السيدة صفية بنت حيي

تأملات في تابوت السكينة: هي: صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن عامر بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم من بني إسرائيل

من سبط هارون بن عمران عليه السلام، وأمها برة بنت سموأل أخت رفاعة بن سموأل من بني قريظة إخوة النضير (1).

وقال صاحب الإصابة: هي من سبط لاوى بن يعقوب ثم من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام (2) وقال أبو عمر: صفية بنت حيي من سبط هارون بن عمران عليه السلام (3).

وذكر ابن كثير في البداية والنهاية عند ذكره قصة موسى عليه السلام.

إن تفسير الشريعة الموسوية كان لهارون وبنيه عليه السلام.

وإن الله تعالى جعل هذا الحق لهم لا يشاركهم فيه أحد من بقية أسباط بني إسرائيل، والتوراة الحاضرة تقول بهذا (4).

ومفسروا أهل الكتاب يقرون بهذه الحقيقة ولا يختلفون عليها.

وذكرت التوراة الحاضرة.

أن الله تعالى حدد لهارون وبنيه رداء وملابس يلبسونها عند إجتماعهم في خيمة الإجتماع، وهي المكان الذي كان موسى عليه السلام يتعبد فيه ومنها تخرج تفسير الشريعة لبني إسرائيل.

_______________________

(1) الطبقات الكبرى 120 / 7..(2) الإصابة 346 / 4.

(3) الإستيعا ب 346 / 4.

(4) سفر اللاويين 3 / 10.

مما ورد في ذلك: قال الرب لموسى (تقدم هارون وبنيه إلى باب خيمة الإجتماع، وتغسلهم بماء وتلبس هارون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لي، وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لي ويكون ذلك لتصير لهم مسحتهم كهنوتا أبديا " في أجيالهم) (1) وتذكر التوراة إن موسى عليه السلام فعل ما أمر به الله.

ومما ورد في ذلك (فقدم موسى هارون وبنيه وغسلهم بماء.

وجعل عليه القميص.

وألبسه الجبة وجعل عليه الرداء...ووضع العمامة على رأسه...ومسحه لتقديسه...ثم قدم موسى بني هارون وألبسهم أقمصة...كما أمر الرب موسى) (2).

وذكر مفسروا أهل الكتاب.

إن المسح على هارون وبنيه يعنى تطهيرهم بحيث لا يكون للشيطان فيهم نصيب، لأن من نسلهم يخرج الأنبياء، ولأن هارون وبنوه لهم وحدهم حق تفسير الشريعة.

عصمهم الله من الخطأ وجعلهم إسوة حسنة ليقتدي بهم أسباط بني إسرائيل.

ومما ورد في التوراة الحاضرة (وكلم الرب هارون قائلا ": خمرا " ومسكرا " لا تشرب أنت وبنوك معك...للتميز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر.

ولتعليم بني إسرائيل جميع الفرائض التي كلم الرب بها بين موسى) (3).

وتذكر التوراة الحاضرة إختلاف بني إسرائيل من بعد موسى وهارون عليهما السلام.

وتفرقهم وإنقلابهم على أبناء هارون عليهم السلام وقتل الأنبياء والربانيون منهم على إمتداد المسيرة الإسرائيلية (4) ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الفساد وأخبر بأنهم إختلفوا وتفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا " بينهم.

______________________

(1) سفر الخروج 40 / 11 - 15.

(2) سفر اللاويين 8 / 1 - 12.

(3) المصدر السابق. 10 / 8 - 10.

(4) انظر كتابنا / إبتلاءات الأمم.

للمؤلف ط دار الهادي بيروت.

 وعلى إمتداد مساحة الإفتراق ضاع كثير من الهدى، وبدل وأخفي الأكثر مما ترك آل موسى وآل هارون عليهم السلام، وشاء الله تعالى أن يبعث لهم طالوتا " ملكا " عليهم.

لتطوق الحجة أعناق هذه الأجيال المعاندة وكان لطالوت علامات محددة يعرفونه بها.

ومنها قوله تعالى (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة.

إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) (1) قال ابن كثير: عن عطية بن سعد قال: فيه عصا موسى وعصا هارون وثياب موسى وثياب هارون ورضاض الألواخ (2).

