الجزء السابع - الباب الثاني نوادر ونكت للفلاسفة

الباب الثاني نوادر ونكت للفلاسفة

نظر فيلسوف إلى امرأة قد خنقت على شجرة فقال : ليت كل شجرة تحمل مثل هذه الثمرة . مرت بسقراط امرأة ، وهو يتشرق ، فقالت له : يا شيخ ما أقبحك فقال : لولا أنك من المرائي الصدئة لغمنّى ما بان من قبح صورتي فيك . ورأى سقراط رجلاً يضرب غلاماً له ويرعد ، فقال : ما الذي بلغ بك هذا الذي رأى ؟ فقال : إساءة هذا الغلام ، فقال : إن كان كلما جنى عليك جناية سلطته على نفسك تفعل به ما أرى فما أسرع ما تهرم نفسك من هذا الفعل . ونظر إلى امرأة حين أريد قتله ، وهي تبكي ، فقال لها : ما يبكيك ؟ قالت : وكيف لا أبكي وأنت تقتل ظلماً ؟ فقال لها : فكأنك أردت أن أقتل بحق . وكان سقراط يقول لتلامذته : أقلوا من القنية تقل مصائبكم . وقال له تلميذ له : كيف لا أرى أيها الحكيم فيك أثر حزن ؟ قال : لأني لا أملك شيئاً لإن فقدته حزّنني . فقال له آخر : فإن انكسر هذا الحب الذي أنت فيه فماذا تفعل ؟ - وكان سقراط يأوى إذ ذاك في كنف حب - فقال سقراط إن انكسر الحب لم ينكسر المكان . وقال : " إن اخترت أن تحيا له فمت دونه " . خطب رجلان إلى ديمانوس بنته ، وكان أحدهما فقيراً والآخر غنياً ، فاختار الفقير ، فسأله الاسكندر عن ذلك ، فقال : لأن الغني كان جاهلاً فكنت أخاف عليه الفقر ، والفقير كان عاقلاً فرجوت له الغنى . قيل لبعضهم : ما أهم الأشياء نفعاً ؟ فقال : موت الأشرار .

قيل لأفلاطون : ما الشيء المعزّي للناس على مصائبهم ؟ فقال : أما للعلماء فعلمهم بأنها اضطرارية ، وأما لسائر الناس فتأسِّي الحسن . قال بعضهم : لا شيء أنفس من الحياة ، ولا غبن أعظم من إنفادها لغير حياة الأبد . قال آخر للإسكندر : إذا كان سر الملك عند اثنين دخلت على الملك الشبهة ، واتسعت على الرجلين المعاريض فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد ، وإن اتهمهم اتهم بريئاً بجناية مجرم . وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له ، وعن الآخر ولا حجة عليه . قيل لآخر : ما العقل ؟ قال : الإصابة بالظن ، ومعرفة ما لم يكن بما كان . قال أرسطاطاليس : العاقلُ يوافق العاقلَ ، والجاهلُ لا يوافق العاقلَ ولا الجاهلَ ، ومثال ذلك المستقيمُ الذي ينطبق على المستقيم ، فأما المعوُّج فإنه لا ينطبق على المعوجِّ ولا على المستقيم . نظر سقراط إلى السيل ، وقد حمل امرأة ، فقال : زادت الكدر كدرا والشر بالشر يهلك . طلب أهل يونان رجلاً للملك بعد موت ملك لهم ، فاسموا بواحد فقال فيلسوف لهم : لا يصلح هذا للملك . فقالوا : ولم ؟ قال : هو كثير الخصومة ، فليس يخلو في خصومته أن يكون ظالماً أو مظلوماً ، والظالم لا يصلح للملك لظلمه ، والمظلوم أحرى ألا يصلح لضعفه ، فقالوا له : صدقت ، أنت أولى منه ، وملكوه . قيل لبعضهم : إن فلاناً يحكي عنك كل سوء ، فقال : لأنه لا يهتدي إلى الخير فيحكي . قيل لبعضهم ، وكان محبوساً : ألا تكلم الملك في إطلاقك ؟ قال : لا ، قيل : ولم ؟ قال : لأن الفلك أحدُّ ، والفضاء أجد ، من أن تبقى حال على حد . قال اٌسكندر لما قتل دارا : قاتل دارا لا يبقى .

