الجزء السابع - الباب الثالث عشر من قال شعرا فانتصف منه بنثر

الباب الثالث عشر من قال شعراً فانتُصف منه بنثر

هجا الأخطل سويد بن منجوف ، فقال : وما جذع سوء خرّق السوس جوفه . . . لما حمّلته وائل بمطيق فقال له سويد : والله يا أبا مالك ، ما تحسن تهجو ولا تمدح ، أردت هجائي فمدحتني ، جعلت وائلاً تحمّلني امورها ، وما طمعت في بني تغلب ، فضلاً عن بكر . طعن عامر بن الطفيل ضُبيعة بن الحارث . فقال ضُبيعة : لولا اعتراض في الأغرّ وجرأة . . . لفعلت فاقرةً بجيش سعيد فقال عامر : يعجز عن فرسه ويتوعدني أنشد بعضهم : يا مسمع ابن مالك يا مسمع . . . اصنع كما كان أبوك يصنع . . . فقال قائل : إذا ينيك أمّه . أنشد الأحوص جريراً : يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها . . . وأفضل شيء ما به العين قرت فقال جرير : يقر بعينها أن يولج فيها مثل ذراع البكر ، أفيقر ذلك بعينك ؟ .

لما قال مسكين الدرامي : ناري ونار الجار واحدة . . . وإليه قبلي تُنزل القدر قالت امرأته : صدق ، لأنها ناره وقدره . دخل عبد الله بن الحويرث على بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان ، فأنشده : إني رحلت إلى بشر لأعرفه . . . إذ قيل بشر ولم أعدل به أحدا فقال : لو قلت : ليعرفني ، لأعطيتك ما سألت ، ليس المدح كما قلت . أنشد جرير قول الأخطل : وإني لقوّام مقاوم لم يكن . . . جرير ولا مولى جرير يقومها فقال : صدق ، أنا لا أقوم بين يدي قسّ لأخد القربان ، ولا بين يدي سلطان لأداء الجزية . سمع أبو الهذيل رجلاً ينشد : يُغشون حتى ما تهرّ كلابهم . . . لا يسألون عن السواد المقبل فقال : يوشك أن تكون هذه دار قوّاد أو خمّار . سأل جعفر بت سليمان نُدماءه عن قول جرير : لو كنت أعلم أن آخر عهدكم . . . يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل

فقال أعرابي من أخر المجلس : أنا أعلم ما كان يفعل : كان ينيكها . فضحكوا ، وقالوا : أصبت . أنشد رجل يحي بن خالد : إني امرؤ في أعالي بيت مكرمة . . . إذا تمزّق ثوبي أرتدي حسبي فقال يحيى : ما أقلّ غناء هذا الرداء في كانونين . وقف أعرابي من بني فقعس على جماعة يسألهم ، وهو عريان ، فأنشد : كساني فقعس وكسا بنيه . . . عطاف المجد إن له عطافا فقال بعضهم : لو كساك خرقة تواريك كانت أصلح لك من هذا العطاف . قصد بعض الشعراء أبا دلف ، فقال له : ممن أنت ؟ فقالك من بني تميم . فقال أبو دلف : من الذين يقول فيهم الشاعر : تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ؟ . . . فقال : نعم ، بتلك الهداية جئتك . فخجل أبو دلف ، واستكتمة ، وأحسن جائزته . قال بعضهم في الصاحب رحمه الله : وردنا لنشكر كافي الكفاة . . . ونسأله الكفّ عن برّنا فقال له بعضهم : قد كُفيت، فليس يُعطى أحداً شيئا . ولما قال إبراهيم بن هُرمة : لا أُمتع العوذ بالفصال ولا . . . أبتاع إلا قريبة الأجل

