الجزء السادس - الباب الثامن وصايا العرب

الباب الثامن وصايا العرب

أخبرنا الصاحب إسماعيل بن القاسم عن الأبجي عن محمد بن الحسن عن أبي نصر ، عن الأصمعي قال : سمعت أعرابياً يقول لبنيه وهو يوصيهم : اتقوا الظهيرة الغراء ، والفلاة الغبراء ، وردوا الماء بالماء . أوصى الحارث بن كعب بنيه فقال : يا بني ، قد أتت علي مائة وستون سنة ما صافحت يميني يمين غادر ، ولا قنعت نفسي بخلة فاجر ، ولا صبوت بابنة عم ولا كنة ، ولا بحت لصديق علي بسر . ولا طرحت عندي مومسة قناعها ، ولا بقي على دين عيسى بن مريم أحد من العرب غيري وغير تميم بن مرة ، وأسد بن خزيمة ، فموتوا على شريعتي ، واحفظوا وصيتي ، إلهكم فاتقوه ، يكفكم المهم من أموركم ، ويصلح لكم حالكم ، وإياكم والمعصية ، يحل بكم الدمار ويوحش منكم الديار ، وكانوا جميعاً ، ولا تفرقوا فتكونوا شيعاً ، بزوا قبل أن تبزوا ، فموت في عز ، خير من حياةٍ في ذل وعجز ، فكل ما هو كائن كائن ، وكل جمع إلى تباين ، والدهر صرفان : صرف بلاءٍ وصرف رخاء . واليوم يومان : يوم حبرة ويوم عبرة ، والناس رجلان : رجل معك ، ورجل عليك . زوجوا النساء من الأكفاء وإلا فانتظروا بهن القضاء ، وليكن طيبهن الماء ، وإياكم والورهاء فإنها أدوأ الداء . يا بني : قد أكلت مع أقوام ، وشربت مع أقوام ، فذهبوا وغبرت وكأني بهم قد لحقت . ثم أنشأ يقول : أكلت شبابي وأفنيته . . . وأمضيت بعد دهورٍ دهورا في أبيات أخر :

قال أبو عمرو بن العلاء : أنكح ضرار بن عمرو الضبي ابنته من معبد بن زرارة ، فلما أخرجها إليه قال : يا بنية أمسكي عليك الفضلين : فضل الغلمة ، وفضل الكلام ، ضرار هو الذي رفع عنزته بعكاظ وقال : " ألا إن شر حائل أم ، فزوجوا أمهات " ، وذلك أنه صرع بين القنا ، فأشبل عليه إخوته لأمه حتى أنقذوه . لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة ، دعا بنيه فقال : يا بني احفظوا عني ، فلا أحد أنصح لكم مني . إذا مت ، فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم ، فيسفه الناس كباركم وتهونوا عليهم ، وعليكم باستصلاح المال ، فإن منبهة للكريم ، ويستغني به عن اللئيم ، وإياكم ومسالة الناس فإنها أخر كسب المرء . لما أقام ابن قميئة بين العقابين قال له أبوه : أطر رجليك ، وأصر إصرار الفرس ، واذكر أحاديث غدٍ ، وإياك وذكر الله في هذا الموضع فإنه من الفشل . أوصى أبو الأسود ابنه فقال : يا بني ، إذا جلست في قوم فلا تتكلم بما هو فوقك فيمقتوك ، ولا بما هو دونك فيزدروك ، وإذا وسع الله عليك فابسط يدك ، وإذا أمسك عليك فامسك ولا تجاود الله فإن الله أجود منك . قال بعضهم لبنيه : يا بني لا تعادوا أحداً ، وإن ظننتم أنه يضركم ، ولا تزهدوا في صداقة أحد ، وإن ظننتم أنه لا ينفعكم ، فإنكم لا تدرون متى تخافون عداوة العدو ، ولا متى ترجون صداقة الصديق ، ولا يعتذر إليكم أحد إلا قبلتم عذره ، وإن علمتم أنه كاذب ، زجوا الأمر زجاً . وقال سعد العشيرة لبنيه عند موته : إياكم وما يدعو إلى الاعتذار ، ودعوا قذف المحصنات ، لتسلم لكم الأمهات ، وإياكم والبغي ، ودعوا المراء والخصام ، تهبكم العشائر ، وجودوا بالنوال تنم لكم الأموال ، وإياكم ونكاح الورهاء ، فإنها أدوأ الداء ، وابعدوا من جار السوء داركم ، ودعوا الضغائن فإنها تدعو إلى التقاطع . وقال بعضهم : سمعت بدوياًُ يقول لابنه : يا بني : كن سبعاً خالساً ، أو ذئباً خانساً ، أو كلباً حارساً ، وإياك وأن تكون إنساناً ناقصاً .

