الباب الرابع عشر: فيما تختلف أحكامه من للبلاد

الأحكام السلطانية والولايات الدينية

الماوردي

علي بن محمد حبيب، أبو الحسن الماوردي المولود عام 364 هـ -974 م والمتوفي عام 450 هـ 1058 م

الباب الرابع عشر: فيما تختلف أحكامه من للبلاد

بلاد الإسلام وتنقسم على ثلاثة أقسام: حرم، وحجاز، وما عداهما.

أما الحرم فمكة وما طاف بها من نصب حرمها وقد ذكرها الله تعالى باسمين في كتابه مكة وبكة، فذكر مكلة في قوله عز وجل: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من عبد أن أظفركم عليهم ".

ومكة مأخوذ من قولهم تمككت المخ من العظم تمككاً: إذا استخرجته عنه لأنها تمك الفاجر عنها وتخرجه منها على ما حكاه الأصمعي وأنشد قول الراجز في تلبيته:

يا مكة الفاجر مكي مكا

 

ولا تمكى مذحجاً وعكا

وذكر بكة في قوله عز وجل: " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً ".

قال الأصمعي، وسميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضاً فيها أي يدفع، وأنشد من الرجز:

إذا الشريب أخذته أكه

 

فخله حتى يبك بكـه

واختلف الناس في هذين الاسمين فقال قوم: هما لغتان والمسمى بهما واحد لأن العرب تبدل الميم بالباء فتقول ضربة لا رب وضرب لازب لقرى المخرجين وهذا قول مجاهد. وقال آخرون. بل هما اسمان والمسمى بهما شيئان، لأن اختلاف الأسماء موضوع لاختلاف المسمى، ومن قال بهذا اختلف في المسمى بهما على قولين: أحدهما أن مكة اسم البلد كله وبكة اسم البيت وهذا قول إبراهيم النخعي ويحيى بن أبي أيوب. والثاني أن مكة الحرم كله وبكة المسجد وهذا قول الزهري وزيد بن أسلم. وحكى مصعب بن عبد الله الزبيري قال: كانت مكة في الجاهلية تسمى صلاحاً لأمنها، وأنشد قول أبي سفيان بن حرب بن أمية لابن الحضرمي من الوافر:

أبا مطر هـلـم إلا صـلاح

 

فيكفيك الندامى من قـريش

وتنزل بلدة عـزت قـديمـاً

 

وتأمن أن يزورك رب جيش

وحكى مجاهد أن من أسماء مكة أم زحم والباسة، فأما أم زحم فلأن الناس بتزاحمون بهما ويتنازعون، وأما الباسة فلأنها تبس من الحد فيها أي تحطمه وتهلكه، ومنه قول الله تعالى: " وبست الجبال بساً ".

ويروي الناسة بالنون ومعناه أنها تنس من ألحد فيها أي تطرده وتنفيه. وأصل مكة وحرمتها ما عظمه الله سبحانه من حرمة بيته حتى جعلها لأجل البيت الذي أمر برفع قواعده وجعله قبلة عبادة أم القرى كما قال الله سبحانه: " لتنذر أم القرى ومن حولها ".

وحكى جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي رضي الله عنهم أن سبب وضع البيت والطواف به أن الله تعالى قال للملائكة: " إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيه ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ".

فغضب عليهم فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون ربهم فرضي عنهم وقال لهم ابنوا لي في الأرض بيتاً يعوذ به من سخطت عليه من بني آدم يطوف حوله كما فعلتم بعرشي فأرضى عنهم فبنوا له هذا البيت، فكان أول بيت وضع للناس قال الله تعالى " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعاملين " فلم يختلف أهل العلم أنه أول بيت وضع للناس للعبادة، وإنما اختلفوا هل كان أول بيت وضع لغيرها، فقال الحسن وطائفة قد كان قبله بيوت كبيرة، وقال مجاهد وقتادة لم يكن قبله بيت.

وفي قول تبارك وتعالى " مباركاً " تأويلان: أحدهما أن بركته بما يستحق من ثواب القصد إليه. والثاني أنه أمن لمن دخله حتى الوحش فيجتمع فيه الظبي والذئب " وهدى للعالمين " تحتمل تأويلين: أحدهما هدى لهم إلى توحيده. والثاني إلى عبادته في الحج والصلاة.

" فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ".

وكانت الآية في مقام إبراهيم تأثير قدميه فيه وهو حجر صلد، والآية في غير المقام: الخائف وهيبة البيت عند مشاهدته، وامتناع الطير من العلو عليه، وتعجيل العقوبة لمن عتا فيه، وما كان في الجاهلية من أصحاب الفيل؟ وما عطف عليه قلوب العرب في الجاهلية من تعظيمه، وأن من دخله من الجاهلية وهم غير أهل الكتاب ولا متبعي شرع يلتزمون أحكامه حتى أن الرجل منهم كان يرى فيه قاتل أخيه وأبيه فلا يطلبه بثأره فيه، وكل ذلك آيات الله تعالى ألقاها على قلوب عباده.

وأما أمنه في الإسلام ففي قوله سبحانه وتعالى " ومن دخله كان آمناً " تأويلان أحدهما آمناً من النار وهذا قول يحيى بن جعدة، والثاني آمناً من القتل، لأن الله تعالى أوجب الإحرام على داخله وحظر عليه أن يدخله محلاً. وقال أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة عام الفتح حلالاً: " أحلت لي ساعة من نهار ولم تحل لأحد من قبلي، ولا تحل لأحد من بعدي " ثم قال: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ".

فجعل حجه فرضاً بعد أن صار في الصلاة قبلة، لأن استقبال الكعبة في الصلاة فرض في السنة الثانية من الهجرة والحج فرض في السنة السادسة.

وإذ قد تعلق بمكة للكعبة من أركان الإسلام عبادتان وباينت بحرمتها سائر البلدان وجب أن نصفها ثم نذكر حكم حرمها.

فأما بناؤها فأول من تولاه بعد الطوفان إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ فإنه سبحانه قال: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ".