قال مزبّد : صدق ابن الخبيثة ؛ فإنه لا يشتري إلا شاة الأضحى التي يذبحها من ساعته . سمع بعضهم منشداً ينشد : وما طبخوها غير أن غلامهم . . . سعى في نواحي كرمهم بشهاب فقال : أحرقوها أحرقهم الله . أُنشد المأمون قول العباس بن الأحنف : هم كتموني سيرهم ثم أزمعوا . . . وقالوا : اتّعدنا للرواح وبكّروا فقال : سخروا بأبي الفضل أعزه الله . لما قال أرطاة بن سُهيّة للربيع بن قعنب : لقد رأيتك عرياناً ومؤتزراً . . . فما علمت أأنثى أنت أم ذكر ؟ قال له : لكن سهيّة قد علمت ، وسهيّة أمه ، فغلبه . حضر أعرابي حلقة يونس ، فأنشد قول جرير : يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به . . . وهن أضعف خلق الله أركانا فقال : ما أراد - والله - إلا البراغيث . عمّى أبو الحسين الصوفي على الأستاذ أبي الفضل ابن العميد بيتاً على طريق الترجمة ، وهو : أنا إن لم أك أهوا . . . ك فرأسي في حرمّي فأخرجه ، ووقّع تحته : وإن هويت ؟

قال إسحاق بن إبراهيم : أنشدني ابن الأعرابي يوماً : وأصبح من حيث التقينا عشيةً . . . سوار ، وخلخال ورد ، ومطرف ومنقطعات من عقود تركنها . . . كجمر الغضا في بعض ما تتخطرف قال : فقلت له : يا أبا عبد الله ، لا والله ، ولا في معترك الرشيد وأم جعفر يكون هذا . قال أبو العباس : أنشدت أبا الهذيل : وإذا توّهم أن يراها ناظر . . . ترك التوّهم وجهها مكلوما فقال ينبغي أن تناك هذه بأير من خاطر . وأنشدت النظام : غذا همّ النديم له بلحظ . . . تمشّت في مفاصله الكلوم فقال : ما ينبغي أن ينادم هذا إلا الأعمى . لما قتل مسلمة بن عبد الملك يزيد بن المهلب قال ثابت قطنة يرثيه : يا ليت أسرتك الذين تغيّبوا . . . كانوا ليومك بالعراق شهودا فقال مسلمة : وأنا - والله - وددت حتى أسقيهم بكأسه . أنشد عبد الملك قول بعض الخوارج : ومنا سنان الموت وابن عويمر . . . ومرّة فانظر أي ذاك تعيب ؟

فقال عبد الملك : كل ذاك أعيب . لما أسلمت رملة ابنة شيبة بن ربيعة قالت هند بنت عتبة فيها : تدين لمعشر قتلوا أباها . . . أقتل أبيك جاءك باليقين ؟ فقالت : نعم ، قتله جاءني باليقين . وقف أعرابي من بني فقعس على جماعة يسألهم - وعلى عنقه جراب - وعليه خرقة لا تواري عورته ، وأنشد : كساني فقعس وكسا بنيه . . . عطاف المجد إن له عطافا فقال له ابن أبي حصين : أفلا كساك خرقة تُواري بها عورتك ؟ لما قال جرير : صارت حنيفة أثلاثاً فثلثهم . . . من العبيد وثلث من مواليها قيل لرجل من بني حنيفة : من أي الأثلاث أنت ؟ قال : من الثلث الملغيّ . أنشد ابن أبي عتيق قول عمر بن أبي ربيعة : حبذا أنت يا بغوم وأسما . . . ء وليل بضمّنا وخلاء فقال : وقمقم يسخّن فيه الماء . أنشد عبد الملك قول بعض الخوارج : فمنّا يزيد والبطين وقعنب . . . ومنا أمير المؤمنين شبيب ومنا سنان الموت وابن عويمر . . . ومرّة فانظر أي ذاك تعيب فقال عبد الملك : كل ذاك أعيب .

