الجزء السادس - الباب الأول نكت من فصيح كلام العرب وخطبهم

بسم الله الرحمن الرحيم

وأنعمت فزد ، الحمد لله الذي إذا أراد شيئاً قدره تقديرا ، وكان خلقه عليه يسيرا ، " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " . خلق ورزق ، وقد أبدأ وعلم ، وألهم وسدد ، وأرشد وبشر ، وأنذر ووعد وأوعد ، خلقنا بحكمته البالغة ، ورزقنا من نعمته السابغة ، وذرأنا بقوته القاهرة ، وبرأنا بقدرته الباهرة ، وعلمنا رشد الدين ، وألهمنا برد اليقين ، وسددنا للنهج القويم ، وأرشدنا إلى الصراط المستقيم ، ، وبشرنا بثوابه العظيم ، وأنذرنا بعقابه الأليم ، ووعدنا على الطاعة خيرا دائما ، وأوعدنا عن المعصية شرا لازما ، وبعث إلينا رسله الداعين إليه ، الدالين عليه ، نادين إلى فرضه ، قائمين بحقه في أرضه ، واجتبى منهم محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى آله واصطفاه واختاره لدينه وارتضاه فبعثه إلى الأسود والأحمر ، والفصيح والأعجم ، والمؤمن والمعاند ، والمقر والجاحد ، والداني والشاحط ، والراضي والساخط ، والبر والفاجر ، والمسلم والكافر ، حتى أوضح لهم الدين . وأرشدهم أجمعين ، فوجبت فرية الثواب لمن استجاب فاهتدى . وحقت كلمة العذاب على من ارتاب فاعتدى . وسعد من سمع دعاءه فأقر وقر ، وشقى من صم عنه فنفر وفر ، وبعثه تعالى بكلمة الصدق وأرسله بالهدى ودين الحق ، وأيده بالأعلام من أسرته ، والنجوم من عترته ، والسابقين إلى صحبته ونصرته ، حجج الله على الخلق ، وسيوفه على المارقين من الحق ، جاهدوا في الله حق الجهاد ، وأذلوا أهل الشقاق والعناد ن حتى قال عز من قائل " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " ، اللهم فضل عليه وعليهم صلاة أوجبتها لهم بإحسانك العميم ، واستوجبوها منك باجتهادهم العظيم إنك أنت السميع المجيب اللهم وفقنا لاتباع أمرك ، وأعنا على أعباء شكرك ، ولا تحرمنا الشكر إذا أوليت ، والأجر إذا أبليت ، واجعل توفيقك لنا رائداً وقائدا وهاديا وحاديا وموافقا ومرافقا ومعينا وقريبا ، فلا حول إلا بك ولا توفيق إلا منك ، ولا عصمة إلا إذا عصمت ، ولا سلامة إلا إذا سلمت ، فاقرن لنا سلامة النفس بسلامة اليقين ، وسعادة الدنيا بسعادة يوم الدين ، وصل على السراج المنير والنور المستبين محمد خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين . هذا هو الفصل السادس من كتاب نثر الدر ويشتمل على ستة عشر بابا الباب الأول : فيه نكت من كلام فصيح الأعراب الباب الثاني : فيه فقر وحكم للاعراب الباب الثالث : أدعية وكلام لسؤال الأعراب الباب الرابع : في أمثال العرب الباب الخامس : في النجوم وأنواعها على مذهب العرب الباب السادس : أسجاع الكهان العرب الباب السابع : أوابد العرب الباب الثامن : وصايا العرب الباب التاسع : أسامي أفراس العرب الباب العاشر : أسامي سيوف العرب الباب الحادي عشر : نوادر الأعراب الباب الثاني عشر : أمثال العامة والسفل الباب الثالث عشر : نوادر أصحاب الشراب والسكارى الباب الرابع عشر : في أكاذيب العرب وغيرهم الباب الخامس عشر : في نوادر المجان الباب السادس عشر : نوادر في الضراط والفساء

الباب الأول نكت من فصيح كلام العرب وخطبهم

حدثنا الصاحب كافي الكفاة رحمة الله عليه عن الأبجر عن ابن دريد عن عمه عن ابن الكلبي عن أبيه قال : ورد بعض بني أسد من المعمرين على معاوية فقال له : ما تذكر ؟ قال : كنت عشيقاً لعقيلة من عقائل الحي أركب لها الصعب والذلول ، أتهم وأنجد وأغور لاآلو مربأة في متجر إلا أتيته ، يلفظني الحزن إلى السهل ، فخرجت أقصد دهماء الموسم ، فإذا أنا بقباب سامية على قلل الجبال مجللة بأنطاع الطائف وإذا جزر تنحر ، وأخرى تساق ، وإذا رجل جهوري الصوت على نشز من الأرض ينادي : يا وفد الله : الغداء ، الغداء إلا من تغدى فليخرج للعشاء . قال : فجهرني ما رأيت فدلفت أريد عميد الحي ، فرأيته على سرير ساسم على رأسه عمامة خز سوداء كأن الشعرى العبور تطلع من تحتها ، وقد كان بلغني عن حبر من أحبار الشام أن النبي التهامي هذا أوان مبعثه . فقلت : عله . وكدت أفقه به . فقلت : السلام عليك يا رسول الله .

