الجزء السادس - الباب السابع أوابد العرب

الباب السابع أوابد العرب

كان الرجل منهم إذا بلغت إبله مائة عمد البعير الذي أمات به مائة فأغلق ظهره لئلا يركب ، وليعلم أن صاحبه ممءٍ، حمى ظهره ، وإغلاق ظهره : أن تنزع سناسن فقرته ، ويعقر سنامه ، والفعل : تعني وهو معنى معني ، قال الفرزدق : علوتك بالمفقئ والمعنى . . . وبيت المحتبي والخافقات التعمية والتفقئة كان الرجل إذا بلغت إبله ألفاً فقأ عين الفحل ، يقول : إن ذلك يدفع عنها العين والغارة وهي التفقئة قال : وهبتها وأنت ذو امتنان . . . تفقأ فيها أعين البعران فإذا زادت الإبل على الألف عموه بالعين الأخرى وهي التعمية قال الشاعر ينعي عليهم ذلك : فكان شكر القوم عند المنن . . . كي الصحيحات وفقء الأعين عقد الرتم

كان الرجل إذا أراد سفراً عمد إلى شجرة ، فعقد غصناً من أغصانها بآخر ، فإن رجع ورآه معقوداً زعم أن امرأته لم تخنه : وإن رآه محلولاً زعم أنها قد خانته ، قال الشاعر : هل ينفعنك اليوم إن همت بهم . . . كثرة ما توصي وتعقاد الرتم ؟ خانته لما رأت شيئاً بمفرقه . . . وغره حلفها والعقد للرتم ذبح العتائر كان الرجل منهم يأخذ الشاة وتسمى العتيرة والمعتورة فيذبحها ، ويصب دمها على رأس الصنم ، وذلك يفعلونه في رجب ، والعتر قيل هو مثل الذبح وقيل هو للصنم الذي يعتر له . قال الطرماح : فخر صريعاً مثل عاترة النسك أزاد بالعاترة الشاة المعتورة . ذبح الظباء كان الرجل ينذر أنه إذا بلغت إبله أو غنمه مبلغاً ما ذبح عنها كذا ، فإذا بلغت ضن بها ، وعمد إلى الظباء يصطادها وفاء بالنذر ويذبحها ، قال الشاعر : عنتاً باطلاً وزوراً كما يع ؟ . . . تر عن حجرة الربيض الظباء كي السليم عند الجرب

زعموا أن الإبل إذا أصابها العر فأخذوا الصحيح كووه ، زال العر عن السقيم . قال النابغة : لكلفتني ذنب امرئٍ وتركته . . . كذي العر يكوي غيره وهو راتع ويقال أنهم يفعلون ذلك ويقولون نؤمن معه العدوى . ضرب الثور ليشرب البقر كانوا إذا امتنعت البقر عن شرب الماء ضربوا الثور ، وزعموا أن الجن تركب الثيران ، فتصد البقر عن الشرب . قال الأعشى : ؟ وإني وما كلفتماني وربكم ليعلم من أمسى أعق وأحربا لكا لثور والجني يضرب ظهره . . . وما ذنبه أن عافت الماء مشربا ؟ وما ذنبه أن عافت الماء باقر . . . وما إن تعاف الماء إلا ليضربا وقال آخر : كذاك الثور يضرب بالهراوي . . . إذا ما عافت البقر الظماء عقد السلع والعشر كانوا إذا استمطروا يعمدون إلى البقر ، ويعقدون في أذنابها السلع والعشر يضرمون فيها النار ، ويصعدونها في الجبل ، ويزعمون أنهم يمطرون في الوقت . قال أمية به أبي الصلت : ويشقون باقر السهل للطو . . . د مهازيل خشيةً أن تبورا عاقدين نيران في ثكن الأذ . . . ناب منها لكي تهيج البحورا سلعٌ ما ومثله عشرٌ ما . . . عائلٌ ما وعالت البيقورا كعب الأرنب كانوا يعلقونه على أنفسهم ، ويقولون : إن من فعل هذا لم تصبه عين ولا سحر ؛ وذلك أن الجن تهرب من الأرنب ؛ لأنها ليست من مطايا الجن ، لأنها تحيض . قال الشاعر : ولا ينفع التعشير إن حم واقعٌ . . . ولا ودعٌ يغني ، ولا كعب أرنب وقيل لزيد بن كثوة : أحق ما يقولون إن من علق على نفسه كعب الأرنب لم تقربه جنان الحي وعمار الدار ؟ فقال : إي والله ولا شيطان الحماطة ، وجان العشيرة وغول القفر وكل الخوافي ، إي والله وتطفأ عنه نيران السعالي. دائرة المهقوع وهو الفرس الذي به الدائرة التي تسمى الهقعة ، فيزعمون أنه إذا عرق تحت صاحبه اغتلمت حليلته وطلبت الرجال قال : إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت . . . حليلته وازداد حراً عجانها السنام والكبد زعموا أن الإنسان إذا عشي ثم قلي له سنام فأكله ، وكلما أكل لقمةً مسح جفنه الأعلى بسبابته وقال : يا سنام :

يا سناماً وكبد . . . ليذهب الهدبد ليس شفاءُ الهدبد . . . إلا السنام والكبد عوفي صاحب العشي منه . والهدابد : العشي . الطارف والمطروف ويزعمون أن الرجل إذا طرف عين صاحبه فهاجت ، فمسح الطارف عين المطروف سبع مرات وقال في كل مرة : بإحدى جاءت من المدينة ، باثنتين جاءتا من المدينة ، بثلاث جئن من المدينة إلى سبع ، سكن هيجانها . بكاء المقتول كان النساء لا يبكين المقتول إلى أن يدرك ثأره ، فإذا أدرك بكينه ، قال : من كان مسروراً بمقتل مالكٍ . . . فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسراً يندبنه . . . يلطمن حر الوجه بالأسحار وطء المقاليت يزعمون أن المرأة المقلات إذا وطئت قتيلاً شريفاً بقي أولادها ، قال بشر بن أبي خازم : تظل مقاليت النساء يطأنه . . . تقلن : ألا يلقى على المرء مئزر ؟ تعليق الحلي على السليم يزعمون أن السليم إذا علق عليه الحلي أفاق فيلقون عليه الأسورة والرعاث ويتركونها عليه سبعة أيام ويمنع من النوم . قال النابغة : يسهد من نوم العشاء سليمها . . . لحلي النساء ، في يديه قعاقع شق الرداء والبرقع زعموا أن المرأة إذا أحبت رجلاً أو أحبها ، ثم لم تشق عليه رداءه ، أو يشق عليها برقعها ، فسد حبهما ، فإذا فعلا ذلك دام حبهما . قال : إذا شق بردٌ شق بالبرد برقعٌ . . . دواليك حتى كلنا غير لابس فكم قد شققنا من رداء محبر . . . وكم برقع عن طفلة غير عانس رمي السن في الشمس يقولون إن الغلام إذا أثغر فرمى سنه في عين الشمس بسبابته وإبهامه وقال : أبدليني بها أحسن منها ، ولتكن إياتك فيها أمن على أسنانه العوج والقلح والنغل ، قال طرفة : بدلته الشمس من منبته . . . برداً أبيض مصقول الأشر قال النابغة : سقته إياة الشمس إلا لثاته وقال أبو دؤاد :

ألقي عليه إياة الشمس أرواقا ذهاب الخدر يزعمون أن الرجل إذا خدرت رجله فذكر أحب الناس إليه ، ذهب عنه الخدر . قال كثير : إذا خدر رجلي دعوتك أشتفي . . . بذكراك من مذل بها فيهون وقالت امرأة من كلاب : إذا خدرت رجلي ذكرت ابن مصعبٍ . . . فإن قلت : عبد الله أجلى فتورها تراجع القلفة يزعمون أن من ولد في القمراء تراجعت قطعته فكان كالمختون ، ودخل امرؤ القيس مع قيصر الحمام فرآه أقلف فقال : إني حلفت يميناً غير كاذبةٍ . . . أنك أقلف إلا ما جنى القمر إذا طعنت به مالت عمامته . . . كما تجمع تحت الفلكة الوبر التعشير يزعمون أن الرجل إذا أراد دخول قرية فخاف وباءها ، فوقف على بابها قبل أن يدخلها فعشر كما ينهق الحمار ، ثم دخلها لم يصبه وباؤها . قال عروة بن الورد : لعمري ، لئن عشرت من خشية الردى . . . نهاق الحمير ، إنني لجزوع