الجزء السادس - الباب الثالث عشر نوادر أصحاب الشراب والسكارى

الباب الثالث عشر نوادر أصحاب الشراب والسكارى

قال بعضهم : إذا رأيت الرجل يشرب وحده ، فاعلم أنه لا يفلح أبداً ، وإذا لم يشرب إلا مع الإخوان فارج له الإقلاع. كان بعض أولاد الملوك إذا شرب وسكر ، عربد على ندمائه ، وكان إذا صحا يندم ، ويستدعي من عربد عليه ويعطيه ألف درهم وما يقاربها ، فقال له بعضهم يوماً : أنا رجل مضيق ، وأنا مع ذلك ضعيف ولا أحتمل عربدة بألف درهم فإن رأيت أن تعربد علي بمائتي درهم ، فقلت : فاستظرفه وأعطاه وأحسن إليه . سقط سكران في كنيف قد امتلأ ، فجعل يقول : يا أصحابي ماللقعود هاهنا معنى . قالوا : للنبيذ حدان ، حد لا هم فيه ، وحد لا عقل فيه ، فعليك بالأول واتق الثاني . كان أبو نواس يقول : خمر الدنيا ، خير من خمر الجنة وقد وصفها الله تعالى بأنها لذة للشاربين . فقيل : كيف ؟ قال : لأن هذا نموذج والأنموذج من كل شيء أبداً أجود . قيل لبعضهم : فلان هل يشرب الخمر ؟ قال : نعم إذا اشتري بثمن لحم خنزير مسروق . قال رجل لبعض أصحاب النبيذ : وجهت إليك رسولاً عشية أمس ، فلم يجدك ، قال : ذاك وقت لا أكاد أجد فيه نفسي . قال أبو العيناء : النبيذ بمكسود الغم .

