الجزء السادس - الباب الثاني فقر وحكم للأعراب

الباب الثاني فقر وحكم للأعراب

ذكروا أن قوماً أضلوا الطريق ، فاستأجروا أعرابياً يدلهم على الطريق ، فقال : إني والله ما أخرج معكم حتى أشرط لكم وعليكم . قالوا : فهات مالك . قال : يدي مع أيديكم في الحار والقار . ولي موضع في النار موسع علي فيها ، وذكر والدي محرم عليكم . قالوا : فهذا لك ، فما لنا عليك إن أذنبت ؟ قال : إعراضة لا تؤدي إلى عتب ، وهجرة لا تمنع من مجامعة السفرة . قالوا : فإن لم تعتب ؟ قال : حذفة بالعصا أصابت أم أخطأت . كان الرشيد معجباً بخط إسماعيل بن صبح فقال لأعرابي حضره : صف إسماعيل . فقال : ما رأيت أطيش من قلمه ، ولا أثبت من حلمه . مدح أعرابي رجلاً برقة اللسان فقال : كان والله لسانه أرق من ورقة ، وألين من سرقة . وقال آخر : أتيناه فأخرج لسانه كأنه مخراق لاعب . نظر عمر بن الخطاب إلى نهشل بن قطن وكان ملتفاً في بت في ناحية المسجد ، وزاده آهبة وقلة . وعرف تقديم العرب له في الحكم والعلم فأحب أن يكشفه ويسبر ما عنده فقال : أرأيت لو تنافرا إليك اليوم لأيهما كنت تنفر ، يعني علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل . قال : يا أمير المؤمنين لو قلت فيهما كلمة لأعدتها جدعة قال عمر : لهذا العقل تحاكمت إليك العرب . قال عامر بن الظرب : الرأي نائم ، والهوى يقظان فمن هناك يغلب الهوى الداني . قال أعرابي لهشام بن عبد الملك بن مروان : أتت علينا أعوام ثلاث ، فعام أكل الشحم ، وعام أكل اللحم ، وعام أنتقي العظم ، وعندكم فضول أموال ، فإن كانت لله فأقسموها بين عباد الله ، ولو كانت لكم فتصدقوا ، إن الله يجزي المتصدقين . قال : هل من حاجة غير ذلك ؟ قال : ما ضربت إليك أكباد الإبل ، ادرع الهجير ، وأخوض الدجى لخاص دون عام . قيل لأعرابي : مالك لا تضع العمامة عن رأسك ؟ قال : إن شيئاً فيه السمع والبصر لحقيق بالصون . كان هشام يسير ومعه أعرابي إذا انتهى إلى ميل عليه كتاب ، فقال للأعرابي أنظر أي ميل هذا ؟ فنظر ثم رجع . فقال : عليه محجن ، وحلقة ، وثلاثة كأطباء الكلبة ورأس كأنه منقار قطاة فعرفه هشام بصورة الهجاء ولم يعرفه الأعرابي ، وكان عليه خمسة . قال الهيثم بن عدي : يمين لا يحلف بها الأعرابي أبداً أن يقول له : لا أورد الله لك صادراً ، ولا أصدر لك وارداً ، ولا حططت رحلك ، ولا خلعت نعلك . خرج عثمان من داره فرأى أعرابياً في شمله . فقال : يا أعرابي أين ربك ؟ قال : بالمرصاد . وكان الأعرابي عامر بن عبد قيس وكان ابن عامر سيره إليه . سأل الحجاج أعرابياً عن أخيه محمد بن يوسف فقال : كيف تركته ؟ قال : عظيماً سينماً قال ليس عن هذا أسألك قال تركته ظلوماًغشوماً قال : أما علمت أنه أخي ؟ قال : أتراه بك أعز مني بالله . قيل لشيخ من الأعراب : قمت مقاماً ما خفنا عليك منه ؟ قال : الموت أخاذ شيخ كبير ، ورب غفور لا دين ، ولا بنات . وقال آخر لبعض السلاطين : أسألك بالذي أنت بين يديه ، أدل مني بين يديك ، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي ، ألا نظرت في أمري نظر من ير براءتي ، أحب إليه من سقمي . قال إسحاق المدني : جلس إلى أعرابي فقال : إني أحب المعرفة ، وأجلك عن المسألة . حبس مروان بن الحكم رجلاً من بني عبس فأتاه بشيخ منه فكلمه فيه فأبى أن يطلقه . فقال : أما والله لئن كنت حبسته ، لقد كان تقياً ، ذا مروءة . قال : وما المروءة فيكم يا أخا بني عبس ؟ قال : صدق الحديث وصلة الرحم ، وإصلاح المال . فأعجب مروان وكان إذا أعجب الشيء دعا له ابنيه عبد الملك وعبد العزيز ليسمعاه ، قال : فدعاهما ثم استعاده ، فأعاد الشيخ القول ، وحضر طعام مروان فدعاه إلى طعامه فلم يجبه ، فدعا ابنا له كان معه فأجاب . قال مروان لشيخ . ابنك خير منك يا أخا بني عبس ، دعوناك إلى طعامنا فلم تجب ، ودعوناه فأجاب فقال العبسي : ما أحسبه ضر أباه إن كنت خيراً منه . فضحك مروان حتى استلقى وأطلق له صاحبه . قال عبد الملك بن مروان لرجل من العرب : كيف علمك بالكواكب ؟ قال : لو لم أعرف منها غير النجم لكفاني ، - يريد نجم الثريا - فقال له : وكيف ذاك ؟ قال : إذا طلعت من المشرق حصدت زرعي ، وإذا توسطت السماء جردت نخلي ، وإذا سقطت في الغرب دفنت بذري ، هذا تدبير معيشتي . فقال عبد الملك : حسبك بها علماً . قال هشام لأعرابي : كيف أفلت من فلان عامل له ؟ قال : ببراءته وعدله . وقال آخر : نعم أخو الشريف درهمه ، يغنيه عن اللئام ، ويتجمل به في الكرام . دخل أعرابي على بعض الولاة فقال : ممن الرجل ؟ فقال: من قوم إذا أحبوا ماتوا . قال : عذري ورب الكعبة .

