الباب الثالث: الفصل الأول: في بيان مقالات فرق الرفض

   الفصل الاول من فصول هذا الباب

في بيان مقالات فرق الرفْض

     قد ذكرنا قبل هذا ان الزيدية منهم ثلاث فرق والكيسانية منهم فرقتان والامامية منهم خمس عشرة فرقة ونبدأ بذكر الزيدية ثم الامامية ثم الكيسانية على الترتيب ان شاء الله عز وجل.    

     ذكر الجارودية من الزيدية

     اولا اتباع المعروف بأبي الجارود وقد زعموا ان النبي نص على امامة على بالوصف دون الاسم وزعموا ايضا ان الصحابة كفروا بتركهم بيعة على وقالوا ايضا ان الحسن بن على كان هو الامام بعد على ثم أخوة الحسين كان إماما بعد الحسن.

     وافترقت الجارودية في هذا الترتيب فرقتين فرقة قالت إن عليا نص على إمامة ابنه الحسن ثم نص الحسن على إمامة أخيه الحسين بعده ثم صارت الامامة بعد الحسن والحسين شورى في ولدي الحسن والحسين فمن خرج منهم شاهرا سيفه داعيا الى دينه وكان عالما ورعا فهو الإمام وزعمت الفرقة الثانية منهم أن النبي هو الذي نص على إمامة الحسن بعد على وإمامة الحسين بعد الحسن.

     ثم افترقت الجارودية بعد هذا في الامام المنتظر فرقا:

     منهم من لم يعين واحدا بالانتظار وقال كل من شهر سيفه ودعا الى دينه من ولدى الحسن والحسين فهو الامام.

     ومنهم من ينتظر محمد بن عبد الله بن الحسن بن على بن أبي طالب ولا يصدق بقتله ولا بموته ويزعم انه هو المهدى المنتظر الذي يخرج فيملك الارض وقول هؤلاء فيه كقول المحمدية من الإمامية في انتظارها محمد بن عبد الله بن الحسن بن على.

     ومنهم من ينتظر محمد بن القاسم صاحب الطالقان ولا يصدق بموته.

     ومنهم من ينتظر محمد بن عمر الذي خرج بالكوفة ولا يصدق بقتله ولا بموته.

     فهذا قول الجارودية وتكفيرهم واجب لتكفيرهم اصحاب رسول الله عليه السلام.

     ذكر السليمانية أو الجريرية منهم    

هؤلاء اتباع سليمان بن جرير الزيدي الذي قال ان الإمامة شورى وأنها تنعقد بعقد رجلين من خيار الامة وأجاز إمامة المفضول واثبت إمامة ابي بكر وعمر وزعم أن الامة تركت الاصلح في البيعة لهما لان عليا كان اولى بالإمامة منهما الا أن الخطأ في بيعتهما لم يوجب كفرا ولا فسقا وكفر سليمان بن جرير بالاحداث التي نقمها الناقمون منه وأهل السنة يكفرون سليمان بن جرير من اجل أنه كفر عثمان رضي الله عنه.

     ذكر البترية منهم:

     هؤلاء اتباع رجلين أحدهما الحسن بن صالح بن حي والاخير كثير المنوا الملقب بالأبتر وقولهم كقول سليمان بن جرير في هذا الباب غير أنهم توقفوا في عثمان ولم يقدموا على ذمة ولا على مدحه وهؤلاء احسن حالا عند أهل السنة من أصحاب سليمان بن جرير وقد أخرج مسلم بن الحجاج حديث الحسن بن صالح بن حي في مسنده الصحيح ولم يخرج محمد بن اسماعيل البخاري حديثه في الصحيح ولكنه قال في كتاب التاريخ الكبير الحسن بن صالح بن حي الكوفى سمع سماك بن حرب ومات سنة سبع وستين ومائة وهو من ثغور همذان وكنيته ابو عبد الله.

     قال عبد القاهر هؤلاء البترية والسليمانية من الزيدية كلهم يكفرون الجارودية من الزيدية لاقرار الجارودية على تكفير أبي بكر وعمر والجارودية يكفرون السليمانية والبترية لتركهما تكفير أبي بكر وعمر.

     وحكى شيخنا أبو الحسن الاشعري في مقالته عن قوم من الزيدية يقال لهم اليعقوبية اتباع رجل اسمه يعقوب أنهم كانوا يتولون ابا بكر وعمر ولكنهم لا يتبرءون ممن تبرأ منهما.

     قال عبد القاهر اجتمعت الفرق الثلاث الذين ذكرناهم من الزيدية على القول بأن أصحاب الكبائر من الامة يكونون مخلدين في النار فهم من هذا الوجه كالخوارج الذين أيأسوا أسراء المذنبين من رحمة الله تعالى {ولا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون} إنما قيل لهذه الفرق الثلاث واتباعها "زيدية" لقولهم بإمامة زيد بن علي بن الحسن بن على بن ابى طالب في وقته وإمامة ابنه يحيى بن زيد بعد زيد وكان زيد ابن علي قد بايعه على إمامته خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة وخرج بهم على والى العراق وهو يوسف بن عمر الثقفى عامل هشام بن عبد الملك على العراقيين فلما استمر القتال بينه وبين يوسف بن عمر الثقفى قالوا له انا ننصرك على اعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر اللذين ظلما جدك على ابن أبي طالب فقال زيد إني لا أقول فيهما إلا خيرا وما سمعت أبي يقول فيهما الا خيرا وانما خرجت على بنى امية الذين قاتلوا جدى الحسين وأغاروا على المدينة يوم الحرة ثم رموا بيتا لله بحجر المنجنيق والنار ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم رفضتموني ومن يومئذ سموا رافضة وثبت معه نصر بن حريمة العنسى ومعاوية بن اسحاق بن يزيد بن حارثة في مقدار مائتى رجل وقاتلوا جند يوسف بن عمر الثقفى حتى قتلوا عن آخرهم وقتل زيد ثم نبش من قبره وصلب ثم أحرق بعد ذلك.