سقى بعضهم ضيفاً له نبيذاً رديئاً ، وقال له : هذا النبيذ من عانة . فقال الضيف : من أسفل العانة بأربعة أصابع . قال بعضهم : ما نحب أن تدعى القينة في الصيف نهاراً ، وفي الشتاء ليلاً إلا لنذهب البرد . قيل لبعضهم : كم الصلاة ؟ قال : الغداة ، والظهر . قالوا : فالعصر ، قال : تعرف وتنكر . قالوا : فالعشاء : قال : يبلغها الجواد ، قالوا: فالعتمة ؟ قال : ما كانت لنا في حساب قط . قال بعضهم : ليكن النقل كافياً ، وإلا أبغض بعضنا بعضاً . خرج بعض السكارى من مجلس ومشى في طريق فسقط وتبوع وجاء كلب يلحس فمه وشفتيه والسكران يقول : خدمك بنوك ، وبنو بنيك فلا عدموك ثم رفع الكلب رجله وبال على وجهه فجعل يقول : وماء حارٌ يا سيدي بارك الله عليك. خرج سوار القاضي يوم من داره يريد المسجد ماشياً ، فلقيه سكران فعرفه ، فقال : القاضي أعزه الله يمشي ، امرأته طالق إن حملتك إلا على عاتقي . فقال : إدن يا خبيث . فدنا فحمله على عاتقه ثم رفع رأسه فقال : اهملج أو أعنق ؟ قال يا خبيث مشياً بين مشيتين واحذر العثار والزلق والصق بأصول الحيطان . فقال السكران : كأنك أردت الملا من الفروسية يا أبا عبد الله ، فلما أوصله إلى المسجد ، أمر سوار بحبسه فقال : أيها القاضي هذا جزائي منك ، فتبسم ، وتركه . قال : تواثب اثنان من المعربدين في مجلس وتواجا بسكينيهما ، فأصاب السكين طرف أنف أحدهما وكمرة الأير للآخر ، وسقط من أنف هذا ما أشرف ، وكذلك من كمرة هذا ، وطلب كل واحد منهما في الظلمة ما انقطع منه فوقعت كمرة هذا في يد هذا ، فلزقه على أنفه بجرارته وشده ، ووقع طرف أنف هذا في يد صاحبه ، فلزقه بجرارته وشده ، فالتحم الجرحان ، وبرآ ، وصار هذا يتنفس من كمرة صاحبه ، وصاحبه يبول وينيك بأنفه ما عاشا . وعاتبت امرأة ابنها على شرب النبيذ فقال : والله لأشربن اليوم خاصة ، حتى أرى هذين الديكين أربعة - وفي الدار ديك واحد يدرج - وكان الغلام قد شرب ، فقالت له أمه : فاترك من يدك القدح ، فقد بر قسمك ، ورأيت الواحد اثنين . شرب الأقيشر في حانوت خمار حتى أنفد ما معه ، ثم شرب بثيابه حتى غلقت ، وبقي عريان ليس عليه شيء ، وجلس في وسط تبن يستتر به ، فمر به رجل ينشد ضالته فقال : اللهم أردد عليه ، واحفظ علينا . فقال له الحمار : سخنت عينك أي شيء يحفظ عليك ربك ؟ قال : هذا التبن لا يأخذه صاحبه فأهلك من البرد . كانت علية بنت المهدي ، تقول : من أصبح وعنده فضلة طباهجة ، وقنينته ناقصة . وتفاحة معضوضة ، فلم يصطبح فلا تعده من الفتيان . وكتب أخ كان لأبي عبد الرحمن العطوي ، إليه يعذله في النبيذ ، فكتب إليه : يا أخي ، أما تستحي لي أن تكون توبتي على يدك ؟ دخل رجل على ابن سيابة وبين يديه خمر قد اشتراه ولم يشرب منه بعد ، فقال : لك الويل إن كان إلا الخمر . فقال ابن سيابة : الويل لي إن لم يكن خمراً . سئل إسحق عن الندماء فقال : واحدٌ : غم ، واثنان : هم ، وثلاثةٌ : قوامٌ ، وأربعةٌ : تمام ، وخمسةٌ : مجلسٌ ، وستةٌ : زحام ، وسبعةٌ : جيشٌ ، وثمانية : عسكرٌ ، وتسعة : اضرب طبلك ، وعشرة : آلوبهم من شئت . قال إبراهيم الموصلي : دخلت يوماً على الفضل بن جعفر ، فصادفته وهو يشرب وعنده كلب ، فقلت له : أتنادم كلباً ؟ قال : نعم ، يمنعني أذاه ويكف عني أذى سواه ، يشكر قليلي ، ويحفظ مبيتي ، ومقيلي وعقيلي . وأنشد : وأشرب وحدي من كراهية الأذى . . . مخافة شرٍ أو سباب لئيم وكان آخر يشرب وحده ، وكان مدمناً للشرب ، وكان إذا جلس وضع بين يديه صراحية الشراب ، وصراحية فارغة ، ثم يصب القدح ويشربه ، ويقول للصراحية الفارغة : هذا سروري بك ، ثم يصب القدح ويشربه ، ويقول للصراحية الفارغة : هذا سروري بك ، ثم يصب القدح ويشربه ، ويقول للصراحية : هذا سرورك بي ، ويصبه فيها ، ويكون هذا دأبه إلى أن يسكر . حضر بعض التجار مجلس شرب فجعل يسرع في النقل فقال بعض الظراف : هذا يشرب النقل ، وينتقل بالنبيذ . قال بعضهم : ليس يقوم سكر العشى بمكروه خمار الغداة ، فقال آخر : لولا سرور خمار الغداة ، لم أحتمل سكر العشي . قال بعضهم : رأيت أبا نواس يضحك من سكران ، فقال : ما رأيت سكراناً قبله . قيل : وكيف ذلك ؟ قال : لأني كنتُ أسكر قبل الناس ، ولا أعلم ما يكون حالهم . قال : رأيت سكراناً قد وقع في الطين وهو يصيح ويقول : رحم الله من أخذ بيدي ، وله أبنة في مثل حالتي ، وهو يرى حاله ، حال نعمة . حمل آخر على قفا حمال ليرده إلى منزله ، فسأل الناس الحمال ، وقالوا : ما هذا ؟ فرفع السكران رأسه وقال : بقيةٌ مما ترك آل موسى ، وآل عمران ، تحمله الملائكة . قال بعضهم : مر بنا سكران فسلم ، فلم نرد عليه ، فحل مئزره ليبول وسطنا ، فقيل له : ما تصنع ؟ ويلك قال : ما ظننت أنا هاهنا إنسان . تقدم سكران فصلى بقوم ، فلما سجد نام في سجوده ، فحركوه فأنتبه ، وقال : القدح ليس هو لي . وصلى الوليد بن عقبة وهو أمير الكوفة بالناس صلاة الفجر أربع ركعات ، وقرأ :

علق القلب الربابا . . . بعد ما شابت وشابا إن دين الله حق . . . لا أرى فيه ارتيابا ثم سلم والتفت إلى أصحابه وقال: أزيدكم أي يكفيكم . ونام في المحراب وتقيأ . قيل لبعض الحكماء : كيف ابنك ؟ قال : على ما أريده ما لم يسكر ، وعلى ما يريده النبيذ إذا سكر . قال بعضهم : شربت يوماً عند ختنى النباذ إذ دفع الباب ، فدخل فقاع ختنى ، وقال : أمي زانية إن تركتك تذوق قدحاً أو توفي ثمنه أو تعطي رهناً بما تشرب ، قال : فساره بشيء لم أسمعه ، وتراضياً ، وجلس يشرب ، فقلت : ختنى ، ما أعطاك ؟ قال : أعطاني رهناً وثيقاً قال : جعل امرأته في يدي إلى أن يجيء بثمن ما يشرب يوم كذا . قال : فغلبني الضحك ، وقلت : ما ظننت أن الطلاق يرهن إلى الساعة . وشرب آخر عند بعض الخمارين ، فلم يكن يسكر ، فشكا ذلك إلى الخمار فقال : اصبر فإن هذا يأخذ في آخره ، فلما خرج أخذه الطائف فقال : صدق الرجل ، هذا أخذ في آخره . قال بعضهم : قلت لواحد من السفل ، رأيته في بيت خمار : جئت إلى هاهنا مطفلاً ؟ فقال : بل اتكيت على درهم ودانقين ، وجئت . أخذ الطائف بالبصرة رجلاً سكران فقال لرجاله : جروه . فقال : أصلحك الله ، لست سكراناً قال : فاقرأ سورة البقرة ، قال : أعزك الله ، لعلك لا تريد أن تطوف الليلة. شرب جعفري ولهبي على سطح ، فلما أخذ الشراب منهما ، رمى الجعفري بنفسه إلى أسفل وقال : أنا الطيار في الجنة ، فتكسر . وتشبث اللهبي بالحائط ، وقال : أنا ابن المقصوص في النار . مر سكران وهو يترنح برجل يبول ، فقال له : من أنت ؟ قال : رجلٌ من أهل الأرض ، قال : فاقطعني نصفها .

