نبذة عن الكاتب
سعيد أيوب
ولد في مصر سنة 1944 م ، وهو مفكر ومؤلف للعديد من الكتب . من بين كتبه إلى جانب زوجات النبي ، كتب أخرى مثل : "معالم الفتن : نظرات في حركة الاسلام وتاريخ المسلمين". صدر عام 1416 هـ ، و ـ "الانحرافات الكبرى ، القرى الظالمة في القرآن الكريم" صدر عام 1412 هـ عن دار الهادي/ بيروت ـ و " ابتلاءات الأمم، تأملات في الطريق إلى المسيح الدجال والمهدي المنتظر في اليهودية والمسيحية والإسلام". صدر في طبعته الثانية عن دار الهادي / بيروت ، سنة 1419 هـ..
نبذة عن الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا "، والصلاة والسلام على محمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم.
النبي الأمي الذي أرسله الله شاهدا " ومبشرا " ونذيرا ".
وداعيا " إلى الله بإذنه وسراجا " منيرا ".
وبعد: لا شك في أن ما يختزنه الماضي من أحداث جرت على إمتداد المسيرة البشرية.
قد تعرض لأمور وضعت الباحث عن الحقيقة في دائرة مضنية شاقة.
وفي جميع الأحوال كان الباحث يصل إلى نقاط بحثه بمراكب العسر لا اليسر.
وكانت الحقائق تظهر إما مختصرة ويقام بها حجة.
وإما بها إلتباس لا ينسجم مع الفطرة ويتطلب بحثها جهدا " جديدا ".
وإما مشوهة يراد بها فتنة، ويعود ذلك لعدم الأمانة في النقل أو لسوء الحفظ أو لعدم الدقة في النسخ وتخزين المادة، وعلى إمتداد المسيرة جمع السلف ودون الخلف وبحث الباحثون.
وشاء الله تعالى في عصرنا الحاضر ان تتسع دائرة المعارف وأن تتراكم المعلومات تحت سقف الفهرسة والتخريج والبرامج.
ليقف أصحاب العقول على الحقائق التي في بطون الماضي.
وتقام الحجة ويحمل أولوا الألباب مشاعل الفطرة التي تسوق الناس إلى صراط الله العزيز الحميد.
ومن العجيب أنه في ظل تدفق المعلومات، غير أن أجهزة ومؤسسات الصد عن سبيل الله ما زالت تقف في ظلمات الماضي، متاجرة بما فيه إلتباس بين الحق وبين الباطل، أو بما يراد من ورائه تشويه الدين الحق.
والأعجب من ذلك إنهم على هذه الحال يدعون أنهم دعاة حقوق الإنسان وأصحاب التنوير والعصرية.
إلى غير ذلك من الأسماء التي تتلحف بلحاف الزينة الشيطانية.
وتسير بين الناس بعجلات الإغواء.
رغبة في الحفاظ على مكاسب طريق الإنحراف والفتن.
والتي جمعوها على إمتداد المسيرة من مستنقعات الوحل والدنس والعار.
إن المد الإسلامي في عصرنا الحاضر يعرض المعارف التي تنسجم مع الفطرة وتحترم العقل وتسوق الناس إلى الصراط المستقيم. الذي يحقق لسالكه سعادة الدنيا والآخرة.
وأمام هذا المد خرجت جحافل الليل المغبر بحملات ضد الإسلام، الهدف من روائها إعاقة العجلة الإسلامية، وهذه الحملات قام بها بعض من ينتسبون إلى الإسلام الذين وصفتهم الأحاديث الشريفة بأن السنتهم ألسنة العرب وسننهم سنن الذين من قبلهم من أهل الكتاب، أو إن السنتهم ألسنة العرب وقلوبهم قلوب العجم، كما شارك في هذه الحملات المتخصصون من أهل الكتاب، وحملت أجهزة الفاكس وصناديق البريد رسائل هؤلاء وهؤلاء، يدعون فيها إن الإسلام دين السيف ولا يعتمد الكلمة في دعوته، وهذا الإدعاء يذهب هباء أمام أيسر تحقيق يقوم به أقل المسلمين شأنا "، وإدعوا أن تخلف المسلمين وفساد معاشهم وأخلاقهم يعود إلى القوانين الدينية الدائرة بينهم، وقالوا لو كان الإسلام دينا " واقعيا " وكانت القوانين الموضوعة فيه جيدة متضمنة لصلاح الناس وسعادتهم، لأثرت فيهم الآثار الجميلة.