وبعد ظهور هذه الآيات وغيرها لم تلبث المسيرة الإسرائيلية حتى إختلفت وتفرقت بعد عهد سليمان عليه السلام.

وتوارث أنبياء بني إسرائيل ثياب آل هارون على إمتداد المسيرة وكانوا يفسرون الشريعة ويقيمون الحجة على إمتداد الأجيال حتى بعث عيسى بن مريم عليهما السلام.

وكانت مريم من آل هارون من سبط لاوى.(3).

وبعد أن رفع الله المسيح بن مريم عليهما السلام. إحتوى اليهود النصارى بواسطة بولس.

وعلى هذه الخلفية حمل اليهود بعض من بقية ما ترك آل موسى وآل هارون.

وإنتهى هذا الأثر إلى حيي بن أخطب الذي كان يتفاخر على اليهود بأنه من ذرية هارون عليه السلام.

وكان اليهود في الحجاز يتباركون بما لديهم من آنية مقدسة تحمل معالم آل موسى وآل هارون.

_______

(1) سورة البقرة آية 248.

(2) تفسير ابن كثير 301 / 1.

(3) انظر كتابنا إبتلاءات الأمم.

 حركة اليهود تجاه الدعوة الخاتمة

 كانت طوائف من اليهود قد هاجرت من بلادها إلى الحجاز وتوطنوا بها وبنوا فيها الحصون والقلاع.

وزادت نفوسهم وكثرت أموالهم وعظم أمرهم.

وكان في مقدمة الذين هاجروا كبار الأحبار.

وكانت مهمتهم تنحصر في البشارة بالنبي الخاتم الذي يبعثه الله من أرض الحجاز، وعندما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينصت الذين كفروا من بني إسرائيل لصوت الحجة الدامغة.

وصدوا عن سبيل الله قال تعالى (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا.

فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) (1).

ولما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ودعاهم إلى الإسلام استنكفوا عن الإيمان به، وكان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة.

وهؤلاء كانوا يقيمون في قراهم المحصنة.

وتفرع من هذه البطون أقوام سكنوا خيبر وفدك ووادي القرى.

وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح اليهود وعاهدهم بكتاب بينه وبينهم.

ولكن اليهود لم يحفظوا العهد ونقضوه.

وكان هذا مقدمة لغزو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقراهم المحصنة.

وروي أن بني قينقاع نكثوا العهد في غزوة بدر.

فسار إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد بضعة وعشرين يوما " من وقعة بدر.

فتحصنوا حصونهم فحاصرهم أشد الحصار فبقوا على ذلك خمسة عشر يوما ".

ثم نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفوسهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم.

فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها.

_______________

(1) سورة البقرة آية 89.

 فخرجوا إلى أذرعات الشام ومعهم نسائهم وذراريهم.

وقبض منهم أموالهم غنيمة الحرب.

أما بنو النضير.

فلقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج إليهم في نفر من أصحابه بعد أشهر من غزوة بدر وكلمهم أن يعينوه في دية رجلين قتلهم عمرو بن أمية القمري.

فقالوا: نفعل يا أبا القاسم.

أجلس هنا حتى نقضي حاجتك.

فخلا بعضهم ببعض.

فتآمروا بقتله.

واختاروا من بينهم عمرو بن جحاش أن يأخذ حجر فيصعد فيلقه على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويشدخه به.

وحذرهم سلام بن مشكم وقال لهم: لا تفعلوا ذلك فوالله يخبرن بما هممتم به.

وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه.

فجاءه الوحي وأخبره ربه بما هموا به.

فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مجلسه مسرعا " وتوجه إلى المدينة.

وقال لمحمد بن سلمة الأنصاري: إذهب إلى بني النضير فأخبرهم إن الله عز وجل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر.

فإما أن تخرجوا من بلدنا وإما أن تأذنوا لحرب.

فقالوا: نخرج من بلادك.

فبعث إليهم عبد الله بن أبي - وكان رأس النفاق يومئذ وكانوا حلفاؤه - لا تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمدا " الحرب.

فإني أنصركم أنا وقومي وحلفائي.

