الجزء السابع - الباب الخامس عشر نوادر ونكت للمتكلمين

الباب الخامس عشر نوادر ونكت للمتكلمين

حكى الصاحب - رحمه الله - أنه كان في أصحاب أبي الهذيل غلام يعرف بعبد الله الفارسي ، فدعاه يوماً يحيى بن أصفح - وكان رأس المُجبرة - إلى دعوته ، فأكلا ، ودعاه إلى الشراب فأجابه وشرب معه ، وأراد يحيى أن يُسكر الغلام ويعدّه ، فسكر قبل الغلام ، فقام إليه الغلام ، وفعل ما أراد يحيى أن يفعله . وأخذ قطعة رقّ ، وكتب عليها : فعلة جاءت لعمري مُنكرهنيك شيخ من شيوخ المجبر قدرة أوجبت الفعل ولم . . . يكن الله ليأبى قدره وألصقها بجبهته ، فلما أفاق ورأى ذلك قال : لعن الله القدرية جئنا ننيكهم ، ناكونا .

قال رجل لعمرو بن عبيد : إني لأرحمك مما يقول الناس فيك . قال : فما تسمعني أقول ؟ قال : ما أسمعك تقول إلا خيراًز قال : فإياهم فارحمم . ومرّ بجماعة عكوف فقال : ما هذا ؟ قالوا : سارق يُقطع . فقال : لا إله إلا الله سارق السر يقطعه سارق العلانية . قال رجل لثمامة : لم كفر الكافر ؟ فقال : الجواب عليه . وقال هشام بن الحكم - وكان يقول بالجسم - لأبي الهذيل : ما الدليل على أن الباري - عز وجلّ - ليس بجسم ؟ قال : لأنه لا نصف له . قال أبو شمر : ما شككت في شيء قط . قال النظام : لكني ما شيء إلا شككت فيه . ففضّل الناس قول النظام . ناظر بختويه الجند يسابوري عافية بن شبيب البصريّ ، فقال بختويه : ما دليلك على إثبات الخالق ؟ فقال : شعرة أمك التي تحلقها فتنبت ، فلو لم يكن لها منبت لم تنبت . قال بختويه : فينبغي أن يكون بظر أمك حين قُطع فلم ينبت دليلاً على أنه لا منبت . قال بعض ولاة البصرة بينا أنا في مجلسي إذ سمعت صحيحة عظيمة ظننت أنها فتنة ، فإذا شيخ قد لبّب رجلاً شاباً ، فلما دنيا مني قلت للشيخ : ما شأنك ؟

قال : شتمني وشتم أبويّ ، قال : كانا يجمعان بين الزاني والزانية . قال : فقلت للشاب : ما تقول ؟ قال : صدق ، وقد فعلت ذلك ، وكانت خطيئةً ، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه ، فإن عفا وإلا فأنا بين يديك ، خذ له بحقه مني . قال الشيخ: قد عفوت عنه . فلما أراد الشيخ أن يقوم سأله الشاب أن يجلس . فقلت : ما بالك ؟ قال : قد قلت في أبويه ما قلت ، واستغفرت الله من ذلك ، وهو يزعم أن الله يجمع بين الزاني والزانية ، فليستغفر الله من ذلك . قال : فجهدنا بالشيخ أن يستغفر منه فأبى . وإذ أن الكلام قد جرى بينهما في العدل والجبر ، وكان الشيخ مجبرا . قال رجل من المجبرة : ما سرق حماري بعد الله إلا فلان . فقال له آخر : قد وقعت على أحد السارقين ، فخذ في طلب الآخر . قيل لمحمد بن واسع : ما تقول في القدر ؟ فقال : إن الله تعالى إذا جمع الخلائق يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم ، ولم يسألهم عما قضى عليهم . وقال آخر : إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة سألهم عما فعلوه ، ولم يسألهم عما فعل هو بهم . قال الشغافيّ : كان عندنا نصراني خبيث يتكلم ويناظر ، فكان إذا أتاه مجبر ليناظره قال : أنت تزعم أن الله خلق كُفري ، وأني لا أقدر على الإسلام . فما معنى مناظرتي ؟ وإذا أتاه معتز لي قال : خذ سلاحك حتى آخذ سلاحي ؛ فإن الأمر بيني وبينك جد . قال بعضهم : سمعت مجبراً يقول - وقد احتج عليه بالقرآن ، واحتج هو أيضاً بالقرآن . فقيل له : أترى الذي تلونا عليك ينقضه ما تلوته علينا ؟ - فقال : لا ، ولكن إذا خلط ربنا علينا فلا بد من أن يخلّط عليكم . وقال الشغافيّ : حضر أبو عبد الرحمن الحبلي عند بعض الولاة بالبصرة ، وحضر رجل من المجبرة ، فأتي الوالي بطرّاز أحول . فقال الوالي للمجبر : ما ترى فيه ؟ قال : أرى أن تضربه عشرين درّة . فقال لأبي عبد الرحمن : ما ترى ؟ قال : أرى أن تضربه أربعين : عشرين لطرّه ، وعشرين لحوله . فقال : يا أبا عبد الرحمن ، أأضربه على الحول ؟ قال : نعم ، إذا كانا جميعاً من خلق الله : الطر والحول ، فما جعل الله الضرب على أحدهما أحق منه على الثاني . قال داود الأصبهاني للموفق : أصلح الله الأمير ، لقد أهلك أبو مخالد الناس . فقال له : الله أم أبو مخالد أهلكهم ؟ سأل رجل أبا الهذيل ، فقال : أفعال العباد مخلوقة ؟ قال : لا ، قال : فمن خلقها ؟ قال أبو الهذيل : أنت مشجوج ؟ قال : لا ، قال : فمن شجك ؟ قيل للنظام : أتناظر أبا الهذيل ؟ قال : نعم ، وأطرح له رخاء من عقلي . سئل بعض المتكلمين عن النفس فقال : هي النفس . وسئل عن الروح فقال : هي الريح . فقال السائل : فعلى هذا كما تنفس الرجل خرجت نفسه ، وكلما ضرط خرجت روحه ، فانقلب المجلس ضحكاً . قال عثمان الطويل: جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال : هل تعرف في كلام العرب أن أحداً فرّط فيما لا يثدر عليه ؟ قال : لا ، قال : فأخبرني عن قول الله تعالى : " يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله " أفرّط فيما قدر عليه ، أو فيما لا يقدر عليه ؟ قال أبو عمرو لأصحابه : قد أبان لكم أبو عثمان القدر بحرفين . سأل بعض المجبرة أبا الهذيل العلاف : من يجمع بين الزاني والزانية ؟ فقال : أما عندنا بالبصرة فالقوّادون . اجتمع محمد بن جرير الطبريّ مع أبي القاسم البلخي المتكلم عند الداعي ، أو الناصر ، فقال له محمد بن جرير : كم في خمس من الإبل ؟ قال أبو القاسم : ليس هذا من صناعتي . ولكني مع ذلك أقول : فيها شاة . قال : فأسألك عن صناعتك . أخبرني عن هذا العالم بأسره ، أليس هو ملك الله عز وجلّ ؟ قال : نعم . قال : فيملك ما لم يخلقه ؟ - يريد أفعال العباد - قال أبو القاسم : فأخبرني عن هؤلاء القيام من العبيد ، أليس هم ملك الناصر ؟ قال : نعم . قال : فخلقهم ؟ فانقطع ابن جرير وخجل . فقال له الناصر : هلاّ برئت إليه من صناعته كما برئ إليك من صناعتك ولم يزاحمك فيها ؟ . كان أبو عمرو بن العلاء يقول : كان لبيد مجبراً ، وكان الأعشى عدلّيا وأنشد للبيد : من هداه سبل الخير اهتدى . . . ناعم البال ، ومن شاء أضلّ وللأعشى : استأثر الله بالوفاء وبال . . . عدل ، وولّى الملامة الرجلا قال بعض المتكلمين : دخانا على فينون النصراني ، وجرى ذكر ابن كلاب المتكلم ، فقال : رحمه الله ، عني أخذ مذهبه في تلك الرواية ولو عاش نصّرنا المسلمين . قال رجل من أهل الكوفة لهشام بن الحكم : أترى الله جل ثناؤه في فضله وعدله وكرمه كلفنا ما لا نطيق ثم يعذبنا عليه ؟ قال : قد فعل ، ولكن لا نستطيع أن نتكلم . قال أبو عثمان : كان أبو إسحاق النظام أضيق الناس صدراً بحمل سر ، وكان شر ما يكون إذا يؤكد عليه صاحب السر ، وكان إذا لم يؤكد عليه نسي القصة، فيسلم صاحب السر .

