الباب الثالث: الفصل الثاني:في بيان مقالات فرق الخوارج

   الفصل الثاني من فصول هذا الباب

في بيان مقالات فرق الخوارج

     قد ذكرنا قبل هذا أن الخوارج عشرون فرقة وهذه أسماؤها المحكمة الاولى الأزارقة والنجدات والصفرية ثم العجاردة المفترقة فرقا منها الخازمية والشعيبية والمعلومية والمجهولية وأصحاب طاعة لا يراد الله تعالى بها والصلتية والاخنسية والشيبية والشيبانية والمعبدية والرشيدية والمكرمية والخمرية والشمراخية والابراهيمية والوافقة والاباضية منهم افترقت فرقا معظمها فريقان حفصية وحادثية فأما اليزيدية من الأباضية والميمونية من العجاردة فانها فرقتنا من غلاة الكفرة الخارجين عن فرق الامة وسنذكرهما في باب ذكر فرق الغلاة بعد هذا ان شاء الله عز وجل.

     وقد اختلفوا فيما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها فذكر الكعبى في مقالاته أن الذى يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها إكفار على وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضى بتحكيم الحكمين والإكفار بارتكاب الذنوب ووجوب الخروج على الإمام الجائر.

     وقال شيخنا أبو الحسن الذى يجمعها إكفار على وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضى بالتحكيم وصوب الحكمين او أحدهما ووجوب الخروج على السلطان الجائر ولم يرض ما حكاه الكعبى من إجماعهم على تكفير مرتكبى الذنوب الصواب ما حكاه شيخنا أبو الحسن عنهم وقد أخطأ الكعبى في دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبى الذنوب منهم وذلك ان النجدات من الخوراج لا يكفرون أصحاب الحدود من موافقتهم.

     وقد قال قوم من الخوارج ان التكفير انما يكون بالذنوب التي ليس فيها وعيد مخصوص فاما الذى فيه حد او عيد في القرآن فلا يزاد صاحبه على الاسم الذى ورد فيه مثل تسميته زانيا وسارقا ونحو ذلك.

     وقد قالت النجدات إن صاحب الكبيرة من موافقتهم كافر نعمة وليس فيه كفر دين.

     وفى هذا بيان خطإ الكعبى في حكايته عن جميع الخوارج تكفير أصحاب الذنوب كلهم منهم ومن غيرهم.

     وإنما الصواب فيما يجمع الخوارج كلها ما حكاه شيخنا الحسن رحمه الله من تكفيرهم عليا وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن صوبهما او صوب احدهما أو رضى بالتحكيم ونذكر الآن تفصيل كل فرقة منهم إن شاء الله عز وجل.

       ذكر المحكمة الأولى منهم: يقال للخوارج محكمة وشراة.

       واختلفوا في اول من تشرى منهم فقيل عروة بن حدير أخو مرادس الخارجى وقيل اولهم يزيد بن عاصم المحاذى وقيل رجل من ربيعة من بنى يشكر كان مع على بصفين فلما رأى اتفاق الفريقين على الحكمين استوى على فرسه وحمل على أصحاب معاوية وقتل منهم رجلا وحمل على أصحاب على وقتل منهم رجلا ثم نادى بأعلى صوته ألا إنى قد خلعت عليا ومعاوية وبرئت من حكمهما ثم قاتل أصحاب على حتى قتله قوم من همذان.

     ثم إن الخوارج بعد رجوع على من صفين الى الكوفة انحازوا الى حرورا وهم يومئذ اثنا عشر الفا ولذلك سميت الخوارج حرورية وزعيمهم يومئذ عبد الله بن كوا وشبت بن ربعى وخرج اليهم على وناظرهم ووضحت حجته عليهم فاستأمن اليه ابن الكوا مع عشرة من الفرسان وانحاز الباقون منهم الى النهروان وأمروا على أنفسهم رجلين أحدهما عبد الله بن وهب الراسبى والآخر حرقوص بن زهير البجلي العرني المعروف بذى الثدية والتقوا في طريقهم الى نهروان برجل رأوه يهرب منهم فأحاطوا به وقالوا له من أنت قال انا عبد الله بن حباب بن الأرت فقالوا له حدثنا حديثا سمعته عن أبيك عن رسول الله فقال سمعت أبي يقول قال رسول الله ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشى والماشى خير من الساعى فمن استطاع ان يكون فيها مقتولا فلا يكونن قاتلا فشد عليه رجل من الخوارج يقال له مسمع بن قدلي بسيفه فقتله فجرى دمه فوق ماء النهر كالشراك الى الجانب الآخر ثم إنهم دخلوا منزله وكان في القرية التى قتلوه على بابها فقتلوا ولده وجاريته أم ولده ثم عسكروا بنهروان وانتهى خبرهم الى على رضي الله عنه فسار اليهم في أربعة ألف من أصحابه وبين يديه عدى بن حاتم الطائى وهو يقول:

نسير اذا ما كاع قوم وبلدوا         برايات صدق كالنسور الخوافق    

الى شر قوم من شراة تحزبوا         وعادوا إله الناس رب المشارق    

طغاة عماة مارقين عن الهدى         وكل ينفى قوله غير صادق    

وفينا على ذو المعالى يقودنا         اليهم جهارا بالسيوف البوارق         

     فلما قرب على منهم أرسل اليهم على: أن سلموا قاتل عبد الله ابن حباب فأرسلوا اليه إنا كلنا قتله ولئن ظفرنا بك قتلناك فأتاهم على في جيشه وبرزوا اليه يجمعهم فقال لهم قبل القتال ماذا نقمتم منى فقالوا له اول ما نقمنا منك أنا قاتلنا بين يديك يوم الجمل فلما انهزم أصحاب الجمل أبحت لنا ما وجدنا في عسكرهم من المال ومنعتنا من سبى نسائهم وذراريهم فكيف استحللت مالهم دون النساء والذرية فقال إنما أبحت لكم أموالهم بدلا عما كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومى عليهم والنساء والذرية لم يقاتلونا وكان لهم حكم الاسلام بحكم دار الاسلام ولم يكن منهم ردة عن الاسلام ولا يجوز استرقاق من لم يكفر وبعد لو أبحت لكم النساء أيكم يأخذ عائشة فى سهمه فخجل القوم من هذا ثم قالوا له نقمنا عليك محو إمرة أمير المؤمنين على اسمك في الكتاب بينك وبين معاوية لما نازعك معاوية في ذلك فقال فعلت مثل ما فعل رسول الله يوم الحديبية حين قال له سهيل بن عمرو لو علمت انك رسول الله لما نازعتك ولكن اكتب باسمك واسم ابيك فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو وأخبرنى رسول الله ان لى منهم يوما مثل ذلك فكانت قصتى في هذا مع الأبناء قصة رسول الله مع الآباء فقالوا له فلم قلت للحكمين إن كنت اهلا للخلافة فأثبتانى فإن كنت في شك من خلافتك فغيرك بالشك فيك اولى فقال إنما أردت بذلك النصفة لمعاوية ولو قلت للحكمين احكما لى بالخلافة لم يرض بذلك معاوية وقد دعا رسول الله عليه السلام نصارى نجران الى المباهلة وقال لهم {تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}.  فانصفهم بذلك عن نفسه ولو قال ابتهل فاجعل لعنة الله عليكم لم يرض النصارى بذلك لذلك أنصفت انا معاوية من نفسى ولم أدر غدر عمرو بن العاص قالوا فلم حكمت الحكمين في حق كان لك فقال وجدت رسول الله قد حكم سعد بن معاذ فى بنى قريظة ولو شاء لم يفعل وأقمت أنا أيضا حكما لكن حكم رسول الله عليه السلام حكم بالعدل وحكمى خدع حتى كان من الامر ما كان فهل عندكم شيء سوى هذا فسكت القوم وقال اكثرهم صدق والله وقالوا التوبة واستأمن اليه منهم يومئذ ثمانية الف وانفرد منهم أربعة الآف بقتاله مع عبد الله بن وهب الراسبى وحرقوص بن زهير البجلى وقال على للذين استأمنوا اليه اعتزلونى في هذا اليوم وقاتل الخوارج بالذين قدموا معه من الكوفة وقال لاصحاب قاتلوهم فوالذى نفسى بيده لا يقتل منا عشرة ولا ينجو عشرة منهم فقتل من أصحاب على يومئذ تسعة وهم دويبية بن وبرة البجلى وسعد بن مجالد السيبعى وعبد الله بن حماد الجهيرى ورقانة بن وائل الارجى والفياض بن خليل الازدى وكبسوم بن سلمة الجهنى وعتبة بن عبيد الخلاوني وجميع بن جشم الكندى وحبيب بن عاصم الأودى قتل هؤلاء التسعة تحت راية على رضى الله عنه فحسب وبرز حرقوص بن زهير الى على وقال يا بن أبى طالب والله لا نريد بقتالك إلا وجه الله والدار الآخرة وقال له على بل مثلكم كما قال الله عز وجل {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. منهم أنتم ورب الكعبة ثم حمل عليهم في أصحابه وقتل عبد الله بن وهب في المبارزة وصرع ذو الثدية عن فرسه وقتلت الخوارج يومئذ فلم يفلت منهم غير تسعة أنفس صار منهم رجلان الى سجستان ومن اتباعهما خوارج سجستان ورجلان صارا الى اليمن ومن أتباعهما أباضية اليمن ورجلان صارا الى عمان ومن اتباعهما خوارج عمان ورجلان صارا الى ناحية الجزيرة ومن اتباعهما كان خوارج الجزيرة ورجل منهم صار الى تل مورون وقال على لاصحابه يومئذ اطلبوا ذا الثدية فوجدوه تحت دالية ورأوا تحت يده عند الابط مثل ثدى المراة فقال صدق الله ورسوله وأمر فقتل.

     فهذه قصة المحكمة الاولى وكان دينهم كفار على وعثمان وأصحاب الجمل ومعاوية واصحابه والحكمين ومن رضى بالتحكيم وإكفار كل ذى ذنب ومعصية.

     ثم خرج على على بعد ذلك من الخوراج جماعة كانوا على رأي المحكمة الاولى منهم أشرس بن عوف وخرج عليه بالأنبار وغلفة التيمى من تيم عدى خرج عليه بماسيذان والاشهب بن بشر العرنى خرج عليه بحر جرايا وسعد بن قفل خرج عليه بالمدائن وابو مريم السعدى خرج عليه في سواد الكوفة فاخرج على الى كل واحد منهم جيشا مع قائد حتى قتلوا أولئك الخوارج ثم قتل على رضي الله عنه في تلك السنة في شهر رمضان سنة ثمانى وثلاثين من الهجرة.

     فلما استوت الولاية لمعاوية خرج عليه وعلى من بعده الى زمان الازارقة قوم كانوا على رأى المحكمة الأولى.

     منهم عبد الله بن جوشا الطائى خرج على معاوية بالنخيلة من سواد الكوفة فأخرج معاوية اليه اهل الكوفة حتى قتلوا اولئك الخوراج.

     ثم خرج عليه حوثرة بن وداع الأسدى وكان من المستأمنين الى على يوم النهروان في سنة احدى وأربعين.

     ثم خرج قروة بن نوفل الأشجعى المستورد بن علقمة التميمى على المغيرة بن شعبة وهو يومئذ امير الكوفة من قبل معاوية فقتلا في حربه.

     ثم خرج معاذ بن جرير على المغيرة فقتل في حربه.

     ثم خرج زياد بن خراش العجلى على زياد بن أبيه فقتل في حربه.

     وخرج قريب بن مرة على عبيد الله بن زياد وخرج عليه ايضا زحاف بن رحر الطائى واستعرضا الناس في الطريق بالسيف فأخرج بن زياد اليهما بعباد بن الحصين الحيطى في جيش فقتلوا اولئك الخوارج.

     فهؤلاء هم الخوارج الذين عاونوا على المحكمة الاولى قبل فتنة الأزارقة والله اعلم.

      ذكر الأزارقة منهم:

     هؤلاء اتباع نافع بن الازرق الحنفى المكنى بأبى راشد ولم تكن للخوارج قط فرقة اكثر عددا ولا أشد منهم شوكة.

     والذى جمعهم من الدين أشياء:

     منها قولهم بأن مخالفيهم من هذه الامة مشركون وكانت المحكمة الاولى يقولون إنهم كفرة لا مشركون.

     ومنها قولهم إن القعدة ممن كان على رأيهم عن الهجرة اليهم مشركون وإن كانوا على رأيهم وكانت المحكمة الاولى لا يكفرون القعدة عنهم اذا كانوا على رأيهم.

     ومنها أنهم أوجبوا امتحان من قصد عسكرهم إذا ادعى أنه منهم أن يدفع اليه اسير من مخالفيهم وأمروه بقتله فإن قتله صدقوه في دعواه أنه منهم وان لم يقتله قالوا هذا منافق ومشرك وقتلوه.

     ومنها أنهم استباحوا قتل نساء مخالفيهم وقتل أطفالهم وزعموا أن الاطفال مشركون وقطعوا بأن أطفال مخالفيهم مخلدون في النار.

     واختلفوا في أول من أحدث ما انفردت الأزارقة به من إكفار القعدة عنهم ومن امتحان من قصد عسكرهم.

     فمنهم من زعم أن أول من أحدث ذلك منهم عبد ربه الكبير ومنهم من قال عبد ربه الصغير.

     ومنهم من قال أول من قال ذلك رجل منهم اسمه عبد الله ابن الوضين وخالف نافع بن الأزرق في ذلك واستتابه منه فلما مات ابن الوضين رجع نافع واتباعه الى قوله وقالوا كان الصواب معه ولم يكفر نافع نفسه بخلافه إياه حين خالفه وأكفر من يخالفه بعد ذلك ولم يتبرأ من المحكمة الاولى في تركهم إكفار القعدة عنهم وقال ان هذا شىء ما زلنا دونهم وأكفر من يخالفهم بعد ذلك في اكفار القعدة عنهم.

     وزعم نافع واتباعه أن دار مخالفيهم دار كفر ويجوز فيها قتل الأطفال والنساء وأنكرت الأزارقة الرجم واستحلوا كفر الأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها وقالوا ان مخالفينا مشركون فلا يلزمنا إذا امانتنا إليهم ولم يقيموا الحد على قاذف الرجل المحصن وأقاموه على قاذف المحصنات من النساء وقطعوا يد السارق في القليل والكثير ولم يعتبروا في السرقة نصابا.

     وأكفرتهم الأمة في هذه البدع التي أحدثوها بعد كفرهم الذى شاركوا فيه المحكمة الاولى فباءوا بكفر على كفر كمن باء بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين.

