الجزء السابع - الباب السادس عشر نوادر أبي العبر

الباب السادس عشر نوادر أبي العبر

قيل له : قد أمر أمير المؤمنين بردّ المظالم . قال : فقولوا له : يردّ على سورة براءة بسم الله الرحمن الرحيم . عهد لأبي العبر من أبي العبر الرقيع ذي الحسب الرفيع لأبي العجل الوضيع : إني ولّيتك خراج ضياع الهواء ، ووكّلت بك البلاء ، وفوّضت إليك مساحة سحاب الهواء ، وعدّ ثمار الأشجار ، وكيل ماء الأنهار ، وحفظ طراز الأوقار ، وإحصاء حُمام الفار ، وحدقات البوم ، وورق الزقّوم ، وقسمة الشوم بين الهند والروم . وأجريت في ذلك لك من الأرزاق بُغض أهل الحمص لأهل العراق ، وأمرتك أن تجعل ديوانك بالمغرب ومجلسك بإفريقية ، وعيالك بميسان، وإصطبلك بأصبهان ، ومطبخك بحرّان ، وبيت مالك بسجستان . وخلعت عليك خفّي حُنين ، وقميصاً من الدين ، وسيفاً من حين ، وسراويل من شين ، وعمامةً من سُخنة عين ، وحملتك على حمار مقطوع الذنب والأذنين ، مكوّر الرجلين . وأمرتك أن تطوف على عملك في كل يوم مرتين . وكتب الأربعاء غداة الأحد بعد العصر لست مضت من شهر ربيع الأول سنة ثمانين إلا مائتين . وقال له أبو العباس ثعلب : الظبي معرفة أو نكرة ؟

قال : إن كان مشويّاً موضوعاً على المائدة فهو معرفة ، وإن كان في الصحراء فهو نكرة . قال أبو العبر : سألت أبا الجحش فقلت : أيها الحكيم ، لم صار الديك بالغدوات يرفع إحدى رجليه دون الأخرى ؟ فقال : لأنه لو رفعهما جميعاً لسقط . قال : وقلت له : أي شيء لا يمكن أن تلحم به ؟ فقال : الهاون . دخل أبو العبر إلى مالك بن طوق ، ومالك لا يعرفه ، فقال : أبو من ؟ قال : أبو كل بصل . قال : وما هذا من الكنى ؟ قال : وما أنكرت ؟ كم بين كل ثوم وبين كل بصل ؟ فغضب مالك - وكانت كنيته أبو كلثوم - و قال : أظنك شارباً . قال : بل إني صاحب الكيلجة . قال : خذوا منه كفيل حتى ننظر في أمره . فقال : أنا - أصلحك الله - إنسان فقير ، فخذ مني كشاة . قال مالك : ويلكم من هذا ؟ خذوه . قيل : هذا أبو العبر . فسكن وعانقه . قال : أما قبل : فإنا وجدنا في حكمة أهل الشام أنه لا يأكل إنسان الفاكهة إلا شرىً أو صدقةً أو هديةً أو سرقة . ومن كان في البيت لم ير الناس ولم يروه إلا أن يدخلوا إليه ، أو يخرج إليهم . وما أقلّ ما تجد في مائة يهودي واحداً مسلماً . ويروى عن أبي الزنبور بأن أول من يدخل الجنة من البهائم الطنبور . قال : وكيف ذاك يرحمك الله ؟ قال : لأنه في دار الدنيا يُعصر حلقه ، ويُعرك أذناه ، ويُضرب بطنه فيقال له يوم القيامة : خذوا برجله ألقوه في الجنة فإنه متعوب . وحدّث لبادة عن أبي سوادة قال : أول من يدخل النار من البهائم البرادة ، لأنها تشرف على حرم الجيران السادة فتُحشر مع المنجنيق والعرادة . وقيل له ، لم صارت دجلة أكبر من الفرات ؟ قال : لأن القلم يكون في الدواة . وقيل له : لم صار الجمل إذا ضُربت استه صاح رأسه ؟ قال : لأن الأرزّ إذا طبخوه أكلوه بسُكر ، وإذا خبزوه أكلوه بمالح . قيل له : فلم صار كل أعرج يجمع ؟ والحب لا يُشترى حتى يُصفع ؟ قال : لأن المرآه ترى وجهك فيها ، والسمكة لا تأكلها حتى تشويها .

قال : إذا أردت أن تعلّم ابنك السباحة حتى تموت أنت وجيرانك من العطش ، فخذ رطل داذي ، وأوقيتين حبك ، وثلاثة أرباع نهر كرخايا ، وثلّثه بتسع ساعات من ليلة الميلاد ، فيجيك خف واسع . وإذا أردت أن تعلّم ابنك رمي النشاب فلا تعرف القوس من الطباطب في سيته ، فخذ رطل نورة ، وشمعة مربعة ، وما أدري ما أقول ، وقد - والله - تعلّمت ، فإن أردتها حامضةً فاصرح فيها شيا من مصل . رقية الزنبور إذا رأيته فاهرب منه ، فإن لسعك فقد لسعك ، وإن لم يلسعك فخذه وسل حُمته وطيّره . حيلة مجربة . خطبة نكاح الحمد لله المفرّق بين الأحبة ، ومعيدهم إلى التربة ، خالق الموت . ومبدّد الشمل ، ومبعّد الآمال من الأهل والأولاد ، ومدني الآجال ، إلى من كثرت عنده الأموال . أحمده وأستعينه ، وأومن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً ، ( صلى الله عليه وسلم ) عبده ورسوله ، وأشهد أن كل شيء - لا محالة - زائل ، وما شاء كان من قضائه ، وقد جعل الله لكل شيء سبباً ، وجعل سبب الطلاق غضباً ، وقد قال عز وجلّ : " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلّقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ " . وقال : " يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء فطلّقوهنّ لعدتهنّ " . فعليكم بالاقتداء بمن كان قبلكم من الحمقى فقد سنّوا للحرّة حولا ، وللأمة شهراً ، فطلقوهن من بعد سنة وأخرجوهن من بيوتكم ، فقد قال الأول : اذهبي قد قضيت منك مرادي . . . فمتى شئت أن تبيني فبيني واستبدلوا بهنّ في كل حول مرتين ؛ فإن ذلك أذهب للمال ، وأسخن للعين . واحذروا كيدهنّ ومكرهنّ وخلافهنّ وعقوقهنّ ، وعاملوهنّ بالسب ، وتعاهدوهن بالضرب ، إن الله تعالى يقول : " واهجروهن بالمضاجع واضربوهنّ " وهذا فلان بن فلان .

قال أبو العبر : كنا نختلف - ونحن أحداث - إلى رجل يعلّمنا الهزل فكان يقول : أول ما تريدون قلب الأشياء . فكنا نقول إذا أصبح : كيف أمسيت ؟ وإذا أمسى : كيف أصبحت ؟ وإذا قال لأحدنا : تعال إليّ تأخر إلى خلف ، وإذا قال اذهب سعى بين يديه . وكانت له أرزاق يعمل كتابتها في كل سنة ، فعملها مرة - وأنا معه - فلما فرغ من التوقيع فيها ، وبقي الختم قال لي : أتربها وهاتها . قال : فمضيت وصببت عليها ماءً ، فبطلت ، فلما رآها قال لي : ويلك ما صنعت ؟ قلت : ما نحن فيه طول النهار من عكس الأشياء . فقال : والله لا صحبتني ، أنت أجهل مني وأحمق .