الجزء السابع - الباب الثاني والعشرون نوادر الحمقى والمغفلين

الباب الثاني والعشرون نوادر الحمقى والمغفلين

كان للمهدي ابن يقال له : يعقوب يُحمّق ، وكان إذا خطر بباله الشيء فيشتهيه دعا بدفتر فيه ثبت ما في خزانته فيكتبه هناك . فضجّ خازنه وقال : يا سيدي ، تُئبت عليّ ما ليس في الخزانة ؟ فكان بعد ذلك يُثبت الشيء ثم يُثبت تحته : ليس عنده ذلك ، وإنما أثبتّه ليكون ذكره عنده إلى أن نملكه . ووُصف ذلك للمأمون فكذّب به حتى أحضر دفتراً له فيه ثبت ثياب بخطه ، وفيه : ومن الثياب المثّقلة الإسكندرانية لا شيء ، أستغفر الله ، بل عندنا زر من جبة كان للمهدي رحمه الله ، ومن الفصوص الياقوت الأحمر البهرمان الصافية لا شيء ، أستغفر الله ، بل عندنا درج كان فيه للمهدي خاتم هذه صفته ، وأشياء تشبه هذا . فلما قرأ المأمون استفرغ ضحكاً ، وقال : ما ظننت أن مثل هذا يُخلق ولا سمعت بمثله فيما مضى . ويعقوب هذا هو الذي كان يتبخر بمثلثة ، وفسا والمجمر تحته ، فقال : ليست هذه المثلثة بطيّبة ، فقالت دايته : كانت طيبةً وهي مثلّثة فلما ربّعتها أنت فسدت . قال إسحاق الموصلي : تذاكر قوم من نزار واليمن أصنام الجاهلية فقال رجل من الأزد عندي - والله - الحجر الذي كان قومنا يعبدونه . قالوا : وما ترجو به ؟ قال : لا أدري ما يكون وقال إسحاق : سمعت كيسان يسأل خلفاً يقول له : يا أبا محرز ، علقمة بن عبدة جاهلي أو من بني ضبة ؟ فقال : يا مجنون ، صحّح المسألة حتى يصحّ الجواب .

حضر القطيعي مع قوم جنازة رجل ، فنظر إلى أخيه فقال : أهذا هو الميت ؟ من أخوه ؟ نظر ابن عتّاب إلى وجهه في المرآة ، فقهقه ، فقيل له : ما يُضحكك ؟ قال : كيف لا أضحك من وجه لو كان على غيري لضحكت حتى أخرى؟ قال عدنان التاجر ، وكان من وجوه بغداد ، لبعض الفقهاء : إني قد عزمت - لما أصبت به من موت ولدي - على قتل نفسي ، فهل تخاف عليّ من السلطان شيئاً ؟ قال الجاحظ : كان لنا جار مغفل جداً ، وكان طويل اللحية ، فقالت له امرأته يوماً : من حُمقك طالت لحيتك ، فقال : من عيّر عُيّر . ووُلد له ولد ، فقيل له : ما تُسميه ؟ فقال : عمر بن عبد العزيز . وهنئوه به فقال : هو من الله ومنكم . أكل بعضهم مع أمه بزماورد ، فيه رأس ، فقال : يا أمي، كلي فإنه للجماع . قال المأمون لمحمد بن عبد الله الطوسي : ما حال غلّتنا بالأهواز ، وما أتاك من خبر سعرها؟ فقال : أما متاع أمير المؤمنين فقائم على سوقه ، وأما متاع أم جعفر فمُسترخى . فقال : اغرب لعنك الله . قيل لجامع الصيدلاني : لا تكثر من أكل الملح ؛ فإنه يضر بالبصر ، قال لا أزيد على أن أمصه وأرمي بثُفله . كان شذرة بن الزبرقان بن بدر من الحمقى ، فدخل يوم الجمعة المسجد الجامع فقام وأخذ بعضادتي الباب ، ثم قال : السلام عليكم ، أألج ؟ فقالوا : هذا يوم لا يستأذن فيه . فقال : أيلج مثلي على جماعة مثل هؤلاء وهو لا يعرف مكانه؟ كان إسماعيل بن علّية يُصلّي الليل أجمع ، وإلى جانبه جارة له تضرب بالطنبور ، فلما أصبح قال لوكيله : جارتنا هذه أراها فقيرةً ، الليل أجمع كانت تندف ، فأعطاها مائة درهم .