قيل لديوجانس : لمَ تأكل في السوق ؟ قال : لأني جعت في السوق . ورأى غلاماً لقيطاً يرمي بالحجارة ، فقال : لا ترم ، لعلك تصيب أباك ولا تدري . ورأى آخر مؤدباً يعلم جارية الكتابة ، فقال : لا تزد الشر شراً ، تسقي سهمها سماً لترمي به يوماً ما . ورأى جارية تحمل ناراً ، فقال : نار على نار ، والحامل شر من المحمول . ورأى مرة امرأة في ملعب فقال : ما خرجت لترى ، ولكن خرجت لتُرأى . ورأى امرأة عوراء تصنع نفسها فقال : نصف الشر شر أيضاً . قال بعضهم : إني لأعجب من الناس ، وقد مكنهم الله من الاقتداء به ، فيدعون ذلك إلى الاقتداء بالبهائم . وقيل لآخر : ما الفضل بينك وبين الملك ؟ قال : هو عبد الشهوات وأنا مولاها . وقيل لآخر : إن الملك لا يحبك ، قال : إن الملك لا يحب من هو أكبر منه . وقيل لآخر : من الجواد ؟ قال : من جاد بماله ، وصان نفسه عن مال غيره . قيل لسقراط : لم لا تذكر في شرائعك عقوبة من قتل أباه ؟ قال : لم أعلم أن هذا يكون . قال سقراط لأرسجانس : لا تسوطن النار بسكين - قيل : أراد إذا رأيت الغضبان فلا تهيجه - . وقال أيضاً له : احذر الأسد غير ذي الأربع ، - قال : أراد السلطان - . قيل للإسكندر : إن فلاناً يثلبك فلو عاقبته قال : هو عند العقاب أعذر . وقال الإسكندر : ليس من الإنصاف أن يقاتل أصحابي عني ، ولا أقاتل عن نفسي .

قيل لفيلسوف : ما بال الثمرة غشاؤها هر المأكول منها والنواة في جوفها ، والجوزة بخلاف ذلك ؟ قال : لم تكن العناية بما يؤكل في حال الأكل ، إنما كانت العناية ببقاء النوع ، فحفظت النواة بالغشاء ، والجوزة بالقشرة . قال بقرط : سلوا القلوب عن المودات فإنها شهود لا تقبل الرشى . قال رجل للإسكندر : إن العسكر الذي فيه دارا كثير ، فقال الإسكندر : إن الغنم وإن كثرت تذل لذئب واحد . ورأى الإسكندر سمياً له لا يزال ينهزم في الحروب ، فقال : أيها الرجل ، إما أن تغير فعلك ، وإما أن تغير اسمك . رأى فيلسوف مدينة حصينة بسور محكم فقال : هذا موضع النساء لا موضع الرجال . جاء بعض الكلبيين ، وهو جنس من اليونانيين ، إلى الإسكندر فقال : هب لي مثقالاً واحداً، فقال الإسكندر : ليس هذا عطاء ملك ، قال : فهب لي قنطارا . فقال الإسكندر : ليس هذا سؤال كلبيّ . أشير على الإسكندر بالبيات في بعض الحروب فقال : ليس من آيين الملوك استراق الظفر . قيل لأرسطاطاليس : ما بال الحسدة يحزنون أبداً ؟ فقال : لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشر فقط ، بل لما ينال الناس أيضاً من الخير . وقال : الإفلال حصن للعاقل من الرذائل ، وطريق إليها للجاهل . قيل لفيلسوف : ما صناعة الخطيب ؛ قال : أن يعظِّم شأن الأشياء الحقيرة ، ويصغِّر شأن الأشياء العظيمة . قال آخر : الدنيا لذات معدودة : منها لذة ساعة ، ولذة يوم ، ولذة ثلاثة ، ولذة شهر ، ولذة سنة ، ولذة الدهر ، فأما لذة ساعة فالجماع ، وأما لذة يوم فمجلس شراب ، وأما لذة ثلاثة فلين البدن بعد الاستحمام ، وأما لذة شهر فالفرح بالعرس ، وأما لذة سنة بالفرح بالمولود الذكر ، وأما لذة الدهر فلقاء الإخوان مع الجدة .

