الجزء السادس - الباب الخامس عشر نوادر المجان

الباب الخامس عشر نوادر المجان

قال بعض المجان : اليمين الكذب كالترس خلف الباب . شرب الهفني دواء فأسرف عليه حتى أنحله وذهب بجسمه فأتاه إخوانه يعودونه فقال : ما علمت أني من جراحتي اليوم . دنا جماعة منهم إلى فقاعي فشربوا من عنده فقاعاً ثم قالوا : ليس معنا شيء ، فخذ منا رهناً قال : وما الرهن ؟ قال : تأخذ من كل واحدٍ منا صفعة ، فلما كان بعد أيام ، جاءوه وقالوا : خذ ثمن الفقاع ورد علينا الرهون ، فجعل يأبى ويمتنع ويقول : لا حاجة لي في الثمن . قالوا : يا أحمق : لك حقك والسلعة لنا رهن عندك ، فأخذ ما أعطوه شاء أم أبى ، وصفعوا خده بقدر ما كان صفعهم كلهم واحداً واحداً . تداين من بقال شيئاً بنسيئة ، وحلف له أنه لا يجامع امرأته إلى أن يقضي دينه ، فكان قد راهن أن يدع امرأته عند البقال . شرب داود المصاب مع قوم في شهر رمضان ليلاً ، وقالوا له في وجه السحر : قم فانظر هل تسمع أذاناً ؟ فأبطأ عنهم ساعة ثم رجع فقال : اشربوا فإني لم أسمع الأذان سوى من مكان بعيد . نظر رجل إلى ابن سيابة يوم جمعة وقد لبس ثيابه فقال : يا أبا إسحق أظنك تريد الجامع قال : لعن الله الظالم والمريد .