عاد رجل مريضاً ، وقد كان مات لأهل المريض رجل فلم يُعلموه بموته فقال : يهون عليكم إذا مات هذا ألاّ تعلموني به أيضاً ؟ . قال أبو خيثمة اشتريت لعمّار بن محمد فرواً . فقال : أرى شعره قصيراً تراه ينبت ؟ قال قبيصة - ورأى جراداً يطير - ، لا يهولنّكم ما ترون ، فإن عامتها موتى . وتغدّى أبو السرايا عند سليمان بن عبد الملك ، وهو يومئذ ولي عهد ، وقُدّامه جدي . فقال : كل من كليته ، فإنها تزيد في الدماغ . فقال : لو كان هذا هكذا كان رأس الأمير رأس البغل . وكتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب : إنك - والله - ما أنت بصاحب هذا الأمر ، صاحب هذا الأمر مغمور موتور ، وأنت مشهور غير موتور . فقال له رجل من الأزد يقال له عثمان بن المفضل : قدّم ابنك مخلداً حتى يُقتل فتصير موتوراً . ولقي رجل رجلاً ، ومعه كلبان ، فقال له : هب لي أحدهما . قال : أيّهما تريده ؟ قال : الأسود . قال : الأسود أحب إليّ من الأبيض . قال : فهب لي الأبيض . قال : الأبيض أحب إليّ من كليهما . قال الجاحظ : وقع بين جار لنا وجار له يُكنى أبا عيسى كلام ، فقال : اللهم خذ مني لأبي عيسى . قالوا : تدعو الله على نفسك ؟ قال : فخذ لأبي عيسى مني . شرد بعير لهبّنقة القيسي ، قال : من جاء به فله بعيران . فقيل له: أتجعل في بعير بعيرين ؟ قال : إنكم لا تعرفون فرحة الوجدان ، وكنيته أبو نافع ، واسمه يزيد بن ثروان . ولما خلع قتيبة بن مسلم سليمان بن عبد الملك بخراسان وقام خطيباً قال : يا أهل خراسان ، أتدرون من وليكم ؟ يزيد بن ثروان ، كناية عن هبنقة القيسي قال : وذلك أن هبنقة كان يُحسن من إبله إلى السمّان ويدع المهازيل ويقول : إنما أُكرم ما أكرم الله ، وأُهين من أهان الله ، وكذلك كان سليمان ، كان يعطي الأغنياء ، ولا يعطي الفقراء ويقول : أُصلح ما أصلح الله ، وأفسد ما أفسد الله . دخل كردم على بلال فدعاه إلى الغداء فقال : قد أكلت . قال : وما أكلت ؟ قال : قليل أرزّ فأكترت منه . ودخل عكابة دار بلال فرأى ثوراً مجللاً فقال : ما أفرهه من بغل لولا أن حوافره مشقوقة . قال الهيثم : خطب قبيصة ، وهو خليفة أبيه على خراسان ، فأتاه كتابه فقال : هذا كتاب الأمير ، وهو - والله - أهل أن أطيعه ، وهو أبي ، وهو أكبر مني . واستعمل معاوية رجلاً من كلب ، فذكر يوماً المجوس وعنده الناس فقال : لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم ، والله لو أُعطيت مائة ألف درهم ما نكحت أمي . فبلغ ذلك معاوية فقال : قاتله الله ، أترونه لو زادوه على مائة ألف فعل ؟ وعزله . وكان معاوية بن مروان محمّقاً ، وهو الذي قال لأبي امرأته : ملأتنا بنتك البارحة بالدم . قال : إنها من نسوة يخبأن ذلك لأزواجهن . وكان عبد الملك بن هلال الهُنائي عنده زبيل حصاً ، فكان يُسبّح بواحدة واحدة ، فإذا مل شيئاً طرح ثنتين ثنتين ، ثم ثلاثاً ثلاثاً ، فإذا مل قبض قبضتين وقال : سبحان الله بعدد هذا ، وإذا ضجر أخذ بعرى الزبيل وقلبه وقال : الحمد لله وسبحان الله بعدد هذا وإذا بكر لحاجة لحظ الزبيل وقال : سبحان الله عدد ما فيه . قال أبو شجاع الحمصي لحجّام رآه يختن غلاماً له به عناية : ارفق به - فديتك - فإنه لم يختن قط . ولد رجل طويل اللحية ابن ، فجاء بمنجّم يعمل له مولداً ، فقال له : أحب أن تجعل عطارد في طالعه ، فإنه بلغني أنه يُعطي الكتبة . قيل للبكراوي : أبا مرأتك حبل ؟ قال : شيء يسير ليس بشيء . وحكى يوماً عن الفرس شيئاً فقال : ونادى كسرى : الصلاة جامعه .

