الجزء السادس - الباب الثالث أدعية مختارة وكلام للسؤال من الأعراب وغيرهم

الباب الثالث أدعية مختارة وكلام للسؤال من الأعراب وغيرهم

وقف أعرابي في بعض المواسم فقال : اللهم إن لك حقوقاً فتصدق بها علي ، وللناس تبعات قبلي فتحملها عني ، وقد أوجبت لكل ضيف قرى ، وأنا ضيفك فاجعل قراي في هذه الليلة الجنة . قال آخر لرجل سأله : جعل الله للخير عليك دليلا ، ولا جعل حظ السائل منك عذرة صادقة . وقال آخر : اللهم لا تنزلني ماء سوء ، فأكون امرء سوء . وقف سائل منهم فقال : رحم الله امرء أعطى من سعة ، وواسى من كفاف ، وآثر من قوت . ومن دعائهم : أعوذ بك من بطر الغنى ، وذلة الفقر . وقال آخر : أعوذ بك من سقم وعدواه ، وذي رحم ودعواه ، وفاجر وجدواه ، وعمل لا ترضاه . وسأل أعرابي فقال له صبي في جوف الدار . بورك فيك ، فقال : قبح الفم ، لقد تعلم الشر صغيراً . ودعا آخر فقال : اللهم إني أعوذ بك من طول الغفلة ، وإفراط الفطنة ، اللهم لا تجعل قولي فوق عملي ، ولا تجعل أسوأ عملي ما قرب من أجلي . وقال آخر : اللهم هب لي حقك وارض عني خلقك . وقال آخر : اللهم إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا ، فقد ظلمنا أنفسنا . فاعف عنا .

وقال آخر : اللهم امتعنا بخيارنا ، وأعنا على شرارنا ، واجعل الأموال في سمائحنا . وقال آخر : اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله ، وإن كان في الأرض فأخرجه ، وإن كان بعيداً فقربه ، وإن كان قريباً فيسره ، وإن كان قليلاً فكثره ، وإن كان كثيراً فبارك فيه . سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يقول في دعائه : اللهم اجعلني من الأقلين . فقال له عمر : وما هذا الدعاء ؟ قال سمعت الله يقول : " وقليل ماهم " وقال ذكره جل وعز : " وما آمن معه إلا قليل " . وقال تعالى : " وقليل من عبادي الشكور " . فقال عمر : عليك من الدعاء بما يعرف . دعا الغنوي في حبسه : أعوذ بك من السجن والدين ، والغل والقيد والتعذيب والتحبيس ، وأعوذ بك من الجور بعد الكور ، ومن سوء الخلافة في النفس والأهل والمال ، وأعوذ بك من الحزن والخوف ، وأعوذ بك من الهم والرق ، ومن الهرب والصلب ، ومن الاستخفاء ، ومن الاستخذاء ، ومن الأطراد والأعراب ، ومن الكذب والعيضهة ، ومن السعاية والنميمة ، ومن لؤم القدرة ومقام الخزي في الدنيا والآخرة : إنك على كل شيء قدير . وكان بعضهم يقول في دعائه: اللهم احفظني من صديقي ، وكان في دعاء آخر : اللهم اكفني بواثق الثقات . قال أعرابي في دعائه : تظاهرت على بادئ منك النعم ، وتكاثفت مني عندك الذنوب ، فأحمدك على النعم التي لايحصيها أحد غيرك ، وأستغفرك من الذنوب التي لا يحيط بها إلا عفوك . سألت أعرابية فقالت : سنة جردت ، وأيد جمدت ، وحال جهدت، فهل من آمر بمير ، أو دال على خير ، أو مجيب بخير ، رحم الله من رحم ، وأقرض من لا يظلم . قال منصور بن عمار صاحب المجالس : اللهم اغفر لأعظمنا جرماً وأقسانا قلباً ، وأقربنا بالخطيئة عهداً ، وأشدنا على الذنب إصراراً فقال له الخريمي وكان حاضراً . امرأتي طالق ، إن كنت أردت غير إبليس . قال : إذا دعت الأعراب لمسافر