تعليق السن زعموا أن الصبي إذا خيف عليه نظرة أو خطفةٌ ، فعلق عليه سن ثعلب أو سن هرة أو غير ذلك أمن ، فإن الجنية إذا أرادته لم تقدر عليه ، فإذا قال لها صواحباتها في ذلك . قالت : كانت عليه نغرة . ثعالب وهرره . والحيض حيض السمره . أعوان السنة يزعم أنه قيل للسنة أنك مبعوثة ، فقالت : ابعثوا معي أعواني : الحصبة والجدري والذئب والضبع . حبس البلايا كانوا إذا مات الميت يشدون ناقته إلى قبره ، ويعكسون رأسها إلى ذنبها ، ويغطون رأسها بوليةٍ - وهي البرذعة - فإن أفلتت لم ترد عن ماء ولا مرعى ، ويزعمون أنهم إنما يفعلون ذلك ليركبها صاحبها في المعاد ليحشر عليها كي لا يحتاج أن يمشي ، قال علي أبو زبيد : كالبلايا رءوسها في الولايا.. . مانحات السموم حر الخدود خروج الهامة زعموا أن الإنسان إذا قتل ولم يطلب بثأره ، خرج من رأسه طائر يسمى الهامة وصاح على قبره : اسقوني اسقوني إلى أن يطلب بثأره ، قال ذو الإصبع : يا عمرو إلا تدع شمي ومنقصتي . . . اضربك حتى تقول الهامة : اسقوني الحرقوص دويبة أكبر من البرغوث يزعمون أنه يدخل أحراح الأكابر فيفتضهن وأنشدوا : ما لقي البيض من الحرقوص من مارد لص من اللصوص يدخل تحت الغلق المرصوص بمهر لا غالٍ ولا رخيص عض الصفر زعموا أن الإنسان إذا جاع عض على شرسوفه حية ، تكون في البطن يقال لها الصفر ، قال الشاعر : لا يتأرى لما في القدر يرقبه . . . ولا يعض على شرسوفه الصفر تثنية الضربة يزعمون أن الجنية تموت من أول ضربة ، فإذا ثنيت عاشت . قال تأبط شراً : فقالت : عد ، فقلت : رويداً . . . إني على أمثالها ثبت الجنان خيانة القين زعموا أن عمرو بن شأس كان غيوراً ، ينزل ربوة من الأرض منفرداً عن الناس فطرق الجن ليلاً فأوجس منهم خيفة ، ثم تنحى عنهم ويسمع إلى ما قالوا ، فقالوا : أما إن محله هذا على عين ما ، وإن في إبله دويبة وهي داء إبله ، وأن أحد أولاده ليس له . فلما أصبح ثاب إليه عقله فحفر الموضع ، فوجد العين ثم طلب الدويبة ، فوجدها وقتلها ثم فكر فقال : كيف لي بتعرف خبر أولادي ؟ فبينا هم مع عمرو في الصيد حتى طردوا النعام ، وأصابه الصيد ، لجأوا إلى ظل شجرة فقال لأحدهم : لماذا تصلح هذه الشجرة ؟ فقال : لقوم كرام طردوا الصيد نصف النهار ثم جاءوا إليها ، وقال للآخر مثله فقال : لأن تكسر فتبني منها مظلة ، فقال : هما ابناي . ثم قال للثالث : لماذا تصلح هذه الشجرة ؟ فقال : لأن تحرق فتصير فحماً . فاتهمه فتسمى بنو أسد : القيون : وقال أوس بن حجر : بكرت أمية غدوة برهين . . . خانتك إن القين غير أمين وقول آخر : وعهد الغانيات كعهد قين تعفير الزند إذا قدحوا أخذوا يعفرون رأس الزند ، يقولون إن ذلك يخرج ناره قال الطرماح : وأخرج أمه لسواس سلمى . . . لمعفور الضبا ضرم الجنين حيض الضبع يقولون إن الضبع تحيض ، وأنها تنتاب جيف القتلى ، فتركب كمرها وتستعمله ، وقالوا في قول الشاعر معاني ، أحدها : هذا : تضحك الضبع لقتلي هذيل . . . فترى الذئب لها يستهل خضاب النحر كانوا إذا أرسلوا الخيل على الصيد ، فسبق واحد منها ، خضبوا صدره بدم الصيد علامة له . قال : كأن دمكاء الهاديات بنحره . . . عصارة حناء بشيب مرجل نصب الراية كانت العواهر تنصب