيناء : مررت بسُوق النخّاسين بالبصرة ، فإذا غلام يُنادي عليه ثلاثين ديناراً والغلام يُساوي خمسمائة دينار ، فاشتريته وكنت أبني داراً فدفعت إليه عشرين ديناراً على أن يُنفقها ، فلم أزل أصك عليه حتى أنفق نحو العشرة . ثم صككت بشيء آخر . فقال لي : فأين أصل المال ؟ قلتك ارفع إلي حِسَابك ، فرفع حِسَاباً بعشرة دنانير . فقلت : فأَين الباقي ؟ قال : اشتريت ثوباً مصمتاً وقطعته . قلت : من أمرك بهذا ؟ قال : إنّ أهل المُرَوَّات والأقدار لا يعيبون على غلمانهم إذا فعلوا فعلاً يعود زينة عليهم . قال : فقلتُ في نفسي : أشتريتُ الأصمعي وابن الأعرابي ولم أدر . وكانت في نفسي امرأة أردت تزوجّها فقالت يا غلام : فيك خير . قال : وهل الخير إلا في . فقلت له : قد عزمت على كذا . وتزوجتها ودفعتُ إلى الغلام ديناراً وقلتُ له : خُذ لنا سمكاً هازبي ، فأبطأ واشترى مارماهي فأنكرت عليه خلافي . فقال يا مولاي : فكّرتُ فإذا بُقراط يقول : الهازبي يُولد السّوداء والمارمَاهي أقلّ غائلة . قلت : لا الذي بقُراط أنت أم جالينوس وأدخلته البيت وضربته عشرة ، فلما قام أخذني وضربني سبعة وقال يا مولاي : الأدب ثلاثة وسبعة لها قِصاص ، فغاظني ورميته فشججته ، فمضى إلى ابنه عمي وقال لها : الدين النصيحة وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : من غشنا فليس منّا . وقال : مولى القوم منهم : وأعلمك أنّ مولاي تزوّج واستكتمني ، فلما أعلّمتُه أني مُعرفّك ما فعل شجنّي ، فوجّهت إلى بنت عمى بغِلمان ، فبطِحت في الدّار وضربت وسمتّه النّايح ، فما كان يتهيأ لي كلامه . فقلت : اعتقه ، فلعلّه يمضي عني ، فلزمني ولذّ بي وقال : الآن وجب حقك علي ، ثم إنّه أراد الحجّ ، فجهزّته ، فغاب عني عشرين يوماً ورجع فقلت : لم رجَعْتَ ؟ فقال : قُطع علينا وفكّرتُ ، فإذا الله جل وعزّ يقول : " والله على الناسِ حج البيتِ مَنِ اسْتطاعَ إليْه سبِيلاً " وكنت غير مُستطيع وإذا حقك أوجَبُ على فرَجَعْتُ ، ثم إنه أراد الغزو فجهّزتُه ، فلما صار على عشرة فراسخ بعتُ ما كان لي بالبصرة وخرجت عنها خوفاً أن يرجع وصرت إلى بغداد . قال بعضهم : استعرضْتُ غلاماً فقلت له : يا غلام تحبّ أن أشتريك . فقال : حتى أسأَل عنك . أعتق عبد الله بن جعفر غلاماً ، فقال الغلام : أكتُب كما أملي . قال : فأملِ . قال : اكتُب : كنتَ بالأمسِ لي ، فوهَبْتُك لمن وهَبَكَ لي، فأنت اليوم واليوم صرت مثلي ، فكتب ذلك واستحسنه وزاده خيراً . قال حماد بن إسحاق الموصلي : كان لأبي غلام يسْتقي الماء لمن في داره على بغْلَين ، فانصرف أبي يوماً وهو يَسُوقُ البغل وقد قَرُب من الحوض الذي يصُبّ فيه الماء . فقال : ما خبَرُك يا فتح ؟ قال : خبري أنّه ليس في الدّار أشقي منّي ومنك . قال : وكيف ؟ قال : لأنك تُطعمهم الخُبز وأنا أسقيهم الماء ، فضحك منه وقال : فما تحب أن أصنع بك ؟ قال : تعتقني وتهب لي هذين البغلين، ففعل ذلك . استعرض رجلغلاما فقال له : أشتريك ؟ قال : لا . فقال : ولم ؟ قال : كيف تتخذني عبدا بعد أن اتخذتني مشيرا . وقال رجل لعبده : اذهب إلى المنزل واحمل الشمع لأعود به فقال : أنا لا أجسر . فقال : معي حتى أحمله وننصرف جميعا . والحمد لله حق حمده والصلاة على نبيه محمد وآله .