قالوا : اللهم قو ضعفته ، واحرس غفلته ، وشد منته ، اللهم اطو عنه غول الأرض وهولها ، وحببه إلى أصحابه واحمله على ركابه ، سلم له عصيها وقصبها ، وألق عليه السخرة والبلاغ ، وادرأ عنه وعنها الأعراض والأمراض ، حتى توديه سالماً إلى سالمين . كانوا يقولون : نعوذ بالله من ضربة الجبان ، وضبطة الأعمى ، وبادرة الصبي ، ودعوة البخيل ، وضرط الرقيب ، ونادرة المجنون ، وذلة العالم . قال أعرابي في دعائه: اللهم أرزقني صحة لا تلهي ، وغنى لا يطغي وسريرة لا فضيحة فيها ولا شنعة ، وعلانية لا رياء تطغي فيها و لا سمعة . سأل رجل من بني كلاب معروف النسب فقال : إني رجل من بلعنبر ، ولي سن ، وبي فقر وعندي دعاء وشكر ، وفي إعطائي أجر وذخر . فقيل له : أنت من بني كلاب وتتنسب إلى بلعنبر قال : إنه مقام خزي ، وهم لنا عدو . فأحببت أن يلحقهم عاره . دعا أعرابي فقال : اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك ، أو أضل في هداك ، أو أذل في عزك ، أو أضام في سلطانك ، أو أضطهد والأمر لك . قال سفيان بن عيينة : إني لواقف بعرفة وأعرابي إلى جانبي فسمعته يقول : اللهم قد أنضيت ظهري ، وأبعدت مطلبي ، ووقفت ببابك ضارعاً خاضعاً ، فإن كنت لم تقبل تعبي ونصبي ، فلا تحرمني أجر المصاب على مصابه . فلما قربت الشمس أن تغرب قال : اللهم عجت الأصوات بضروب اللغات ليسألونك الحاجات ، وحاجتي إليك أن لا تنساني على طول البكاء إذا نسيني أهل الدنيا .

سأل أعرابي قوماً فقال : رحم الله امرءاً لم تمج أذنه كلامي ، وقدم لنفسه معاذة من سوء مقامي ، فإن البلاد مجدبة والدار مضيعة والحال مسبغة ، والحياء زاجر ينهى عن كلامكم ، والفقر عاذر يدعو إلى إخباركم ، والدعاء إحدى الصدقتين . فرحم الله امرء آسى بمير ، أو دعا بخير . فقال له رجل : ممن يا أعرابي ؟ فقال : ممن لا تنفعكم معرفته ولا تضركم جهالته اللهم غفراً ، إن يوم الاكتساب ، يمنع من كرم الانتساب . دعا أعرابي في الكعبة فقال : اللهم إنك عالم بحوائجي فاقضها ، وعارف بذنوبي فاغفرها . فقيل له : اختصرت . فقال : لا والله بل بالغت . وقال آخر في دعائه : اللهم إني أسألك الخوف منك ، حين يأمنك من لا يعرفك ، وأسألك الأمن منك ، حين يخافك من يغتر بك . ودعا آخر فقال : اللهم فما أعرف معتمداً من زيارة فاطلب ، ولا أجد غنى فأترك في الحجة ، فإن أطنبت في سؤالك فلفاقتي إلى ما عندك ، وإن قصرت في دعائك فلما تعودت من ابتدائك . قالت أعرابية عند الكعبة : إلهي لك أذل ، وعليك أدل . كان من دعاء شريح : اللهم إني أسألك الجنة بلا عمل عملته ، وأعوذ بك من النار بلا ذنب تركته . يقال إنه كان من دعاء يونس في الظلمات : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، وإلا تغفر لي وترحمني ، أكن من الخاسرين ، مسني الضر وأنت أرحم الراحمين . قال أعرابي في دعائه : اللهم إني أعوذ بك من حاجة إلا إليك ، ومن خوف إلا منك ، ومن طمع إلا فيما عندك . قال الأصمعي : سمعت أعرابياً يقول وهو متعلق بأستار الكعبة : إلهي من أولى بالزلل والتقصير مني وقد خلقتني ضعيفاً ، إلهي من أولى بالعفو عني منك ، وقضاؤك نافذ ، وعلمك بي محيط ، أطعتك بإذنك ، والمنة لك علي ، وعصيتك بعلمك ، والحجة لك علي ، فبثبات حجتك وانقطاع حجتي ، وبفقري إليك وغناك عني ، ألا غفرت لي ذنوبي . دعا أعرابي فقال : اللهم إنك حصيت ذنوبي فاغفرها ، وعرفت حوائجي فاقضها . وكان بعضهم يقول في دعائه : اللهم أعني على ديني بديناً ، وأعني على آخرتي بتقوى . ودعا آخر : اللهم إني أعوذ بك من الفاجر وجدواه والغريم وعدواه ، وأعوذ بك من سقم ، وعداوة ذي رحم ، وعمل لا ترضاه ، اللهم أعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك . سأل أعرابي قوماً وهم في مصيبة فقالوا : ما ترى شغلتنا قال : ما بكم بدأت ولا إليكم انتهت . قال الأصمعي ، : مر بي يوماً أعرابي سائل فقلت له : كيف حالك ؟ فقال : أسأل الناس إجحافاً ، ويعطوننا كرهاً ، فلا يؤخرون ما يعطون ولا يبارك لنا فيما نأخذ ، والعمر بين ذلك فإن والأجل قريب والأمل بعيد . قال الأصمعي : اعترضنا أعرابي في طريق مكة فقال : هل عائد علي بفضل ، أو مواس من كفاف ؟ فأمسك عنه القوم . فولى وهو يقول : اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز ، ولا إلى الناس فنضيع . وقف أعرابي على حلقة الحسن فقال : رحم الله من عاد بفضل وواسى من كفاف ، وآثر من معروف فقال الحسن : ما بقي منكم أحداً . دعا عمرو بن عتبة فقال : اللهم أعني على الدنيا بالقناعة ، وعلى الدين بالعصمة ، اللهم إني أعوذ بك من طول الغفلة وإفراط الفطنة . اللهم لا تجعل قولي فوق عملي ، ولا تجعل أسوأ عملي ما ولى أجلي ، اللهم إني أستغفرك مما أملك ، وأستصفحك لما لا أملك ، اللهم لا تجعلني ممن إن مرض شجن، وإن استغنى فتن ، وإن افتقر حزن . سألت أعرابية بالبصرة فقالت : يا قوم طرائد زمان ، وفرائس نازلة ، نبذتنا الرحال ، ونشرتنا الحال ، وأطعمنا السؤال ، فهل من كاسب لأجر ، أو راغب في ذخر . سأل أعرابي رجلاً حاجة فقال : إذهب بسلام . فقال له : أنصفنا من ردنا في حوائجنا إلى الله . وكانوا يستنجحون حوائجهم بركعتين يقولون بعدهما : اللهم إني بك استفتح ، وبك استنجح ، وبحمد نبيك إليك أتوجه ، اللهم ذلل لي صعوبته وسهل حزونته ، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو ، واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف . ودعا بعضهم فقال : اللهم إني أعوذ بك من حياة على غفلة ، ومن وفاة على غرة ، ومن مرد إلى حسرة ، وأسألك العافية من أن أمل عافيتك وأكفر نعمتك ، أو أنسى حسن بلائك ، أو أستبدل بالسيئة الحسنة . سأل أعرابي فقال : سنة حردت ، وحال جهدت ، وأيد حمدت ، فرحم الله من يرحم . تقول العرب في الدعاء على الرجل : لا طلبته الخيول للغارة أو يتكاره جدب الزمان وعلى هذا المعنى حمل قول الشاعر : وجنبت الخيول أبا زنيب . . . وجاد على منازلك السحاب دعا رجل لآخر فقال لا جعل الله حظ السائل منك عذرة صادقة دعا أعرابي أبطأ عنه ابنه فخاف عليه فقال : اللهم إن كنت أنزلت به بلاء فأنزل معه صبراً ، وإن كنت وهبت له عافية فافرغ ، عليه الشكر ، اللهم إن كان عذاباً فاصرفه ، وإن كان فلاحاً ، فزد فيه وهب لنا الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء .

كان قيس بن سعد يقول : اللهم ارزقني مجداً وحمداً ، فلا حمد إلا بفعال ، ولا مجد إلا بمال . اللهم إني أعوذ بك من فقر مكب ، وضرع إلى عير مخب . كان محمد بن المنكدر يقول : اللهم قو فرحي بأهلي ، فإنه لا قوام لهم إلا به . قال بعضهم : كنت مع سعيد بن عبد الملك فقصدت له أعرابية تريد أن نسأله فمنعت منه ، فلم تزل تحتال حتى وقفت عليه ، فقالت أبا عثمان : حياك من لم تكن ترجو تحيته . . . لولا الحوائج ما حياك إنسان وسألت أعرابية المنصور في طريق مكة ، فمنعها فقالت متمثلة : الطويل : إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى . . . فأبعدكن الله من شجرات وسألته أخرى فمنعها ، فقالت : دنوك إن كان الدنو كما أرى . . . علىّ وبعد الدار مستويان زعموا أن الحسين الخادم أطال الجلوس عند الواثق فقال : ألك حاجة ؟ فقال : أما إلى أمير المؤمنين فلا ، ولكن إلى الله فيه ، وهي أن يطيل بقاءه ويديم نعماءه . قال الحسين بن وهب : شكرت ابن أبي داود فقال لي : أحوجك الله إلى أن تعلم مالك عند صديقك . قال رجل لرجل : سترك الله . فقال : وإياك فستر ، ولا جعل ما تحت الستر ما يكره ، فكم مستور منه على ما يكرهه الله . قال الأصمعي كان من دعاء أبي المجيب : اللهم اجعل خير عملي ما قارب أجلي . وكان يقول : اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز ، ولا إلى الناس فنضيع . وقال أبو زيد : وقف علينا أعرابي في حلقة يونس فقال : الحمد لله كما هو أهله ، ونعوذ بالله أن أذكر به وأنساه ، خرجنا من المدينة مدينة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثون رجلاً ممن أخرجته الحاجة ، وحمل على المكروه لا يمرضون مريضهم ، ولا يدفنون ميتهم ، ولا ينتقلون من منزل إلى منزل ، وإن كرهوه ، والله يا قوم ، لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق ، ولقد مشيت حتى انتعلت الدم ، وحتى خرج من قدمي لحم كثير . أفلا رجل يرحم ابن سبيل ، أذل طريق ، ونضو سفر ، فإنه لا قليل من الأجر ، ولا غنى عن الله عز وجل ، ولا عمل بعد الموت ، وهو يقول جل ذكره " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه " ملي، وفي ، ماجد ، واجد لا يستتقرض من عوذ ولكنه يبلو الأخيار . قال فبلغني أنه لم يبرح حتى أخذ ستين ديناراً . وقال سفيان الثوري : سمعت سوداء بعرفة تقول : يا حسن الصحبة : أسألك ستراً لا تهتكه الرياح ، ولا تخرقه الرماح . كان من دعاء ابن السماك : اللهم إنا نحب طاعتك وإن قصرنا ، ونكره معصيتك وإن ركبناها ، اللهم فتفضل علينا بالجنة وإن لم نكن أهلها ، وخلصنا من النار وإن كنا قد استوجبناها . ووقفت امرأة من الأعراب من هوازن على عبيد الرحمن بن أبي بكرة فقالت أصلحك الله ، أقبلت من أرض شاسعة ، يرفعني رافعة ، ويخفضني خافضة بملمات من البلاء ، وملمات من الدهور برين عظمي ، وأذهبن لحمي ، وتركنني ولهة أمشي بالحضيض ، وقد ضاق بي البلد العريض ، لا عشيرة تحميني ، ولا حميم يكفيني ، فسألت في أحياء العرب