قال أبو عثمان : إن عمرو بن هدّاب لما ذهب بصره ودخل عليه الناس يُعزّونه دخل عليه إبراهيم بن جامع ، وكان كالجمل المحجوم وله صوت جهير فقال له : يا أبا أسيد ، لا يسوءنك ذهابهما ؛ فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنّيت أن الله قطع يديك ورجليك ودق ظهرك وأدمى ضلعك . كان فزارة على مظالم البصرة - وكان مغفّلاً - فسمع يوماً صياحاً ، فقال : ما هذا الصياح ؟ قالوا : قوم تكلموا في القرآن . فقال : اللهم أرحنا من القرآن . واجتاز به صاحب دراج فقال له فزارة : كيف تبيع هذا الدراج ؟ قال : واحداً بدرهم . قال : لا ، أحسن إلينا . قال : كذا بعت . قال : نأخذ منك اثنين بثلاثة دراهم . قال : خذ . قال : يا غلام ، أعطه ثمن اثنين فإنه سهل البيع . نظر عامر بن كُريز إلى ابنه عبد الله يخطب على منبر البصرة وأعجبه قال : فأشار إلى أيره وقال للناس : أميركم خرج من هذا . كان عبد الرحمن بن أبي حاتم شيخ أصحاب الحديث بالرّي . وكان ذا سلامة ، ذُكر عنده محمد بن الحسن الفقيع فقيل : مات بالرّي . فقال : دخل إلى الري دخلتين لا أدري في أيهما مات . وذُكر أنه دخل إلى الحمّام وقد بُخّر بالكندر ، وظن الدخان غباراً فقال للقيّم : قد قلت لكم غير مرة : إذا دخلت أنا الحمّام فلا تغبّروا . كتب بعضهم على خاتمه أنا فلان بن فلان . رحم الله من قال آمين . قيل لبعضهم : حمارك قد سُرق قال : الحمد لله الذي لم أكن فوقه . نظر بعضهم إلى السماء فقال : يا ربّ ، ما أحسن سماءك زادك الله مزيد كل خير . قال الجاحظ : قلت يوماً لعبدوس بن محمد - وقد سألته عن سنّه - ، لقد عجّل عليك الشيب . فقال : وكيف لا يعجل علي ؟ وأنا محتاج إلى من لو نفذ فيه حكمي لسرّحته مع النعاج ، والقطّه مع الدجاج ، وجعلته قيم السراج ، ووقاية يد الحلاج . هذا أبو ساسان أحمد بن العباس العجلي ، له ألف ألف درهم في كل سنة فعطس فقلت له يرحمك الله فقال لي : يعرفكم الله .

قال الجاحظ : قلت لأبي الجسيم : إن رأيت أن ترضى عن فلان فافعل - قال : لا ، والله ، حتى يبلغني أنه قد قبّل رجلي . وكان عبدون بن مخلد أخو صاعد إذا قبض يده عن الطعام يقول : الحمد لله الذي لا يُحلف بأعظم منه . كان أزهر الحمار أحد قواد عمرو بن الليث بين يدي عمرو يوماً يأكل البطيخ . فقال له عمرو : كيف طعمه يا أزهر ؟ قال : يا أيها الأمير ، أكلت الخراقط ؟ . وكان أزهر هذا - قبل بلوغ عمرو بن الليث وأخيه ما بلغا مكاناً بسجستان ، كان - أكرى عشرةً من الحمر إلى بعض المواضع ، فلما رجع ركب أحدها وعدّ الحمير ولم يعد الذي تحته فكانت تسعةً فاضطرب وقال : كانت حميري عشرة ، ثم نزل فعدّها فكانت عشرة ، وركب وعدّها فكانت تسعة ، ولم يزل هذا دأبه إلى أن قال : أمشي أنا وأربح حماراً ، فنزل ومشى على رجليه فسُمّي الحمار لذلك . قال ابن قريعة : دخل بعض هؤلاء الحمقى الخلاء وأراد أن يحلّ سراويله ، فغلط وحلّ إزاره ، وخرى في السراويل . مات لأبي العطوف ابن - وكان يتفلسف - فلما دلّوه في القبر قال للحفار : أضجعه على شقّه الأيسر ؛ فإنه أهضم للطعام . عرض هشام بن عبد الملك الجند فأتاه رجل من حمص بفرس كلما قدّمه نفر ، فقال هشام : ما هذا عليه لعنة الله ؟ قال الحمصي : يا سيدي ، هو فاره ، ولكن شبهك ببيطار كان يعالجه ، فنفر . صارت عجوز إلى قوم تعزيهم في ميت ، فرأت عندهم عليلاً ، فلما أرادت أن تقوم قالت : والحركة تغلظ عليّ في كل وقت ، فأعظم الله أجركم في هذا العليل ، فلعله يموت . قُدّمت إلى بنت السلط عصيدة ، فلما ذاقت قالت : مساكين ، أرادوا أن يسوّوا عصيدة فأفسدوها . ومن حمقى قريش بكّار بن عبد الملك بن مروان ، طار له باز فقال لصاحب الشرطة : أغلق باب المدينة حتى لا يخرج البازي .

