الجزء السابع - الباب الثاني عشر في الرؤيا والفأل والزجر والعيافة والأوهام

الباب الثاني عشر في الرؤيا والفأل والزجر والعيافة والأوهام

لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن حسن ، عليهم السلام ، على المنصور رأى المنصور فيما يراه النائم كأنه قد صارع محمداً ، وأن محمداً صرعه ، وقعد على صدره فهمّه ذلك ، ونفى راحته . وجمع العاربين ، فكلّ وقف . فسأل جد أبي العيناء ، فقال : إنك تغلبه ، وتظهر عليه ، قال : وكيف ؟ قال : لأنك كنت على الأرض ، والأرض لك، وكان هو فوقك ، والسماء له . فسرّي عنه . اتفقت القافة من بني مُدلج أنهم لم يروا قدماً أشبه بالقدم التي في المقام من قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . روت الكافّة عن الكافة ذلك . وروى المدائني عن أشياخه قالوا : بعث صاحب الروم إلى النبي عليه السلام ، رسولاً ، وقال له : انظر أين تراه ، ومن إلى جنبه ، وانظر ما بين كتفيه، حتى ترى الخامة أو الشامة . فقدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليه ، على نشز ، واضعاً قدميه في الماء ، عن يمينه عليّ عليه السلام ، فلما رآه النبي عليه السلام ، قال : تحوّل فانظر إلى ما أُمرت به ، فنظر ، ثم رجع إلى صاحبه فأخبره الخبر . فقال : ليعلونّ أمره ، وليملكنّ ما تحت قدميّ . قال : تفاءل بالنشز العلوّ ، وبالماء الحياة . وأخبر عن أشياخه أن شيرويه بعث إلى النبي عليه السلام ، مصوّراً وزاجراً ، فأتياه ، وصوّر المصوّر صورته ، ولم يجد الزاجر شيئاً يزجر به فرجع ، فلما دخلا على شيرويه أخذ الصورة فوضعها على وسادته ، وقال للزاجر : ما زجرت ، قال : لم أر هناك شيئاً أزجر عليه وقد زجرت ها هنا ، والرجل قاهر ، مظفّر ، وذلك أنك أخذت صورته فوضعتها على وسادتك . قيل : لما توارى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، يريد الهجرة خرجت قريش بمعقل ابن أبي كرز الخزاعي ، فوجدوا أثره ، عليه السلام ، فقال معقل : لم أر وجه محمد قط ، ولكن إن شئتم ألحقت لكم هذا الأثر ؟ قالوا : قل . قال : هو من الذي في مقام إبراهيم فبسط أبو سفيان بن حرب ثوبه عليه وقال : قد خرفت ، وذهب عقلك . قال : والقافة بنو كرز من خزاعة ، وهم أفوف الناس . قال : اختلف رجلان من القافة يوم الصدر في أثر بعير فيما بين مكة ومنى ، فقال أحدهما : جمل ، والآخر : ناقة . فاتّبعا الأثر ، يبدو مرةً ويخفى أخرى ، فلم يزالا كذلك حتى دخلا شعب بني عامر ، فإذا بعير واقف ، فاستدارا به ، فقال أحدهما لصاحبه : أهوهو ؟ قال : نعم . فنظر فإذا هو خنثى ، وقد أصابا جميعاً . روى المدائني : أن علياً ، عليه السلام ، بعث معقل بن قيس الرياحيّ من المدائن في ثلاثة آلاف ، وأمره أن يأخذ على الموصل ، ويأتي نصيبين ورأس العين ، حتى يأتي الرقّة فيقيم بها ، فسار معقل حتى نزل الحديثة ، فبينا معقل ذات يوم جالس إذ نظر إلى كبشين ينتطحان ، حتى جاء رجلان ، وأخذ كل واحد منهما كبشاً فذهب به . فقال شداد بن أبي ربيعة الخثعمي - وكان زاجراً - ينصرفون من وجهكم هذا ، لا يغلبون ولا تغلبون . قالوا : وما علمك ؟ قال : أو ما رأيت الكبشين انتطحا حتى حُجز بينهما ، ليس لواحد على صاحبه فضل ؟ . وأخبر ، قال : خرج زاجر يزجر لغائب قد طالت غيبته ، ومعه تلميذ له ، فتلقاهما قوم يحملون جنازة ، ويد الميّت على صدره ، فقال الزاجر للتلميذ : مات الرجل ، فقال : لا ، ما مات ، ألا ترى يد الميت على صدره يُخبر أنه هو الميت . والرجل حي ؟ فرجعا ، وقدم الغائب .