     وهرب ابنه يحيى بن يزيد الى خراسان وخرج بناحية الجوزجانى على نصر بن بشار والى خراسان فبعث نصر بن بشار اليه مسلم ابن احوز المازنى في ثلاثة آلاف رجل فقتلوا يحيى بن زيد ومشهده بجوزجان معروف.

     قال عبد القاهر روافض الكوفة موصوفون بالغدر والبخل وقد سار المثل بهم فيهما حتى قيل أبخل من كوفى وأغدر من كوفى والمشهور من غدرهم ثلاثة أشياء:

     أحدها أنهم بعد قتل على رضي الله عنه بايعوا ابنه الحسن فلما توجه لقتال معاوية غدروا به في ساباط المدائن فطعنه سنان الجعفى في جنبه فصرعه عن فرسه وكان ذلك أحد أسباب مصالحته معاوية.

     والثاني أنهم كاتبوا الحسين بن علي رضي الله عنه ودعوه الى الكوفة لينصروه على يزيد بن معاوية فاغتر بهم وخرج اليهم فلما بلغ كربلاء غدروا به وصاروا مع عبيد الله بن زياد يدا واحدة عليه حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلاء.

     والثالث غدرهم يزيد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب بعد أن خرجوا معه على يوسف بن عمر ثم نكثوا بيعته وأسلموه عند اشتداد القتال حتى قتل وكان من امره ما كان

      ذكر الكيسانية من الرافضة

     هؤلاء اتباع المختار بن ابى عبيد الثقفى الذي قام بثأر الحسين بن على بن ابي طالب وقتل اكثر الذين قتلوا حسينا بكربلاء وكان المختار ويقال له كيسان وقيل أنه أخذ مقالته عن مولى لعلى رضي الله عنه كان اسمه كيسان.

     وافترقت الكيسابية فرقا يجمعها شيئان:

     أحدهما قولهم بإمامة محمد ابن الحنفية وإليه كان يدعو المختار بن ابى عبيد.

     والثاني قولهم بجواز البدء على الله عز وجل ولهذه البدعه قال بتكفيرهم كل من لا يجيز البدء على الله سبحانه.

     واختلفت الكيسانية في سبب إمامة محمد ابن الحنفية فزعم بعضهم أنه كان إماما بعد أبيه على بن أبى طالب رضى الله عنه واستدل على ذلك بان عليا دفع إليه الراية يوم الجمل وقال له:

اطعَنْهُم طعن ابيك تحمد >< لا خير في الحرب اذا لم تزبد

     وقال آخرون منهم: إن الامامة بعد على كانت لابنه الحسن ثم للحسين بعد الحسن ثم صارت الى محمد بن الحنفية بعد اخيه الحسين بوصية اخيه الحسين اليه حين هرب من المدينة الى مكة حين طولب بالبيعة ليزيد بن معاوية.

     ثم افترق الذين قالوا بإمامة محمد ابن الحنفية.

     فزعم قوم منهم يقال لهم الكربية اصحاب ابى كرب الضرير ان محمد بن الحنفية حى لم يمت وانه في جبل رضوى وعنده عين من الماء وعين من العسل يأخذ منهما رزقه وعن  يمينه أسد وعن يساره نمر يحفظانه من أعدائه الى وقت خروجه وهو المهدى المنتظر.

     وذهب الباقون من الكيسانية الى الاقرار بموت محمد بن الحنفية واختلفوا في الامام بعده فمنهم من زعم أن الامامة بعده رجعت الى ابن اخيه على بن الحسين زين العابدين ومنهم من قال برجوعها بعده الى ابى هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية.

     واختلف هؤلاء في الامام بعد ابى هاشم فمنهم من نقلها الى أبي محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بوصية ابى هاشم اليه وهذا قول الروندية ومنهم من زعم أن الامامة بعد أبي هاشم صارت الى بيان بن سمعان وزعموا أن روح الله تعالى كانت في ابى هاشم ثم انتقلت منه الى بيان ومنهم من زعم ان تلك الروح انتقلت من ابي هاشم الى عبد الله بن عمرو بن حرب وادعت هذه الفرقة إلهية عبد الله بن عمرو بن حرب.

     والبيانية والحربية كلتاهما من فرق الغلاة نذكرهما في الباب الذي نذكر فيه فرق الغلاة وكان كثير الشاعر على مذهب الكيسانية الذين ادعوا حياة محمد بن الحنفية ولم يصدقوا بموته ولذا قال في قصيدة له:

ألا إن الأئمة من قريش         ولاة الحق أربعة سواء

على والثلاثة من بنيه   هم الاسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط ايمان وبر         وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى         يقود الخيل يقدمها اللواء

تغيب لا يرى فيهم زمانا         برضوى عنده عسل وماء

     قال عبد القاهر أجبناه عن أبياته هذه بقولنا:

ولاة الحق أربعة ولكن         لثاني اثنين قد سبق العلاء    

وفاروق الورى أضحى إماما         وذو النونين بعد له الولاء    

على بعدهم أضحى إماما         بترتيبي لهم نزل القضاء    

ومبغض من ذكرناه لعين         وفى نار الجحيم له الجزاء    

وأهل الرفض قوم كالنصارى         حيار بي ما لحيرتهم دواء           

     وقال كثير أيضا في رفضه:

برئت الى الإله من ابن أروى         ومن دين الخوارج أجمعينا    

ومن عمر برئت ومن عتيق         غداة دعى أمير المؤمنينا          

وقد أجبناه عن هذين البيتين:

برئت من الإله ببغض قوم         بهم أحيا الإله المؤمنينا    

وما ضر ابن أروى منك بغض         وبغض البر دين الكافرينا    

ابو بكر به جدلى إمام         على زعم الروافض اجمعينا    

وفاروق الورى عمر بحق         يقال له أمير المؤمنينا    

 

      وقال كثير في قصيدة أيضا:

ألا قل للوصى فدتك نفسي         أطلت بذلك الجبل المقاما    

أضر بمعشر والوك منا         وسموك الخليفة والإماما    

وعادوا فيك اهل الأرض طرا         مقامك عندهم ستين عاما           

وما ذاق بن خولة طعم موت         ولا وارت له ارض عظاما    

لقد أمسى بمجرى شعب رضوى         تراجعه الملائكة الكلاما    

وإن له لرزقا من إماما         وأشربة يعل بها الطعاما           

     وقد أجبناه عن هذا الشعر بقولنا:

لقد أفنيت عمرك بانتظار         لمن وارى التراب له عظاما    

فليس بشعب رضواء إمام         تراجعه الملائكة الكلاما    

ولا من عنده عسل وماء         وأشربة يعل بها الطعاما    

وقد ذاق ابن خولة طعم موت         كما قد ذاق والده الحماما    

ولو خلد أمرؤ لعلو مجد         لعاش المصطفى ابدا وداما           

     وكان الشاعر المعروف بالسيد الحميرى ايضا على مذهب الكيسانية الذين ينتظرون محمد بن الحنفية ويزعمون أنه محبوس بجبل رضوى الى أن يؤذن له بالخروج ولهذا قال في شعر له:    

ولكن كل من فى الأرض فان         بذا حكم الذى خلق الإماما         

     وكان أول من قام بدعوة الكيسائية الى إمامة محمد بن الحنفية المختار بن أبي عبيد الثقفى وكان السبب في ذلك أن عبيد الله بن زياد لما فرغ من قتل مسلم بن عقيل وفرغ من قتل الحسين بن على رضى الله عنه رفع اليه ان المختار بن أبي عبيد كان ممن خرج مع مسلم بن عقيل ثم اختفى فأمر باحضاره فلما دخل عليه رماه بعمود كان في يده فشتر عينه وحبسه فتشفع اليه في امره قوم فأخرجه من الحبس وقال له قد أجلتك ثلاثة أيام فان خرجت فيها من الكوفة والا ضربت عنقك فخرج المختار هاربا من الكوفة الى مكة وبايع عبد الله بن الزبير وبقى معه الى ان قاتل بن الزبير جند يزيد بن معاوية الذين كانوا تحت راية الحصين بن نمير السكوتى واشتدت نكاية المختار في تلك الحروب على اهل الشام ثم مات يزيد بن معاوية ورجع جند الشام الى الشام واستقام لابن الزبير ولاية الحجاز واليمن والعراق وفارس ولقى المختار من ابن الزبير جفوة فهرب منه الى الكوفة وواليها يومئذ عبد الله بن يزيد الانصارى من قبل عبد الله بن الزبير فلما دخل الكوفة بعث رسله الى شيعة الكوفة ونواحيها الى المدائن ودعاهم الى البيعة له ووعدهم انه يخرج طالبا بثأر الحسين بن على رضى الله عنه ودعاهم الى محمد بن الحنفية وزعم ان ابن الحنفية قد استخلفه وأنه قد أمرهم بطاعته وعزل ابن الزبير في خلال ذلك عبد الله بن يزيد الانصارى عن الكوفة وولاها عبد الله بن مطيع العدوي واجتمع الى المختار من بايعه في السر وكانوا زهاء سبعة عشر الف رجل ودخل في بيعته عبيد الله بن الحر الذي لم يكن في زمانه أشجع منه وابراهيم بن ملك الاشتر ولم يكن في شيعة الكوفة أجمل منه ولا أكثر منه تبعا فخرج به على والى الكوفة عبد الله بن مبطع وهو يؤمئذ في عشرين الف ودامت الحرب بينهما اياما ووقعت الهزيمة في آخرها على الزيدية واستولى المختار على الكوفة ونواحيها وقتل كل من كان بالكوفة من الذين قاتلوا الحسين بن على بكربلاء ثم خطب الناس فقال في خطبته:

     الحمد لله الذى وعد وليه النصر وعدوه الخسر وجعلهما فيهما الى آخر الدهر قضاء مقضيا ووعدا مأتيا يا أيها الناس قد سمعنا دعوة الداعي وقبلنا قول الداعي فكم من باغ وباغية وقتلى في الواعيه فهلموا عباد الله الى بيعه الهدى ومجاهدة العدى فانى انا المسلط على المحلين والطالب بثأر ابن بنت خاتم النبيين.

     ثم نزل عن منبره وانغذ بصاحب شرطته الى دار عمر بن سعد حتى أخذ رأسه ثم أخذ رأس ابنه جعفر بن عمر وهو ابن أخت المختار وقال ذاك برأس الحسين وهذا برأس ابن الحسين الكبير ثم بعث بإبراهيم بن ملك الاشتر مع ستة آلاف رجل الى حرب عبيد الله بن زياد وهو يومئذ بالموصل في ثمانين الف من جند الشام قد ولاه عليهم عبد الملك بن مروان فلما التقى الجيشان على باب الموصل انهزم جند الشام وقتل منهم سبعون الف في المعركة وقتل عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير السكوتى وانفذ ابراهيم بن الاشتر برؤوسهم الى المختار فلما تمت للمختار ولاية الكوفة والجزيرة والماهين الى حدود ارمينية تكهن بعد ذلك وسجع كأسجاع الكهنة وحكى ايضا انه ادعى نزول الوحى عليه.

     فمن اسجاعه قوله اما والذي أنزل القرآن وبين الفرقان وشرع الاديان وكره العصيان لاقتلن النعاة من أزد عمان ومذحج وهمذان ونهد وخولان وبكر وهزان وثعل ونبهان وعبس وذبيان وقيس وعيلان.

     ثم قال وحق السميع العليم العلى العظيم العزيز الحكيم الرحمن الرحيم لاعركن عرك الاديم أشراف بنى تميم.

     ثم رفع خبر المختار الى ابن الحنفية وخاف من جهة الفتنة في الدين فأراد قدوم العراق ليصير اليه الذين اعتقدوا إمامته وسمع المختار ذلك فخاف من قدومه العراق ذهاب رياسته وولايته فقال لجنده انا على بيعة المهدى ولكن للمهدى علامة وهو أن يضرب بالسيف ضربة فان لم يقطع السيف جلده فهو المهدى وانتهى قوله هذا الى ابن الحنفية فأقام بمكة خوفا من ان يقتله المختار بالكوفة.