قال آخر : التفكر في الخير يدعو إلى العمل به ، والتفكر بالشر يدعو إلى تركه . قال آخر : العشق جهل عارض وافق قلباً فارغاً . قال أرسطاطاليس للإسكندر : احفظ عني ثلاث خصال ، قال : وما هن ؟ قال : صل عجلتك بتأنيك، وسطوتك برفقك ، وضرك بنفعك ، قال : زدني ، قال : انصر الحق على الهوى تملك الأرض ملك الاستعباد. قال أفلاطون : تُعرف خساسة المرء بكثرة كلامه بما لا ينفعه ، وإخباره بما لا يسأل عنه . وقال : لا تؤخر إنالة المحتاج إلى غد ، فإنك لا تدري ما يعرض في غد . وقال : أعن المبتلى إذا لم يكن سوء عمله ابتلاه . وقال : إن تعبت في البر فإن التعب يزول والبر يبقى ، وإن التذذت بالآثام فإن اللذة تزول والآثام تبقى . وقال : أجهل الجهال من عثر بحجر مرتين . وقال : كفاك موبخاً على الكذب علمك بأنك كاذب ، وكفاك ناهياً عنه خوفك إذا كذبت . كان على خاتم فيثاغورس " شر لا يدوم خير من خير لا يدوم " . قال آخر : العالم يعرف الجاهل ؛ لأنه كان جاهلاً ، والجاهل لا يعرف العالم ؛ لأنه لم يكن عالماً . قال آخر : الهالك على الدنيا رجلان : رجل نافس في عزها ، ورجل آنف من ذلها . قال آخر : " من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع غنم كثير " . قال آخر : أعجب ما في الإنسان أن ينقص ماله فبقلق ، وينقص عمره فلا يقلق .

قال آخر : الشكر محتاج إلى القبول ، والحسب محتاج إلى الأدب ، والسرور محتاج إلى الأمن ، والقرابة محتاجة إلى المودة ، والمعرفة محتاجة إلى التجارب ، والشرف محتاج إلى التواضع ، والنجدة محتاجة إلى الجد . قال رجل لسقراط ، ورآه يأكل العشب : لو خدمت الملك لم تحتج أن تأكل الحشيش ، فقال له : لو أكلت الحشيش لم تحتج أن تخدم الملوك . قال بعضهم لولده يحثهم على الكسب : لا تتكلوا على البخت ؛ فإنه ربما لم يكن وربما كان وذهب ، فأما الحسب فرأيته بلاءً على أهله ، فإنه يقال للناقص : هذا ابن فلان فيتضاعف غمه وعاره ، ولو لم يكن في العلم إلا أن العالم يكرم وإن لم يكسب لكفاه . حكي عن الإسكندر أنه لما احتضر كتب إلى أمه وهي بالإسكندرية : إذا قرأت كتابي يا أمه فاصنعي طعاماً كثيراً وأطعميه للناس ، ولا تطعمي منه إلا من لم تصبه مصيبة ، فعرفت موته . قال بعضهم لسقراط : ذكرتك لفلان فلم يعرفك ، فقال : لا يضرني ألا يعرفني هو ، ويضره ألا يعرفني ولا أعرفه ، لأني لا أعنى بمعرفة خسيس ، ولا يجهل مثلي إلا خسيس . قيل لبعضهم : ما بالكم لا تأنفون من التعلم من كل أحد ؟ قال : لأنا قد علمنا أن العلم نافع من حيث أصيب . قيل لآخر ألا تخوض معنا في حديثنا ؟ فقال : الحظ للمرء في أذنه ، والحظ في لسانه لغيره . قيل لآخر : أي الحيوان لا يشبع ؟ قال : الذي يربح . قيل لأفلاطون : ما بالكم إذا أصبتم الشيء الذي يسركم تسرون به ، وإذا أصابكم الشيء الذي يغم لم يغمكم ؟ قال : لأن الشيئين جميعاً إما أن يتركانا أو نتركهما . وقيل له : فلان يخضب بالسواد ، فقال : لأنه يكره أن يؤخذ بحنكة الشيخ .

