ذكر القاضي أبي عبد الله بن عبد المهيمن الحضرمي

ومنهم محمد بن عبد المهيمن بن محمد بن علي بن محمد الحضرمي؛ يكنى أبا عبد الله، ويعرف بنسبته. وكان في قطره كبير القدر. ولي القضاء بسبتة. ولقرابته من رؤسائها بني الغزفي، وذلك عام 683؛ فقام بالأحكام أجمل قيام، مستعيناً بحسن النظر وفضل الجاه وعز النزاهة. فكان مجلسه يغص بعمائم العلماء، وهم كأنما على رؤوسهم الطير هيبةً له، وتأدباً معه. وكان في باب القبول شديداً على الشهداء؛ فيذكر أن أحد الظلمة عرض له كتاب رسم في قضية نزلت به؛ فنقده القاضي ومطل في تخليصه؛ فتحيل على أن كتب بحائط مجلس القاضي ما نصه:

بسبتة قاض حضرمي إذا انـتـسـب

 

وفي حضرموت الشؤم واللوم بالنسب

فمن شؤمه لا يثبت العـقـد عـنـده

 

ومن لومه يرمي أولى الفضل بالريب

فلما وقعت عين القاضي على المكتوب وتفهمه، أمر بإزالته، وأمسك عن عنانه، وأخذ في إصلاح شأنه، وترك البحث عن ناظم البيتين وكاتبهما بخط يده. واستمرت أيام ولايته إلى أن تصير أمر بلده إلى الإيالة النصرية، في أواخر عام 705؛ فصرف إلى غرناطة مع سائر أقاربه بني العزفي فوصلها، وأقام بها وابنه الكاتب البارع، أبو محمد عبد المهيمن؛ ثم أذن له في الانتقال إلى وطنه؛ فعاد إليه، وقد أحدث منه السن، وأقعده الكبر؛ فلم يبرح بعد عنه إلى أن توفي غرة صفر من عام 712.