     ثم الازارقة بعد اجتماعها على البدع التى حكيناها عنهم بايعوا نافع بن الازرق وسموه أمير المؤمنين وانضم اليهم خوارج عمان واليمان فصاروا اكثر من عشرين ألفا واستولوا على الأهواز وما وراءها من أرض فارس وكرمان وجبوا خراجها وعامل البصرة يومئذ عبد الله بن الحرث الخزاعى من قبل عبد الله بن الزبير فأخرج عبد الله بن الحرث جيشا مع مسلم بن عبس بن كريز بن حبيب بن عبد شمس لحرب الأزارقة فاقتتل الفريقان بدولاب الاهواز فقتل مسلم ابن عبس وأكثر أصحابه فخرج الى حربهم من البصرة عثمان ابن عبيد الله بن معمر التميمى فى ألفى فارس فهزمته الازارقة فخرج اليهم حارثة بن بدر الفدانى في ثلاثة آلاف من جند البصرة فهزمتهم الازارقة فكتب عبد الله بن الزبير من مكة الى المهلب ابن أبي صفرة وهو يومئذ بخراسان يأمره بحرب الازارقة وولاه ذلك فرجع المهلب الى البصرة وانتخب من جندها عشرة آلاف وانضم اليه قومه من الأزد فصار في عشرين ألفا وخرج وقاتل الأزارقة وهزمهم عن دولاب الأهواز إلى الأهواز ومات نافع ابن الأزرق في تلك الهزيمة وبايعت الأزارقة بعده عبيد الله بن مأمون التميمى وقاتلهم المهلب بعد ذلك بالاهواز فقتل عبيد الله بن مأمون في تلك الواقعة وقتل ايضا أخوه عثمان بن مأمون مع ثلثمائة من أشد الازارقة وانهزم الباقون منهم الى ايدج وبايعوا قطرى بن الفجاءة وسموه أمير المؤمنين وقاتلهم المهلب بعد ذلك حروبا كانت سجالا وانهزمت الأزارقة في آخرها الى سابور من أرض فارس وجعلوها دار هجرتهم وثبت المهلب وبنوه وأتباعهم على قتالهم تسع عشرة سنة بعضها في أيام عبد الله بن الزبير وباقيها في زمان خلافة عبد الملك بن مروان وولاية الحجاج على العراق وقرر الحجاج المهلب على حرب الازارقة فدامت الحرب في تلك السنين بين المهلب وبين الازارقة كرا وفرا فيما بين فارس والاهواز الى أن وقع الخلاف بين الازارقة ففارق عبد ربه الكبير قطريا وصار الى واد بجيرفت كرمين في سبعة آلاف رجل وفارقه عبد ربه الصغير في أربعة آلاف وصار الى ناحية اخرى من كرمان وبقى قطري في بضعة عشر ألف رجل بأرض فارس وقاتله المهلب بها وهزمه الى أرض كرمان وتبعه وقاتله بأرض كرمان وهزمه منها الى الرى ثم قاتل عبد ربه الكبير فقتله وبعث بابنه يزيد بن المهلب الى عبد ربه الصغير فأتى عليه وعلى اصحابه وبعث الحجاج سفين بن الأبرد الكلبى في جيش كثيف الى قطرى بعد أن انحاز من الرى الى طبرستان فقتلوه بها وانفذوا برأسه الى الحجاج وكان عبيدة بن هلال اليشكرى قد فارق قطريا وانحاز الى قومس فتبعه سفين بن الابرد وحاصره في حصن قومس الى ان قتله وقتل اتباعه وطهر الله بذلك الارض من الازارقة والحمد لله على ذلك.

      ذكر النجدات منهم:

     هؤلاء اتباع نجدة بن عامر الحنفى وكان السبب في رياسته وزعامته أن نافع بن الازرق لما أظهر البراءة من القعدة عنه ان كانوا على رايه وسماهم مشركين واستحل قتل أطفال مخالفيه ونسائهم وفارقه أبو قديل وعطية الحنفى وراشد الطويل ومقلاص وأيوب الأزرق وجماعة من اتباعهم وذهبوا الى اليمامة فاستقبلهم نجدة بن عامر في جند من الخوارج يريدون اللحوق بعسكر نافع فاخبروهم بأحداث نافع وردوهم الى اليمامة وبايعوا بها نجدة بن عامر وأكفروا من قال بإكفار القعدة منهم عن الهجرة اليهم وأكفروا من قال بإمامة نافع وأقاموا على إمامة نجدة الى أن اختلفوا عليه في امور نقموها منه فلما اختلفوا عليه صاروا ثلاث فرق:

(1)        فرقة صارت مع عطية بن الأسود الحنفى الى سجستان وتبعهم خوارج سجستان ولهذا قيل لخوارج سجستان في ذلك الوقت عطوية.

(2)        وفرقة صارت مع أبي قديل حربا على نجدة وهم الذين قتلوا نجدة.

(3)        وفرقة عدروا نجدة في احداثه وأقاموا على إمامته والذى نقمه على نجدة اتباعه أشياء:

     منها انه بعث جيشا في غزو البر وجيشا في غزو البحر ففضل الذين بعثهم في البر على الذين بعثهم في البحر في الرزق والعطا.

ومنها أنه بعث جيشا فأغاروا على مدينة الرسول عليه السلام وأصابوا منها جارية من بنات عثمان بن عفان فكتب اليه عبد الملك في شأنها فاشتراها من الذى كانت في يديه وردها الى عبد الملك بن مروان فقالوا له إنك رددت جارية لنا على عدونا.

     ومنها أنه عذر أهل الخطأ في الاجتهاد بالجهالات وكان السبب في ذلك أنه بعث ابنه المطرح مع جند من عسكره الى القطيف فأغاروا عليها وسبوا منها النساء والذرية وقوموا النساء على أنفسهم ونكحوهن قبل إخراج الخمس من الغنيمة وقالوا ان دخلت النساء في قسمنا فهو مرادنا وان زادت فيمهن على نصيبنا من الغنيمة غرمنا الزيادة من أموالنا فلما رجعوا الى نجدة سألوه عما فعلوا من وطء النساء ومن أكل طعام الغنيمة قبل إخراج الخمس منها وقبل قسمة أربعة أخماسها بين الغانمين فقال لهم لم يكن لكم ذلك فقالوا لم نعلم ان ذلك لا يحل لنا فعذرهم بالجهالة ثم قال ان الدين أمران أحدهما معرفة الله تعالى ومعرفة رسله وتحريم دماء المسلمين وتحريم غصب اموال المسلمين والإقرار بما جاء من عند الله تعالى جملة فهذا واجب معرفته على كل مكلف وما سواه فالناس معذورون بجهالته حتى يقيم عليه الحجة في الحلال والحرام فمن استحل باجتهاده شيئا محرما فهو معذور ومن خاف من العذاب على المجتهد المخطىء قبل قيام الحجة عليه فهو كافر.

     ومن بدع نجدة ايضا انه تولى اصحاب الحدود من موافقيه وقال لعل الله يعذبهم بذنوبهم في غير نار جهنم ثم يدخلهم الجنة وزعم أن النار يدخلها من خالفه في دينه.

     ومن ضلالاته أيضا أنه أسقط حد الخمر.

     ومنها ايضا أنه قال من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة وأصر عليها فهو مشرك ومن زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر عليه فهو مسلم اذا كان من موافقيه على دينه.

     فلما أحدث هذا الإحداث وعذر اتباعه بالجهالات استتابه أكثر أتباعه من إحداثه وقالوا له اخرج الى المسجد وتب من إحداثك ففعل ذلك.