فقال : لست به ، وكأن قد وليتني به ، فسألت عنه فقيل : هذا أبو نضلة هاشم بن عبد مناف فقلت هذا المحبر والسناء والرفعة لا مجد بني جفنة . فقال معاوية : أشهد أن العرب أوتيت فصل الخطاب . وصف أعرابي قوماً فقال كأن خدودهم ورق المصاحف ، وكأن حواجبهم الأهلة وكأن أعناقهم أباريق الفضة . دخل ضرار بن عمرو والضبي على المنذر بعد أن كان طعنه عامر بن مالك فأذراه عن فرسه فأشبل عليه بنوه حتى استشالوه فعندها قال : من سره بنوه ساءته نفسه ، فقال له المنذر : ما الذي نجاك يومئذ ؟ قال : تأخير الأجل ، وإكراهي نفسي على المق الطوال . قال معاوية : لصحار العبدي : ما هذه البلاغة التي فيكم ؟ قال : شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا . فقال له رجل من عرض القوم : هؤلاء بالبسر أبصر منهم بالخطب . فقال صحار : أجل والله إنا لنعلم أن الريح لتلقحه ، والبرد ليعقده ، وأن القمر ليصبغه ، وأن الحر لينضجه ، فقال معاوية : فما تعدون البلاغة فيكم ؟ قال الايجاز قال : وما الإيجاز ؟ قال : أن تجيب فلا تبطئ ، وتقول فلا تخطئ . قال معاوية : أو كذا لي تقول ؟ قال صحار : أقلني يا أمير المؤمنين لا تبطئ ولا تخطئ . تكلم صعصعة عند معاوية فعرق ، فقال معاوية : بهرك القول ؟ قال صعصعة : إن الجياد نضاحة بالماء . قيل لبعضهم : من أين أقبلت ؟ قال : من الفج العميق . قال : فأين تريد ؟ قال : البيت العتيق . قالوا : وهل كان ثم من مطر ؟ قال : نعم حتى عفى الأثر وأنضر الشجر ، ودهده الحجر .

قال الجاحظ : ومن خطباء إياد قس بن ساعدة الذي قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : رأيته بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول : أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا ، من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت . وهو القائل في هذه : " الآيات محكمات ، مطر ونبات ، وآباء وأمهات ، وذاهب وآت ، ونجوم وتمور وبحار لا تغور وهو القائل : " يا معشر إياد : أين ثمود وعاد ؟ أين الآباء والأجداد ؟ وأين المعروف الذي لم يشكر ؟ وأين الظلم الذي لم ينكر ؟ أقسم قس قسماً إن لله لديناً وهو أرضى له وأفضل من دينكم هذا . سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عمرو بن الأهتم عن الزبرقان ابن بدر فقال : إنه لمانع لحوزته ، مطاع في أدنيه قال الزبرقان حسدني يا رسول الله ولم يقل الحق . قال عمرو . وهو والله زمر المروءة ، ضيق العطن ، لئيم الخال . فنظر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في عينيه فقال : يا رسول الله رضيت . فقلت : أحسن ما علمت ، وغضبت . فقلت : أسوأ ما علمت وما كذبت في الأولى وصدقت في الأخرى فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن من البيان لسحرا " . وكان عامر بن الظرب العدواني حكماً وكان خطيباً رئيساً وهو الذي قال : يا معشر عدوان ، الخير ألوف عروف ولن يفارق صاحبه حتى يفارقه ، وإني لم أكن حكيماً حتى اتبعت الحكماء ولم أكن سيدكم حتى تعبدت لكم . قال بعضهم ، قلت لأبي الحصين : ما أعجب ما رأيت من الخصب ؟ قال : كنت أشرب رثيئة تجرها الشفتان جراً ، وقارصاً إذا تجشأت جدع أنفي ، ورأيت الكمأة تدوسها الإبل بمناسمها ، وخلاصة يشمها الكلب فيعطس .

قيل لأعرابي : ما وراءك ؟ قال : خلفت أرضاً تتظالم معزاها يقول : سمنت ، وأشرت فتظالمت . قال سعيد بن سلم: كنت والياً بأرمينيه فغبر أبو دهمان الغلابي على بابي أياماً فلما وصل مثل بين يدي قائماً بين السماطين فقال : إني والله لأعرف أقواماً لو علموا أن سف التراب يقيم من إصلاح أولادهم لجعلوه مسكة لأرماقهم إيثاراً للتنزه عن عيش رقيق الحواشي ، أما والله إني لبعيد الوثبة ، بطيء العطفة ، إنه والله ما يثنيني عليك إلا مثل ما يصرفك عني ، ولأن أكون مقلاً مقرباً ، أحب إلي من أن أكون مكثراً مبعداً والله ما نسأل عملاً لا نضبطه ولا مالاً إلا ونحن أكثر منه ، إن هذا الأمر الذي صار في يدك قد كان في يد غيرك ، فأمسوا والله حديثاً ، إن خيراً فخيراً ، وإن شراً فشراً فتحبب إلى عباد الله . بحسن البشر ولين الجانب ، فإن حب عباد الله موصول بحب الله ، وبغضهم موصول ببغض الله وهم شهداء الله على خلقه ، ورقباء على من اعوج عن سبيله . دخل على المهدي وفود خراسان فقام رجل منهم فقال : أطال الله بقاء أمير المؤمنين ، إنا قوم نأينا عن العرب ، وشغلتنا الحروب عن الخطب ، وأمير المؤمنين يعرف طاعتنا ، وما فيه مصلحتنا ، فيكتفي منا باليسير دون الكثير ويقتصر منا على ما في الضمير دون التفسير فقال أنت خطيب القوم . قال أبو عمرو بن العلاء ، رأيت أعرابياً بمكة فاستفصحته فقلت ممن الرجل ؟ قال ، أسدي يريد أزدي قلت ، أين بلدك ؟ قال ، عمان قلت : صف لي بلدك . فقال : بلد صلدح ، وكثيب أصبح ، وفضاء صحصح قلت : ما مالك ؟ قال : النخل قلت : أين أنت من الإبل ؟ قال : إن النخل ثمرها غذاء ، وسعفها ضياء وكربها صلاء وليفها رشاء ، وجذعها بناء ، وقروها إناء قلت أنى لك هذه الفصاحة ؟ قال : إنا ننزل حجرة لا نسمع فيها ناجخة التيار . وخطب بعض الأعراب فقال : إن الدنيا دار بلاغ ، والآخرة دار قرار ، أيها الناس خذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم ، واخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها حييتم ولغيرها خلفتم ، اليوم عمل بلا حساب وغداً حساب بلا عمل ، إن الرجل إذا هلك قال الناس : ما ترك ؟ وقالت الملائكة : ما قدم ؟ فلله آباؤكم قدموا بعضاً يكن لكم قرضاً ، ولا تخلفوا كلاً فيكون عليكم . قيل لبني عبس : كيف كنتم تصنعون ؟ قالوا : كنا لا نبدأ أبداً بظلم ، ولم نكن بالكثير فنتوكل ، ولا بالقليل فنتخاذل ، وكنا نصبر بعد جزع الناس ساعة . وسئل دغفل عن المماليك فقال : عز مستفاد ، وغيظ في الأكباد كالأوتاد . قال أبو بكر لسعيد ، أخبرني عن نفسك في جاهليتك وإسلامك فقال : أما جاهليتي فوالله ما خمت عن بهمة ، ولا هممت بأمة ولا نادمت غير كريم ، ولا رئيت إلا في خيل مغيرة أو في حمل جريرة أو في نادي عشيرة ، وأما مذ خطمني الإسلام فلن أذكي لك نفسي . قال رجل لغلامه : إنك ما علمت لضعيف قليل الغناء . قال : وكيف أكون ضعيفاً قليل الغناء ، وكيف كفيتك ثمانين بعيراً نزوعاً وفرساً جروراً ورمحاً خطيا وامرأة فاركاً . قيل لأعرابي : صف لنا خلوتك مع عشيقتك قال : خلوت بها والقمر يرينيها ، فلما غاب القمر أرتنيه ، قيل فما أكثر ما جرى بينكما ؟ قال : أقرب ما أحل الله مما حرم ، الإشارة بغير بأس ، والتعرض لغير مساس ، ولئن كانت الأيام طالت بعدها ، لقد كانت قصيرة معها . وذكر بعضهم مسجد الكوفة فقال : شاهدنا في هذ المسجد قوماً كانوا إذا خلعوا الحذاء ، عقدوا الحبا ، وقاسوا أطراف الأحاديث ، حيروا السامع وأخرسوا الناطق .