قال آخر : لتلميذ له فهمه شيئاً : أفهمت ؟ قال : نعم ، قال : كذبت ؛ لأن دليل الفهم السرور ، ولم أرك سررت . قيل لآخر : متى يحمد الكذب ؟ قال : إذا قرب بين المتقاطعين ، قيل : فمتى يذم الصدق ؟ قال : إذا كان غيبة ، قال فمتى يكون قليل البذل أحمد ؟ قال : إذا كان قليله في الحقوق ، وكثيره في الفسوق ، قيل : فمتى يكون الصمت خيراً ؟ قال: عند النساء . قيل لإيدجانس : ألك بيت تستريح فيه ؟ قال : حيث أستريح فهو بيتي . ونظر رجل إلى حكيم يجامع فقال له : أي شيء تعمل ؟ قال : إنساناً إن تم . قيل لسقراط : أي السباع أحسن ؟ قال : المرأة . صعد إيدجانس إلى موضع عال ثم صاح ، معاشر الناس ، فاجتمعت العامة إليه من كل جانب ، فقال : ما بالكم ؟ لم أدعكم، إنما دعوت الناس . قال سولون : أصلح ما عوشر به الملوك قلة الخلاف وتخفيف المؤونة . وسئل : ما أصعب الأشياء على الإنسان ؟ فقال : أن يعرف نفسه ، ويكتم سره . سقراط : استشاره فتى في التزوج فقال له : احذر من أن يعرض لك ما يعرض للسمك في المصيدة ، فإن الخارج عنها يطلب الدخول فيها والداخل فيها بطلب الخروج منها . دخل أرسطاطاليس إلى الإسكندر ليعزيه بفجيعة فتأخر عن المعزين ثم قال : لم أدخل إليك لأعزيك ، ولكن لأرى صبرك على المصائب فأقتني ذلك منك . رأى ديوجانس تعلّم الكتابة فقال : سهم يسقى سماً . وسئل عن وقت الغداء فقال : لمن أمكنه إذا احتاج ، ولمن لا يمكنه إذا وجد . وقيل له : ما الغنى ؟ فقال : الكف عن الشهوات .

وسئل ما الذي ينبغي للرجل أن يتحفظ منه ؟ قال : يتحفظ من حسد إخوانه ، ومكر أعدائه . قال قراطيس : " إن أحببت ألا تفوتك شهوتك فاشته ما يمكنك " . جلس الإسكندر يوماً فلم يسأله أحد حاجة ، فقال لجلسائه ، إني لا أعد هذا اليوم من أيام ملكي . قال سولون : " الجواد من جاد بماله ، وصان نفسه عن مال غيره " . قال أفلاطون : لا ينبغي للعاقل أن يتمنى لصديقه الغنى فيزهو عليه ، ولكن يتمنى أن يساويه في الحال . سأل الإسكندر حكماء أهل بابل : أيما أبلغ عندكم الشجاعة أو العدل ؟ قالوا : إذا استعملنا العدل استغنينا عن الشجاعة . كتب أرسطاليس إلى الإسكندر : املك الرعية بالإحسان فإنها إذا قدرت أن تقول قدرت أن تفعل ، فاجتهد ألا تقول تسلم من أن تفعل . قال بعضهم لا سر إلا في مكيدة تحاول ، أو منزلة تزاول ، أو سريرة مدخولة تكتم ، ولا حاجة في ظهور شيء من ذلك. وقال : " ما كتمته عدوك فلا تظهر عليه صديقك " . سئل بعضهم : أي شيء أولى أن يتعلمه الأحداث ؟ فقال : الأشياء التي إذا صاروا رجالاً احتاجوا إليها . هم الإسكندر بأن يوجه رسولاً إلى الفرس ثم تخوَّف أن يغدر به ، فقال له الرسول : أيها الملك إن نفسي طيبة بأن أُقتل فيما تحب ، فقال له الإسكندر : والواجب أن أشفق على مثلك . سئل أرسطاطاليس : أي شيء أصعب على الإنسان تحملاً ؟ فقال : السكوت . سئل ديوجانس عن رجل يعرفه هل هو غني ؟ فقال : أنا أعلم أن له مالاً ، ولكني لا أعلم أغنيٌّ هو أم لا ؟ لأني لست أدري كيف عمله في ماله . سئل بعضهم ملوكهم أين أموالك وكنوزك ؟ فالتفت إلى أصحابه و قال : عند هؤلاء .