على أبواب بيوتها رايات لتعرف بها ، ومن شتائمهم : يا بن ذات الراية . دم الأشراف يقولون إنه ينفع من عضة الكلب ، قال : من البيض الوجوه بني نمير . . . دماؤهم من الكلب الشفاء رمي البعرة كانت المرأة إذا أحدت على زوجها سنة ، وكان رأس الحول رمت ببعرة ، ومعناه : أن هذا هين ومنه المثل السائر : " أهون من لقعة ببعرة " . ضمان أبي الجعد وهو الذئب قال الراجز : أخشى أبا الجعد وأم العمرو يعني الذئب والضبع ، وضمانه أن العرب تقول : إن الضبع إذا هلكت وكانت له جراء تكفل الذئب بقوتها . قال الكميت :

وكما خامرت في حصنها أم عامر . . . لذي الحبل حتى عال أوس عيالها معالجة الضبع كان الرجل يأتي وجارها ومعه حبل فيدخله ويقول : خامري أم عامر ابشري بشاءٍ هزلي ، وجرادٍ عظلي . فتسكن حتى يقيدها فإن رأت الضوء قبل تقييدها ، وثبت على الصائد فقتلته . رعية الجأب وهو الحمار الوحشي يقولون : إنه يعلو نشزا من الأرض مع أتنه ، مال على الشمس حتى تغيب ثم شرد ؛ يفعل ذلك خشية القانص قال : وظلت صوافن خزر العيون . . . إلى الشمس من رهبة أن تغيبا شرب العير يزعمون أن الحمار إذا ورد الماء بالأتن تقدمها ، فخاض الماء من خوف الرماه ، ثم رشف الماء رشفاً خفيفاً ، فإذا أمن أعلى الجرع ، فجئن إليه إذا سمعن جرعه ، قال الشاعر : فلما رماها بالنجار وأشرفت . . . على راكد كالهدم سكانه الرأل ثناها بهمس الرشف حتى قاربت . . . وأعلى جرعاً ، فاستجابت على مهل قطع المشافر كانوا إذا سلكوا مفازةً جدباء أعطشوا الإبل ثم سقوها ريها ، وقطعوا مشافرها طولاً فلا يمكنها أن ترعى ، فيبقى الماء في أجوافها ، فإذا أعوزهم الماء ، شقوا الكرش بالسيف وشربوا الماء استقاء السيف - يعني به - هذا هو القطع . قال الشاعر :

ودويةٍ بها يخشى الردى . . . وليس بها إلا اليماني مخلف المخلف : المسقي أي لا يستقى فيها إلا السيف . التسويد كانوا يجعلون الدم في المصير ويلقونه على النار ثم يأكلونه . التصفيق كانوا إذا ضل منهم الرجل في الفلاة ، قلب ثيابه ، وحبس ناقته ، وصاح في أذنيها كأنه يومئ إلى إنسان ، وصفق بيديه قائلاً : الوحا الوحا ، النجا النجا ، هيكل، الساعة الساعة ، إلي ، إلي عجل ، ثم يحرك الناقة فتهتدي . قال : وأذن بالتصفيق من ساء ظنه . . . فلم يدر من أي اليدين جوابها يعني : يسوء ظنه بنفسه إذا ضل . ضرب الأصم يزعمون أن الأصم يتشدد في الضرب لأنه لا يسمع شيئاً فيظن أنه قد قصر ، قال الشاعر : فأوصيكما بطعان الكماة . . . فقد تعلمان بأن لا خلودا وضرب الجماجم ضرب الأصم . . . حنكل شاته تجني هبيدا جز النواصي كانوا إذا أسروا رجلاً ؛ ومنوا عليه وأطلقوه ، جزوا ناصيته ، ووضعوها في الكنانة ، قال الحطيئة :

قد ناضلوك فسلوا من كنانتهم . . . مجداً تليداً ونبلاً غير أنكاس وقالوا يعني بالنبل : الرجال . وقالت خنساء : جززنا نواصي فرسانهم . . . وكانوا يظنون ألا تجزا الالتفات زعموا أن من خرج من سفر فالتفت وراءه ، وتطيروا له من ذلك سوى العاشق ، فإنهم كانوا يتفاءلون إلى ذلك ، ليرجع إلى من خلف . البحيرة كان أهل الوبر يقطعون لآلهتهم من أموالهم من اللحم ، وأهل المدر يقطعون لها من الحرث ، فكانت الناقة إذا أنجبت خمسة أبطن