دخل عبد الله بن عبد الله بن الأهتم على عمر بن عبد العزيز مع العامة فلم يفاجأ عمر إلا وهو ماثل بين يديه ، فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإن الله خلق الخلق غنياً عن طاعتهم ، آمناً من معصيتهم ، والناس يومئذ في المنازل والرأي مختلفون ، والعرب بشر تلك المنازل ، أهل الحجر والوبر ، وأهل المدر الذين تحتار دونهم طيبات الدنيا ، ورفاغة عيشها ، ميتهم في النار ، وحيهم أعمى مع لا يحصى من المرغوب عنه ، والمزهود فيه ، فلما أراد الله أن ينشر عليهم رحمته ، بعث إليهم رسولاً من أنفسهم عزيزاً عليه ما عنتوا ، حريصاً عليهم ، بالمؤمنين رءوفاً رحيماً ، فلم يمنعهم ذلك من أن جرحوه في جسمه ، ولقبوه في اسمه ومعه كتاب من الله ناطق ، لا يرحل إلا بأمره ، ولا ينزل إلا بإذنه ، واضطروه إلى بطن غار ، فلما أمر بالعزيمة ، انبسط لأمر الله لونه ، فأفلح الله حجته ، وأعلى كلمته ، وأظهر دعوته ، وفارق الدنيا تقيا نقياً ، ثم قام بعده أبو بكر فسلك سنته ، وأخذ بسبيله ، وارتدت العرب ، فلم يقبل منهم بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا الذي كان قابلاً منهم ، فانتضى السيوف من أغمادها ، وأوقد النيران من شعلها ، ثم ركب بأهل الحق إلى أهل الباطل ، فلم يبرح يفصل أوصالهم ، ويسقي الأرض دماءهم حتى أدخلهم في الذي خرجوا منه ، وقررهم بالذي نفروا منه ، وقد كان أصاب من مال الله بكراً يرتوي عليه ، وحبشية ترضع ولداً له ، فرأى من ذلك غصة عند موته في حلقه ، فأدى ذلك إلى خليفة من بعده وبرئ إليهم منه ، وفارق الدنيا تقياً نقياً على منهاج صاحبه ثم قام من بعده عمر بن الخطاب فمصر الأمصار ، وخلط الشدة باللين ، فحسر عن ذراعيه ، وشمر عن ساقيه وأعد للأمور أقرانها ، وللحرب آلتها ، فلما أصابه قن المغيرة استهل بحمد الله ألا يكون أصابه ذو حق في الفيء فيستحل دمه بما استحق من حقه ، فقد كان أصاب من مال الله مائة وثمانين ألفاً فكسر بها رباعه ، وكره بها كفالة أولاده ، فأوى ذلك إلى خليفة من بعده ، وفارق الدنيا تقياً نقياً على منهاج صاحبيه ، ثم إنا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع ، ثم إنك يا عمر ابن الدنيا ولدتك ملوكها ، وألقمتك ثديها ، فلما وليتها ألقيتها حيث ألقاها الله ، فالحمد لله الذي جلا بك حوبتنا ، وكشف بك كربتنا ، امض ولا تلتفت ، فإنه لا يعز على الحق شيء ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات ، ولما أن قال : ثم إنا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع سكت الناس إلا هشاما فإنه قال : كذبت . قال الأصمعي : كان حبيب الروم يقول في قصصه : اتقوا لقية من خنع فقنع ، واقترف فاعترف ، ووجل فعمل ، وحاذر فبادر ، أفاد ذخيرة ، وأطاب سريرة ، وقدم مهاداً واستظهر ذاداً . لما وصل عبد العزيز بن زرارة إلى معاوية قال : يا أمير المؤمنين : لم أزل استدل بالمعروف عليك، امتطي النهار عليك ، فإذا الوى بي الليل فقبض البصر وعفى الأثر والاجتهاد يعذر وإذا بلغتك فقطني . قال أعرابي خرجت حين انحدرت أيدي النجوم ، وشالت أرجلها فما زلت أصدع الليل ، حتى انصدع الفجر . سئل أعرابي عن زوجته - وكان حديث عهد بعرس - كيف رأيت أهلك ؟ فقال : أفنان أثلة ، وجنى نخلة ، ومس رملة ، ورطب نخلة ، وكأني كل يوم آئب من غيبة . وصف آخر مرح فرس فقال : كأنه شيطان في أشطان . وقيل لآخر : كيف عدو فرسك ؟ قال : يعدو ما وجد أرضاً .