قال هانئ قبيصة بن مسعود الشيباني يوم ذي قار يحرض بني وائل : الحذر لا ينجي من القدر ، والدنية أغلظ من المنية ، واستقبال الموت خير من استدباره ، والطعن في الثغر ، خير وأكرم منه في الدبر ، يا بني : هالك معذور ، خير من ناج فرور ، قاتلوا ، فما للمنايا من بد . قال أكثم بن صيفي : يا بني تميم لا يفوتنكم وعظي إن فاتكم الدهر بنفسي ، إن بين حيزومي وصدري لبحراً من الكلم ، لا أجد له مواقع غير أسماعكم ، ولا مقار إلا قلوبكم فتلقوها بأسماع صافية ، وقلوب واعية ، تحمدوا عواقبها : إن الهوى يقظان ، والعقل راقد ، والشهوات مطلقة ، والحزم معقول ، والنفس مهملة ، والروية مقيدة ، ومن يجهل التواني ، ويترك الروية يتلف الحزم . ولن يعدم المشاور مرشداً ، والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل ، ومن سمع سمع به ، ومصارع الألباب تحت ظلال الطمع ، ولو اعتبرت مواقع المحن ، ما وجدت إلا في مقاتل الكرام ، وعلى الاعتبار طريق الرشاد ، ومن سلك الجدد أمن العثار ، ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه ، ويشغل فكره ، ويثير غيظه ، ولا يجاوز ضره نفسه . يا بني تميم : الصبر على جرع الحلم ، أعذب من جني ثمر الندم ، ومن جعل عرضه دون ماله ، استهدف الذم ، وكلم اللسان ، أنكى من كلم الحسام ، والكلمة مزمومة ما لم تنجم من الفم ، فإذا نجمت فهي سبع محرب ، أو نار تلهب ، ولكل خافية مختفٍ ، ورأى الناصح اللبيب دليل لا يجور ، ونفاذ الرأي في الحرب ، أنفذ من الطعن والضرب . استشار قومٌ أكثم بن صيفي في حربٍ أرادوها ، وسألوا أن يوصيهم ، فقال : أقلوا الخلاف على أمرائكم ، واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل ، والمرء يعجز لا المحالة ، فإن أحزم الفريقين الركين ، ورب عجلة تهب ريثاً ، واتزروا للحرب وادرعوا الليل ، فإنه أخفى للويل ، ولا جماعة لمن اختلف . وقال علقمة بن لبيد العطاردي لابنه : يا بني إذا نازعتك نفسك إلى صحبة الرجال ، فاصحب من إذا صحبته زانك ، وإن خدمته صانك ، وإن عرتك به مؤونة أعانك . اصحب من إن قلت صدق قولك ، وإن ملت سدد صولك ، واصحب من إن مددت يدك بفضل مدها ، وإن بدت منك ثلمة سدها ، وإن رأى منك حسنة عدها . اصحب من إن سألته أعطاك ، وإن سكت أغناك ، اصحب من لا يأتيك من البوائق ، ولا يختلف عليك منه الطرائق ، ولا يخذلك عند الحقائق . وقال بعضهم لابنه : كن يا بني جواداً بالمال في موضع الحق ، ضنيناً بالأسرار عن جميع الخلق ، فإن أحمد جود المرء ، الإنفاق في وجه البر ، والبخل بمكتوم السر . أوصى بعض الأنصار ابنه فلقال : يا بني ، إني موصيك بوصية ، إن لم تحفظها عني كنت خليقاً ألا تحفظها عن غيري : يا بني اتق الله ، وإن استطعت أن تكون اليوم خيراً منك من أمس ، وغداً خيراً منك اليوم ، فافعل . وإذا عثر عاثر من بني آدم فاحمد ألا تكونه ، وإياك والطمع ، فإنه فقر حاضر ، وعليك باليأس ، فإنك لن تيأس من شيء إلا أغناك الله عنه ، وإياك وما يعتذر منه ، فإنه لا يعتذر من خير أبداً ، وإذا قمت إلى صلاتك فصل صلاة مودع ، وإنك ترى أنك لا تصلي بعدها أبداً . روى عن الكلبي قال : لما قتل قيس بن زهير أهل الهبات خرج حتى لحق بالنمر ابن قاسط فقال : يا معاشر النمر ، أنا قيس بن زهير ، حريب طريد ، شريد ، موتور فانظروا لي امرأة قد أدبها الغنى وأدبها الفقر ، قال : فزوجوه امرأة منهم فقال : إني لا أقيم فيكم حتى أخبركم بأخلاقي ، إني فخور غيور آنف ، ولست أفخر حتى أبتلي ، ولا أغار حتى أرى ، ولا آنف حتى أظلم ، فرضوا أخلاقه ، فأقام فيهم حتى و لد له، ثم أراد التحول عنهم . فقال : يا معشر النمر : إني أرى لكم علي حقاً بمصاهرتي إياكم ، ومقامي بين أظهركم ، وإني أوصيكم بخصال آمركم بها ، وأنهاكم عن خصال : عليكم بالأناة فإن بها تدرك الحاجة ، وتنال الفرصة ، وتسويد من لا تعابون بتسويده ، والوفاء فإن به يعيش الناس ، وإعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة ، ومنع ما تريدون منعه قبل الإنعام وإجارة الجار على الدهر ، وتنفيس البيوت عن منازل الأيامى ، وخلط الضيف بالعيال ، وأنهاكم عن الرهان فغني به ثكلت مالكاً أخي ، وعن البغي فإنه صرع زهيراً أبي ، وعن السرف في الدماء ، فإن قتلى أهل الهبات أورثني العار . ولا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق ، وأنكحوا الأيامى الأكفاء ، فإن لم تصيبوا بهن الأكفاء فخير بيوتهن القبور ، واعلموا أني أصبحت ظالماً مظلوماً ؛ ظلمتني بنو بدر بقتلهم مالكاً ، وظلمتهم بقتلي من لا ذنب له . ثم رحل عنهم فلحق بعمان ، فتنصر بها ، وأقام حتى مات . وقيل إنه احتاج فكان يأكل الحنظل حتى قتله ، لم يخبر أحد بحاجته . بلغ أبا الأغر أن أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شر ، فأرسل ابنه الأغر فقال : يا بني كن يداً لأصحابك على من قاتلهم ، وإياك والسيف فإنه ظل الموت ، واتق الرمح فإنه رشاء المنية ، ولا تقرب السهام فإنها رسلٌ لا تؤامر مرسلها ، قال فبماذا أقاتل ؟ قال : بما قال الشاعر : جلاميد أملاء الأكف كأنها . . . رءوس رجالٍ حلقت في المواسم وقال رجل من بني هلال لبنيه : يا بني اظهروا النسك فإن الناس إن رأوا من أحدكم بخلا قالوا : مقتصد لا يحب الإسراف وإن رأوا عياً قالوا : متوق يكره الكلام ، وإن يروا جبناً قالوا : متحرج يكره الإقدام على الشبهات . وكانت العرب إذا أوفدت وافداً تقول له : إياك والهيبة فإنها خيبة ، وعليك بالفرصة فإنها خلسة ، ولا تبت عند ذنب الأمر ، وبت عند رأسه . أوصت أعرابية ابنتها عند إهدائها إلى زوجها ، فقالت : اقلعي زج رمحه ، فإن أقر فاقلعي سنانه ، فإن أقرفا كسرى العظام بسيفه ، فإن أقر فاقطعي اللحم على ترسه ، فإن أقر فضعي الإكاف على ظهره فإنما هو حمار . وأوصت أخرى ابنتها وقد زوجتها فقالت : لو تركت الوصية لأحد لحسن أدب أو لكرم حسب لتركتها لك ، ولكنها تذكرة للغافل ، ومعونة للعاقل . يا بنية : إنك قد خلفت العش الذي فيه درجت ، والموضع الذي منه حرجت ، إلى وكرٍ لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، كوني لزوجك أمةً ، يكن لك عبداً ، واحفظي عني خصالاً عشراً ، تكن لك ذخراً وذكراً ، أما الأولى والثانية : فحسن الصحابة بالقناعة ، وجميل المعاشرة بالسمع والطاعة ، ففي حسن الصحابة راحة القلب ، وفي جميل المعاشرة رضا الرب . والثالثة والرابعة : التفقد لموضع عينه ، والتعاهد لموضع أنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا تجد أنفه منك خبث ريح . واعلمي أن الكحل أحسن الحسن المودود ، وأن الماء أطيب الطيب الموجود ، والخامسة والسادسة ، فالحفظ لماله ، والإرعاء على حشمه وعياله ، واعلمي أن أصل الاحتفاظ بالمال من حسن التقدير ، والإرعاء على الحشم والعيال من حسن التدبير . والسابعة والثامنة : التعاهد لوقت طعامه ، والهدوء عند منامه ، فحرارة الجوع ملهبة ، وتنغيص النوم مغضبة ، والتاسع والعاشر : فلا تفشين له سراً ولا تعصين له أمراً ، فإنك إن أفشيت سره ، لم تأمني غدره وإن عصيت أمره أوغرت صدره . لما حضرت وكيعاً الوفاة ، دعا بنيه فقال : يا بني إن قوماً سيأتونكم قد فرحوا جباههم وعرضوا لحاهم ، يدعون أن لهم على أبيكم ديناً فلا تقضوهم ، فإن أباكم قد حمل من الذنوب ما إن غفرها الله ، لم تضره هذه ، وإلا فهي مع ما تقدم . لما حضرت سعد بن زيد مناة الوفاة جمع ولده ، فقال : يا بني أوصيكم بالناس شراً ، كلموهم نزرا ، واظعنوهم شذراً ، ولا تقلبوا لم عذراً ، اقصروا الأعنة ، واشحذوا الأٍنة ، وكلوا القريب يرهبكم البعيد . وأوصيت امرأة ابنتها وقد أهدتها إلى زوجها ، فقال : كوني له فراشاً يكن لك معاشاً ، وكوني له وطاء يكن لك غطاء ، وإياك والاكتئاب إذا كان فرحاً ، والفرح إذا كان كئيباً ، ولا يطلعن منك على قبيح ، ولا يسمن منك إلا الطيب ريحاً ، ولا تفشين له سراً ، فإنك إن أفشيت سره ، سقطت من عينه ، ولم تأمني غدره ، وعليك بالدهن والكحل فهما أطيب الطيب . وزوج عامر بن الظرب ابنته من ابن أخيه ، فلما أرادوا تحويلهما قال لأمها : مري ابنتك ألا تنزل مفازةً إلا ومعها ماء ؛ فإنه للأعلى جلاء وللأسفل نقاء ، ولا تكثر مضاجعته ، فإنه إذا مل البدن مل القلب ، ولا تمنعه شهوته ، فإن الحظوة الموافقة . فلم تلبث إلا شهراً حتى جاءته مشجوجة ، فقال لابن أخيه : يا بني ، إرفع عصاك عن بكرتك تسكن فإن كانت نفرت من غير أن تنفر ، فذاك الداء الذي ليس له دواء ، وإن لم يكن بينكما وفاق ففراق الخلع أحسن من الطلاق ، وإن لم تنزل أهلك ومالك ، فرد عليه صداقه ، وخلعها منه فهو أول خلع كان في العرب . قال أكثم بن صيفي : ألزموا النساء المهابة وأكرموا الخيل ، ونعم لهو الحرة المغزل وحيلة من لا حيلة له ؛ الصبر . وقال أكثم بن صيفي لولده : يا بني تقاربوا في المودة ، ولا تتكلوا على القرابة . وصى رجل من ربيعة ابنه ، فقال : يا بني إذا حزبك أمر فحك ركبتك بركبة شيخ من قومك ، وشاوره ، فإني أردت التزويج فأتيت شيخاً من قومي في بادية ، فجلست إليه حتى خف من عنده ، فقال ، يا ابن أخي لك حاجة ؟ فقلت : نعم ، أردت التزويج فأتيتك أشاورك . فقال : أقصيرة النسب أم طويلته ؟ فما أخيرت ولا أردأت، - أي لم اقل خيراً ولا رديئاً - فقال : يا ابن أخي إني لأعرف في العين إذا لم تنكر ولم تعرف ، فأما العين إذا عرفت فإنما تتحاوص للمعرفة ، وإذا أنكرت فإنها تجحظ للإنكار ، وإذا لم تعرف ولم تنكر فإنها تسجو سجواً ، يا ابن أخي، لا تزوج إلى قوم أهل دناءةٍ ، أصابوا من الدنيا عثرة ، فتشركهم في دناءتهم ، ولا يشركونك في أموالهم ، فقال ، فقمت وقد أكفيت . أوصت امرأة من كلب ابنها فقالت : يا بني إذا رأيت المال مقبلاً فانفق ، فإنه يحتمل النفقة ، وإذا رأيته مدرباً فانفق فإن ذهابه فيما تريد ، خيرٌ من ذهابه فيما لا تريد . قال الغضبان بن القبعثري لولده : يا بني إذا سمعتم صيحة بليل ، فلا تخرجوا غليها ، فإن صاحبها لو وجد بدرة لم يدعكم إليها . كان دريد بن الصمة يقول : النصيحة ما لم تهجم على الفضيحة ، وإذا اجدبتم فلا ترعوا حمى الملوك ، فإنه من عاره غانماً لم يرجع سالماً ، ولا تحقروا شراً فإنه كثير ، ومن خرق ستركم فأرقعوه ، ومن حاربتم فلا تغفلوه ، وأحيلوا جدكم كله عليه ، ومن أسدى إليكم خطة خير فأضعفوا له ، وإلا فلا تعجزوا أن تكونوا مثله ، ومن كانت له مروءة فليظهرها ، ولا تنكحن دنياً من غيركم ، فإن عاره عليكم . وإياكم وفاحشة النساء ، وعليكم بصلة الرحمن فإنها تديم الفضل ، وترين النسل ، وأسلموا كل جريرة بجريرته ، ولا تسخطن خلقاً من غيركم فتعلموه بينكم . قال أعرابي لأخيه وكان بخيلاً ، يا أخي إن لم تفن مالك أفناك ، وإن لم يكن لك كنت له ، فكله قبل أن يأكلك . وقال جد زيد بن حارثة لبنية : اتقوا إلهكم ، ولا تستثيروا السباع من مرابضها فندموا ، وداروا الناس بالكف عنهم تسلموا ، وخفوا عن السؤال ولا تتثاقلوا . قيل بلغ ولد طيئ بن أدد وولد ولده وهو حي خمسمائة رجل فجمعهم حين حضرت الوفاة فقال : يا بني ، إنكم قد نزلتم منزلاً لا تدخلون منه ، ولا يدخل عليكم ، فارعوا مرعى الضب الأعور ، يعرف قدره ويبصر حجره ، ولا تكونوا