فإن خرجتم خرجت معكم وإن قاتلتم قاتلت معكم، فأقاموا وأصلحوا بينهم حصونهم وتهيئوا للقتال.

وبعث حيي بن أخطب ملك بني النضير إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إنا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع.

فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وكبر وكبر أصحابه.

وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحاط بحصنهم، وغدر بهم عبد الله بن أبى ولم ينصرهم.

ولم ينصرهم حلفائهم من غطفان وبني قريظة.

وعندما حاصرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد الحصار.

بعثوا إليه: يا محمد نخرج من بلادك فأعطنا مالنا.

فقال: لا ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل.

فلم يقبلوا ذلك.

فبقوا أياما ".

ثم قالوا: نحرج ولنا ما حملت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم شيئا ".

فمن وجدنا معه شيئا " من ذلك قتلناه.

فخرجوا على ذلك.

وروي عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن دمائهم وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم وأن يسيرهم إلى أذرعات بالشام.

وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا " وسقاء.

فخرجوا إلى أذرعات بالشام وأريحا إلا أهل بيتين منهم: آل أبي الحقيق، وآل حيي بن أخطب.

فإنهم لحقوا بخيبر.

ولحقت طائفة منهم بالحيرة (1).

أما بنو قريظة.

فقد كانوا على الصلح والسلم حتى وقعت غزوة الخندق.

وبداية الغدر صنعها حيي بن أخطب رئيس بني النضير الذي سمح له أن ينزل بخيبر.

وروي أن حيى بن أخطب كان قد ركب إلى مكة.

وحث قريشا " على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وحزب الأحزاب.

وركب إلى بني قريظة وجاءهم في ديارهم يوسوس إليهم ويلح عليهم لنقض العهد ومناجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وعندما رضوا بما قاله لهم إشترطوا عليه أن يدخل في حصنهم فيصيبه ما أصابهم فقبل ودخل.

فنقضوا العهد ومالوا إلى الأحزاب الذين حاصروا المدينة، ولقد روى كثير من المفسرين غدر بني قريظة وما حدث يوم الخندق منه ما روى عن محمد بن كعب القرظي وغيره من أصحاب السير.

قالوا: كان من حديث الخندق.

أن نفرا " من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب في جماعة من بني النضير الذين أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

_______

(1) تفسير الميزان 207 / 19.

خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقالوا: إنا سنكون معكم عليهم حتى نستأصلهم.

فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود.

إنكم أهل الكتاب الأول.

فديننا خير أم دين محمد ؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه.

فأنتم أولى بالحق منه.

فسر قريشا " ما قالوا.

ونشطوا بما دعوهم إليه فأجمعوا لذلك واستعدوا له.

وفي هؤلاء أنزل الله تعالى (ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا " من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا " - إلى قوله تعالى - وكفى بجهنم سعيرا ").

ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاؤا غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبروهم إنهم سيكونون عليه وأن قريشا " قد بايعوهم على ذلك.

فأجابوهم فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب.

وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصين في فزارة، والحارث بن عوف في بني مرة، ومسعر بن جبلة الأشجعي فيمن تابعه من الأشجع.

وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد.

فأقبل طليحة فيمن اتبعه من بني أسد.

وكتب قريش إلى رجال من بني سليم فأقبل أبو الأعور السلمي فيمن أتبعه من بني سليم مددا لقريش.

فلما علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب الخندق على المدينة.

وكان الذي أشار إليه سلمان الفارسي ولما فرغ رسول الله من الخندق.

أقبلت قريش حتى نزلت بين الجرف (1) والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد.

__________

(1) وكان خارج المدينة.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى  سلع (1) في ثلاثة آلاف من المسلمين.

فضرب هناك عسكره.

والخندق بينه وبين القوم (2) وبعد أن نجحت دسائس اليهود وتحركت قريش وغيرهم، روي أن حيي بن أخطب النضيري خرج حتى أتى كعب بن أسيد القرظي صاحب بني قريظة.

وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قومه وعاهده على ذلك فلما سمع كعب صوت ابن أخطب أغلق دونه حصنه.

فإستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه: يا كعب إفتح لي.

فقال: ويحك يا حيى.

إنك رجل مشؤوم.