     ثم ان المختار خدعته السبابية الغلاة من الرافضة فقالوا له انت حجة هذا الزمان وحملوه على دعوى النبوة فادعاها عند خواصه وزعم أن الوحى ينزل عليه وسجع بعد ذلك فقال أما وتمشى السحاب الشديد العقاب السريع الحساب الغزير الوهاب القدير الغلاب لانبشن قبر ابن شهاب المفترى الكذاب المجرم المرتاب ثم ورب العالمين ورب البلد الامين لأقتلن الشاعر المهين وراجز المارقين واولياء الكافرين وأعوان الظالمين وإخوان الشياطين الذين اجتمعوا على الاباطيل وتقولوا على الاقاويل الاخطوبى لذوى الاخلاق الحميدة والافعال الشديدة والاراء العتيدة والنفوس السعيدة.

     ثم خطب بعد ذلك فقال في خطبته الحمد لله الذي جعلني بصيرا ونور قلبي تنويرا والله لاحرقن بالمصر دورا ولانبشن بها قبورا ولأشفين منها صدورا وكفى بالله هاديا ونصيرا.

     ثم أقسم فقال برب الحرم والبيت المحرم والركن المكرم والمسجد المعظم وحق ذي القلم ليرفعن لي علم من هنا الى أضم ثم الى اكناف ذي سلم.

     ثم قال اما ورب السماء لينزلن نار من السماء فليحرقن دار أسماء فأنهى هذا القول الى  أسماء بن خارجة فقال قد سجع بي أبو إسحاق وأنه سيحرق داري وهرب من داره وبعث المختار الى داره من أحرقها بالليل وأظهر من عنده ان نارا من السماء نزلت فاحرقها.

     ثم إن اهل الكوفة خرجوا على المختار لما تكهن واجتمعت السبابية اليه مع عبيد اهل الكوفة لانه وعدهم أن يعطيهم أموال ساداتهم وقاتل بهم الخارجين عليه فظفر بهم وقتل منهم الكثير وأسر جماعة منهم وكان في الأسراء رجل يقال له سراقة بن مرداس البارقى فقدم الى المختار وخاف البارقى أن يأمر بقتله فقال للذين أسروه وقدموه الى المختار ما أنتم أسرتمونا ولا أنتم هزمتمونا بعدتكم وانما هزمنا الملائكة الذين رأيناهم على الخيل البلق فوق عسكركم فأعجب المختار قوله هذا فاطلق عنه فلحق مصعب بن الزبير بالبصرة وكتب منها الى المختار هذه الابيات

ألا أبلغ أبا إسحق أنى         رأيت البلق دهما مصمتات    

أرى عينى ما لم تنظراه         كلانا عالم بالترهات    

كفرت بوحيكم وجعلت نذرا         على قتالكم حتى الممات         

     وفى هذا الذي ذكرناه بيان سبب كهانة المختار ودعواه الوحى اليه.

     واما سبب قوله بجواز البدء على الله عز وجل فهو أن ابراهيم بن الأشتر لما بلغه أن المختار تكهن وادعى نزول الوحي اليه قعد عن نصرته واستولى لنفسه على بلاد الجزيرة وعلم مصعب ابن الزبير ان ابراهيم بن الاشتر لا ينصر المختار فطمع عند ذلك في قهر المختار ولحق به عبيد الله بن الحر الجعفى ومحمد بن الاشعث الكندي واكثر سادات الكوفة غيظا منهم على المختار لاستيلائه على اموالهم وعبيدهم واطمعوا مصعبا في أخذ الكوفة قهرا فخرج مصعب من البصرة في سبعة آلاف رجل من عنده سوى من انضم اليه من سادات الكوفة وجعل على مقدمته المهلب بن ابى صفرة مع اتباعه من الأزد وجعل أعنة الخيل الى عبيد الله بن معمر التيمى وجعل الأحنف بن قيس على خيل تميم فلما انتهى خبرهم الى المختار اخرج صاحبه احمد ابن شميط الى قتال مصعب في ثلاثة آلاف رجل من نخبة عسكره وأخبرهم بان الظفر يكون لهم وزعم أن الوحى قد نزل عليه بذلك فالتقى الجيشان بالمدائن وانهزم اصحاب المختار وقتل اميرهم ابن شميط واكثر قواد المختار ورجع فلولهم الى المختار وقالوا له لم تعدنا بالنصر على عدونا فقال ان الله تعالى كان قد وعدني ذلك لكنه بدا له واستدل على الله بقول الله عز وجل {يمحو الله ما يشاء ويثبت}. فهذا كان سبب قول الكيسانية بالبداء.

     ثم ان المختار باشر قتال مصعب بن الزبير بنفسه بالمذار من ناحية الكوفة وقتل في تلك الواقعة محمد بن الأشعث الكندي قال المختار طابت نفسي بقتله ان لم يكن قد بقى من قتلة الحسين غيره ولا ابالى بالموت بعد هذا ثم وقعت الهزيمة على المختار واصحابه فانهزموا الى دار الامامة بالكوفة وتحصن فيها مع اربعمائة من اتباعه وحاصرهم مصعب فيها ثلاثة ايام حتى فنى طعامهم ثم خرجوا اليه في اليوم الرابع مستقتلين فقتلوا وقتل المختار معهم قتله أخوان يقال لهما طارف وطريف ابنا عبد الله بن دجاجة من بنى حنيفة وقال أعشى همدان في ذلك:

لقد نبئت والأنباء تنمي         بما لآقى الكوارث بالمذار

وما إن سرنى اهلاك قومي         وان كانوا وحقك في خسار

ولكنى سررت بما يلاقى         أبو إسحق من خزى وعار

     فهذا بيان سبب قول الكيسانية بجواز البدء على الله عز وجل.

     واختلفت الكيسانية الذين انتظروا محمد بن الحنفية وزعموا انه حى محبوس بجبل رضوى الى ان يؤذن له بالخروج واختلفوا في سبب حبسه هنالك بزعمهم.

     فمنهم من قال لله في امره سر لا يعلمه الا هو ولا يعرف سبب حبسه.

