ذكر القاضي أبي جعفر أحمد بن فركون

وولي بعد ابن هشام قضاء الجماعة الشيخ الفقيه أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد القرشي، المعروف بابن فركون، أحد صدور الفقهاء بهذا القطر الأندلسي اطلاعاً بالمسائل، وحفظاً للنوازل، وقوة على حمل أعباء القضاء، وتفنناً في المعارف. وكان رحمه الله! منشرح الصدر، مثلاً في حسن العهد بمن عرفه ولو مرة في الدهر، مفيد المجالسة، رائق المحاضرة، مترفقاً بالضعيف في أقضيته، كثير الاحتياط عند الاشتباه، دقيق النظر، مهتدياً لاستخراج غريب الفقه وغوامض نكت العلم، رائق الأبهة، موصوفاً بالنزاهة والعدالة، شديد الوقار، مشغلاً عند المواجهة والتجلة، مع التحلي بالفضل، والخلق الرحب، والدعابة الحلوة. طال يوماً بين يديه قعود رجل اسمه أحمد بن معاوية، دعا إليه في حق وقع الفصل فيه؛ فاستأذنه في الذهاب؛ فقال: يا سيدي! ينصرف أحمد؟ فقال: لا ينصرف! فأقام ذلك الرجل وجلاً حتى نبه على أن القاضي إنما قصد التورية. قرأ على المدرس المتفنن أبي الحسن الأبلح، وأكثر الأخذ عن المقرئ أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الطائي المعروف بمستقور وغيرهم. وكان خطيباً. بليغاً، كاتباً ناظماً ناثراً، بصيراً بعقود الشروط، سابقاً في علم الفرائض. قضى بمواضع منها رندة، ومالقة، والمرية، وسار فيها بسيرة عادلة سنية. واستمر قضاؤه مع الخطابة بحضرة غرناطة إلى أول الدولة الإسماعيلية؛ فصرف عن ذلك، لما كان له في مشايعه المخلوع عن السلطنة من الأمور التي حقت عليه الخمول، بعد استقرار ذائلها الأمير أبي الوليد بالملك رحمة الله عليه! ومولد القاضي أبي جعفر المذكور في عام 649، ووفاته في السادس من ذي القعدة عام 729.