إني قد عاهدت محمدا " ولست بناقض ما بيني وبينه.

ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ".

قال: ويحك إفتح لي حمى أكلمك.

ففتح له: فقال: ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام (3) جئتك بقريش على قادتها وسادتها.

وبغطفان على سادتها وقادتها.

قد عاهدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا " ومن معه.

فلم يزل حيي بكعب.

يفتل منه في الذروة والغارب (4) حتى سمح له

على أن أعطاه عهدا " وميثاقا " لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا "، أن أدخل معك في حصنك.

حتى يصيبني ما أصابك.

فنقض كعب عهده وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

9 وفي غزوة الأحزاب أخزى الله تعالى الذين إجتمعوا على قتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي هذه الغزوة قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود.

فلم يبق بيت من بيوت المشركين إلا قد دخله وهن بقتل عمرو، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو.

__________

(1) جبل بالمدينة.

(2) تفسير الميزان 300 / 16.

(3) الطام: البحر العظيم.

(4) الذروة والغارب / أعلى الشئ وأصله.

مأخوذ من فتل ذروة البعير المصعب وغاربه.

لوضع الخطام في أنفه.

وفي هذه الغزوة بعث الله تعالى على أعدائه ريحا " وجنودا " تفعل بهم ما تفعل.

فلم يستمسك لهم بناء ولم تثبت لهم نار ولم يطمئن لهم قدر.

فرجعوا كيدهم في نحورهم ولم ينالوا شيئا " مما تعاهدوا وتكاتفوا عليه.

ولما أنصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخندق وفرغ من أمر الأحزاب.

ووضع عنه اللامة وإغتسل وإستحم.

تبدى له جبريل بوحي من الله يأمره بالمسير إلى بني قريظة.

فوثب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوا قريظة.

فلبس الناس السلاح.

فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس.

وأختصم الناس.

فقال بعضهم: إن رسول الله عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي قريظة فإنما نحن في عزمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليس علينا إثم.

وصلى طائفة من الناس إحتسابا ".

وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس فصلوها حين جاؤا بني قريظة إحتسابا ".

فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحدا " من الفريقين.

وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسا " وعشرين ليلة.

حتى أجهدهم الحصار.

وقذف الله في قلوبهم الرعب.

وكان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت قريش وغطفان.

فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم.

قال رئيسهم كعب بن أسيد: يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا " فخذوا أيها شئتم.

قالوا: ما هي ؟ قال: نبايع هذا الرجل ونصدقه.

فو الله لقد تبين لكم إنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم.

فتأمنوا على دمائكم وأموالكم ونسائكم.

قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا " ولا نستبدل به غيره.

قال: فإذا أبيتم على هذا فهلموا فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد رجالا " مصلتين بالسيوف ولم نترك وراءنا ثقلا " يهمنا حتى يحكم الله

بيننا وبين محمد.

فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا " يهمنا.

وإن نظهر لنجدن النساء والأبناء.

فقالوا: نقتل هؤلاء المساكين.

فما خير في العيش بعدهم.

قال: فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت.

وعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فإنزلوا فعلنا نصيب منهم غرة.

فقالوا: نفسد سبتنا ؟ ونحدث فيه ما أحدث من كان قبلنا فأصابهم ما قد علمت من المسخ ؟ فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما " (1).

وروي أن بني قريظة إشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سألوه أن يحكم فيهم رجلا ": إختاروا من شئتم من أصحابي.

فإختاروا سعد بن معاذ فرضي بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلوا على حكم سعد بن معاذ.

فأحضر سعد وكان جريحا " ولما كلم سعد رحمه الله في أمرهم قال: لقد آن لسعد أن لا يأخذه في الله لومة لائم.

ثم حكم فيهم بقتل الرجال وسبي النساء والذراري وأخذ الأموال.

فأجرى عليهم ما حكم به سعد.

وأتى بحيي بن أخطب عدو الله مجموعة يداه إلى عنقه.

فلما بصر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أما والله ما لمت نفسي على عداوتك.

ولكنه من يخذل الله يخذل.

ثم قال: يا أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله.

كتاب الله وقدره ملحمة على بني إسرائيل.

ثم جلس فضرب عنقه.