من المرجو سيبه ، المأمون عيبه ، المكفي سائله ، الكريمة شمائله ، المأمول نائله ، فأرشدت إليك ، وأنا امرأة من هوازن ، مات الوالد وغاب الرافد ، وأنت بعد الله غياثي ، ومنتهى أملي ، فاصنع إلي إحدى ثلاث : إما أن تقيم أودي ، أو تحسن صفدي، أو تردني إلى بلدي . قال : بل : أجمعهن لك وحياً . ووقفت أعرابية على قوم فقالت : بعدت مشقتي ، وظهرت محارمي ، وبلغت حاجتي إلى الرمق ، والله سائلكم عن مقامي . وسألت أخرى فقالت : ساءلتكم ، فسؤلكم القليل الذي يوجب لكم والكثير ، رحم الله واحداً أعان محقاً . ووقفت أخرى فقالت : يا قوم ، تغير بنا الدهر إذ قل منا الشكر ولزمنا الفقر ، فرحم الله من فهم بالعقل ، وأعطى من فضل ، وآثر من كفاف ، وأعان على عفاف . كان بعضهم يقول : اللهم قني عثرات الكرام . وكان بعض السلف يقول : اللهم أحملنا من الرجلة ، وأغننا من العيلة . وسأل أعرابي فقيل له : بورك فيك ونوالي عليه ذلك من غير مكان فقال : وكلكم الله إلى دعوة لا تحضرها نية . وقال بعضهم : اللهم أعني على الموت وكربته ، وعلى القبر وغمته ، وعلى الميزان وحقته ، وعلى الصراط وذلته ، وعلى يوم القيامة وروعته . وقال آخر : اللهم أغنني بالإفتقار إليك ، ولا تفقرني بالاستغناء عنك . وقال آخر : اللهم أعني على الدنيا بالقناعة ، وعلى الدين بالعصمة . وقال آخر : اللهم أمتعنا بخيارنا ، وأعنا على أشرارنا ، واجعل المال في سمحائنا . ولما ولي مسروق السلسلة انبرى له شاب فقال له : وقاك الله خشية الفقر ، وطول الأمل ، ولا جعلك ذرية للسفهاء ، ولا شيناً للفقهاء .

وقال أعرابي في دعائه اللهم لا تحيني وأنا أرجوك ، ولا تعذبني وأنا أدعوك ، اللهم قد دعوتك كما أمرتني ، فأجبني كما وعدتني . وقالت امرأة من الأعراب : اللهم إني أعوذ بك من شر قريش وثقيف وما جمعت من اللفيف ، وأعوذ بك من ملك امرأة ، ومن عبد ملأ بطنه . كان قوم في سفينة فهاجت الريح فقال رجل منهم : اللهم إنك أريتنا قدرتك ، فأرنا رحمتك . ورأى آخر رجلاً سائلاً يسأل يوم عرفة فقال : أيهذا إلام تسأل غير الله ؟ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك ، فاجتمع إليه الناس وقد دهمهم العدو ، فأقسم على الله فمنحهم الله أكتافهم . ودعا سعيد بن المسيب فقال رغبك الله فيما أبقى ، وزهدك فيما يفنى ، ووهب لك اليقين الذي لا تسكن النفوس إلا إليه ، ولا تعول في الدين إلا عليه . وكان مطرف يقول : اللهم إنك أمرتنا بأمرك ، ولا نقوى عليه إلا بعونك ، ونهيتنا عما نهيتنا عنه ، ولا ننتهي عنه إلا بعصمتك ، واقعة علينا حجتك ، غير معذورين فيما بيننا وبينك ، ولا منجوسين فيما عملنا لوجهك . ودعا أعرابي فقال : اللهم إني أعوذ بك من الفقر المدقع ، والذل المضرع . وقال آخر وقد سمع صوت الصواعق : اللهم إن كان عذاباً فاصرفه ، وإن كان صلاحاً فزد فيه ، وهب لنا الصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، اللهم إن كانت محنة فمن علينا بالعصمة ، وإن كانت عقاباً فمن علينا بالمغفرة .