وقال الآخر لأخيه ورأى حرصه على الطلب : يا أخي ، أنت طالب ومطلوب ، يطلبك من لا تفوته ، وتطلب ما قد كفيته ، فكأن ما غاب عنك قد كشف لك ، وما أنت فيه قد نقلت عنه . يا أخي : كأنك لم تر حريصاً محروماً ، ولا زاهداً مرزوقاً . ذم أعرابي رجلاً فقال : أنت والله ممن إذا سأل ألحف ، وإذا سئل سوف ، وإذا حدث خلف ، وإذا وعد أخلف ، تنظر نظرة حسود ، وتعرض إعراض حقود . قال بعضهم ، مضى سلف لنا اعتقدوا منناً ، واتخذوا الأيادي عند إخوانهم ذخيرة لمن بعدهم ، وكانوا يرون اصطناع المعروف عليهم فرضاً وإظهار البر والإكرام عندهم حقاً واجباً ، ثم حال الزمان عن نشء آخر حدثوا ، اتخذوا مننهم صناعة وأياديهم تجارة ، وبرهم مرابحة ، واصطناع المعروف بينهم مقارضة ، كنقد السوق ، خذ مني وهات . افتتح بعضهم خطبة فقال : بحمد الله كبرت النعم السوابغ ، والحجج البوالغ ، بادروا بالعمل ، بوادر الأجل ، وكونوا من الله على وجل ، فقد حذر وأنذر ، وأمهل حتى كأن قد أهمل . وفد هانئ بن قبيصة على يزيد بن معاوية فاحتجب عنه أياماً ثم إن يزيد ركب يوماً يتصيد ، فتلقاه هانئ فقال : إن الخليفة ليس بالمحتجب المتخلي ، المتنحي ، ولا بالمتطرف المتنحي ولا الذي ينزل على العدوات والفلوات ، ويخلو باللذات والشهوات ، وقد وليت أمرنا ، فأقم بين أظهرنا ، وسهل إذننا واعمل بكتاب الله فينا ، فإن كنت عجزت عما هاهنا ، واخترت عليه غيره ، فازدد علينا بيعتنا ، نبايع من يعمل بذلك فينا ونقمه ، ثم عليك بخلواتك ، وصيدك وكلابك . قال : فغضب يزيد وقال : والله لولا أن أسن بالشام سنة العراق لأقمت أودك . ثم انصرف وما هاجه بشيء وإذن له ولم تتغير منزلته عنده ، وترك كثيراً مما كان عليه . كان العيالمي يقول : الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس ومن الذنب للمصر ، ومن الحكم للقر ، وهو عندهم أرفع من السماء ، وأعذب من الماء ، وأحلى من الشهد ، وأذكى من الورد ، خطؤه صواب ، وسيئته حسنة ، وقوله مقبول ، يغشى مجلسه ، ولا يمل حديثه قال : والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب ، ومن رؤيا الكظة ، ومن مرآة اللقوة ومن سحاب تموز ، لا يسأل عنه إن غاب ولا يسلم عليه إن قدم ، إن غاب شتموه ، وإن حضر زبروه ، وإن غضب صفعوه ، مصافحته تنقض الوضوء ، وقراءته تقطع الصلاة ، أثقل من الأمانة ، وأبغض من الملحف المبرم . قال أعرابي : خرجت في ليلة حنلس قد ألقت أكارعها على الأرض فمحت صور الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالأذان ، فسرنا حتى أخذ الليل ينفض صبغه . بعث النعمان جيشاً إلى الحارث بن أبي شمر فقال : من يعرف عدونا الذي أنقذنا إليه جيشنا ؟ فقال بعض بني عجل : أنا قلت : فصفه قال : هو قطف نطف ، صلف قصف ، فقام الوديم وهو عمرو بن ضرار فقال : أبيت اللعن ، أو طال العشوة ، هو والله حليم النشوة ، جواد الصحوة شديد السطوة . فقال : هكذا ينبغي أن يكون عدونا . سئل أعرابي من عبس عن ولده ، فقال : ابن قد كهل ، وابن قد رفل ، وابن قد عسل ، وابن قد فسل ، وابن قد مثل ، وابن قد فصل . قال الأصمعي : قيل لبني عبس : كيف صبرتم ، وكيف كانت حالكم فيما كنتم فيه ؟ قالوا طاحت والله الغرائب من النساء ، فما بقي إلا بنات عم ، وما بقي معنا من الإبل إلا الحمر الكلف، وما بقي من الخيل إلا الكميت الوقاح وطاح ما سوى ذلك من الأهلين والمال . وذم أعرابي قوماً فقال : بيوت تدخل حبواً إلى غير نمارق ، وشبارق فصح الألسنة برد السائل ، جذم الأكف عن النائل . قال الأصمعي : حججت فبينا أنا بالأبطح إذا شيخ في سحق عباء ، صعل الرأس أثط أخزر أزرق ، كأنما ينظر من فص زجاج أخضر ، فسلمت فرد علي التحية ، فقلت : ممن الشيخ ؟ قال : من بني حمزة ابن بكر بن عبد مناف بن كنانة . قلت : فما الاسم ؟ قال خميصة ابن قارب . ثم أعرابي أنت ؟ قلت : نعم قال : من أية ؟ قلت : من أهل بصرة قال : فإلى من تعتزي ؟ قلت : قيس بن غيلان . قال : لأيهم ؟ قلت : أحد بني يعصر ، وأنا أقلب ألواحاً معي . قال : ما هذه الخشبات المقرونات قلت : اكتب فيهن ما أسمع من كلامكم . قال : وإنكم مختلون إلى ذلك . قلت : نعم ، وأي خلة . ثم صمت ملياً ثم قال في وصف قومه : كانوا كالصخرة الصلادة تنبو عن صفحاتها المعاول ثم زحمها الدهر بمنكبه فصدعها صدع الزجاجة مالها من جابر فأصبحوا شذر مذر أيادي سبأ ، ورب يوم والله عارم قد أحسنوا تأديبه ، ودهر غاشم قد قوموا صعره ، ومال صامت قد شتتوا تألفه ، وخطة بؤس قد حسمها إحسانهم وحرب عبوس ضاحكتها أسنتهم ، أما والله يا أخا قيس لقد كانت كهولهم جحاجح ، وشبابهم مراجح ونائلهم مسفوح ، وسائلهم ممنوح وجنانهم ربيع وجارهم منيع . فنهضت لأنصرف فأصر بمجامع ذيلي وقال : أجلس فقد أخبرتك عن قومي حتى أخبرك عن قومك فقلت في نفسي : إن الله يشيد في قيس والله وصمة تبقى على الدهر . فقلت : حسبي ، لا حاجة لي إلى ذكرك قومي قال : بلى هم والله هضبة ململمة العز أركانها والمجد أحضانها ، تمكنت في الحسب العد تمكن الأصابع في اليد فقمت مسرعاً مخافة أن يفسد علي ما سمعت .