عمدوا إلى الخامس - ما لم يكن ذكراً - فشقوا أذنها وتركوها فتلك البحيرة ، فربما اجتمع منها هجمة من البحر فلا يجز لها وبر ولا يذكر عليها إن ركبت اسم الله ، ولا يحمل عليها شيء ، وكانت ألبانها للرجال دون النساء . السائبة كان يسيب الرجل الشيء من ماله ، إما بهيمة ، وإما إنساناً فيكون حراماً أبداً ، منافعها للرجال دون النساء . الوصيلة كانت الشاة إذا وضعت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع ، فإن كان ذكراً ذبح ، وإن كانت أنثى تركت في الشاء ، فإن كان ذكراً وأنثى قيل : وصلت أخاها فحرما جميعاً . فكانت منافعها ، ولبن الأنثى منها للرجال دون النساء . الحامي كان الفحل إذا أدرك أولاد أولاد أولاده ، فصار ولده جداً ، قالوا : حمى ظهره ، اتركوه فلا يحمل عليه ، ولا يركب ولا يمنع من ماء ولا مرعى ، فإذا ماتت هذه التي جعلوها لآلهتهم ، اشترك في أكلها الرجال والنساء وذلك قول الله عز وجل : " وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء " . وأما أهل المدر والحرث كانوا إذا حرثوا حرثاً ، وغرسوا غرساً ، خطوا في وسطه خطاً ، فقسموه بين اثنين ، فقالوا : ما دون هذا الخط لآلهتهم ، وما وراءه لله . فإن سقط مما جعلوا لآلهتهم أقروه ، وإذا أرسلوا الماء في الذي لآلهتهم فانفتح في الذي سموه لله سدوه ، وإن انفتح من ذاك في هذا قالوا : اتركوه فإنه فقير إليه . فأنزل الله عز وجل : " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً ، فقالوا : هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ، فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ، ساء ما يحكمون " . الأزلام كانوا إذا كانت مداراة أو نكاح أو أمر يريدونه ، فلا يدرون ما الأمر فيه ، ولم يصح لهم ، أخذوا قداحاً لهم فيها افعل ، ولا تفعل ، ونعم ، لا ، خير ، شر ، بطيء ، سريع أما المداراة فإن قداحها كانت بيضاً ليس فيها شيء ، كانوا يجيلونها ، فمن خرج سهمه فالحق له ، وللحضر والسفر سهمان فيأتون السادن من سدنة الأوثان فيقول السادن : اللهم أيهما كان خيراً فأخرجه لفلان : فيرضى بما خرج له . وإذا شكوا في نسب الرجل أجالوا له القداح وفيها : صريح وملصق فإن خرج الصريح ألحقوه بهم ولو كان دعياً ، وإن خرج الملصق نفوه وإن كان صريحاً ، فهذه قداح الاستقسام . الميسر أما الميسر فإن القوم كانوا يجتمعون فيشترون الجزور بينهم ، فيفصلونها على عشرة أجزاء ثم يؤتى بالحرضه وهو رجل يتأله عندهم ، لم يأكل لحماً قط بثمن فيؤتى بالقداح وهي أحد عشر قدحاً ، سبعة منها لها حظ إن فازت ، وعلى أهلها غرم إن خابت بقدر مالها من الحظ عند الفوز ، وأربعة تثقل بها القداح ، لاحظ لها إن فازت ، ولا غرم عليها إن خابت ، فأما التي لها الحظ : فأولها : الفدُّ ، في صدره حز واحد ، فإن خرج أخذ نصيباً ، وإن خاب غرم صاحبه ثمن نصيب. ثم التوءم له نصيبان إن فاز ، وعليه ثمن نصيبين إن خاب . ثم الضريب وله ثلاثة أنصباء . ثم الحلس ولها أربعة . ثم النافس وله خمسة . ثم المسبل وله ستة . ثم المعلى وله سبعة . وأسماء الأربعة التي تثقل بها القداح : السفيح والمنيح والمضعف والمصدر . فيؤتى بالقداح كلها ، وقد عرف كل رجل ما