وأخرج كعب بن أسيد مجموعة يداه إلى عنقه.

________

(1) تفسير الميزان 302 / 16.

 فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: يا كعب أما نفعك وصية ابن الحواس الحبر الذكي.

الذي قدم عليكم من الشام فقال: تركت الخمر والخمير وجئت إلى البؤس والتمور لنبي يبعث.

مخرجه بمكة ومهاجرته

في هذه البحيرة.

يجتزي بالكسيرات والتميرات، ويركب الحمار العري، في عينه حمرة.

وبين كتفيه خاتم النبوة، يضمع سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى منكم، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر.

فقال كعب: قد كان ذلك يا محمد.

ولولا أن اليهود يعيروني أني جزعت عند القتل لآمنت بك وصدقتك.

ولكني على دين اليهود.

عليه أحيا وعليه أموت.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قدموه وأضربوا عنقه.

فضربت (1).

فقتلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وفيهم أنزل الله عز وجل (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا " تقتلون وتأسرون فريقا ".

وأورثكم أرضهم وديارهم رأموالهم وأرضا " لم تطؤها وكان الله على كل شئ قديرا ") (2).

وبالجملة: قتل حيي بن أخطب الذي ينتهي نسبه إلى هارون عليه السلام.

والذي كان يتفاخر على اليهود بهذا النسب.

قتل بعد أن ركب طريق الحسد والحقد.

كان يعتقد بأن أمير السلام الذي ينتظره اليهود لا بد وأن يأتي من النسل الذي يمثله حمب بن أخطب.

ومن أجل الإحتفاظ بهذا الوهم.

وضع العقبات أمام الدعوة الخاتمة الذي لم يبعث رسولها وفقا " لأهواء بني إسرائيل.

الطريق إلى الكساء الخيبري: كانت خيبر وقرية فدك من مراكز اليهود بالحجاز.

وكانت خيبر الوعاء الذي يجمع أقارب وأصهار حيى بن أخطب الذي ينتهي نسبه إلى هارون عليه السلام.

_____

(1) تفسير الميزان 302 / 16.

(2) سورة الأحزاب آية 27.

وفي خيبر كانت صفية بنت حيي تحت كنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق.

ووراء حصون خيبر كان يوجد الكثير من تراث بني إسرائيل الذي يشهد بنبوة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.

وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أن يهود خيبر يعدون العدة لشحن قبائل العرب عليه فقال صلى الله عليه وآله وسلم: تجهزوا إلى هذه القرية الظالم أهلها.

يعني خيبر.

فإن الله عز وجل فاتحها عليكم إن شاء الله (1) وعن أبي طلحة قال: صبح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر.

وقد أخذوا مساحيهم وغدوا إلى حروثهم.

فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم معه الجيش نكصوا مدبرين.

فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر.

خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين (2).

وروى ابن إسحاق بإسناده إلى أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن جده قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إلى خيبر.

حتى إذا كنا قريبا " منها وأشرفنا عليها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قفوا.

فوقف الناس فقال: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن.

ورب الشياطين وما أضللن.

إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها.

ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها.

أقدموا بسم الله (3).

_________________________

(1) رواه أحمد وقال الهيثمي رجال ثقات (الزوائد 147 / 6).

(2) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 149 / 6).

(3) تفسير الميزان 394 / 18.

 ووقف اليهود وراء حصونهم.

وعن بريدة قال: حاصرنا خيبر.

فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له.

ثم أخذه من الغد عمر فخرج.

فرجع ولم يفتح له.

وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني دافع اللواء غدا " إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله.

لا يرجع حتى يفتح له، قال بريدة: وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا.

فلما أن أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

صلى الغداة ثم قام قائما ".

فدعا باللواء والناس على مصافهم.

فدعا عليا " بن أبي طالب وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء.

وفتح له.

قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها (1).

وعن أبي سعيد الخدري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخذ الراية فهزها ثم قال: من يأخذها بحقها فجاء فلان فقال: أمط (كلمة زجر) ثم جاء رجل آخر فقال: أمط.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لأعطينها رجلا " لا يفر.

هاك يا علي.

فإنطلق حتى يفتح الله عليك (2).