قال بعضهم : رأيت بالبصرة رجلين يتنازعان في العنب الرازقي والنيروزي أيهما أحلى ؟ فجرى بينهما الافتراء والقذف ، ثم تواثبا ، وقطع الكوفي إصبع البصري وفقأ البصري عين الكوفي ، ثم رأيتهما متصافيين بعد ذلك ، متنادمين . أجريت الخيل مرة فطلع فيها فرس سابق ، فجعل رجل من النظارة يكثر الفرح ويثب ، فقال له آخر : يا فتى ، هذا الفرس لك ؟ قال : لا ، ولكن اللجام لي . قيل لرجل من أهل حمص - وقد أملك بنته - كم كان لابنتك من سنة حين زوّجتها ؟ قال : لا ، والله ما أدري ؟ إلا أني زوّجتها حين اسودت شعرتها . كان رجل يختلف إلى الأعمش فيؤثره ، وكان أصحاب الأعمش يسوؤهم ذلك ، ففتشوا الرجل فإذا هو حمار ، وكان سكوته للعي . فقالوا : سل الأعمش كما نسأله نحن وخاطبه . فقال له : يا أبا محمد ، متى يحرم على الصائم الطعام ؟ قال : إذا طلع الفجر ، قال : فإن طلع الفجر نصف الليل ؟ فقال الأعمش : عد إلى ما كنت عليه من الخرس . كان أبو يوسف ولّى الفضل بن غانم قضار الري ، وكان الناس يختلفون إليه ، ويقرأون كتب الفقه عليه ، فجاؤا يوماً وأخذتهم السماء . فقال : ألم أقل لكم : إذا رأيتم الغيم فتعالوا قبل ذلك بيوم ؟ . سئل بعضهم عن أخوين أيهما أسن ؟ قال : هما توأمان ، وهما على ما أظن من أم واحدة . نقش رجل على فص خاتمه اللهم أرخص الحنطة ، ونقش ابنه آمين . أُخذ رجل ينكح شاةً ، فرُفع إلى الوالي ، فقال : يا قوم ، أليس الله يقول : " أو ما ملكت أيمانكم " ؟ والله ما ملكت يميني غيرها فخلّى عنه وحدّ الشاة . وقال : الحدود لا تُعطّل ، فقيل : إنها بهيمة . فقال : ولو وجب حكم على بهيمة وكانت أمي أو أختي لحددتها . قال بعضهم : قرأت قصة أهل طوس إلى المأمون يسألونه تحويل مكة إلى طوس .

لقي الطائف رجلاً فغمّض عينيه فأخذه فقال : يا ابن الخبيثة ، أنا قد غمضّت عيني فكيف أبصرتموني ؟ كان أبو ضمضم على شرطة الكوفة ، فلم يحدث في عمله شيء ، فأخذ رجلاً من الطريق ، وجرّده للسياط ، واجتمع الناس ، فقال الرجل : ما ذنبي أصلحك الله ؟ قال : أحب أن تجملنا بنفسك ساعة . ومدح بعض الشعراء محمد بن عبدوس صاحب الشرقية فقال له : أما أن أعطيك شيئاً من مالي فلا ، ولكن اذهب فاجن جناية حتى لا أحدك فيها . ورفع رجل فقالوا : إنه قد وجد في الحمام يجلد عميرة ، فقال : في حمام الرجال أو في حمام النساء ؟ قالوا : في حمام الرجال . قال : قد أحسن ، ليته قتلها ، مرة في حمام الرجال أيش تصنع ؟ كان بعضهم يزرع قراحاً له ، ويتعيش فيه، فبينا هو يوماً يسقي أرضه - وقد أعجبه الماء في زرعه وفرح به ، وأراد أن يحمد الله عليه - جعل يقول : يا رب كم لك من أجر فيما أسقيتنا من هذا الماء . قال بعضهم : قد رأيت واحداً قد جلس يبول ، فإذا أيره أير حمار . فقلت : ويلك ما أنت إلا حمّال ، كيف تقدر أن تحمل هذا وتمشي به ؟ فقال : أسألك الله أهو كبير ؟ قلت : نعم ، قال : فإن أهل بيتنا يستصغرونه . قال بعض المؤدبين : كنت أؤدب ابناً لمحمد بن الحجاج فخرج يوماً ، وابنه يدرس كتاب الصفات للأصمعي ، فسألني عن معناه ، فقلت له : أعزّك الله يعرف به صفات الناس والوحوش والسلاح والمطر وغير ذلك ، فلما كان بعد أيام نشأت سحابة فخرج إليّ محمد مغضباً فقال : أنت في أضيق الحرج على ما أخذت مني في تأديب ابني ، قلت : ولم ؟ قال : سألته الساعة عن هذه السحابة أتمطر أم لا ؟ فقال : لا أعلم الغيب . قال : وبلغني عن شيخ أن ابنه سأله فقال : يا أبة ، ما الرمادية وما مذهبهم ؟ قال : قوم يبولون في الرماد ، قوم سوء أشر ما يكون . فقال الصبي :