كالجراد لقف وادياً ، وترك وادياً ، وإياكم والبغي ، فإن الله إذا أراد هلاك النملة ، جعل لها جناحين . أوصى سعد العشيرة بنيه عند موته فقال : يا بني إلهكم اتقوا في الليل والنهار ، وإياكم وما يدعوا إلى الاعتذار ، ودعوا قفو المحصنات ، تسلم لكم الأمهات ، وإياكم والبغي على قومكم ، تعمر لكم الساحات ، ودعوا المراء والخصام ، تسلم لكم المروءة والأحلام ، وتحببوا إلى العشائر يهبكم العمائر ، وجودوا بالنوال تثمر لكم الأموال ، وإياكم ونكاح الحمقاء الورهاء ، فإنها أدوى الداء ، وأبعدوا عن جار السوء داركم ، ومن قرين الغي مزاركم ودعوا الضغائن فإنها تدعو إلى التباين ، ولا تكونوا لآبائكم عاقين ، وحياكم ربكم وسلمكم . وأوصى قيس بن معدي كرب الكندي أولاده حين بلغوا فقال : يا بني ، عليكم بهذا المال ، فاطلبوه بأجمل الطلب ، ثم اصرفوه في أجمل مذهب وصلوا منه الأرحام ، واصطنعوا منه الأقوام واجعلوه جنةً لأعراضكم ، يحسن في الناس مقالكم ، فإن بذله كمال الشرف وثبات المروءة حتى أنه يسود غير السيد ، ويقوي غير الأيد ، حتى يكون في أنفس الناس نبيهاً ، وفي أعينهم مهيباً ، ومن كسب مالاً ، فلم يصل منه رحماً ، ولم يعط منه سائلاً ، ولم يصن به عرضاً ، بحث الناس عن أصله ، فإن كان مدخولاً هتكوه ، وإن كان صحيحاً كسروه إما دنية أو عرقاً لئيماً حتى يهجنوه . وأوصى الأشعث بن قيس فيقال : يا بني ذلوا في أعراضكم وانخدعوا في أموالكم ، فإن أباكم كذاك كان يفعل ، لتخفف بطونكم من أموال الناس ، وظهور كم من دمائهم ، فإن لكل أمر تبعة ، وأصلحوا المال لجفوة السلطان ، ونبوة الزمان ، وأجملوا في طلب الرزق ، حتى يوافق النجاح قدراً ، وكفوا عند أول مسألة ؛ فإنه كفى بالود منعاً ، وامنعوا نساءكم إلا من أكفائكم ، فإنكم أهل بيت يكتفي بكم الكريم ، ويتشرف بكم اللئيم ، وكونوا في عوام الناس ما لم يضطرب حبل ، فإذا اضطرب حبل ، فالحقوا بعشائركم ، وعودوا بفضلكم على قومكم ، فإنه لم يزل رجل منكم يرجى عذره وتعمريده . وأوصى أود بن صفر بن سعد العشيرة فقال : يا بني ، سلوا الناس ولا تخبروهم ، وأخيفوهم ولا تخافوهم . وأوصى أسلم بن أفصى الخزاعي فقال : يا بني ، اتقوا ربكم في الليل إذا دجا ، وفي النهار إذا أضاء ، يكفكم كل ما تخافون ويتقي ، وإياكم ومعصيته ، فإنه ليس لكم وراءه وزر ، ولا لكم دونه محتضر ، يا بني : جودوا بالنوال وكفوا عن السؤال ، يا بني : إنكم إن وهبتم قليلاً فسيعود لكم نحلاً ، فلا تمنعن سائلاً محقاً كان أو مبطلاً ، فإن كان محقاً فلا تحرموه ، وإن كان مبطلاً فقد أذهب خفره ، وصرح الحياء عن بصره فأعطوه ، ولا تماروا عالماً ولا جاهلاً فن العالم يحجكم فيغلبكم ، وإن الجاهل يلحكم فيغضبكم فإذا جاء الغضب كان فيه العطب ، وإياكم والفجور بحرم الأقوام ، فإنه قلما انتهك رجل حرمة إلا ابتلى في حرمته . وإياكم وشرب الخمر ، فإنها متلفة للمال ، طلابة لما لا ينال ، وإن كان فيها صلاح البدن ، فإن فيها مفسدة للعقل . وإياكم والاختلاف فإنه ليس معه ائتلاف ، ولا يكونن لكم جار السوء جاراً ، ولا خدن السوء زوارا ، وعليكم بصلة الرحم تكثر أموالكم ، ولا تقطعوا فتعف من دياركم آثاركم ، وإياكم والعجز والتواني ، فإنهما يورثان الندامة ، ويكثرانالملامة ، يا بني : أنتم مثل شجرة نابتة الأركان ، ملتفة الأغصان ولا تختلفوا فتذبل الأغصان ، وتجف الشجرة ، فتكونا أشلاء بكل مكان . يا بني ، قد أتت علي مائتي سنة ما شَتَمْتُ ولا شُتِمتُ ، ولا قلت من لوم : ماذا صنعت ؟ خذوا بوصيتي تسلموا ، ولا تخالفوا فتندموا . يقال إن أوس بن حارثة أبا الأنصار لما حضرته الوفاة ولم يكن له ولد غير مالك ، وكان لأخيه الخزرج خمسة ، قيل له : كنا نأمرك بالتزويج في شبابك فلم تفعل حتى حضرك الموت ، وليس لك ولد إلا مالك ، فقال : لم يهلك هالك ، ترك مثل مالك ، وإن كان الخزرج ذا عدد ، وليس لمالك ولد فلعل الذي استخرج العذق من الجريمة ، والنار من الوثيمة أن يجعل لمالك نسلاً، ورجالاً بسلاً ، وكلنا إلى الموت ، يا مالك : المنية ولا الدنية ، والعتاب قبل العقاب ، والتجلد ولا التبلد ، واعلم أن القبر خير من الفقر ومن لم يعط قاعداً منع قائماً ، وشر شارب الشراب المشتف وأقبح طاعم للطعام المقتف ، وذهاب البصر خير من كثير من النظر ، ومن كرم الكريم ، الدفاع عن الحريم ، ومن قل ذل ، ومن أمر قل وخير الغني القناعة ، وشر الفقر الخضوع : والدهر صرفان ، صرف رخاء ، وصرف بلاء ، واليوم يومان : يوم لك ويوم عليك ، فإذا كان لك فلا تبطر ، وإن كان عليك فاصبر ، فكلاهما سينحسر ، يميتك المفيت ، خير من أن يقال هبيت ، وكيف بالسلامة لمن ليست له إقامة ؟ وحياك ربك والسلام . جمع زرارة بن عدس التميمي بنيه وهو يومئذ عشرة : حاجب ولقيط ومعبد ومالك ولبيد وعلقمة وخزيمة وسعد ومناة وعمرو والمنذر فقال : يا بني : إنكم أصبحتم بيت تميم ، بل بيت مضر ، يا بني : ما هجمت على قوم قط من العرب لا يعرفونني إلا أجلوني فإذا عرفوني ازددت عندهم شرفاً ، وفي أعينهم عظماً ، ولا وفدت إلى ملك عربي قط ولا أعجمي إلا آثرني وشفعني ، يا بني : خذوا من آدابي ، وقفوا عند أمري ، واحفظوا وصيتي ، وموتوا على شريعي ، وإياكم أن تدخلوا قبري حوية أسب بها ، فوالله ما شايعتني نفسي على إتيان دنية ولا عمل بفاحشة ، ولا جمعني وعاهرة سقف بيت قط ، ولا حسنت لنفسي الغدر منذ شدت يداي إزاري ، ولا فارقني جارٌ لي عن قلي ، ولا حملتني نفسي عن هوى يعيبني في مضر ، يا بني : إن القالة إليكم سريعة ، والآذان سميعة ، فاتقوا الله في الليل إذا أظلم ، وفي النهار إذا انتشر ، يكفكم ما أهمكم ، وإياكم وشرب الخمر ، فإنها مفسدة للعقول ، والأجساد ، ذهابة بالطارف والتلاد ، زوجوا النساء الأكفاء ، وإلا فانتظروا بهن القضاء ، واذكروا قومكم إذا غابوا عنكم بمثل الذي تحبون أن تذكروا به ، يا بني : انشروا الخير تنشروا ، واستروا الشر تستروا ، يا بني : قد أدركت سفيان بن مجاشع شيخاً كبيراً ، فأخبرني أنه قد حان خروج نبي من بني مضر بمكة يدعى أحمد ، يدعو إلى البر والإحسان ، ومحاسن الأخلاق ، فإن أدركتموه فاتبعوه لتزدادوا بذلك شرفاً إلى شرفكم ، وعزاً إلى عزكم ، يا بني : وما بقي على دين عيسى بن مريم غيري وغير أسد بن خزيمة . يا بني : لولا عجلة لقيط إلى الحرب ، والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث ، لقدمته أمامكم ، وهو فارس مضر الحمراء ، فعليكم بحاجب ؛ فإنه حليم عند الغضب ، جواد عند المطلب ، فراج للكرب ، ذو رأي لا ينكش ، وزماع لا يفحش ، فاسمعوا له وأطيعوا ، جنبكم ربكم الردى . أوصى الفرافصة ابنته نائلة حين زفها إلى عثمان فقال : يا بنية ، إنك تقدمين على نساء قريش ، هن أقدر على الطيب منك ، فلا تلقبي على خصلتين أقولهما لك : الكحل والماء ، تطهري حين يكون ريح جلدك كأنه ريح شن أصابه مطر . أوصى يزيد بن المهلب ابنه مخلداً حين استخلفه على جرجان فقال : يا بني قد استخلفتك ، فانظر هذا الحي من اليمن ، فكن منهم كما قال الشاعر : إذا كنت مرتاد الرجال لنفعهم . . . فرش واصطنع عند الذي بهم ترمي وانظر هذا الحي من ربيعة فإنهم شيعتك وأنصارك ، فاقض حقوقهم ، وانظر هذا الحي من تميم ، فامطر ولا تزه لهم ، ولا تدنهم فيطمعوا ، ولا تقصهم فينقطعوا عنك ، وكن بين المطيع وبين المدبر ، وانظر هذا الحي من قيس ، فإنهم أكفاء قومك في الجاهلية ، ومناصفوهم المنابر في الإسلام ، ورضاهم منكم البشر . يا