فدل ما سألاه من القبول على أنهما كان ببنائها مأمورين، وسميت كعبة لعلوها مأخوذ من قولهم كعبت المرأة إذا علا ثديها ومنه سمي الكعب كعباً لعلوه وكانت الكعبة بعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مع جرهم والعمالقة إلى أن انقرضوا حتى قال فيهم عامر بن الحارث من الطويل:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

 

أنيس ولم يسمر بمـكة سـامـر

بلى نحن كنا أهلـهـا فـأبـادنـا

 

صروف الليالي والجدود العواثر

وخلفهم فيها قريش بعد استيلائهم على الحرام لكثرتهم بعد القلة وعزتهم بعد الذلة تأسيساً ما يظهره الله تعالى فيهم من النبوة، فكان أول من جدد بماء الكعبة من قريش بعد إبراهيم عليه السلام قصي بن كلاب وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل قال الأعشى من الطويل:

حلفت بثوبي راهب الشام والتي

 

بناها قصي جده وابن جرهـم

لئن شب نيران العداوة بينـنـا

 

ليرتحلن مني على ظهر شيهم

ثم بنتها قريش بعده ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خمس وعشرين سنة وشهد بناءها وكان بابها في الأرض فقل أبو حذيفة بن المغيرة يا قوم ارفعوا باب الكعبة حتى لا تدخل إلا بسلم فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فيسقط فكان نكالاً لمن رآه فعلت قريش ذلك، وسبب بنائها أن الكعبة استهدمت وكانت فوق القامة فأرادوا تعليتها وكان البحر قد ألقى سفينة لرجل من تجار الروم إلى جدة فأخذوا خشبها وكان في الكعبة حية يخافها الناس فخرجت فوق الكعبة فنزل طائر فاختطفها فقالت قريش إنا لنرجوا أن يكون الله سبحانه قد رضي ما أردنا فهدموها وبنوها بخشب السفينة وكانت على بنائها إلى حوصر بن الزبير بالمسجد من الحصين بن نمير وعسكر الشام حين حاربوه سنة أربع وستين في زمن يزيد بن معاوية فأخذ رجل من أصحابه ناراً في ليفة على رأس رمح وكانت الريح عاصفة فطارت شرارة فتعلقت بأستار الكعبة فأحرقتها فتصدعت حيطانها واسودت وتناثرت أحجارها فلما مات يزيد وانصرف الحصين ابن نمير شاروا عبد الله بن الزبير أصحابه في هدمها وبنائها فأشار به جابر بن عبد الله وعبيد ابن عمير وأتاه عبد الله بن عباس وقال لا تهدم بيت الله تعالى فقال ابن الزبير أما ترى الحمام يقع على حيطان البيت فتناثرت حجارته ويظل أحدكم يبني بيته ولا يبني بيت الله؛ ألا إني هادمه بالغداة فقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو كانت لنا سعة لبنيته على أس إبراهيم؛ ولجعلت له بابين شرقياً وغربياً ".

وسأل الأسود هل سمعت من عائشة رضي الله عنها في ذلك شيئاً؟ فقال نعم أخبرتني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن النفقة قصرت بقومك فاقتصروا؛ ولولا حدثان عهدهم بالكفر لهدمته وأعدت فيه ما تكروا " فاستقر رأي ابن الزبير على هدمه فلما أصبح أرسل إلى عبيد بن عمير فقيل هو نائم فأرسل إليه وأيقظه وقال له أما بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الأرض لتضج إلى الله تعالى من نومة العلماء في الضحى ".

فهدمها فأسل إليه ابن عباس إن كنت هادمها فلا تدع الناس بلا قبلة، فلما هدمت قال الناس كيف نصلي بغير قبلة؟ فقال جابر وزيد صلوا إلى موضعها فهو القبلة، وأمر ابن الزبير بموضعها فستر ووضع الحجر في تابوت في خرقة حرير، قال عكرمة رأيته فإذا هو ذراع أو يزيد وكان جوفه أبيض مثل الفضة؛ وجعل حلي الكعبة عند الحجبة في خزانة الكعبة، فلما أراد بناءها حفر من قبل الحطيم حتى استخرج أس إبراهيم عليه السلام فجمع الناس ثم قال هل تعلمون أن هذا أس إبراهيم؟ قالوا نعم فبناها على أس إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأدخل فيها الحجر ستة أذرع وترك منه أربعاً وقيل أدخل سبعة أذرع وترك ثلاثاً وجعل لها بابين ملصوقين بالأرض شرقياً وغربياً يدخل من واحد ويخرج من الآخر وجعل على بابهما صفائح الذهب وجعل مفاتيحها من ذهب وكان ممن حضر بناءها من رجال قريش أبو الجهم بن حذيفة العدوي فقال عملت في بناء الكعبة مرتين واحدة في الجاهلية بقوة غلام نفاع وأخرى في الإسلام بقوة كبير فان وذكر الزبير ابن بكار أن عبد الله بن الزبير وجد في الحجر صفائح حجارة خضر قد أطبق بها على قبر فقال له عبد الله بن صفوان هذا قبر نبي الله إسماعيل عليه السلام فكف عن تحريك تلك الحجارة، ثم بقيت الكعبة في أيام الزبير على حالها إلى أن حاربه الحجاج وحصره في المسجد ونصب عليه المنجانيقات إلى أن ظفر به وقد تصدع بناء الكعبة بأحجار المنجنيق فهدمها الحجاج وبناها بأمر عبد الملك بن مروان وأخرج الحجر منها وأعادها إلى بناء قريش على ما هي عليه اليوم فكان عبد الملك بن مروان يقول وددت أني كنت حملت ابن الزبير من أمر الكعبة وبنائها ما تحمله.

وأما كسوة الكعبة فقد روي أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أول من كسا البيت سعد اليماني ".

ثم كساها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية ثم كساها عمر بن الخطاب وعثمان رضي الله عنهما القباطي ثم كساها يزيد بن معاوية الديباج الخسرواني. وحكى محارب ابن دثار أن أول من كسا الكعبة الديباج خالد بن جعفر بن كلاب أصاب لطيمة في الجاهلية وفيها نمط ديباج فناطه بالكعبة، ثم كساها ابن الزبير والحجاج الديباج، ثم كساها بنو أمية في بعض أيامها الحلل التي كانت على أهل نجران في حربهم، وفوقها الديباج ثم جدد المتوكل رخام الكعبة وأزرها بفضة وألبس سائر حيطانها وسقفها بذهب ثم كسا أساطينها الديباج؛ ثم لم يزل الديباج كسوتها في الدولة العباسية بأسرها.