وروى الإمام أحمد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر (لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله - وزاد في رواية: ويحبه الله ورسوله - يفتح الله عليه، فقال عمر بن الخطاب: فما أحببت الامارة قبل يومئذ.

فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إلي.

فلما كان الغد.

دعا عليا " عليه السلام.

فدفعها إليه.

فقال: قاتل ولا تلتفت حتى يفتح عليك.

فسار علي بن أبي طالب قريبا ".

ولم يلتفت.

ثم قال: يا رسول الله علام أقاتل.

قال: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول الله.

فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على

الله عز وجل (3).

__________________________

(1) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح قال الهيثمي (الزوائد 153 / 6).

(2) رواه أحمد ورجاله ثقات قال الهيثمي (الزوائد 151 / 6).

(3) رواه أحمد.

وقال في الفتح الرباني رواه مسلم بلفظ متقارب.

والبيهقي (الفتح الرباني 122 / 23).

وفتح الله خيبر.

وبعد هذا الفتح سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر عن آنية كان اليهود يستعيرونها من بعضهم ويتباركون بها.

فعن ابن عباس قال: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على كل صفراء وبيضاء وعلى كل شئ إلا أنفسهم وذراريهم.

قال: فأتى بالربيع وكنانة ابني أبي الحقيق.

وأحدهما عروس بصفية بنت حيي بن أخطب.

فلما أتى بهما قال: أين آنيتكما التي كانت تستعار بالمدينة.

قالا: أحرجتنا وأجليتنا فأنفقناها.

قال: أنظرا ما تقولان فإنكما إن كتمتماني إستحللت بذلك دماءكما وذريتكما.

قال: فدعا رجلا " من الأنصار.

قال: إذهب إلى مكان كذا وكذا.

فإنظر نخيلة في رأسها رقعة.

فأنزع تلك الرقعة وأستخرج تلك الآنية فأئت بها، فإنطلق حتى جاء بها فقدمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب أعناقهما ربعث إلى ذريتهما.

فأتى بصفية بنت حيى بن أخطب.

فأمر بلال فإنطلق بها إلى منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأكثر الناس فيها.

فقائل: سريته.

وقائل يقول: إمرأته وإن لم يحجبها فهي سريته.

فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحجبها.

وقد كان عرض عليها قبل ذلك أن يتخذها سرية أو يعتقها وينكحها.

قالت: لا بل أعتقني وأنكحني ففعل صلى الله عليه وسلم (1).

وروى ابن إسحاق: إن صفية كانت قد رأت في المنام.

وهي عروس بكنانة بن أبي الحقيق.

إن قمرا " دفع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال: ما هذا إلا إنك تتمنين ملك الحجاز محمد.

ولطم وجهها لطمة إخضرت عينها منها.

فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثرا " منه فسألها ما هو ؟ فأخبرته (2).

وأخرج ابن سعد عن إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: لما دخلت صفية على النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: لم يزل أبوك من أشد اليهود لي عداوة حتى قتله الله.

_________________

(1) رواه الطبراني (الزوائد 152 / 6.

) (2) تفسير الميزان 297 / 18.

فقالت: يا رسول الله يقول في كتابه (ولا تزر وازرة وزر أخرى).

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إختاري.

فإن إخترت الإسلام أمسكتك لنفسي.

وإن إخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك.

فقالت: يا رسول الله.

لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني.

حيث صرت إلى رحلك.

وما لي في اليهودية أرب.

وما لي فيها والد ولا أخ، وخيرتني الكفر والإسلام.

فالله ورسوله أحب إلى من العتق وأن أرجع إلى قومي.

قال: فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه (1) وقال المسعودي: وكان زواجه من صفية سنة سبع من الهجرة وروى عن سعيد بن المسيب قال: قدمت صفية بنت حيى في أذنيها خرصة من ذهب.

فأهدت منه لفاطمة الزهراء ولنساء معها (2).

وروى عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله.

إن صفية بنت

حيى لما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فسطاطه حضرنا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوموا عن أمكم) فلما كان من العشي حضرنا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي طرف ردائه نحو من مد ونصف من تمر عجوة فقال: كلوا من وليمة أمكم (3) وعن أبو الوليد: كانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السمن والأقط والتمر (4).