تقول العرب : طلع النجم غديه . . . فابتغى الراعي شكيه طلع النجم عشاء . . . فابتغى الراعي كساء يريدون الثريا، ويقولون في الهلال : ابن ليلة عتمه سخيله حل أهلها برميلة . ابن ليلتين ، حديث أمتين ، بكذب ومين ابن ثلاث ، حديث فتيات غير جد مؤتلفات . ابن أربع عتمة ربع ، غير جائع ولا مرضع . ابن خمس عشاء خلفات قعس . ابن ست سر وبت . ابن سبع ، دلجة الضبع . ابن ثمان ، قمر إضحيان ، ابن تسع ، ملتقط منه الجزع ، ابن عشر يؤديك إلى الفجر . قال أعرابي : ما غبنت قط حتى يغبن قومي . قيل : وكيف ؟ قال : لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم . قال أعرابي : ورأى إبل رجل كثرت بعد قلة ، فقيل له أنه قد زوج أمه فجاءته بمال . فقال : اللهم إنا نعوذ بك من بعض الرزق . سأل أعرابي رجلاً حاجة فمنعه فقال : الحمد لله الذي أفقرني من معروفك ولم يعنك عن شكري . قال أعرابي لابنه وتكلم فأساء : اسكت يا بني ، فإن الصمت صون اللسان وستر العي . قال آخر : ابذل لصديقك كل مودة ، ولا تبذل له كل طمأنينة واعطه من نفسك كل مواساة ، ولا تفض إليه بكل الأسرار . اجتمع قوم بباب الأوزاعي يتذاكرون ، وأعرابي من كلب ساكت ، قال له رجل : بحق ما سميتم خرس العرب . فقال : يا هذا أما سمعت أن لسان الرجل لغيره وسمعه له . وشتم رجل أعرابياً فلم يجبه فقيل له في ذلك فقال : أنا لا أدخل في حرب الغالب فيها شر من المغلوب . قال أعرابي : أكثر الناس بالقول مدل وبالفعل مقل . . وقال آخر : رب بعيد لا يفقد بره ، ورب قريب لا يؤمن شره . وقال آخر : أبين العجز : قلة الحيلة ، وملازمة الحليلة . وقال آخر : ألم أكن نهيتك أن تريق ماء وجهك بمسألتك من لا ماء في وجهه ؟ . وصف آخر عبد الله بن جعفر فقال : كان إذا افتقر نفسه وإذا استغنى لم يستغن وحده . وقال آخر : أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك ، ولا يحقرك بها من فوقك . وصف آخر رجلاً : إن أتيته احتجب ، وإن غبت عنه عتب وإن عاتبته غضب . وقال الأصمعي : سمعت أعرابياً يقول : أعجز الناس من قصر في طلب الأخوان ، وأعجز منه من ظفر به منهم ، ثم ضيعهم . وقال آخر : لو عاونني الحال ما استبطأتك إلا بالصبر ولا استزدتك إلا بالشكر . وقال آخر : إن يسير مال أتاني عفواً لم أبذل فيه وجهاً ، ولم أبسط إليه كفاً ، ولم أغضض له طرفاً ، أحب إلي من كثير مال أتاني بالكد ، واستفراغ الجهد . وقال آخر : لا تصغر أمر من حاربت أو عاديت فإنك إن ظفرت لم تحمد وإن عجزت لم تعذر .