     ومنهم من قال إن الله تعالى عاقبة بالحبس لخروجه بعد قتل الحسين بن على الى يزيد  ابن معاوية وطلبه الأمان منه وأخذه عطاء ثم لخروجه في وجه ابن الزبير من مكة الى عبد الملك بن مروان هاربا من ابن الزبير وزعموا ان صاحبه عامر بن واثلة الكناني سار بين يديه وقال في ذلك المسير لأتباعه:

يا إخواني يا شيعتى لا تبعدوا    ووازروا المهدى كيما تهتدوا

محمد الخيرات يا محمد  انت الإمام الطاهر المسدد  

لا ابن الزبير السامرى الملحد  ولا الذي نحن اليه نقصد

     وقالوا: انه كان يجب عليه ان يقاتل ابن الزبير ولا يهرب فعصى ربه بتركه قتاله وعصاه بقصده عبدالملك بن مروان وكان قد عصاه قبل ذلك بقصده يزيد بن معاوية ثم إنه رجع من طريقه الى ابن مروان الى الطائف ومات بها ابن عباس ودفنه ابن الحنفية بالطائف ثم سار منها الى الذر فلما بلغ شعب رضوى اختلفوا فيه فزعم المقرون بموته انه مات فيه وزعم المنتظرون له أن الله حبسه هنالك وغيبه عن عيون الناس عقوبة له على الذنوب التى أضافوها اليه الى أن يؤذن له بالخروج وهو المهدى المنتظر.    

      ذكر الامامية من الرافضة:

     هؤلاء الامامية المخالفة للزيدية والكيسانية والغلاة خمس عشرة فرقة كاملية ومحمدية وباقرية وناوسية وشميطية وعمارية واسماعيلية ومباركية وموسوية وقطيعية واثنى عشرية وهشامية وزرارية ويونسية وشيطانية.

      ذكر الكاملية منهم:

     هؤلاء أتباع رجل من الرافضة كان يعرف بأبى كامل وكان يزعم أن الصحابة كفروا بتركهم بيعة على وكفر على بتركه قتالهم وكان يلزمه قتالهم كما لزمه قتال اصحاب صفين وكان بشار بن برد الشاعر الأعمى على هذا المذهب وروى انه قيل له ما تقول في الصحابة قال كفروا فقيل له فما تقول في على فتمثل بقول الشاعر:

وما شر الثلاثة ام عمر         بصاحبك الذى لا تصبحينا

     وحكى أصحاب المقالات عن بشار أنه ضم الى ضلالته في تكفير الصحابة وتكفير على معهم ضلالتين أخريين:

     إحداهما قوله يرجع برجعة الاموات الى الدنيا قبل يوم القيامة كما ذهب اليه اصحاب الرجعة من الرافضة.

     والثانية قوله بتصويب إبليس في تفضيل النار على الارض واستدلوا على ذلك بقول بشار في شعر له:

الأرض مظلمة والنار مشرفة         والنار معبودة مذ كانت النار

     وقد رد عليه صفوان الأنصاري في قصيدته التي قال فيها:

زعمت بأن النار اكرم عنصرا         وفى الأرض تحيا في الحجارة والزند     

ويخلق في أرحامها وارومها         أعاجيب لا تحصى بخط ولا عقد    

وفى القعر من لج البحار منافع         من اللؤلؤ المكنون والعنبر الورد    

ولا بد من أرض لكل مطير         وكل سبوح في العمائر ذي خد    

كذلك وما ينساخ في الارض ماشيا         على بطنه يمشى المجانب للقصد    

وفى فلك الاجبال فوق مقطم         زبرجد املاك الورى ساعة الحشد    

وفى الحرة [الرجلاءكم من] معادن         لهن مغارات يتحبس بالنقد    

من الذهب الإبريز والفضة التي         تروق وتغنى ذا القناعة والزهد    

وكل فلذ من نحاس وآنك         ومن زنبق حى ونوشادر سندى    

وفيها روانيخ وشب ومرتب         ومزمر قشا غير كاب ولا مكدى

وفيها ضروب القار والزفت والمها         وأصناف كبريت مطاولة الوقد    

ومن أثمد جوز وكلس وفضة         ومن توتيا في معاربها هندى    

وكل يواقيت الانام وحليها         من الارض والاحجار فاخرة المجد    

وفيها مقام الحل والركن والصفا         ومستلم الحجاج من جنه الخلد    

مفاخر للطين الذى كان أصلنا         ونحن بنوه غير شك ولا جحد    

فذلك تدبير ونفع وحكمة         وأوضح برهان على الواحد الفرد    

فيا بن حليف الشؤم واللؤم والعمى         وابعد خلق الله من طرق الرشد    

اتهجو أبا بكر وتخلع بعده         عليا وتعزو كل ذاك الى برد    

كأنك غضبان على الدين كله         وطالب ذحل لا يبيت على حقد    

تواتب أقمارا وأنت مشوه         وأقرب خلق الله من نسب القرد      

     وقد هجا حماد عجرد بشارا وقال في هجائه:    

ويا أقبح من قرد         اذا عمى القرد           

     وقيل ان بشارا ما جزع من شىء جزعة من هذا البيت وقال يرانى فيصفنى ولا أراه فأصفه.

     قال عبد القاهر أكفر هؤلاء الكاملية من وجهين:

     أحدهما من جهة تكفيرها جميع الصحابة من غير تخصيص.

     والثاني من جهة تفضيلها النار على الارض وقد ذكرنا بعض فضائح بشار بن برد وقد فعل الله به ما استحقه وذلك أنه هجا المهدى فأمر به حتى غرق في دجلة ذلك له خزى في الدنيا ولأهل ضلالته فى الآخرة عذاب أليم.    