قد عرفت القدرية من غير أن تقول لي . قال من هم يا سيدنا ؟ قال : الذين يخرون في القدور ، فضمّه إليه وقبّله وقال : أحسنت يا أبا العباس ، أشهد أنك فرخ جماعي . قال بعضهم : رأيت ابن خلف الهمذاني في صحراء يطلب شيئاً ، فقلت له : ما تبغي هاهنا ؟ قال : دفنت شيئاً ولست أهتدي إليه ، فقلت : هلاّ علّمت عليه بشيء ؟ قال : جعلت علامتي قطعةً من الغيم كانت فوقه وما أراها الساعة . ونظر مرةً في الحب وهو الزير فرأى في وجهه ، فعدا إلى أمّه وقال : يا أمي ، في الحب لص ، فجاءت الأم وتطلعت فيه وقالت : إي والله ومعه قحبة . وقال : إنما سمّي السكنجيين بهذا الاسم ؛ لأن الإنسان يشتكي جبينه فإذا شربه سكن . قال بعضهم : سمعته يقول في كلام جرى في ذكر رجل : وهو - والله - ألوط من لوط . وذكر بين يديه رجل فقال : هو رجل سوء . قيل له : ومن أين علمت ؟ قال : قد أفسد بعض أهلنا . قيل : ومن هو ؟ قال : أمي صانها الله . ومات له ابن فقيل : هاتوا فلاناً ليغسله ، فقال : لا أريده ، فإنه عسوف وأخاف أن يقتله . وزار يوماً قوماً فأكرموه ، وغلّفوه بطيبة وطيبوه ، فحكته شفته العليا ، وخشي إن حكها أن تأخذ إصبعه الغالية فأدخل إصبعه تحت الشفة العليا وحكّها من داخل . وقيل له : كم بين همذان وروذراور ؟ فقال : سبعة ذاهب ، وثلاثة جاي . ودخل يوماً إلى إصطبله ، فرأى فراريج كثيرة فقال : يا فراريج ، متى تحّم حتى نأكلكم . وحكى من رآه يعدو وسط داره عدواً شديداً ويقول شيئاً بصوت عال ، قال : فسألته عن قصته فقال : أردت أن أسمع صوتي من بعيد .

واستُعير منه سرج فقال : والله ما نزلت عنه إلا الساعة . دخل على رجل يعزيه فقال : عظّم الله مصيبتك ، وأعان أخاك على ما يرد عليه من يأجوج ومأجوج ، فضحك من حضر ، فقال : لم تضحكون ؟ إنما أردت هاروت وماروت . وقال يوماً لصديق له : أريد أن أشرب على عورة وجهك عشرة أرطال نبيذ مريق ، يريد غرة وجهك ، ونبيذ مروق . وقال يوماً لمغنية كان يحبّها : أنا - والله - لك مائق ، يريد وامق فقالت : ليس لي وحدي أنت مائق ، أنت - والله - مائق للخلق . أخذ الطلق امرأته فدخل فقال للقابلة : أخرجيه بالله ابناً ولك دينار ، ولك ما شئت ، بالله لا أحتاج إلى وصيتك . كان منصور بن زياد خال المهدي ، ووالي خراسان من جهته يُحمّق ، وكان نقش خاتمه يا حنّان يا منّان تحنن تمنن على عبدك الأمين منصور بن زياد . لما مات المكتنجي حزن المتوكل عليه ، وقال : من ينشطني إذا كسلت ؟ ويسلّيني إذا حزنت ، فقيل له : قد خلّف ابنين مليحين ، فأمر بإحضارهما وكلمهما فرضيهما ، وجُعلت أرزاق أبيهما للأكبر منهما ، وجعل للأصغر أيضاً رزق دون ما لأخيه . فقال الصغير : هذا يا سيدي خلاف ما يجب فينا قال : وما الذي يجب ؟ قال : إنما نتقدم نحن ، وتقدم أبونا قبل بالحماقة ، ومن شأن العقلاء إذا مات الرجل منهم أن يجعل ابنه الكبير مكانه ، فأما الحمقى فإنهم يجعلون الصغير مكان أبيه ، ومع هذا أنا أحمق من أخي بكثير . قال : وما الدليل على ذلك ؟ قال : ههنا أدلة كثيرة ، أقربها أن أبي حج في العام الماضي فلما قرب قدومه خرج أخي من سر من رأى إلى الكوفة لتلقيّه ، ومضيت أنا إلى حلوان ؛ لأني كنت أشد شوقاً منه إليه ، فلما قدم وجاءني كتابه من سرّ من رأى إلى حلوان جئت ، وإنما فعلت هذا لشدة شوقي إليه ، فسرّ أبي بما كان مني سروراً عظيماً . فقال المتوكل : صدقت ، أنت أحمق من أخيك بكثير ، اجعلوا الرئاسة له ، واجعلوا أخاه مكانه .