هنأ بعضهم فتى أراد البناء على أهله فقال : بالبركة وشدة الحركة والظفر في المعركة . قال أعرابي وقد نظر إلى دينار : قاتلك الله ما أصغر قيمتك ، وأكبر همتك . وقال آخر : اجمعوا الدراهم فإنها تلبس اليلمق : وتطعم الجردق . قال أبو عمرو بن العلاء : دفعت إلى ناحية فيها نفير من الأعراب فرأيتها مجدبة فقلت لبعضهم ما بلدكم هذا ؟ فقال : لا ضرع ولا زرع . قلت : فكيف تعيشون ؟ قال : نحترش الضباب ، ونصيد الدواب فنأكلها ، قلت : كيف صبركم عليه ؟ فقال : يا هناه نسأل خالق الأرض . هل سويت ؟ فيقول : بل رضيت . قال أعرابي : هو أمزح من المطل الواجد والظمآن الوارد ، والعقيم الوالد . قال أعرابي : العزيز منوع ، والذليل قنوع ، والواجد متحير . وقال آخر : عليك بالأدب فإنه يرفع العبد الملوك حتى يجلسه في مجالس الملوك . قيل لبعضهم : ما بال فلان يتنقصك ؟ قال : لأنه شقيقي في النسب ، وجاري في البلد ، وشريكي في الصناعة . وقال آخر : عباد الله ، الحذر ، الحذر ، فوالله لقد ستر كأنه غفر . وشكا أعرابي ركود الهواء فقال : ركد حتى كأنه أذن تسمع . وقال آخر : كل مقدور عليه مختور أو مملوك . لقي رجل أعرابياً لم يكن يعرفه قال له : كيف كنت بعدي ؟ فقال له الأعرابي : وما بعد مالا قبل له .

قيل لأعرابي : أعطى الخليفة فلاناً مائة ألف . قال : بل أعطاه إياه الذي لو شاء لأعطاه مكانه عقلاً . قيل لأعرابي له أمة يقال لها زهرة : أيسرك أنك الخليفة وأن زهرة ماتت ؟ قال : لا والله قيل : ولم ؟ قال : تذهب الأمة ، وتضيع الأمة . أتى الحجاج بأعرابي في أمر احتاج إلى مسألته عنه ، فقال له الحجاج : قل الحق وإلا قتلتك . فقال له : اعمل أنت به فإن الذي أمر بذلك أقدر عليك منك علي . فقال الحجاج : صدق ، فخلوه . مدح أعرابي قوماً فقال : يقتحمون الحرب حتى كأنما يلقونها بنفوس أعدائهم . قال أعرابي في حكم جليس الملوك : أن يكون حافظاً للسمر ، صابراً على السهر . وقال بعضهم : قلت لأعرابي : كيف رأيت الدهر ؟ فقال : وهوبا لما سلب ، سلوبا لما وهب ، كالصبي إذا لعب . وقال أعرابي : لا يقوم عن الغضب بذل الاعتذار . ووصف آخر رجلاً فقال : ذاك ممن ينفع سلمه ، ويتواصف حلمه ، ولا يستمرا ظلمه . وقال آخر : فلان حتف الأقران غداة النزال ، وربيع الضيفان عشية النزول . وقال آخر : لكل كاس حاس ، ولكل عار كاس . وقال آخر : لا أمس ليومه ، ولا قديم لقومه . وقال آخر : فلان أفصح خلق الله كلاماً ، إذا حدث ، وأحسنهم استماعاً إذا حدث ، وأمسكهم عن الملاحاة إذا خولف ، يعطي صديقه النافلة ولا يسأله الفريضة ، له نفس عن العوراء محصورة وعلى المعالي مقصورة ، كالذهب الإبريز الذي يعز في كل أوان والشمس المنيرة التي لا تخفى بكل مكان ، هو النجم المضيء للجيران ، والبارد العذب للعطشان . وقال آخر : فلان ليث إذا عدا ، وغيث إذا غدا ، وبدر إذا بدا ، ونجم إذا هدى ، وسم إذا أردى . وقال آخر : الفقير في الأهل مصروم ، والغني في الغربة موصول . وقال آخر : الاغتراب يرد الجدة ويكسب الجدة . وقال آخر : أعظم لخطرك ، الآ ترى عدوك أنه لك عدو . قيل لأعرابي : كيف أبنك ؟ فقال : عذاب رعف به الدهر ، فليتني قد أودعته القبر ، فلأنه بلاء لا يقاومه الصبر ، وفائدة لا يجب فيها الشكر . قال أعرابي : لا تضع سرك عند من لا سر له عندك . وقال آخر : من سعى رعى ، ومن لزم المنام رأى الأحلام . قال أعرابي لرجل : ويحك إن فلاناً وإن ضحك إليك فإن قلبه يضحك منك ، ولئن أظهر الشفقة عليك ، فإن عقاربه لتسري إليك فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك ، فلا تجعله صديقاً في سريرتك . وحذر آخر رجلاً فقال : احذر فلاناً فإنه كثير المسألة حسن البحث ، لطيف الاستدراج ، يحفظ أول كلامك على آخره ويعتبر ما أخرت بما قدمت فباثه مباثة الأرض ، وتحفظ منه تحفظ الخائف واعلم أن من يقظة المرء إظهار الغفلة مع الحذر . قال أعرابي : حاجيتك : ما ذو ثلاث آذان تسبق الخيل بالرديان ؟ يعني : سهماً . ومدح أعرابي نفسه فقيل له : أتمدح نفسك ؟ قال : أفآكلها إلى غيري .