       ذكر المحمدية:

     وهؤلاء ينتظرون محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على بن أبي طالب ولا يصدقون بقتله ولا بموته ويزعمون أنه في جبل حاجر من ناحية نجد الى ان يؤمر بالخروج وكان المغيرة بن سعيد العجلى في صلاته في التشبيه يقول لأصحابه إن المهدى المنتظر محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسين بن على ويستدل على ذلك بان اسمه محمد كاسم رسول الله واسم ابيه عبد الله كاسم أبى رسول الله وقال في الحديث عن النبي عليه السلام قوله في المهدى {ان اسمه يوافق اسمى واسم ابيه اسم ابى}. فلما اظهر محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على دعوته بالمدينة استولى على مكة والمدينة واستولى اخوه ابرهيم بن عبد الله على البصرة واستولى أخوهما الثالث وهو ادريس بن عبد الله على بعض بلاد المغرب وكان ذلك في زمان الخليفة أبى جعفر المنصور فبعث المنصور الى حرب محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بعيسى بن موسى في جيش كثيف وقاتلوا محمدا بالمدينة وقتلوه في المعركة ثم أنفذ بعيسى بن موسى ايضا الى حرب ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على مع جنده فقتلوا ابراهيم بباب حمرين على ستة عشر فرسخا من الكوفة ومات في تلك الفتنة إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بارض المغرب وقيل إنه سم بها ومات عبد الله بن الحسن بن الحسين والد اولئك الاخوة الثلاث في سجن المنصور وقبره بالقادسية وهو مشهد معروف يزار

     فلما قتل محمد بن عبد الله ابن الحسن بن الحسين بالمدينة اختلفت المغيرية فيه فرقتين

(1)        فرقة أقروا بقتله وتبرءوا من المغيرة بن سعيد العجلى وقالوا إنه كذب في قوله إن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين هو المهدى الذى ملك الارض لانه قتل وما ملك الأرض.

(2)        وفرقة منهم ثبتت على موالاة المغيرة بن سعيد العجلى وقالت إنه صدق في قوله إن المهدى محمد بن عبد الله وإنه لم يقتل وإنما غاب عن عيون الناس وهو في جبل حاجر من ناحية نجد مقيم هناك الى ان يؤمر بالخروج فيخرج ويملك الارض وتعقد البيعة بمكة بين الركن والمقام ويحيا له من الاموات سبعة عشر رجلا يعطى كل واحد منهم حرفا من حروف الاسم الأعظم فيهزمون الجيوش وزعم هؤلاء أن الذي قتله جند عيسى بن موسى بالمدينة لم يكن محمد بن عبد الله بن الحسن.

     فهذه الطائفة يقال لهم المحمدية لانتظارهم محمد بن عبد الله بن الحسن.

وكان جابر بن يزيد الجعفى على هذا المذهب وكان يقول برجعة الاموات الى الدنيا قبل القيامة وفى ذلك قال شاعر هذه الفرقة في شعر له:

الى يوم يؤوب الناس فيه         الى دنياهم قبل الحساب

وقال أصحابنا لهذه الطائفة إن أجزتم ان يكون المقتول بالمدينة غير محمد بن عبد الله بن الحسن واجزتم ان يكون المقتول هنا شيطانا تصور للناس في صورة محمد بن عبد الله بن الحسن فأجيزوا بأن يكون المقتولون بكربلاء غير الحسين وأصحابه وإنما كانوا شياطين تصوروا للناس بصور الحسين واصحابه وانتظروا حسينا كما انتظرتم محمد بن عبد الله بن الحسن او انتظروا عليا كما انتظرته السبابية منكم الذين زعموا أنه في السحاب والذى قتله عبد الرحمن بن ملجم كان شيطانا تصور للناس بصورة على وهذا مالا انفصال لهم عنه والحمد لله على ذلك.

       ذكر الباقرية منهم:

     هؤلاء قوم ساقوا الإمامة من على ابن ابى طالب رضى الله عنه في اولاده الى محمد بن على المعروف بالباقر وقالوا ان عليا نص على امامة ابنه الحسن ونص الحسن على امامة اخيه الحسين ونص الحسين على امامة ابنه على بن الحسين زين العابدين ونص زين العابدين على إمامة محمد بن على المعروف بالباقر وزعموا انه هو المهدى المنتظر بما روى أن النبي عليه السلام قال لجابر بن عبد الله الانصارى انك تلقاه فاقرأه منى السلام وكان جابر آخر من مات بالمدينة من الصحابة وكان قد عمى في آخر عمره وكان يمشى في المدينة ويقول يا باقر يا باقر متى ألقاك فمر يوما في بعض سكك المدينة. إلخ [ ناقص]

      ذكر الناووسية

     وهم أتباع رجل من أهل البصرة كان ينتسب إلى ناووس بها، وهم يسوقون الإمامة إلى جعفر الصادق بنص الباقر عليه، وزعموا أنه لم يمت، وأنه المهدي المنتظر، وزعم قوم [ناقص]

       ذكر الشميطية

     وهم منسوبون إلى يحيى بن شميط، [ناقص]

       ذكر العمارية:

     وهم منسوبون إلى زعيم منهم يسمى عمّارا،  ]

       ذكر الإسماعيلية:

وهؤلاء ساقوا الإمامة إلى جعفر، وزعموا أن الإمام بعده ابنه إسماعيل، وافترق هؤلاء فرقتين:

(1)        فرقة منتظر لإسماعيل بن جعفر، مع اتفاق أصحاب التواريخ على موت إسماعيل في حياة أبيه.

(2)        وفرقة قالت: كان الإمام بعد جعفر سبطه محمد بن إسماعيل بن جعفر حيث] ان جعفرا نصب ابنه إسماعيل للإمامة بعده فلما مات اسماعيل في حاة أبيه علمنا أنه إنما نصب ابنه اسماعيل للدلالة على امامة ابنه محمد بن إسماعيل.

     والى هذا القول مالت الاسماعيلية من الباطنية وسنذكرهم في فرق الغلاة بعد هذا    

     ذكر الموسوية منهم:

     هؤلاء الذين ساقوا الإمامة الى جعفر ثم زعموا أن الامام بعد جعفر كان ابنه موسى بن جعفر وزعموا أن موسى بن جعفر حي لم يمت وانه هو المهدي المنتظر وقالوا إنه دخل دار الرشيد ولم يخرج منها وقد علمنا إمامته وشككنا فى موته فلا نحكم في موته إلا بيقين.

