ذكر القاضي محمد بن منصور التلمساني

ومن القضاة بمدينة تلمسان، الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن منصور بن علي بن هديمة القرشي، كبير قطره في عصره نباهة، وجاهة، وقوة في الحق، وصرامة. وكان أثيراً لدى سلطانه؛ قلده مع قضائه كتابة سره، وأنزله من خواصه فوق منزلة وزرائه؛ فصار يشاوره في تدبير ملكه؛ فقلما كان يجري شيئاً من أمور السلطنة إلا عن مشورته، وبعد استطلاع نظره. وكان أصيل الرأي، مصيب العقل، مذكراً لسلطانه بالخير، معيناً عليه، كاتباً بليغاً ينشئ الرسائل المطولة في المعاني الشاردة، ذا حظ وافر من علم العربية واللغة والتأريخ. شرح رسالة محمد بن عمر بن خميس الحجري التي استفتح أولها بقوله:  

عجباً لها أيذوق طعم وصالها

 

من ليس يأمل أن يمر ببالها

وأنا الفقيد إلى تعلة سـاعة

 

منها وتمنعني زكاة جمالها

إلى آخر الرسالة. من نظم ونثر، شرحاً حسناً، أتى فيه بفنون العلم وضروب الأدب، بما دل على براعته. وكان جميل الأخلاق، جم المشاركة، مفيد المجالسة، مردداً لقول الأستاذ أبي إسماعيل الطغرائي في معرض النصيحة والتنبيه والتذكرة:  

لا تطمحن إلى المراتب قبل أن

 

تتكامل الأدوات والأسـبـاب

إن الثمار تمر قبل بلوغـهـا

 

طمعاً وهن إذا بلغن عـذاب

وتوفي صدر سنة 736، قبل هلاك سلطانه، ودخول أهل فاس إلى بلده بأشهر تغمدنا الله وإياه برحمته!