كتب بعضهم إلى صديق له : أما بعد ، فقد أظلنا هذا العدو يعني شهر رمضان . فكتب إليه في الجواب لكن أهون عليك من شوال . قيل لبعضهم : من أبغض الناس إليك ؟ قال : مشايخ الدرب . قيل لابن مضاء الرازي : قد كبرت ، فلو تبت وحججت كان خيراً لك ، قال : ومن أين لي ما أحج به ؟ قال : بع بيتك ، قال : فإذا رجعت فأين أنزل ؟ وإن أقمت وجاورت بمكة أليس الله يقول : يا صعفان ، بعت بيتك وجئت تنزل على بيتي ؟ وتزوج بامرأة وأمهرها أربعة آلاف درهم ، فاستكثر ذلك بعض أصدقائه فقال : الأمر يسهل مع غريم كلما ألفيته نكته . وكان بسجستان ماجنٌ يعرف بعمرو الخزرجي ، استقبله يوماً رجل من أصدقائه وقد شجوه وسالت الدماء على وجهه ، فقال لعمرو : ليس تعرفني ؟ فقال : ما رأيتك في هذا الزي قط فاعذرني ، إني لم أتثبتك . وكان في بعض السنين قحط وغلاء ووقع بين امرأته وبين جيرةٍ لها خصومة ، فضربت وكسرت ثنيتها ، فانصرفت إليه باكية وقالت : فعل بي ما هو ذا تراه ، وضربت وكسرت لي ثنية فقال : لا تغتمي ، ما دام الثغر هذا ، تكفيك ثنية واحدة . ومازحه يوماً إنسان ومد يده إلى أيره وجعل يرطله فقال عمرو : إن أحببت أن تأكله فكله هنا ، فإنك إن رددته إلى البيت ، غصبتك أم الصبيان عليه. وسئل عن زوجته وجمالها فقال : هي كباقة نرجس ، رأسها أبيض ، ووجهها أصفر ، ورجلها خضراء . وقال رجل لصديق له : إن لك شيئين ليس لله مثلها قال : ما ذاك ؟ قال : لك ابني عم بغاءين ، وليس لله ذلك . وصار جماعةٌ من جيرانه إليه وسألوه أن يعطيهم شيئاً يصرفونه في ثمن يواري مسجد في جيرته فقال لهم : إن كنتم رأيتموني في المسجد يوماً في الأيام ، أو دخلت لحاجة فضلاً عن الصلاة ، فكلفوني أن أفرشه طولاً في جهرمية اشتريها لكم . وقال يوماً الناس لا يعلمون متى يموتون ، وأنا أعلم متى أموت . قالوا : وكيف علمت ؟ قال : أنا أعلم أنه إذا دخل كانون الثاني وهبت الريح الباردة وليس لي جبة وما أتدثر به ، فإني أموت لا محالة . وقيل له : هل تعرف الدرهم وتنقده ؟ فقال : منذ زمان رأيته ، فإذا رأيته رجوت أن أعرفه . وقع بينه وبين امرأته كلامٌ فقالت له : قد والله شيبتني وبيضت رأسي ، فقال : إن كنت أنا بيضت رأسك ، فمن قلع أسنانك ؟ وصار بعض المجان إلى باب داره ودق الباب ، فلما دنت امرأته من الباب قال لها : افتحي حتى أدخل وأنيكك ، وأنظر أنت أطيب أم امرأتي . ؟ فقالت : سل عمراً فقد ناكنا جميعاً . وقال له يوماً إنسان : متى عهدك بالنيك ؟ فقال : سل أمك فقد نسيته . قيل لبعض المجان : البشرى فقد رزق الأمير البارحة ابناً ، فقال : سمعت هذا الخبر من يومين . قيل له : إنما ولد البارحة ، كيف سمعته أنت من يومين ؟ قال : خبر السوء يتقدم بثلاثة أيام . صرع امرأة بعض المجان ، فقرأ عليها مثل ما يقرأ المعزم ، ثم قال : أمسلم أنت أم يهودي أم نصراني . ؟ فأجابه الشيطان على لسانها وقال : أنا مسلم ، قال : فكيف استحللت أن تتعرض لأهلي وأنا مسلم مثلك ؟ قال : لأني أحبها ، قال : ومن أين جئت ؟ قال : من جرجان قال : فلم صرعتها ؟ قال : لأنها تمشي في البيت مكشوفة الرأس . قال : يا سيدي إذا كنت بهذه الغيرة ، هلا حملت من جرجان وقاية تلبسها ولا تتكشف ؟ قام بعضهم من مجلس ليصلي فقيل له : أي صلاة تصليها الأولى أو العصر ؟ فقال الماجن وكان حاضراً : أي صلاة صلاها فهي الأولى ، فإنه ما صلى غيرها .

وكان بعضهم لا يصلي فقبل له في ذلك . فقال : أليست الصلاة مع الميتة حرام ؟ قالوا : نعم . قال : فإن أيري هذا هو ميت من ثلاثين سنة . قال أحمد بن أبي طاهر : دعوت أصدقائي فجاءوا معهم بصفغ فمددت يدي إليه فقال لي : يا ابن البظراء ، هذا مزاج من داره على دجلة ، وفي بستانه طاووس ، وفي اصطبله فيل ، وعلى باب داره زرافة ، ليس من داره بكرا وخبزه شرا ، ودواؤه في رنقة وفي حجرته ديك ، وعلى بابه كلب . قال آخر : الصفع غلة ، ولكنه مذلة . قال آخر : الصفع المجان ، خير من البطالة بكراء . قيل لأدهم المضحك ، وكان أسود ، وقد أمر الوالي أن لا يخرج أحد إلى المصلى إلا في سواد قال : فأنا أخرج عريان . قال المتوكل لبعض المجان ، أطلب لي نصارى يسلمون ، فغاب عنه أياماً ثم عاد إليه ، وقال : الإسلام والحمد لك في الإقبال ، ولم أجد ما طلبت ، ولكن هاهنا مشايخ مصورون من المسلمين يتنصرون إن أردت . قال بعضهم : رأيت بعض المجان المتنادرين بعد موته في النوم فقلت له : يا فلان ما فعل بك ربك ؟ قال : يا أحمق ، ترى صهري فعل أبي ما يفعله بكل أحد ، وعاملني ما يعامل به غيري ؟ قال بعضهم : رأيت العتابي في سوق البزارين جالساً يبول على أعقاب منادين فقلت : تفعل هذا مع أدبك البارع فقال : إنما اغتنمت هذه الخلوة . قال بعضهم : مر بي عبادي بين يديه حمار عليه قفص من زجاج فقلت : أي شيء معك قال : إن عثر الحمار ، فلا شيء . قال : كوني أنا سفلة في الدنيا ، سفلة في الآخرة قيل : كيف ذلك قال :