ولا يختلف أصحاب البصائر والأفهام على إن الدين طريقة خاصة في الحياة تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي وان ينبوع دين الله فطرة الإنسان نفسه.
والدين الخاتم طريقة إجتماعية تلازم الفطرة.
وهذه الطريقة جعلها الله تعالى على عاتق الناس.
ليتميز أهل الحق وأهل الباطل.
فمن سلك طريق الدين نجا ومن لم يستقم سقط وهلك، وأجهزة ومؤسسات الصد عن سبيل الله خلطوا بين القوانين الدينية وبين حركة الناس تحت سقف الإمتحان والإبتلاء الإلهي، ولم يروا تحت هذا السقف إلا الذين فسدت أخلاقهم.
ولما كان إدعاؤهم إن القوانين الإسلامية لم تقو على إصلاح الناس ومحق الرذائل، إدعاء لا أساس له على مائدة الفطرة والبحث العلمي، قلنا إن نسأل: لماذا لم تصلح قوانين الغرب الناس هناك ؟ وما القول في الديمقراطية وغيرها ؟ التي تاجرت بكل شذوذ وإنحراف وإنتهت إلى دوائر الأيدز والمخدرات والإنحلال ورفعت أعلام الفساد في الأرض ورايات التجويع والتخويف، ولماذا لم تصلح القوانين الاشتراكية أصحابها ؟ وما القول في تفتت الدول الشيوعية وذهاب هيبتها، والجميع في الشرق والغرب عاشوا طويلا " تحت وهم إن قوانينهم من أحكم القوانين وأعظمها.
إن الإنحطاط الذي نراه على رقعة العالم الإسلامي، جذوره مغروسة في قوانين الشرق والغرب، ولا علاقة لقوانين الدين الإسلامي به، إن جحافل الليل المغبر لا تتاجر في الحقيقة إلا بما صنعوا ولا يرفعون إلا أعلام دائهم، ولقد إدعوا أيضا " إن رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم لم يقنع بما شرعه لأمته من زواج أربع نسوة، حتى تعدى إلى أكثر من عشرة نسوة، وقالوا إن تعدد الزوجات لا يخلو من الإنقياد لداعي الشهوة، وهذا قول سقيم وتفكير غير مستقيم، ونحن في هذا الكتاب سنلقي بعض الضوء على تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحكمة التي من ورائه، كما نقدم نبذة من تراجم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ومن خلال سيرتهن سنلقي ضوءا على حركة الدعوة الإسلامية، ونرجو من وراء ذلك أن يرى الباحث المتعمق المنصف أن الزواج لم يكن لداعي الشهوة كما قالت أجهزة ومؤسسات الصد، وإنما كان جزءا لا يتجزأ من حركة الدعوة وهي تقيم حجتها على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأسأل الله تعالى السداد والرشاد فإنه خير معين وهاد.
تأملات في حكمة تشريع الزواج من أربع نساء: من السنن الجارية في غالب الأمم القديمة اتخاذ الزوجات المتعددة.
فهذا التعدد كان سنة جاربة في الهند والصين والفرس ومصر.
وكان الروم واليونان ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يصاحبونها.
ومما لا شك فيه إن بعض الأمم كاليهود والعرب كان الرجل منهم ربما تزوج العشرة والعشرين وأزيد.
ولقد ذكرت التوراة الحاضرة إن سليمان الملك تزوج مئات من النساء من قبائل وشعوب كثيرة.
موآبية وعمونية وادومية وصيدونية وحيثيه ومصرية إلى غير ذلك (1) ولقد جرت سنة إتخاذ الزوجات في الأمم القديمة لحاجة رب البيت إلى الجمع وكثرة الأعضاء، وكان يقصد بهذه الرغبة في التكاثر.
أن يهون له أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشته.
وليكون ذلك وسيلة يتوسل بها إلى الترؤس والسؤدد في قومه.
فبقدر التكاثر في البنين والتكاثر في الأقرباء بالمصاهرة يكون القرب بين بسط اليد والترؤس والسؤدد.
وعندما بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وجاء بالدين الفطري.
قام الإسلام بتنظيم جميع نواحي الحياة الإنسانية.
ولما كان المجتمع العائلي: الذي هو نفس الحياة الزوجية قاعدة للمجتمع.
فإن الإسلام نظر إلى علاقة الرجل بالمرأة ووضع أمر الإزدواج موضعه الطبيعي.
فأحل النكاح وحرم الزنا والسفاح.
وأقام الإسلام نظاما " للتربية يقوم على الرأفة والرحمة والعفة والحياء والتواضع، وبالجملة: نظم الإسلام الحياة من القاعدة إلى جميع نواحي الحياة الإنسانية.