قيل لبعض الحكماء : إنه يصعب أن ينال الإنسان ما لا يشتهي ، فقال : أصعب من ذلك أن يشتهي ما لا يناله . لتز أفلاطون على الزهد في المال فقال : كيف يرغب فيما يُنال بالبخت لا بالاستحقاق ، ويأمر البخل والشَّرَهُ بحفظه ، والجود والزهد بإتلافه ؟ . وسئل ما أصلح حالات المدن ؟ فقال : أن يتفلسف ملوكها ، ويملك فلاسفتها . و قال : ينبغي إذا عوقب الحدث أن يترك له موضع من ذنبه لئلا يحمله الإحراج على المكابرة . وسئل بماذا ينتقم الإنسان من عدوه ؟ قال : بأن يتزيد فضلاً في نفسه . قال أرسطاطاليس : لا ينبغي للملك أن يرغب في الكرامة التي ينالها من العامة طوعاً أو كرهاً ، ولكن في التي يستحقها بحُسن الأثر ، وصواب التدبير . أُهدي إلى الإسكندر أوانٍ من فخار فاستحسنها ثم أمر بكسرها ، فسئل عن ذلك فقال : علمت أنها تُكسر على أيدي الخدم واحداً واحدا فيهيج في الغضب ، فأرحت نفسي منها مرةً واحدة . قيل لجادوسيس الصقلي : إنك من مدينة خسيسة ، فقال أما أنا فيلزمني العار من قبل بلدي ، وأما أنت فعار لازم لأهل بلدك . وعيّر آخر سقراط بنسبه فقال سقراط : نسبي مني ابتدأ ، ونسبك إليك انتهى . قيل لأفلاطون : لم لا نكاد تجتمع الحكمة والمال ؟ فقال : لعزة وجود الكمال . قيل لبعضهم : ما الشر المحبوب ؟ فقال : الغنى . قيل لبعضهم : إن فلاناً يشتمك بالغيب ، فقال : لو ضربني بالغيب لم أبال .

قيل لأرسطاطاليس : ما بال الحسدة يحزنون أبدا ؟ قال : لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشر فقط ، بل لما ينال الناس من الخير أيضاً . وقال : " كيف يرجو العقل النجاه ، والهوى والشهوة قد اكتنفاه " . قال الإسكندر لبعض حكماء بابل : أوصني ، فقال : " لا تكثر القنية فإنها ينبوع الأحزان " . قال سقراط إذا كان العالم غير معلم قل غناء علمه كما يقل غناء المكثر البخيل . وقال أرسطاطاليس : يمنع الجاهل أن يجد ألم الحمق المستقر في قلبه ما يمنع السكران من أن يجد مس الشوكة تدخل في يده . كان سقراط يقول : " القنية مخدومة ومن خدم غير نفسه فليس بحر " . وقيل له : بأي خصلة تتفضل على أهل زمانك ؟ فقال : بأن غرضهم في الحياة أن يأكلوا ، وغرضي في الأكل أن أحيا . تزوج بعضهم امرأة نحيفة ، فقيل له في ذلك ، فقال : اخترت من الشر أقله . وقيل لآخر أراد سفراً : تموت في الغربة ، فقال : ليس بين الموت في الوطن والموت في الغربة فرق ؛ لأن الطريق إلى الآخرة واحد . رأى أفلاطون مدعياً للصراع - ولم يكن صرع أحداً قط - تحول طبيباً ، فقال : الآن أحكمت الصراع ، يتهيأ لك أن تصرع من شئت . وصف للإسكندر حسن بنات دارا وجمالهن ، فقال : من القبيح أن نغلب رجال قوم ، ويغلبنا نساؤهم . تحاكم إلى الإسكندر رجلان من أصحابه فقال لهما : الحكم يرضي أحدكما ويسخط الآخر ، فاستعملا الحق ليرضيكما جميعاً . قال سقراط : " العامة إذا رأت منازل الخاصة حسدتها عليها ، وتمنت أمثالها ، فإذا رأت مصارعها تُدالها " . وقال : " العفو يفسد من اللئيم بقدر ما يصلح من الكريم " .