أما دنياي فكما ترون ، وأما الآخرة فإن دخلت الجنة فلم أطمع أن أكون مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وإن دخلت النار ، لم أطمع أن أكون مع معاوية بن أبي سفيان استرث رجل حال بي هفان فقال له : ما شأنك قال : لا أدري : إما أن أكون عند الله في عداد الموتى ، أو تكون الملائكة تسرق لذتي . كان نعمان أحد ولد الفضل بن نعمان ماجناً ذا نوادر ، فقال له جماعةٌ من أصحابه ، هذا شهر رمضان فمن يصلي بالجيران التراويح ؟ فقال كل واحد منهما : ليس فينا من ينشط لذلك قال : نعم . فالعبوا بالنرد إحدى عشرة فصلة ترويحتين فمن تقمر صلى ترويحتين ، ثم ألعبوا أبداً حتى يفرغوا من عداد التراويح حتى لا يقع على واحد منهم خيف . كان بعض المجان لا يصوم تطوعاً إلى يوم الأربعاء ، فعوتب على ذلك فقال : أصومه رحمةً له ، لأني لا أجد أحداً يصومه . أكل بعضهم سمكاً كثيراً ففلج فلما كان من الغداء اشتهى اللبن والسمك . فقالوا له : أبده الله في نفسك فقال : تخافون أفلج مرة أخرى . قال بعضهم : مررت بشيخ يأكل في شهر رمضان جهاراً فقلت له ، أما تتقي الله ؟ فقال : لست مرائياً ، عافاك الله . قيل لبعضهم : روي في الحديث : أن الله إنما رزق الأحمق ليعلم العاقل أنه لا يجر إلى نفسه بعقله شيئاً . فقال : كان يكفي إنسان واحد للأنموذج . قال بعض الظرفاء لصديق له . أنت عندي غداً ، فقال : تقوي ظهري برقعة . أشرف قوم كانوا في سفينة على الهلاك ، فأخذوا يدعون الله بالنجاة ويتضرعون ورجلٌ فيهم ساكتٌ لا يتكلم فقالوا له : لم لا تدعو أنت أيضاً ؟ فقال : هو مني إلى هاهنا وأشار إلى أنفه ، وإن تكلمت ، غرقكم .