قال آخر : أفآكلها إلى عدو يذمني . وقال آخر : الخيل تجري في المروج على أعراقها ، وفي الحلبة على جدود أربابها ، وفي الطلب على إقبال فرسانها وفي الهزيمة على آجالهم . وقال آخر : حق الجليس إذا دنا أن يرحب به ، وإذا جلس أن يوسع له ، وإذا حدث أن يقبل عليه . وقال آخر : هلاك الولي في صاحب يحسن القول ولا يحسن العمل . وقال أعرابي في الثناء على الرشيد عام حج ، قد أصبح المختلفون مجتمعين على تقريظك ومدحك ، حتى أن العدو يقول اضطراراً ما يقوله الولي اختياراً ، والبعيد يثق من إنعامك عاماً ، بما يثق به القريب خاصاً . وقال آخر للحسن بن سهل : قد أصبحت للخاصة عدة ، وللعامة عصمة ، وللإمام ثقة ، وللغني جمالاً ، وللفقير ثمالاً . ومن كلامهم : اندب إلى طعامك من تدعوه إلى جفانك . ومنه : الحيلة لعطف المتجني ، أعسر من نيل المتمني . ومنه : العقل وزير ناصح ، والهوى وكيل فاضح . وقال آخر لصاحب له : لا تقل فيما لا تعلم ، فتتهم فيما تعلم . وقال آخر : نبو النظر عنوان الشر ، وقال آخر : استشر عدوك العاقل ، ولا تستشر صديقك الأحمق ، فإن العاقل ينفي على رأيه الزلل ، كما يتقي الورع على دينه الحرج . ومن كلامهم : الحسود لايسود . ومنه : الواقية خير من الراقية . وقال بعضهم : لم تجتمع ضعفاً إلا قووا حتى يمتعوا ، ولم يتفرقوا قويا إلا ضعفوا حتى يخضعوا . قال أعرابي : العبوس بؤس ، والبشر بشرى ، والحاجة تفتق الحيلة والحيلة تشحذ الطبيعة .

وقال آخر : مجالسة الأحمق خطر ، والقيام عنه ظفر . قال الأصمعي : جلس إلى أعرابي تقتحمه العين يحمي دربه. والله ما ظننته يجمع بين كلمتين فاستنطقته ، فإذا نار تأجج فقلت : أتحسن شيئاً من الحكمة تفيد منه ؟ قال : نعم ، الرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام ، والعطية بعد المنع ، أجمل من المنع بعد العطية ، والإقدام على العمل بعد التأني فيه ، أحسن من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه . قال فعظم في عيني حتى ملأ عيني وقلبي هيبة . قال أعرابي : العذر الجميل أحسن من المطل الطويل ، فإذا أردت الإنعام فانجح ، فإن تعذرت الحاجة فأفصح . قيل لأعرابي : ما وقوفك ها هنا ؟ فقال : وقفت مع أخ لي يقول بلا علم ، ويأخذ بلا شكر ، ويرد بلا حشمة . قال أعرابي لآخر : لا كل لسانك عن البيان ، ولا أسكتك الزجر والهوان . وقال آخر لرجل : حاجتي إليك حاجة الضال إلى المرشد ، والمضل إلى المنشد . وقال آخر : بالفحول تدرك الذحول . وقال آخر : أنا أستنجدك إذا كنت مضافاً ، وأسترفدك إذا كنت مضيفاً . قيل لأعرابي : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت أحتسب على الله الحسنة ، ولا أحتسب على نفسي السيئة . وقال آخر وقد قيل له : أيسرك أنك أحمق وأن لك مائة ألف درهم ؟ قال : لا . قيل : ولم ؟ قال : لأن حمقة واحدة تأتي على مائة ألف ، وألفي بعدها أحمق . قال آخر : من جاد بماله فقد جاد بنفسه ، إلا يكن جاد بها فقد جاد بقوامها . وقال آخر : من هذل جواده في الرخاء ، قام به في الشدة .

ذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة فقال : هذا والله رجل سوء يظن أن الله لا يرحمه حتى يعذب هذا التعذيب . قال رجل لشيخ بدوي : تمرنا أجود من تمركم . فقال : تمرنا جرد فطس ، عراض كأنها ألسن الطير ، تمضغ التمرة في شدقك فتجد حلاوتها في عقبك . قال أعرابي : سألت فلانا حاجة أقل من قيمته ، فردني رداً أقبح من خلقته . وقال : مواقعة الرجل أهله من غير عبث من الجفاء . قيل لأعرابي : ما تصنع بالبادية إذا اشتد القيظ وحمي الوطيس . فقال: يمشي أحدنا ميلاً ، حتى يرفض عرقاً ثم ينصب عصاه ، ويلقي عليها كساه ، فكأنه في إيوان كسرى . قال بعضهم : رأيت أعرابياً يصلي ويسيء الصلاة فقال له رجل : يا أعرابي ، أحسن صلاتك . فقال : إن المطالب بها كريم . عاب أعرابي قوماً فقال : هم أقل الناس ذنوباً إلى أعدائهم ، وأكثرهم تجرماً على أصدقائهم ، يصومون عن المعروف ، ويفطرون على الفحشاء . وصف بعض الأعراب النساء فقال : عليك منهن بالجاليات العيون ، الآخذات بالقلوب ، بارع الجمال ، وعظم الأكفال ، وسعة الصدور ولين البشرة ورقة الأنامل وسبوطة القصب ، وجزالة الأسوق ، وجثولة الفروع ، ونجالة العيون ، وسهولة الخدود ، وامتداد القوام ، ورخامة المنطق ، وحسن الثغور ، وصغر الأفواه وصفاء الألوان . وصف أعرابي امرأة : هي خالية إلا من ألا وليت . قيل لأعرابي : كيف كتمانك للسر ؟ فقال : أجحد المخبر ، وأحلف للمستخبر .

قيل لآخر : بماذا تغلب الناس ؟ قال : أبهت بالكذب ، وأستشهد بالموتى . قال الأصمعي : سألت أعرابياً عن الدنيا فقال : إن الآمال قطعت أعناق الرجال ، كالسراب ، غر من رآه ، وأخلف من رجاه ، ومن كان الليل والنهار مطيته، أسرعا السير به والبلوغ . ثم أنشد يقول : المرء يدفع بالأيام يدفعها . . . وكل يوم مضى يدني من الأجل ذكر أعرابي رجلاً بقلة الحياء فقال : لو دقت بوجهه الحجارة لرضها ولو خلا بالكعبة لسرقها . قيل لأعرابي : بم سدت قومك ؟ قال : بحسب لا يطعن عليه ، ورأي لا يستغنى عنه . قيل لآخر : بم تعرفون السؤدد في الغلام ؟ قال : إذا كان سابل الغرة ، طويل الغرلة ، ملتاث الأزرة ، وكانت فيه لوثة ، فلسنا نشك في السؤدد . وقال آخر لسنان بن سلمة الهذلي : ما أنت بأرسخ فتكون فارساً ، ولا بعظيم الرأس فتكون سيداً . وقال بعضهم : نحن لا نسود إلا من موطننا رحله ، ولفرسنا عرضه ويملكنا ماله . سأل أعرابي عن رجل فقال : أحمق مرزوق . فقال : والله ذاك الرجل الكامل . قال الأصمعي : سمعت أعرابياً يقول : تمرنا جرد فطس ، يغيب فيها الضرس عراض كأنها ألسن الطير تضع التمرة في فيك فتجد حلاوتها في كعبك . قال أعرابي لأخيه : إن لم يكن مالك لك ، كنت أنت له ، فإن لم تفنه ، أفناك ، فكله قبل أن يأكلك .

وحلف آخر فقال : لا والذي شقهن خمساً من واحد ، وأشار إلى كفه ، شق الرجال للخيل ، والجبال للسيل . وقال آخر في رجل : صغره في عيني ، كبر الدنيا في عينه . قيل لأعرابي : كيف حزنك على ولدك ؟ قال : ما ترك لنا حب الغداء والعشاء حزناً . قيل لرجل منهم كان يجمع بين ضرائر : كيف تقدر على جمعهن قال : كان لنا شباب يظأرهن علينا ، ومال يصيرهن لنا ، ثم قد بقي لنا خلق حسن ، فنحن نتعايش به . قال أعرابي : ما تم عقل أحد ، إلا قل كلامه . وقال أعرابي : إن فلاناً ليكنس على أعراض النيل من غيظه . وقال آخر : مع الشعاب التحاب ، والافراط في الزيارة ممل ، والتفريط فيها مخل . قدم أعرابي على السلطان ومعه كتاب قد كتب فيه قصته ، فجعل يقول : هاؤم اقرءوا كتابيه . فقيل له : هذا يقال يوم القيامة . قال : هذا والله شر من يوم القيامة ، إنه يؤتى يوم القيامة بحسناتي وسيئاتي ، وأنتم جئتم بسيئاتي ، وتركتم حسناتي . قال أبو العيناء : قلت لأعرابي : إن الله محاسبك فقال : سررتني فإن الكريم إذا حاسب تفضل . وقال معاوية لأعرابي : ما العيش ؟ قال : ركوب الهوى وترك الحيا . قيل لأعرابي وقد عمر مائة وعشرين سنة : ما أطول عمرك ؟ قال : تركت الحسد فبقيت .