اختار من السبعة ، ولا تكون الأيسار إلا سبعة ، لا يكونون أكثر من ذلك ، فإن نقصوا رجلاً أو رجلين فأحب الباقون أن يأخذوا ما فضل من القداح فيأخذ الرجل القدح أو القدحين فيأخذ فوزهما إن فازا ، أو يغرم عنهما إن خابا ويدعى ذلك التتميم . قال النابغة : إني أتمم أيساري وأمنحهم . . . مثنى الأيادي ، وأكسوا لجفنة الأدما فيعمد إلى القداح ، فتشد مجموعة في قطعة جلد تسمى الربابة ، ثم يعمد إلى الحرضة فيلف على يده اليمنى صنفة ثوب لئلا يجد مس قدح له في صاحبه هوى فيحابيه في إخراجه ، ثم يؤتى بثوب أبيض يدعى المجول فيبسط بين يدي الحرضة ، ثم يقوم على رأسه رجل يدعى الرقيب ويدفع ربابة القداح إلى الحرضة وهو محول الوجه عنها ، فيأخذها بيمينه ، ويدخل شماله من تحت الثوب ، فينكز القداح بشماله ، فإذا نهد منها قدح تناوله فدفعه إلى الرقيب ، فإن كان مما لاحظ له رد إلى الربابة ، فإن خرج المعلى أخذ صاحبه سبعة أنصباء ، فإن خرج بعده المسبل أخذ الثلاثة الباقية ، وغرم الذين خابوا ثلاثة أنصباء من جزور أخرى ، على هذه الحال يفعل بمن فاز وبمن خاب فربما نحروا عدة جزر ، ولا يغرم الذين فازوا من ثمن الجزور شيئاً ، وإما الغرم على الذين خابوا ، ولا يحل للخائبين أن يأكلوا من ذلك اللحم شيئاً ، فإن فاز قدح الرجل فأرادوا أن يعيدوا قدحه ثانية على خطار ما فعلوا ذلك به . نكاح المقت كان الرجل إذا مات ، قام أكبر ولده فألقى ثوبه على امرأة أبيه ، فورث نكاحها ، فإن لم يكن له فيها حاجة ، يزوجها بعض اخوته بمهر جديد ، فكانوا يرثون نكاح النساء كما يرثون المال ، فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن " . الاستئسار وكان الرجل يحمل في الحرب على الرجل بالطرف الذي فيه الزج ، فيقول : استأسر فإن لم يفعل قلب له السنان . قال زهير : ومن يعص أطراف الزجاج فإنه . . . يطيع العوالي ركبت كل لهذم الذئاب ويزعمون إنه إذا ظهر بأحد الذئاب دم ، مال عليه صاحبه فقتله . قال ابن الطثرية : فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى . . . بصاحبه يوماً دماً فهو آكله نباح الكلاب ويقولون : إن الكلاب إذا نبحت السماء ، دل ذلك على الخصب . قال : وما لي لا أغزو وللدهر كرة . . . وقد نبحت نحو السماء كلابها نقب لحى الكلب وكانوا ينقبون لحى الكلب في السنة الصعبة ، لئلا يسمع الأضياف نباحه . خرزة السلوان ويزعمون أن للسلوان خرزة إذا حكها العاشق بماء ، وشرب ما يخرج منها ، سلا وصبر . قال ذو الرمة : لا أشرب السلوان ما سليت ما بي غنى عنك وإن غنيت

نيران العرب

نار الاستسقاء : منها النار التي كانوا يستعملونها في الجاهلية الجهلاء ، وهي الجاهلية الأولى فإنهم كانوا إذا تتابعت عليهم الأزمات ، وركد عليهم البلاء واشتد الجدب ، واحتاجوا إلى الاستمطار واجتمعوا وجمعوا ما قدروا عليه من البقر ، ثم عقدوا في أذنابها وبين عراقيبها السلع والعشر ثم صعدوا بها في جبل وعر وأشعلوا فيها النار ، وضجوا بالدعاء والتضرع ، فكانوا يرون أن ذلك من أسباب السقيا . وأنشد الورل الطائي : لا در در رجالٍ خاب سعيهم . . . يستمطرون لدى الأزمات بالعشر أجاعل أنت بيقوراً مسلعةً . . . ذريعةً لك بين الله والمطر ؟ ونار أخرى وهي التي توقد عند ذلك ، ويدعون الله الحرمان والمنع من منافعها ، على الذي ينقض العهد ويخيس بالعهد ، ويقولون في الحلف : الدم ، الدم ، والهدم الهدم . يحركون الدال في هذا الموضع لا تزيده الشمس إلا شراً ، وطول الليالي إلا ضراً ، ما بل البحر صوفه ، وما قامت رضوى في مكانها - إن كان جبلهم رضوى ، وكل قوم يذكرون المشهور من جبالهم - وربما دنوا منها حتى تكاد تحرقهم ، يهولون على من يخافون الغدر من جهته بحقوقها ومنافعها ومرافقها بالتخويف من حرمان منفعتها . قال الكميت : هم خوفوني بالعمى هوة الردى . . . كما شب نار الحالفين المهول وقال أوس بن حجر : إذا استقبلته الشمس صد بوجهه . . . كما صد عن نار المهول حالف ولقد تحالفت قبائل من قبائل مرة بن عوف ، فتحالفوا عند نار دنوا منها وعشوا بها وهولوا بها حتى محشتهم النار ، فسموا المحاش وكان سيدهم والمطاع فيهم أبو ضمرة بن سنان بن أبي حارثة ولذلك يقول النابغة :

جمع محاشك يا يزيد فإنني . . . جمعت يربوعاً لكم وتميما وربما تحالفوا وتعاقدوا على الملح . والملح شيئان : أحدهما الدقة والآخر اللبن ، وأنشد لأبي الطمحان : وإني لأرجو ملحها في بطونكم . . . وما بسطت من جلد أشعث أغبرا وذلك أنه جاورهم فكان يسقيهم اللبن فقال : أرجو أن تسرعوا في رد إبلي على ما شربتم من ألبانها . وقوله " وما بسطت من جلد أشعث أغبرا " كأنه يقول : كنتم مهازيل ، - والمهزول يتقشف جلده وينقبض ، فسمنتهم - فبسط ذلك من جلودكم . نار الطرد : نار أخرى : وهي التي كانوا ربما أوقدوها خلف المسافر ، وخلف الزائر ، الذي لا يحبون رجوعه ، يقولون في الدعاء : أبعده الله وأسحقه وأوقدوا ناراً على إثره ، وأنشدوا : وجمة أقوام حملت ولم أكن . . . كموقد نارٍ إثرهم للتندم والجمة : هي الجماعة يمشون في الدم وفي الصلح ، يقول : لم تندم على ما أعطيت من الحمالة عند كلام الجماعة ، فتوقد خلفهم ناراً لئلا يعودوا ومن ذلك قول الشاعر : صحوت وأوقدت للجهل ناراً . . . ورد عليك الصبا ما استعارا يقول : إني أردت ألا يراجعك الجهل فأوقدت خلفه ناراً . نار أخرى : وهي : كانوا إذا أرادوا حرباً ، فتوقعوا جيشاً عظيماً ، وأرادوا الاجتماع ، أوقدوا ليلاً ناراً على جبلهم ، ليبلغ الخبر أصحابهم قال عمرو بن كلثوم : ونحن غداة أوقد في خزازي . . . رفدنا فوق رفد الرافدينا وربما جدوا في جمع عشائرهم فأوقدوا نارين ، وذلك قول الفرزدق : ضربوا الصنائع والملوك وأوقدوا . . . نارين ، أشرفنا على النيران وربما أوقدوا ناراً واحدة ، وربما أوقدوا ناراً عدة ، فأما النار الواحدة فقد توقد للقريب ، ويستدل بها بالليل من يلتمس ذلك من باغ وزائر وجائع ، فإن كان الرجل قادراً مطعاماً ، أوقد الليل كله ، وأكثر ذلك في ليالي الشتاء ، وربما صنعوا ذلك عند توقع الجيوش العظام ، واستجماع قبائلهم ، قال ابن مياده : وناراه نار كل مدفع . . . وأخرى يصيب المجرمين سعيرها ونار أخرى وتسمي يلمع ، وهو حجر يلمع ، ويبصر من بعيد ، فإذا دنوت منه لم تر شيئاً ، قال متمم : وقيساً وجزءاً بالمشقر ألمعاً ونار أخرى وهي التي توقد للسليم إذا سهد ، كما قال النابغة :