وأخبر عن ابن أبي ليلى : تمارت الجن ، أهم أعيف أم بنو أسد ؟ فأتوا بني أسد ، فوجودوا الحيّ خلوفاً ، فقالوا : ابعثوا معنا من يُخبرنا عن لقاح ذهبت لنا . فقال النساء : ليس عندنا غير هذا الغلام ، فإن وثقتم لنا أن تردّوه علينا بعثنا به معكم . ففعلوا . فلما خرجوا ورأى الغلام عُقاباً ، فبكى . فقالوا : ما يبكيك ؟ قال : رفعت جناحاً ، وخفضت جناحا ، وحلفت بالله صُراحا ، ما أنتم بإنس ولا تطلبون لقاحاً ، فردّوه . قال : كان عامل بالسواد يكذّب زاجراً عندهم ، وأراد امتحانه يوماً ، فسأله عن غم له قد أُخرجت إلى ناحية ، هل وصلت ؟ فأخرج الزاجر غلامه ؛ ليستمع ما يزجر به - وقد كان العامل أمر غلامه أن يكمن في ناحية ، ويصيح صياح ابن آوى - فعاد غلام الزاجر فأخبره بما سمع ، فقال للعامل : قُطع على الغنم ، وسيقت ، فضحك العامل ، وقال ما أراها إلا وقد وصلت ، وكان الصائح غلامي . قال : إن كان الصائح ابن آوى فقد ذهبت ، وإن كان غلامك فقد قُتل راعيها قبل ذهابها . فبلغهم بعد ذلك قتل الراعي وذهاب الغنم . ولما دعا ابن الزبير إلى نفسه قال عبد الله بن مطيع ليبايع ، فقبض ابن الزبير يده ، وقال لعبيد الله بن علي بن أبي طالب : قم فبايع . فقال عبيد الله : قم يا مصعب فبايع ، فقام فبايع ، فقال الناس : منع ابن مطيع أن يبايع ، وبايع مصعباً ، ليتعرفنّ في أمره صعوبة وشرا . وهذا مثل ما قاله رجل من بني أسد ، وقد نظر إلى طلحة بن عبيد الله يبايع أمير المؤمنين علياً ، عليه السلام ، وكان أول من بايع ، فقال : يد شلاء ، وبيعة لا تتم . وكانت يد طلحة أُصيبت يوم أُحد . قال سلم بن قتيبة : إني لأعجب ممن يتطيّر . ذهبت لي ناقة فخرجت في طلبها ، فأدركني هانئ بن عبيد يركض وهو يقول : فلايق إن بعثت لها بُغاة . . . وجدّك ، ما البُغاة بواجدينا ثم لحقني آخر ، وهو يقول : والشرّ يلقى مطالع الأكم . . . قال : ثم لقيني رجل قد ذهبت معالم وجهه بالنار ، فقلت : هل أحسست من ناقة ؟ ووصفتها له . فقال : هاهنا ، وأشار بيده ، وإذا أبيات ، فأتيتهم فوجدتها عندهم . قالوا : خرج رجل في حاجة له ، ومعه سقاء من لبن فسار صدر يومه ثم عطش ، فأناخ ليشرب . فإذا غراب ينعب ، فأثار راحلته ثم سار ، فلما أظهر أناخ ليشرب ، فنعب الغراب ، فأثار راحلته ثم سار ، فلما عطش أنا خليشرب ، فنعب الغراب وتمرّغ في التراب ، فضرب الرجل السقاء بسيفه فإذا فيه أسود ضخم ، فمضى ، فإذا غراب واقع على سدرة ، فصاح به ، فوقع على سلمة ، فصاح به ، فوقع على صخرة ، فانتهى إليها ، فأثار كنزاً وذهب . فلما رجع إلى أبيه قال له : إيه، ما صنعت ؟ قال : سرت صدر يومي ، ثم أنخت لأشرب ، فنعب الغراب . فقال أثره . قال : أثرته . ثم أنخت لأشرب ، فنعب الغراب قال : أثره . قال أثرته . ثم أنخت لأشرب فنعب الغراب وتمرّغ في التراب . قال : اضرب السقاء وإلا فلست بابني . قال : فعلت ، فإذا أسود ضخم . قال : ثم مه ؟ قال : ثم رأيت غراباً واقعاً على سدرة . قال: أطره وإلا فلست بابني . قال : أطرته ، فوقع على سلمة . قال : أطره وإلا فلست بابني . قال : فعلت ، فوقع على صخرة . قال : أحذني يا بني . قال : أفعل ، وأحذاه . قال بعضهم : كنا مع يزيد بن الوليد ، وهو متبدّ قبل خلافته ، فخرج يوماً لحاجة ، ثم رجع متغيراً ، فقال : إني سائلكم عن نفسي فاصدقوني . قلنا : ما كنا لنقول شيئاً تكرهه . فقال : أنشدكم الله إلا قلتم : هل تعلمون مني شؤماً ؟ قلنا : معاذ الله ، أنت أيمن الناس نقيبة . قال : فإن رجلاً لقيني فقال : يا ذا الخال ، أترى هذا الخال الذي بوجهك ؟ قلت : لا ، وأنا والله أراه . قال : لو كنت تراه ما كان على وجه الأرض أشأم منك على أهل بيته ، ومضى . قال المدائني : فكان كما قال . قُتل الوليد بن يزيد ، ووقع بأسهم بينهم ، وذهب مُلكهم .

وقيل : إن الخال إذا كان على الفم كان صاحبه مهبوطاً به أبدا ، وإذا كان بين العينين لم يمت صاحبه حتى يجوز بإنسان يقتله ، وإذا كان على الحاجب والأشفار لم يزل صاحبه ينظر في خير أبدا ، وإن كان على الشفة كان صاحب شراب ، وإن كان في الحلق كان معظّماً ، وإن كان في العضد لم يزل ذا عضد من مال وقرابة قوية ، وإذا كان في الظهر كان ذا ظهر من مال وولد ، وإن كان في البطن كان مبطوناً ذا أولاد . وإذا كان على الكشح لم يزل بإزائه كاشح خبيث ينظر إليه ، وإذا كان على ظهر الكف كان ممسكاً ، وإن كان في بطنها كان متلافاً ، وإن كان في الأرفاغ والمذاكير فهو كثير الجماع ، وإن كان في الألية لم يزل مخمولاً ، وإن كانت تحت القدم فكذلك . وكان على لسان سلم بن قتيبة شامة سوداء ، فكان الحسن يقول : ليلغنّ دما . قال المدائني : فكان من أمره بالبصرة ما كان مع سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب . قال أبو عبيدة : استعمل عمر بن الخطاب حابس بن سعد الطائي على قضاء حمص ، ودفع إليه عهده فأتاه من الغد فقال : يا أمير المؤمنين ، إني رأيت رؤيا ، فأتيتك ؛ لأقصّها عليك . قال : وما هي ؟ قال : رأيت الشمس والقمر اقتتلا . قال : فمع أيهما كنت ؟ قال : مع القمر . قال : كنت مع الآية الممحوة اردد عليّ عهدي . فقتل بصفين مع معاوية . كان سعيد بن المسيب يعبر الرؤيا ، فرأى عبد الملك بن مروان كأنه قد بال في الكعبة أربع مرات - وكان سعيد يلعن عبد الملك وآل مروان : الظلم منهم - فدسّ إليه رجلاً ، فقال له : قصّ عليّ الرؤيا ، ولا تخبره أني أنا رأيتها . فلما قصّها عليه الرجل قال : لعل هذا اللعين ، رأى هذه الرؤيا . إنه سُملّك لصلبه أربعة . فملك الوليد ، وسليمان ، ويزيد ، وهشام . أتى رجل عنبسة بن سعيد فقال له : إني رأيت الحجاج في النوم فقلت : ما صنعت وما صنع بك ؟ فقال : ما أنت وذاك يا عاضّ أير أبيه ؟ فقال : أشهد أنك رأيت أبا محمد حقا.