بني : إن لأبيك صنائع فلا تفسدها ، فإنه كفى بالمرء من النقص أن يهدم ما بنى أبوه ، وإياك والدماء ، فإنها لا بقية بعدها ، وإياك وضرب الأبشار فإنه عار باقٍ ، ووتر مطلوب ، واستعمل على النجدة والفضل دون الهوى ، ولا تعزل إلا عند العجز أو الخيانة ، ولا يمنعك من اصطناع الرجل أن يكون غيرك قد سبقك إليه ، فإنك إنما تصطنع الرجال لنفسك ، ولتكن صنيعتك عند من يكافئك عند العشائر ، احمل الناس على أحسن أدبك، يكفوك أنفسهم ، وإذا كتبت كتاباً فأكثر النظر فيه ، وليكن رسولك فيما بيني وبينك ، من يفقه عني وعنك ، فإن كتاب الرجل موضع عقله ، ورسوله موضع سره ، واستودعك الله فإنه ينبغي للمودع أن يسكت ، وللمشيع أن ينصرف ، وما خف من المنطق ، وقل من الخطبة أحب إلى أبيك . وأوصى المنذر بن مالك البجلي بنيه وكان قد أصاب دماء في قومه فلحق ببني هلال ابن عامر ، فلما حضره الموت جمع بنيه فقال : باسمك اللهم ، يا بني احفظوا أدبي يكفكم وابتغوا وصاتي تلحقوا بصالح قومكم ، فإني لم أكلكم إلى أديب حي ، والمعنى بكم غائب عنكم ، آثروا ما يجمل ، واقنوا أخياركم ، وأطيعوا ذوي الرأي منكم ، وأجلوا ذوي أسنانكم ، ولا تعطوا الدنية ، وإن كان الصبر على خطة الضيم أبقى لكم ، وتناصروا تكونوا حمى ، وإذا قدمتم على قومكم فلتكن خلتكم واحدة ، ولا تسثيروا دفين داءٍ لم يدرك مثله ، يقطعوا عنكم النار ، وتعدموا بقومكم غيرهم ، ولا تدبروا أعجاز ما قد أودت صدوره فتفشلوا ، وعفوا عن الدناءة ، ووقروا أهل الكفاية ، ولا تواكلوا الرفد والنجدة فتجدي عظتكم ، واتخذوا لأسراركم من علانيتكم حاجزاً تكفوها ، ولا تفيلوا الرأي بالظن فيبدع بكم ، وأطيلوا الصمت ، إلا من حق تسبقوا : والزموا الأناة تقر قدمكم، واغتنموا الفرصة تظفروا ، وعجلوا تحمدوا ، ولا تأخذوا حبلاً من قليل فإن القليل ذليل ، وخذوا الحبل من ذي المرة الكاثر ، وشمر لدرك الثأر ، ومنعة الجار ، واظعنوا في الشهر الأصم تبلغوا دار قومكم سالمين ، واوفوا بالعهد ، واتقوا الغدر ، فشؤم النساء والغدر أورثاني دار الغربة . وأوصى عمر بن يشكر البجلي فقال : يا بني إذا غدوتم فكبروا ، وإذا أرحتم فهجروا ، وإذا أكلتم فأوتروا ، وإذا شربتم فأسئروا أوتروا ، أي كلوا بثلاث أصابع . أوصى مصعب بن يشكر فقال : يا بني أوسعوا الحبا ، وحلوا الربا ، وكونوا أسى تكونوا حمى .

وأوصى عمرو بن كلثوم التغلبي فقال : يا بني إني قد بلغت من الهرم ما لم يبلغه أحد من آبائي إلا جدي : تلك الرجل كان ملك جده فسمي الرجلُ لكماله ، ولا بد من أمر مقتبل ، وأن ينزل بي ما نزل بالآباء والأجداد والأمهاتِ والأولادِ ، وإني والله ما عيرت رجلاً قط بشيء إلا وعيرني بمثله ، وإن حقاً فحقاً ، وإن كان باطلاً فباطلاً ، من سب يسب ، فكفوا عن الشتم ، فإنه أسلم لأعراضكم ، وصلوا أرحامكم ، تعمر داركم ، وأكرموا جاركم ، يحسن ثناؤكم ، وزوجوا بنات العم بني العم ، فإن تعديتم بهن إلى الغرباء ، فلا تألوا بهن عن الأكفاء ، وابعدوا بيوت الرجال عن النساء ، فإنه أغض للبصر ، وأعف للذكر ، فإذا كانت المعاينة واللقاء ، ففي ذلك داءٌ من الأدواء ، ولا خير فيمن لا يغار لغيره ، كما يغار لنفسه ، وقل من انتهك حرمةً لغيره ، إلا انتهكت منه حرمته ، وامنعوا ضيم الغريب من القريب ، فإنك تذل على قريبك ولا يجمل بك ذل غريبك ، فإذا تنازعتم في الدماء ، فلا يكونن حقكم اللقاء ، ورب رجل خير من ألف ، وود خير من خلف ، وإذا حدثتم فعوا ، وإذا حدثتم فأوجزوا ، فإن مع الإكثار يكون الإهذار ، وموت عاجل خير من ضنى آجل ، وما بكيت من زمان إلا دهاني بعده زمان ، وربما شجاني من لم يكن أمره عناني ، ولا عجبت من أحدوثة إلا رأيت بعدها أعجوبة ، واعلموا