وقال له مرةً قاسم التمار : سبحان الله ما في الأرض أعجب منك ، أودعنّك سراً فلم تصبر عن نشره يوماً واحداً ؟ والله لأشكونّك في الناس . فقال : يا هؤلاء سلوه ، نممت عليه مرة ومرتين وثلاثاً وأربعا فلمن الذنب الآن ؟ فلم يرض أن يُشاركه في الذنب حتى صيّر الذنب كلّه لصاحب السر . كان واصل بن عطاء طويل العنق ، فيروى عن عمرو بن عبيد أنه نظر إليه من قبل أن يكلمه فقال : لا يفلح هذا ما دامت عليه هذه العنق . وكان واصل ألثغ ، قبيح اللثغة في الراء ، فحذفها من كلامه ؛ لاقتداره . ومما حُكي عنه أنه ذكر بشاراً فقال : أما لهذا الأعمى المُكتني بأبي معاذ من يقتله ؟ أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه ، ثم لا يكون إلا سدوسيّاً أو عُقيليّاً . فقال : الأعمى ولم يقل : الضرير ، وقال : المكتني ولم يقل : بشار ، وقال : الغالية ولم يقل : المغيرية ولا المنصورية ، وقال لبعثت ولم يقل : لأرسلت ، وقال : على مضجعه ولم يقل : على فراشه ، وذكر بني عقيل ؛ لأن بشاراً كان يتوالى إليهم . قال محمد بن الجهم للمكي صاحب النظام : أراك مستبصراً في اعتقاد الجزء الذي لا يتجزأ ، فينبغي أن يكون عندك حقاً حقا . قال : أما أن يكون عندي حقاً حقا فلا ، ولكنه عندي حق .

وكان محمد بن الجهم قد ولاّه موضعاً في كسكر ، فكان المكي لا يُحسن أن يسمّي ذلك المكان ولا يتهجاه ولا يكتبه ولا يقرأه ، وكان اسم الموضع شاتمشنا . قال الحجاج يوماً : عليّ بعدوّ الله : معبد الجهمي - وكان في حبسه ، قد حبسه في القدر - فأُتي بشيخ ضعيف فقال له : تثكذّب بقدر الله ؟ قال : أيها الأمير ، ما أحب لك أن تكون عجولاً . إن أهل العراق أهل بهت وبُهتان ، وإني خالفتهم في أمر فشهّروا عليّ . قال : وفيم خالفتهم ؟ قال : زعموا أن الله قدّر عليهم وقضى قتل عثمان ، وزعمت أنا أنهم كذبوا في ذلك . قال : صدقت أنت وكذبوا . خلّوا سبيله .