وسافر مرة مع بعض الأغنياء ، فقيل له : في الطريق صعاليك يأخذون سلب الناس ويطالبونهم بالمال ، فقال الغني : الويل لي إن عرفوني ، فقال سقراط : الويل لي إن لم يعرفوني . قال الإسكندر لأرسطاطاليس : أوصني في عمالي خاصة ، فقال : انظر من كان له عبيد فأحسن سياستهم فولّه الجند ، ومن كانت له ضيعة فأحسن تدبيرها فوله الخراج . قيل لحكيم : ما الشيء الذي لا يُستغنى عنه ؟ قال : التوفيق . كتب فيلسوف على بابه لا يدخل هذا المنزل شر ، فقال له ديوجانس : فمن أين تدخل امرأتك إذن ؟ . رأى ديوجانس رجلين لا يفترقان ، فسأل عنهما ، فقيل : إنهما صديقان ، فقال : فما بال أحدهما فقير والآخر غني ؟ . قيل لأفلاطون : لم يخضب فلان بالسواد ؟ قال : يكره أن يؤخذ بحنكة الشيخ . نظر فيلسوف إلى رجل يرمي ، وسهامه تذهب يميناً وشمالا ، فقعد موضع الهدف ، فقيل له في ذلك ، فقال : لم أر موضعاً أسلم منه . قال سقراط : ليس ينبغي أن يقع التصديق إلا بما يصح ، ولا العمل إلا بما يحل ، ولا الابتداء إلا بما تحمد فيه العاقبة . دخل رجل على بعضهم وهو يأكل خبزاً يابساً قد بله في الماء فقال : كيف تشتهي هذا ؟ قال : أدعه حتى أشتهيه . حكي عن الإسكندر أنه قال : علم النجوم ضربان : غامض دقيق لا يُدرى غوره وظاهر جليل لا يؤمن خطاؤه . قيل لبقراط : مالك لا تشاهد الناس ؟ قال : لأني وجدت الانفراد بالخلوة أجمع لدواعي السلوة ، وعز في الوحدة خير من ذل في الجماعة ، والوحدة أسهل من مداراة الخلطة . قصد الإسكندر موضعاً لمحاربة أهله ، فحاربه النساء فكف عنهن ، وقال : هذا جيش إن غلبناه لم يكن فيه فخر ، وإن غلبوا كانت الفضيحة .

قال سقراط : " اللين جوهر الكرم ، والشدة جوهر اللؤم " . وقال أرسطاطاليس : " لكل شيء صناعة ، وحسن الاختيار صناعة العقل " . وقال بقراط : " من ضر نفسه لنفع غيره فهو أحمق " . وقال : " للمرأة ستران : بعلها وقبرها " . وقال : " من حسدك لم يشكرك على إحسانك إليه " . وقال الإسكندر : " البغي آخر مدة الملوك " . وقال : " الاستطالة تهدم الصنيعة " . قال بقراط : " لأن يكون الحر عبداً لعبيده خير من أن يكون عبداً لشهواته " . قال بعض الفلاسفة : " أنقص الناس عقلاً من ظلم من دونه " . قيل لبعضهم : لم تخالط السفل ؟ فقال : لأن الحكماء قد فقدوا . وقيل لآخر : أي العلوم أفضل ؟ قال : ما العامة فيه أزهد . قال فيلسوف لأهل مدينته : ليت طبيبكم كان صاحب جيشكم فإنه قد قتل الخلق وليت صاحب جيشكم كان طبيبكم ؛ فإنه لم يقتل أحداً قط . قال أفلاطون : من جهل الشيء ولم يسأل عنه جمع على نفسه فضيحتين . وقال : أشرف الناس من بذل مع الإضاقة ، وصدق عند الغضب . قال بقراط : ينبغي للعاقل إذا أصبح أن ينظر في المرآة ، فإن كان وجهه حسناً لم يشنه بقبيح ، وإن كان قبيحاً لم يجمع بين قبيحين . ذكر المال عند أفلاطون فقال : ما أصنع بما يعطيه الحظ ، ويحفظه اللؤم ، ويهلكه الكرم . قال بعضهم لسقراط : ما أفقرك فقال : لو عرفت راحة الفقر لشغلك التوجع لنفسك عن التوجع لي ، فالفقر ملك ليس عليه محاسبة.