يسهد من الليل التمام سليمها . . . ولحلى النساء في يديه فقاقع وتلك النار توقد للمجروح والمضروب إذا خافوا عليه الكزاز من نزف الدم ، وهم يكرهون له النوم في تلك الحال ، والشطار لا يدعون المضروب على ظهره بالسياط أن ينام يرون أن حتفه فيه ، ويحمون النوم صاحب عضة الكلب ، وفي نار المجروح يقول الأعشى : بداميةٍ يغشى الفراش رشاشها . . . يبيت لها ضوء من النار جاحم ونار أخرى وذلك أن الملوك إذا سبوا القبيلة بأسرها وخرجت إليهم السادات في الفداء أو الاستيهاب ، فيكرهون أن يعرضوا النساء نهاراً فيفتضحن فيعرضهن ليلاً في الظلمة دون النار والضوء ، فيخفى عليه قدر ما يجيس لنفسه من الصفى ، وقدر ما تجود به نفسه من أخذ فداء أو امتنان على الوقد فتوقد . لذلك قال الشاعر : نساء بني شيبان يوم أوارةٍ . . . على النار إذا تجلى له فتيانها ونار أخرى ، وهي نار الوسم والميسم : يقال للرجل : ما نارك ؟ فيقول : خباط أو علاط أو حلقة أو كذا أو كذا وعرض بعض اللصوص إبلاً قد أغار عليها وسلبها من كل جانب ، وجمعها من قبائل شتى ، ففر بها إلى بعض الأسواق ، فقال له بعض التجار . ما نارك ؟ - وإنما يسألون عن ذلك لأنهم يعرفون ميسم كل قوم وكرم إبلهم من لؤمها به - فقال : يسألني الباعة ما نجارها . . . إذا زعزعوها فسمت أبصارها وكل دار لأناس دارها . . . وكل نار العالمين نارها نار الزحفتين :

هي نار أبي سريع ، وهو العرفج ، لأن العرفج إذا التهبت فيه النار أسرعت وعظمت وشاعت واستفاضت أسرع من كل شيء ، فمن كان يقربها يزحف عنها ثم لا تلبث أن تنطفئ من ساعتها ، في مثل تلك السرعة فيحتاج الذي زحف عنها ، إلى أن يزحف إليها من ساعته ، فلا تزال ولا يزال المصطلى بها كذلك ، فمن أجل ذلك قيل لها نار الزحفتين. ونار أخرى : وهي التي يذكر العرب أن الغيلان توقدها بالليل للعبث والتخييل وإضلال السابلة . ونار أخرى : وهي مذكورة على الحقيقة لا على المثل ، وهي من أعظم مفاخر العرب وهي النار التي ترفع للسفر ولمن يلتمس القرى ، فكلما كانت أضخم وموضعها أرفع ، كانت أفخر ، قال الشاعر : له نار تشب بكل وادٍ . . . إذا النيران ألبست القناعا نار الإياب : ونار أخرى : وهي التي توقد للقادم من سفر سالماً غانماً ، قال : يا لبيني أوقدي النارا . . . إن من تهوين قد حارا حار : رجع . قال الله تعالى : " إنه ظن أن لن يحور بلى " أي لن يرجع . نار العار: ونار أخرى : كانت العرب إذا غدر الرجل بجار ، أوقد له ناراً بمنى أيام الحج على الأخشب ، وهو الجبل المطل على منى ثم صاحوا : هذه غدرة فلان فيدعو عليه الناس قالت امرأة من بني هاشم : فإن تهلك فلم تعرف عقوقا . . . ولم توقد لنا بالغدر نارا وقال بعض الحكماء : النيران أربعة : نار تأكل وتشرب ، وهي نار المعدة ، ونار لا تأكل ولا تشرب وهي نار الحجر ، ونار تشرب ولا تأكل وهي نار البرق ، ونار تأكل ولا تشرب وهي نار الحطب . ويقال أيضاً : النيران أربعة : فنار تشرب ولا تأكل ، ونار تأكل ولا تشرب ، ونار تأكل وتشرب ، ونار لا تأكل ولا تشرب ؛ فأما النار التي تشرب ولا تأكل فهي النار التي هي من الشجر ، والنار التي تأكل ولا تشرب فناركم هذه ، والنار التي لا تأكل ولا تشرب فالنار التي في الحجر ، والنار التي تأكل وتشرب فنار جهنم .