قال أعرابي لقومه وقد ضافوا بعض أصحاب السلطان : يا قوم لا أغركم من نشاب معهم في جعاب كأنها نيوب الفيلة وقسي كأنها العتل ينزع أحدهم حتى يتفرق شعر إبطه ثم يرسل نشابه كأنها رشاء منقطع فما بين أحدكم وبين أن يصدع قلبه منزلة قال : فصاروا والله رعباً قبل اللقاء . ذكر أعرابي امرأة فقال : رحم الله فلانة إن كانت لقريبة بقولها بعيدة بفعلها يكفها عن الخنى أسلافها ، ويدعونا إلى الهوى كلامها كانت والله تقصر عليها العين ولا يخاف من أفعالها الشين . وصف أبو العالية امرأة فقال جاء بها والله كأنها نطفة عذبة في شن خلق ينظر إليه الظمآن في الهاجرة . وقال أبو عثمان رأيت عبداً أسود لبني أسيد قدم علينا من شق اليمامة فبعثوه ناطوراً وكان وحشياً يغرب في الإبل فلما رآني سكن إلي ، فسمعته يقول : لعن الله بلاداً ليس بها عرب قاتل الله الشاعر . حيث يقول : حر الثرى مستغرب التراب إن هذه العريب في جميع الناس كمقدار القرحة في جلد الفرس فلولا أن الله رق عليهم فجعلهم في حشاه ، لطمست هذه العجمان آثارهم أترى الأعيار إذا رأت العتاق لا ترى لها فضلاً ، والله ما أمر نبيه بقتلهم إلا لضنه بهم و لا ترك قبول الجزية منهم إلا لتركها لهم . قال حصن بن حذيفة : إياكم وصرعات البغي وفضحات المزاح . وقف جبار بن سلمى على قبر عامر بن الطفيل فقال : كان والله لا يضل حتى يضل النجم ولا يعطش حتى يعطش البعير ، ولا يهاب حتى يهاب السيل ، وكان والله خير ما يكون حين لا تظن نفس بنفس خيراً . قيل لشيخ : ما صنع بك الدهر فقال : فقدت المطعم وكان المنعم واجمت النساء وكن الشفاء فنومي سبات وسمعي خفات وعقلي تارات . وسئل آخر فقال : ضعضع قناتي وأوهن شواتي وجرأ علي عداتي . صعد أعرابي منبراً فلما رأى الناس يرمقونه صعب عليه الكلام فقال : رحم الله عبداً قصر من لفظه ، ورشق الأرض بلحظه ، ووعى القول بحفظه قدم وفد من العراق على سليمان بن عبد الملك فقام خطيبهم فقال : يا أمير المؤمنين ، ما أتيناك رهبة ولا رغبة فقال سليمان : فلم جئت لا جاء الله بك . قال : نحن وفود الشكر أما الرغبة فقد وصلت إلينا في رحالنا ، وأما الرهبة فقد أمناها بعدلك ، ولقد حببت إلينا الحياة ، وهونت علينا الموت . فأما تحبيبك الحياة إلينا فبما انتشر من عدلك وحسن سيرتك وأما تهوينك علينا الموت فلما نثق به من حسن ما تخلفنا به في أعقابنا الذين تخلفهم عليك . فاستحيى سليمان وأحسن جائزته . ذكر أعرابي في ظلم وال وليهم فقال : ما ترك لنا فضة إلا فضها ولا دهباً إلا ذهب به ، ولا غلة إلا غلها ، ولا ضيعة إلا أضاعها ولا عقاراً إلا عقره ، ولا علقاً إلا اعتلقه ، ولا عرضاً إلا عرض له ، ولا ماشية إلا امتشها ، ولا جليلاً إلا جله ، ولا دقيقاً إلا دقه . قال عمر لعمرو بن معدي كرب : أخبرني عن قومك . فقال : نعم القوم قومي ، عند الطعام المأكول ، والسيف المسلول . دخل خالد بن صفوان التميمي على السفاح وعنده أخواله من بني الحارث بن كعب فقال : ما تقول في أخوالي ؟ قال : هم هامة الشرف وخرطوم الكرم، وغرس الجود إن فيهم لخصالاً ما اجتمعت في غيرهم من قومهم إنهم لأطولهم أمماً ، وأكرمهم شيماً ، وأطيبهم طعماً، وأوفاهم ذمماً وأبعدهم همماً ، هم الجمرة في الحرب ، والرفد في الجدب ، والرأس في كل خطب ، وغيرهم بمنزلة العجب . فقال له : وصفت أبا صفوان فأحسنت ، فزاد أخواله في الفخر ، فغضب أبو العباس لأعمامه فقال : أفخر يا خالد ؟ فقال : أعلى أخوال أمير المؤمنين ؟ . قال : نعم ، وأنت من أعمامه . فقال : وكيف أفاخر قوماً هم بين ناسج برد وسائس قرد ، ودابغ جلد ، وراكب عرد . دل عليهم الهدهد ، وغرقتهم فأرة ، وملكتهم امرأة ؟ فأشرق وجه أبي العباس وضحك . حدث أن صبرة بن شيمان الحراني دخل على معاوية ، والوفود عنده فتكلموا فأكثروا فقال صبرة : يا أمير المؤمنين ، إنا حي فعال ، ولسنا بحي مقال ونحن بأدنى فعالنا عند أحسن مقالهم فقال : صدقت. يروى أن معاوية قال لدغفل : ما تقول في بني عامر بن صعصعة ؟ فقال : أعناق ظباء ، وأعجاز نساء . قال : فما تقول في بني تميم ؟ قال : حجر أخشن إن صادفته آذاك ، وإن تركته أعفاك . قال : فما تقول في اليمن ؟ قال : سيود أبوك . قال الجاحظ : رأيت رجلاً من غنى يفاخر رجلاً من بني فزارة ثم أحد بني بدر بن عمرو ، وكان الغنوي متمكناً من لسانه ، وكان الفزاري بكياً . فقال الغنوي : ماؤنا بين الرقم إلى كذا ، وهم جيراننا فيه ، فنحن أقصر منهم رشاء ، وأعذب منهم ماء ، لنا ريف السهول ومعاقل الجبال ، وأرضهم سبخة ، ومياههم أملاح ، وأرشيتهم طوال ، والعرب من عز بز فبعزنا ما تخيرنا عليهم ، وبذلهم ما رضوا عنا بالضيم . ذكر حجل بن نضلة بين يدي النعمان معاوية بن شكل فقال : أبيت اللعن إنه لقعو الأليتين ، مقبل النعلين ، مشاء بأقراء ، تباع إماء قتال ظباء . فقال النعمان : أردت أن تذيمه فمدهته .