ترى هل كان الكساء الخيبري الذي أصابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من بقية ما ترك آل موسى وآل هارون ؟ لقد أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يضع على هارون وبنيه ملابس لها معالم خاصة كما ذكرت التوراة الحاضرة.

_________

(1) الطبقات الكبرى 123 / 7.

(2) الطبقات 127 / 7، الإصابة 347 / 4.

(3) الطبقات 124 / 7.

(4) الطبقات 122 / 7.

وإن الله تعالى طهر هارون وبنوه وجعلهم قضاة لبني إسرائيل يفسرون لهم شريعة التوراة.

وفي الرسالة الخاتمة أدخل النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وعلي وأبناهما تحت الكساء الخيبري ونزل قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ") ترى هل الخاتمة تحمل معالم الدعوة الإلهية عند المقدمة.

ومن المعروف أن الدعوة الإلهية التي حملها الأنبياء دعوة واحدة.

لقد ظهر تابوت السكينة وبه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون كآية لطالوت وكحجة على بني إسرائيل.

ترى هل ظهر بعض ما ترك آل موسى وآل هارون كآية لنبوة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وكحجة على

بني إسرائيل الذين يعلمون المقدمات ويعرفون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يعرفون أبناءهم ؟ ترى هل إستقامت المعجزة عند المقدمة مع المعجزة عند الخاتمة ؟ لقد أخبر القرآن الكريم إن تابوت السكينة به (بقية) مما ترك آل موسى وآل هارون بمعنى إن التابوت لم يكن به مجموع ما ترك آل موسى وآل هارون.

ولازم ذلك أن تراث آل موسى وآل هارون إمتدت إليه الأيدي قبل ظهور طالوت كملك على بني إسرائيل.

فما المانع أن تكون البقية قد إمتدت إليها الأيدي.

وخاصة أن اليهود كانت لهم آنية يتباركون بها.

وكان لحيي بن أخطب تراث يتفاخر به على اليهود على خلفية إنه من نسل هارون.

ترى هل كان في خيبر حجة الله على بني إسرائيل وعلى الأمة الخاتمة ؟ ومن الثابت والمحفوظ.

أن منزلة علي بن أبي طالب من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى.

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي (أنت مني بمنزلة هارون من موسى.

إلا إنه لا نبي بعدي) (1) وهذا المعنى نقف عليه إذا تدبرنا بعض الأمور.

منها: ما ذكره صاحب لسان العرب.

______

(1) رواه البخاري (الصحيح 300 / 2) ومسلم (الصحيح 174 / 15).

في تعريفه لمعنى لفظ (الديان) قال: الديان معناه: الحكم القاضي.

وسئل بعض السلف عن علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال: كان ديان هذه الأمة بعد نبيها.

أي قاضيها وحاكمها اه (1).

ومنها: ما روي عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة.

وهو على ناقته القصواء يخطب.

فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما أن إخذتم به لن تضلوا.

كتاب

الله وعترتي أهل بيتي (2) ومنها: ما روي عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أوشك أن أدعى فأجيب.

وإني تارك فيكم الثقلين.

كتاب الله وعترتي.

كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي.

وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.

فإنظروا كيف تخلفوني فيهما (3).

وبالجملة: سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الله تعالى خير خيبر.

وخير أهلها وخير ما فيها.

وأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللواء لعلي بن أبي طالب ومنزلته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كمنزلة هارون من موسى عدا النبوة.

وفتح الله خيبر.

وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر عن الآنية التي كانوا يحتفظون بها وجاء رجل من الأنصار بالآنية.

وجاء بلال بن رباح بصفية بنت حيى.

وصب الخير في وعاء المسلمين.

وعندما سمع أهل فدك ما صنع النبي بيهود خيبر بعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسيرهم ويحقن دماءهم ويخلون بينه وبين الأموال.

ففعل.

فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب.

وتحت الكساء الخيبري كان الخير.

كل الخير.

_________________

(1) لسان العرب مادة دين ص 1467.

(2) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 662 / 5) والنسائي (كنز العمال 172 / 1) (3) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 663 / 5.(

أما ما روي في حديث الكساء.