كتب الإسكندر من بلاد فارس إلى أرسطاطاليس : من الإسكندر الملك إلى الأرسطاطاليس الحكيم ، عليك منا السلام. أما بعد : فإن دوائر الأسباب ومواقع العلل وإن كانت أسعدتنا بالأمور التي أصبح الناس لنا بها دائنين ، فإنا جد واجدين لمس الاضطرار إلى حكمتك ، غير جاحدين للإقرار بفضلك ، والاستتامة إل مشورتك ، والاجتباء لرأيك ، والاعتقاد لأمرك ونهيت ، لما بلونا من جداء ذلك علينا ، وذقنا من جنى منفعته ، حتى صار ذلك بنخوعه فينا ، وترشيحه لعقولنا ، كالغذاء لنا ، فما ننفك نعول عليه ، ونستمد منه ، كاستمداد الجداول من البحور ، وتحويل الفروع على الأصول ، وقوة الأشكال بالأشكال . وقد كان فيما سبق إلينا من النصر والفلج ، وأتيح لنا من الظفر والقهر ، وبلغناه من العدو من النكاية ، ما يعجز القول عن وصفه ، ويقصر الشكر للمنعم على الإنعام به . وإنه كان من ذلك أنا جاوزنا أرض سرية والجزيرة وبابل إلى أرض فارس ، فلما حللنا بعقوة أهلها وساحة بلادهم لم يكن ذلك إلا ريثما أن تلقانا نفر منهم برأس ملكهم هدية إلينا ، وطلباً للحظوة عندنا ، فأمرنا بصلب من جاء به وشهرته ؛ لسوء بلائه ، وقلة ارعوائه ووفائه . ثم أمرنا بجمع من كان هنالك من أبناء ملوكهم وأحرارهم وذوي الشرف منهم ، فرأينا رجالاً عظيمة أجسامهم وأحلامهم ، حاضرة ألبابهم وأذهانهم ، رائعة مناظرهم ومناطقهم ، دليلاً ما ظهر من روائهم أن وراءه من قوة أيديهم ، وشدة بأسهم وتحديهم ، ما لم يكن ليكون لنا معه سبيل إلى غلبتهم ، وإعطابهم بأيديهم ، لو لا أن القضاء أدالنا منهم ، وأظفرنا بهم ، وأظهرنا عليهم ، ولم نر بعيداً من الرأي في أمرهم أن نستأصل شأفتهم ، ونجتث أصلهم ، ونلحقهم بمن مضى من أسلافهم ، لنسكن القلوب بذلك إلى الأمن من جرائرهم وبوائقهم ،

فرأينا ألا نعجل بإسعاف بادي الرأي في قتلهم ، دون الاستظهار عليهم بمشورتك فيهم ، فارفع إلينا مشورتك فيما استشرناك فيه بعد صحته عندك ، وتقليبك إياه على نظرك . وسلام أهل السلام فليكن علينا وعليك .