أن أشجع القوم العطوف ، كما أن أكرم الحتوف قتل بالسيوف ، ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب ، ولا من إذا عوتب لم يعتب ، ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شره ، فبكؤه خير من دره ، وعقوقه خير من بره ، ولا تبرحوا في حبكم ، فإنه من برح في حب ، آل ذلك إلى قبيح البغض ، وكم من قد زارني وزرته ، فانقلب الدهر بنا فبرته ، وقل ما رأيت غضباً إلا فترته أكتسب بغضاً ، واعلموا أن الحليم سليم ، وأن السفيه كليم ، إني لم أمت ، ولكني هرمت ، ودخلتني ذلة فسكنت ، وضعف قلبي فأهترت سلمكم ربكم وحياكم . أوصى تميم بن مر فقال : يا بني عليكم بلا ، فإنها ترفع للحنين وإياكم ونعم ، فإنها رجاً للمين ، وعليكم بالمسألة ، فإنه است المسئول أضيق ، ولا تحقروا اليسير أن تأخذوه ، فإن اليسير إلى اليسير كثير ، واستعيروا ولا تعيروا ، واظهروا للناس من الحاجة لكي لا تسألوا فتمنعوا فتكون استاهم هي الضيقة ، وإن وعدتم الناس شيئاً فأكرموهم ، وأمطلوهم ، فإن الذي يصدق في الموعد وإن مطل وهو مقل ، يكون حرياً بالنجح في الموعد ، إذا أمكنته المقدرة ، وابدأوا الناس بالشر يرد عنكم الشر ، وإياكم والوهن فيجرأوا عليكم ، ولا تشتطوا في مهور النساء ، فإن ذلك أكسد لأياماكم ، جمع الله لكم أمركم . وأوصى قيس بن عاصم فقال : يا بني خذوا عني فلا أحد أنصح لكم مني ، إذا دفنتموني فانصرفوا إلى رحالكم ، فسودوا أكبركم ، فإن القوم إذا سودوا أكبرهم ، خلفوا آباءهم ولا تسودوا أصغركم فإن القوم إذا سودوا أصغرهم أزرى ذلك بهم في أكفائهم ، وإياكم ومعصية الله ، وقطيعة الرحم ، وتمسكوا بطاعة أمرائكم ، فإنهم من رفعوا ارتفع ، ومن وضعوا اتضع ، وعليكم بهذا المال ، فاستصلحوه فإنه منبهة للكريم ، واستغناء عن اللئيم ، وإياكم والمسألة فإنها أخر كسب الرجل ، فإن أحداً لم يسأل إلا ترك كسبه ، وإياكم والنياحة فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ينهي عنها ، وادفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها وأصوم ، ولا يعلم بكر بن وائل بمدفني فإني كنت أعاديهم في الجاهلية ، وبيننا وبينهم خماشات ، فأخاف أن يدخلوها عليكم فيعيبوا عليكم دينكم ، وخذوا بثلاث خصال : إياكم وكل عرق لئيم أن تلابسوه ، فإنه إن يسرركم يوماً ، فسوف يسؤكم يوماً ، واكظموا الغيظ ، واحذروا بني أعداء آبائكم ، فإنهم على منهاج آبائهم لآبائكم . ثم قال : أحيا الضغائن آباء لنا هلكوا . . . فلن تبيد وللآباء أبناء قال الكلبي : فنحل هذا البيت سابقاً البربري، فعيسى أول من قاله . وأوصى وكيع بن حسان بن أبي سود فقال : يا بني إن أبي والله ما ورثني إلا بدعا سحقاً ورمحاً خطيا ، وما ورثني ديناراً ولا درهماً ، وقد جمعت لكم هذا المال الذي ترون من حله وحرامه وإياكم إذا مت أن تأتيكم هذا الباعة من أهل الأسواق ، فيقولون : لنا على أبيكم دين ، يا بني ، إن كان الله يريد أن يغفر لي، فوالله ما ديني في ذنوبي إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود ، وإن كان لا يريد أن يغفر لي ، فوالله ما ديني في تلك الذنوب إلا كحصاة رمي بها في بحر ، شدوا أيديكم على مالكم ، واحفظوه ولا تقضوا عني شيئاً ، ثم مات . وأوصى عامر بن صعصعة فقال : يا بني جودوا على الناس ولا تسألوهم ، وتهضموا عدوكم ، ولا تستذلن جاركم . وأوصى أبجر بن جابر العجلي ابنه حجاراً حين أراد الإسلام فقال له : إن كان لا بد لك من الإسلام ، فاحفظ عني ثلاثاً : انزل من هذا السلطان بحيث أنزلك ، فإنه إن يقال لك تقدم قدامك ، خير لك من أن يقال لك تأخر وراءك . واستكثر من الصديق ، فإن العدو كثير ، وإياك والخطب فإنها نشوارٌ ، كثير العثار .