     ثم ان قوما منهم ندموا على استتابته وانضموا الى العاذرين له وقالوا له أنت الإمام ولك الاجتهاد ولم يكن لنا ان نستتيبك فتب من توبتك واستتب الذين استتابوك وإلا نابذناك ففعل ذلك فافترق عليه أصحابه وخلعه اكثرهم وقالوا له اختر لنا إماما فاختار أبا فديك وصار راشد الطويل مع أبى فديك يدا واحدة فلما استولى أبو فديك على اليمامة علم ان أصحاب نجدة اذا عادوا من غزواتهم أعادوا نجدة الى الإمارة فطلب عبده ليقتله فاختفى نجدة في دار بعض عاذريه ينتظر رجوع عساكره الذين كان قد فرقهم في سواحل الشام ونواحى اليمن ونادى منادى أبى فديك من دلنا على نجدة فله عشرة آلاف درهم وأى مملوك دلنا عليه فهو حر فدلت عليه أمة للذين كان نجدة عندهم فأنفذ أبو فديك راشدا الطويل في عسكر اليه فكسبوه وحملوا رأسه الى أبى فديك.

     فلما قتل نجدة صارت النجدات بعده ثلاث فرق:

(1)        فرقة أكفرته وصارت الى أبى فديك كراشد الطويل وأبى بيهس وأبى الشمراخ واتباعهم.

(2)        وفرقة عذرته فيما فعل وهم النجدات اليوم.

(3)        وفرقة من النجدات بعدوا عن اليمامة وكانوا بناحية البصرة شكوا فيما حكى من احداث نجدة توقفوا في أمره وقالوا لا ندري هل أحدث تلك الأحداث ام لا فلا نبرأ منه الا باليقين.

     وبقى ابو فديك بعد قتل نجدة الى ان بعث اليه عبد الملك بن مروان يعمر بن عبيد الله بن معمر التيميى في جند فقتلوا أبا فديك وبعثوا برأسه الى عبد الملك بن مروان فهذه قصة النجدات.    

      ذكر الصفرية من الخوارج:

     هؤلاء اتباع زياد بن الأصفر وقولهم في الجملة كقول الأزارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون غير أن الصفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم والأزارقة يرون ذلك وقد زعمت فرقة من الصفرية أن ما كان من الأعمال عليه حد واقع لا يسمى صاحبه الا بالاسم الموضوع له كزان وسارق وقاذف وقاتل عمد وليس صاحبه كافرا ولا مشركا وكل ذنب ليس فيه حد كترك الصلاة والصوم فهو كفر وصاحبه كافر وان المواعن كذا المذنب اسم الايمان في الوجهين جميعا وفرقة ثالثة من الصفرية قالت بقول من قال من البيهسية ان صاحب الذنب لا يحكم عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالي فيحده فصارت الصفرية على هذا التقدير ثلاث فرق:

(1)        فرقة تزعم أن صاحب كل ذنب مشرك كما قالت الازارقة.

(2)        والثانية تزعم أن اسم الكفر واقع على صاحب دين ليس فيه حد والمحدود في ذنبه خارج عن الايمان وغير داخل في الكفر.

(3)        والثالثة تزعم أن اسم الكفر يقع على صاحب الذنب اذا حده الوالي على ذنبه.

     وهذه الفرق الثلاث من الصفرية يخالفون الأزارقة في الاطفال والنساء كما بيناه قبل هذا وكل الصفرية يقولون بموالاة عبد الله بن وهب الراسبى وحرقوص بن زهير واتباعهما من المحكمة الاولى ويقولون بإمامة ابى بلال مرداس الخارجى بعدهم وبإمامة عمران بن حطان السدويسي بعد ابى بلال.

     فأما ابو بلال مرداس فإنه خرج في أيام يزيد بن معاوية بناحية البصرة على عبيد الله بن زياد فبعث اليه عبيد الله بن زياد بزرعة بن مسلم العامرى في ألفى فارس وكان زرعة يميل الى قول الخوارج فلما اصطف الفريقان للقتال قال زرعة لأبى بلال أنتم على الحق ولكنا نخاف من ابن زياد أن يسقط عطانا فلا بد لنا من قتالكم فقال له أبو بلال وددت لو كنت قبلت فيكم قول أخى عروة فإنه اشار على بالاستعراض لكم كما استعرض قريب وزحاف الناس في طرقهم بالسيف ولكنى خالفتهما وخالفت أخى ثم حمل ابو بلال وأتباعه على زرعة وجنده فهزموهم ثم إن عبيد الله بن زياد بعث اليه بعباد بن أخضر التميمى فقاتل ابا بلال بنوج وقتله مع اتباعه فلما ورد على ابن زياد خبر قتل أبى بلال قتل من وجدهم بالبصرة من الصفرية وظفر بعروة أخى مرداس فقال له يا عدو الله أشرت على اخيك مرداس بالاستعراض للناس فقد انتقم الله تعالى للناس منك ومن أخيك ثم أمر به فقطعت يداه ورجلاه وصلبه.

     فلما قتل مرداس اتخذت الصفرية عمران بن حطان إماما وهو الذى رثى مرداسا بقصائد يقول في بعضها:

أنكرت بعدك ما قد كنت اعرفه         ما الناس بعدك يا مرداس بالناس

     وكان عمران بن حطان هذا ناسكا شاعرا شديدا في مذهب الصفرية وبلغ من خبثة في غزوة على رضي الله عنه أنه رثى عبد الرحمن بن ملجم وقال في ضربه عليا:

يا ضربة من منيب ما أراد بها         الا ليبلغ قردى العرش رضوانا

إنى لأذكره يوما فأحسبه         أو في البرية عند الله ميزانا

     قال عبد القاهر وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا:

يا ضربة من كفور ما استفاد بها         إلا الجداء بما يصليه نيرانا    

إنى لألعنه دينا وألعن من         يرجو له أبدا عفوا وغفرانا    

ذاك الشقي  لأشفى الناس كلهم         أخفهم عند رب الناس ميزانا         

       ذكر العجاردة من الخوارج:

    العجاردة كلها أتباع عبد الكريم بن عجرد وكان عبد الكريم من اتباع عطيه بن الاسود الحنفى وقد كانت العجاردة مفترقة عشر فرق يجمعهاالقول بأن الطفل يدعى إذا بلغ وتجب البراءة منه قبل ذلك حتى يدعى الىالاسلام أو يصفه هو وفارقوا الازارقة في شيء آخر وهو ان الازارقة استحلت أموال مخالفيهم بكل حال والعجاردة لا يرون أموال مخالفيهم فيئا الا بعد قتل صاحبه فكانت العجاردة على هذه الجملة الى ان افترقت فرقها التى نذكرها بعد هذا.

       ذكر الخازمية منهم

     هؤلاء أكثر عجاردة سجستان وقد قالوا في باب القدر والاستطاعة والمشيئة بقول أهل السنة أن لا خالق إلا الله ولا يكون إلا ما شاء الله وأن الاستطاعة مع الفعل وأكفر والميمونية الذين قالوا في باب القدر والاستطاعة بقول القدرية المعتزلة عن الحق.

     ثم إن الخازمية خالفوا أكثر الخوارج في الولاية والعداوة وقالوا انهما صفتان لله تعالى وإن الله عز وجل إنما يتولى العبد على ما هو صائر اليه من الايمان وإن كان في أكثر عمره كافرا ويرى منه ما يصير اليه من الكفر فى آخر عمره وإن كان فى أكثر عمره مؤمنا وان الله تعالى لم يزل محبا لأوليائه ومبغضا لأعدائه وهذا القول منهم موافقا لقول أهل السنة فى الموافاة غير ان أهل السنة ألزموا الخازمية على قولها بالموافاة ان يكون على وطلحة والزبير وعثمان من أهل الجنة لانهم من أهل بيعة الرضوان الذين قال الله تعالى فيهم {لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} وقالوا لهم اذا كان الرضا من الله تعالى عن العبد انما يكون على علم انه يموت على الايمان وجب ان يكون المبايعون تحت الشجرة على هذه الصفة وكان على وطلحة والزبير منهم وكان عثمان يومئذ أسيرا فبايع له النبي وجعل يده بدلا عن يده وصح بهذا بطلان قول من أكفر هؤلاء الاربعة.