شخص أبو الشمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد ، وقد تقلّد الموصل ، فلما أراد الدخول إليها اندقّ لواؤه فثي أول درب منها ، فتطيّر من ذلك وعظم عليه ، فقال أبو الشمقمق : ما كان مندق اللواء لريبة . . . تُخشى ، ولا أمر يكون مبدّلا لكن هذا الرمح ضعف متنه . . . صغر الولاية فاستقلّ الموصلا فسرّي عن خالد ، وكتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون ، فزاده ولاية ديار ربيعة ، وكتب إليه : هذا التضعيف لوصل متن رمحك . فأعطى خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم . جاء رجل فوقف بباب المهدي ، وأعلم الربيع أنه قد رأى للمهدي رؤيا يريد أن يقصّها عليه مشافهةً ، فاستأذن له ، فدخل ، وكان الرجل ذا رواء وهيئة فقال : إني رأيت كأن آتياً أتاني ، فقال : أخبر أمير المؤمنين أنه يعيش ثمانين سنة والعلامة أنه يرى في منامه في هذه الليلة ثمانين فصّاً يواقيت قد وُهبت له . قال : تُمتحن هذه الليلة ، فإن صدقت رؤياك أعطيناك ، وإن كان الأمر بخلاف ذلك لم نعاقبك . لأن الرؤيا تصدق وتكذب. فقال الرجل : فما تقول لي عيالي وصبياني إذا علموا أني وصلت إلى الخليفة وبشّرته وخرجت هكذا . فيعجّل إليّ أمير المؤمنين شيئاً من صلته ، وانا أحلف بالطلاق أني ما كذبت ، فأمر له بعشرة آلاف درهم ، وأخذ منه كفيلاً ليحضر في غد ، فلما كان تلك الليلة رأى المهدي في المنام ما قاله الرجل ، وأصبح متعجباً ، وحضر الرجل ، فلما رآه قال : ما رأيت شيئاً . فقال الرجل : امرأته طالق إن لم تكن رأيت ذلك فقال : ويلك أحلف لك بالطلاق قد والله رأيت ذلك . فقال : الله أكبر ، يجب أن تفي بما وعدتني . فأمر له بثلاثة آلاف دينار ، وأخذها وانصرف . فقيل للرجل بعد ذلك : هل صدقت ؟ قال : لا ، ولكني لما ألقيت إليه ذلك أخطره بباله ، وحدّث به نفسه ، وشغل به فكره ، فرآه في المنام ، فحلفت بالطلاق ، وطلّقتُها واحدةً ، وزدت في مهرها عشرة دراهم ، وأخذت خمسين ألف درهم .