لما ظفر المهلب بالخوارج وجه كعب بن معدان إلى الحجاج فسأله عن بني المهلب فقال : المغيرة فارسهم وسيدهم ، وكفى بيزيد فارساً شجاعاً ، وسخيهم قبيصة ، ولا يستحي الشجاع أن يفر من مدرك ، وعبد الملك سم ناقع ، وحبيب موت ذعاف ، ومحمد ليث غاب ، وكفاك بالمفضل نجدة . قال : فكيف خلفت جماعة الناس ؟ قال : خلفتهم بخير ، قد أدركوا ما أملوا ، وأمنوا ما خافوا قال : وكيف كان بنو المهلب فيهم ؟ قال : كانوا حماة السرج نهاراً ، فإذا اليلوا ففرسان البيات . قال : فأيهم كان أنجد ؟ قال : كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفها . قال : فكيف كنتم أنتم وعدوكم ؟ قال : كنا إذا أخذنا عفونا جدوا فيئسنا منهم ، وإذا اجتهدوا واجتهدنا طمعنا فيهم . فقال الحجاج : إن العاقبة للمتقين . كيف أفلتكم قطري ؟ قال : كدناه ببعض ما كادنا به فصرنا منه إلى التي نحب . قال : فهلا اتبعتموه؟ قال : كان الحد عندنا أثراً من الفل . قال : فكيف كان لكم المهلب وكنتم له ؟ قال : كان لنا منه شفقة الوالد ، وله منا بر الولد . قال فكيف اغتباط الناس ؟ قال فشا فيهم الأمن وشملهم النفل . قال : أكنت أعددت هذا الجواب ؟ قال : لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل . فقال : هكذا والله يكون الرجال ، المهلب كان أعلم بك حيث وجهك . وقال عمر لمتمم بن نويرة : إنك لجزل ، فأين كان أخوك منك ؟ قال : كان والله يخرج في الليلة الصنبر يركب الجمل الثفال ، ومجنب الفرس الحرور ، وفي يده الرمح الخطي ، وعليه الشملة الفلوت وهو بين المزادتين حتى يصبح ، فيصبح متبسماً . يروى أن خالد بن صفوان دخل على يزيد بن المهلب وهو يتغدى فقال : ادن ، فكل . فقال : أصلح الله الأمير لقد أكلت أكلة لست ناسيها . قال : وما أكلت ؟ قال : أتيت ضيعتي لإبان الأغراس ، وأوان العمارة فجلت فيها جولة حتى إذا صحرت الشمس ، وأزمعت بالركود ، ملت إلى غرفة لي هفافة ، في حديقة قد فتحت أبوابها ، ونضح بالماء جوانبها وفرشت أرضها بألوان الرياحين من بين ضيمران نافخ ، وسمسق فائح ، وأقحوان زاهر ، وورد ناضر ، ثم أتيت بخبز أرز كأنه قطع العقيق ، وسمك جراني بيض البطون ، زرق العيون ، سود المتون ، عراض السرر : غلاظ القصر ، ودقة وخلول ، ومرى وبقول ، ثم أتيت برطب أصفر صاف غير أكدر لم تبتدله الأيدي ، ولم تهتشمه كيل المكاييل ، فأكلت هذا ثم هذا ، قال يزيد : يا بن صفوان لألف جريب من كلامك ، خير من ألف جريب مزروع . علم المنصور ابنه صالحاً خطبة فقام بها في الناس في مجلسه فلم يشيع كلامه أحد خوفاً من المهدي، فبدأ شبة بن عقال المجاشعي من الصف فقال : والله ما رأيتك اليوم خطيباً أبل ريقاً ولا أنبض عروقاً ولا أثبت جناباً ولا أعذب لساناً ، وقليل ذلك لمن كان أمير المؤمنين أباه والمهدي أخاه ، هو كما قال الشاعر : هو الجواد فإن يلحق بشاوهما . . . على تكاليفه فمثله لحقا . . أو يسبقاه على ما كان من مهل . . . فمثل ما قدما من صالح سبقا فاستحسن كلامه وعلقه المنصور بيده . ومن الأخبار القديمة أن لقمان بن عاد ولقيم ابنه أغارا فأصابا إبلاً ، ثم انصرفا نحو أهلهما ، فنحرا ناقة في منزل نزلاه . فقال لقمان : أتعشى أم أعشى لك ؟ فقال لقيم أي ذلك شئت . قال لقمان : اذهب فارع إبلك وعشها حتى ترى النجم قمة رأس ، وحتى ترى الجوزاء كأنها قطاً نوافر وحتى ترى الشعرى كأنها نار ، فإلا تكن عشيت فقد آنيت . قال له لقيم : واطبخ أنت لحم جزورك فأز ماء واغله حتى ترى الكراديس كأنها رؤوس شيوخ صلع ، وحتى ترى اللحم يدعو غطيفاً أو غنياً أو غطفان ، فإن لم تكن أنضجت فقد آنيت . ذكر عند عمر الزبيب والتمر أيهما أطيب ، فقال رجل : الحبلة أفضل أم النخلة ؟ فقال : الزبيب إن آكله أضرس وإن أتركه أغرث ليس كالصقر في رؤوس الرقل الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل تحفة الصائم، وتحفة الكبير وصمتة الصغير وتعلة الصبي ونزل مريم ابنة عمران ، وينضج ولا يعنى طابخه وتحترش به الضباب من الصلعاء . قال : وبعث رجل بنين له يرتادون في خصب فقال أحدهم : رأيت بقلاً وماء غيلاً ، يسيل سيلاً ، وخوصة تميل ميلاً ، يحسبها الرائد ليلاً . وقال الثاني : رأيت ديمة على ديمة في عهاد غير قديمة ، تشبع منها الناب قبل الفطيمة . وقيل لبعضهم : ما وراءك ؟ قال : التراب يابس ، والأرض سراب ، فالمال عائس عابس . قال خالد للقعقاع : أنافرك على أينا أعظم للسجاح ، وأطعن بالرماح . وأنزل بالبراح قال : لا بل عن أينا أفضل أباً وأماً وجداً وعماً ، وقديماً وحديثاً . فقال خالد : أعطيت يوماً من سأل وأطعمت حولاً من أكل ، وطعنت فارساً طعنة شككت فجذبه بجنب الفرس ، فأخرج القعقاع نعلين وقال : ربع عليهما أبي أربعين مرباعاً لم يثكل فيهن تميمية ولداً. ذكر متمم بن نويرة أخاه مالكاً فقال : كان يخرج في الليل الصنبرة ، عليه الشملة الفلوت ، بين المزادتين النضوحتين، على الجمل الثفال ، معتقل الرمح الخطي فيصبح متبسماً . وسأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عمرو بن الأهتم عن الزبرقان فقال : مانع لحوزته ، مطاع في أدنيه فقال الزبرقان أما أنه قد علم أكثر مما قال ولكنه حسدني شرفي . فقال عمرو أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا الضيق العطن ، زمر المروءة ، لئيم الخلق ، حديث الغنى ، فلما رأى أنه قد خالف قوله الأول ورأى النكار في عين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : يا رسول الله رضيت ؟ فقلت : بأحسن ما علمت وغضبت ، فقلت : بأقبح ما علمت . كانت خطبة النكاح لقريش في الجاهلية : باسمك اللهم ذكرت فلانة ، وفلان بها شغوف لك ما سألت ، ولنا ما أعطيت . دخل الهذيل بن زفر على يزيد بن المهلب في حمالات لزمته ، ونوائب نابته . فقال له : أصلحك الله قد عظم شأنك عن أن يستعان بك ، ويستعان عليك ، ولست تصنع شيئاً من المعروف وإن عظم إلا وأنت أعظم منه ، وليس العجب أن تفعل وإنما العجب ألا تفعل . فقال يزيد : حاجتك ؟ فذكرها ، فأمر له بها وبمائة ألف درهم فقال : أما الحمالات فقد قبلتها ، وأما المال فليس هذا موضعه . وسأل عمر رضي الله عنه عمرو بن معدي كرب عن سعد فقال : خير أمير ، نبطي في حبوته ، عربي في نمرته أسد في تامورته يعدل في القضية ، ويقسم بالسوية ، ينقل إلينا حقنا ، كما تنقل الذرة . فقال عمر : لسر ما تقارضتما الثناء . قيل لواحد من العرب : أين شبابك ؟ فقال : من طال أمده وكثر ولده ، ودف عدده ، وذهب جلده ، ذهب شبابه . وقال رجل من بني أسد : مات لرجل منا ابن ، فاشتد جزعه عليه ، فقام إليه شيخ منا فقال : اصبر أبا مهدية فإنه فرط أفترطته ، وخير قدمته ، وذخر أحرزته فقال مجيباً له ، بل ولد ودفنته ، وثكل تعجلته ، وغيب وعدته ، والله لئن لم أجزع من النقص ، لم أفرح بالمزيد . قال ابن أقيصر : خير الخيل الذي إذا استدبرته حنأ ، وإذا استقللته أقعى ، وإذا استعرضته استوى ، وإذا مشى ردى ، وإذا عدا دحا . ونظر إلى خيل عبد الرحمن ابن أم الحكم ، فأشار إلى فرس منها فقال : تجيء هذه سابقة ، قالوا : وكيف ذاك ؟ قال : رأيتها مشت فكتفت ، وخبت فوجفت وعدت فنسفت فجاءت سابقة . قال الحجاج لرجل من الأزد : كيف علمك بالزرع ؟ قال : إني لا أعلم من ذلك علماً . قال : فأي شيء خيره ؟ قال : ماغلظ قصبته وأعتم نبته وعظمت حبته . قال : فأي العنب خير ؟ قال : ما غلظ عموده ، واخضر عوده ، وعظم عنقوده . قال : فما خير التمر ؟ قال : ما غلظ لحاه ودق نواه ورق سحاه . وتكلم أهل التمر وأهل الزبيب عند عمر فقال : أرسلوا إلى أبي حثمة الأنصاري فسألوه فقال : ليس كالصقر في رؤوس الرقل الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل ، تعلة الصبي ، ينضج ولا يعنى طابخه به ، يحترش به الضب من الصلعاء ، ليس كالزبيب الذي إن أكلته ضرست ، وإن تركته غرثت . وقال أبو العباس لخالد بن صفوان : يا خالد إن الناس قد أكثروا في النساء ، فأي النساء أحب إليك ؟ قال يا أمير المؤمنين ، أحبها ليست بالضرع الصغيرة ، ولا بالفانية الكبيرة وحسبي من جمالها أن تكون فخمة من بعيد ، مليحة من قريب ، أعلاها قضيب . وأسفلها كثيب ، غذيت في النعيم ، وأصابتها فاقة فأدبها النعيم ، وأذلها الفقر ، لم تفتك فتمجن ، الهلوك على زوجها ، الحصان من جارها ، إذا خلونا كنا أهل دنيا ، وإذا افترقنا كنا أهل آخرة . قال عمارة بن عقيل : أصابتنا سنون ثلاث لم نحتلب فيهن رئلاً ، ولم نلقح نسلاً ، ولم نزرع بقلاً . تكلم الوفود عند عبد الملوك حتى بلغ الكلام إلى خطيب الأزد فقام فقبض على قائم سيفه ثم قال : قد علمت العرب أنا حي فعال ، ولسنا بحي مقال ، وأنا نجزى بفعلنا عند أحسن قولهم ، ونعمل السيف . فمن مال قوم السيف أوده . ومن نطق الحق أرده . ثم جلس . فحفظت خطبته دون كل خطبة . قال الأصمعي : بلغني عن بعض العرب فصاحة فأتيته لأسمع من كلامه فصادفته يخضب فلما رآني قال : إن الخضاب لمن مقدمات الضعف ، ولئن كنت قد ضعفت فطالما