عُرض على بلال بن أبي بردة الجند ، فمر به رجل من بني نمير معه رمح قصير ، فقال له بلال : يا أخا بني نمير، ما أنت كما قال الشاعر : لعمرك ما رماح بني نمير . . . بطائشة الصدور ولا قصار فقال أصلح الله الأمير ، ماهو لي ، إنما استعرته من رجل من الأشعريين . ولما قال إسماعيل بن يسار في قصيدته التي يفتخر فيها بالفرس على العرب : إذ نربي بناتنا وتدسّو . . . ن سفاهاً بناتكم في التراب قال له العربيّ : لأن حاجتنا للبنات غير حاجتكم . يعني أن الفرس تنكح بناتهم . كتب علي بن الجهم إلى جارية كان يهواها : خفي الله فيمن قد تبلت فؤاده . . . وتيمته حتى كأن به سحرا دعي البخل لا أسمع به منك إنما . . . سألتك شيئاً ليس يُعري لكم ظهرا فكتبت إليه على ظهر الرقعة : إن لم يعر لنا ظهراً فإنه يملأ لنا بطنا . قال محمد بن الحارث : كان علوّية بعيد الخجل ، صفيق الوجه ، لا يكاد يخجله شيء ، فاجتمعنا يوماً عند المعتصم ومعنا إبراهيم بن المهدي ، فلما خرجنا قال إبراهي لعلوية : هل أحدثت شيئاً من الغناء ؟ قال : صنعت : إذا كان لي شيئان يا أم مالك . . . فإن لجاري منهما ما تخيّرا وفي واحد إن لم يكن غير واحد أراه له أهلاً وإن كنت معسرا فقال إبراهيم : وإن كان امرأتك كانت ؟ فانقطع علوية انقطاعاً قبيحاً ، وخجل حتى لم ينفع نفسه ذلك اليوم . أنشد الرشيد قول ابن عيينة : لقد قُنّعت قحطان خزياً بخالدفهل لك فيه يخزك الله يا مضر ؟ فقال : لا ، بل تؤثرون به وتكرمون . سمع محمد بن موسى المنجم قول عديّ بن الرقاع : وعلمت حتى لست أسأل واحداً . . . عن علم واحدة لكي أزدادها فقال محمد : أني رأيته فاعرض عليه أصناف العلوم ، فكلما مر به ما لا يُحسنه صفعته . سمعت سكينة بنت الحسين - عليه السلام - قول العرجي : يقعدن في التطواف آونةً ... ويطفت أحياناً على فتر فنزعن عن سبع وقد جثهدت . . . أحشاؤهنّ : موائل الخمر فقالت للجارية : قولي له : ويحك لو طاف الفيل بهذا البيت لجهدت أحشاؤه . بصر الفرزدق بجرير محرماً فقال : والله لأفدنّ على ابن المراغة حجّه ، ثم جاء مستقبلاً له فجهره بمشقص كان معه ، ثم قال : إنك لاق بالمشاعر من منىً . . . فخاراً فخبّرني بمن أنت فاخر ؟ فقال جرير : لبيك اللهم لبيك . ولم يجبه .

ولما قال جرير : أعياش قد ذاق القيون مواسمي . . . وأرقدت ناري فادن دونك فاصطل قال عياش : إني إذاً لمقرور ، فغلب عليه . وقام عبد الله بن الحجاج الثعلبي إلى عبد الملك ، فقال : أدنو لترحمني ، وتجبر خلّتي . . . وأراك تدفعني ، فأين المدفع ؟ فقال عبد الملك : إلى النار . قال إسحاق الموصلي : أنشدني ابن كُناسة لنفسه : لقد كان فيها للأمانة موضع . . . وللكف مرتاد ، وللعين منظر فقلت : ما بقي شيء . قال : فأين الموافقة ؟ . قال صالح بن حسان للهيثم بن عدي : أعلمت أن النابغة كان مخنثاً ؟ فقال : كيف ذاك ؟ قال : لقوله : سقط النصيف ولم تُرد إسقاطه . . . فتناولته واتقتنا باليد والله ما يحسن هذه الإشارة إلا مخنث . فسمع ذلك رجل من قيس ، فقال : بل صاحبك الأعشى هو المخنث حيث يقول : قالت هريرة لما جئت زائرها : ويلي عليك ، وويلي منك يا رجل قال يزداد بن المتطبب : أبو العتاهية أشعر الناس في قوله : فتنقّست ثم قلت : نعم ، حُب . . . باً جرى في العروق عرقاً فعرقا فقال له بعض الظرفاء : صار عندك أشعر الناس من طريق المحبة والعروق .