حلف أعرابي بالمشي إلى بيت الله ألا يكلم ابنه فحضرته الوفاة فقيل له : كلمه قبل أن تفارق الدنيا . قال : والله ما كنت قط أعجز عن المشي إلى بيت الله منى الساعة . قال عبد الملك لأعرابي : تمن . قال : العافية . قال : ثم ماذا ؟ قال : رزق في دعة . قال : ثم ماذا ؟ قال الخمول ، فإني رأيت الشر إلى ذوي النباهة أسرع . قيل لأعرابي من بني يربوع : مالكم على مثال واحد ؟ قال : لأنا من بني فحل واحد . ذم أعرابي رجلاً فقال : عليه كل يوم قسامة من فعله تشهد عليه بفسقه وشهادات الأفعال ، أعدل من شهادات الرجال . وذكر آخر رجلاً بالعي فقال : رأيت عورات الناس بين أرجلهم وعورة فلان بين فكيه . وقال آخر لرجل دفعه : لتجدني ذا منكب مزحم ، وركن مدعم ، ورأس مصدم ، ولسان مرجم ووطء ميثم . قال الأصمعي : نظر أعرابي إلى الهلال فقال : لا مرحبا بك عقفان يحل الدين ، ويقرب الآجال . قيل لأعرابي : ما تلبس ؟ فقال : الليل إذا عسعس ، والصبح إذا تنفس . سئل أعرابي عن ألوان الثياب فقال : الصفرة أشكل والحمرة أجمل والخضرة أنبل والسواد أهول والبياض أفضل . وصف أعرابي الكتاب ، وقد دخل الديوان فرآهم فقال : أخلاق حلوة وسمائل معشوقة ووقار أهل العلم وظرف أهل الفهم فإن سبكتهم وجدتهم كالزبد يذهب جفاء . وذم أعرابي رجلاً فقال : عبد البدن ، خز الثياب ، عظيم الرواق ، صغير الأخلاق ، الدهر يرفعه وهمته تضعه .

قيل لأعرابي ينسج : ألا تستحي أن تكون نساجاً ؟ فقال : إنما أستحي أن أكون أخرق لا أنفع أهلي . مد المأمون يده إلى الأعرابي ليقبلها فتناولها بكمه فقال : أتتقزز منها ؟ قال : لا بل أتقزز لها . وصف أعرابي قوماً فقال : هم كلاب وفلان من بينهم سلوتي . سئل رجل عن نسبه فقال : أنا ابن أخت فلان . فقال أعرابي : الناس ينتسبون طولاً وأنت تنتسب عرضاً . رأى أعرابي عوداً فلما عاد إلىالبادية وصفه لأصحابه فقال : رأيت خشباً محدودب الظهر ، أرسح البطن ، أكلف الجلد ، أجوف أغضف ، جبينه في استه ، وعيناه في صدره ، وأمعاءه خارج بطنه ، بها يتكلم ، وعينه تترجم ، معروك الأذن ، مخنوق الحلق . سئل آخر عن امرأته فقال : أفنان أثلة ، وجنى نخلة ، ومس رملة وكأني قادم في كل ساعة من غيبة . اجتمع إعرابي مع صاحبة له فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ذكر معاده فاستعصم وقال : إن من باع جنة عرضها السموات والأرض بمقدار فتر بين رجليك ، لقليل البصر بالمساحة . اشتكى أعرابي بالحضر فقيل : ما تشتهي ؟ قال : حشك فلاة ، وحسي قلاة . قال أعرابي لرجل : اكتب لابني تعويذاً. فقال : ما اسمه ؟ قال : فلان قال : فما اسم أمه ؟ قال : ولم عدلت عن اسم أبيه ؟ قال : لأن الأم لا يشك فيها . قال : فاكتب : فإن كان ابني فعافاه الله ، وإن لم يكن ابني فلا شفاه الله . قيل لأعرابي : ما تقول في إبن العم ؟ قال : عدوك وعدو عدوك . ووعظ آخر ابناً له أفسد ماله في الشراب فقال : لا الدهر يعظك ولا الأيام تنذرك ، ولا الشيب يزجرك ، والساعات تعد عليك ، والأنفاس تعد منك والمنايا تقاد إليك ، أحب الأمرين إليك ، أردهما بالمضرة عليك.