وأما المسجد الحرام فقد كان فناء حول الكعبة للطائفين ولم يكن عل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه جدار يحيط به، فلما استخلف عمر رضي الله عنه وكثر الناس وسع المسجد واشترى دوراً هدمها وزداها فيه وهدم على قومن جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد ذلك واتخذ للمسجد جدار قصيراً دون القامة وكانت المصابيح توضع عليه، وكان عمر رضي الله عنه أول من اتخذ جداراً للمسجد، فلما استخلف عثمان رضي الله عنه ابتاع منازل، فوسع بها المسجد وأخذ منازل أقوام ووضع لهم أثمانها فضجوا منه عند البيت فقال إنما جرأكم على حلمي عنكم فقد فعل بكم عمر رضي الله عنه هذا فأقررتم ورضيتم ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسد فخلى سبيلهم وبنى للمسجد الأروقة حين وسعه، فكان عثمان رضي الله عنه أول من اتخذ للمسجد الأروقة ثم إن الوليد بن عبد الملك وسع المسجد وحمل إليه أعمدة الحجارة والرخام، ثم إن المنصور رحمه الله زاد في المسجد وبناه وزاد فيه المهدي رحمه الله بعده وعليه استقر بناؤه إلى وقتنا هذا.

وأما مكة فلم تكن ذات منازل وكانت قريش بعد جرهم والعمالقة ينتجعون جبالها وأوديتها ولا يخرجون من حرمها انتساباً إلى الكعبة لاستيلائهم عليها وتخصصاً بالحرم لحلولهم فيه ويرون أنه سيكون لهم بذلك شأن، وكلما كثر فيهم العدد ونشأت فيهم الرياسة قوي أملهم وعلموا أنهم سيتقدمون على العرب وكان فضلاؤهم وذوو الرأي والتجربة منهم يتخيلون أن ذلك لرياسة في الدين وتأسيس لنبوة ستكون، لأنهم تمسكوا من أمور الكعبة بما هو بالدين أخص، فأول من شعر بذلك منهم وألهمه كعب بن لؤي بن غالب وكانت قريش تجتمع إليه في كل جمعة، وكان يوم الجمعة يسمى في الجاهلية عروبة فسماه كعب يوم الجمعة، وكان يخطب فيه على قريش فيقول على ما حكاه الزبير بن بكار: وأما بعد، فاسمعوا وتعلموا وافهموا، واعلموا أن الليل ساج والنهار صاح، والأرض مهاد والجبال أوتاد، والسماء بناء والنجوم أعلام، والأولين كالآخرين والذكر والأنثى زوج إلى أن يأتي ما يهيج، فصلوا أرحامكم واحفظوا أصهاركم وثمروا أموالكم فهل رأيتم من هالك رجع أو ميت انتشر، والدار أمامكم والظن ما تقولون، حرمكم زينوه وعظموه وتمسكوا به فسيأتي له نبأ عظيم وسيخرج منه نبي كريم، ثم يقول من الطويل:

نهار وليل كل يوم بـحـادث

 

سواء علينا ليلها ونهـارهـا

يثوبان بالأحداث فينا تـأوبـاً

 

وبالنعم الضافي علينا ستورها

صروف وأنباء تقلب أهلهـا

 

لها عقد ما يستحيل مريرهـا

على غفلة يأتي النبي محمـد

 

فيخبر أخباراً صدوقاً خبيرها

ثم يقول: أما والله لئن كنت فيها ذا سمع وبصر ويد ورجل لتنصبت فيها تنصب الجمل ولأرقلت فيها إرقال الفحل، ثم يقول من البيط:

يا ليتني شاهد فحواء دعـوتـه

 

حين العشيرة تبغي الحق خذلانا

وهذا من فطن الإلهامات التي تخيلتها العقول فصدقت وتصورتها النفوس فتحققت ثم انتقلت الرياسة بعده إلى قصي بن كلاب فبنى بمكة دار الندوة ليحكم فيها بين قريش ثم صارت الدار لتشاورهم وعقد الألوية في حروبهم. قال الكلبي: فكانت أول دار بنيت بمكة، ثم تتابع الناس فبنوا من الدور ما استوطنوه، وكلما قربوا من عصر الإسلام ازدادوا قوة وكثرة عدد حتى دانت لهم العرب فصدقت المخيلة الأولى في الرياسة عليهم، ثم بعث الله سبحانه نبيه رسولاً فصدقت المخيلة الثانية في حدوث النبوة فيهم فآمن به من هدى وجحد من عائد، وهاجر عنهم صلى الله عليه وسلم حين اشتد به الأذى حتى عاد ظافراً بعد ثمان سنين من هجرته عنهم.

واختلف الناس في دخوله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح هل دخلها عنوة أو صلحاً مع إجماعهم على أنه لم يغنم منها مالاً ولم يسب فيها ذرية، فذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه دخلها عنوة فعفا عن الغنائم ومن على السبي، وإن للإمام إذا فتح بلداً عنوة أن يعفو عن غنائمه وممن على سبيه، وذهب الشافعي إلى أنه دخلها صلحاً عقده مع أبي سفيان كان الشرط فيه أن: "من أغلق بابه كان آمناً، ومن تعلق بأستار الكعبة فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن".

إلا ستة أنفس استثنى قتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة وقد مضى ذكرهم ولأجل عقد الصلح لم يغنم ولم يسب، وليس للإمام إذا فتح بلداً عنوة أن يعفو عن غنائمه ولا ممن على سبيه لما فيهما من حقوق الله تعالى وحقوق الغانمين فصارت مكة وحرمها حين لم تغنم أرض عشر إن زرعت لا يجوز أن يوضع عليها خراج.

واختلف الفقهاء في بيع دور مكة وإجارتها، فمنع أبو حنيفة من بيعها وأجاز إجارتها في غير أيام الحج ومنع منهما في أيام الحج لرواية الأعمش عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مكة حرام لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها ".

وذهب الشافعي رحمه الله إلى جواز بيعها وإجارتها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرهم عليها بعد الإسلام بعدما كانت عليه قبله ولم يغنمها ولم يعارضهم فيها وقد كانوا يتبايعونها قبل الإسلام وكذلك بعده. هذه دار الندوة، وهي أول دار بنيت بمكة صارت بعد قصي لعبد الدار بن قصي وابتاعها معاوية في الإسلام من عكرمة بن عامر بن هشام بن عبد الدار بن قصي وجعلها دار الإمارة وكانت من أشهر دار ابتيعت ذكراً وأنشرها في الناس خبراً، فما أنكر بيعها أحد من الصحابة وابتاع عمر وعثمان رضي الله عنهما ما زاداه في المسجد من دور مكة تملك أهلها أثمانها، ولو حرم ذلك لما بذلاه من أموال المسلمين ثم جرى به العمل إلى وقتنا هذا فكان إجماعاً متبوعاً. وتحمل رواية مجاهد مع إرسالها على أنه لا يحل بيع رباعها وعلى أهلها تنبيهاً على أنها لم تغنم فتملك عليهم فذلك لم تبع وكذلك حكم الإجارة.