اعترض أبو الجندب الأرمني دوابّه فأصاب فيها واحداً مهزولاً قال : هاتوا الطباخ فبطحه وضربه خمسين مقرعةً ، فقال له : يا سيدي ، أنا طبّاخ لا أعرف أمر الدواب . قال : فلم لم تقل لي ؟ اذهب الآن فإذا أذنبت ذنباً ضربت السائس ستين مقرعة ، زيادة عشرة . وقال يوماً - وقد ركب إلى العيد - لبعض غلمانه : أرسل إلى المزين حتى يكون حاضراً ، وتقدّم إليه ألاّ يمس من شعر رأسي شيئاً حتى أعود من الصلاة ؛ فإن الحجّامين كثيرو الفضول . واجتاز به رجل يبيع الثلج فقال : أرنا ما معك ؟ فكسر له قطعة ثلج وناوله ، فقال أريد أبرد من هذا . فكسر له من الجانب الآخر فقال : نعم ، هذا أبرد ، فكيف سعر هذا وسعر ذاك ؟ فقال : هذا رطل بدرهم ، ومن الأول رطل ونصف بدرهم . فقال : أحسن حتى نأخذ من هذا لنا ، ومن ذاك للحاشية . جاز إبراهيم المصلحي يوماً بطين مبلول في شارع باب الشام فقال لهم : السلطان يريد أن يركب ، فإن أنا رجعت ورأيت هذا الطين مكانه ضربته بالنار ولا تنفعكم شفاعة أحد . وقال الطبيب مرة لأزهر الحمار : خذ رمانتين فاعصرهما بشحمهما واشرب ماءهما ، فعمد إلى رمّانتين وقطعة من شحم الغنم فدقهما في موضع واحد وشرب ماءهما . واشترى بعضهم جاريةً ، فغضبت امرأته ، فحلف أنه لا يجامعها سنةً ولا يترك غيره يُجامعها بسببه . ونظر جامع الصيدلاني في المرآة ، فضحك ، فقالوا : يا أبا محمد ، مالك تضحك ؟ قال : من وجهي ، وهو من بعيد أحسن منه من قريب . وقيل له يوماً : كم سنةً لك ؟ قال: إحدى وسبعون سنة . قيل : فمن تذكر من خلفاء بني العباس ؟ قال : إيتاخ . مضى إلى السوق ليشتري لابنه نعلاً فقالوا : كم سنّه ؟ فقال : لا أدري ، ولكنه ولد أول ما جاء العنب الرازقي . ومحمد ابني - أستودعه الله - أكبر منه بشهرين ونصف سنة .

وأُتي بصك دار ليشهد فيه فقال : لا أشهد حتى أرى الدار ، فلما رأى الدار ، رمى بالصك وقال : والله لا شهدت ، قيل له : ولم ذاك ؟ قال : لأنها سرقة ، وأنها أول أمس كانت في ذلك الجانب وهي اليوم هاهنا . وكان بعضهم يقول في تسبيحه : لا إله إلا الله جملة كافية . وحلف بعضهم فقال : لا والقبر الذي تضمّن محمداً وجبريل عليهما السلام . ورث بعضهم نصف دار فقال يوماً : قد عزمت على بيع نصف الدار الذي لي وأشتري به النصف الآخر لتصير كلّها إليّ . وكتب المنصور إلى زياد بن عبيد الله الحارثي ليقسم مالاً بين القواعد والعميان والأيتام . فدخل عليه أبو زياد التميمي - وكان مغفلاً - فقال : أصلحك الله ، اكتبني في القواعد ، فقال : عافاك الله ، القواعد هن النساء اللاتي قعدن عن أزواجهن . فقال : اكتبي في العميان ، قال : اكتبوه ؛ فإن الله تعالى يقول : " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " قال أبو زياد : واكتب ابني في الأيتام فقال : نعم ، من كنت أباه فهو يتيم . ووجّه بعضهم بلحم إلى بيته فقال الرسول : قل لهم : اطبخوه سكباجاً ، فقال : ليس عندهم . فقال له : يا بغيض ، فاطبخوه إذا كشكية . ووقعت لبعضهم ابنة في البئر ، فاطلع في البئر فرآها وناداها ، فأجابته فقال لها : لا تبرحي من موضعك حتى أذهب أجيء بمن يخرجك . وكان منهال إذا انكسف القمر يقول : ارحم تُرحم ، فإذا انجلى قال : تهنؤك العافية . قال ابن الماجشون : كان لي صديق من أهل المدينة ففقدته أياماً ثم رأيته فسألته عن حاله ، فقال : نزلت بالكوفة فقلت : وكيف صبرت بها وهم يسبون أبا بكر وعمر ؟ فقال : يا ابن أمي ، قد والله صبرت لهم على ما هو أعظم من هذا ، إنهم يُفضّلون الكناسي على معبد في الغناء . فحدّثت المهدي بذلك فضحك حتى استلقى . قيل لبعضهم : قد جاء الذباب . فقال : ما ذقته بعد . وسئل بعضهم عن مولده فقال : ولدت رأس الهلال النصف من شهر رمضان بعد العيد بثلاثة أيام ، احسبوا الآن كيف شئتم . قال : وسمعت بعضهم يدعو ويقول : اللهم اغفر لأمي ولأختي ولامرأتي فقلت له : كيف تركت ذكر أبيك ؟ قال : لأنه مات وأنا صبي لم أدركه ولم أعرفه . لقي رجل رجلاً فقال له متى قدمت ؟ قال : غدا ، فقال : لو قدمت اليوم لسألتك عن صاحب لي ، فمتى تخرج ؟ فقال : أمس . قال : لو أدركتك لكتبت معك كتاباً . ونظر بعضهم إلى جرادة في أول ما يجيء الجراد فقبّلها ووضعها على عينه ، يريد أنها باكورة . وانكسرت خشبة في منزل بعضهم ، فمضى إلى الخشّابين يشتري بدلها . فقالوا : كم تريد طولها؟ فقال : سبع في ثمان . وخلا بعضهم بمناجاة ربه وجعل يدعو ويقول : اللهم ارزقني خمسة آلاف درهم حتى أتصدق منها ، وإن لم تُصدقني فادفع إليّ ثلاثة آلاف درهم واحبس الباقي عندك ، فإن تصدّقت وإلاّ تصدق بها على ما شئت. اعتلّ الهبيري والي البصرة ، فدخل إليه بعض عوّاده فقال له : ما تشكو ؟ قال : حرارة ، قال : فما اكلت ؟ قال : شويت خوامزكه فمصصت متوضاها يريد خوامزكها وزماكها . وقال بعضهم : سقط ابني في الدكان فوطئ كلب على لسانه فسقطت لهاته فعالجته بدم الأبوين . وكتب بعضهم إلى أبيه : كتابي إليك من فوق فرسخ بدورقين يوم الجمعة عشية الأربعاء لأربعين ليلة خلت من جمادى الأوسط ، وأُعلمك - أعزك الله - أني مرضت مرضةً لو كان غيري لكان قد مات . فكتب إليه أبوه : أمك طالق ثلاثاً بتاتاً لو مت ما كلمتك أبدا . قيل لبعضهم : دخلت الكتّاب فأي شيء تعلمت ؟ قال : الحساب . قال : فأربعة بين ثلاثة أنفس كم يصيب كل واحد منهم ؟ قال : لنفسين درهميم درهمين ولا يُصيب الثالث شيئاً . خرج رجل من منزله ومعه صبي عليه قميص أحمر ، فحمله على عاتقه ثم نسيه ، فجعل يقول لكل من لقيه : رأيت صبياً عليه قميص أحمر ؟ فقال له إنسان : لعله الذي على عاتقك ، فرفع رأسه ولطم الصبي وقال : يا ماصّ كذا ، ألم أقل لك : إذا كنت معي لا تفارقني ولا تبرح ؟ . وكان بعضهم في يده ثلاثة عشر درهماً ، وركب زورقاً فرأى على عنق واحد كان بجنبه برغوثاً ، فأخذه بالسبابة والإبهام من اليد التي فيها الدراهم ثم توّجه نحو الماء ليرمي البرغوث فرمى بالدراهم وبقي البرغوث في يده ، ثم التفت إلى أصحابه فقال : رأيتم مثل هذا البرغوث تقوّم عليّ بثلاثة عشر درهماً . وقال بعضهم : رأيت خميصاً متعلّقاً بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم هب لها العافية وفرّح قلبها ، وافعل بها واصنع ، ولم يدع لنفسه ولا لأحد غيرها . فقلت : من هذه التي تخصّها بالدعاء ؟ قال : امرأتي . قلت : ما أوجب أن تجعل دعاءك كله لها حتى لا تدعو لنفسك ولا لأبويك ؟ فقال : أًخبرك يا أخي ، اعلم أني صحبت الخلق ، وعاشرت الناس ، وطفت البلدان فما وجدت إنساناً أنيكه غيرها . فقلت له: يحق لك إن كان هذا يا شيخ . وقال رجل لحمصي : إذا كان يوم القيامة يؤتى بالذي فجر بامرأة جاره ، فيؤخذ من سيئات الجار إلى حسنات جاره . فقال الحمصي : والله إن كان هذا فما في يوم القيامة أحسن من الكشاخنة بعد المخنثين . وحمل بعضهم بولاً في طست إلى الطبيب وقال : هذا بول امرأتي . فقال : هلا جئت به في قارورة ؟ قال: جُعلت فداك إحليلها أوسع من ذاك .