قيل لأعرابي : ما تقول في الجري . قال : تمرة نرسيانة غراء الطرف ، صفراء السائر ، عليها مثلها من الزبد ، أحب إلي منها ولا أحرمه . وقال آخر : كن حلو الصبر عند مر النازلة . ومر أعرابي في أطمار رثة برجل فقال الرجل : والله ما يسرني أني كنت ضيفك في ليلتي هذه . فقال له الأعرابي : أما والله لو كنت ضيفي ، لغدوت من عندي أبطن من أمك قبل أن تضعك بساعة ، أما الله إنا وجدناك آكلكم للمأدوم ، وأعطاكم للمحروم . قال أعرابي : رب موثق مؤبق . قيل لآخر : أتشرب النبيذ ؟ فقال : والله ما أرضى عقلي مجتمعاً فكيف أفرقه ؟ . وقيل لآخر : أما تشرب ؟ قال : أنا لا أشرب ما يشرب عقلي . قال بعضهم : رأيت أعرابياً والإبل قد ملأت الوادي فقلت : لمن هذه ؟ فقال : لله في يدي . قال أبو العيناء : أضفت أعرابياً قدم من المدينة ، فلما قعدنا نأكل ، جعلت أذكر غلاء السعر في تلك السنة ، فرفع الأعرابي يده عن الطعام ، وقال : ليس من المروءة ذكر غلاء الأسعار للضيف . فقام ، فاجتهدت به أن يأكل شيئاً فأبى ، وانصرف . حكى عن حصين بن أبي الحر قال : وفدت إلى معاوية فطلبت عامر بن عبد قيس فقال لا تريه بالنهار فأتيته عند المغرب وهو يتعشى ، فسلمت عليه فرد السلام ، ولم يدعني إلى عشائه ولم يسألني عن أهله ، فقلت : العجب منك لم تدعني إلى عشائك ولم تسألني عن أحد من أهلك ، فقال : أما عشائي فخشن، وأنت قد تعودت النعمة ، فكرهت أن أحملك من تجشمه على ما يشق عليك . وأما أهلي ، فأنا أعرف أخبارهم ، الماضي فلا يرجع إليهم ، وأما الباقي فلا حق بمن مضى منهم .

قال الأصمعي : سمعت أعرابياً يقول : المعتذر من غير ذنب يوجب الذنب على نفسه . قال : وقلت لغلام عذري : ما بال العشق يقتلكم ؟ قال : لأن فينا جمالاً وعفة . قال أعرابي : بلوت فلاناً فلم يزدني اختباره إلا اختياراً له . وقال آخر : هلاك الوالي في صاحب ، يحسن القول ، ولا يحسن العمل . تكلم أعرابي فقال : لا تنكحن واحدة فتحيض ، إذا حاضت ، وتمرض إذا مرضت ، ولا تنكحن اثنتين ، فتكون بين شرتين ، ولا تنكحن ثلاثاً ، فيفلسنك ويهزمنك ، وينحلنك ويحظرنك . فقيل له : حرمت ما أحل الله . وأثنى أعرابي على رجل فقال : إن خيرك لصريح ، وإن منعك لمريح وإن رفدك لربيح . قيل لأعرابي : ما أعددت للشتاء ؟ فقال : جلة لبوضاً وصيصية سلوكاً ، وشملة مكورة قويمصاً دفياً وناقة مجالحة . وقيل لآخر : ما أعددت للشتاء ؟ فقال : شدة الرعدة وقرفصاء القعدة ، وذرب المعدة . وقيل لآخر : كيف البرد عندكم ؟ قال : ذاك إلى الريح . سمع عمر أعرابياً يقول : اللهم اغفر لأم أوفى . فقال : ومن أم أوفى ؟ قال : امرأتي وأنها لحمقاء مرغامة ، أكول قامه ، لاتبقى لها حامة ، غير أنها حسناء فلا تفرك ، وأم غلمان فلا تترك . قال أبو مهدى : تحرشت بشجاع فخرج يطردني كأنه سهم رابح ، ثم استكف كأنه كفة في ميتة ، فانتظمت ثلاثة إثنان أحدهن رأسه . قال الأصمعي : كانت العرب تستعيذ من خمشة الأسد ، ونفثة الأفعى وضبطة الفالج .

قال أبو زيد : رب غيث لم يك غوثاً ، ورب عجلة نهب ريثاً . وقال آخر لرجل رآه يذم قرابته : أما سمعت ما يقول العرب ، فإنها تقول : الرحم بكدرها والمودة بصفائها . قدم هوذة بن علي ، على كسرى فسأله عن بنيه ، فذكر عدداً، فقال : أيهم أحب إليك ؟ قال : الصغير حتى يكبر ، والغائب حتى يقدم ، والمريض حتى يصح . فقال له كسرى : ما غداؤك في بلدك ؟ قال : الخبز . قال كسرى لجلسائه : هذا عقل الخبز يفضله على عقول أهل البوادي ، الذين يغتذون اللبن والتمر . قال الأصمعي : كنت بالبادية فجاء بي أعرابي معه عبد أسود فقلال : يا حضري ، أتكتب ؟ قلت : أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم من عرفجة التغلبي لميمون مولاه ، إنك كنت عبد الله فوهبك لي ، فرددتك ووهبتك لواهبك للجواز على الصراط ، قد كنت أمس لي ، وأنت اليوم مثلي ولا سبيل لي عليك إلا سبيل ولاء . أتى معاوية برجل من جرهم قد أتت عليه الدهور فقال له : أخبرني عما رأيت في سالف عمرك ؟ قال : رأيت بين جامع مالاً مفرقاً ، ومفرق مالاً مجموعاً ، ومن قوى يظلم ، وضعيف يظلم ، وصغير يكبر ، وكبير يهرم ، وحي يموت ، وجنين يولد ، وكلهم بين مسرور بموجود ومحزون بمفقود . قال أعرابي : خرجنا حفاة والشمس في قلة السماء ، حيث انتعل كل شيء ظله وما زادنا إلا التوكل ، وما مطايانا إلا الأجل ، حتى لحقنا القوم . وصف آخر تعادى قوم ، فقال : ألحاظهم سهام ، وألفاظهم سمام .