أما الحرم فهو ما أطاف بمكة من جوانبها: وحده من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت بني نفار على ثلاثة أميال، ومن طريق العراق على ثنية جبل بالمنقطع على سبعة أميال، ومن طريق الجعرانة بشعب آل عبد الله بن خالد على تسعة أميال، ومن طريق الطائف على عرفة من بطن نمرة على سبعة أميال، ومن طريق جدة منقطع العشائر على عشرة أميال، فهذا حد ما جعله الله تعالى حرماً لما اختص به من التحريم وباين بحكمه سائر البلاد: قال الله عز وجل: " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً " يعني مكة وحرمها.

" وارزق أهله من الثمرات " لأنه كان وادياً غير ذي زرع، فسأل الله تعالى أن يجعل لأهله الأمن والخصب ليكونوا بهما في رغد من العيش، فأجابه الله تعالى إلى ما سأل، فجعله حرماً آمناً يتخطف الناس من حوله، وجبا إليه ثمرات كل بلد حتى جمعها فيه.

واختلف الناس في مكة وما حولها هل صارت حرماً آمناً بسؤال إبراهيم عليه السلام أو كانت قبل كذلك على قولين: أحدهما: أنها لم زل حرماً آمناً بسؤال إبراهيم عليه السلام نم الجبابرة والمسلطين ومن الخسوف والزلازل، وإنما سأل إبراهيم عليه السلام ربه سبحانه أن يجعله حرماً آمناً من الجدب والقحط وأن يرزق أهله من الثمرات لرواية سعيد بن أبي سعيد قال:

" أيها الناس إن الله سبحانه حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة لا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً أو يعضد بها شجراً، وإنها لا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا في هذه الساعة غضباً على أهلها، ألا وهي قدر جعب على حالها بالأمس، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فمن قال إن رسول الله قد قتل بها أحداً فقولوا إن الله تعالى قد أحلها لرسوله ولم يحلها لك ".

والقول الثاني: أن مكة كانت حلالاً قبل دعوة إبراهيم عليه السلام كسائر البلاد وأنها صارت بدعوته حرماً آمناً حين حرمها، كما صارت المدينة بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم حراماً بعد أن كانت حلالاً، لرواية الأشعث عن نافع عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان عبد الله وخليله، وأني عبد والله ورسوله، وإن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لا بيتها عضاهها وصيدها، ولا يحمل بها سلاح لقتال، ولا يقطع بها شجر إلا لعلف بعير ".

والذي يختص به الحرم من الأحكام التي تباين بها سائر البلاد خمسة أحكام أحدها أن الحرم لا يدخل محل قدم إليه حتى يحرم لدخوله إما بحج أو بعمرة يتحلل بها من إحرامه. وقال أبو حنيفة يجوز أن يدخلها المحل إذا لم يرد حجاً أو عمرة، وفي قول النبي عليه الصلاة والسلام حين دخل مكة عام الفتح حلالاً " أحلت لي ساعة من نهار لم تحل لأحد بعدي " مما يدل على وجوب الإحرام على داخلها، إلا أن يكون ممن يكثر الدخول إليها لمنافع أهلها كالحطابين والسقايين الذين يخرجون منها غدوة ويعودون إليها عشية، فيجوز لهم دخولها محلين لدخول المشقة عليهم في الإحرام كلما دخلوا فإن علماء مكة أقروهم على دخولها محلين فخالفوا حكم من عداهم، فإن دخل القادم إليها حلالاً فقد أثم ولا قضاء عليه ولا دم، لأن القضاء متعذر؛ فإنه إذا خرج للقضاء كان إحرامه الذي يستأنفه مختصاً بدخول الثاني فلم يصح أن يكون قضاء عن دخوله الأول فتعذر القضاء وأعوز فسقط، وأما الدم فلا يلزمه الدم لأن الدم يلزم جبران النسك ولا يلزم جبراناً لأصل النسك.

والحكم الثاني: أن لا يحارب أهلها لتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالهم، فإن بغوا على أهل العدل، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى تحريم قتالهم مع بغيهم ويضيق عليهم حتى يرجعوا عن بغيهم ويدخلوا في أحكام أهل العدل. والذي عليه أكثر الفقهاء أنهم يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بقتال لأن قتال أهل البغي من حقوق الله تعالى التي لا يجوز أن تضاع، ولأن تكون محفوظة في حرمة أولى من أن تكون مضاعفة فيه.

فأما إقامة الحدود في الحرم فذهب رحمه الله إلى أنها تقام فيه على من أتاها ولا يمنع الحرم من إقامتها سواء أتاها في الحرم أو في الحل ثم لجأ إلى الحرم وقال أبو حنيفة إن أتاها في الحرم أقيمت فيه. وإن أتاها في الحل ثم لجأ إلى الحرم لم يقم عليه فيه وألجئ إلى الخروج معه فإذا خرج أقيمت عليه.

والحكم الثالث: تحريم صيده على المحرمين والمحلين من أهل الحرم من طرأ إليه، فإن أصاب في صيده وجب عليه إرساله، فإن تلف في يده ضمنه بالجزاء كالمحرم، وهكذا لو رمي من الحرم صيداً في الحل ضمنه لأنه قاتل في الحرم وهكذا لو رمي من الحل صيداً في الحرم ضمنه لأنه مقتول في الحرم، ولو صيد في الحل ثم أدخل الحرم كان حم لا له عند الشافعي رحمه الله، وحراماً عليه عند أبي حنيفة، ولا يحرم قتل ما كان مؤذياً من السباع وحشرات الأرض.

والحكم الرابع يحرم قطع شجرة الذي أنبته الله تعالى، ولا يحرم قطع ما غرسه الآدميون كما لا يحرم فيه ذبح الأنيس من الحيوان، ولا يحرم رعي خلاه، ويضمن عاقطعه من محظور شجره، فيضمن الشجرة الكبيرة ببقرة والشجرة الصغيرة بشاة، والغصن من كل واحد منهما يسقطه من ضمان أصله، ولا يكون ما استخلف بعد قطع الأصل مسقطاً لضمان الأصل.