__________
(1) سفر الملوك الأول 11 / 1 - 8.
وجعل جميع الحياة ذات أدب، وبسط الإسلام على معارفه رداء التوحيد لأن التوحيد هو العامل الوحيد الذي يحرس الأخلاق الفاضلة ويحفظها في ثباتها ودوامها، وما تهددت الإنسانية بالسقوط والإنهدام إلا بإبتعادها عن التربية الحقة.
فهذا الإبتعاد أبطل فضيلة التقوى وأرسى قواعد القسوة والشدة.
ولازم ذلك إبتعاد العلوم المفيدة وإقتراب النواقص التي تحيط أعمال الناس ومساعيهم لنيل الراحة والحياة السعيدة، ومما لا شك فيه إن المعارف الحقة والعلوم المفيدة التي تسوق الإنسان إلى صراط الله المستقيم.
لا تكون في متناول البشر إلا عندما تصلح أخلاقه.
ولا تصلح الأخلاق إلا بالتربية التي يقوم عمودها الفقري على التوحيد.
ولما كان تعدد الزوجات سنة جارية على إمتداد المسيرة البشرية.
فإن الإسلام شرع التعدد وجعل له ضوابط وشروط.
والإسلام لم يشرع تعدد الزوجات على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل.
وإنما نظر في طبيعة الأفراد وما ربما يعرضهم من العوارض الحادثة، فالتعدد له أسبابه وتشريعه حفظا " لمصلحة المجتمع الإنساني.
ولقد إعتنى الدين في تهذيبه للأخلاق أن لا تختزن الشهوة في الرجل أو المرأة لأن ذلك يدعو إلى التعدي إلى الفجور والفحشاء.
فوضع الإسلام الضوابط التي معها يرتفع هذا الحرمان ومنها الصوم أو الزواج.
ونظرا " لأن المرأة الواحدة ربما إعتذرت فيما يقرب من ثلث أوقات المعاشرة والمصاحبة.
كأيام العادة وبعض أيام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك.
رفع الإسلام الحاجة الغريزية بالتعدد وفقا " لشروطه.
ولم يقصد من وراء التعدد رفع الحاجة الغريزية فحسب.
وإنما إعتمدت الشريعة في مقاصدها تكثير نسل المسلمين وعمارة الأرض بيد مجتمع مسلم.
عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد.
وكما ذكرنا إن التعدد لم يشرع على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل.
وإنما تقوم قاعدته على العدل.
فالإسلام إستقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها.
وعلى هذه الخلفية أباح التعدد حفظا " لمصلحة المجتمع الإنساني.
وقيد التعدد بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد وهو وثوق الرجل بأنه سيقسط بينهن ويعدل.
فمن وثق من نفسه بذلك ووفق له.
فهو الذي أباح له الدين تعدد الزوجات.
قال صاحب تفسير الميزان: إن الإسلام شرع الإزدواج بواحدة.
وأنفذ التكثير إلى أربع.
بشرط التمكن من القسط بينهن مع إصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، وشرط الإسلام على من يريد من الرجال التعدد أن يقيم العدل في معاشرتهن بالمعروف وفي القسم والفراش.
وفرض لهن نفقتهن ثم نفقة أولادهن، ولا يتيسر الإنفاق على أربع نسوة مثلا " ومن يلدنه من الأولاد مع شريطة العدل في المعاشرة وغير ذلك.
لا يتيسر ذلك إلا لبعض أولى الطول والسعة من الناس لا لجميعهم، أما هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم.
ولا كرامة عندهم إلا ترضية بطونهم وفروجهم.
ولا مفهوم للمرأة عندهم إلا أنها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذته.
فلا شأن للإسلام فيهم.
إن الإسلام جاء بمعارف أصلية وأخلاقية وقوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الأجزاء.
ولما أن كانت الحياة الزوجية هي قاعدة
المجتمع، ولما كانت هذه الحياة ربما تتعرض لبعض العوارض، ولما كان الإسلام يقصد من وراء تكثير النسل عمارة الأرض بين مجتمع مسلم عمارة صالحة.
فإن الإسلام حدد لكل داء دواؤه.
لأن فساد بعض الأجزاء يوجب تسرب الفساد إلى الجميع.
فالتعدد دواء لداء معين.
ولا يكون صحيا " إلا إذا قام على العدل والقسط وتدثر بدثار الأخلاق الفاضلة والأدب، وانطلق إلى هدف الإسلام وغايته.