       ذكر الشعيبية منهم

     قول هؤلاء فى باب القدر والاستطاعة والمشيئة كقول الخازمية وانما ظهر ذكر الشعيبية حين نازع زعيمهم المعروف بشعيب رجلا من الخوارج اسمه ميمون وكان السبب في ذلك أنه كان لميمون على شعيب مال فتقاضاه فقال له شعيب أعطيكه ان شاء الله فقال له ميمون قد شاء الله ذلك الساعة فقال شعيب لو كان قد شاء ذلك لم استطع ألا اعطيكه فقال ميمون قد أمرك الله بذلك وكل ما أمر به فقد شاءه وما لم يشأ لم يأمر به فافترقت العجاردة عند ذلك فتبع قوم شعيبا وتبع آخرون ميمونا وكتبوا في ذلك الى عبد الكريم بن عجرد وهو يومئذ في حبس السلطان فكتب في جوابهم إنما نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا نلحق بالله سواء فوصل الجواب اليهم بعد موت ابن عجرد وادعى ميمون أنه قال بقوله لأنه قال لا نلحق بالله سوءا وقال شعيب بل قال بقولى لأنه قال نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ومالت الخازمية وأكثر العجاردة الى شعيب ومالت الحمزية مع القدرية الى ميمون.

     ثم زادت الميمونية على كفرها في القدر نوعا من المجوسية فأباحوا نكاح بنات البنات وبنات البنين ورأوا قتال السلطان ومن رضي بحكمه فرضا فأما من أنكره فلا يرون قتله إلا اذا أغار عليهم أو طعن في دينهم أو كان دليلا للسلطان.

     وسنذكر الميمونية في جملة فرق الغلاة الخارجين عن الملة في باب بعد هذا إن شاء الله عز وجل.

     وقد كان من جملة الميمونة رجل يقال له خلف ثم أنه خالف الميمونية في القدر والاستطاعة والمشيئة وقال في هذه الثلاثة بقول أهل السنة وتبعه على ذلك خوارج كرمان ومكران فيقال لهم الخلفية وهم الذين قاتلوا حمزة ابن اكرك الخارجى في أرض كرمان.

       ذكر الخلفية منهم

     هم أتباع خلف الذى قاتل حمزة الخارجى والخلفية لا يرون القتال إلا مع إمام منهم وقد كفوا أيديهم عن القتال لفقدهم من يصلح للإمامة منهم وصارت الخلفية الى قول الأزارقة في شىء واحد وهو دعواهم أن أطفال مخالفيهم في النار.

       ذكر المعلومية والمجهولية منهم

      هاتان فرقتان من جملة الخازمية ثم أن المعلومية منهما خالفت سلفها في شيئين:

     أحدهما دعواها أن من لم يعرف الله تعالى بجميع أسمائه فهو جاهل به والجاهل به كافر.

     والثانى أنهم قالوا إن أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى، ولكنهم قالوا في الاستطاعة والمشيئة بقول اهل السنة فى أن الاستطاعة مع الفعل وأنه لا يكون إلا ما شاء الله.

     وهذه الفرقة تدعى إمامة من كان على دينها وخرج بسيفة على اعدائه من غير براءة فهم عن القعدة عنهم.

     وأما المجهولية منهم فقولهم كقول المعلومية غير أنهم قالوا من عرف الله ببعض اسمائه فقد عرفه وأكفروا المعلومية منهم في هذا الباب.

      ذكر الصلتية منهم:

     هؤلاء منسوبون الى صلت بن عثمان وقيل صلت بن أبى الصلت وكان من العجاردة غير أنه قال إذا استجاب لنا الرجل وأسلم توليناه وبرئنا من أطفاله لأنه ليس لهم إسلام حتى يدركوا فيدعون حينئذ الى الاسلام فيقبلونه وبازاء هذه الفرقة فرقة اخرى وهى التاسعة من العجاردة زعموا أنه ليس لأطفال المؤمنين ولا لأطفال المشركين ولاية ولا عداوة حتى يدركوا فيدعوا الى الاسلام فيقبلوا او ينكروا    

       ذكر الحمزية منهم:

     هؤلاء اتباع حمزة بن أكرك الذي عاث سجستان وخراسان ومكران وقهستان وكرمان وهزم الجيوش الكثيرة وكان في الاصل من العجاردة الخازمية ثم خالفهم في باب القدر والاستطاعة فقال فيها بقول القدرية فأكفرته الخازمية في ذلك ثم زعم مع ذلك أن أطفال المشركين في النار فأكفرته القدرية في ذلك ثم إنه والى القعدة من الخوراج مع قوله بتكفير من لا يوافقه على قتال مخالفيه من فرق هذه الامة مع قوله بأنهم مشركون وكان اذا قاتل قوما وهزمهم أمر باحراق أموالهم وعقد دوابهم وكان مع ذلك يقتل الاسراء من مخالفيهم وكان ظهوره في أيام هارون الرشيد فى سنة تسع وسبعين ومائة وبقى الناس في فتنته الى أن مضى صدر من أيام خلافة المأمون ولما استولى على بعض البلدان جعل قاضيه أبا يحيى يوسف بن بشار وصاحب جيشه رجلا اسمه جيويه بن معبد وصاحب حرسه عمرو بن صاعد وكان معه جماعة من شعراء الخوارج كطلحة بن فهد وأبى الجلندى وأقرانهم وبدأ بقتال البيهسية من الخوارج وقتل الكثير منهم فسموه عند ذلك أمير المؤمنين وقال الشاعر طلحة بن فهد في ذلك:

أمير المؤمنين على رشاد         وغير هداية نعم الأمير    

امير يفضل الامراء فضلا         كما فضل السها القمر المنير    

     ثم ان حمزة أسرى سرية الى الخازمية من الخوارج بناحية فلجرد فقتل منهم مقتلة عظيمة ثم قصد بنفسه هراة فمنعه اهلها من دخولها فاستعرض الناس خارج المدينة وقتل منهم الكثير فخرج اليه عمرو بن يزيد الازدى وهو يومئذ والى هراة مع جنده فدامت الحرب بينهم شهورا وقتل من ارض هراة جماعة وقتل من أصحاب هيصم الشاري وكان داعية حمزة يدعو الناس الى ضلالته ثم أغار حمزة على كروخ من رستاق هراة واحرق أموالهم وعقر أشجارهم ثم حارب عمرو بن يزيد الأزدى بقرب بوشبخ وقتل عمر ثم انتصب على بن عيسى بن هاديان وهو يومئذ والى خراسان لحرب حمزة فانهزم منه الى ارض سجستان بعد ان قتل من قواده ستون رجلا سوى اتباعه فلما وصل الى سجستان منعه أهل زرنخ عن دخول البلد فاستعرض الناس بالسيف في صحراء البلد ثم تنكر لأهل زرنخ بان ألبس أصحابه السواد يوهمهم انهم أصحاب السلطان وأنذرهم بذلك منذر فمنعوه من دخول البلدة فعقر نخلهم في سوادهم وقتل المجتازين فى صحاريهم ثم قصد نهر شعبة وقتل بها الكثير من الخوارج الخلفية وعقر اشجارهم وأحرق أموالهم وانهزم منه رئيس للخلفية اسمه مسعود بن قيس وعبر فى هزيمته واديا وغرق فيه وشك أتباعه في موته وهم ينتظرونه الى اليوم ثم رجع حمزة من كرمان وأغار في طريقه على رستاق بست من رساتيق نيسابور وكان بها قوم من الخوارج الثعالبة فقتلهم حمزة ودامت فتنة بخراسان وكرمان وقهستان وسجستان الى آخر ايام الرشيد وصدر من خلافة المأمون لاشتغال حند أكثر خراسان بقتال رافع بن ليث بن نصر بن سيان على باب سمرقند فلما تمكن المأمون من الخلافة كتب الى حمزة كتابا استدعاه فيه الى طاعته فما ازداد الا عتوا في امره فبعث المأمون بطاهر بن الحسين لقتال حمزة فدارت بين طاهر وحمزة حروب قتل فيها من الفريقين مقدار ثلاثين ألفا أكثرهم من اتباع حمزة وانهزم فيها حمزة الى كرمان وأتى طاهر على القعدة عن حمزة ممن كان على رأيه وظفر بثلثمائة منهم فأمر بشد كل رجل منهم بالحبال بين شجرتين قد جذبت رؤوس بعضها الى بعض ثم قطع الرجل بين الشجرتين فرجعت كل واحدة من الشجرتين بالنصف من بدن المشدود عليها ثم ان المأمون استدعى طاهر بن الحسين من خراسان وبعث به الى منصبه فطمع حمزة في خراسان فأقبل فى جيشه من كرمان فخرج اليه عبد الرحمن النيسابورى في عشرين الف رجل من غزاة نيسابور ونواحيها فهزموا حمزة باذن الله وقتلوا الالوف من أصحابه وانفلت منهم حمزة جريحا ومات في هزيمته هذه وأراح الله عز وجل منه ومن أتباعه العباد بعد ذلك وكانت هذه الواقعة التى هلك بعدها حمزة الخارجى القدرى من مفاخر اهل نيسابور والحمد لله على ذلك.    

       ذكر الثعالبة منهم

     هؤلاء اتباع ثعلبة بن مشكان والثعالبة تدعى إمامته بعد عبد الكريم بن عجرد ويزعم أن عبد الكريم بن عجرد كان إماما قيل أن خالفه ثعلبة في حكم الاطفال فلما اختلفا في ذلك كفر بن عجرد وصار ثعلبة إماما والسبب في اختلافهما أن رجلا من العجاردة خطب الى ثعلبة بنته فقال له بين مهرها فأرسل الخاطب امرأة الى ام تلك البنت يسألها هل بلغت البنت فإن كانت قد بلغت ووصفت الاسلام على الشرط الذى تعتبره العجاردة لم يبال كم كان مهرها فقالت امها هى مسلمة في الولاية بلغت أم لم تبلغ فاخبر بذلك عبد الكريم بن عجرد وثعلبة بن مشكان فاختار عبد الكريم البراءة من الاطفال قبل البلوغ وقال ثعلبة نحن على ولايتهم صغارا وكبارا الى أن يبين لنا منهم إنكار للحق فلما اختلفا في ذلك برىء كل واحد منهما من صاحبه وصار أتباع كل واحد منهما فرقا وقد ذكرنا فرق العجاردة قبل هذا.

     وصارت الثعالبة بعد ذلك ست فرق:

     فرقة أقامت على إمامة ثعلبة ولم تقل بإمامة أحد بعده ولم يكترثوا لما ظهر فيهم من خلاف الاخنسية والمعبدية.

      ذكر المعبدية منهم:

     والفرقة الثانية منهم معبدية قالت بإمامة رجل منهم بعد ثعلبة اسمه معبد خالف جمهور الثعالبة فى أخذ الزكاة من العبيد العبيد فى إعطائهم منها واكفر من لم يقل بذلك وأكفره سائر الثعالبة في قوله     

      الأخنسية:

     والفرقة الثالثة منهم الاخنسية اتباع رجل منهم كان يعرف بالأخنس وكان في بدء أمره على قول الثعالبة في موالاة الأطفال ثم خنس من بينهم فقال يجب علينا ان نتوقف عن جميع من فى دار التقية الا من عرفنا منه ايمانا فنوليه عليه او كفرا فبرئنا منه وقالوا بتحريم القتل والاغتيال في السروان يبدأ أحد من أهل القبلة بقتال حتى يدعى إلا من عرفوه بعينه وصار له تبع على هذا القول وبرىء من سائر الثعالبة وبرىءمنه سائرهم    

 

     الشيبانية

     منهم والفرقة الرابعة من الثعالبة شيبانية هم اتباع شيبان بن سلمة الخارجى الذى خرج في ايام أبى مسلم صاحب دولة بنى العباس وأعان أبا مسلم على أعدائه فى حروبه وكان مع ذلك يقول بتشبيه الله سبحانه لخلقه فأكفره سائر الثعالبة مع أهل السنة في قوله بالتشبيه وأكفرته الخوارج كلها في معاونته أبا مسلم والذين أكفروه من الثعالبة يقال لهم زيادية أصحاب زياد بن عبد الرحمن والشيبانية يزعمون أن شيبان تاب من ذنوبه وقالت الزيادية إن ذنوبه كان منها مظالم العباد التى لا تسقط بالتوبة وأنه أعان أبا مسلم على قتاله مع الثعالبة كما أعانه على قتاله مع بنى أمية.     

      ذكر الرُشيدية منهم:

    والفرقة الخامسة من الثعالبة يقال لهم رشيدية نسبوا الى رجل اسمه رشيد وانفردوا بأن قالوا فيما سقى بالعيون والانهار الجارية نصف العشر وإنما يجب العشر الكامل فيما سقته السماء فحسب وخالفهم زياد بن عبد الرحمن فأوجب فيما سقى بالعيون والأنهار الجارية العشر الكامل     

      ذكر المكرمية منهم:

    والفرقة الثالثة من الثعالبة يقال لهم المكرمية اتباع أبى مكرم زعموا ان تارك الصلاة كافر لا لاجل ترك الصلاة لكن لجهله بالله عز وجل وزعموا ان كل ذي ذنب جاهل بالله والجهل بالله كفر وقالوا ايضا بالموافاة في الولاية والعداء.

     فهذا بيان فرق الثعالبة وبيان اقوالها.    

      ذكر الاباضية وفرقها:

     أجمعت الاباضية على القول بامامة عبد الله بن أباض وافترقت فيما بينها فرقا يجمعها القول بأن كفار هذه الامة يعنون بذلك مخالفيهم من هذه الامة براء من الشرك والإيمان وانهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفار وأجازوا شهادتهم وحرموا دماءهم في السر واستحلوها فى العلانية وصححوا منا كحنهم والتوارث منهم وزعموا انهم في ذلك محاربون لله ولرسوله لا يدينون دين الحق وقالوا باستحلال بعض اموالهم دون بعض والذى استحلوه الخيل والسلاح فأما الذهب والفضة فانهم يردونهما على أصحابهما عند الغنيمة.

     ثم افترقت الاباضية فيما بينهم أربع فرق وهى الحفصية والحارثية واليزيدية وأصحاب طاعة لا يراد الله بها.