     فقيل لهذه الفرقة الموسوية اذا شككتم في حياته وموته فشكوا في امامته ولا تقطعوا القول بانه باق وانه هو المهدى المنتظر هذا مع علمكم بأن مشهد موسى بن جعفر معروف في الجانب الغربي من بغداد يزار.

     ويقال لهذه الفرقة "موسوية" لانتظارها موسى بن جعفر. ويقال لها "الممطورة" ايضا لان يونس بن عبد الرحمن القمى كان من القطيعية وناظر بعض الموسوية فقال في بعض كلامه انتم أهون على عينى من الكلاب الممطورة.  

     ذكر المباركية:

     هؤلاء يريدون الإمامة في ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر كدعوى الباطنية فيه وقد ذكر أصحاب الانساب في كتبهم أن محمد بن إسماعيل بن جعفر مات ولم يعقب       

     ذكر القطعية منهم:

     هؤلاء ساقوا الإمامة من جعفر الصادق الى ابنه موسى وقطعوا بموت موسى وزعموا أن الامام بعده سبط محمد بن الحسن الذى هو سبط على بن موسى الرضا ويقال لهم الاثنا عشرية ايضا لدعواهم أن الامام المنتظر هو الثانى عشر من نسبه الى على بن أبي طالب رضي الله عنه واختلفوا في سن هذا الثانى عشر عند موت ابنه فمنهم من قال كان ابن أربع سنين ومنهم من قال كان ابن ثمانى سنين واختلفوا في حكمه في ذلك الوقت فمنهم من زعم أنه في ذلك الوقت كان إماما عالما بجميع ما يجب أن يعمله الإمام وكان مفروض الطاعة على الناس ومنهم من قال كان في ذلك الوقت إماما على معنى ان الامام لا يكون غيره وكانت الاحكام يومئذ الى العلماء من اهل مذهبه الى أوان بلوغه فلما بلغ تحققت إمامته ووجبت طاعته وهو الآن الإمام الواجب طاعته وان كان غائبا    

     ذكر الهشامية منهم:

     هؤلاء فرقتان فرقة تنسب الى هشام ابن الحكم الرافض والفرقة الثانية تنسب الى هشام بن سالم الجواليقى وكلتا الفرقتان قد ضمت الى خيرتها في الامامة وضلالتها في التجسيم وبدعتها فى التشبيه.     

     ذكر قول هشام بن الحكم زعم هشام بن الحكم ان معبوده جسم ذو حد ونهاية وانه طويل عريض عميق وأن طوله مثل عرضه مثل عمقه ولم يثبت طولا غير الطويل ولا عرضا غير العريض وقال ليس ذهابه في جهة الطول أزيد على ذهابه في جهة العرض وزعم ايضا أنه نور ساطع يتلألأ كالسبيكة الصافية من الفضة وكاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها وزعم ايضا 4 أنه ذو لون وطعم ورائحة ومجسة وان لونه هو طعمه وطعمه هو رائحته ورائحته هو مجسته ولم يثبت لونا وطعما هما نفسه بل زعم انه هو اللون وهو الطعم ثم قال قد كان الله ولا مكان ثم خلق المكان بان تحرك فحدث مكانه بحركته فصار فيه ومكانه هو العرش.

     وحكى بعضهم عن هشام أن قال في معبوده أنه سبعة اشبار بشبر نفسه كأنه قاسه على الانسان لأن كل انسان في الغالب من العادة سبعة اشبار بشبر نفسه.

     وذكر ابو الهذيل في بعض كتبه انه لقى هشام بن الحكم في مكة عند جبل أبي قبيس فسأله أيهما أكبر معبوده أم هذا الجبل قال فاشار الى ان الجبل يوفى عليه تعالى ان الجبل أعظم منه

   وحكى ابن الروندى في بعض كتبه عن هشام انه قال بين الله وبين الاجسام المحسوسة تشابه من بعض الوجوه لولا ذلك ما دلت عليه.

     وذكر الجاحظ في بعض كتبه عن هشام انه قال ان الله عز وجل انما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه والذاهب في عمق الأرض وقالوا لولا مماسة شعاعه لما وراء الاجسام السائرة لما رأى ما وراءها ولا علمها.

     وذكر ابو عيسى الوراق في كتابه أن بعض أصحاب هشام أجابه الى أن الله عز وجل مماس لعرشه لا يفصل عن العرش ولا يفصل العرش عنه.

     وقد روى أن هشاما مع ضلالته في التوحيد ضل في صفات الله أيضا فأحال القول بأن الله لم يزل عالما بالاشياء.

     وزعم أنه علم الاشياء بعد أن لم يكن عالما بها بعلم وان العلم صفة له ليست هي هو ولا غيره ولا بعضه. قال ولا يقال لعلمه انه قديم ولا محدث لانه صفة وزعم ان الصفة لا توصف.

     وقال ايضا في قدرة الله وسمعه وبصره وحياته وإرادته انها لا قديمة ولا محدثة لان الصفة لا توصف وقال فيها انها هى هو ولا غيره.

     وقال ايضا لو كان لم يزل عالما بالمعلومات لكانت المعلومات أزلية لانه لا يصح عالم الا بمعلوم موجود كأنه أحال تعلق العلم بالمعدوم وقال ايضا لو كان عالما بما يفعله عباده قبل وقوع الافعال منهم لم يصح منه الا اختيار العباد وتكليفهم.

     وكان هشام يقول في القرآن انه لا خالق ولا مخلوق ولا يقال انه غير مخلوق لانه صفة والصفة لا توصف عنده.    

     واختلفت الرواية عنه في أفعال العباد فروى عنه انها مخلوقة لله عز وجل وروى عنه انها معان وليست بأشياء ولا أجسام لان الشيء عنده لا يكون إلا جسما.