قال طاووس : يكفي من الدعاء مع الورع ، ما يكفي العجين من الملح . دعا أعرابي فقال : اللهم إني أسألك البقاء ، والنماء وحط الأعداء ، وطيب الإتاء . وقف أعرابي في جامع البصرة فقال : أما بعد فإنا أبناء السبيل ، وأنضاء الطريق ، تصدقوا علينا فإنه لا قليل من الأجر ، أما والله إنا لا نقوم هذا المقام ، وفي الصدور حزازة ، وفي القلب غصة . قال الأصمعي : سمعت أعرابياً على باب الكعبة وهو يقول : اللهم سائلك ببابك نفدت أيامه ، وبقيت آثامه ، وانقطعت شهواته ، وبقيت تبعاته ، اللهم فاغفر لي ، فإن تغفر لي ، فاعف عني فربما عفا المليك عن مملوكه وهو مغضبه . وقال وسمعت آخر وهو يقول : اللهم إني أعوذ بك من المفر منك ومن الذل إلا لك ، ومن التعزز إلا بك ، فأعطني الخير ، واجعلني له آهلاً ، وجنبني الشر ، ولا تجعلني له مثلاً . وقال : وسمعت آخر يدعو في يوم عرفة يقول : اللهم لا تحرمني خير ما عندك ، لسوء ما عندي ، وإن كنت لك تقبل تعبي ونصبي ، فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته . وقف أعرابي على قوم فسألهم فانتهروه فقال : اللهم إني أسألك من القناعة ما يقلل عندي المستفاد ، ويهون علي الأسف على ما فات ثم أقبل على القوم وقال : وأنتم فحرمكم الله من الشكر ما تستوجبون به الزيادة . وقف أعرابي على قوم فقال : أخ في كتاب الله ، وجار في بلاد الله وطالب إليكم من رزق الله ، فهل من أخ موات في ذات الله ؟ . كان يوسف بن الحسين المرازي يقول في دعائه : اللهم إنك تعلم أني نصحت الناس قولاً ، وخنت نفسي فعلاً ، فهب خيانتي لنفسي لنصيحتي للناس . دع أعرابي فقال : يارب إن كنت تدع رزقي لهواني عليك، فنمروذ كان أهون مني ، وإن كنت تدعه لكرامتي عليك ، فسليمان كان أكرم مني . حج رجل من الأعراب فقال : اللهم حضرني إليك الرغب والرهب فأدأبت النهار ، وأسأدت الليل ، غير وعد ولا رسل أصل الجعجاع ، وأدمن الإيضاع ، فأنقيت الخف ، وبريت العظم ، وأكلت السنام ، لك بذلك الإمتنان ، وفي قديم إلي منك الإحسان ، أنا ضيفك أرجو قراك ، فلينلني عفوك وليسعني فضلك ، اللهم أحيني العاقبة ، والغفران ، يا إله الطول والإحسان . دعا أعرابي على آخر فقال : رماك الله بليلة لا أخت لها . ودعا آخر فقال : اللهم إني أسألك طعم الأهل ، وخصب الرجل . وكان آخر يقول : اللهم إني أعوذ بك من قرع الغناء ، وكساد أيم ، وغضب العاقل .