الحكم الخامس أن ليس لجميع من خالف دين الإسلام من ذمي أو معاهد أن يدخل الحرم لا مقيماً فيه ولا ماراً به وهذا مذهب الشافعي رحمه الله وأكثر الفقهاء، وجوز أبو حنيفة دخولهم إليه إذا لم يستوطنوه، وفي قوله تعالى: " إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا".

نص يمنع ما عداه، فإن دخله مشرك عزر إن دخله بغير إذن ولم يستبح قتله، وإن دخله بإذن لم يعذر وأنكر على الآذان له، وعزر إن اقتضت حالة التعزير وأخرج منه المشرك آمناً، وإذا أراد المشرك دخول الحرم ليسلم فيه منع منه حتى يسلم قبل دخوله، وإذا مات مشرك في الحرم حرم دفنه فيه ودفن في الحل، فإن دفن في الحرم نقل إلى الحل إلا أن يكون قد بلي فيترك فيه كما تركت أموات الجاهلية، وأما سائر المساجد فيجوز أن يؤذن لهم في دخولها ما لم يقصد الدخول استبذالها بأكل أو نوم فيمنعوا. وقال مالك لا يجوز أن يؤذن لهم في دخولها بحال.

وأما الحجاز فقد قال الأصمعي: سمي حجازاً لأنه حجز بين نجد وتهامة، وقال ابن الكلبي: سمي حجازاً لما احتجز به من الجبال.

وما سوى الحرم منه مخصوص من سائر البلاد بأربعة أحكام: أحدها أن لا يستوطنه مشرك من ذمي ولا معاهد، وجوزه أبو حنيفة وقد روى عبيد الله عبد الله بن عتبا بن مسعود رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان آخر ما عهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: " لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ".

وأجلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل الذمة عن الحجاز، وضرب لمن قدم منهم تاجراً أو صانعاً مقام ثلاثة أيام ويخرجون بعد انقضائها فجرى به العامل واستقر عليه الحكم فمنع أهل الذمة من استيطان الحجاز و لايمكنون من دخوله ولا يقيم الواحد منهم في موضع منه أكثر من ثلاثة أيام، فإذا انقضت صرف عن موضعه وجاز أن يقيم في غيره ثلاثة أيام ثم يصرف إلى غيره: فإن أقام بموضع منه أكثر من ثلاثة أيام عزر إن لم يكن معذوراً.

والحكم الثاني أن لا تدفن أمواتهم وينقلوا إن دفنوا فيه إلى غيره، لأن دفنهم مستدام فصار كالاستيطان، إلا أن يبعد مسافة إخراجهم منه ويتغيروا إن أخرجوا فيجوز لأجل الضرورة أن يدفنوا فيه.

والحكم الثالث أن لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجاز حرماً محظوراً ما بين لابتيها يمنع من تنفير صيده وعضد شجره كحرم مكة. وأباحه أبو حنيفة وجعل المدينة كغيرها، وفيما قدمناه من حديث أبي هريرة دليل على أن حرم المدينة محظور فإن قتل صيده وعضد شجره فقد قيل إن جزاءه سلب ثيابه، وقيل تعزيره.

والحكم الرابع أن أرض الحجاز تنقسم لاختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتحها قسمين: أحدهما صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أخذها بحقيه، فإن أحد حقيه الخمس من الفيء والغنائم. والحق الثاني أربعة أخماس الفيء الذي أفاده الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخبل ولا ركاب، فما صار إليه بواحد من هذين الحقين، فقد رضخ منه لبعض أصحابه وترك باقيته لنفقته وصلاته ومصالح المسلمين، حتى مات عنه صلى الله عليه وسلم فاختلف الناس في حكمه بعد موته فجعله قوم موروثاً عنه ومقسوماً على المواريث ملكاً. وجعله آخرون للإمام القائم مقامه في حماية البيضة وجهاد العدو. والذي عليه جمهور الفقهاء أنها صدقات محرمة الرقاب مخصوصة المنافع مصروفة في وجوه المصالح العامة، وما سوى صدقاته أرض عشر لا خراج عليها لأنها ما بين مغنوم ملك على أهله أو متروك لمن أسلم عليه، وكلا الأمرين معشور لا خراج عليه.

فأما صدقات النبي عليه الصلاة والسلام فهي محصورة لأنه قبض عنها فتعينت وهي ثمانية: إحداها وهي أول أرض ملكها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصية مخيريق اليهودي من أموال بني النضير. حكى الواقدي أن مخيريق اليهودي كان حبراً من علماء بني النضير آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد كانت له سبعة حوائط وهي المبيت والصافية والدلال وجسنى وبرقة والأعراف والمسربة فوصى بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم وقال معه بأحد حتى قتل رحمه الله.

والصدقة الثانية أرضه من أموال بني النضير بالمدينة، وهي أول أرض أفاءها الله على رسوله فأجلاهم عنها وكف عن دمائهم وجعل لهم ما حملته الإجل من أموالهم إلا الحلقة وهي السلاح، فخرجوا بما استقلت إبلهم إلى خيبر والشام وخلصت أرضهم كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما كان ليامين بن عمير وأبي سعد بن وهب فإنهما أسلما قبل الظفر فأحرز لهما إسلامهما جميع أموالهم. ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سوى الأرضين من أموالهم على المهاجرين الأوليين دون الأنصار إلى سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة فإنهما ذكرا فقراً فأعطاهما وحبس الأرضين على نفسه فكانت من صدقاته يضعها حيث يشاء وينفق منها على أزواجه، ثم سلمها عمر إلى العباس وعلي رضوان الله عليهما ليقوما بمصروفها.