ونظر حمصي إلى منارة المسجد ، فقال لآخر : ما كان أطول أولئك الذين بنوا هذه المنارة فقال له : اسكت ما أجهلك ترى أن في الأرض أحداً يطول هذه المنارة ؟ وإنما بنوها على الأرض ثم أقاموها ، أو حفروا بئراً وقلبوها . حضر جماعة من أهل زنجان باب السلطان فشكوا ثقل أصولهم ، وتضاعف المؤن عليهم ، فأجيبوا إلى حطيئة ، فقالوا : نحب أن نقتصر منها على الأخماس بدل الأعشار ، فصار ذلك رسماً عليهم . قال بعضهم : رأيت شيخاً طويل اللحية يعدو ، فقلت مالك ؟ قال : مر بك رجل أخضر عليه كساء أصلع ؟ . قال : ورأيت رجلاً طويل اللحية راكباً حماراً ، وهو يضربه . فقلت له : يا هذا ، ارفق . فقال : إذا لم يقر يمشي فلم صار حماراً ؛ . تفاخر أحمقان : مصري ويمني، فقال المصري : هلكت - والله - اليمن ؛ إن لم يكن النبي عليه السلام منها لا تدخل الجنة والله أبدا . فقال اليمني : فابن المهلب وأولاده يحاربون عليها أبداً وزيادة حتى يدخلوها بسلام بالسيف ، . ولما دخل الأكراد مدينة السلام مع أبي الهيجاء ، واجتازوا بباب الطاق قال بعض المشايخ من التجار : هؤلاء الذين قال الله تعالى في كتابه : الأكراد أشد كفراً ونفاقا . فقال له إنسان : يا هذا ، إنما قال الله " الأعراب " . قال الشيخ : يا سبحان الله يقطع علينا الأكراد ، ونكذب على الأعراب ؟ . قال بعضهم : دخلت حمّاماً بهيت ، وأهلها عامتهم قلف ، فإذا أنا برجل قد دخل، وهو آخذ برأس إحليله ، وقد أشاله إلى فوق ، ثم تمكن جالساً ، وصب من إحليله شيئاً ودلك به رأسه ولحيته ، وفعل ذلك مراراً . فقلت له : ويلك ما هذا ؟ قال : دهن يا سيدي ، طلبت من عند العطّار قارورةً فلم تكن عنده ، فأخذت الدهن في هذا الموضع ، وهو ذا استعمله . قدّم رجل ابناً له إلى القاضي ليحجر عليه . فقال : فيم تحجر عليه ؟ قال الأب : أصلحك الله ، إن كان يحفظ آيتين من كتاب الله فلا تحجر عليه . فقال له القاضي : اقرأ . فقال : أضاعوني وأي فتىً أضاعوا . . . ليوم كريهة وسداد ثغر فقال الأب : أصلحك الله ، إن قرأ أخرى فلا تحجر عليه . فحجر عليهما جميعاً . قال بعضهم : جالسني رجل فغبر لا يكلمني ساعةً ، ثم قال : هل جلست قط على رأس تنور فخريت فيه آمناً مطمئناً ؟ قال : قلت : لا . قال : فإنك لم تعرف شيئاً من النعيم قط . وقال هشام بن عبد الملك ذات يوم لأصحابه : أي شيء ألذ ؟ فقال له الأبرش بن حسان : أصابك جرب قط فحككته ؟ قال : مالك ؟ أجرب الله جلدك ، ولا فرج عنك ، وكان آنساً به . دخل كردم الدارع أرض قوم يذرعها ، فلما انتهى إلى زنقة منها لم يحسن أن يذرعها . فقال : هذه ليست لكم . قالوا : هي لنا ميراث ، وما نازعنا فيها أحد قط . قال : لا ، والله ما هي لكم . قالوا: فحصّل لنا حساب ما لا نشك فيه . فقال : عشرون في عشرين عشرون . قالوا : من أجل هذا الحساب صارت الزنقة ليست لنا . وقال قاسم النمار : التوى مني عرق حين قعدت منها مقعد الرجل من الغلام . مات رجل من جند أهل الشام عظيم القدر ، فحضر جنازته الحجاج ، فصلّى عليه وجلس على شفير قبره وقال : لينزل قبره بعض إخوانه ، فنزل أحدهم فقال وهو يسوّي عليه : يرحمك الله أبا قنان ، إن كنت - ما علمت - لتجيد الغناء ، وتسرع رد الكأس ، لقد وقعت في موضع سوء لا تخرج - والله - منه إلى يوم الدكة . فما تمالك الحجاج أن ضحك فاكثر وكان لا يكثر الضحك في جد ولا هزل . فقال له : هذا موضع هذا لا أم لك ؟ قال : أصلح الله الأمير ، فرسه حبيس في سبيل الله لو سمعته يتغنّى : يا لُببني أوقدي النارا . . . لانتشر الأمير على سعنة - وكان الميت يلقب سعنة ، وكان من أوحش الخلق صورةً وأدّمهم - فلم يبق أحد إلا استفرغ ضحكاً . وقال الحجاج : أخرجوه ، إنا لله يا أهل الشام ، ما أبين حجة أهل العراق في جهلكم . خرج رجل من المغفلين فرأى في زرعه فساداً فقال : يا رب أنت تنهى عن الفحشاء ، فهذا حسن هو ؟ قال بعضهم : رأيت رجلاً محموماً مصدعاً ، وهو يأكل التمر ، ويتكرّهه . فقلت له : ويحك لم تأكل هذا في حالك هذه ؟ هذا يقتلك . فقال : عندنا شاة تُرضع ، وليس لها نوىً ، فأنا آكل هذا التمر مع كراهيتي له ؛ لأطعمها النوى . قال : فقلت : فأطعمها التمر بالنوى . قال : أو يجوز هذا ؟ قلت : نعم . قال : قد - والله - فرّجت عني ، لا إله إلا الله ، ما أحسن العلم . أخرج صبي رأسه من منظرة ، فوقعت عليه بردة فأوجعته ، فشتم من رمى ، فاطّلع أبوه من الكوة لينظر من رمى فلما رأى البردة رفع رأسه إلى السماء وقال : ارم سيدي ما عرفك الصبي .