ذكر القاضي محمد بن محمد بن هشام

وتقدم أيضاً بغرناطة لتنفيذ الأحكام محمد بن محمد بن هشام؛ استقضاه السلطان أبو عبد الله المدعو بالفقيه، لقصة رفعت من شأنه؛ وذلك أن هذا الرجل نشأ في الدجن ببلاد الروم من شرق الأندلس. ثم هاجر منها؛ فاستقر بوادي آش؛ فأقرأ العلم بها، وصحح ما كان قد تحمله من فنون العلم. فلما توفي قاضي البلدة، أيام خلاف بني أشقيلولة بها، عرض عليه قضاؤها؛ فتمنع وأبي لمكان الفتنة، إلا أن يكون التقديم من قبل أمير المسلمين المحق بالخلافة، السلطان أبي عبد الله المذكور. فأعرض عنه، وقدم غيره. فلم يرض الناس به؛ فدعت الرؤساء المذكورين الضرورة إلى طلب التقديم من حيث ذكر. فأنفذ لهم المطلوب. ولما ذهبت الفتنة، وتملك السلطان المدينة، تحقق فضل ابن هشام وصلابته في الحق؛ فنقله إلى مدينة المرية وعند وفاة أبي بكر الأشبرون، استقدمه من هنالك، وقلده القضاء بحضرته. فحسنت به الحال، واقتضيت الحقوق إلى آخر مدة مستقضيه رحمه الله! وكانت صدر شعبان من عام 701. وافضى الأمر إلى ولده أبي عبد الله محمد، ثالث الأمراء من بني نصر؛ فجرى على منهاج أبيه في الاغتباط بقاضيه؛ فأقره على ما كان يتولاه، وزاد في التنويه. فظهرت الخطة بواحدها وصدر رجالها؛ وبقي يتولاه إلى أن توفي، وذلك عام 704. ذكره القاضي أبو عامر يحيى بن ربيع في مزيده وقال فيه: كان فقيهاً عارفاً، أديباً، كاتباً بارعاً، فاضلاً، لين الجانب، سمحاً، درياً بالأحكام، عدلاً، نزيهاً؛ وتولى الخطبة بجامع الحمراء.

قال المؤلف رضي الله عنه! لله در محمد بن هشام في إصراره على الاباية من القضاء في الفتنة الأشقيلولية! فإنه جرى في تمنعه على منهاج السداد، وأخذ لنفسه الواجب في الاحتياط. وقد تقدم صدر هذا الكتاب أن الداعي إلى العمل، إذا كان غير عدل، لم يجز لأحد إعانته على أموره، لأنه مقعد في فعله؛ فيجب عليه أن يصبر على المكروه، ولا يلى العمل معه؛ وإن كان عدلاً، جاز، وقد تستحب له الإعانة. والله الموفق للصواب!