قال بعضهم : غضب العشاق مثل مطر الربيع . قال بعضهم : نيك الخصى أوله بكاء وآخره ضحك قالوا : وكيف ذاك ؟ قال : لأنه إذا ناك المرأة عضها فتبكي ، وإذا نزع ضرط فتضحك . قيل لبعضهم : ما بال الكلب إذا بال يرفع رجله ؟ قال : يخاف أن يتلوث دراعته قيل : وللكلب دراعة ؟ قال : هو يتوهم أنه بدارعة . حكي عن بعض الشيوخ أنه قال : مررت بالبصرة فرأيت ماجنين يقول أحدهما للآخر : تحالفا علينا على غير أمرٍ كان منا ، فجمعت خطى وأنني استطعم حديثهما ، فإذا هما يقولان : أي والله إن هذا لعجب يقول إبليس ، فوربك لأغوينهم أجمعين . ويقول الله : فالحق والحق أقول لأملأن جهنم ومن يقوم لتحالفهما . قال : فلما رأياني حولاً وجه الحديث ، وانثنيا في معنى آخر . قيل لابن سيابة : ما نظنك تعرف الله . قال : وكيف لا أعرف من أجاعني ، وأعراني ، وأدخلني في حر أمي. قام شملة ولزمه آخر وكانا ماجنين . فقال : حتى لا تفلح أبداً تعالى فقال : أما أنا فقد جئت ، فإن شئت أنت ، فتعال . سئل أبو الريان الحمصي عن معنى قول النبي عليه السلام حين سئل متى تقوم الساعة ؟ فأشار بأصابعه الثلاث وتأول على ثلاثمائة سنة ، فقال : إنما أراد الطلاق إنه لا يدري . قال بعضهم : سمعت بعض المجان يقول : فلانٌ أخذ من الحافي نعله . قال : وسمعت آخر يقول : لعن الله فلاناً ، يطر من العريان كمه . مر ماجنٌ بالمدينة برجل قد لسعته عقرب ، فقال : أتريد أن أصف لك داواءها ؟ قال : نعم . قال : عليك بالصياح إلى الصباح . نظر بعضهم إلى صبي بغيض فقال : هذا والله من أولاد الإيمان ، فقالوا : كيف قال : يقول أبوه نحرت ابني هذا عند الكعبة ، اهديت ابني هذا إلى مقام إبراهيم ، ثكلت ابني هذا .

قال قدامة بن نوح : أولاد الزنا أنجب ، وذلك أن الرجل يزني بشهوته كلها ونشاطه فيخرج الولد كاملاً ، والباقون من جماع بغير شهوة وتصنع من الرجل لامرأته . قال بعضهم : حفظت من أحاديث النبي عليه السلام أربعة ونصف قيل له : وما هو قال : حديثه إذا ابتلت النعال ، فالصلاة في الرحال . وحديثه ؛ عليه السلام : ابردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم . وحديثه : إذا حضرت الصلاة والعشاء فابدأوا بالعشاء . وحديثه : ليس من البر الصيام في السفر ، ونصف الحديث . حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وكانت قرة عينه في الصلاة وليست كذلك . مر بعضهم في طريق فعي من المشي ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : يا رب ، ارزقني دابة ، فلم يمش إلا قليلاً حتى لحقه أعرابي راكب رمكة وخلفه مهر لها صغير قد عي فقال للرجل : احمله ساعة ، فامتنع الرجل فقنعه بالسوط حتى حمله ، فلما حمله نظر إلى السماء فقال : يا رب ، ليس الذنب لك ، إنما الذنب لي حيث لم أفسرك ، دابة تركبني أو أركبها . اشتري بعضهم جارية فقيل له : اشتريتها لخدمتك أو لخدمة النساء فقال : بل لنفسي ، ولو اشتريت للنساء لكنت اشتري مملوكاً فحلاً . كان أبو زهرة ماجناً كان يحمق ، فصعد يوما في درجة طويلة فلما قطعها ، قال ما بيننا وبين السماء إلا مرحلة وقد رميت الشياطين من دون هذه المسافة . ودخل يوماً من باب صغير وكان طويلاً فقال : أدخلتم الجمل في سم الخياط قبل يوم القيامة ؟ ؟ قال بعضهم : لو أعطى الله الناس أمانيهم لافتضحوا . . قيل : وكيف قال : لأنه ليس في الدنيا امرأة إلا وهي تشتهي أن يكون أير صاحبها مثل أير الحمار ، وهو يشتهي أن يكون حرها أضيق من حلقة الخاتم ، متى كان هذا في هذا . ورث بعضهم مالاً ، فكتب على خاتمه الوحى ، فلما أفلس كتب على خاتمه استرحنا .