وقال آخر : هبت عليهم ريح التعادي ، فنسفتهم عن النوادي والبوادي . وقال آخر : ما النار باحرق للفتيلة ، من التعادي للقبيلة . وقال آخر : مع القرابة والثروة ، يكون التناكر والتحاسد ومع الغربة والخلة ، يكون التناصر والتحاشد . وقال الحجاج لأعرابي : أخطيب أنا ؟ قال : نعم ، لولا أنك تكثر الرد ، وتشير باليد ، وتقول أما بعد . ويقول الأعرابي لراعي إبله إذا استرعاه : إن عليك أن ترد ضالتها ، وتهنأ جرباتها ، وتلوذ حوضها وتترك مبسوطة في الرسل ، مالم تنهك حلباً أو تضر بنسل . فيقول له الراعي : ليس لك أن تذكر أمي بخير ولا شر ، ولك حذفة بالعصا عند غضبك أخطأت أم أصبت ، ولي مقعدين من النار موضع يدي من الحار . ذكر أعرابي السلطان فقال : أما والله لإن عزوا في الدنيا بالجور ، لقد ذلوا في الآخرة بالعدل . وقال آخر : العاقل بخشونة العيش مع العقلاء ، آنس منه بلين العيش مع السفهاء . قال بعضهم : رأيت أعرابياً يرعى غنماً فقلت له : أنت راعي هذه الغنم؟ فقال : أنا راعيها والله يرعاها . قال المفضل : قلت لأعرابي : ما البلاغة ؟ قال : الايجاز من غير عجز ، والأطناب في غير خطل . وكان أعرابي يجالس الشعبي ولا يتكلم ، فسئل عن طول صمته فقال : أسمع وأعلم ، واسكت فأسلم. وصف آخر رجلاً فقال : صغير القدر ، قصير الشبر ، ضيق الصدر لئيم الخبر ، عظيم الكبر ، كثير الفخر .

قدم وفد طيء على معاوية فقال : من سيدكم اليوم ؟ قالوا : خزيم بن أوس بن حارثة بن لام ، من احتمل شتمنا ، وأعطى سائلنا وحلم عن جاهلنا ، وأغتفر ضربنا إياه بعصينا . حلف أعرابي على شيء فقيل له : قل إن شاء الله ، فخضع نفسه حتى لصق بالأرض ثم قال : إن شاء الله تذهب بالحنث ، وترضى الرب ، وترغم الشيطان ، وتنجح الحاجة . قال أعرابي لابن عم له : مالك أسرع إلى ما أكره من الماء إلى قرارة ولولا ضني بإخائك ، لما أسرعت إلى عتابك ، فقال الآخر : والله ما أعرف تقصيراً فأقلع ، ولا ذنباً فأعتب ، ولست أقول لك كذبت ، ولا أقر إني أذنبت . وقال أعرابي : ما زال يعطيني حتى حسبته يردعني ، وما ضاع مال أودع حمداً . وقال أعرابي : شر المال، مالا أنفق منه ، وشر الأخوان الخاذل في الشدائد وشر السلطان من أخاف البرى ، وشر البلاد ما ليس فيه خصب وأمن . وقال : سمعت آخر يقول لابنه : صحبة بليد نشأ مع الحكماء ، خير من صحبة لبيب نشأ مع الجهال . قال أعرابي لابنه : إياك يا بني وسؤال البلغاء في الرد . قيل لإعرابي : كيف كتمانك السر ؟ قال : ما جوفي له إلا قبر . وأسر رجل إلى بعضهم ، ثم قال له : أفهمت ؟ قال : بل جهلت قال : أحفظت ؟ قال : بل نسيت . قال أعرابي من غطفان : لقد أحببت امرأة من بني ذهل بن شيبان ، فكنت أنام وقلبي طائر ، وأهب ودمعي قاطر . قيل لأعرابي: علي من البرد أشد ؟ قال : علي خلق في خلق . قيل لطائي مرة : إن امرأتك تبغضك . فقال : ما أبالي إذا نلت منها ذو أحب ، أن تنال مني ذو تكره . وذو في لغة طيء : الذي .

مدح أعرابي رجلاً قال : فهو أكسبكم للمعدوم ، وآكلكم للمأدوم وأعطاكم للمحروم . قال أعرابي : ما رأيت كفلان ، إن طلب حاجة ، غضب قبل أن يرد عنها وإن سئل ، رد صاحبها قبل أن يفهمها . وذم آخر رجلاً فقال : لم يقنع كمياً سيفاً ، ولا قرى يوماً ضيفاً ولا حمدنا له شتاء ولا صيفاً . ؟ ؟