لما انصرف أبو مسلم من حرب عبد الله بن عليّ رأى كأنه على فيل والشمس والقمر في حجره ، فأرسل إلى عابر كان يألفه ، وقصّ عليه - فقال : الرسم ، فقبض عشرة آلاف درهم ، وقال : قل ، فقال : اعهد عهدك فإنك هالك قال الله : " ألم تر كبف فعل ربك بأصحاب الفيل ، ألم يجعل كيدهم في تضليل " ؟ وقال : " وجُمع الشمس والقمر . يقول الإنسان يومئذ أين المفر " . اضطر الناس في قديم الدهر إلى ملك ، فجاءوا بواحد ، ووضعوا التاج على رأسه . فقال: هذا ضيق ، فتطيروا من ذلك ، وجاءوا بتاج واسع وطمعوا أن يقول : هذا واسع فيكون ضد قوله الأول ، فقال: أريد أضيق من هذا ، فنفوه . جاء رجل إلى عابر فقال : رأيت في النوم كأني راكب دابةً أشهب له ذنب أخضر قال : إن صدقت رؤياك استدلجت فُجلةً . قال أبو عمرو بن العلاء : خرجنا حُجاجا ، واكترينا من رجل فجعل في طريقه يرتجز إذا حدا بنا ولا يزيد على قوله : يا ليت شعري ، هل بغت عُليّه ؟ . . . فلما انصرفنا من مكة قالها في بعض الطريق ، فأجابه صوت في ظُلمة : نعم نعم ، وناكها حُجّييه . . . أحمر ، ضخم في قفاه كيّه . . . فأسكت الرجل ، فلما صرنا إلى البصرة أخبرنا ، قال : دخل عليّ جيراني يًسلّمون ، فإذا فيهم رجل ضخم أحمر ، قلت لأهلي : من هذا ؟ قالوا : هذا رجل كان ألطف جيراننا بنا ، وأحسنهم تعهداّ لنا ، فجزاه الله خيرا ، فلما ولّى إذا أثر كيّ في قفاه ، قلت للمرأة : ما اسمه ؛ قالت : حُجيّة . قلت : الحقي بأهلك فقد أتانا خبر حُجية .

بينما كان أبو الحسن بن الفرات في أيامه الأولى يشرب في يوم ثلاثاء - وهو اليوم الذي قُيض عليه في غده - ويعمل في خلال شربه ، إذ مرّت به رقعة فيها : إن كان ما أنتم فيه يدوم لكم . . . ظننت ما أنا فيه دائماً أبدا لكن سكنت إلى أني وأنكم . . . سنستجدّ خلاف الحالتين غدا فكأنه اغتم بذلك ، ثم أخذ في شأنه ، وقال لجارية كانت في المجلس كان يألف غناءها ، ويتفاءل بما لا تزال تغنيه : غنّي ، فابتدأت وغنت : أمنعيّة بالبين ليلى ولم تمت . . . كأنك عمّا قد أظلّك غافل ستعلم إن جدّت بكم غُربة النوى . . . ونادوا بليلى أن صبرك زائل فكأنه تنغّص والتاث ، ووافته بدعة الصغيرة ، فقام إلى دار له جديدة ، ودعا بالشراب ، وتناول قدحاً ، والتمس من بدعة صوتاً فتطلّبت له صوتاً تتفاءل به بسبب الدار الجديدة فغنت : أمرت لي منزلاً لأسكنه . . . فصرت عنه المعبّد القاسي ولم تحفظ البيت الثاني ، فلما كان من غد حدثت عليه الحادثة . قال إبراهيم بن المهدي : لما حصر طاهر الأمين في المدينة كنت معه ، فدعاني ليلةً ، فقال : ما ترى طيب هذه الليلة ، وحسن القمر ، وضوءه في الماء ؟ فقلت : إنه لحسن ، فاشرب ، فشرب رطلاً ، وسقاني مثله ، وابتدأت فغنيت بما يشتهيه عليّ . فقال : هل لك فيمن يضرب عليك ؟ فقلت : ما أستغني عن ذلك . فدعا بجارية متقدمة يقال لها : ضعف فتطيرت من اسمها : فلما جاءت قال : غنّي ، فغنت : كليب لعمري كان أكثر ناصراًوأيسر ذنباً منك ، ضُرّج بالدم فاشتد ذلك عليه ، وعليّ أني لم أره . فقال لها : غنيني غير هذا ، فغنت : أبكي فراقهم عيني وأرّقها . . . إن التفرق للأحباب بكاء ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم . . . حتى تفانوا ، وريب الدهر عدّاء فقال : لعنك الله ، أما تعرفين من الغناء غير هذا ؟ فقالت : ما تغنّيت إلا بما كنت تُحبّه ، ثم غنّت : أما وربّ السكون والحرك . . . إن المنايا كثيرة الشرك ما اختلف الليل والنهار ولا . . . دارت نجوم السماء والفلك إلا لنقل السلطان من ملك . . . عان بحب الدنيا إلى ملك فقال لها غضبة الله عليك ، قومي ، فقامت . وكان له قدح بلّور حسن يحيّه ، فعثرت به فكسرته ، فقال لي ، أما ترى ؟ أظن أمري قد قرب فقلت : بل يطيل الله بقاءك ، ويكبت عدوّك . فسمعنا قائلاً يقول : " ٌُضي الأمر الذي فيه تستفيان " . فقال أما سمعت يا إبراهيم ؟ قلت : ما سمعت شيئاً ، وكنت قد سمعت . وكان ذلك آخر عهدي به . دخل رجلان على عائشة ، فقالا : إن أبا هريرة يُحدّث أن النبي ، عليه السلام ، قال : " إنما الطيرة في المرأة والدار والدابة " . فطارت شفقاً . فقالت : كذب . والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ، عليه السلام ، إنما قال : " كان أهل الجاهلية يقولون : إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار " ثم قرأت : " ما أصتب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها " . جاء رجل إلى مُعبّر ، فقال : رأيت في المنام كأني - هوذا - أقلى بعر الجمل على مقلاة . قال المُعبّر : هات قطعةً حتى أًعبّرها لك . قال : لو كانت معي قطعة كنت اشتريت باذنجان وأقليه ولا أقلى البعر .

قال بعضهم : كنت في بعض الأوقات مُصاعداً من البصرة إلى بغداد ، فلما بلغت البطائح رأيت ضريراً يريد أن يصاعد ، فسألته عن حاله ومعاشه ، فقال : أنا أًعبّر الرؤيا . فقلت له : ويحك فلم اخترت بغداد مع كثرة المعبّرين بها على هذا المكان الذي ليس فيه ينازعك في صناعتك ؟ فقال : هؤلاء النبط بنو البظر لا يدعهم البقّ أن يناموا ، وإذا لم يناموا كيف يرون الرؤيا ؟ فضحكت منه . قال بعضهم : رأيت في المنام الحجاج بن يوسف ، كأني قلت له : ما فعل ربك بك ؟ فقال : قتلني بكل رجل قتلته قتلةً ، ثم رأيته بعد ذلك بمدة في النوم ، وكأني أقول له : ما فعل بك ربك ؟ فقال : أليس قد قلت مرةً يا ابن الفاعله ؟ جاء رجل إلى سعيد بن المسيّب ، فقال : رأيت كأن حديّاً : جاءت فوقفت على شرفة من شرفات المسجد . فقال : إن صدقت رؤياك تزوّج الحجاج في أهل هذا البيت . فتزوج الحجاج أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر . قال بعض بني أسد : لا يخطئ الرجل عن أبيه خصلةً من ثلاث : رأسه أو صوته أو مشيه . قال بعضهم : رأيت بعض المُجّان المتنادرين بعد موته ، في النوم ، فقلت له : يا فلان ، ما فعل بك ربك ؟ فقال : يا أحمق ، تُرى صاهرني ؟ فعل بي ما يفعله بكل أحد . يروى أن رجلاً قال : حضرت الموقف مع عمر بن الخطاب فصاح به صائح يا خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال : يا أمير المؤمنين ، فقال رجل من خلفي : دعاه باسم ميت ، مات ، والله ، أمير المؤمنين ، فالتفت فإذا رجل من لهب ، ولهب من بني نصر من الأزد . فلما وقفنا لرمي الجمار ، إذا حصاة قد صكّت صلعة عمر ، فقال قائل : أُشعر ، والله ، أمير المؤمنين ، والله لا يقف هذا الموقف أبداً . فالتفت فإذا ذلك اللّهبي بعينه ، فقتل عمر قبل الحول .