     وكان هشام يجيز على الانبياء العصيان مع قوله بعصمة الائمة من الذنوب وزعم ان نبيه صلى الله عليه وسلم عصى ربه عز وجل في أخذ الفدا من أسارى بدر غير أن الله عز وجل عفى عنه وتأول على ذلك قول الله تعالى {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}. وفرق في ذلك بين النبي والإمام بان النبي إذا عصى اتاه الوحى بالتنبيه على خطاياه والإمام لا ينزل عليه الوحى فيجب أن يكون معصوما عن المعصية.

     وكان هشام على مذهب الإمامية في الامامة وأكفره سائر الامامية باجازته المعصية على الانبياء وكان هشام يقول بنفى نهاية أجزاء الجسم وعنه أخذ النظام إبطال الجزء الذى لا يتجزى.

     وحكى زرقان عنه في مقالته أنه قال بمداخلة الاجسام بعضها في بعض كما أجاز النظام تداخل الجسمين اللطيفين في حيز واحد.

     وحكى عنه زرقان انه قال الانسان شيئان بدن وروح والبدن موات والروح حساسة مدركة فاعلة وهى نور من الانوار.

     وقال هشام في سبيل الزلزلة ان الارض مركبة من طبائع مختلفة يمسك بعضها بعضا فاذا ضعفت طبيعة منها غلبت الاخرى فكانت الزلزلة فان ازدادت الطبيعة ضعفا كان الخسف.

     وحكى زرقان عنه أنه أجاز المشى على الماء لغير نبى مع قوله بأنه لا يجوز ظهور الاعلام المعجزة على غير نبى.

     ذكر هشام بن سالم الجواليقى هذا الجواليقى مع رفضه على مذهب الاماميه مفرط في التجسيم والتشبيه لأنه زعم أن معبوده على صورة الانسان ولكنه ليس بلحم ولا دم بل هو نور ساطع بياضا.

     وزعم انه ذو حواس خمس كحواس الانسان وله يد ورجل وعين وأذن وأنف وفم وانه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة وأن نصفه الأعلى مجوف ونصفه الاسفل مصمت     

     وحكى ابو عيسى الوراق أنه زعم أن لمعبوده وفرة سوداء وانه نور اسود وباقيه نور أبيض.     

     وحكى شيخنا أبو الحسن الاشعرى في مقالاته: أن هشام بن سالم قال في ارادة الله تعالى بمثل قول هشام بن الحكم فيها وهى أن ارادته حركة وهى معنى لا هى الله ولا غيره وان الله تعالى اذا أراد شيئا تحرك فكان ما أراد.

     قال ووافقهما أبو مالك الحضرمى وعلى بن ميثم وهما من شيوخ الروافض ان ارادة الله تعالى حركة غير انهما قالا إن إرادة الله تعالى غير     

     وحكى ايضا عن الجواليقى أنه قال في أفعال العباد أنها أجسام لانه لا شىء في العالم إلا الاجسام وأجاز ان يفعل العباد الاجسام وروى مثل هذا القول عن شيطان الطاق ايضا.      

 ذكر الزرارية منهم:

     هؤلاء اتباع على زرارة بن أعين وكان على مذهب القحضية القائلين بامامة عبد الله بن جعفر ثم انتقل الى مذهب الموسوية وبدعته المنسوبة اليه قوله بان الله عز وجل لم يكن حيا ولا قادرا ولا سميعا ولا بصيرا ولا عالما ولا مريدا حتى خلق لنفسه حياة وقدرة وعلما وإرادة وسمعا وبصرا فصار بعد أن خلق لنفسه هذه الصفات حيا قادرا عالما مريدا سميعا بصيرا وعلى منوال هذا الضال نسجت القدرية البصرية بحدوث الله وحدوث كلامه وعليه نسجت الكرامية قولها بحدوث قول الله وإرادته وإدراكاته.    

 كر اليونسية منهم:

     هؤلاء اتباع يونس بن عبد الرحمن القمى وكان في الامامية على مذهب القطيعية الذين قطعوا بموت موسى بن جعفر وهو الذي لقب الواقفة في موت موسى بالكلاب الممطورة وأفرط يونس هذا في باب التشبيه فزعم ان الله عز وجل يحمله حملة عرشه وهو أقوى منهم كما ان الكرسى يحمله رجلاه وهو أقوى من رجليه واستدل على أنه محمول بقول ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية وقال اصحابنا الآية دلالة على ان العرش هو المحمول دون الرب تعالى.     

 ذكر الشيطانية منهم:

     هؤلاء أتباع محمد بن النعمان الرافضى الملقب بشيطان الطاق الى ابنه موسى وقطع بموت موسى وانتظر بعض أسباطه وشارك هشام بن سالم الجواليقى في دعواهما أن أفعال العباد أجسام وأن العبد يصح أن يفعل الجسم وشارك هشام بن الحكم وتكليفهم وزعم أيضا أن الله تعالى إنما يعلم الاشياء اذا قدرها وأرادها ولا يكون قبل تقديره الاشياء عالما بها، وإلا ما صح تكليف العباد.    

     قال عبد القاهر قد ذكرنا في هذا الفصل فرق الرفض بين الزيدية والكيسانية والامامية والكيسانية منهم اليوم مغمورون في غمار أخلاط الزيدية والامامية وبين الزيدية والامامية منهم معاداة تورث تضليل بعضهم بعضا وقال بعض الشعراء الإمامية يهجى الزيدية:

يا أيها الزيدية المهملة         إمامكم ذا آفة مرسله    

يا ضماث الحق تبا لكم         غصتم فأخرجتم لنا جندله      

     فاجابه شاعر الزيدية:    

إمامنا منتصب قائم         لا كالذى يطلب بالعربلة    

كل إمام لا يرى جهرة         ليس يساوى عندنا خردلة            

     قال عبد القاهر قد أجبنا الفريقين عن شعرهما بقولنا:    

يا أيها الرافضة المبطلة         دعواكم من أصلها مبطلة    

إمامكم ان غاب في ظلمة         فاستدركوا الغائب بالمشعله    

أو كان مغمورا باغماركم         فاستخرجوا المغمور بالغربلة    

لكن إمام الحق في قولنا         من سنة أو أية منزلة    

وفيهما للمهتدى مقنع         كفى بهذين لنا منزله