الجزء السابع - الباب الحادي عشر حكم ونوادر للهند

الباب الحادي عشر حكم ونوادر للهند

في كليلة ودمنة : قد قد تصل النضال إلى الأجواف ، فتستخرج وتندمل جراحها ، والقول إذا وصل إلى القلب لم يُستخرج . قالوا : كان في سنّة الهند ، إذا أُصيب أحدهم بمصيبة تعظم عليه ، أن يلبسوا السلاح ويحتشدوا ، ويبلغوا الطاقة في العدّة ، ثم يصيروا إلى بابه ، فيقولوا : بلغنا أنك سُلبت شيئاً بلغ منك ، فاستعددنا وجئنا لنحارب من سلبك، ونرد عليك ما سُلبت . فيقول لهم : إنكم لا تقدرون على ذلك ، والذي سلبنيه لا يُقاتل ولا يُغالب . فيقولون له : فإذا كان الأمر هكذا فلا تجزع على فائت لا حيلة في رده ، ثم يتفرقون عنه . في كتاب كليلة ودمنة : لا يطمع الملك الضعيف الوزير في ثبات ملكه . وفيه : الدنيا كالماء المالح التي متى يزدده شاره شُرباً يزدد به ظمأً وعطشا . الأدب يذهب عن العاقل السكرة ويزيد الأحمق سُكرا ، كالنهار يزيد البصر بصراً ويزيد الخفاش سوء بصر . صحبة الأخيار تُورث الخير ، وصحبة الأشرار تُورث الشر ، كالريح إذا مرّت على النتن حملت نتنا ، وإذا مرت على الطيب حملت طيبا . من نصح لمن لا شكر له ، كان كمن ينثر بذره في السباخ ، أو كمن أشار على معجب أو كمن سارّ الأصم . لا يردّ يأس العدو القوي مثل التذلل والخضوع ، كما أن الحشيش يسلم من الريح العاصفة بلينه لها وانئنائه معها .

ليس العدو بموثوق به ، ولا مفتقر إليه ، وإن أظهر جميلا ؛ فإن الماء لو أطيل إسخانه لم يمنعه ذلك من إطفاء النار إذا صبّ عليها . تقول الهند : الشارب تعتريه أربع أحوال : تعتريه أولاً طاوسيّة ، ثم قردية ، ثم سبعية ، ثم خنزيرية. وفي بعض كتبهم : الكرام أصبر نفوسا ، واللئام أصبر أبدانا . قالوا : شرّ السلطان من خافه البريئ ، وشر البلاد ما ليس له خصب ولا أمن ، وشر الإخوان الخاذل ، وشر المال ما لا ينفق منه . وقالوا : من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة ، ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة ، أخطأ الرأي ، وازداد مرضاً ، وحُمّل الوزر . الحازم يحذر عدوّه على كل حال ، يرهب المواثبة إن قرب والغارة إن بعد ، والكمين إن انكشف ، والاستطراد إن ولّى ، والمكر إن رآه وحيدا ، ويكره القتال ما وجد منه بُدّاً ، لأن النفقة فيه من الأنفس ، والنفقة في غيره من المال . جانب الموتور وكن أحذر ما تكون منه ، ألطف ما يكون بك ، فإن السلامة بين الأعداء وحشة بعضهم من بعض ، ومع الأُنس والثقة حضور آجالهم . ثلاثة أشياء لا تُنال إلا بارتفاع همّة ، وعظيم خطر : عمل السلطان ، وتجارة البحر ، ومناجزة العدو . بعض المقاربة حزم ، وكل المقاربة عجز ، كالخشبة المنصوبة في الشمس ، تُمال فيزيد ظلها ، ويفرط في الإمالة فينقص الظل . ليس من خلة يمدح بها الغني إلا والفقير يُذم بها ، فإن كان شجاعاً قيل : أهوج ، وإن كان وقوراً قيل : بليد ، وإن كان لسناً قيل : مهذار ، وإن كان زمّيتاً قيل : عيّ . قالوا: لا ثناء مع كبر . وستة أشياء لا ثبات لها : ظل الغمام ، وخلّة الأشرار ، وعشق النساء ، والمال الكثير ، والسلطان الجائر ، والثناء الكاذب .

قال أبو الأشعث : سألت بهلة الهندي ، ما البلاغة فيكم ؟ فأخرج إليّ صحيفةً كانت ترجمتها : " أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة ، وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش ، ساكن الجوارح ، قليل اللحظ ، متخيّر اللفظ ، لا يكلم سيّد الأمة بكلام الرعية ، ولا الملوك بكلام السوقة ، وأن يكون في قواه فضل للتصرف في كل طبقة ، ولا يدّقق المعاني كل التدقيق ، ولا ينقّح الألفاظ كل التنقيح ، ولا يصفّيها كل التصفية ، ولا يهذبها غاية التهذيب . ولا يفعل ذلك حتى يصادف حكيماً ، أو فيلسوفاً عليماً ، ومن قد تعوّد حذف فضول الكلام ، وإسقاط مشتركات الألفاظ . قال بعض حكمائهم لابنه : يا بنيّ ، عليك بالحكمة والأدب ، فلان يذم الزمان فيك خير من أن يعاب بك .