     واليزيدية منهم غلاة لقولهم بنسخ شريعة الاسلام في آخر الزمان وسنذكرهم في باب فرق الغلاة المنتسبين الى الاسلام بعد هذا.

     وانما نذكر في هذا الباب الحفصية والحارثية وأصحاب طاعة لا يراد الله بها    

     ذكر الحفصية منهم:

     هؤلاء قالوا بامامة حفص بن أبي المقدام وهو الذى زعم أن بين الشرك والايمان معرفة الله تعالى وحدها فمن عرفه ثم كفر بما سواه من رسول او جنة او نار او عمل بجميع المحرمات من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر المحرمات فهو كافر برىء من الشرك ومن جهل بالله تعالى وأنكره فهو مشرك وتأول هؤلاء فى عثمان بن عفان مثل تأول الرافضة في ابى بكر وعمر وزعموا ان عليا هو الذى انزل الله تعالى فيه {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام}. وأن عبد الرحمن بن ملجم هو الذى أنزل الله فيه {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله}.   

     ثم قالوا بعد هذا كله ان الإيمان بالكتب والرسل متصل بتوحيد الله عز وجل فمن كفر بذلك فقد اشرك بالله عز وجل وهذا نقيض قولهم إن الفصل بين الشرك والايمان معرفة الله تعالى وحده وأن من عرفه فقد برىء من الشرك وإن كفر بما سواه من رسول او جنة أو نار فصار قولهم في هذا الباب متناقضا.     

      ذكر الحارثية منهم:

     هؤلاء اتباع حارث بن مزيد الأباضي وهم الذين قالوا في باب القدر بمثل قول المعتزلة وزعموا ايضا أن الاستطاعة قبل الفعل وأكفرهم سائر الأباضية في ذلك لان جمهورهم على قول أهل السنة فى ان الله تعالى خالق أعمال العباد وفى أن الاستطاعة مع الفعل.

     وزعمت الحارثية انه لم يكن لهم إمام بعد المحكمة الاولى إلا عبد الله بن أباضى وبعده حارث ابن مزيد الاباضى    

      ذكر اصحاب طاعة لا يراد الله بها:

     زعم هؤلاء أنه يصح وجود طاعات كثيرة ممن لا يريد الله تعالى بها كما قاله ابو الهزيل وأتباعه من القدرية.

     وقال أصحابنا أن ذلك لا يصح إلا في طاعة واحدة وهو النظر الاول فإن صاحبه اذا استذل به كان مطيعا لله تعالى في فعله وإن لم يقصد به التقرب الى الله تعالى لاستحالة تقربه اليه قبل معرفته فاذا عرف الله تعالى فلا يصح منه بعد معرفته طاعة منه لله تعالى الا بعد قصده التقرب بها اليه.

     وزعمت الأباضية كلها أن دور مخالفيهم من أهل مكة دار توحيد الا معسكر السلطان فإنه دار بغى عندهم.

     واختلفوا في النفاق على ثلاثة أقوال:

     فقال فريق منهم إن النفاق براءة من الشرك والايمان جميعا واحتجوا بقول الله عز وجل في المنافقين {مذبذين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا}.

     وفرقة منهم قالت كل نفاق شرك لأنه يضاد التوحيد وفرقة ثالثة قالت لا نزيل اسم النفاق عن موضعه ولا نسمى بالنفاق غير القوم الذين سماهم الله تعالى منافقين.

     ومن قال منهم بأن المنافق ليس بمشرك زعم أن المنافقين على عهد رسول الله كانوا موحدين وكانوا أصحاب كبائر فكفروا وإن لم يدخلوا في حد الشرك.

     قال عبد القاهر بعد الجملة التى حكيناها عنهم شذوذ من الأقوال انفردوا بها:

     منها أن فريقا منهم زعموا أن لا حجة لله تعالى على الخلائق في التحويد وغيره الا بالخبر وما يقوم مقام الخبر من إشارة وايماء.

     ومنها أن قوما منهم قالوا كل من دخل فى دين الاسلام وجبت عليه الشرائع والاحكام سمعها أو عرفها أو لم يسمعها ولم يعرفها وقال سائر الامة لا يأثم بترك ما لم يقف عليه منها إلا أن ثبتت عليه الحجة فيه.

     ومنها أن قوما منهم قالوا بجواز ان يبعث الله تعالى الى خلقه رسولا بلا دليل يدل على صدقة.

     ومنها ان قوما منهم قالوا من ورد عليه الخبر بأن الله تعالى قد حرم الخمر او ان القبلة قد حولت فعليه ان يعلم ان الذى أخبره به مؤمن او كافر وعليه ان يعلم ذلك بالخبر وليس عليه ان يعلم أن ذلك عليه بالخبر.

     ومنها قول بعضهم ليس على الناس المشى الى الصلاة ولا الركوب والمسير للحج ولا شيء من الاسباب التى يتوصل بها الى أداء الواجب وانما يجب عليهم فعل الطاعات الواجبة بأعيانها دون اسبابها الموصلة اليها.

     ومنها قولهم جميعا بوجوب استتابة مخالفيهم في تنزيل او تأويل فان تابوا والا قتلوا سواء كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله او فيما لا يسع جهله.

     وقالوا من زنى او سرق أقيم عليه الحد ثم استتيب فان تاب والا قتل.

     وقالوا ان العالم يفنى كله اذا افنى الله اهل التكليف ولا يجوز الا ذلك لأنه انما خلقه لهم.

     وأجازت الاباضية وقوع حكمين مختلفين فى شيء واحد من وجهين كمن دخل زرعا بغير إذن مالكه فان الله قد نهاه عن الخروج منه اذا كان خروجه منه مفسدا للزرع وقد أمره به.

     وقالوا لا يتبع المدبر في الحرب اذا كان من أهل القبلة وكان موحدا ولا نقبل منهم امرأة ولا ذرية وأباحوا قتل المشبهه واتباع مدبرهم وسبى نسائهم وذراريهم وقالوا ان هذا كما فعله ابو بكر بأهل الردة.

     وقد كان من الاباضية رجل يعرف بابراهيم دعا قوما من اهل مذهبة الى داره وأمر جارية له كانت على مذهبه بشيء فأبطأت عليه فحلف ليبيعنها في الاعراب فقال له رجل منهم اسمه ميمون وليس هو صاحب الميمونية من العجاردة كيف تبيع جارية مؤمنة الى الكفرة فقال له ابراهيم ان الله تعالى قد أحل البيع وقد مضى أصحابنا وهم يستحلون ذلك فتبرأ منهم ميمون وتوقف آخرون منهم فى ذلك وكتبوا بذلك الى علمائهم فأجابوهم بأن بيعها حلال وبأنه يستتاب ميمون ويستتاب من توقف فى ابراهيم فصاروا في هذا ثلاث فرق إبراهيمية وميمونية واقفة وتبع إبراهيم على إجازة هذا البيع قوم يقال لهم الضحاكية وأجازوا نكاح المسلمة من كفار قومهم في دار التقية فأما فى دار حكمهم فلا يستحلون ذلك وقوم منهم توقفوا في هذه المسلمة وفى أمر الزوجة وقالوا ان ماتت لم نصل عليها ولم نأخذ ميراثها لأنا لا ندري ما حالها.

     وتبع بعد هؤلاء الإبراهيمية قوم يقال لهم البيهسية أصحاب أبى بيهس هيصم بن عامر قالوا ان ميمونا كفر بأن حرم بيع الأمة في دار التقية من كفار قومنا وكفرت الواقفة بأن لم يعرفوا كفر ميمون وصواب إبراهيم وكفر إبراهيم بأن لم يتبرأ من الواقفة.