وزعم أبو عبيدة أن فاطمة بنت خرشب الأنمارية أُريت في المنام قائلاً يقول : أعشرة هدرة أحب إليك ، أم ثلاثة كعشرة ؟ فلم تقل شيئاً ، فعاد لها في الليلة الثانية ، فلم تقل شيئاً ، ثم قصّت ذلك على زوجها زياد بن عبد الله بن ناشب العبسي ، فقال : إن عاد الليلة فقولي : ثلاثة كعشرة ، فولدتهم كلهم غايةً : ولدت ربيع الحُفّاظ ، وعُمارة الوهّاب ، وأنس الفوارس ، فهي إحدى المنجبات من العرب . يروى عن حسان المعروف بالنبطي قال : رأيت الحجاج فيما يرى النائم ، فقلت : أصلح الله الأمير ما فعل بك ربك ؟ قال : أتشتمني ؟ قال : يا نبطيّ ، أهذا عليك قال : فقصصت هذه الرؤيا على ابن سيرين ، فقال : لقد رأيت الحجاج بالصحة . رأى الحجاج في منامه أن عينيه قُلعتا ، فطلق الهند - ين : هند - بنت المهلب ، وهند بنت أسماء بن خارجة ، فلم يلبث أن جاءه نعيّ أخيه من اليمن في اليوم الذي مات فيه ابنه محمد فقال : هذا - والله - تأويل رؤياي . وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " رأيت كأني في دار عقبة بن رافع ، فأُتيت برطب ابن طاب ، فأوّلت أن العاقبة - قال : أو الرفعة - لنا ، في الدنيا والآخرة ، وأن ديننا قد طاب " . قال سعيد بن المسيّب : إني رأيت موسى النبي ، عليه السلام ، يمشي على البحر حتى صعد إلى قصر ، ثم أخذ برجلي شيطان فألقاه في البحر ، وإني لا أعلم نبياً هلك على رجله من الجبابرة ما هلك على رجل موسى ، عليه السلام ، وأظن هذا قد هلك ، يعني عبد الملك . قال : فأتى نعيه بعد أربع . ورأى ابن سيرين في منامه كأن الجوزاء تقدمت الثريا ، فجعل يُوصي ، وقال : يموت الحسن ، وأموت بعده ، وهو أشرف مني ، فمات الحسن، ومات محمد بعده بمائة يوم . قيل للصادق ، عليه السلام : كم تتأخر الرؤيا ؟ فقال : رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، كأن كلباً أبقع يلُغ في دمه ، فكان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين ، عليه السلام ، ذلك الكلب ، وكان أبرص ، فكان تأويل الرؤيا بعد ستين سنةً . روى مصعب قال : قال لي رجل : شردت لنا إبل ، فأتيت حلبسا الأسدي ، فسألته عنها ، فقال لبنيّة له : خُطي له ، فخطّت ونظرت ، ثم تقبّضت وقامت ، ونظر إليها حلبس فضحك وقال : أتدري لم قامت ؟ قلت : لا . قال : رأت أنك تتزوجها ، وتجد إبلك ، فاستحيت فقامت . قال : فخرجت ، فأصبت إبلي ، ثم تزوجتها بعد . وروى المدائني عن شريح بن الأقعس العنبري قال : عزبت لي إبل ، فأتيت رجلاً من بني أسد ، فقلت : انظر . قال : فخطّط خطوطاً ، فقال : تُصيب إبلك بكُناسة الكوفة . قلت : بيّن . قال : وتذهب عينك . قلت : زدني . قال : وتُزوج امرأة أشرف منك ، قال : فخرجت وما شيء أبغض إليّ من أن أُصيب إبلي ؛ ليكذب فيما قال . قال : فأتيت الكُناسة فأصبت إبلي ، وخرجت مع ابن الأشعث فذهبت عيني . وحججت مع ابنة قيس بن الحسحاس العنبريّ فقالت لي مولاة لها في الطريق : هل لك أن تزوّج ؟ قلت : وددت ، قالت : فاخطبها إذا قدمت. ففعلت ، فأبوا ذلك ، فلم أزل حتى زوّجونيها . قال سلم بن قتيبة : لقيني إياس بن معاوية ، وأنا لا أعرفه ولا يعرفني ، فقال : أنت ابن قتيبة ؟ قلت : نعم ، قال : عرفتك بشبه عمك عمرو بن مسلم . قلت : وأين أنا من عمّي ؟ وعمّي ضخم أمعر ، وأنا آدم نحيف الجسم . فقال : ليس القياس على هذا . خرج عمرو بن عبيد الله بن معمر ، ومعه مالك بن خداش الخزاعي ، غازيين ، فمرّا بامرأة ، وعليها جماعة ، وهي تخط لهم ، فنظر إليها مالك . فضحك منها هزؤاً . فقالت أيها الضاحك ، أما والله لا تخرج من سجستان حتى تموت ، ويتزوّج هذا الرجل امرأتك، وأشارت إلى عمر . فمات سجستان ، فتزوّج عمر امرأته . وهي رملة بنت عبد الله الخزاعي .