والصدقة الثالثة والرابعة والخامسة ثلاثة حصون من خيبر ثمانية حصون: نام والقموص وشق والنطاة والكتيبة والوطيح والسلالم وحصن الصعب بن معاذ، وكان أول حصن فتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ناعم وعند قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة والثاني القموص وهو حصن بن أبي الحقيق، ومن سببه اصفطى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عنقها صداقها، ثم حصن الصعب بن معاذ وكان أعظم حصون خيبر وأكثرها مالاً وطعاماً وحيواناً، ثم شق والنطاة والكتيبة فهذه الحصون الستة فتحا عنوة، ثم افتتح الوطيح والسلالم وهي آخر فتوح خيبر صلحاً بعد أن حاصرهم بضع عشر ليلة فسألوه أن يسير بهم ويحقن لهم دماءهم ففعل ذلك، وملك من هذه الحصون الثمانية ثلاثة حصون الكتيبة والوطيح والسلالم: أما الكتيبة فأخذها بخمس الغنيمة، وأما الوطيح والسلالم فهما مما أفاء الله عليه لأنه فتحها صلحاً فصارت هذه الحصون الثلاثة بالفيء والخمس خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصدق بها وكانت من صدقاته. وقسم الخمسة الباقية بين الغانمين وفي جملتها وادي خيبر وواديا السرير ووادي حاضر على ثمانية عشر سهماً، وكانت عدة من قسمت عليه ألفا وأربعمائة وهم أهل الحديبية من شهد منهم خيبر ومن غاب عنها ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله قسم له كسهم من حضرها، وكان فيهم مائتا فارس أعطاهم ستمائة سهم وألف ومائتا سهم لألف مائتي رجل، فكانت سهام جميعهم ألفا وثمانمائة سهم، أعطى لكل مائة سهماً فلذلك صارت خيبر مقسومة على ثمانية عشر سهماً.

والصدقة السادسة النصف من فدك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر جاءه أهل فدك فصالحوه بسفارة محيصة بن مسعود على أن له نصف أرضهم ونخلهم يعاملهم عليه ولهم النصف الآخر، فصار النصف منها من صدقاته معاملة مع أهلها بالنصف من ثمرتها والنصف الآخر خالصاً لهم إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيمن أجلاه من أهل الذمة عن الحجاز، فقوم فدك ودفع إليهم نصف القيمة فبلغ ذلك ستين ألف درهم، وكان الذي قومها مالك بن التيهان وسهل بن أبي حثمة وزيد بن ثابت فصار نصفها من صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصفها الآخر لكافة المسلمين، ومصرف النصفين الآن سواء.

والصدقة السابعة الثلث من أرض وادي القرى لأن ثلثها كان لبني عذرة وثلثيها لليهود فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصفه، فصارت أثلاثاً ثلثها لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو من صدقاته، وثلثها لليهود، وثلثها لبني عذرة إلى أن أجلاهم عمر رضي الله عنه عنها وقوم حقهم فيها فبلغت قيمته تسعين ألف دينار فدفعها إليهم وقال لبني عذرة إن شئتم أديتم نصف ما أعطيت ونعطيكم النصف فأعطوه وهو خمسة وأربعون ألف دينار فصار نصف الوادي لبني عذرة، والنصف الآخر الثلث منه في صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم والسدس منه لكافة المسلمين، ومصرف جميع النصف سواء.

والصدقة الثامنة موضع سوق بالمدينة يقال له مهر ولذا استقطعها مروان من عثمان رضي الله عنه فنقم الناس بها عليه، فاحتمل أن يكون إقطاع تضمين لا تمليك ليكون له في الجواز وجه، فهذه ثمان صدقات حكاها أهل السير ونقلها وجوه رواة المغازي، والله أعلم بصحة ما ذكرنا.

فأما ما سوى هذه الصدقات الثمانية من أمواله، فقد حكى الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث من أبيه عبد الله أم أيمن الحبشية واسمها بركة، وخمسة أجمال وقطعة من غنم، وقيل ومولاه شقران وابنه صالحاً وقد شهد بدراً، وورث من أمه آمنة بنت وهب الزهرية دارها التي ولد فيها في شعب بني علي، وورث من زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها دارها بمكة بين الصفا والمروة خلف سوق العطارين وأموالاً، وكان حكيم بن حزام اشترى لخديجة زيد بن حارثة من سوق عكاظ بأربعمائة درهم فاستوهبته منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وزوجه أم أيمن فولدت أم أيمن أسامة بعد النبوة، فأما الداران فإن عقيل بن أبي طالب باعهما بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه سلم فلما قدم مكة في حجة الوداع قيل له في أي داريك تنزل؟ فقال هل ترك لنا عقيل من ربع فلم يرجع فيما باعه عقيل لأنه تغلب عليه ومكة دار حرب يومئذ فأجرى عليه حكم المستهلك فخرجت هاتان الداران من صدقاته.

وأما دور أزواج النبي عليه الصلاة والسلام فقد كان أعطى كل واحدة منهن الدار التي تسكنها ووصى بذلك لهن، فإن كان ذلك منه عطية تمليك فهي خارجة من صدقاته، وإن كان عطية سكنى وإرفاق فهي من جملة صدقاته، وقد دخلت اليوم في المسجد ولا أحسب منها ما هو خارج عنها.

وأما رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلته، فقد روى هشام الكلبي عن عوانة ابن الحكم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دفع إلى علي رضي الله عنه آلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودابته وحذاءه وقال ما سوى ذلك صدقة. وروى الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير" فإن كانت درعه المعروفة بالبتراء. فقد حكى أنها كانت عند الحسين بن علي رضوان الله عليهما يوم قتل فأخذها عبيد الله بن زياد، فلما قتل المختار عبيد الله بن زياد صارت الدرع إلى عباد بن الحصين الحنظلي، ثم إن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد وكان أمير البصرة سأل عباداً عنها فجحده إياها فضربة مائة سوط فكتب إليه عبد الملك بن مروان مثل عباد لا يضرب إنما كان ينبغي أن يقتل أو يعفى عنه ثم لا يعرف للدرع خبر بعد ذلك.

أما البردة فقد اختلف الناس فيها، فحكى أبان بن ثعلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وهبها لكعب بن زهير واشتراها منه معاوية رضي الله عنه وهي التي يلبسها الخلفاء، وحكى ضمرة بن ربيعة أن هذه البردة أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أيلة أمانا لهم فأخذها منهم سعيد بن خالد بن أبى أوفى وكان عاملاً عليهم من قبل مروان بن محمد فبعث بها إليه وكانت في خزائنه حتى أخذت بعد قتله، وقبل اشتراها أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار.

وأما القضيب فهو من تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي صدقة وقد صار مع البردة من شعار الخلافة.

أما الخاتم فلبسه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم حتى سقط من يده في بئر فلم يجده، فهذا شرح ما قبض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من صدقته وتركته.