     قالوا وذلك أن الوقوف بما يسع على الأبدان وانما الوقوف على الحكم بعينه مالم يوافقه أحد فاذا وافقه أحد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك إلا أن يعرف من عرف الحق ودان به ومن أظهر الباطل ودان به.

     ثم ان البيهسية قالت: ان من واقع ذنبا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالى ويحد ولا نسميه قبل الرفع الى الوالى مؤمنا ولا كافرا.

     وقال بعض البيهسية فاذا كفر الإمام كفرت الرعية وقال بعضهم كل شراب حلال الأصل موضوع عمن سكر منه كل ما كان منه في السكر من ترك الصلاة والشتم لله عز وجل وليس فيه حد ولا كفر ما دام في سكره.

     وقال قوم من البيهسية يقال لهم العوفية السكر كفر اذا كان معه غيره من ترك الصلاة ونحوه.

     وافترقت العوفية من البيهسية فرقتين فرقة قالت من رجع عنا من دار هجرته ومن الجهاد الى حال القعود برئنا منه وفرقة قالت بل تتولاه لانه رجع إلى أمر كان مباحا له قبل هجرته الينا وكلا الفريقين قال اذا كفر الإمام كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد.

     وللأباضية والبيهسية بعد هذا مذاهب قد ذكرناها في كتاب الملل والنحل وفيما ذكرنا منه في هذا الكتاب كفاية. 

     ذكر الشبيبية منهم:

     هؤلاء يعرفون بالشبيبية لانتسابهم الى شبيب بن يزيد الشيبانى المكنى بأبى الصحارى ويعرفون بالصالحية أيضا لانتسابهم الى صالح بن مشرح الخارجي.

     وكان شبيب بن يزيد الخارجى من اصحاب صالح ثم تولى الأمر بعده على جنده وكان السبب في ذلك أن صالح بن مشرح التميمى كان مخالفا للازارقة وقد قال انه كان صفريا وقيل إنه لم يكن صفريا ولا أزرقيا وكان خروجه على بشر بن مروان فى أيام ولايته على العراق من جهة أخيه عبد الملك بن مروان وبعث بشر اليه بالحارث بن عمير وذكر المواينى أن خروج صالح كان على الحجاج بن يوسف وأن الحجاج بعث بالحارث بن عمير الى قتاله وأن القتال وقع بين الفريقين على باب حصن حلولا وانهزم صالح جريحا فلما أشرف على الموت قال لاصحابه قد استخلفت عليكم شبيبا وأعلم أن فيكم من هو أفقه منه ولكنه رجل شجاع مهيب في عدوكم فليعنه الفقيه منكم بفقهه ثم مات وبايع أتباعه شبيبا الى أن خالف صالحا فى شيء واحد وهو أنه مع أتباعه أجازوا إمامة المرأة منهم اذا قامت بأمورهم وخرجت على مخالفيهم وزعموا أن غزالة أم شبيب كانت الإمام بعد قتل شبيب الى أن قتلت واستدلوا على ذلك بأن شبيبا لما دخل الكوفة أقام أمه على منبر الكوفة حتى خطبت.

     وذكر أصحاب التواريخ أن شبيبا في ابتداء أمره قصد الشام ونزل على روح بن زنباع وقال له سل أمير المؤمنين أن يفرض لى في أهل الشرف فإن لى في بنى شيبان تبعا كثيرا فسأل روح بن زنباع عبد الملك بن مروان ذلك فقال هذا رجل لا أعرفه وأخشى أن يكون حروريا فذكر روح لشبيب أن عبد الملك بن مروان ذكر أنه لا يعرفه فقال سيعرفنى بعد هذا ورجع الى بنى شيبان وجمع من الخوارج الصالحية مقدار الف رجل واستولى بهم على ما بين كسكر والمدائن فبعث الحجاج اليه بعبيد بن أبىالمخارق المتنبى فى الف فارس فهزمه شبيب فوجه اليه بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهزمه شبيب وبعث بعتاب بن ورقاء التميمى فقتله شبيب وما زال كذلك حتى هزم للحجاج عشرين جيشا في مدة سنتين ثم إنه كبس الكوفة ليلا ومعه الف من الخوارج ومعه أمة غزالة وامرأته جهزية فى مائتين من نساء الخوارج قد اعتقلن الرماح وتقلدن السيوف فلما كبس الكوفة ليلا قصد المسجد الجامع وقتل حراس المسجد والمعتكفين فيه ونصب امه غزالة على المنبر حتى خطبت وقال خزيم بن فاتك الأسدى فى ذلك:

أقامت غزالة سوق الضرار       لأهل العراقين حولا قميطا    

سمت للعراقين في جيشها         فلاق العراقان منها طيطا         

     وصبر الحجاج لهم في داره لان جيشه كانوا متفرقين إلى أن اجتمع جنده إليه بعد الصبح وصلى شبيب بأصحابه فى المسجد وقرأ فى ركعتى الصبح سورتى البقرة وآل عمران ثم وافاه الحجاج في أربعة آلاف من جنده واقتتل الفريقان فى سوق الكوفة إلى أن قتل أصحاب شبيب وانهزم شبيب فيمن بقى معه الى الأنبار فوجه الحجاج فى طلبه جيشا فهزموا شبيبا من الأنبار الى الأهواز وبعث الحجاج سفين بن الأبرد الكليبى فى ثلاثة آلاف لطلب شبيب فنزل سفين على شط الدجيل وركب شبيب جسر الدجيل ليعبر اليه وأمر سفين أصحابه بقطع حبال الجسر فاستدار الجسر وغرق شبيب مع فرسه وهو يقول {ذلك تقدير العزيز العليم} وبايع أصحاب شبيب فى الجانب الآخر من الدجيل غزالة أم شبيب وعقد سفين بن الأبرد الجسر وعبر مع جنده الى أولئك الخوارج وقتل اكثرهم وقتل غزالة ام شبيب وامرأته جهيزه وأسر الباقين من اتباع شبيب وأمر الغواصين بإخراج شبيب من الماء وأخذ رأسه وانفذه مع الاسرى الى الحجاج فلما وقف الاسرى بين يدى الحجاج أمر بقتل رجل منهم قال له اسمع مني بيتين أختم بهما عملي ثم أنشأ يقول:

أبرأ الى الله من عمرو وشيعته        ومن على ومن أصحاب صفين    

ومن معاوية الطاغى وشيعته         لا بارك الله في القوم الملاعين         

     فأمر بقتله وبقتل جماعة منهم وأطلق الباقين.

     قال عبد القاهر يقال للشبيبة من الخوراج أنكرتم على أم المؤمنين عائشة خروجها الى البصرة مع جندها الذى كل واحد منهم محرم لها لأنها أم جميع المؤمنين فى القرآن وزعمتم أنها كفرت بذلك وتلوتم عليها قول الله تعالى وقرن فى بيوتكن فهلا تلوتم هذه الآية على غزالة أم شبيب وهلا قلتم بكفرها وكفر من خرجن معها من نساء الخوارج الى قتال جيوش الحجاج فان أجزتم لهن ذلك لانه كان معهن أزواجهن او بنوهن واخوتهن فقد كان مع عائشة أخوها عبد الرحمن وابن اختها عبد الله بن الزبير وكل واحد منهم محرم لها وجميع المسلمين بنوها وكل واحد محرم لها فهلا أجزتم لها ذلك على ان من أجاز منكم إمامة غزالة فإمامتها لائقة به وبدينه والحمد لله على العصمة من البدعة.