ولّى المنصور الحسن بن زيد المدينة ، ثم غضب عليه فعزله ، وبيعت أمواله فاشترى رجل من أهل الربذة أمةً له ، فقالت : إن ابن زيد قد وقع بي فحملت . فكفّ عنها ، فوضعت غلاماً ، فخرج به إلى ولد الحسن ، فخرجواجميعاً به. فأتوا والي مكة ، فبعث إلى شيخ من القافة ، فقالوا له : إن هذا الغلام له نسب يلحقه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، أو ينفيه منه . قال : فخرج الشيخ يتخطّى الناس ويقوف ، فأخذ بيد الغلام وقال : هذا عمه ، فصيح به فتركه ، ثم أتى آخر فقال : عمّه ، فصيح به فتركه ، حتى عدّد ولد الحسن غير أبيه ، وكان متكئاً فرفع رأسه ، فقال الشيخ : الله أكبر ، هذا أبو الغلام . فألحق به . جاء رجل إلى معبّر ، فقال : رأيت في المنام كأن على حر امرأتي كلبين يتهارشان . فقال : تأويله أنها طلبت دبقاً تنتفه به فلم تجده ، فجزّته بمقراض . فكان الأمر كما قال . جاء رجل إلى ابن سترين فقال : إني رأيت في منامي كأني أشد الزقاق شداً شديداً - وكان مع الرجل جراب - فقال له ابن سيرين : أنت رأيت هذا ؟ قال : نعم . فقال لمن حوله : ينبغي أن يكون هذا الرجل يخنق الصبيان ، وينبغي أن يكون في جرابه آلة الخنق . فوثبوا إلى الجراب ، فوجدوا فيه أوتاراً وحلقاً ، فسلموه إلى السلطان . رأى عبد الله بن الزبير أنه صارع عبد الملك بن مروان ، فصرعه عبد الله وغرز فيه أربعة أوتاد في يديه ورجليه ، فأرسل فسأل سعيد بن المسيب . فقال : إن صدقت رؤياه غلبه عبد الملك ، وخرج من صلبه أربعة كلهم يكون خليفةً . روي عن محمد بن عمار بن ياسر قال : والله إني لبسوق من أسواق المدينة ، بعدما ذهب نصف الليل ، إذ سمعت صائحاً يقول : رب خير ومير ، ودينار كحافر عير . . .

قال : فصاح به صائح آخر فقال : ويلك ضلّك ضلّك . فقال : بشرقيّ غربيّ بيت أم عمير . . . قال : فأتيت بيت أم عمير ، فجلست عند جدار خرب ، فوجدت عنده ديناراً مثل القرص ، فبعته بتسعين درهماً ، وغُبنت فيه . خرج هشام بن عبد الملك يوماً ، فلقي أعور ، فتشاءم به ، وأمر بضربه . فقال الأعور : إن الأعور شؤمه على نفسه ، والأحوال شؤمه على الناس . وكان هشام أحول ، فاستحيا وخلاّه . وكان عمرو بن الليث أعور ، وكان يتطيّر ، فخرج يوماً مبكراً للصيد ، فلقي رجلاً أعور ، فتطيّر منه ، وأمر بضربه ، فقال الرجل : لم تضربني ؟ فقال : لأنك أعور ، وقد تشاءمت بك ، وأنا خارج إلى الصيد . فقال الأعور : انظر الآن أي الأعورين أشأم على صاحبه ؟ فضحك وخلاّه . ؟