وأما ما عدا الحرم والحجاز من سائر البلاد، فقد ذكرنا انقسامها أربعة أقسام: قسم أسل عليه أهله فيكون أرض عشر، وقسم أحياه المسلمون فيكون بما أحيوه معشوراً، وقسم أحرزه الغانمون عنوة فيكون معشراً. وقسم صولح أهله عليه فيكون فيئاً يوضع عليه الخراج. وهذا القسم ينقسم قسمين: أحدهما ما صولحوا على زوال ملكهم عنه فلا يجوز بيعه، ويكون الخراج أجرة لا تسقط بإسلام أهله فتؤخذ من المسلم وأهل الذمة. والثاني ما صولحوا على بقاء ملكهم عليه، فيجوز بيعه ويكون الخراج جزية تسقط بإسلامهم ويؤخذ من أهل الذمة ولا يؤخذ من المسلمين.

وإذ قد انقسمت البلاد على هذه الأقسام فسنشرح حكم أرض السواد فإنها أصل حكم الفقهاء فيها بما يعتبر به نظائرها وهذا السواد يشار به إلى سواد كسرى الذي فتحه المسلمون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أرض العراق سمي سواداً لسواده بالزرع والأشجار، لأنه حين تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجرة كانوا إذا أخرجوا من أرضهم إليه ظهرت لهم خضرة الزرع والأشجار وهم يجمعون بين الخضرة والسواد في الأسامي كما قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبى لهب وكان أسود اللون من الرمل:

وأنا الأخضر من يعـرفـنـي

 

أخضر الجلدة من نسل العرب

فسموا خضرة العراق سواداً، وسمي عراقاً لاستواء أرضه حين خلت من جبال تعلو وأودية تنخفض، والعراق في كلام العرب هو الاستواء قال الشاعر من السريع:

سقتم إلى الحق لهم وساقوا

 

سياق من ليس له عراق

أي ليس له استواء، وحد السواد طولاً من حديثة الموصل إلى عبادان، وعرضه من عذيب القادسية إلى حلوان يكون طوله مائة وستين فرسخاً وعرضه ثمانين فرسخاً فأما العراق فهو في العرض مستوعب لأرض السواد عرفاً ويقصر عن طوله في العرف لأن أوله من شرقي دجلة العلث وفي غربيها حربي ثم يمتد إلى آخر أعمال الصرة من جزيرة عبادان فيكون طوله مائة وخمسة وعشرين فرسخاً يقصر عن السواد بخمسة وثلاثين فرسخاً وعرضه مع تبعه في العرف ثمانون فرسخاً كالسواد قال قدامة بن جعفر يكون ذلك مكسراً عشرة آلاف فرسخ وطول الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة ويكون بذراع المساحة وهي الذراع الهاشمية تسعة آلاف ذراع فيكون ذلك إذا ضرب في مثل هو تكسير فرسخ في فرسخ اثنين وعشرين ألف جريب وخمسمائة جريب، فإذا ضرب ذلك في عدد الفراسخ وهي عشرة آلاف فرسخ بلغ مائتي ألف ألف وخمسة وعشرين ألف ألف جريب، يسقط منها بالتخمين مواضع التلال والآكام والسباخ والآجام ومداس الطرق والمحاج ومجاري الأنهار وعراض المدن والقرى ومواضع الأرجاء والبريدات، والقناطر والشاذر وأنات والبنادر ومطارح القصب وأتاتين الآجر وغير ذلك الثلث وهو خمسة وسبعون ألف ألف جريب، يصير الباقي من مساحة العراق مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف جريب يراح منها النصف ويكون النصف مزروعاً مع ما في الجميع من النخل والكرم والأشجار، فإذا أضيف إلى ما ذكره قدامة في مساحة العراق ما زاد عليها من بقية السواد وهو خمسة وثلاثون فرسخاً كانت الزيادة على تلك المساحة قد ربعها فيصير ذلك مساحة جميع ما يصلح للزرع والغرس من أرض السواد، وفي المتعذر أن يستوعب زرع جميعه، وقد يتعطل منه بالعوارض والحوادث ما لا ينحصر، وقد قيل إنه بلغت مساحة السواد في أيام كسرى قباذ مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف جريب فكان مبلغ ارتفاعه مائتي ألف ألف وسبعة وسبعين ألف ألف درهم بوزن سبعة، لأنه كان يأخذ على كل جريب درهماً وقفيزاً ثمنه ثلاثة دراهم وزن المثقال، وأن مساحة ما كان يزرع منه على عهد عمر رضي الله عنه من اثنين وثلاثين ألف ألف جريب إلى ستة وثلاثين ألف ألف جريب.

وإذ قد استقر ما ذكرناه من حدود السواد ومساحة مزارعه، فقد اختلف الفقهاء في فتحه وفي حكمه. فذهب أهل العراق إلى أنه فتح عنوة، لكن لم يقسمه عمر رضي الله عنه بين الغانمين وأقره على سكانه وضرب الخراج على أرضه، والظاهر من مذهب الشافعي رحمه الله في السواد أنه فتح عنوة واقتسمه الغانمون ملكاً ثم استنزلهم عمر رضي الله عنه فنزلوا إلا طائفة استطاب نفوسهم بمال عاوضهم به عن حقوقهم منه فلما خلص للمسلمين ضرب عمر رضي الله عنه عليه خراجاً. واختلف أصحاب الشافعي في حكمه، لمذهب أبو سعيد الأصطخري في كثير منهم إلى أن عمر رضي الله عنه وقفه على كافة المسلمين وأقره في أيدي أربابه بخراج ضربه عل رقاب الأرضين يكون أجرة لها تؤدى في كل عام وإن لم تقدر مدتها لعموم المصلحة فيها، وصارت بوقفه لها في حكم ما أفاء لله على رسوله من خيبر والعوالي وأموال بني النضير، ويكون المأخوذ من خراجها مصروفاً في المصالح ولا يكون فيئاً مخموساً لأنه قد خمس. ولا يكون مقصوراً على الجيش لأنه وقف على عامة المسلمين فصار مصرفه في عموم مصالحهم التي منها أرزاق الجيش وتحصين الثغور وبناء الجوامع والقناطر وكراء الأنهار وأرزاق من تعم بهم المصلحة من القضاة والشهود والفقهاء والقراء والأئمة والمؤذنين، فهذا يمنع من بيع رقابها وتكون المعارضة عليها بالانتفاع والانتقال لأيد وجواز التصرف لا لثبوت الملك إلا على ما أحدث فيها من غرس وبناء، وقيل أن عمر رضي الله عنه وقف السواد برأي علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، وقال أبو العباس بن سريج في نفر من أصحاب الشافعي: إن عمر رضي الله عنه حين استنزل الغانمين عن السواد باعه على الأكرة والدهاقين بالمال الذي وضعه عليها خراجاً يؤدونه ي كل عام فكان الخراج ثمناً، وجاز مثله في عموم المصالح كما قبل بجواز مثله في الإجارة وأن بيع أرض السواد يجوز ويكون البيع موجباً للتمليك.