مشيت أمام الجيوش وعدوت على صيد الوحوش ولهوت بالنساء ، واختلت في الرداء ، وأرويت السيف ، وقريت الضيف ، وأبيت العار ، وحميت الجار ، وغلبت القروم ، وعاركت الخصوم ، وشربت الراح ، ونادمت الجحجاج ، فاليوم قد حناني الكبر ، وضعف البصر ، وجاءني بعد الصفاء الكدر . قال : سمعت أعرابياً يعاتب أخاه ويقول : أما والله لرب يوم كتنور الطهاة رقاص بالحمامة ، قد رميت بنفسي في أجيج سمومه أتحمل منه ما أكره لما نحب . قال روح بن زنباع لمعاوية : نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن تحط مني شرفاً أنت رفعته ، أو أن تهدم مني بيتاً أنت شيدته ، وأن تشمت بي عدواً أنت قمعته . ذكر عمرو بن معد يكرب بني سليم فقال : بارك الله على حي بني سليم ما أصدق في الهيجاء لقاؤها ، وأثبت في النوازل بلاؤها ، وأجزل في النائبات عطاؤها ، والله لقد قاتلتهم فما أجبنتهم ، وهاجيتهم فما أفحمتهم وسألتهم فما أبخلتهم . جرى بين الخوات وبين جبير والعباس بن مرداس كلام فقال خوات : أما والله لقد تعرضت لشبابي ، وشبا أنيابي ، وحسن جوابي ، لتكرهن غيابي . فقال عباس : أنت والله يا خوات لئن استقبلت لعني وفني ، وذكا سني ، لتنفرن مني . أإياي توعد يا خوات ، يا مأوى السوآت والله لقد استقبلك اللؤم فودعك ، واستدرك فكسعك ، وعلاك فوضعك ، فما أنت بمهجوم عليك من ناحية إلا عن فصل أو إياي ثكلتك أمك تروم وعلي تقوم ، والله ما ميطت سوأتك بعد ولا ظهرت منها . فقال عمر : أيها عنكما ، إما أن تسكتا ، وإما أن أوجعكما ضرباً . فصمتا وكفا . كان الربيع بن ضبع من المعمرين ودخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك : وأبيك يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر ثم قال : فصل لي عمرك قال : عشت مائتي سنة في الفترة من عيسى بن مريم وعشرين ومائة في الجاهلية وستين في الإسلام فقال : أخبرني من فتية من قريش المتواطئ الأسماء . قال : سل عن أيهم شئت . قال : أخبرني عن عبد الله بن عباس قال : فهم وعلم وعطاء ، خدم ومقرىء ضخم . قال : فأخبرني عن عبد الله بن عمر قال : حلم وعلم وطول كظم ، وبعد عن الظلم . قال : فأخبرني عن عبد الله بن جعفر قال : ريحانة طيب ريحها ، لين مسها ، قليل عن المسلمين ضرها . قال : فأخبرني عن عبد الله بن الزبير . قال : جبل وعر ، تنحدر منه على الصخر . قال: لله درك يا ربيع ما أخبرك بهم ؟ قال : يا أمير المؤمنين قرب جواري ، وكثر استخباري . كان كعب بن لؤي يقوم في الناس أيا م الحج فيقول : أيها الناس اسمعوا وأنصتوا واعلموا وتعلموا ، ليل ساج ، ونهار ضاح والأرض مهاد ، والجبال أوتاد والنجوم أعلام ، والأنثى والذكر زوج ، روالآخرين كالأولين ، وإلف يلي كل ما يهيج ، هل رأيتم ظاعناً رجع الدار أمامكم ؟ والظن غير ما تقولون ، صلوا أرحامكم ، واحفظوا أظهاركم ، وثمروا أموالكم . حرمكم زينوه وعظموه ، تمسكوا به ، فسيأتي له نبأ ويبعث به نبي . كان قابوس بن منذر ملكاً مترفاً قليل الغزو ، كثير اللهو وكان له سمار ، وكان يحبه أن يعري بين أصحابه ليتسابوا ، فاجتمع في مجلسه أربعة من رجال العرب منهم الحصين بن ضرار الضبي ، وأحمير بن بهدلة السعدي ، وضمرة بن جابر النهشلي وعمارة وابن رشد العبسي فقال قابوس : يا حصين إن هذا وأشار إلى ضمرة يزعم أنك غانم الفرى صيك الذر ، إنزال بالغموض ، رعاء بالرفوض . فقال : أيها الملك إن زعم ذلك فإنه خبيث الزاد ، لاصق الرماد ، قصير العماد تباع للأذواد فقال ضمرة: والله أيها الملك إنه لوعاء خطائط ، وزاد مطائط . ولاج موارط ، غير صميم لأواسط ، ثم أقبل على أحيمر فقال : إن هذا وأشار إلى عمارة يزعم إنك بقاق في النزى ، كل على القوى ، مذموم الشيم محجل البرم . فقال : أبيت اللعن أما إنه إن زعم ذلك فإنه لمناع للموجود سآل عن المفقود ، بكاء على المعهود ، فناؤه واسع ، وضيفه جائع ، وشره شائع ، وسره ذائع . فقال عمارة . هو والله أيها الملك ذري المنظر سيء المخبر ، لئيم المكسر يهلع إذا أعسر ، ويبخل إذا أيسر ، ويكذب إذا أخبر . إن عاهد غدر وإن أؤتمن ختر ، وإن قال أهجر ، وإن وعد أخلف ، وإن سأل ألحف ، يرى البخل حزماً ، والسفاه حلما ، والمرزئة كلما ، فقال : قدك ألهمته . قال رائد مرة تركت الأرض مخضرة كأنها حولا بها قصيصة رقطاء ، وعرفجة خاضبة ، وعوسج كأنه النعام من سواده . وقال آخر في صفة ناقة إذا اكحالت عينها وأللت أذنها وسجح خذها وهدل مشفرها واستدارت جمجمتها فهي كريمة .