قال : قد فعلت . قال السكران : أمه زانية ، إن درعها إلا داري . قيل لشيخ : أتشرب النبيذ ؟ قال : مقدار ما أتقوى به على ترك الصلاة . قال أبو بكر بن عياش : كنت وسفيان الثوري وشريك ابن عبد الله نمشي بين الحيرة والكوفة، فرأينا شيخاً أبيض الرأس واللحية ، حسن السمعة ، له رواء فقلنا : هذا شيخ جليل ، قد سمع الحديث ، ورأى الناس ، وكان سفيان أطلبنا للحديث ، وأشدنا بحثاً وأعلمنا به ، وأحفظنا له ، فتقدم إلى الشيخ وسلم ، ثم قال : أعندك رحمك الله شيءٌ من الحديث ؟ قال : أما الحديث فلا ، ولكن عندي عتيق سنتين . فنظرنا ، فإذا هو خمار . باع بعضهم ضيعته فقال له المشتري : بالعشي أشهد عليك . قال : لو كنت ممن يفرغ بالعشي ، ما بعت ضيعتي . خرج ثمامة من منزلٍ ضيق له ، مع المغرب ، وهو سكران ، فإذا هو بالمأمون قد ركب في نفر ، فلما رآه ثمامة عدل عن طريقه وبصر به المأمون ، فضرب كفل دابته وحاذاه ، فوقف ثمامة ، فقال له المأمون : ثمامة ، قال : إي والله ، قال : من أنا ؟ قال : لا أدري والله . فضحك المأمون حتى انثنى على دابته . وقال : عليك لعائن الله . فقال ثمامة : تترى إن شاء الله . وأمر له بخمسين ألف درهم . قدم شراعه بن زيد على الوليد بن يزيد ، وكان كثب في إقدامه عليه ، فلما دخل ما سأله عن سفرة ، ولا عن نفسه ، حتى قال : يا شراعة ، إني والله ما أرسلت إليك لأسألك عن كتاب الله ، ولا أستفتيك عن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام . قال : لو سألتني عنهما لوجدتني حمارا . قال : إنما أرسلت إليك لأسألك عن الفتوة ، قال : يا أمير المؤمنين فاسأل عنها طبيبها الرفيق ، ودهقانها العالم . قال : أخبرني عن الأشربة . قال : سلني : قال ما تقول في الماء ؟ قال : لا بد لي منه ، والحمار شريكي فيه . قال ما تقول في اللبن ؟ قال : ما رأيته منذ فطمت ، إلا استحيلت أمي لطول مصي ثديها . قال : فما تقول في السويق : قال : شراب المريض والمحزون والمستعجل . قال : فما تقول في نبيذ التمر ؟ قال سريع امتلاؤه ، وسريع انتشاره ، وضرط أكثره ، قال فما تقول في الزبيب : قال : يحام به حول الأمر . قال : فما تقول في الخمر ؟ قال : فوضع يده على صدره ثم قعد ، وقال : يا أمير المؤمنين تلك صديقة روحي ، قال : وأنت أيضاً صديقي . قال فما تقول في الطعام ؟ قال : ليس لصاحب النبيذ على الطعام سبيل . قال : فأي المجالس أعجب إليك ؟ قال : يا أمير المؤمنين والله العجب لمن لم يغرقه المطر ، أو تحرقه الشمس ، كيف يجلس إلا تحت السحاب ؟ والله ما شرب الناس على وجهٍ ، أحسن من وجه السماء . قيل لعبد العزيز بن آدم : إن بنيك يشربون النبيذ . قال : صفوهم لي . فوصفوهم بالخرق والطيش قال : هؤلاء يدعونه : قالوا له . ولكن آدم أوقر ما يكون إذا شرب ، قال : إنه والله هو الذي لا يدعه أبداً . كتب أخو العطوي إليه يعذله في النبيذ . فكتب إليه : أما تستحي أن تكون توبتي على يديك ؟ قال الجاحظ : رأيت أسود في يده قنينة وهو يبكي ، فقلت له : ما يبكيك ؟ قال : أخاف أن تنكسر قبل أن أسكر