وأما قدر الخراج المضروب عليها، فقد حكى عمرو بن ميمون أن عمر رضي الله عنه حين استخلص السواد بعث حذيفة على ما وراء دجلة وبعث عثمان بن حنيف على ما دون دجلة، قال الشعبي فمسح عثمان بن حنيف السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهماً وقفيزاً، قال القاسم: بلغني أن القفيز مكيال لهم يدعى الشبرقان، قال يحيى بن آدم هو المحتوم الحجاجي. وروى قتادة عن أبي مخلد أن عثمان بن حنيف جعل على كل جريب م الكرم عشرة دراهم وعلى كل جريب من النخل ثمانية دراهم، وعلى كل جريب من قصب السكر ستة دراهم، وعلى كل جريب من الرطبة خمسة دراهم، وعلى كل جريب من البر أربعة دراهم، وعلى كل جريب من الشعير درهمين فكان خراج البر والشعير في هذه الرواية مخالفاً لخراجهما في الرواية الأخرى، وهذا لاختلاف النواحي بحسب ما تحتمل وكانت ذراع حذيفة وعثمان بن حنيف ذراع اليد وقبضة وإبهاماً ممدوداً، وكان السواد في أول أيام الفرس جارياً على المقاسمة إلى أن مسحه ووضع الخراج عليه قباذ بن فيروز فارتفع له بالمساحة مائة وخمسون ألف ألف درهم بوزن المثقال.

وكان السبب في مساحته وإن كان م قبل جارياً على المقاسمة ما حكي أنه خرج يوماً يتصيد فأفضى إلى شجر ملتف فدخل فيه للصيد فصعد إلى رابية يشرف منها على الشجر ليرى ما فيه من الصيد، فرأى امرأة تحفر في بستان فيه نخل ورمان مثمر ومعها صبي يريد أن يتناول شيئاً من الرمان وهي تمنعه، فعجب منها وأنفذ إليها رسولاً يسألها عن سبب منع ولدها من الرمان؟ فقالت: إن للملك حقاً لم يأت القاسم لقبضه ونخاف أن ينال منه شيئاً إلا بعد أخذ حقه، فرق الملك لقولها وأدركته رأفة برعيته فتقدم إلى وزرائه بالمساحة التي يقارب قسطها ما يحصل بالمقاسمة لتمتد يد كل إنسان إلى ما يملكه في وقت حاجته إليه فكان الفرس على هذا في بقية أيامهم وجاء الإسلام فأقره عمر بن الخطاب على المساحة والخراج فبلغ ارتفاعه في أيامه مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم، وجباه عبيد الله بن زياد مائة ألف ألف وخمسة وثلاثين ألف ألف درهم بغشمه وظلمه، وجباه الحجاج مائة ألف ألف وثمانية عشر ألف ألف بغشمه وخرابه، وجباه عمر بن عبد العزيز رحمه الله مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف بعدله وعمارته وكان ابن هبيرة يجبيه مائة ألف ألف سوى طعام الجند وأرزاق المقاتلة، وكان يوسف ابن عمر يحصل منه في كل سنة من ستين ألف ألف إلى سبعين ألف ألف، ويحتسب بعطاء نم قبله من أهل الشام ستة عشر ألف ألف، وفي نفقة البريد أربعة آلاف درهم وهم في الطوارق ألف ألف، ويبقى في بيوت الأحداث والعوانق عشرة آلاف درهم وقال عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان ارتفاع هذا الإقليم في الحقين ألف ألف ألف ثلاث مرات، فما نقص من مال الرعية زاد في مال السلطان، وما نقص من مال السلطان زاد في مال الرعية، ولم يزل السواد على المساحة والخراج إلى أن عدل لهم المنصور رحمه الله في الدولة العباسية عن الخراج إلى المقاسمة، لأن السعر نقص فلم تف الغلات بخراجها وخرب السواد فجعله مقاسمة وأشار أبو عبيد الله على المهدي أن يجعل أرض الخراج مقاسمة بالنصف إن سقي سيحاً وفي الدوالي على الثلث وفي الدواليب على الربع لا شيء عليهم سواه، وأن يعمل في النخل والكرم والشجر مساحة خراج تقدر بحسب قربه من الأسواق والفرض ويكون البين مثل المقاسمة فإذا بلغ حاصل الغلة ما بقي بخراجين أخذ عنها خراجاً كاملاً، وإذا نقص ترك فهذا ما جرى في أرض السواد.

والذي يوجبه الحكم أن خراجها هو المضروب عليها أولاً وتغييره إلى المقاسمة إذا كان لسبب حادث اقتضاه اجتهاد الأئمة فيكون أمضى مع بقاء سببه وإلا أعيد إلى حاله الأول عند زوال سببه، إذ ليس للإمام أن ينقض اجتهاد من تقدمه، فأما تضمين العمال لأموال العشر والخراج فباطل لا يتعلق به الشرع حكم، لأن العامل مؤتمن يستوفي ما وجب ويؤدي ما حصل فهو كالوكيل الذي إذا أدى الأمانة لم يضمن نقصاناً ولم يملك زيادة وضمان الأموال بقدر معلوم يقتضي الاقتصار عليه في تمل ما زاد وغرم ما نقص، وهذا مناف لوضع العمالة وحكم الأمانة فبطل.

وحكي أن رجلاً أتى العباس رضي الله عنه يتقبل منه الأبلة بمائة ألف درهم فضربه مائة سوط وصلبه حياً تعزيراً وأدباً.

وقد خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فجمع في خطبته بين صفتهم وصفة ولايته عليهم وحكم المال الذي يليه بما هو الصواب المسموع والحق المتبوع، فقال: أيها الناس اقرءوا لقرآن تعرفوا به، واعملوا بما فيه تكونوا من أهله، ولن يبلغ ذو حق أن يطاع في معصية الله، إلا وإنه لن يبعد من رزق ولن يقرب من أجل يقول المرء حقاً، ألا وإني ما وجدت صلاح ما ولاني الله إلا بثلاث أداء الأمانة والأخذ بالقوة والحكم بما أنزل الله، ألا وأني ما وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن يؤخذ بحق؛ وأن يعطى في حق، وأن يمنع في حق، وأن يمنع من باطل، ألا وإني في مالكم كولي اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف كترمم البهيمة الأعرابية.