ذكر القاضي أبي بكر محمد بن عبيد الله بن منظور القيسي

ومن أعلام القضاة، الشيخ الفقيه أبو بكر محمد بن عبيد الله بن محمد بن يوسف بن يحي بن عبيد الله بن منظور القيسي المالقي، وأصله من إشبيلية، من البيت الأثيل المشهور؛ ويكفي من التعريف بقدم إصالته الكتاب المسمى ب الروض المنظور، في وصاف بني منظور. وكان هذا القاضي رحمه الله! جم التواضع، كثير البر. مبذول البشر، قوياً مع ذلك على الحكم، بصيراً بعقد الشروط، مترفقاً بالضعيف. ولي القضاء بجهات شتى من الأندلس، فحمدت سيرته، وشكرت طريقته؛ ثم تقدم ببلده مالقة قاضياً وخطيباً بقصبتها. وكان سريع العبرة، كثير الخشية، جارياً على سنن أسلافه من الفضل وإيثار البذل. قرأ على الأستاذ أبي محمد بن أبي السداد الباهلي، ولازمه، وانتفع به وسمع على غيره. وأجازه ابن الزبير، وابن عقيل الرندى، وأبي عمرو الطنجي، وغيرهم. وله تآليف، سمعت عليه بعضها، وناولني سائرها؛ منها نفحات النسوك، وعيون التبر المسبوك، في أشعار الخلفاء والوزراء والملوك؛ وكتاب السجم الواكفة، والظلال الوارفة، في الرد على ما تضمنه المظنون به من اعتقادات الفلاسفة؛ وكتاب البرهان والدليل، في خواص سور التنزيل. وأنشدني لنفسه من لفظه:  

ما للعطاس ولا للفـأل مـن أثـر

 

فثق بدينك بالرحمان واصطـبـر

فسلم الأمر فالأحكـام مـاضـية

 

تجري على السنن المربوط بالقدر

وتوفي ببلده مالقة؛ وقبر بها شهيداً بالطاعون، وذلك منتصف شهر صفر من عام 750. وعقبه مستعمل في خطة القضاء على الطريقة المثلى من المبرة وكثرة الحشمة تولاه الله تعالى!