فأجابه أرسطاطاليس

للإسكندر المؤيد بالنصر على الأعداء المهدي الظفر بالملوك من أصغر عبيده وأوضع خوله أرسطاطاليس الخنوع بالسجود ، والتذلل في السلام ، والإذعان بالطاعة . أما بعد : فإنه لا قوة بالنطق - وإن احتشد الناطق فيه ، واجتهد في تثقيف معانيه ، وتأليف حروفه - على الإحاطة بأقل ما يناله العذر من بسطة علو الملك ، وسمو ارتفاعه عن كل قول ، وإيتائه على كل وصف ، واغترابه لكل إطناب . وقد تقرر عندي من مقدمات أعلام فضل الملك في مهلة سبقه ، وبروز شأوه ، ويمن نقيبته - منذ أدت إلى حاسة بصري صورة شخصه ، واضطرب في حس سمعي صوت لفظه ووقع وهمي على تعقب مخارج رأيه ، أيام كنت أؤدي إليه من تعليمي إياه - ما أصبحت قاضياً على نفسي بالحاجة إلى تعلمه منه . ومهما يكن مني إليه في ذلك فإنما هو عقل مردود إلى عقله ، مستنبطة أوائله وتواليه من علمه وحكمته ، وقد حكى لي كتاب الملك مخاطبته إياي ومسألته لي عما لا يتخالجني الشك في أن لقاح ذلك ونتاجه من عنده صدر ، وعليه كان ورد . وأنا فيما أشير به على الملك - وإن اجتهدت فيه ، واحتشدت له ، وتجاوزت حد الوسع والطاقة مني في استنظافه - كالعدم مع الوجود ، بل كما لا يتجزى في جنب أعظم الأشياء ، ولكني غير ممتنع من إجابة الملك إلى ما سأل على يقيني تعظيم غناه عني وشدة فاقتي إليه ، وأنا راد إلى الملك ما أفدته منه ، ومشير عليه بما أخذته عنه ، فقائل له : إن لكل تربة لا محالة قسماً من كل فضيلة ، وإن لفارس قسمتها من النجدة والقوة ، وإنك إن تقتل أشرافهم تخلّف الوضعاء بأعقابهم ، وترث سفلتهم منازل عليتهم ، ويغلب أدنياؤهم على مراتب ذوي أخطارهم ، ولم يبتل الملوك قط ببلاء هو أعظم عليهم ، وأشدتوهيناً لسلطانهم من غلبة السفلة وذل الوجوه ، فاحذر الحذر كله أن تمكن تلك الطبقة من الغلبة والحركة ، وإن نجم منهم بعد اليوم على جندك وأهل بلدك ناجم دهمهم منه مالاً روية فيه ولا بقية معه . فانصرف عن هذا الرأي إلى غيره ، واعمد إلى من قبلك من أولئك العظماء والأحرار فوزع بينهم مملكتهم ، وألزم اسم الملك كل من وليته منهم ناحية ، واعقد التاج على رأسه ، وإن صغر ملكه ، فإن المتسمي بالملك لازم لاسمه ، والمعتقد التاج لا يخضع لغيره ، ولا ينشب ذلك أن يوقع بين كل ملك منهم وبين صاحبه تدابراً وتقاطعاً وتغالباً على المُلك ، وتفاخراً بالمال حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك ، وأوتارهم قبلك ، وتعود حربهم لك حرباً بينهم ، وحنقهم عليك حنقا منهم على أنفسهم ، ثم لا يزدادون في ذلك بصيرة إلا أحدثوا بها لك استقامة ، فإن دنوت منهم دانوا لك ، وإن نأيت عنهم تعززوا بك ، حتى يثبت كل ملك منهم على جاره باسمك ، ويسترهبه بجندك ، وفي ذلك شاغل لهم عنك ، وأمان لأحداثهم بعدك ، ولا أمان للدهر ، ولا ثقة بالأيام . قد أديت إلى الملك ما رأيته لي حظاً ، وعليّ حقاً من إجابتي إياه إلى ما سألني عنه ، مع أدائي النصيحة إليه فيه ، والملك أعلى عينا ، وأنفذ رويةً ، واصل رأيا ، وأبعد همة فيما استعان بي عليه ، وكلفني تبيينه له ، والمشورة به ، فلا زال الملك متغرفاً من فوائد النعم ، وعواقب الصنع ، وتوطد الملك ، وتنقل الأجل ، ودرك الأمل ، ما تأتي فيه مقدرته على غاية قصوى ما ينال البشر ، والسلام الذي لا انقضاء له ولا انتهاء ولا مدة فليكن على المُلك والمَلك.