فلقد ذكرناه في قصة أم سلمة رضي الله عنها.

ونذكره هنا لأن الموقف يقضي بذلك.

وروى الإمام ابن عساكر

في تاريخه عن شهر بن جوشب عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة (أتيني بزوجك وأبنيك) فجاءت بهم.

فألقى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كساء كان تحته خيبريا " أصبناه من خيبر - ثم قال (اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم) قالت أم سلمة: فأخذت بطرف الكساء لأدخل معهم - وفي رواية: فرفعت الكساء - فجذبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدي وقال (إنك على خير).

وروى الإمام أحمد عن عطاء بن رباح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيت أم سلمة.

فأتته فاطمة.

فقال (أدعي زوجك وابنيك) فجاء علي والحسن والحسين.

فدخلوا عليه فجلسوا على دثار.

وكان تحته كساء له خيبري.

قالت أم سلمة: وأنا أصلى في الحجرة.

فأنزل الله عز وجل (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ") فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فضل الكساء فغشاهم به.

ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي.

فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ") قالت أم سلمة: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله ؟ قال (إنك إلى خير.

إنك إلى خير) (1).

وبالجملة: فإن منزلة علي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وإعطاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الراية له يوم خيبر، ووجود صفية التي ينتهي نسبها إلى هارون عليه السلام.

وجود الكساء الخيبري.

_______

(1) رواه أحمد (الفتح الرباني 338 / 18)، ورواه الحاكم وأقره الذهبي.

إلى غير ذلك من الأمور التي تتعلق بهذا الباب.

فجميع ذلك يدعو في حقيقة الأمر إلى مزيد من التدبر والتبصر.

مناقبها: أخرج ابن سعد عن ابن أبي عون قال: إستبت عائشة وصفية.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفية: ألا قلت أبي هارون وعمي موسى ؟ وذلك أن عائشة فخرت عليها (1).

وأخرج الترمذي عن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: إنها بنت يهودي.

فبكت.

فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي.

فقال: ما يبكيك ؟ فقالت: قالت لي حفصة إني بنت يهودي.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لأبنة نبي وإن عمك لنبي وإنك لتحت نبي ففيما تفخر عليك.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: إتقي الله يا حفصة (2).

وأخرج الترمذي عن صفية أنها قالت: بلغني عن حفصة وعائشة أنهم قالوا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفية.

نحن أزواجه وبنات عمه.

فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فذكرت ذلك له.

فقال: ألا قلت.

فكيف تكونان خيرا " مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى (3).

وقال صاحب التاج الجامع للأصول: أي إنك لابنة نبي وهو هارون عليه السلام.

_________

(1) الطبقات الكبرى 127 / 7.

(2) رواه الترمذي بسند صحيخ (التاج الجامع 385 / 3).

(3) رواه الترمذي بسند صحيح (التاج الجامع 385 / 3).

 وإن عمك لنبي ورسول وهو موسى عليه السلام.

وإنك لتحت نبي وهو محمد صلى الله عليه وسلم.

فلا فخر لهم مثلك ولا فخر أعظم من ذلك.

فنسبها يتصل بإسحاق ويعقوب وإبراهيم صلى الله عليهم وسلم.

ورضي الله عن صفية وأرضاها آمين (1).

وأخرج ابن سعد بسند حسن عن زيد بن أسلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم في الوجع الذي توفي فيه إجتمع إليه نساؤه.

فقالت صفية بنت حيي: أما والله يا نبي الله لوددت إن الذي بك بي.

فغمزنها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأبصرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مضمضن فقلن: من أي شئ يا نبي الله ؟ قال: من تغامزكن بصاحبتكن.

والله إنها لصادقة (2).

وفاتها: كان لصفية دارا " تصدقت بها في حياتها (3).

وروي أنها ماتت سنة خمسين في زمن معاوية، وقيل سنة اثنتين وخمسين (4).

_______

(1) التاج الجامع 384 / 3.

(2) الطبقات الكبرى 128 / 7، الإصابة 347 / 4.

(3) الطبقات الكبرى 128 / 7.

(4) الإستيعاب 349 / 4، الإصابة 349 / 4، الطبقات 129 / 7.